جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج4 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 4 ص : 524
النبات و شاق النواة اليابسة فيخرج منها النخل و الشجر عن الحسن و قتادة و السدي و قيل معناه خالق الحب و النوى و منشئهما و مبدئهما عن ابن عباس و الضحاك و قيل المراد به ما في الحبة و النوى من الشق و هو من عجيب قدرة الله تعالى في استوائه عن مجاهد و أبي مالك « يخرج الحي من الميت و مخرج الميت من الحي » أي يخرج النبات الغض الطري الخضر من الحب اليابس و يخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي عن الزجاج و العرب تسمي الشجر ما دام غضا قائما بأنه حي فإذا يبس أو قطع أو قلع سموه ميتا و قيل معناه يخلق الحي من النطفة و هي موات و يخلق النطفة و هي موات من الحي عن الحسن و قتادة و ابن زيد و غيرهم و هذا أصح و قيل معناه يخرج الطير من البيض و البيض من الطير عن الجبائي و قيل معناه يخرج المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن « ذلكم الله » أي فاعل ذلك كله الله « فأنى تؤفكون » أي تصرفون عن الحق و يذهب بكم عن هذه الأدلة الظاهرة إلى الباطل أ فلا تتدبرون فتعلمون أنه لا ينبغي أن يجعل لمن أنعم عليكم بفلق الحب و النوى و إخراج الزرع من الحب و الشجر من النوى شريك في عبادته « فالق الإصباح » أي شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل و سواده عن أكثر المفسرين و قيل معناه خالق الصباح عن ابن عباس « و جعل الليل سكنا » تسكنون فيه و تتودعون فيه عن ابن عباس و مجاهد و أكثر المفسرين نبه الله سبحانه على عظيم نعمته بأن جعل الليل للسكون و النهار للتصرف و دل بتعاقبهما على كمال قدرته و حكمته ثم قال « و الشمس و القمر حسبانا » أي جعلهما تجريان في أفلاكهما بحساب لا يتجاوزانه حتى ينتهيا إلى أقصى منازلهما فتقطع الشمس جميع البروج الاثني عشر في ثلاثمائة و خمس و ستين يوما و ربع القمر في ثمانية و عشرين يوما و بنى عليهما الليالي و الأيام و الشهور و الأعوام كما قال سبحانه و الشمس و القمر بحسبان و قال كل في فلك يسبحون عن ابن عباس و السدي و قتادة و مجاهد أشار سبحانه بذلك إلى ما في حسبانهما من مصالح العباد في معاملاتهم و تواريخهم و أوقات عباداتهم و غير ذلك من أمورهم الدينية و الدنيوية « ذلك » إشارة إلى ما وصفه سبحانه من فلق الإصباح « و جعل الليل سكنا و الشمس و القمر حسبانا » « تقدير العزيز » الذي عز سلطانه فلا يقدر أحد على الامتناع منه « العليم » بمصالح خلقه و تدبيرهم .

مجمع البيان ج : 4 ص : 525
وَ هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتهْتَدُوا بهَا فى ظلُمَتِ الْبرِّ وَ الْبَحْرِ قَدْ فَصلْنَا الاَيَتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ(97) وَ هُوَ الَّذِى أَنشأَكُم مِّن نَّفْس وَحِدَة فَمُستَقَرُّ وَ مُستَوْدَعٌ قَدْ فَصلْنَا الاَيَتِ لِقَوْم يَفْقَهُونَ(98)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب برواية روح و زيد فمستقر بكسر القاف و الباقون بفتح القاف .

الحجة

قال أبو علي من كسر القاف كان المستقر بمعنى القار فإذا كان كذلك وجب خبره أن يكون المضمر منكم أي فمنكم مستقر كقولك بعضكم مستقر أي مستقر في الأرحام و من فتح فليس على أنه مفعول أ لا ترى أن استقر لا يتعدى و إذا لم يتعد لم يبن منه اسم مفعول به و إذا لم يكن مفعولا به كان اسم مكان فالمستقر بمنزلة المقر كما كان المستقر بمعنى القار و إذا كان كذلك جعلت الخبر المضمر لكم و التقدير فمستقر لكم و أما المستودع فإن استودع فعل يتعدى إلى مفعولين تقول استودعت زيدا ألفا و أودعت زيدا ألفا فاستودع مثل أودع كما أن استجاب مثل أجاب فالمستودع يجوز أن يكون الإنسان الذي استودع ذلك المكان و يجوز أن يكون المكان نفسه و من قرأ « فمستقر » بفتح القاف جعل المستودع مكانا ليكون مثل المعطوف عليه أي فلكم مكان استقرار و استيداع و من قرأ فمستقر فالمعنى منكم مستقر في الأرحام و منكم مستودع في الأصلاب فالمستودع اسم المفعول به فيكون مثل المستقر في أنه اسم لغير المكان .

المعنى

ثم ذكر سبحانه ما يقارب في المعنى الآية المتقدمة فيما يدل على وحدانيته و عظيم قدرته فقال « و هو الذي جعل » أي خلق « لكم » أي لنفعكم « النجوم لتهتدوا بها » أي بضوئها و طلوعها و مواضعها « في ظلمات البر و البحر » لأن من النجوم ما يكون بين يدي الإنسان و منها ما يكون خلفه و منها ما يكون عن يمينه و منها ما يكون عن يساره و يهتدي بها في الأسفار و في البلاد و في القبلة و أوقات الليل و إلى الطرق في مسالك البراري و البحار و قال البلخي ليس في قوله « لتهتدوا بها » ما يدل على أنه لم يخلقها لغير ذلك بل خلقها سبحانه لأمور جليلة عظيمة و من فكر في صغر الصغير منها و كبر الكبير و اختلاف مواقعها و مجاريها
مجمع البيان ج : 4 ص : 526
و اتصالاتها و سيرها و ظهور منافع الشمس و القمر في نشوء الحيوان و النبات علم أن الأمر كذلك و لو لم يخلقها إلا للاهتداء لما كان لخلقها صغارا و كبارا و اختلافاتها في المسير معنى و في تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم أن النجوم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « قد فصلنا الآيات » أي بينا الحجج و البينات « لقوم يعلمون » أي يتفكرون فيعلمون « و هو الذي أنشأكم » أي أبدعكم و خلقكم « من نفس واحدة » أي من آدم (عليه السلام) لأن الله تعالى خلقنا جميعا منه و خلق أمنا حواء ، من ضلع من أضلاعه و من علينا بهذا لأن الناس إذا رجعوا إلى أصل واحد كانوا أقرب إلى التواد و التعاطف و الت آلف « فمستقر و مستودع » قد مر ذكرهما في الحجة و اختلف في معناهما فقيل مستقر في الرحم إلى أن يولد و مستودع في القبر إلى أن يبعث عن عبد الله بن مسعود و قيل مستقر في بطون الأمهات و مستودع في أصلاب الآباء عن سعيد بن جبير و عكرمة عن ابن عباس و قيل مستقر على ظهر الأرض في الدنيا و مستودع عند الله في الآخرة عن مجاهد و قيل مستقرها أيام حياتها و مستودعها حيث يموت و حيث يبعث عن أبي العالية و قيل مستقر في القبر و مستودع في الدنيا عن الحسن و كان يقول يا ابن آدم أنت وديعة في أهلك و يوشك أن تلحق بصاحبك و أنشد قول لبيد :
و ما المال و الأهلون إلا وديعة
و لا بد يوما أن ترد الودائع و قال سليمان بن زيد العدوي في هذا المعنى :
فجع الأحبة بالأحبة قبلنا
فالناس مفجوع به و مفجع
مستودع أو مستقر مدخلا
فالمستقر يزوره المستودع « قد فصلنا الآيات » أي بينا الحجج و ميزنا الأدلة « لقوم يفقهون » مواقع الحجة و مواضع العبرة و إنما خص الذين يعلمون و يفقهون لأنهم المنتفعون بها كما قال هدى للمتقين و كرر قوله « قد فصلنا الآيات » حثا على النظر و تنبيها على أن كلا مما ذكر آية و دلالة تدل على توحيده و صفاته العلى .

مجمع البيان ج : 4 ص : 527
وَ هُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَات كلِّ شىْء فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّترَاكباً وَ مِنَ النَّخْلِ مِن طلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَ جَنَّت مِّنْ أَعْنَاب وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمَّانَ مُشتَبِهاً وَ غَيرَ مُتَشبِه انظرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ إِنَّ فى ذَلِكُمْ لاَيَت لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ(99)

القراءة

قرأ أبو بكر عن عاصم برواية أبي يوسف الأعشى و البرجمي و جنات بالرفع و هو قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و عبد الله بن مسعود الأعمش و يحيى بن يعمر و قرأ الباقون « و جنات » على النصب و قرأ حمزة و الكسائي و خلف ثمره بضمتين و كذلك كلوا من ثمره و في سورة ياسين ليأكلوا من ثمره و قرأ الباقون « ثمره » بفتحتين في الجميع .

الحجة

من قرأ « و جنات » فإنه عطفها على قوله « خضرا » أي فأخرجنا من الماء خضرا و جنات من أعناب و من قرأ و جنات بالرفع فإنه عطفها على « قنوان » لفظا و إن لم يكن من جنسها كقول الشاعر :
متقلدا سيفا و رمحا ) و من قرأ « إلى ثمره » فالثمر جمع ثمرة مثل بقرة و بقر و شجرة و شجر و من قرأ ثمره بضمتين فيحتمل وجهين ( أحدهما ) أن يكون على ثمرة و ثمر مثل خشبة و خشب و أكمة و أكم قال الشاعر :
نحن الفوارس يوم ديسقة المغشو
الكمأة غوارب الأكم و نظيره من المعتل قارة و قور و ناقة و نوق و ساحة و سوح قال الشاعر :
و كان سيان ألا يسرحوا نعما
أو يسرحوه بها و اغبرت السوح ( و الآخر ) أن يكون جمع ثمار على ثمر فيكون ثمر جمع الجمع .

