( الصفحه 90 )
مقاماً محمودا{(1) والمراد من دلوك الشمس هو زوالها وانتقالها عن دائرة نصف النهار كما يظهر من كثير من أهل اللغة ويدلّ عليه رواية زرارة الآتية ، ومن الغسق انتصاف الليل أو سقوط الشفق على ما سيأتي والآية تدلّ على بيان وقت الصلوات اليومية بأجمعها أربع منها يستفاد من صدر الآية وواحدة من قوله : وقرآن الفجر . . . لأنّ المراد منه هي صلاة الصبح وإطلاقه عليها من باب إطلاق لفظ الجزء وإرادة الكلّ وقد وقع تفسيره بها في بعض الروايات الآتية .
ومنها : قوله تعالى : }أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل انّ الحسنات يذهبن السيئات{(2) بناء على أنّ المراد من طرفي النهار امّا الوقتان اللّذان يقع فيهما صلاة الصبح والعصر لكون الطرفين داخلين في النهار ، وامّا الوقتان اللّذان يقع فيهما صلاة الصبح والمغرب لكونهما واقعين في حدّه خارجين عن حقيقته فعلى الأوّل يكون المراد من قوله : وزلفاً من الليل هو وقت العشائين معاً وعلى الثاني خصوص وقت العشاء .
وقد فسّرت الآية صحيحة زرارة الطويلة بهذا المعنى حيث قال (عليه السلام) وطرفاه المغرب والغداة وزلفاً من الليل وهي صلاة العشاء الآخرة .
واحتمال كون المراد به وقت صلاة الليل ودخول أوقات الصلاة المفروضة في طرفي النهار بعيد ، ووجوب صلاة الليل ـ أي الوتر ـ على النبي (صلى الله عليه وآله) لا يؤيّد هذا الاحتمال بعد وضوح عدم كون الخطاب متوجّهاً إلى شخصه (صلى الله عليه وآله) فقط .
ومنها : قوله تعالى : }فأقيموا الصلاة انّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً
- (1) سورة الاسراء : 76 .
(2) سورة هود : 114 .
( الصفحه 91 )
موقوتاً{(1) بناء على كون المراد بالموقوت هو ذا وقت معيّن ، وامّا إذا كان المراد به هو المفروض فهو لا دلالة له على المقام ولكنّه بعيد لاستلزامه كون الموقوت غير مفيد لمعنى جديد ، بل أتى به تأكيداً لمعنى الكتاب كما لا يخفى ، نعم قد وقع تفسيره في بعض الروايات بالثبوت إشعاراً بالفرق بين الصلاة وبين الصوم بأنّها كتاب ثابت لا يسقط بحال دونه ، إذا عرفت ذلك يقع الكلام في تلك المقامات فنقول :
المقام الأوّل : في وقت صلاة الظهرين قال الله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل{(2) والمراد من الدلوك هو الزوال ولا مجال لتفسيره بالاصفرار المتحقّق حين دنو الشمس من الغروب ويدلّ على ما ذكرنا ـ مضافاً إلى تصريح كثير من أهل اللغة بذلك ـ صحيحة زرارة في تفسير الآية المشتملة على قول أبي جعفر (عليه السلام) : ودلوكها زوالها ، وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً ، قال : دلوك الشمس زوالها وغسق الليل انتصافه وقرآن الفجر ركعتا الفجر . فلا يبقى مع ذلك موقع للخدشة في أنّ معنى الدلوك هو الزوال كما هو ظاهر ويدلّ على أصل الحكم مضافاً إلى الكريمة الروايات المستفيضة بل المتواترة الظاهرة بل الصريحة في دخول وقت الظهر بمجرّد الزوال ومقتضاه عدم جواز التقديم على الزوال كما حكى عن ابن عبّاس وبعض آخر من جواز إتيان المسافر بها قرب الزوال كما انّ مقتضاه عدم لزوم الانتظار بعد الزوال لتحقّقه بمجرّده ولا بأس بذكر بعض هذه الروايات فنقول :
- (1) سورة النساء : 113 .
(2) سورة الاسراء : 76 .
( الصفحه 92 )
منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة .
ومنها : رواية عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن وقت الظهر والعصر ، فقال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلاّ انّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس .
ومنها : صحيحة أخرى لزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله)بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علّة .
