( الصفحة 151 )
تمر ، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله) : خذ هذا وتصدّق بها . فقال : والذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما بين لابيتها(1) أهل بيت أحوج إليه منّا ، فقال : خذه وكله أنت وأهلك ; فإنّه كفّارة لك(2) .
وهذه الرواية ضعيفة ، كما أ نّك عرفت سقوط الطائفتين المتوسطتين عن الاعتبار لأجل الإعراض ، فتبقى الصحيحة الأخيرة الصريحة في الترتيب في مقابل الطائفة الاُولى ، فلو قلنا بوجود التعارض وعدم إمكان الجمع المقبول عند العقلاء الموجب للخروج عن عنوان المتعارضين ، فاللازم الأخذ بالطائفة الاُولى ; لموافقتها لفتوى المشهور التي هي أوّل المرجّحات على ما ذكرناه مراراً .
وأمّا ما اُفيد(3) من دلالة تلك الطائفة على التخيير بالظهور الوضعي ، ودلالة الصحيحة الأخيرة على التعيين بالظهور الإطلاقي ، وهو لا يقاوم الظهور الوضعي كما قرّر في الاُصول ، فهو لا يوجب الخروج عن عنوان المتعارضين ، وهو الملاك كما قرّر فيه ، فتدبّر .
المقام الثالث : فيما جعله مقتضى الاحتياط الوجوبي من لزوم الجمع بين الخصال إن كان الإفطار على محرّم ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وقد أفتى به السيّد (قدس سره) في العروة (4) ، وعن المحقّق في المعتبر(5) أ نّه لم يجد عاملاً بكفّارة الجمع ، وكيف كان ،
- (1) يعني المدينة المنوّرة، ولابتاها: حرّتان عظيمتان يكتنفانها (مجمع البحرين 3: 1654ـ 1655، لوب).
(2) الفقيه 2 : 72 ح 309 ، معاني الأخبار : 336 ح 1 ، المقنع : 193 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 46 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 5 .
(3) المستند في شرح العروة 21 : 313 .
(4) العروة الوثقى 2 : 35 مسألة 2470 .
(5) المعتبر 2 : 668 .
( الصفحة 152 )
فقد استظهر بعض الأعلام (قدس سره) أ نّه لا ينبغي التأمّل في أنّ هذا القول حدث بين المتأخّرين عن زمن العلاّمة (قدس سره) ، وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه ، منهم : صاحب الحدائق (قدس سره) (1) . وأمّا القدماء فلم ينسب إليهم ذلك ما عدا الصدوق في الفقيه (2) ، فهو قول على خلاف المشهور (3) . وكيف كان ، فقد استدلّ عليه بعدّة روايات :
منها : موثقة سماعة المتقدّمة في المقام الثاني ، بناءً على اشتمالها على «و»مكان «أو» ، وعلى حمل الشيخ(4) إيّاها على إتيان الأهل على وجه محرّم، كحال الحيض، وبعد الظهار قبل الكفّارة ، واحتمل (قدس سره) أيضاً أن يكون المراد بـ «و» التخيير دون الجمع ، كما احُتمل أيضاً الحمل على الاستحباب ، جمعاً بينها وبين روايات التخيير .
أقول : الرواية قد نقلناها عن الطبع الحديث للوسائل ، وهي لا تشتمل على «و» ، مع أ نّه لا شاهد على الحمل على إتيان الأهل على وجه محرّم ، كما لا يخفى .
ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي ، فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ـ يعني عن المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ فيمن أفطر في شهر رمضان متعمّداً بجماع محرّم عليه ، أو بطعام محرّم عليه ، أ نّ عليه ثلاث كفّارات(5) .
- (1) الحدائق الناضرة 13 : 222 .
(2) الفقيه 2 : 74 .
(3) المستند في شرح العروة 21 : 314 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 208 ـ 209 ، الاستبصار 2 : 97 .
(5) الـفقيه 2 : 73 ـ 74 ح 317 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 55 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب10 ح 3 .
( الصفحة 153 )
وقد استند إليها الصدوق ـ في المحكي عنه ـ في فتواه السابقة .
والظاهر أنّ قوله : «يعني عن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف» تفسير لصاحب الوسائل ، وإلاّ فليس في كتاب الصدوق هذا التفسير ، كما أنّ رواية الصدوق عن العمري بلحاظ حكايته عن الصاحب عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ ضرورة أنّه ليس بمعصوم ـ يكون قوله حجّة ، والإشكال إنّما هو في الإرسال المتحقّق بين الصدوق ، وبين أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي ، فالرواية حينئذ لا تكون قابلة للاستناد إليها ، وقد عبّر نفسه عنها بالمرسلة .
ومنها : ما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن الصدوق ، عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : قلت للرضا (عليه السلام) : ياابن رسول الله قد روي عن آبائك (عليهم السلام) فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات ، وروي عنهم (عليهم السلام) أيضاً كفّارة واحدة ، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ قال : بهما جميعاً ، متى جامع الرجل حراماً ، أو أفطر على حرام في شهر رمضان ، فعليه ثلاث كفّارات : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ، وقضاء ذلك اليوم . وإن كان نكح حلالاً ، أو أفطر على حلال ، فعليه كفّارة واحدة ، وإن كان ناسياً فلا شيء عليه(1) .
