( الصفحة 6 )
وكذا المندوب المعيّن أيضاً إن كان تعيّنه بالزمان الخاصّ، كأيّام البيض والجمعة والخميس . نعم ، في إحراز ثواب الخصوصيّة يعتبر إحراز ذلك اليوم وقصده 1 .
1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام ، وقبل الأخذ فيها والتكلّم عنها نقول : إنّ الصوم كما هو المحكي عن اللغويّين بمعنى الإمساك ، إمّا مطلقاً ولو بالنسبة إلى الجمادات ، كالمحكي عن الجوهري (1) وبعض آخر (2) ، أو أعمّ منها ومن الحيوانات كما عن بعض آخر (3) ، أو يختصّ بالإنسان فقط كما عن ثالث(4) .
والظاهر أ نّ البحث في ثبوت الحقيقة الشرعيّة له وعدمه هو البحث المعروف في الاُصول ; لأ نّه من أسامي العبادات كالصلاة من دون فرق بينهما . كما أ نّ الظاهر أ نّ التعاريف المذكورة للصوم من كونه عبارة عن الإمساك(5) عن المفطرات المعهودة ، أو كفّ النفس عنها (6) ، أو توطينها(7) على تركها ومثل ذلك ، منشؤه كما ذكره المحقّق الخراساني (قدس سره) في الكفاية(8) وأفاده صاحب الجواهر (قدس سره) (9) هنا ، أ نّهم كانوا بصدد شرح الإسم لا التعريف الجامع المانع ، ولا وجه للتطويل في هذا المجال .
- (1 ـ 3) الصحاح 2 : 1454 ، مصباح المنير : 352 ، لسان العرب 4 : 89 ، العين 2 : 1020 ، المفردات : 500 ، القاموس المحيط 4 : 101 ، المغرب في ترتيب المعرب: 157 .
(4) مجمع البحرين 2: 1060.
(5) المبسوط 1 : 265 ـ تذكرة الفقهاء 6 : 5، رياض المسائل 5 : 287، العروة الوثقى 2 : 5، جواهر الكلام 16 : 184 .
(6) المختصر النافع : 127، رياض المسائل 5 : 287 .
(7) رسائل الشريف المرتضى 3 : 53 ، قواعد الأحكام 1: 369.
(8) كفاية الاصول 1 : 151 .
(9) جواهر الكلام 16 : 184 .
( الصفحة 7 )
ويكفي في فضله الخاصّ ما ورد في شأنه من قوله تعالى في الحديث القدسي : « الصوم لي وأنا اُجزي به»(1) فإنّ الظاهر عدم كون المراد من الجملة الأُولى هو مجرّد اعتبار قصد القربة المعتبر في جميع العبادات ، بل باعتبار الخصوصيّات الموجودة فيه من كونه أمراً عدميّاً ، وفي مثله لا يجري الرّياء بوجه ، واشتماله على الكفّ عن أُمور كثيرة في النهار الذي ربما تكون ساعاته كثيرة باختلاف الفصول ، وتلك الأُمور اُمور مهمّة ترتبط بحياة الإنسان والغرائز الموجودة فيه وممّا يبتلي به نوعاً ، خصوصاً مع تكرّره في كلّ سنة شهراً ، بخلاف الحجّ الذي لا يجب إلاّ على المستطيع فقط في جميع عمره مرّة واحدة .