اللغة

خضر بمعنى أخضر يقال أخضر فهو خضر و أخضر و أعور فهو عور و أعور و في الحديث أن الدنيا حلوة خضرة أي غضة ناعمة و ذهب دمه خضرا مضرا أي باطلا و أخذ الشيء خضرا مضرا أي مجانا بغير ثمن و قيل غضا طريا و فلان أخضر الجلدة و أخضر المنكب أي ذو سعة و خصب و قال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب :
مجمع البيان ج : 4 ص : 528

و أنا الأخضر من يعرفني
أخضر الجلدة في بيت العرب
من يساجلني يساجل ماجدا
يملأ الدلو إلى عقد الكرب
برسول الله و ابني بنته
و بعباس بن عبد المطلب و كتيبة خضراء إذا كان عليها سواد الحديد و العرب تسمي الأسود أخضر و يسمى سواد العراق سوادا لكثرة خضرته و متراكب متفاعل من الركوب و طلع النخل أول ما يبدو من ثمره و قد أطلع النخل و القنوان جمع قنو و هو العذق بكسر العين أي الكباسة و العذق بفتح العين النخلة و قنوان و قنوان بكسر القاف و ضمها لغتان و قنيان بالياء لغة تميم و دانية قريبة المتناول و الينع النضج يقال ينع الثمر ينعا و ينعا و أينع إذا أدرك قال الشاعر :
في قباب وسط دسكرة
حولها الزيتون قد ينعا و قيل إن الينع جمع يانع مثل صاحب و صحب و تاجر و تجر .

المعنى

ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال « و هو الذي أنزل من السماء ماء » يريد من السحاب و العرب تقول كل ما علاك فأظلك فهو سماء « فأخرجنا به نبات كل شيء » و المعنى فأخرجنا بالماء الذي أنزلناه من السماء من غذاء الأنعام و الطير و الوحش و أرزاق بني آدم ما يتغذون به و يأكلونه فينبتون عليه و ينمون و يريد بنبات كل شيء ما ينبت به كل شيء و ينمو عليه و يحتمل أن يكون المراد أخرجنا به جميع أنواع النبات ليكون كل شيء هو أصناف النبات كقوله إن هذا لهو حق اليقين عن الفراء و الأول أحسن و إنما قال به لأنه سبحانه جعله سببا مؤديا إلى النبات لا مولدا له و قد كان يمكنه الإنبات بغيره فلا يقال أنه فعله بسبب مولد « فأخرجنا منه » أي من الماء و قيل من النبات « خضرا » أي زرعا رطبا أخضر و هو ساق السنبلة « نخرج منه » أي من ذلك الزرع الخضر « حبا متراكبا » قد تركب بعضه على بعض مثل سنبلة الحنطة و السمسم و غير ذلك « و من النخل » أي و نخرج من النخل « من طلعها قنوان » أي أعذاق الرطب « دانية » أي قريبة المتناول و لم يقل و منها قنوان بعيدة لأن في الكلام دليلا على البعيدة السحيقة من النخل قد كانت غير سحيقة
مجمع البيان ج : 4 ص : 529
فاجتزأ بذكر القرينة عن ذكر السحيقة كما قال سرابيل تقيكم الحر و لم يقل و سرابيل تقيكم البرد لأن في الكلام دليل على أنها تقي البرد لأن ما يستر عن الحر يستر عن البرد عن الزجاج و قيل دانية دنت من الأرض لكثرة ثمرها و ثقل حملها و تقديره و من النخل من طلعها ما قنوانه دانية و إنما خص الطلع بالذكر لما فيه من المنافع و الأغذية الشريفة التي ليست في أكمام الثمار « و جنات من أعناب » يعني و أخرجنا به أيضا جنات من أعناب أي بساتين من أعناب و من رفعه فتقديره و نخرج به جنات من أعناب « و الزيتون و الرمان » أي فأخرجنا به الزيتون و الرمان أي شجر الزيتون و الرمان و قرن الزيتون و الرمان لأنهما شجرتان تعرف العرب أن ورقهما يشتمل على الغصن من أوله إلى آخره قال الشاعر :
بورك الميت الغريب كما بورك
نضج الرمان و الزيتون و معناه أن ورقهما يشتمل على العود كله « مشتبها و غير متشابه » أي مشتبها شجرة يشبه بعضه بعضا و غير متشابه في الطعم و قيل مشتبها ورقه مختلفا ثمره عن قتادة و قيل مشتبها في الخلق مختلفا في الطعم و قيل مشتبها ما كان من جنس واحد و غير متشابه إذا اختلف جنسه عن الجبائي و الأولى أن يقال أن جميع ذلك مشتبه من وجوه مختلف من وجوه فيدخل فيه جميع ما تقدم « انظروا إلى ثمره إذا أثمر » أي انظروا إلى خروج الثمار نظر الاعتبار « و ينعه » أي نضجه و معناه انظروا من ابتداء خروجه إذا أثمر إلى انتهائه إذا أينع و أدرك كيف تنتقل عليه الأحوال في الطعم و اللون و الرائحة و الصغر و الكبر ليستدلوا بذلك على أن له صانعا مدبرا « إن في ذلكم لآيات » أي إن في خلق هذه الثمار و الزروع مع إتقان جواهرها أجناسا مختلفة لا يشبه بعضها بعضا لدلالات على أن لها خالقا قصد إلى التمييز بينها قبل خلقها على علم بها و إنها تكونت بخلقه و تدبيره « لقوم يؤمنون » لأنهم بها يستدلون و بمعرفة مدلولاتها ينتفعون .

مجمع البيان ج : 4 ص : 530
وَ جَعَلُوا للَّهِ شرَكاءَ الجِْنَّ وَ خَلَقَهُمْ وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَنَتِ بِغَيرِ عِلْم سبْحَنَهُ وَ تَعَلى عَمَّا يَصِفُونَ(100) بَدِيعُ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ أَنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُن لَّهُ صحِبَةٌ وَ خَلَقَ كلَّ شىْء وَ هُوَ بِكلِّ شىْء عَلِيمٌ(101)

القراءة

قرأ أهل المدينة و خرقوا بالتشديد و الباقون « و خرقوا » بالتخفيف .

الحجة

قال أحمد بن يحيى خرق و اخترق بمعنى و قال أبو الحسن الخفيفة أعجب إلي لأنها أكثر و المعنى في القراءتين كذبوا و قد روي في الشواذ عن ابن عباس و حرفوا بالحاء و الفاء و هذا شاهد يكذبهم أيضا و مثله يحرفون الكلم عن مواضعه .

اللغة

البديع بمعنى المبدع و الفرق بين الإبداع و الاختراع أن الإبداع فعل ما لم يسبق إلى مثله و الاختراع فعل ما لم يوجد سبب له و لذلك يقال البدعة لما خالف السنة لأنه إحداث ما لم يسبق إليه و لا يقدر أحد على الاختراع غير الله تعالى لأن حده ما ابتدىء في غير محل القدرة عليه و القادر بقدرة إما أن يفعل مباشرا و هو ما ابتدىء في محل القدرة أو متولدا و هو ما يوقع بحسب غيره و لا يقدر على الاختراع أصلا .

الإعراب

انتصاب الجن من وجهين ( أحدهما ) أن يكون مفعولا أي جعلوا الجن لله شركاء و يكون شركاء مفعولا ثانيا كما قال و جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ( و الآخر ) أن يكون الجن بدلا من شركاء و مفسرا له سبحانه نصب على المصدر كأنه قال تسبيحا له و بديع خبر مبتدإ محذوف تقديره هو بديع السماوات و يجوز أن يكون مبتدأ و خبره « أنى يكون له ولد » و إنما تعدى بديع و هو فعيل لأنه معدول عن مفعل و الصفة تعمل عمل ما عدلت منه فإذا لم تكن معدولة لم تتعد نحو طويل و قصير .

المعنى

ثم رد سبحانه على المشركين و عجب من كفرهم مع هذه البراهين و الحجج و البينات فقال « و جعلوا » يعني المشركين « لله شركاء الجن » أخبر الله سبحانه أنهم اتخذوا معه آلهة جعلوهم له أندادا كما قال و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا و أراد بالجن الملائكة و إنما سماهم جنا لاستتارهم عن الأعين و هذا كما قال جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا عن قتادة و السدي و قيل أن قريشا كانوا يقولون أن الله تعالى قد صاهر الجن فحدث بينهما الملائكة فيكون على هذا القول المراد به الجن المعروف و قيل أراد بالجن الشياطين لأنهم أطاعوا الشياطين في عبادة الأوثان عن الحسن « و خلقهم » الهاء و الميم عائدة إليهم أي جعلوا للذي خلقهم شركاء لا يخلقون و يجوز أن يكون الهاء و الميم
مجمع البيان ج : 4 ص : 531
عائدة على الجن فيكون المعنى و الله خلق الجن فكيف يكونون شركاء له و يجوز أن يكون المعنى و خلق الجن و الإنس جميعا و روي أن يحيى بن يعمر قرأ و خلقهم بسكون اللام أي و خلق الجن يعني ما يخلقونه و يأفكون فيه و يكذبونه كأنه قال جعلوا الجن شركاءه و أفعالهم شركاء أفعاله أو شركاء له إذا عنى بذلك الأصنام و نحوها و قيل إن المعني بالآية المجوس إذ قالوا يزدان و أهرمن و هو الشيطان عندهم فنسبوا خلق المؤذيات و الشرور و الأشياء الضارة إلى أهرمن و جعلوه بذلك شريكا له و مثلهم الثنوية القائلون بالنور و الظلمة « و خرقوا له بنين و بنات » أي اختلقوا و موهوا و افتروا الكذب على الله و نسبوا البنين و البنات إلى الله فإن المشركين قالوا الملائكة بنات الله و النصارى قالوا المسيح ابن الله و اليهود قالوا عزير ابن الله « بغير علم » أي بغير حجة و يجوز أن يكون معناه بغير علم منهم بما عليهم عاجلا و آجلا و يجوز أن يكون معناه بغير علم منهم بما قالوه على حقيقة لكن جهلا منهم بالله و بعظمته تعالى « سبحانه » أي تنزيها له عما يقولون « و تعالى عما يصفون » من ادعائهم له شركاء و اختراقهم له بنين و بنات أي هو يجل من أن يوصف بما وصفوه به و إنما صار اتخاذ الولد نقصا لأنه لا يخلو من أن يكون ولادة أو تبنيا و كلاهما يوجب التشبيه و من أشبه المحدث كان على صفة نقص « بديع السماوات و الأرض » أي مبدعهما و منشئهما بعلمه ابتداء لا من شيء و لا على مثال سبق و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) « أنى يكون له ولد » أي كيف يكون له ولد و من أين يكون له ولد « و لم تكن له صاحبة » أي زوجة و إنما يكون الولد من النساء فيما يتعارفونه « و خلق كل شيء » في هذا نفي للصاحبة و الولد فإن من خلق الأشياء لا يكون شيء من خلقه صاحبة له و لا ولدا و لأن الأشياء كلها مخلوقة له فكيف يتعزز بالولد و يتكثر به « و هو بكل شيء عليم » يعلم الأشياء كلها موجودها و معدومها لا يخفى عليه خافية و من قال أن في قوله « و خلق كل شيء » دلالة على خلق أفعال العباد فجوابه أن المفهوم منه أنه أراد المخلوقات كما يفهم المأكولات من قول من قال أكلت كل شيء و المخلوقات كلها بما فيها من التقدير العجيب يضاف خلقها إليه سبحانه على أنه سبحانه قد نزه نفسه عن إفك العباد و كذبهم فلو كان خلقا له لما تنزه عنه .

