( الصفحة 336 )
الرابع : الصوم وفاءً بنذر المعصية ، والسرّ فيه : أنّ نذر المعصية حيث لا يكاد ينعقد ; لاعتبار الرجحان في متعلّق النذر ، ومن المحقّق أنّ عنوان الوفاء بالنذر عنوان قصديّ ; لا يكاد يتحقّق من دون قصد الوفاء ، ينتج أنّ الصوم بهذا القصد لايكون واجداً لمزيّة ، فلا يكاد يشرع الإتيان به لحصول التشريع ، ونحن وإن حقّقنا جواز اجتماع الأمر والنهي ، بل وصحّة المجمع إذا كان عبادة ، كالصلاة في الدار المغصوبة (1) ، إلاّ أنّ ذلك فيما إذا تعلّق القصد بعنوان الصلاة فقط ، وفي المقام أيضاً نقول بالصحّة مع تعلّق القصد بعنوان الصوم ، وأمّا الصوم بعنوان الوفاء فلا .
وقال السيّد في العروة : ويلحق به ما إذا نذر الصوم زجراً عن طاعة صدرت منه أو عن معصية تركها(2) . ويدلّ على ذلك أيضاً ما رواه الصدوق بإسناده عن الزهري ، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث قال : وصوم نذر المعصية حرام(3) .
وبإسناده عن حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد ، عن أبيه جميعاً ، عن الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) ـ في وصيّة النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) ـ قال : وصوم نذر المعصية حرام(4) ، وغير ذلك من الروايات .
الخامس : صوم السكوت ; بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه بجعله في نيّته من قيود صومه ، والسرّ فيه : أنّ الأُمور التي يجب
- (1) وسائل الشيعة 5 : 119 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ب 2 .
(2) العروة الوثقى 2: 68 ، الرابع .
(3) الفقيه 2 : 47 قطعة من ح 208 ، المقنعة : 366 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 513 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 1 ح 1 .
(4) الفقيه 4 : 266 قطعة من ح 821 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 525 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 6 ح 2 .
( الصفحة 337 )
الإمساك عنها معدودة محدودة ، والسكوت ليس منها ، فإذا نواه في رديف سائر الأُمور يكون غير مشروع ، فتتحقّق الحرمة التشريعيّة . نعم ، إذا لم يجعله قيداً وفي رديف سائر الأُمور ـ وإن كان بانياً على السكوت تمام النهار لئلاّ يجري في كلامه التهمة والكذب ونحوهما ـ فلا مانع منه .
السادس : صوم الوصال بكلا محتمليه اللذين هما : صوم يوم وليلة إلى السحر ، أو صوم يومين وليلة; بأن جعل ترك الإفطار في الليلة جزءاً من صومه ، والعلّة دلالة الآية الشريفة على وجوب إتمام الصوم إلى الليل(1) ، وبعده يجوز الأكل والشرب إلى الفجر ، فإذا جعل الليل جزءاً فهو غير مشروع . نعم ، في المتن : « لابأس بتأخير الإفطار إلى السحر وإلى الليلة الثانية مع عدم النيّة بعنوان الصوم »، وإن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك .
السابع : ما جعله مقتضى الاحتياط مطلقاً ; وهو صوم الزوجة تطوّعاً بدون إذن الزوج ، بل نهى عن ترك الاحتياط فيما إذا كان صوم الزوجة كذلك منافياً لحقّ الزوج ، بل فيما إذا نهى الزوج وإن لم يكن منافياً لحقّه ، كما فعله السيّد (قدس سره) في العروة(2) ، والسرّ فيه : أنّه لا يكاد يزاحم حقّ الزوج شيء من المستحبّات ، وقد ذكرنا في كتاب الحجّ في مبحث الحجّ النذري(3) أنّ نذر الزوجة الحجّ من مال نفسها يحتاج إلى الإذن وإن كان المال لها بشخصها ، فإذا نهاها عن الصوم تطوّعاً لا تترك الاحتياط بالعدم، فضلا عمّا إذا كان صومها منافياً لحقّه . ويدلّ على ذلك أيضاً روايات :
- (1) سورة البقرة 2 : 187 .
(2) العروة الوثقى 2 : 68 ، السابع .
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحجّ 1 : 441 ـ 444 ، المبحث الثاني .
( الصفحة 338 )
منها : رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلاّ بإذن زوجها(1) .
ومنها : مرسلة القاسم بن عروة ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لايصلح للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلاّ بإذن زوجها(2) .
ومنها : غير ذلك من الروايات(3) .
