( الصفحة 156 )
مسألة 4 : تجب الكفّارة في إفطار صوم شهر رمضان ، وقضائه بعد الزوال ، والنذر المعيّن ، ولا تجب فيما عداها من أقسام الصوم; واجباً كان أو مندوباً ، أفطر قبل الزوال أو بعده . نعم ، ذكر جماعة وجوبها في صوم الاعتكاف إذا وجب ، وهم بين معمِّم لها لجميع المفطرات ، ومخصّص بالجِماع ، ولكنّ الظاهر الاختصاص بالجِماع ، كما أنّ الظاهر أنّها لأجل نفس الاعتكاف لا للصوم ، ولذا لا فرق بين وقوعه في الليل أو النهار . نعم ، لو وقع في نهار شهر رمضان تجب كفّارتان ، كما أنّه لو وقع الإفطار فيه بغير الجِماع تجب كفّارة
ثبوتها في ما يجب فيه الإمساك ولو مع اتّصاف الصوم بالبطلان ، ولا فرق في هذه الجهة بين صورة اختلافه وصورة اتّحاده ، فالوجه فيه واضح .
وأمّا الجماع ، فقد قال في المتن : إنّه لا ينبغي ترك الاحتياط فيه وإن كان السيّد في العروة(1) بعد حكمه بالاحتياط قد قوّى التكرّر ، والوجه فيه: أنّ الموضوع للحكم في جملة كثيرة من الروايات، هو عنوان الجماع الشامل لحالتي التلبّس بالصوم وعدمه مع فرض كونه مكلّفاً بالصوم .
وعليه : فتبتني المسألة على أنّ مقتضى الأصل عند اجتماع الأسباب هل هو التداخل أو عدمه ؟ وهذا بخلاف غير الجماع ; فإنّه لا يبتني على ذلك; لبطلان الصوم بالمفطر الأوّل ، ولم يقم دليل على ثبوت الكفّارة ولو بعد البطلان .
ودعوى انصراف الجماع في تلك الروايات إلى خصوص الجماع الأوّل الواقع في حالة الصوم ، والانصراف عن الجماع الثاني الواقع بعد بطلانه ، غير مسموعة وإن كانت ربما يتوهّم في بادىء النظر ، كما لا يخفى .
- (1) العروة الوثقى 2 : 35 ـ 36 مسألة 2471 .
( الصفحة 157 )
شهر رمضان فقط 1 .
1ـ قد تعرّض في هذه المسألة لموارد وجوب الكفّارة في الإفطار ، وموارد عدم وجوبها فيه ، والمورد المختلف فيه :
فمن القسم الأوّل : الإفطار في صوم رمضان متعمّداً ، وقد مرّ البحث في هذا القسم في المسألة الاُولى المتقدّمة ، ولا فرق في هذا القسم بين ما قبل الزوال وما بعده بلا إشكال .
ومنه : قضاء صوم شهر رمضان ، وقد فصّل فيه بين ما بعد الزوال ، وبين غيره بالحكم بثبوت الكفّارة في الأوّل دون الثاني ; وذلك لجواز الإفطار في الثاني دون الأوّل ، والظاهر أ نّ مورده صورة عدم تضيّق الوقت بدخول رمضان الآتي ، وإلاّ فهو كالنذر المعيّن ، ويدلّ على الحكم المذكور مضافاً إلى التسالم(1) تقريباً روايات :
منها : موثقة أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار؟ فقال : لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال(2) .
ومنها: موثقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها ، متى يريد أن ينوي الصيام ؟ قال : هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس ، فإن كان نوى الصوم فليصم ، وإن كان ينوي الإفطار فليفطر . سئل : فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس ؟ قال : لا . سئل : فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس ؟
- (1) رياض المسائل 5: 352 ـ 353، المستند في شرح العروة 21: 320.
(2) الكافي 4 : 122 ح 6 ، الفقيه 2 : 96 ح 432 ، تهذيب الأحكام 4 : 278 ح 842 ، الاستبصار 2 : 120 ح 390 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 16 ، كتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 4 ح 2 .
( الصفحة 158 )
قال : قد أساء وليس عليه شيء إلاّ قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه(1) . وربمايقال بأنّ غاية مفاد الروايتين الدلالة على عدم جواز الإفطار بعد الزوال في قضاء شهر رمضان ، وأمّا الدلالة على ثبوت الكفّارة فلا ، بل ربما يدلّ ذيل الأخيرة على عدم وجوب الكفّارة فيها بلحاظ قوله : «ليس عليه شيء إلاّ قضاء ذلك اليوم» إلخ ، كما ربما ينسب القول به إلى العمّاني (قدس سره) (2) .
وتوهّم أنّ جواز الإفطار وعدمه أمر ، وثبوت الكفّارة والعدم أمر آخر، كما في محرّمات الإحرام ، حيث إنّها تصير جائزة في بعض الحالات ، ومع ذلك تكون الكفّارة ثابتة، كلبس المخيط للرجال في حال الضرورة لمرض ونحوه ; فإنّه جائز ولكنّ الكفّارة غير ساقطة ، فمن الممكن في المقام أيضاً القول بجواز الإفطار مع ثبوت الكفّارة ، مدفوع بأنّ الظاهر أ نّ عدم الملازمة هناك يرتبط بحال المكلّف ، وهنا يكون الجواز مربوطاً بالصوم من حيث قبل الزوال وبعده ، فتدبّر .
