( الصفحة 305 )
فوجوبه في مرتبة متأخّرة عن التصدّق(1) .
ثمّ إنّ ما أفاده في ذيل المتن من عدم الفرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه وعدمه ـ وإن احتاط في الأوّل بالجمع بين القضاء والكفّارة مع رضا الورثة ـ مبنيّ ظاهراً على إشعار الحكم في الرواية في هذه الصورة ، بل دلالته على عدم وجوب القضاء في صورة ثبوت تركة للميّت وإمكان التصدّق به عنه ، مع أنّك عرفت ابتناء هذه الدلالة على روايتي الكليني والصدوق كما لا يخفى ; ضرورة أنّه على رواية الشيخ لا تعرّض فيها للقضاء ، لا أنّها تنفيه . فثبوت التصدّق به عنه لاينافي ثبوت القضاء على الوليّ بعد ثبوت مال له ، فتدبّر .
أقول : لو فرضت دلالتها على عدم وجوب القضاء ـ بناءً على رواية الشيخ ـ تكون الرواية معارضة مع الروايات الكثيرة الدالّة على وجوب القضاء على الولي ، والترجيح مع تلك الروايات الموافقة للمشهور ; لأنّ الشهرة أوّل المرجّحات في المتعارضين .
الجهة الثانية : بعد ما ثبت أصل وجوب القضاء في الجملة ، فهل يختصّ الحكم بما إذا فات لعذر من مرض أو سفر أو نحوهما ، أو يعمّ ما تركه عمداً ، أو أتى به وكان باطلا من جهة التقصير في أخذ المسائل ؟ وإن احتاط بالقضاء بالإضافة إلى جميع ما عليه ، وإن كان من جهة ترك الصوم عمداً ، وقد خصّه بما إذا تمكّن في حال حياته من القضاء وأهمل ، وإلاّ فلا يجب; لسقوط القضاء حينئذ ; يعني عن الميّت ، وفي المتن قال : لا ينبغي ترك الاحتياط بالإضافة إلى الترك في صورة الطغيان .
والحقّ أنّ في المسألة طائفتين من الأخبار :
- (1) المستند في شرح العروة 22 : 208 ـ 209 .
( الصفحة 306 )
إحداهما : مثل صحيحة حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : يقضي عنه أولى الناس بميراثه(1) . ومثلها مكاتبة الصفّار(2) ; نظراً إلى أنّ مقتضى ترك الاستفصال هو ثبوت الإطلاق وشموله للمعذور وغيره ، ودعوى الانصراف إلى المعذور ممنوع جدّاً ، خصوصاً بعد كون الصوم أمراً مشكلا .
ثانيتهما : موثّقة أبي بصير(3) ومرسلة ابن بكير(4) الواردتان في مورد العذر من مرض أو سفر ،إلاّ أنّ الظاهر أنّ المورديّة لا تقتضي التخصيص ، لكنّ الفتوى بلزوم القضاء عنه في هذه الصورة مشكل ، والظاهر ما في المتن والعروة (5) . وقد تقدّم في كتاب الصلاة في باب القضاء بعض الفروع المتعلّقة بالمقام ، والتفصيل هناك فراجع .
- (1) الكافي 4 : 123 ح1 ، وعنه وسائل الشيعة 10 :331 ،كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب23ح 5 .
(2) الكافي 4 : 124 ح 5 ، الفقيه 2 : 98 ح 441 ، تهذيب الأحكام 4 : 247 ح 732 ، الاستبصار 2 : 108 ح 355 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 330 ، كتاب الصوم ، أبواب احكام شهر رمضان ب 23 ح3 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 325 ح 1007 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 332 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 11 .
(4) تقدّمت في ص287.
(5) العروة الوثقى 2 : 59 مسألة 2540 .
( الصفحة 307 )
القول في أقسام الصوم
وهي أربعة : واجب ، ومندوب ، ومكروه ، ومحظور ; فالواجب منه: صوم شهر رمضان ، وصوم الكفّارة ، وصوم القضاء ، وصوم دم المتعة في الحجّ ، وصوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف ، وصوم النذر وأخويه وإن كان في عدّ صوم النذر وما يليه من أقسام الصوم الواجب مسامحة 1 .