ومنها : رواية صباح بن سيابة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين . ومثلها رواية سفيان بن السمط عن أبي عبدالله (عليه السلام) . ورواية منصور بن يونس عن العبد الصالح (عليه السلام) ، ورواية مالك الجهني عن أبي عبدالله (عليه السلام) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على هذا الحكم ، هذا كلّه مضافاً إلى استمرار طريقة المسلمين على ذلك في جميع الأعصار من زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا لكن هنا أخبار تدلّ بظاهرها على عدم تحقّق الوقت بمجرّد الزوال بل وقتها صيرورة الفيء قدماً أو قدمين أو قامة مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) انّهما قالا : وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان . ورواه الشيخ عن الفضيل والجماعة المذكورين وزاد : وهذا أوّل وقت إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر .
ورواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان فيء الجدار ذراعاً صلّى الظهر وإذا كان ذراعين صلّى العصر قال : قلت : إنّ الجدار يختلف بعضها قصير وبعضها طويل ، فقال : كان جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ
( الصفحه 93 )
قامة .
ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر وقامة للعصر .
ورواية سعيد الأعرج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في السفر أو يوم الجمعة فإنّ وقتها إذا زالت . وغير ذلك من الروايات الظاهرة في تأخّر الوقت عن الزوال .
هذا ولكن الظاهر انّها لا تدلّ على أنّ وقت الظهر لا يدخل إلاّ بعد تحقّق تلك المقادير حتّى يجب له انتظار حصولها بحيث لو أتى بها قبلها لكانت واقعة قبل الوقت فاسدة من أجل ذلك ، بل الظاهر انّ اعتبار تلك الاُمور إنّما هو لأجل الإتيان بالنافلة واختلافها في المقدار الموضوع للنافلة إنّما هو من جهة اختلاف المتنفلين في الخفة والبطؤ والتطويل والتقصير ويشهد لذلك روايات متعدّدة :
منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر فقال : ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس إلى أن قال : أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لِمَ جعل ذلك؟ قال : لمكان النافلة لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة . فإنّها ظاهرة في أنّ التأخير إلى الذراع لا لأجل دخول أصل الوقت ، بل لمكان النافلة وانّ البلوغ إليه إنّما يؤثّر في البدئة بالفريضة وترك النافلة لا في دخول وقت الاُولى كما لا يخفى .
ومنها : رواية صحيحة لمحمد بن أحمد بن يحيى قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السلام) روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين وظل مثلك
( الصفحه 94 )
والذراع والذراعين فكتب (عليه السلام) : لا القدم ولا القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ثمّ صلِّ الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات إن شئت طوّلت وإن شئت قصرت ثمّ صلِّ الظهر .
ومنها : رواية ذريح المحاربي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سئل أبا عبدالله (عليه السلام) ناس وأنا حاضر فقال : إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه إلاّ سبحتك تطيلها أو تقصرها الحديث .
ومنها : ذيل رواية إسماعيل الجعفي المتقدّمة وهو قوله (عليه السلام) : وإنّما جعل الذراع والذراعان لئلاّ يكون تطوّع في وقت فريضة .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على أنّ التأخير إنّما هو بلحاظ حال النافلة واشتغال المؤمنين بها ولئلاّ تقع في كبرى التطوّع في وقت الفريضة ويؤيّده استثناء السفر ويوم الجمعة في رواية سعيد الأعرج المتقدّمة فإنّ الظاهر انّ الاستثناء إنّما هو لأجل سقوط نافلة الظهرين في السفر وجواز التقديم على الزوال في يوم الجمعة كما مرّ سابقاً .
ثمّ إنّ المشهور اختصاص مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت بالإتيان بالظهر ومن آخر الوقت بالعصر بمعنى انّ لكلّ من الصلاتين وقتين أحدهما اختصاصي والآخر اشتراكي خلافاً للصدوق حيث إنّه يظهر منه اشتراك الظهرين في دخول وقتهما بمجرّد الزوال وامتداده إلى الغروب ويكون كلّ جزء من أجزاء هذه القطعة صالحاً لكلّ واحدة من الصلاتين ، غاية الأمر لزوم الترتيب بينهما وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا صلّى العصر بعد الزوال بلا فصل نسياناً ، فعلى المشهور تجب عليه الإعادة لوقوعها في غير وقتها; لأنّ المفروض وقوعها في الوقت الذي يختصّ