مجمع البيان ج : 4 ص : 532
ذَلِكمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَلِقُ كلِّ شىْء فَاعْبُدُوهُ وَ هُوَ عَلى كلِّ شىْء وَكيلٌ(102) لا تُدْرِكهُ الأَبْصرُ وَ هُوَ يُدْرِك الأَبْصرَ وَ هُوَ اللَّطِيف الخَْبِيرُ(103)

اللغة

الوكيل على الشيء هو الحافظ له الذي يحوطه و يدفع الضرر عنه و إنما وصف سبحانه نفسه بأنه وكيل مع أنه مالك الأشياء لأنه لما كانت منافعها لغيره لاستحالة المنافع عليه و المضار صحت هذه الصفة له و قيل الوكيل من يوكل إليه الأمور يقال وكلت إليه هذا الأمر أي وليته تدبيره و المؤمن يتوكل على الله أي يفوض أمره إليه و الإدراك اللحاق يقال أدرك قتادة الحسن أي لحقه و أدرك الطعام نضج و أدرك الزرع بلغ منتهاه و أدرك الغلام بلغ و لحق حال الرجولية و أدركته ببصري لحقته ببصري و تدارك القوم تلاحقوا و لا يكون الإدراك بمعنى الإحاطة لأن الجدار محيط بالدار و ليس بمدرك لها و البصر الحاسة التي تقع بها الرؤية .

الإعراب

« خالق كل شيء » خبر مبتدإ محذوف و يجوز أن يكون صفة ربكم و كان يجوز نصبه على الحال لأنه نكرة اتصل بمعرفة بعد التمام .

المعنى

لما قدم سبحانه ذكر الأدلة على وحدانيته عقبه بتنبيه عباده على أنه الإله المستحق للطاعة و العبادة و تعليمهم الاستدلال بأفعاله عليه فقال « ذلكم » أي ذلك الذي خلق هذه الأشياء و دبر هذه التدابير لكم أيها الناس هو « الله ربكم » أي خالقكم و مالككم و مدبركم و سيدكم « لا إله إلا هو خالق كل شيء » أي كل مخلوق من الأجسام و الأعراض التي لا يقدر عليها غيره « فاعبدوه » لأنه المستحق للعبادة « و هو على كل شيء وكيل » أي حافظ و مدبر و حفيظ على خلقه فهو وكيل على الخلق و لا يقال وكيل لهم « لا تدركه الأبصار » أي لا تراه العيون لأن الإدراك متى قرن بالبصر لم يفهم منه إلا الرؤية كما أنه إذا قرن ب آلة السمع فقيل أدركت بإذني لم يفهم منه إلا السماع و كذلك إذا أضيف إلى كل واحد من الحواس أفاد ما تلك الحاسة آلة فيه فقولهم أدركته بفمي معناه وجدت طعمه و أدركته بأنفي معناه وجدت رائحته « و هو يدرك الأبصار » تقديره لا تدركه ذوو الأبصار و هو يدرك ذوي الأبصار أي المبصرين و معناه أنه يرى و لا يرى و بهذا خالف سبحانه جميع الموجودات لأن منها ما يرى و يرى كالأحياء و منها ما يرى و لا يرى كالجمادات و الأعراض المدركة و منها ما لا يرى و لا يرى كالأعراض غير المدركة فالله تعالى خالف جميعها و تفرد بأن يرى و لا يرى و تمدح في الآية بمجموع الأمرين كما تمدح في الآية الأخرى بقوله و هو يطعم و لا
مجمع البيان ج : 4 ص : 533
يطعم و روى العياشي بالإسناد المتصل أن الفضل بن سهل ذا الرياستين سأل أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهماالسلام) فقال أخبرني عما اختلف الناس فيه من الرؤية فقال من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه فقال أعظم الفرية على الله « لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار » و هذه الأبصار ليست هي الأعين إنما هي الأبصار التي في القلوب لا يقع عليه الأوهام و لا يدرك كيف هو « و هو اللطيف » قيل في معناه وجوه ( أحدها ) أنه اللاطف بعباده بسبوغ الإنعام غير أنه عدل عن وزن فاعل إلى فعيل للمبالغة ( و الثاني ) أن معناه لطيف التدبير إلا أنه حذف لدلالة الكلام عليه - ( و الثالث ) أن اللطيف الذي يستقل الكثير من نعمه و يستكثر القليل من طاعة عباده ( و الرابع ) أن اللطيف الذي إذا دعوته لباك و إن قصدته آواك و إن أحببته أدناك و إن أطعته كافأك و إن عصيته عافاك و إن أعرضت عنه دعاك و إن أقبلت إليه هداك ( و الخامس ) اللطيف من يكافي الوافي و يعفو عن الجافي ( و السادس ) اللطيف من يعز المفتخر به و يغني المفتقر إليه ( و السابع ) اللطيف من يكون عطاؤه خيرة و منعه ذخيرة « الخبير » العليم بكل شيء من مصالح عباده فيدبرهم عليها و بأفعالهم فيجازيهم عليها .
قَدْ جَاءَكُم بَصائرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا وَ مَا أَنَا عَلَيْكُم بحَفِيظ(104) وَ كَذَلِك نُصرِّف الاَيَتِ وَ لِيَقُولُوا دَرَست وَ لِنُبَيِّنَهُ لِقَوْم يَعْلَمُونَ(105)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو دارست و قرأ ابن عامر و يعقوب و سهل درست بفتح السين و سكون التاء و الباقون « درست » و في قراءة عبد الله و أبي درس أي ليقولوا درس محمد و روي عن ابن عباس و الحسن درست .

الحجة

من قرأ دارست فمعناه أنك دارست أهل الكتاب و ذاكرتهم و يقويه قوله و أعانه عليه قوم آخرون و من قرأ « درست » فحجته أن ابن مسعود قرأ درس فأسند الفعل فيه إلى الغيبة كما أسند إلى الخطاب و من قرأ درست فهو من الدروس الذي هو تعفي الأثر أي انمحت و يكون اللام في « ليقولوا » على هذا بمعنى لكراهية أن يقولوا و لأن لا يقولوا أنها أخبار قد تقدمت فطال العهد بها و باد من كان يعرفها لأن تلك الأخبار لا تخلو من خلل فإذا سلم
مجمع البيان ج : 4 ص : 534
الكتاب منه لم يكن لطاعن فيه مطعن و أما على القراءتين الأوليين فاللام في ليقولوا كالتي في قوله « ليكون لهم عدوا و حزنا » و لم يلتقطوه لذلك كما لم يصرف الآيات ليقولوا درست و دارست و لكن لما قالوا ذلك أطلق على هذا للاتساع و أما قراءة ابن عباس درست ففيه ضمير الآيات و معناه درستها أنت يا محمد و يجوز أن يكون معناه عفت و تنوسيت فيكون كقوله إن هذا إلا أساطير الأولين .

اللغة

البصيرة البينة و الدلالة التي يبصر بها الشيء على ما هو به و البصائر جمعها و البصيرة مقدار الدرهم من الدم و البصرة الترس و البصيرة الثأر و الدية قال الشاعر :
جاءوا بصائرهم على أكتافهم
و بصيرتي يعدو بها عتد و أي أي أخذوا الديات فصارت عارا و بصيرتي على فرسي أطلب بها ثاري و قيل أراد ثقل دمائهم على أكتافهم لم يثأروا بها قال الأزهري البصيرة ما اعتقد في القلب من تحقيق الشيء و الشقة تكون على الجنا و الإبصار الإدراك بحاسة البصر و الدرس أصله استمرار التلاوة و درس الأثر دروسا إذا انمحى لاستمرار الزمان به و درست الريح الأثر دروسا محته باستمرارها عليه .

الإعراب

« كذلك » موضع الكاف نصب منه بكونه صفة للمصدر أي تصريفا مثل ذلك التصريف و اللام في « و ليقولوا » معطوف على محذوف تقديره ليجحدوا و ليقولوا درست و اللام لام العاقبة .

المعنى

ثم بين سبحانه أنه بعد هذه الآيات قد أزاح العلة للمكلفين فقال « قد جاءكم » أيها الناس « بصائر » بينات و دلالات « من ربكم » تبصرون بها الهدى من الضلال و تميزون بها بين الحق و الباطل و وصف البينة بأنها جاءت تفخيما لشأنها كما يقال جاءت العافية و انصرف المرض و أقبل السعد « فمن أبصر فلنفسه » أي من تبين هذه الحجج بأن نظر فيها حتى أوجبت له العلم فمنفعة ذلك تعود إليه و لنفسه نظر « و من عمي » فلم ينظر فيها و صدف عنها « فعليها » أي على نفسه وباله و بها أضر و إياها ضر فسمي
مجمع البيان ج : 4 ص : 535
العلم و التبيين إبصارا و الجهل عمى مجازا و توسعا و في هذا دلالة على أن المكلفين مخيرون في أفعالهم غير مجبرين ثم أمر سبحانه نبيه بأن يقول لهم « و ما أنا عليكم بحفيظ » أي لست أنا الرقيب على أعمالكم قال الزجاج معناه لست آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ عليكم و الوكيل و هذا قبل الأمر بالقتال فلما أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالقتال صار حفيظا عليهم و مسيطرا على كل من تولى « و كذلك » أي و كما صرفنا الآيات قبل « نصرف » هذه « الآيات » قال علي بن عيسى و التصريف إجراء المعنى الدائر في المعاني المتعاقبة لتجتمع فيه وجوه الفائدة « و ليقولوا درست » ذلك يا محمد أي تعلمته من اليهود قال الزجاج و هذه اللام تسميها أهل اللغة لام الصيرورة أي أن السبب الذي أداهم إلى أن قالوا درست هو تلاوة الآيات و كذلك دارست أي دارست أهل الكتابين و قارأتهم و ذاكرتهم عن الحسن و مجاهد و السدي و ابن عباس « و لنبينه لقوم يعلمون » معناه لنبين الذي هذه الآيات دالة عليه للعلماء الذين يعقلون ما نورده عليهم و إنما خصهم بذلك لأنهم انتفعوا به دون غيرهم .
اتَّبِعْ مَا أُوحِىَ إِلَيْك مِن رَّبِّك لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَ أَعْرِض عَنِ الْمُشرِكِينَ(106) وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشرَكُوا وَ مَا جَعَلْنَك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَ مَا أَنت عَلَيهِمْ بِوَكِيل(107)

اللغة

الاتباع أن يتصرف الثاني بتصريف الأول و النبي كان يتصرف في الدين بتصريف الوحي فلذلك كان متبعا و كذلك كل متدبر بتدبير غيره فهو متبع له و الإيحاء هو إلقاء المعنى إلى النفس على وجه يخفى و الإعراض أصله الانصراف بالوجه إلى جهة العرض و منه :
و أعرضت اليمامة و اشمخرت
كأسياف بأيدي مصلتينا أي ظهرت كالظهور بالعرض و منه المعارضة لظهور المساواة بها كالظهور بالعرض
مجمع البيان ج : 4 ص : 536
و الاعتراض المنع من الشيء الحاجز عنه عرضا و منه العرض الذي يظهر كالظهور بالعرض ثم لا يلبث و حد أيضا بأنه ما يظهر في الوجود و لا يكون له لبث كلبث الجواهر .

