( الصفحة 153 )
وقد استند إليها الصدوق ـ في المحكي عنه ـ في فتواه السابقة .
والظاهر أنّ قوله : «يعني عن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف» تفسير لصاحب الوسائل ، وإلاّ فليس في كتاب الصدوق هذا التفسير ، كما أنّ رواية الصدوق عن العمري بلحاظ حكايته عن الصاحب عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ ضرورة أنّه ليس بمعصوم ـ يكون قوله حجّة ، والإشكال إنّما هو في الإرسال المتحقّق بين الصدوق ، وبين أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي ، فالرواية حينئذ لا تكون قابلة للاستناد إليها ، وقد عبّر نفسه عنها بالمرسلة .
ومنها : ما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن الصدوق ، عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : قلت للرضا (عليه السلام) : ياابن رسول الله قد روي عن آبائك (عليهم السلام) فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات ، وروي عنهم (عليهم السلام) أيضاً كفّارة واحدة ، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ قال : بهما جميعاً ، متى جامع الرجل حراماً ، أو أفطر على حرام في شهر رمضان ، فعليه ثلاث كفّارات : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ، وقضاء ذلك اليوم . وإن كان نكح حلالاً ، أو أفطر على حلال ، فعليه كفّارة واحدة ، وإن كان ناسياً فلا شيء عليه(1) .
والظاهر أنّ الرواية معتبرة قابلة للاستناد على مسلكنا في حجّية الأخبار . نعم ، على مبنى صاحب المدارك من اعتبار كون الراوي في جميع الطبقات عدلاً إماميّاً
- (1) تهذيب الأحكام 4 : 209 ح 605 ، الاستبصار 2 : 97 ح 316 ، الفقيه 3 : 238 ح 1128 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 : 314 ح 88 ، معاني الأخبار : 389 ح 27 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 53 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1 .
( الصفحة 154 )
فهي غير معتبرة ، وربّما يناقش(1) في وثاقة علي بن محمد بن قتيبة ; نظراً إلى أنّ المستند في ذلك كون الرجل من مشايخ الكشّي ، مع أ نّ هذا المقدار لا يكفي في وثاقته بعد ما نرى من توصيف النجاشي للكشّي بأ نّه يروي عن الضعفاء كثيراً(2)وإن كان يعظّمه في نفسه . وعليه : فمجرّد رواية الكشّي عن شخص لا دلالة فيها على الوثاقة .
نعم ، لو كان شيخاً لإجازته فالدلالة غير قابلة للمناقشة ، إلاّ أنّ شيخ الإجازة غير مجرّد الرواية ، خصوصاً مع ما عرفت من النجاشي . هذا بالإضافة إلى علي بن محمد بن قتيبة .
وأمّا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري ، فالذي أفاده بعض الأعلام (قدس سره) أ نّ الصدوق عمل بروايته ، بل وصفها بالصحّة (3) ، لكن يبعّده استناد الصدوق فيما نحن فيه إلى المرسلة مع كونه راوياً لهذه الرواية عنه ، والدلالة فيها قويّة جدّاً ، فهل لا يكون هذا قرينة على الخلاف ؟ خصوصاً مع أنّ الرجل لم يوثّق أصلاً ، ويحتمل قويّاً أن يكون الجاري عند الصدوق هي أصالة العدالة المعروفة عند القدماء ، فمع ذلك كيف يمكن الاعتماد على الرواية؟ وإن قلنا بأوسع ممّا قاله صاحب المدارك في باب حجّية الأخبار.
وكيف كان ، فهذه الروايات الثلاث المتقدّمة وإن لم يمكن الاستناد إليها لا منفرداً ولا مجتمعاً للفتوى بثبوت كفّارة الجمع في الإفطار بالمحرّم ، إلاّ أ نّه يمكن أن تصير منشأً للاحتياط الوجوبي، كما هو المذكور في المتن .
- (1) المستند في شرح العروة 21 : 318 ـ 319 .
(2) رجال النجاشي : 372، الرقم 1018 .
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 127 ب 35 ذ ح 2 .
( الصفحة 155 )
مسألة 3 : الأقوى أنّه لا تتكرّر الكفّارة بتكرار الموجب في يوم واحد ـ حتّى الجِماع ـ وإن اختلف جنس الموجب، ولكن لاينبغي ترك الاحتياط في الجِماع 1 .
ثمّ إنّه على تقدير وجوب كفّارة الجمع في الإفطار بالمحرّم فتوى أو احتياطاً لايختصّ الحكم بالمفطر الذي كان له حالتان : الحلّية والحرمة ، كالأكل والشرب والجماع مثلاً، بل يعمّ المفطر الذي ليس له إلاّ حالة واحدة، كالكذب على الله ـ تعالى ـ والرسول (صلى الله عليه وآله) والأئـمّة (عليهم السلام) ; لأ نّه محرّم صرف ، ولا يكون له حكم آخر.