والظاهر أنّ الرواية معتبرة قابلة للاستناد على مسلكنا في حجّية الأخبار . نعم ، على مبنى صاحب المدارك من اعتبار كون الراوي في جميع الطبقات عدلاً إماميّاً
- (1) تهذيب الأحكام 4 : 209 ح 605 ، الاستبصار 2 : 97 ح 316 ، الفقيه 3 : 238 ح 1128 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 : 314 ح 88 ، معاني الأخبار : 389 ح 27 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 53 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1 .
( الصفحة 154 )
فهي غير معتبرة ، وربّما يناقش(1) في وثاقة علي بن محمد بن قتيبة ; نظراً إلى أنّ المستند في ذلك كون الرجل من مشايخ الكشّي ، مع أ نّ هذا المقدار لا يكفي في وثاقته بعد ما نرى من توصيف النجاشي للكشّي بأ نّه يروي عن الضعفاء كثيراً(2)وإن كان يعظّمه في نفسه . وعليه : فمجرّد رواية الكشّي عن شخص لا دلالة فيها على الوثاقة .
نعم ، لو كان شيخاً لإجازته فالدلالة غير قابلة للمناقشة ، إلاّ أنّ شيخ الإجازة غير مجرّد الرواية ، خصوصاً مع ما عرفت من النجاشي . هذا بالإضافة إلى علي بن محمد بن قتيبة .
وأمّا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري ، فالذي أفاده بعض الأعلام (قدس سره) أ نّ الصدوق عمل بروايته ، بل وصفها بالصحّة (3) ، لكن يبعّده استناد الصدوق فيما نحن فيه إلى المرسلة مع كونه راوياً لهذه الرواية عنه ، والدلالة فيها قويّة جدّاً ، فهل لا يكون هذا قرينة على الخلاف ؟ خصوصاً مع أنّ الرجل لم يوثّق أصلاً ، ويحتمل قويّاً أن يكون الجاري عند الصدوق هي أصالة العدالة المعروفة عند القدماء ، فمع ذلك كيف يمكن الاعتماد على الرواية؟ وإن قلنا بأوسع ممّا قاله صاحب المدارك في باب حجّية الأخبار.
وكيف كان ، فهذه الروايات الثلاث المتقدّمة وإن لم يمكن الاستناد إليها لا منفرداً ولا مجتمعاً للفتوى بثبوت كفّارة الجمع في الإفطار بالمحرّم ، إلاّ أ نّه يمكن أن تصير منشأً للاحتياط الوجوبي، كما هو المذكور في المتن .
- (1) المستند في شرح العروة 21 : 318 ـ 319 .
(2) رجال النجاشي : 372، الرقم 1018 .
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 127 ب 35 ذ ح 2 .
( الصفحة 155 )
مسألة 3 : الأقوى أنّه لا تتكرّر الكفّارة بتكرار الموجب في يوم واحد ـ حتّى الجِماع ـ وإن اختلف جنس الموجب، ولكن لاينبغي ترك الاحتياط في الجِماع 1 .
ثمّ إنّه على تقدير وجوب كفّارة الجمع في الإفطار بالمحرّم فتوى أو احتياطاً لايختصّ الحكم بالمفطر الذي كان له حالتان : الحلّية والحرمة ، كالأكل والشرب والجماع مثلاً، بل يعمّ المفطر الذي ليس له إلاّ حالة واحدة، كالكذب على الله ـ تعالى ـ والرسول (صلى الله عليه وآله) والأئـمّة (عليهم السلام) ; لأ نّه محرّم صرف ، ولا يكون له حكم آخر.
وعليه : فيشكل الأمر بالإضافة إلى مورد التبليغ في أيّام شهر رمضان كما هو المتداول والمعمول ، سيّما المنبر والتكلّم عليه ; فإنّ اللازم على المتصدّيله الالتفات إلى هذه الجهة ، أو الانتساب إلى قول الآخرين أو كتبهم ، ولا يقتصر على ذكر ما يرتبط بهذه الذوات المقدّسة من دون العلم أو الاطمئنان ، ومن دون الانتساب المذكور ، فالاحتياط الذي لا ينبغي تركه هو ترك ذلك في اليوموالاكتفاء بالليل .
1ـ لا شبهة في تكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب في يومين أو أزيد ; سواء اتّحد جنس الموجب كالجماع فيهما ، أو اختلف كالأكل والجماع مثلاً ، إنّما الإشكال في التكرّر بتكرّر الموجب في يوم واحد ، كما إذا جامع مرّتين أو أكل كذلك ، ويظهر من المتن وجوب الفرق بين الجماع وغيره .
فنقول : أمّا غير الجماع ، فالوجه في عدم التكرّر فيه; أ نّه بارتكاب المفطر الأوّل يصير صومه فاسداً وإن كان يجب عليه مجرّد الإمساك في بقيّة اليوم ، فارتكاب المفطر الثاني لايكون إفطاراً في الحقيقة، فلا وجه لإيجابه الكفّارة إذ لم يقم دليل على