المعنى

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) باتباع الوحي فقال « اتبع » أيها الرسول « ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو » إنما أعاد سبحانه هذا القول لأن المراد ادعهم إلى أنه لا إله إلا هو عن الحسن و قيل معناه ما أوحي إليك من أنه لا إله إلا هو « و أعرض عن المشركين » قال ابن عباس نسخته آية القتال و قيل معناه اهجرهم و لا تخالطهم و لا تلاطفهم و لم يرد به الإعراض عن دعائهم إلى الله تعالى و حكمه ثابت « و لو شاء الله ما أشركوا » أي لو شاء الله أن يتركوا الشرك قهرا و إجبارا لاضطرهم إلى ذلك إلا أنه لم يضطرهم إليه بما ينافي أمر التكليف و أمرهم بتركه اختيارا ليستحقوا الثواب و المدح عليه فلم يتركوه فأتوا به من قبل نفوسهم و في تفسير أهل البيت (عليهم السلام) لو شاء الله أن يجعلهم كلهم مؤمنين معصومين حتى كان لا يعصيه أحد لما كان يحتاج إلى جنة و لا إلى نار و لكنه أمرهم و نهاهم و امتحنهم و أعطاهم ما له به عليهم الحجة من الآلة و الاستطاعة ليستحقوا الثواب و العقاب « و ما جعلناك عليهم حفيظا » مراقبا لأعمالهم « و ما أنت عليهم بوكيل » أي و لست بموكل عليهم بذلك و إنما أنت رسول عليك البلاغ و علينا الحساب و جمع بين حفيظ و وكيل لاختلاف معنى اللفظين فإن الحافظ للشيء هو الذي يصونه عما يضره و الوكيل على الشيء هو الذي يجلب الخير إليه .
وَ لا تَسبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسبُّوا اللَّهَ عَدْوَا بِغَيرِ عِلْم كَذَلِك زَيَّنَّا لِكلِّ أُمَّة عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ(108)

القراءة

قرأ يعقوب عدوا بضم العين و الدال و تشديد الواو و هو قراءة الحسن و أبي رجاء و قتادة و قرأ الباقون « عدوا » بفتح العين و سكون الدال .

الحجة

العدو و العدو جميعا الظلم و التعدي للحق و مثلهما العدوان و العداء و إنما انتصب « عدوا » لأنه مصدر في موضع الحال .

مجمع البيان ج : 4 ص : 537

اللغة

السب الذكر بالقبيح و منه الشتم و الذم و أصله السبب كأنه يتسبب إلى ذكره بالقبيح و سبك الذي يسابك قال :
لا تسبنني فلست بسبي
إن سبي من الرجال الكريم و قيل أصل السب القطع .

النزول

قال ابن عباس لما نزلت « إنكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم » الآية قال المشركون يا محمد لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون ربك فنزلت الآية و قال قتادة كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فنهاهم الله عن ذلك لئلا يسبوا الله فإنهم قوم جهلة .

المعنى

ثم نهى الله المؤمنين أن يسبوا الأصنام لما في ذلك من المفسدة فقال « و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله » أي لا تخرجوا من دعوة الكفار و محاجتهم إلى أن تسبوا ما يعبدونه من دون الله فإن ذلك ليس من الحجاج في شيء « فيسبوا الله عدوا » أي ظلما « بغير علم » و أنتم اليوم غير قادرين على معاقبتهم بما يستحقون لأن الدار دارهم و لم يؤذن لكم في القتال و إنما قال من دون الله لأن المعنى يدعونه إلها و في هذا دلالة على أنه لا ينبغي لأحد أن يفعل أو يقول ما يؤدي إلى معصية غيره و سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن الشرك أخفى من دبيب النمل على صفوانة سوداء في ليلة ظلماء فقال كان المؤمنون يسبون ما يعبد المشركون من دون الله فكان المشركون يسبون ما يعبد المؤمنون فنهى الله المؤمنين عن سب آلهتهم لكيلا يسب الكفار إله المؤمنين فكان المؤمنون قد أشركوا من حيث لا يعلمون « كذلك زينا لكل أمة عملهم » قيل في معناه أقوال ( أحدها ) أن المراد كما زينا لكم أعمالكم زينا لكل أمة ممن قبلكم أعمالهم من حسن الدعاء إلى الله تعالى و ترك السب للأصنام و نهيناهم أن يأتوا من الأفعال ما ينفر الكفار عن قبول الحق عن الحسن و الجبائي و يسمى ما يجب على الإنسان أن يعلمه بأنه عمله كما تقول لولدك أو غلامك اعمل عملك أي ما ينبغي لك أن تفعله ( و ثانيها ) أن معناه و كذلك زينا لكل أمة عملهم بميل الطباع إليه و لكن قد عرفناهم الحق مع ذلك ليأتوا الحق و يجتنبوا الباطل ( و ثالثها ) أن المراد زينا عملهم بذكر ثوابه فهو كقوله « و لكن الله حبب إليكم الإيمان و زينة في قلوبكم و كره إليكم الكفر و الفسوق و العصيان » يريد حبب إليكم الإيمان بذكر ثوابه و مدح فاعليه على فعله و كره الكفر بذكر عقابه و ذم فاعليه على فعله و لم يرد سبحانه بذلك أنه زين عمل الكافرين لأن ذلك
مجمع البيان ج : 4 ص : 538
يقتضي الدعاء إليه و الله تعالى ما دعا أحدا إلى معصيته لكنه نهى عنها و ذم فاعليها و قد قال سبحانه « و زين لهم الشيطان أعمالهم » و لا خلاف أن المراد بذلك الكفر و المعاصي و في ذلك دلالة على أن المراد به في الآية تزيين أعمال الطاعة « ثم إلى ربهم مرجعهم » أي مصيرهم « فينبؤهم بما كانوا يعملون » أي بأعمالهم من الخير و الشر نهى الله سبحانه في هذه الآية عن سب الأصنام لئلا يؤدي ذلك إلى سبه فإذا كان سبحانه لا يريد ما ربما يكون سببا إلى سبه فلأن لا يريد سبب نفسه أولى و أجدر و أيضا إذا لم يرد سب الأصنام إذا كان زيادة في كفر الكافرين فلأن لا يريد كفرهم أحرى فبطل قول المجبرة .
وَ أَقْسمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَنهِمْ لَئنْ جَاءَتهُمْ ءَايَةٌ لَّيُؤْمِننَّ بهَا قُلْ إِنَّمَا الاَيَت عِندَ اللَّهِ وَ مَا يُشعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَت لا يُؤْمِنُونَ(109) وَ نُقَلِّب أَفْئِدَتهُمْ وَ أَبْصرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّة وَ نَذَرُهُمْ فى طغْيَنِهِمْ يَعْمَهُونَ(110)

القراءة

قرأ ابن كثير و أهل البصرة و أبو بكر عن عاصم و نصير عن الكسائي و خلف إنها بكسر الألف و قرأ الباقون « أنها » بفتح الألف و قرأ ابن عامر و حمزة لا تؤمنون بالتاء و الباقون « لا يؤمنون » بالياء و في الشواذ و يذرهم بالياء و الجزم قراءة الأعمش .

الحجة

قال أبو علي « و ما يشعركم » ما فيه استفهام و فاعل « يشعركم » ضمير ما و لا يجوز أن يكون نفيا لأن الفعل فيه يبقى بلا فاعل فإن قلت يكون ما نفيا و يكون فاعل « يشعركم » ضمير اسم الله تعالى قيل ذلك لا يصح لأن التقدير يصير و ما يشعركم الله انتفاء إيمانهم و هذا لا يستقيم لأن الله قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون بقوله « و لو أننا نزلنا » الآية و إذا فسد أن يكون ما للنفي ثبت أنها للاستفهام فيكون اسما فيصير في الفعل ضميره و يكون المعنى و ما يدريكم إيمانهم إذا جاءت فحذف المفعول و حذف المفعول كثير ثم قال إنهم لا يؤمنون مع مجيء الآية فمن كسر الهمزة فإنه استأنف على القطع بأنهم لا يؤمنون و من فتح الهمزة جاز أن يكون « يشعركم » منقولا من شعرت الشيء و شعرت به مثل دريته و دريت به في أنه يتعدى مرة بحرف
مجمع البيان ج : 4 ص : 539
و مرة بلا حرف فإذا عديته بالحرف جاز أن يكون أن في قول من لم يجعلها بمعنى لعل في موضع جر لأن الكلام لما طال صار كالبدل منه و جاز أن يكون في موضع نصب و الوجه في هذه القراءة على تأويلين ( أحدهما ) أن يكون بمعنى لعل كقول الشاعر و هو دريد بن الصمة :
ذريني أطوف في البلاد لأنني
أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا و قال :
هل أنتم عائجون بنا لأنا
نرى العرصات أو أثر الخيام و قال عدي بن زيد :
أ عاذل ما يدريك أن منيتي
إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد أي لعل منيتي المعنى و ما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون و هذا ما فسره الخليل بقوله ائت السوق إنك تشتري لنا شيئا أي لعلك و قد جاء في التنزيل لعل بعد العلم قال سبحانه « و ما يدريك لعله يزكى » « و ما يدريك لعل الساعة قريب » و التأويل الآخر الذي لم يذهب إليه الخليل و سيبويه أن يكون لا في قوله « لا يؤمنون » زائدة و التقدير و ما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون و مثل لا هذه في كونها في تأويل زائدة و في آخر غير زائدة قول الشاعر :
أبى جودة لا البخل و استعجلت به
نعم من فتى لا يمنع الجوع قاتله يريد لا يمنع الجائع الخبز و ينشد أبي جودة لا البخل و لا البخل فمن نصب البخل جعلها زائدة كأنه قال أبى جودة البخل و من قال لا البخل أضاف لا إلى البخل و وجه القراءة بالياء في « يؤمنون » أن المراد بهم قوم مخصوصون بدلالة قوله و لو أننا نزلنا إليهم الملائكة الآية و ليس كل الكفار بهذه الصفة أي لا يؤمن هؤلاء المقسمون و وجه القراءة بالتاء أنه انصراف من الغيبة إلى الخطاب و المراد بالمخاطبين هم الغيب المقسمون الذين أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون و من قرأ و يذرهم فإنه أسكن المرفوع تخفيفا .