هذا تمام الكلام في شرح كتاب الصوم من تحرير الوسيلة ، وأنا العبد المفتاق إلى رحمة الربّ الغفور الكامل الغنيّ محمّد الفاضل اللنكراني ، عفي عنه وعن والديه المرحومين ، ومن الله أستمدّ لإتمام هذا الشرح وإن كان كلّ ما يتمنّى المرء لا يدركه ، إلاّ أنّ العناية الإلهيّة والنعمة الربوبيّة تجعل للإنسان الاطمئنان بذلك ، هذا مع كبر السنّ، ووجود أمراض كثيرة محتاجة إلى المعالجة الدائميّة ، وهذه الليلة ليلة ولادة أُمّ الأئـمّة (عليهم السلام) وسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها وعلى أبيها وعلى بعلها ، وعلى الأئـمّة الطاهرين (عليهم السلام) من ولدها ـ من سنة 1424 من الهجرة النبويّة القمريّة ، والسلام على من اتّبع الهدى .
- (1) الكافي 4 : 152 ح 4 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 527 ، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب8 ح1 .
(2) الكافي 4 : 151 ح 1 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 527 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 8 ح2 .
(3) وسائل الشيعة 10 : 527 ـ 528 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 8 .
( الصفحة 339 )
خاتمة في الاعتكاف
وهو اللبث في المسجد بقصد التعبّد به . ولا يعتبر فيه ضمّ قصد عبادة أُخرى خارجة عنه وإن كان هو الأحوط ، وهو مستحبّ بأصل الشرع ، وربما يجب الإتيان به لأجل نذر أو عهد أو يمين أو إجارة ونحوها ، ويصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم ، وأفضل أوقاته شهر رمضان ، وأفضله العشر الآخر منه . والكلام في شروطه وأحكامه 1 .
1ـ الكلام يقع في أُمور :
الأوّل : أ نّ الاعتكاف بحسب اللغة(1) هو الاحتباس والإقامة على شيء بالمكان ، كما في قوله ـ تعالى ـ : { وَأَنتُمْ عَـكِفُونَ فِى الْمَسَـجِدِ }(2) . وقوله ـ تعالى ـ : { يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَام لَّهُمْ}(3) ، وغير ذلك من الموارد ، ولكنّه في الشرع عبارة عن اللبث في المسجد(4) بقصد العباديّة ، كما هو المرتكز عند المتشرّعة .
- (1) لسان العرب 4 : 401 ، مجمع البحرين 2 : 1253 ـ 1254 ، المفردات : 343 .
(2) سورة البقرة 2 : 187 .
(3) سورة الأعراف 7: 138 .
(4) جامع المقاصد 3: 94 ، رياض المسائل 5: 503 ، مستند الشيعة 10: 543 ، جواهر الكلام 17: 159 ، المستند في شرح العروة 22: 335 .
( الصفحة 340 )
الثاني : أنّه هل يعتبر فيه ضمّ قصد عبادة أُخرى خارجة عن اللبث ، كالاشتغال بالصلاة، أو بقراءة القرآن، أو نحوهما ؟ الظاهر هو العدم وإن جعله مطابقاً للاحتياط الاستحبابي .
والدليل عليه أوّلا : ظاهر الكتاب، قال ـ تعالى ـ : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(1) ; نظراً إلى أنّ جعل الاعتكاف قسيماً للطواف والركوع والسجود دليل على أنّ الاعتكاف عبادة مستقلّة كسائر العناوين .
وثانياً : الروايات ، مثل :
صحيحة داود بن سرحان قال : كنت بالمدينة في شهر رمضان ، فقلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أُريد أن أعتكف فماذا أقول ؟ وماذا أفرض على نفسي ؟ فقال : لاتخرج من المسجد إلاّ لحاجة لابدّ منها ، ولا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك(2) . فجواب الإمام (عليه السلام) واقتصاره على مجرّد الكون في المسجد ، المقرون بقصد العباديّة لا محالة دليل على عدم اعتبار غير ذلك .
الثالث : أ نّه مستحبّ بأصل الشرع ، وقال في المتن : إنّه ربما يجب الإتيان به لأجل نذر أو عهد أو يمين أو غيرها .
أقول : أمّا استحبابه بأصل الشرع فلا مجال لإنكاره ; لثبوته كذلك عند المتشرّعة حتّى النبي (صلى الله عليه وآله) من الصدر الأوّل ، ويدلّ على ذلك السؤال عن بعض خصوصيّاته في الروايات ، مثل ما مرّ وغيره .
- (1) سورة البقرة 2 : 125 .
(2) الفقيه 2 : 122 ح 528 ، الكافي 4 : 178 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 287 ح 870 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 550 ، كتاب الاعتكاف ب 7 ح 3 .