ولكن يدلّ على ثبوت الكفّارة فيها بالصراحة بعض الروايات ، مثل :
رواية بريد العجلي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شيء عليه إلاّ يوم مكان يوم . وإن كان أتى أهله بعد زوال الشمس ، فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين ، فإن لم يقدر عليه صام يوماً مكان يوم ، وصام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع(3) . ولكنّها ضعيفة ظاهراً .
- (1) تهذيب الأحكام 4 : 280 ح 847 ، الاستبصار 2 : 121 ح 394 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 13 ، كتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 2 ح 10، و ص 348 ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 4 .
(2) حكى عنه في مختلف الشيعة 3 : 319 مسألة 65 .
(3) الكافي 4 : 122 ح 5 ، الفقيه 2 : 96 ح 430 ، المقنع : 200 ، تهذيب الأحكام 4 : 278 ح 844 ، الاستبصار 2 : 120 ح 391 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 347 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 1.
( الصفحة 159 )
وصحيحة هشام بن سالم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان؟ فقال : إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شيء عليه ، يصوم يوماً بدل يوم ، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك(1) . هذا ، مضافاً إلى كون رواية الكفّارة موافقة لفتوى المشهور(2) ، بل المتسالم عليه بينهم تقريباً كما عرفت ، فعلى تقدير عدم إمكان الجمع الدلالي ـ كما هو الظاهر ـ لابدّ من الأخذ بهما ، كما لايخفى .
ومن هذا القسم: صوم النذر المعيّن بالذات أو بالعرض كما في صورة التضيّق ، ولم ينسب الخلاف هنا أيضاً إلاّ إلى ابن أبي عقيل (3) ، ولكن بعدما تكرّر منّا في هذا الشرح أنّ المنذور بما هو له عنوان خاصّ لا يصير واجباً بوجه، بل الواجب هو عنوان الوفاء بالنذر الذي هو أمر توصّلي ، ولكن إذا كان المنذور عبادة فاللازم الإتيان به بعنوان العباديّة ، فإذا نذر صلاة الليل مثلاً لا تصير صلاة الليل واجبة بحيث تبدّل حكمها من الاستحباب إلى الوجوب ، بل هي باقية على استحبابها ، غاية الأمر لزوم الإتيان بها مع قصد القربة ، وهكذا المقام ، فإذا فرض أ نّه نذر صوم يوم معيّن بالذات مثلاً ، فالصوم لا يصير واجباً بالنذر ، بل الواجب هو الوفاء به ، وهو لا يتحقّق إلاّ بالصيام في ذلك اليوم .
وعليه : فالكفّارة هنا لا تكون إلاّ كفّارة حنث النذر لا الإفطار في الصوم المنذور ، ولذا تثبت هذه الكفّارة في سائر موارد مخالفة النذر ، وحيث إنّ البحث هنا
- (1) تهذيب الأحكام 4 : 279 ح 845 ، الاستبصار 2 : 120 ح 392 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 347 ، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2 .
(2) المستند في شرح العروة 2: 321.
(3) حكى عنه في مختلف الشيعة 3 : 418 ـ 419 مسألة 134 .
( الصفحة 160 )
في أصل ثبوت الكفّارة وعدمه ، كما في القسمين الأوّلين ، فالتعرّض لمقدارها لايرتبط بالمقام ، بل بكتاب الكفّارات ، ولعلّه لذا ترك الماتن (قدس سره) التعرّض لذكر المقدار هنا ، بخلاف السيّد (قدس سره) في العروة ، حيث إنّه تعرّض لمقدارها أيضاً(1) .
وأمّا القسم الثاني : الذي لا تجب فيه الكفّارة ; سواء كان واجباً كالصوم الواقع كفّارة ، أو ثلاثة وسبعة بدل الهدي ، كما حقّقناه في محلّه ، أم مندوباً كما في الأغلب ، فالدليل على عدم ثبوت الكفّارة فيه ولو مع وجوب الصوم بعنوانه ـ ولازمه عدم جواز الإفطار عن تعمّد واختيار ـ هو عدم الدليل عليها ، مع احتياجه كسائر التكاليف إلى الدليل ، وقد عرفت أنّ مجرّد عدم جواز الإفطار لا يترتّب عليه وجوب الكفّارة .
وأمّا القسم الثالث : الذي كان مورداً للاختلاف فهو صوم الاعتكاف ، والكلام فيه تارة: في الجماع ، واُخرى: في غيره من المفطرات .
أمّا الأوّل: فالظاهر أ نّه لا إشكال ولا خلاف في وجوب الكفّارة في الجماع في صوم الاعتكاف(2) وإن وقع الاختلاف في تعيين المقدار ، وأ نّه هل هو كفّارة شهر رمضان، كما ذهب إليه المشهور (3) ، أو أ نّها كفّارة الظهار، كما عن صاحب المدارك (4)؟ والأخبار مختلفة من هذه الجهة وإن كان بينها اتّفاق في أصل ثبوت الكفّارة ، مثل :
موثقة سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن معتكف واقع أهله؟ فقال
- (1) العروة الوثقى 2 : 35 مسألة 2470 .
(2) رياض المسائل 5 : 526 ، مستمسك العروة 8 : 351 ، المستند في شرح العروة 21 : 334 .
(3) الحدائق الناضرة 13: 496، رياض المسائل 5 : 527 ، جواهر الكلام 17 : 210 .
(4) مدارك الأحكام 6 : 244 .