وأمّا قوله ـ تعالى ـ : «وأنا اُجزي به» فالظاهر أ نّه بصيغة المجهول ; لأ نّ جزاء جميع الأعمال الحسنة يرتبط به تعالى ، فالمراد ظاهراً أ نّه تعالى بنفسه جزاء الصوم، كما في قوله تعالى : { وَرِضْوَ نٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}(2) ، وهذا أعلى مراتب الجزاء ونهاية اللطف والكرامة ، وقد قال الله تعالى في ذيل آية الصوم تعليلاً لإيجابه : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(3) .والظاهر أ نّ المراد به حصول التقوى بسببه;لأ نّ من أمسك عن أكل ماله الحلال يسهل له الإمساك والاجتناب عن المال الحرام، ومن أمسك عن الجماع مع حليلته يهوّن عليه الاجتناب عن النساء المحرّمات وهكذا، فالصوم كأ نّه مقدّمة لحصول الواجبات الاُخر وترك المحرمات، مضافاً إلى ما يتضمّنه من جهات اجتماعيّة،فالإحساس بالجوع يثير في النفس التعاطف مع الجائعين، وكذلك درك الألم
- (1) وسائل الشيعة 10 : 397 ـ 403 كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب ، ب 1 ح 7 و 15 ، بحار الأنوار 70 : 12 و ج 93 :254 .
(2) سورة التوبة 9 : 72 .
(3) سورة البقرة 2 : 183 .
( الصفحة 8 )
بالنسبة إلى المحرومين ، ولما يوجبه من إطفاء الغريزة ، ولعلّ في الصوم منافع لا توجد في غيره من الواجبات من الجهات الفردية والاجتماعية .
إذا عرفت ذلك فأعلم أنّ في البين إشكالين لابدّ من حلّهما :
الأوّل : أ نّ الإمساك عن جميع المفطرات المعهودة أو نظيره إن كان له دخل في الحقيقة والماهيّة ، فاللازم الالتزام بعدم تحقّقه فيما لو لم يمسك عن بعضها جهلاً أو نسياناً ، مع أ نّ مقتضى النصّ والفتوى خلافه ، وإن لم يكن له دخل فيها فأيّ شيء له دخل في تحقّق الحقيقة والماهيّة؟
وقد اُجيب عن الإشكال بأحد وجهين :
أحدهما : الالتزام بعدم تحقّق حقيقة الصوم في الصورة المفروضة ، وأ نّ الحكم بالصحّة وسقوط الأمر وعدم وجوب القضاء عليه إنّما هو لأجل كون فعله بدلاً عن الصوم ، لا كونه من مصاديقه وأفراده ـ وإن كان مشتركاً معه في جميع الآثار والأحكام ، فالإمساك في الصورة المفروضة قائم مقامه ـ ومتّصفاً بأ نّه بديل عنه .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أ نّه خلاف ظاهر النصّ والفتوى الدالّ على الحكم بالصحّة لأجل كونه من مصاديق الصوم وأفراده حقيقة لا لأجل البدليّة ـ : أ نّه على تقدير ترتّب جميع أحكام الصوم وأثاره عليه لابدّ من أن يقال بكون الواجب إمّا أحد الأمرين ، وإمّا العنوان الجامع بينهما المنطبق على كليهما ، ولا مسوّغ للالتزام بشيء منهما ; ضرورة أ نّ الواجب ليس إلاّ نفس عنوان الصوم فقط ، والنصّ والفتوى قائمان على تحقّقه في الصورة المفروضة دون ما هو بدل عنه .
ثانيهما : أخذ قيد الالتفات إلى كونه صائماً في المفطرات التي يجب الاجتناب عنها ; بأن يكون الصوم عبارة عن الإمساك عنها في خصوص صورة الالتفات إلى كونه صائماً وأ نّه يجب عليه الإمساك عنها أيضاً .
( الصفحة 9 )
ويرد عليه : أ نّه لا مجال لأخذ الالتفات إلى الصوم في حقيقته وماهيّته ; سواء كان بنحو الجزئيّة أو بنحو الشرطيّة والقيديّة ; لأ نّ الالتفات إلى الشيء من العناوين المتأخّرة عن الشيء ، فلا يعقل أن يكون دخيلاً في الحقيقة بعد ما كان متأخّراً عنها ، فلا مجال لأن يكون الالتفات إلى الصوم ممّا له دخل في حقيقته .