مجمع البيان ج : 4 ص : 540

اللغة

الجهد بالفتح المشقة و الجهد بالضم الطاقة و قيل الجهد بالفتح المبالغة فقوله « جهد أيمانهم » أي بالغوا في اليمين و اجتهدوا فيه و هو منصوب على المصدر لأنه مضاف إلى المصدر و المضاف إلى المصدر مصدر فإن الأيمان جمع اليمين و اليمين هي القسم و التقدير و أقسموا بالله جهد أقسامهم .

النزول

قالت قريش يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا و تخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى و تخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا ب آية من الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي شيء تحبون أن آتيكم به قالوا اجعل لنا الصفا ذهبا و ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك أ حق ما تقول أم باطل و أرنا الملائكة يشهدون لك أو ائتنا بالله و الملائكة قبيلا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإن فعلت بعض ما تقولون أ تصدقونني قالوا نعم و الله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين و سأل المسلمون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يدعو أن يجعل الصفا ذهبا فجاءه جبرائيل (عليه السلام) فقال له إن شئت أصبح الصفا ذهبا و لكن إن لم يصدقوا عذبتهم و إن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بل يتوب تائبهم فأنزل الله تعالى هذه الآية عن الكلبي و محمد بن كعب القرظي .

المعنى

ثم بين سبحانه حال الكفار الذين سألوه الآيات فقال « و أقسموا » أي حلفوا « بالله جهد أيمانهم » أي مجدين مجتهدين مظهرين الوفاء به « لئن جاءتهم آية » مما سألوه « ليؤمنن بها قل » يا محمد « إنما الآيات » أي الأعلام و المعجزات « عند الله » و الله تعالى مالكها و القادر عليها فلو علم صلاحكم في إنزالها لأنزلها « و ما يشعركم » الخطاب متوجه إلى المشركين عن مجاهد و ابن زيد و قيل هو متوجه إلى المؤمنين عن الفراء و غيره لأنهم ظنوا أنهم لو أجيبوا إلى الآيات لآمنوا « أنها إذا جاءت لا يؤمنون » قد مر معناه « و نقلب أفئدتهم و أبصارهم » أخبر سبحانه أنه يقلب أفئدة هؤلاء الكفار و أبصارهم عقوبة لهم و في كيفية تقليبهما قولان ( أحدهما ) أنه يقلبهما في جهنم على لهب النار و حر الجمر « كما لم يؤمنوا به أول مرة » في الدنيا عن الجبائي قال و جمع بين صفتهم في الدنيا و صفتهم في الآخرة كما قال وجوه يومئذ خاشعة يعني في الآخرة عاملة ناصبة يعني في الدنيا ( و الآخر ) أن المعنى نقلب أفئدتهم و أبصارهم بالحيرة التي تغم و تزعج النفس و قوله « كما لم يؤمنوا به أول مرة » قيل إنه متصل بما قبله و تقديره و أقسموا بالله ليؤمنن بالآيات و الله
مجمع البيان ج : 4 ص : 541
تعالى قد قلب قلوبهم و أبصارهم و علم أن فيها خلاف ما يقولون يقال فلان قد قلب هذه المسألة و قلب هذا الأمر إذا عرف حقيقته و وقف عليه و ما يدريكم « أنها إذا جاءت لا يؤمنون » كما لم يؤمنوا بما أنزل الله من الآيات أول مرة عن ابن عباس و مجاهد و قيل معناه لو أعيدوا إلى الدنيا ثانية لم يؤمنوا به كما لم يؤمنوا به أول مرة في الدنيا كما قال و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه عن ابن عباس في رواية أخرى و قيل معناه يجازيهم في الآخرة كما لم يؤمنوا به في الدنيا عن الجبائي و الهاء في به يحتمل أن يكون عائدة على القرآن و ما أنزل من الآيات و يحتمل أن تكون عائدة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و نذرهم في طغيانهم » أي نخليهم و ما اختاروه من الطغيان فلا نحول بينه و بينهم « يعمهون » يترددون في الحيرة قال الحسين بن علي المغربي قوله « و نقلب أفئدتهم و أبصارهم » حشو بين الجملتين و معناه أنا نحيط علما بذات الصدور و خائنة الأعين أي نختبر قلوبهم فنجد باطنها بخلاف ظاهرها .
* وَ لَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيهِمُ الْمَلَئكةَ وَ كلَّمَهُمُ المَْوْتى وَ حَشرْنَا عَلَيهِمْ كلَّ شىْء قُبُلاً مَّا كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَن يَشاءَ اللَّهُ وَ لَكِنَّ أَكثرَهُمْ يجْهَلُونَ(111)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب « قبلا » بضمتين هاهنا و في الكهف قبلا بكسر القاف و فتح الباء و قرأ أبو جعفر هاهنا بكسر القاف و في الكهف بالضم و قرأ نافع و ابن عامر قبلا بكسر القاف في موضعين و قرأ أهل الكوفة بضم القاف في السورتين .

الحجة

« قبلا » يحتمل أن يكون جمع قبيل بمعنى الكفيل و يجوز أن يكون بمعنى الصنف كما فسر أبو عبيدة و يجوز أن يكون بمعنى قبل أي مواجهة كما فسره أبو زيد في قوله لقيت فلانا قبلا و قبلا و قبلا و مقابلة و قبيلا كله واحد و هو المواجهة فالمعنى في القراءتين على قوله واحد و إن اختلف اللفظان .

اللغة

الحشر الجمع مع سوق و كل جمع حشر .

المعنى

ثم بين سبحانه حالهم في عنادهم و ترددهم في طغيانهم و كفرهم فقال
مجمع البيان ج : 4 ص : 542
« و لو أننا نزلنا إليهم الملائكة » حتى يروهم عيانا يشهدون لنبينا بالرسالة « و كلمهم الموتى » أي و أحيينا الموتى حتى كلموهم بالتوحيد و شهدوا لمحمد بالرسالة « و حشرنا » أي جمعنا « عليهم كل شيء » أي كل آية و قيل كل ما سألوه « قبلا » أي معاينة و مقابلة حتى يواجهوها عن ابن عباس و قتادة و معناه أنهم من شدة عنادهم و تركهم الانقياد و الإذعان للحق يشكون في المشاهدات التي لا يشك فيها و مثله قوله « و إن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم » و قبلا أي قبيلا قبيلا يعني جماعة جماعة عن مجاهد هذا إذا حملت قبلا على جمع القبيل الذي هو الصنف و إنما كانت تبهر هذه الآية لأنه ليس في العرف أن يجتمع جميع الأشياء و تنحشر إلى موضع و قيل كفلاء عن الفراء و هذا الوجه فيه بعد لأنهم إذا لم يؤمنوا عند إنزال الملائكة إليهم و كلام الموتى فإن لا يؤمنوا بالكفالة أجدر إلا أن يكون المراد حشر كل شيء و في الأشياء المحشورة ما لا ينطق فإذا نطق بالكفالة ما لا ينطق كان خارقا للعادة « ما كانوا ليؤمنوا » عند هذه الآيات « إلا أن يشاء الله » أن يجبرهم على الإيمان عن الحسن و هو المروي عن أهل البيت (عليهم السلام) و المعنى أنهم قط لا يؤمنون مختارين إلا أن يكرهوا « و لكن أكثرهم يجهلون » أن الله قادر على ذلك و قيل معناه يجهلون أنهم لو أوتوا بكل آية ما آمنوا طوعا و قيل معناه يجهلون مواضع المصلحة فيبطلون ما لا فائدة فيه و في الآية دلالة على أن الله سبحانه لو علم أنه إذا فعل ما اقترحوه من الآيات آمنوا لفعل ذلك و لكان ذلك من الواجب في حكمته لأنه لو لم يجب ذلك لم يكن لتعليله بأنه لم يظهر هذه الآيات لعلمه بأنه لو فعلها لم يؤمنوا معنى و فيها أيضا دلالة على أن إرادته محدثة لأن الاستثناء يدل على ذلك إذ لو كانت قديمة لم يجز هذا الاستثناء و لم يصح كما كان لا يصح لو قال ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يعلم الله و إلا أن يقدر الله لحصول هاتين الصفتين فيما لم يزل و متى قيل فلم لا يقال أنهم لم يؤمنوا لأنه سبحانه يعلم أنه لم يشأ فالقول فيه أنه لو كان كذلك لكان وقوع الإيمان منهم موقوفا على المشيئة سواء كانت الآيات أم لم تكن و في هذا إبطال للآيات .
وَ كَذَلِك جَعَلْنَا لِكلِّ نَبى عَدُوًّا شيَطِينَ الانسِ وَ الْجِنِّ يُوحِى بَعْضهُمْ إِلى بَعْض زُخْرُف الْقَوْلِ غُرُوراً وَ لَوْ شاءَ رَبُّك مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ مَا يَفْترُونَ(112) وَ لِتَصغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ وَ لِيرْضوْهُ وَ لِيَقْترِفُوا مَا هُم مُّقْترِفُونَ(113)

مجمع البيان ج : 4 ص : 543

القراءة

في الشواذ عن الحسن و لتصغى إليه و ليرضوه و ليقترفوا بسكون اللام في الجميع و القراءة الظاهرة بكسر اللام في سائرها .