وعليه : فيشكل الأمر بالإضافة إلى مورد التبليغ في أيّام شهر رمضان كما هو المتداول والمعمول ، سيّما المنبر والتكلّم عليه ; فإنّ اللازم على المتصدّيله الالتفات إلى هذه الجهة ، أو الانتساب إلى قول الآخرين أو كتبهم ، ولا يقتصر على ذكر ما يرتبط بهذه الذوات المقدّسة من دون العلم أو الاطمئنان ، ومن دون الانتساب المذكور ، فالاحتياط الذي لا ينبغي تركه هو ترك ذلك في اليوموالاكتفاء بالليل .
1ـ لا شبهة في تكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب في يومين أو أزيد ; سواء اتّحد جنس الموجب كالجماع فيهما ، أو اختلف كالأكل والجماع مثلاً ، إنّما الإشكال في التكرّر بتكرّر الموجب في يوم واحد ، كما إذا جامع مرّتين أو أكل كذلك ، ويظهر من المتن وجوب الفرق بين الجماع وغيره .
فنقول : أمّا غير الجماع ، فالوجه في عدم التكرّر فيه; أ نّه بارتكاب المفطر الأوّل يصير صومه فاسداً وإن كان يجب عليه مجرّد الإمساك في بقيّة اليوم ، فارتكاب المفطر الثاني لايكون إفطاراً في الحقيقة، فلا وجه لإيجابه الكفّارة إذ لم يقم دليل على
( الصفحة 156 )
مسألة 4 : تجب الكفّارة في إفطار صوم شهر رمضان ، وقضائه بعد الزوال ، والنذر المعيّن ، ولا تجب فيما عداها من أقسام الصوم; واجباً كان أو مندوباً ، أفطر قبل الزوال أو بعده . نعم ، ذكر جماعة وجوبها في صوم الاعتكاف إذا وجب ، وهم بين معمِّم لها لجميع المفطرات ، ومخصّص بالجِماع ، ولكنّ الظاهر الاختصاص بالجِماع ، كما أنّ الظاهر أنّها لأجل نفس الاعتكاف لا للصوم ، ولذا لا فرق بين وقوعه في الليل أو النهار . نعم ، لو وقع في نهار شهر رمضان تجب كفّارتان ، كما أنّه لو وقع الإفطار فيه بغير الجِماع تجب كفّارة
ثبوتها في ما يجب فيه الإمساك ولو مع اتّصاف الصوم بالبطلان ، ولا فرق في هذه الجهة بين صورة اختلافه وصورة اتّحاده ، فالوجه فيه واضح .
وأمّا الجماع ، فقد قال في المتن : إنّه لا ينبغي ترك الاحتياط فيه وإن كان السيّد في العروة(1) بعد حكمه بالاحتياط قد قوّى التكرّر ، والوجه فيه: أنّ الموضوع للحكم في جملة كثيرة من الروايات، هو عنوان الجماع الشامل لحالتي التلبّس بالصوم وعدمه مع فرض كونه مكلّفاً بالصوم .
وعليه : فتبتني المسألة على أنّ مقتضى الأصل عند اجتماع الأسباب هل هو التداخل أو عدمه ؟ وهذا بخلاف غير الجماع ; فإنّه لا يبتني على ذلك; لبطلان الصوم بالمفطر الأوّل ، ولم يقم دليل على ثبوت الكفّارة ولو بعد البطلان .
ودعوى انصراف الجماع في تلك الروايات إلى خصوص الجماع الأوّل الواقع في حالة الصوم ، والانصراف عن الجماع الثاني الواقع بعد بطلانه ، غير مسموعة وإن كانت ربما يتوهّم في بادىء النظر ، كما لا يخفى .
- (1) العروة الوثقى 2 : 35 ـ 36 مسألة 2471 .
( الصفحة 157 )
شهر رمضان فقط 1 .
1ـ قد تعرّض في هذه المسألة لموارد وجوب الكفّارة في الإفطار ، وموارد عدم وجوبها فيه ، والمورد المختلف فيه :
فمن القسم الأوّل : الإفطار في صوم رمضان متعمّداً ، وقد مرّ البحث في هذا القسم في المسألة الاُولى المتقدّمة ، ولا فرق في هذا القسم بين ما قبل الزوال وما بعده بلا إشكال .
ومنه : قضاء صوم شهر رمضان ، وقد فصّل فيه بين ما بعد الزوال ، وبين غيره بالحكم بثبوت الكفّارة في الأوّل دون الثاني ; وذلك لجواز الإفطار في الثاني دون الأوّل ، والظاهر أ نّ مورده صورة عدم تضيّق الوقت بدخول رمضان الآتي ، وإلاّ فهو كالنذر المعيّن ، ويدلّ على الحكم المذكور مضافاً إلى التسالم(1) تقريباً روايات :
منها : موثقة أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار؟ فقال : لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال(2) .
ومنها: موثقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها ، متى يريد أن ينوي الصيام ؟ قال : هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس ، فإن كان نوى الصوم فليصم ، وإن كان ينوي الإفطار فليفطر . سئل : فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس ؟ قال : لا . سئل : فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس ؟
- (1) رياض المسائل 5: 352 ـ 353، المستند في شرح العروة 21: 320.
(2) الكافي 4 : 122 ح 6 ، الفقيه 2 : 96 ح 432 ، تهذيب الأحكام 4 : 278 ح 842 ، الاستبصار 2 : 120 ح 390 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 16 ، كتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 4 ح 2 .