ومن هنا يمكن تقرير الإشكال بوجه آخر ; وهو أ نّ الإمساك عن المفطرات المأخوذ تعريفاً للصوم وبياناً لحقيقته إن اُخذ بنحو الإطلاق ; أي سواء كان مقروناً مع الالتفات إلى كونه صائماً ، أم لم يكن مقروناً به ، يلزم الحكم بالبطلان فيما تطابق النصّ والفتوى على صحّته وترتّب جميع أحكام الصوم عليه . وإن اُخذ بنحو التقييد بخصوص صورة الالتفات إلى كونه صائماً، يلزم أخذ الإلتفات والتوجّه إلى الشيء في حقيقته ، مع أ نّه من العناوين المتأخّرة عن الشيء اللاحقة له أحياناً .
والتحقيق في الجواب أن يقال كما عن بعض المحقّقين (1) : إنّ الإمساك عن المفطرات المعهودة مأخوذ في ماهيّة الصوم لا بنحو الإطلاق ولا بنحو التقييد ، بل بنحو الإهمال الذي يجتمع مع كلا الأمرين ، كنظائر المقام التي لابدّ فيها من الالتزام بالإهمال فيها ، وإلاّ يلزم بعض المحاذير حتى في مثل القضايا الحملية الممكنة ; فإنّ قولك: «زيد قائم» لا مجال للإشكال في كونه قضيّة غير ضروريّة ; لعدم ضرورة وصف القيام للإنسان .
وحينئذ يمكن أن يقال : إنّ زيداً المفروض موضوعاً ، هل يكون المراد به المطلق والأعمّ من كونه قائماً أو غير قائم ، أو المراد به زيد المقيّد بوصف القيام ؟ فعلى الأوّل يلزم التناقض ; لأ نّ زيداً مع فرض عدم قيامه كيف يمكن أن يتّصف بالقيام ؟ وعلى
- (1) مستمسك العروة 8 : 193 .
( الصفحة 10 )
الثاني يلزم تبدّل القضيّة الممكنة إلى الضروريّة ; لوضوح صيرورة القضيّة ضروريّة بشرط المحمول ; فإنّ زيداً المقيّد بالقيام لا يعقل أن يكون غير قائم ، ولامحيص عن حلّ الإشكال إلاّ بأن يقال : إنّ الموضوع مفروض بصورة الإهمال لا الإطلاق ولا التقييد . وفي المقام نقول بأ نّ الإمساك عن المفطرات الواقع في تعريف الصوم وبيان حقيقته واقع بنحو الإهمال من جهة الالتفات وعدمه . وعليه : يندفع الإشكال بحذافيره من دون لزوم الالتزام بالبدليّة والخروج عن الحقيقة .
الثاني: من الإشكالين المهمين اللذين لابدّ من حلّهما ، ولعلّه أهمّ من الأوّل وأشدّ إشكالاً منه ، أنّه لا إشكال في العبادات الوجوديّة التي يكون المقصود فيها إيجاد الطبيعة المأمور بها بقصد القربة ; سواء كان المراد به هو الإتيان بداعي الأمر ، أو يكون المراد به هو الإتيان بعنوان كونه مقرّباً وموجباً لحصول القرب من المولى . وأمّا العبادات العدميّة التي يكون المقصود فيها الترك وعدم تحقّق الطبيعة ، كالصوم في المقام على جميع تعاريفه التي ترجع إلى ترك المفطرات في الزمان المخصوص الذي هو النهار ; لقوله تعالى : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ}(1) فيشكل الأمر فيها .
توضيح الإشكال : أ نّ تحقّق الأمر الوجودي وخروجه من عالم العدم يفتقر إلى وجود العلّة التامّة بجميع أجزائها المركّبة من المقتضي والشرط وعدم المانع ، فإذا فرض في مورد فقدان واحد من تلك الأجزاء لا يكاد يعقل تحقّق المعلول; لفرض النقصان في علّته التامّة ، غاية الأمر أ نّ الفرق بين الأُمور التعبّدية والأُمور التوصليّة لزوم كون الداعي والمحرّك في القسم الأوّل هو قصد الأمر والإتيان بداعي الامتثال ، وعدم اللزوم في القسم الثاني .
- (1) سورة البقرة 2 : 187 .