الحجة

قال أبو الفتح هذه اللام هي الجارة أعني لام كي و هي معطوفة على الغرور من قوله يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا أي للغرور و لأن « تصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة و ليرضوه و ليقترفوا » إلا أن إسكان هذه اللام شاذ في الاستعمال على قوته في القياس لأن هذا الإسكان إنما كثر عنهم في لام الأمر نحو قوله تعالى « ثم ليقضوا تفثهم و ليوفوا نذورهم و ليطوفوا » و إنما أسكنت تخفيفا لثقل الكسرة فيها و فرقوا بينها و بين لام كي بأن لم يسكنوها و كأنهم إنما اختاروا السكون للأم الأمر و التحريك للأم كي من حيث كانت لام كي نائبة في أكثر الأمر عن أن و هي أيضا في جواب كان سيفعل إذا قلت ما كان ليفعل محذوفة مع اللام البتة فلما نابت عنها قووها بإقرار حركتها فيها لأن الحرف المتحرك أقوى من الساكن و الأقوى أشبه بأن ينوب عن غيره من الأضعف .

اللغة

الزخرف المزين يقال زخرفه زخرفة إذا زينه و الزخرف كمال حسن الشيء و في الحديث أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يدخل الكعبة حتى أمر بالزخرف فنحي قيل كانت نقوش و تصاوير زينت الكعبة بها و قيل أراد بالزخرف الذهب و الغرور ما له ظاهر تحبه و فيه باطن مكروه و الشيطان غرور لأنه يحمل على محاب النفس و وراءه سوء العاقبة و بيع الغرر ما لا يكون على ثقة و صغوت إليه أصغي صغوا و صغوا و صغيت أصغي بالياء أيضا و أصغيت إليه إصغاء بمعنى قال الشاعر :
ترى السفيه به عن كل محكمة
زيغ و فيه إلى التشبيه إصغاء و يقال أصغيت الإناء إذا أملته ليجتمع ما فيه و منه الحديث كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يصغي الإناء للهر و الأصل فيه الميل إلى الشيء لغرض من الأغراض و الاقتراف اكتساب الإثم و يقال
مجمع البيان ج : 4 ص : 544
خرج يقترف لأهله أي يكتسب لهم و قارف فلان هذا الأمر إذا واقعة و عمله و قرف الذنب و اقترفه عمله و قرفه بما ادعاه عليه أي رماه بالريبة و قرف القرحة أي قشر منها و اقترف كذبا .

الإعراب

نصب عدوا على أحد وجهين إما أن يكون مفعول جعلنا و شياطين بدل منه و مفسر له و عدوا في معنى أعداء و إما أن يكون أصله خبرا و يكون هنا مفعولا ثانيا لجعلنا على تقدير جعلنا شياطين الإنس و الجن عدوا أي أعداء و قوله « غرورا » نصب على المصدر من معنى الفعل المتقدم لأن معنى إيحاء الزخرف من القول معنى الغرور فكأنه قال يغرون غرورا عن الزجاج و قيل أنه مفعول له عن ابن جني و قيل نصب على البدل من زخرف عن أبي مسلم .

المعنى

ثم بين سبحانه ما كان عليه حال الأنبياء (عليهم السلام) مع أعدائهم تسلية لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس و الجن » أي و كما جعلنا لك شياطين الإنس و الجن أعداء كذلك جعلنا لمن تقدمك من الأنبياء و أممهم و قيل في معنى قوله و جعلنا هنا وجوه ( أحدها ) أن المراد كما أمرناك بعداوة قومك من المشركين فقد أمرنا من قبلك بمعاداة أعدائهم من الجن و الإنس و متى أمر الله رسوله بمعاداة قوم من المشركين فقد جعلهم أعداء له و قد يقول الأمير للمبارز من عسكره جعلت فلانا قرنك في المبارزة و إنما يعني بذلك أنه أمره بمبارزته لأنه إذا أمره بمبارزته فقد جعل من يبارزه قرنا له ( و ثانيها ) أن معناه حكمنا بأنهم أعداء و أخبرنا بذلك لتعاملوهم معاملة الأعداء في الاحتراز عنهم و الاستعداد لدفع شرهم و هذا كما يقال جعل القاضي فلانا عدلا و فلانا فاسقا إذا حكم بعدالة هذا و فسق ذلك ( و ثالثها ) أن المراد خلينا بينهم و بين اختيارهم العداوة لم نمنعهم عن ذلك كرها و لا جبرا لأن ذلك يزيل التكليف ( و رابعها ) أنه سبحانه إنما أضاف ذلك إلى نفسه لأنه سبحانه لما أرسل إليهم الرسل و أمرهم بدعائهم إلى الإسلام و الإيمان و خلع ما كانوا يعبدونه من الأصنام و الأوثان نصبوا عند ذلك العداوة لأنبيائه (عليهم السلام) و مثله قوله سبحانه مخبرا عن نوح (عليه السلام) « فلم يزدهم دعائي إلا فرارا » و المراد بشياطين الإنس و الجن مردة الكفار من الفريقين عن الحسن و قتادة و مجاهد و قيل إن شياطين الإنس الذين يغوونهم و شياطين الجن الذين هم من ولد إبليس عن السدي و عكرمة و في تفسير الكلبي عن ابن عباس أن إبليس جعل جنده فريقين فبعث فريقا منهم إلى الإنس و فريقا إلى الجن فشياطين الإنس و الجن أعداء الرسل و المؤمنين فيلتقي شياطين الإنس و شياطين الجن في كل حين فيقول بعضهم لبعض أضللت صاحبي
مجمع البيان ج : 4 ص : 545
بكذا فأضل صاحبك بمثلها فكذلك يوحي بعضهم إلى بعض و روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا أنه قال إن الشياطين يلقي بعضهم بعضا فيلقي إليه ما يغوى به الخلق حتى يتعلم بعضهم من بعض « يوحي » أي يوسوس و يلقي خفية « بعضهم إلى بعض زخرف القول » أي المموة المزين الذي يستحسن ظاهره لا حقيقة له و لا أصل « غرورا » أي يغرونهم بذلك غرورا أو ليغروهم بذلك « و لو شاء ربك ما فعلوه » أخبر سبحانه أنه لو شاء أن يمنعهم من ذلك جبرا و يحول بينهم و بينه لقدر على ذلك و لو حال بينهم و بينه لما فعلوه و لكنه خلى بينهم و بين أفعالهم إبقاء للتكليف و امتحانا للمكلفين و قيل معناه و لو شاء ربك ما فعلوه بأن ينزل عليهم عذابا أو آية فتظل أعناقهم لها خاضعين « فذرهم و ما يفترون » أي دعهم و افتراءهم الكذب فإني أجازيهم و أعاقبهم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأن يخلي بينهم و بين ما اختاروه و لا يمنعهم منه بالقهر تهديدا لهم كما قال اعملوا ما شئتم دون أن يكون أمرا واجبا أو ندبا « و لتصغى إليه » أي و لتميل إلى هذا الوحي بزخرف القول أو إلى هذا القول المزخرف « أفئدة » أي قلوب « الذين لا يؤمنون بالآخرة » و العامل في قوله « و لتصغى » قوله « يوحي » و لا يجوز أن يكون العامل فيه جعلنا لأن الله سبحانه لا يجوز أن يريد إصغاء القلوب إلى الكفر و وحي الشياطين إلا أن تجعلها لام العاقبة كما في قوله فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا و حزنا على أنه غير معلوم أن كل من أرادوا منه الصغو قد صغى إلى كلامهم و لم يصح ذلك أيضا في قوله « و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون » لأنه غير معلوم حصول ذلك و على ما قلناه يكون جميع ذلك معطوفا بعضه على بعض و المراد بالأفئدة أصحاب الأفئدة و لكن لما كان الاعتقاد في القلب و كذلك الشهوة أسند الصغو إلى القلب « و ليرضوه » أي و ليرضوا ما أوحي إليهم من القول المزخرف « و ليقترفوا » أي و ليكتسبوا من الإثم و المعاصي « ما هم مقترفون » أي مكتسبون في عداوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المؤمنين عن ابن عباس و السدي و قال أبو علي الجبائي إن اللام في قوله « و لتصغى » و ما بعده لام الأمر و المراد بها التهديد كما قال سبحانه « اعملوا ما شئتم » و استفزز من استطعت و هذا غلط فاحش لأنه لو كان كذلك لقال و لتصغ فحذف الألف و قال البلخي اللام في و لتصغى لام العاقبة و ما بعده لام الأمر الذي يراد به التهديد و هذا جائز إلا أن فيه تعسفا فالأصح ما ذكرناه .

مجمع البيان ج : 4 ص : 546
أَ فَغَيرَ اللَّهِ أَبْتَغِى حَكَماً وَ هُوَ الَّذِى أَنزَلَ إِلَيْكمُ الْكِتَب مُفَصلاً وَ الَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنزَّلٌ مِّن رَّبِّك بِالحَْقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْترِينَ(114)

القراءة

قرأ ابن عامر و حفص « منزل » بالتشديد و الباقون بالتخفيف .

الحجة

حجة التشديد قوله سبحانه تنزيل الكتاب من الله و ما أشبهه و حجة التخفيف إنا أنزلنا إليك و ما أشبهه .

المعنى

ثم أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يقول لهؤلاء الكفار الذين مضى ذكرهم « أ فغير الله أبتغي حكما » أي أطلب سوى الله حاكما و الحكم و الحاكم بمعنى واحد إلا أن الحكم أمدح لأن معناه من يستحق أن يتحاكم إليه فهو لا يقضي إلا بالحق و قد يحكم الحاكم بغير حق و المعنى هل يجوز لأحد أن يعدل عن حكم الله رغبة عنه أو هل يجوز أن يكون حكم سوى الله يساويه في حكمه « و هو الذي » يعني و الله الذي « أنزل إليكم الكتاب » أي القرآن « مفصلا » فصل فيه جميع ما يحتاج إليه و قيل فصل فيه بين الصادق و الكاذب في الدين و قيل فصل بين الحلال و الحرام و الكفر و الإيمان عن الحسن و معنى التفصيل تبيين المعاني بما ينفي التخليط المعمي للمعنى و ينفي أيضا التداخل الذي يوجب نقصان البيان عن المراد « و الذين آتيناهم الكتاب » يعني بهم مؤمني أهل الكتاب و الكتاب هو التوراة و الإنجيل و قيل يعني بهم كبراء الصحابة و أصحاب بدر و الكتاب هو القرآن عن عطا « يعلمون أنه » أي إن القرآن « منزل من ربك بالحق » يعني ببيان الحق أي يعلمون أن كل ما فيه بيان عن الشيء على ما هو به فترغيبه و ترهيبه و وعده و وعيده و قصصه و أمثاله و غير ذلك جميعه بهذه الصفة و قيل إن معنى بالحق بالبرهان الذي تقدم لهم حتى علموه به « فلا تكونن من الممترين » أي من الشاكين في ذلك و الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد به للأمة و قيل الخطاب لغيره أي فلا تكن أيها الإنسان أو أيها السامع و قيل الخطاب له (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و المراد به الزيادة في شرح صدره و يقينه و طمأنينة قلبه و تسكينه كقوله تعالى فلا يكن في صدرك حرج منه عن أبي مسلم .