1ـ أمّا الواجب منه فهو :
1ـ صوم شهر رمضان ووجوبه ـ مضافاً إلى ثبوت الارتكاز عند المتشرّعة ; لأنّه من فروع الدين ـ يدلّ عليه الكتاب(1) والسنّة المتواترة (2) ، وفي بعض الروايات وصفه بأنّه من أركان الدين(3) .
2ـ صوم الكفّارة ، الذي سيأتي البحث عنه وعن أقسامه المختلفة، فانتظر .
3ـ صوم القضاء على الشخص أو على وليّه بعد مماته ، وقد تقدّم البحث عن
- (1) سورة البقرة 2 : 183 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 7 ، كتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونيته ب 1 ، و ص : 239 ، أبواب أحكام شهر رمضان ب1 .
(3) الكافي 4 : 62 ح 1 ، الفقيه 2 : 44 ح 196 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 395 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 1 .
( الصفحة 308 )
كليهما مفصّلا .
4ـ صوم دم المتعة في الحجّ ; والمقصود منه الصوم بدل الهدي لمن لا يقدر عليه ، ويدلّ عليه قبل كلّ شيء قوله ـ تعالى ـ : (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـثَةِ أَيَّام فِى الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ )(1) . وقد فصّلنا الكلام في هذا النوع في كتاب الحجّ مع الفروع المتعلّقة به في أحكام منى (2).
5ـ صوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف ، وسيأتي(3) في بحثه عن قريب إن شاء الله تعالى أ نّ الاعتكاف وإن كان أمراً مستحبّاً ، إلاّ أنّه بعد اليومين من الشروع تجب إدامته المشروطة بالصوم في اليوم الثالث .
6ـ صوم النذر وأخويه من العهد واليمين ، وأشار في الذيل إلى ما ذكرناه مراراً من أنّ تعلّق النذر لا يوجب صيرورة المنذور واجباً ، بل متعلّق الوجوب فيه هو الوفاء بالنذر ، غاية الأمر عدم تحقّقه في الخارج إلاّ بإتيان المنذور ، فصلاة الليل المستحبّة لا تصير واجبة بالنذر ، بل الواجب هو الوفاء ، وصلاة الليل باقية على استحبابها بعنوانها ، ولذا لا يعتبر قصد التقرّب في الوفاء بالنذر وإن كان معتبراً في المنذور لأجل كونه عباديّاً ، كما لا يخفى .
- (1) سورة البقرة 2 : 196 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحجّ 5 : 274 .
(3) في ص 362 ـ 364 .
( الصفحة 309 )
القول في صوم الكفّارة
وهو على أقسام :
منها : ما يجب مع غيره ; وهي كفّارة قتل العمد ، فتجب فيها الخصال الثلاث ، وكذا كفّارة الإفطار بمحرّم في شهر رمضان على الأحوط 1 .
1ـ ذكر بعض الأعلام (قدس سره) ما ملخّصه : أنّ ظاهر إطلاق كلمات الأصحاب ومعاقد الإجماعات ـ بل قد يظهر من المحقّق (قدس سره) إرساله إرسال المسلّمات (1) ـ أ نّ هذا الحكم عامّ يشمل جميع موارد القتل العمدي ، من دون الاختصاص بما تثبت فيه الدية غير المجتمعة مع القصاص . وقد استفاد من النصوص الثاني ; فإنّها لا تدلّ على الكفّارة إلاّ لدى العفو عن القصاص والانتقال إلى الدية ، ويلحق به ما إذا لم يمكن تنفيذ القصاص لفقد بسط اليد في الحاكم الشرعي ، أو ما إذا لم يكن مشروعاً، كما في قتل الوالد ولده .
وأمّا فيما استقرّ عليه القصاص لمشروعيّته وعدم عفو أولياء المقتول ، فلا دلالة في شيء من النصوص على وجوب الكفّارة ; بأن يكفّر أوّلا ثمّ يقتل ، بل قد يظهر من بعض النصوص خلافه ، وأ نّ توبة القاتل تتحقّق بمجرّد القصاص ; فإن كان
- (1) شرائع الإسلام 1 : 185 .