( الصفحة 341 )
وأمّا الوجوب لأجل مثل العناوين المذكورة في المتن ، فلعلّه يخالف ظاهراً مع ما تكرّر من الماتن (قدس سره) في موارد متعدّدة ; من أنّ الواجب في النذر هو عنوان الوفاء به ، ولا يسري الحكم من هذا العنوان إلى المنذور ، فصلاة الليل لا تصير واجبة ولو تعلّق النذر بها ، وهكذا في العهد واليمين والإجارة ومثلها .
الرابع : أنّه يصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم ; لعدم التقييد بوقت خاصّ . نعم ، أفضل أوقاته شهر رمضان ، ويدلّ عليه مثل:
موثّقة السكوني ، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجّتين وعمرتين(1) . ولو نوقش في سند الرواية يكون في البين قاعدة التسامح في أدلّة السنن .
وأفضله العشر الأواخر منه ، كما هو المعروف من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) ، وتدلّ عليه صحيحة أبي العبّاس البقباق ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : اعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شهر رمضان في العشر الاُول ، ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ، ثمّ لم يزل (صلى الله عليه وآله) يعتكف في العشر الأواخر(2) ; فإنّ استمرار الاعتكاف منه (صلى الله عليه وآله) في العشر الأواخر كاشف عن شدّة الاهتمام به في هذا الوقت ، كما لا يخفى .
- (1) الفقيه 2: 122 ح 531 ، المقنع: 210 ، وعنهما وسائل الشيعة 10: 534 ، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 3 .
(2) الكافي 4 : 175 ح 3 ، الفقيه 2 : 123 ح 535 وعنهما وسائل الشيعة 10 : 534 ، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 4 .
( الصفحة 342 )
( الصفحة 343 )
القول في شروطه
يشترط في صحّته أُمور :
الأوّل : العقل ، فلا يصحّ من المجنون ولو أدواراً في دور جنونه ، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل .
الثاني : النيّة ، ولا يعتبر فيها بعد التعيين أزيد من القربة والإخلاص . ولا يعتبر فيها قصد الوجه ـ من الوجوب أو الندب ـ كغيره من العبادات ، فيقصد الوجوب في الواجب والندب في المندوب وإن وجب فيه الثالث ، والأولى ملاحظته في ابتداء النيّة، بل تجديدها في الثالث .
ووقتها في ابتداء الاعتكاف : أوّل الفجر من اليوم الأوّل ; بمعنى عدم جواز تأخيرها عنه ، ويجوز أن يشرع فيه في أوّل الليل أو أثنائه فينويه حين الشروع ، بل الأحوط إدخال الليلة الأُولى أيضاً والنيّة من أوّلها 1 .
1ـ يشترط في صحّة الاعتكاف أُمور :
الأمر الأوّل : العقل، ويترتّب عليه عدم الصحّة من المجنون ولو أدواراً في دور جنونه ، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل ، وجعل « الأمر الأوّل » العقل دون البلوغ ـ كما في المتن ـ إنّما هو لأجل أ نّ عبادات الصبي شرعيّة لا تمرينيّة ، كما
( الصفحة 344 )
حقّقناه في كتابنا في القواعد الفقهيّة(1) ، خصوصاً مع ملاحظة ما عرفت من أنّ الاعتكاف لا يكون بعنوانه إلاّ مستحبّاً ، ولا يعرض عليه الوجوب ولو صار متعلّقاً للنذر وشبهه .
وكيف كان ، فالوجه في اعتبار العقل في صحّة الاعتكاف أنّه لا اعتبار بقصد المجنون وفاقد العقل ، ولذا يكون عمده خطأً والدية على العاقلة ، فقصده كلا قصد ، ولا فرق في المجنون بين المطبق والأدواري في دور جنونه .
الأمر الثاني : النيّة ، والمراد منها نيّة عنوان الاعتكاف ; لأنّ مجرّد اللبث في المسجد لا ينطبق عليه هذا العنوان ; لأنّه من العناوين القصديّة ، كعنوان الصلاة وعنوان الصوم ، ويشترط فيه زائداً على قصد الاعتكاف القربة والإخلاص ; للاعتبار في العناوين العباديّة ، ويحتمل أن يكون المراد من التعيين في المتن عدم لزوم تعيين الاعتكاف ، وأنّه هو الأوّل أو الثاني فيما إذا تعدّد ، كما قد صرّح به في العروة (2) ، غاية الأمر أنّه اعتبر التعيين في مثل الصورة بعنوانه، ولا دليل عليه أصلا ، كما أ نّه لا إشعار في العبارة بذلك، بل هي منطبقة على ما ذكرنا من قصد العنوان .
نعم ، لا يعتبر فيه قصد الوجه كغيره من العبادات ، خصوصاً بعد عدم اتّصافه بالوجوب أصلا ، بل الواجب هي العناوين الأُخرى المتّحدة معه . نعم ، لا بأس بالالتزام بوجوبه بالإضافة إلى اليوم الثالث ، الذي يجب البقاء على الاعتكاف فيه بصيامه ورعاية وظائفه .
- (1) القواعد الفقهيّة 1 : 355 ـ 370 .
(2) العروة الوثقى 2 : 71 ، الأمر الثالث .
( الصفحة 345 )
الثالث : الصوم ، فلا يصحّ بدونه ، ولا يعتبر فيه كونه له ، فيكفي صوم غيره واجباً كان أو مستحبّاً ، مؤدّياً عن نفسه أو متحمّلا عن غيره ; من غير فرق بين أقسام الاعتكاف وأنواع الصيام،بل يصحّ إيقاع الاعتكاف النذري والإجاري في شهر رمضان إن لم يكن انصراف في البين ، بل لو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة، وكان عليه صوم منذور ، أجزأه الصوم في أيّام الاعتكاف وفاءً بالنذر 1 .
والوقت للشروع فيه هو أوّل اليوم من أيّام الاعتكاف ; بمعنى عدم جواز التأخير عنه ، ويجوز أن يشرع فيه في أوّل الليلة وفي أثنائه ، بل احتاط في المتن استحباباً بإدخال جميع الليلة الأُولى في الاعتكاف ; بأن ينويه حين الشروع ، وذكر فيه أيضاً أنّ الأولى ملاحظة اليوم الثالث في ابتداء النيّة ، بل تجديدها في الثالث ; لصيرورة الاعتكاف بالإضافة إليه واجباً كما مرّ ذكره ، وغير خفيّ أنّ المراد بالنيّة هنا لا يغاير المراد بها في مثل الصلاة والصوم ; فإنّ المراد في الجميع ليس هو الإخطار ، بل الداعي الذي لابدّ من بقائه إلى آخر العمل ولو ارتكازاً ، ولا ينافيه النوم بوجه .
1ـ يدلّ على اشتراط الاعتكاف بالصيام ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بل الاجماع(1) عليه ـ عدّة كثيرة من الروايات :
منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : لا اعتكاف إلاّ بصوم... الحديث(2). وظاهرها نفي الصحّة كما لا يخفى .
- (1) المعتبر 2 : 726 ، رياض المسائل 5 : 504 ، مستند الشيعة 10 : 545 ، جواهر الكلام 17 : 164 ، مستمسك العروة 8 : 542 .
(2) الفقيه 2: 119 ح 516 ، الكافي 4: 176 ح 3 ، وعنهما وسائل الشيعة 10: 536 ، كتاب الاعتكاف ب 2 ح 3 .