مجمع البيان ج : 4 ص : 547
وَ تَمَّت كلِمَت رَبِّك صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكلِمَتِهِ وَ هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ(115)

القراءة

« كلمة ربك » بالتوحيد عراقي غير أبي عمرو و الباقون كلمات ربك .

الحجة

من قرأ « كلمة ربك » قال قد وقع المفرد على الكثرة فلذلك أغنى عن الجمع قالوا إن زهيرا قال في كلمته يعنون قصيدته و قال قس في كلمته يعنون خطبته و من قرأ بالجمع فلأنه لما كان جمعا في المعنى جمعوا .

اللغة

التبديل وضع الشيء مكان غيره و الصدق الخبر الذي مخبره على وفق ما أخبر به و العدل ضد الجور و قيل إن أفعال الله تعالى كلها عدل لأنها كلها على الاستقامة و قيل إنما يوصف بذلك فيما يعامل به عباده .

الإعراب

« صدقا و عدلا » نصب على التمييز و قيل إنهما مصدران انتصبا على الحال من الكلمة و تقدير ذلك صادقة و عادلة عن أبي علي الفارسي و قد تقدم مثل هذا فيما مضى .

المعنى

ثم بين سبحانه صفة الكتاب المنزل فقال « و تمت » أي كملت على وجه لا يمكن أحدا الزيادة فيه و النقصان منه « كلمة ربك » أي القرآن عن قتادة و غيره و قيل معناه أنزلت شيئا بعد شيء حتى كملت على ما تقتضيه الحكمة و قيل إن المراد بالكلمة دين الله كما في قوله و كلمة الله هي العليا عن أبي مسلم و قيل المراد بها حجة الله على الخلق « صدقا و عدلا » ما كان في القرآن من الأخبار فهو صدق لا يشوبه كذب و ما فيه من الأمر و النهي و الحكم و الإباحة و الحظر فهو عدل « لا مبدل لكلماته » أي لا مغير لأحكامه عن قتادة لأنه و إن أمكن التغيير و التبديل في اللفظ كما بدل أهل الكتاب التوراة و الإنجيل فإنه لا يعتد بذلك قال و قد تطلق الكلمة بمعنى الحكم قال سبحانه « و كذلك حقت كلمة ربك » أي حكم ربك و يقال عقوبة ربك و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في صفة النساء إنهن هو أن عندكم استحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى و قيل معناه أن القرآن محروس عن الزيادة و النقصان فلا مغير لشيء منه و ذلك أن الله تعالى ضمن حفظه في قوله « و إنا له لحافظون » و لا يجوز أن يعني بالكلمات الشرائع كما عنى بقوله « و صدقت بكلمات ربها » لأن الشرائع قد يجوز فيها النسخ و التبديل « و هو السميع » لأقوالكم « العليم » بضمائركم .

مجمع البيان ج : 4 ص : 548
وَ إِن تُطِعْ أَكثرَ مَن فى الأَرْضِ يُضِلُّوك عَن سبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلا يخْرُصونَ(116) إِنَّ رَبَّك هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(117)

اللغة

الفرق بين الأكثر و الأعظم أن الأعظم قد يوصف به واحد و لا يوصف بالأكثر واحد بحال و لهذا يقال في صفة الله تعالى عظيم و أعظم و لا يوصف بأكثر و إنما يقال أكبر بمعنى أعظم و الخرص الكذب يقال خرص يخرص خرصا و تخرص و اخترص و أصله القطع قال الشاعر :
ترى قصد المران فيهم كأنه
تذرع خرصان بأيدي الشواطب يعني جريدا يقطع طولا و يتخذ منه الحصر و هو جمع الخرص و منه خرص النخل يخرص خرصا إذا أحرزه و الخرص حبة القرط إذا كانت منفردة و الخرص العود لانقطاعه عن نظائره بطيب ريحه و لفظة أعلم إذا لم يذكر معها من فله معنيان ( أحدهما ) أعلم من الكل و اجتزىء عن ذكر من كقولهم الله أكبر أي من كل شيء ( و الثاني ) بمعنى فعيل كقول الفرزدق :
إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز و أطول أي عزيز و طويل .

الإعراب

موضع « من يضل عن سبيله » فيه وجوه ( أحدها ) أنه نصب على حذف الباء حتى يكون مقابلا لقوله « و هو أعلم بالمهتدين » ( و الثاني ) أن موضع من رفع بالابتداء و لفظها لفظ الاستفهام و المعنى أن ربك هو أعلم أي الناس يضل عن سبيله و هذا مثل قوله تعالى لنعلم أي الحزبين أحصى عن الزجاج و في هذه المسألة خلاف و سيأتي شرح ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى ( و الثالث ) أن موضعها نصب بفعل مضمر يدل عليه قوله « أعلم » فكأنه
مجمع البيان ج : 4 ص : 549
قال إن ربك هو أعلم يعلم من يضل عن سبيله و صيغة أفعل من كذا لا تتعدى لأنها غير جارية على الفعل و لا معدولة عن الجارية على الفعل كما عدل ضروب عن ضارب و متجار عن تاجر عن أبي علي الفارسي و زعم قوم أن أعلم هاهنا بمعنى يعلم كما قال حاتم الطائي :
فحالفت طيىء من دوننا حلفا
و الله أعلم ما كنا لهم خذلا و قالت الخنساء :
أ لقوم أعلم أن جفنته
تغدو غداة الريح أو تسري و هذا فاسد لأنه لا يطابق قوله و هو أعلم بالمهتدين و لا يجوز أن يكون من في موضع جر بإضافة أعلم إليه لأن أفعل لا يضاف إلا إلى ما هو بعضه و جل ربنا و تقدس عن أن يكون بعض الضالين و لا بعض المضلين .

المعنى

لما تقدم ذكر الكتاب بين سبحانه في هذه الآية أن من تبع غير الكتاب ضل و أضل فقال « و إن تطع » يا محمد خاطبه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و المراد غيره و قيل المراد هو و غيره و الطاعة هي امتثال الأمر و موافقة المطيع المطاع فيما يريده منه إذا كان المريد فوقه و الفرق بينها و بين الإجابة أن الإجابة عامة في موافقة الإرادة الواقعة موقع المسألة و لا يراعى فيها الرتبة « أكثر من في الأرض » يعني الكفار و أهل الضلالة و إنما ذكر الأكثر لأنه علم سبحانه أن منهم من يؤمن و يدعو إلى الحق و يذب عن الدين و لكن هم الأقل و الأكثر الضلال « يضلوك عن سبيل الله » أي عن دينه و في هذا دلالة على أنه لا عبرة في دين الله و معرفة الحق بالقلة و الكثرة لجواز أن يكون الحق مع الأقل و إنما الاعتبار فيه بالحجة دون القلة و الكثرة « إن يتبعون إلا الظن » أي ما يتبع هؤلاء المشركون فيما يعتقدونه و يدعون إليه إلا الظن « و إن هم إلا يخرصون » أي ما هم إلا يكذبون و قيل معناه أنهم لا يقولون عن علم و لكن عن خرص و تخمين و قال ابن عباس كانوا يدعون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المؤمنين إلى أكل الميتة و يقولون أ تأكلون ما قتلتم و لا تأكلون ما قتل ربكم فهذا ضلالهم « إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله » خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إن عنى به جميع الأمة و يسأل فيقال كيف جاز في صفة القديم سبحانه أعلم مع أنه سبحانه لا يخلو من أن يكون أعلم بالمعنى ممن يعلمه أو ممن لا يعلمه و كلاهما لا
مجمع البيان ج : 4 ص : 550
يصح فيه أفعل و الجواب أن المعنى هو أعلم به ممن يعلمه لأنه يعلمه من وجوه لا يخفى على غيره و ذلك أنه يعلم ما يكون منه و ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة على جميع الوجوه التي يصح أن يعلم الأشياء عليها و ليس كذلك غيره لأن غيره لا يعلم جميع الأشياء و ما يعلمه لا يعلمه من جميع وجوهها و أما من هو غير عالم أصلا فلا يقال الله سبحانه أعلم منه لأن لفظة أعلم يقتضي الاشتراك في العلم و زيادة لمن وصف بأنه أعلم و هذا لا يصح فيمن ليس بعالم أصلا إلا مجازا « و هو أعلم بالمهتدين » المعنى أنه سبحانه أعلم بمن يسلك سبيل الضلال المؤدي إلى الهلاك و العقاب و من يسلك سبيل الهدى المفضي به إلى النجاة و الثواب و في هذا دلالة على أن الضلال و الإضلال من فعل العبد خلاف ما يقوله أهل الجبر و على أنه لا يجوز التقليد و اتباع الظن في الدين و الاغترار بالكثرة و إلى هذا أشار أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حيث قال للحرث الهمداني يا حار الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله .
فَكلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِئَايَتِهِ مُؤْمِنِينَ(118) وَ مَا لَكُمْ أَلا تَأْكلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضطرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَ إِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائهِم بِغَيرِ عِلْم إِنَّ رَبَّك هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ(119) وَ ذَرُوا ظهِرَ الاثْمِ وَ بَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الاثْمَ سيُجْزَوْنَ بِمَا كانُوا يَقْترِفُونَ(120)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير حفص « فصل لكم » بالفتح ما حرم بالضم و قرأ أهل المدينة و حفص و يعقوب و سهل « فصل لكم ما حرم » كليهما بالفتح و قرأ الباقون فصل لكم ما حرم بالضم فيهما و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب ليضلون بفتح الياء هنا و في يونس ليضلوا عن سبيلك و في إبراهيم ليضلوا عن سبيله و في الحج ليضل عن سبيل الله و في لقمان و الزمر
مجمع البيان ج : 4 ص : 551
في المواضع الستة و قرأ أهل الكوفة بضم الياء في هذه المواضع و قرأ الباقون هنا و في سورة يونس بفتح الياء و في الأربعة بعد هذين الموضعين بضم الياء .

الحجة

حجة من ضم الفاء من فصل و الحاء من حرم قوله حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير فهذا تفصيل هذا العام المجمل بقوله حرم و هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا فمفصلا يدل على فصل و حجة من قرأ فصل و حرم بفتح الفاء و الحاء قوله قد فصلنا الآيات و قوله أتل ما حرم ربكم و قوله الذين يشهدون أن الله حرم هذا و حجة من ضم الياء من يضلون و يضلوا أنه يدل على أن الموصوف بذلك في الضلالة أذهب و من الهدى أبعد أ لا ترى أن كل مضل ضال و ليس كل ضال مضلا لأن الضلال قد يكون مقصورا على نفسه لا يتعداه إلى سواه و من قرأ بفتح الياء فإنه يريد أنهم يضلون في أنفسهم من غير أن يضلوا غيرهم من أتباعهم بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه و غير ذلك أي يضلون باتباع أهوائهم .

الإعراب و اللغة

« و ذروا » الواو للعطف و إنما استعمل منه الأمر و المستقبل و لا يستعمل وذر و لا واذر أشعروا بذلك كراهية الابتداء بالواو حتى لم يزيدوها هناك أصلا مع زيادتهم أخواتها و استغنوا فيها بترك و تارك و هذا كما استعملوا الماضي دون المستقبل و اسم الفاعل في عسى و الظاهر الكائن على وجه يمكن إدراكه و الباطن هو الكائن على وجه يتعذر إدراكه و الكسب ما يفعل لاجتلاب النفع أو دفع الضرر و إنما يوصف به العبد دون الله تعالى لاستحالة النفع و الضرر عليه سبحانه و الكواسب الجوارح من الطير لأنها تكسب ما تنتفع به و قد بينا أن معنى الاقتراف الاكتساب .

المعنى

ثم عطف سبحانه على ما تقدم من الكلام فقال « فكلوا » ثم اختلف في ذلك فقيل إنه لما ذكر المهتدين فكأنه قال و من الهداية أن تحلوا ما أحل الله و تحرموا ما حرم الله فكلوا و قيل إن المشركين لما قالوا للمسلمين أ تأكلون ما قتلتم أنتم و لا تأكلوا ما قتل ربكم فكأنه قال سبحانه لهم أعرضوا عن جهلكم فكلوا و المراد به الإباحة و إن كانت الصيغة صيغة الأمر « مما ذكر اسم الله عليه » يعني ذكر اسم الله عند ذبحه دون الميتة و ما ذكر عليه اسم الأصنام و الذكر هو قول بسم الله و قيل هو كل اسم يختص الله تعالى به أو صفة تختصه كقول
مجمع البيان ج : 4 ص : 552
باسم الرحمان أو باسم القديم أو باسم القادر لنفسه أو العالم لنفسه و ما يجري مجراه و الأول مجمع على جوازه و الظاهر يقتضي جواز غيره لقوله سبحانه « قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى » « إن كنتم ب آياته مؤمنين » بأن عرفتم و رسوله و صحة ما أتاكم به من عند الله فكلوا ما أحل دون ما حرم و في هذه الآية دلالة على وجوب التسمية على الذبيحة و على أن ذبائح الكفار لا يجوز أكلها لأنهم لا يسمون الله تعالى عليها و من سمى منهم لا يعتقد وجوب ذلك حقيقة و لأنه يعتقد أن الذي يسميه و هو الذي أبد شرع موسى أو عيسى فإذا لا يذكرون الله تعالى حقيقة « و ما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه » قد ذكرنا إعرابه في سورة البقرة عند قوله و ما لنا ألا نقاتل في سبيل الله و تقديره أي شيء لكم في أن لا تأكلوا فيكون ما للاستفهام و هو اختيار الزجاج و غيره من البصريين و معناه ما الذي يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عند ذبحه و قيل معناه ليس لكم أن لا تأكلوا فيكون ما للنفي « و قد فصل لكم » أي بين لكم « و ما حرم عليكم » قيل هو ما ذكر في سورة المائدة من قوله « حرمت عليكم الميتة و الدم » الآية و اعترض على هذا بأن سورة المائدة نزلت بعد الأنعام بمدة فلا يصح أن يقال أنه فصل إلا أن يحمل على أنه بين على لسان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) و بعد ذلك نزل به القرآن و قيل إنه ما فصل في هذه السورة في قوله قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما الآية « إلا ما اضطررتم إليه » معناه إلا ما خفتم على نفوسكم الهلاك من الجوع إذا تركتم التناول منه فحينئذ يجوز لكم تناوله و إن كان مما حرمه الله و اختلف في مقدار ما يسوغ تناوله عند الاضطرار فعندنا لا يجوز أن يتناول إلا ما يمسك به الرمق و قال قوم يجوز أن يشبع المضطر منها و أن يحمل منها معه حتى يجد ما يأكل و قال الجبائي في هذه الآية دلالة على أن ما يكره على أكله من هذه الأجناس يجوز أكله لأن المكره يخاف على نفسه مثل المضطر « و إن كثيرا ليضلون بأهوائهم » أي باتباع أهوائهم و من قرأ بالضم أراد أنهم يضلون أشياعهم فحذف المفعول به و في أمثاله كثرة و إنما جعل النكرة اسم أن لأن الكلام إذا طال احتمل ذلك و دل بعضه على بعض « بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين » المتجاوزين الحق إلى الباطل و الحلال إلى الحرام « و ذروا ظاهر الإثم و باطنه » أمر سبحانه بترك الإثم مع قيام الدلالة على كونه إثما و نهى عن ارتكابه سرا و علانية و هو قول قتادة و مجاهد و الربيع بن أنس و قيل أراد بالظاهر أفعال الجوارح و بالباطن أفعال القلوب عن الجبائي و قيل الظاهر من الإثم هو الزنا و الباطن هو اتخاذ الأخدان عن السدي و الضحاك و قيل ظاهر الإثم امرأة الأب و باطنه الزنا عن سعيد بن جبير و قيل إن أهل الجاهلية كانت ترى أن الزنا إذا أظهر كان فيه إثم و إذا استسر
مجمع البيان ج : 4 ص : 553
به صاحبه لم يكن إثما ذكره الضحاك و الأصح القول الأول لأنه يعم الجميع « إن الذين يكسبون الإثم » أي يعملون المعاصي التي فيها الآثام و يرتكبون القبائح « سيجزون » أي سيعاقبون « بما كانوا يقترفون » بما كانوا يكسبون و يرتكبون .
وَ لا تَأْكلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسقٌ وَ إِنَّ الشيَطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيَائهِمْ لِيُجَدِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لمَُشرِكُونَ(121)

المعنى

ثم أكد سبحانه ما تقدم بقوله « و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه » يعني عند الذبح من الذبائح و هذا تصريح في وجوب التسمية على الذبيحة لأنه لو لم يكن كذلك لكان ترك التسمية غير محرم لها « و إنه لفسق » يعني و إن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لفسق و في هذا دلالة على تحريم أكل ذبائح الكفار كلهم أهل الكتاب و غيرهم من سمي منهم و من لم يسم لأنهم لا يعرفون الله تعالى على ما ذكرناه من قبل فلا يصح منهم القصد إلى ذكر اسمه فأما ذبيحة المسلم إذا لم يسم الله تعالى عليها فقد اختلف في ذلك فقيل لا يحل أكلها سواء ترك التسمية عمدا أو نسيانا عن مالك و داود و روي ذلك عن الحسن و ابن سيرين و به قال الجبائي و قيل يحل أكلها في الحالين عن الشافعي و قيل يحل أكلها إذا ترك التسمية ناسيا بعد أن يكون معتقدا لوجوبها و يحرم أكلها إذا تركها متعمدا عن أبي حنيفة و أصحابه و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) « و إن الشياطين » يعني علماء الكافرين و رؤساءهم المتمردين في كفرهم « ليوحون » أي يؤمون و يشيرون « إلى أوليائهم » الذين اتبعوهم من الكفار « ليجادلوكم » في استحلال الميتة قال الحسن كان مشركو العرب يجادلون المسلمين فيقولون لهم كيف تأكلون مما تقتلونه أنتم و لا تأكلون مما قتله الله و قتيل الله أولى بالأكل من قتيلكم فهذه مجادلتهم و قال عكرمة إن قوما من مجوس فارس كتبوا إلى مشركي قريش و كانوا أولياءهم في الجاهلية أن محمدا و أصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما ذبحوه حلال و ما قتله الله حرام فوقع ذلك في نفوسهم فذلك إيحاؤهم إليهم و قال ابن عباس معناه و إن الشياطين من الجن و هم إبليس و جنوده ليوحون إلى أوليائهم من الإنس و الوحي
مجمع البيان ج : 4 ص : 554
إلقاء المعنى إلى النفس من وجه خفي و هم يلقون الوسوسة إلى قلوب أهل الشرك ثم قال سبحانه « و إن أطعتموهم » أيها المؤمنون فيما يقولون من استحلال الميتة و غيره « إنكم » إذا « لمشركون » لأن من استحل الميتة فهو كافر بالإجماع و من أكلها محرما لها مختارا فهو فاسق و هو قول الحسن و جماعة المفسرين و قال عطا أنه مختص بذبائح العرب التي كانت تذبحها للأوثان .
أَ وَ مَن كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَهُ وَ جَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشى بِهِ فى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فى الظلُمَتِ لَيْس بخَارِج مِّنهَا كَذَلِك زُيِّنَ لِلْكَفِرِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(122) وَ كَذَلِك جَعَلْنَا فى كلِّ قَرْيَة أَكبرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكرُوا فِيهَا وَ مَا يَمْكرُونَ إِلا بِأَنفُسِهِمْ وَ مَا يَشعُرُونَ(123)

القراءة

قرأ أهل المدينة و يعقوب ميتا بالتشديد و الباقون بالتخفيف .

الحجة

قال أبو عبيدة الميتة تخفيف ميتة و معناهما واحد قال أبو الرعلاء الغساني :
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيبا
كاسفا باله قليل الرجاء و المحذوف من الياءين الثانية المنقلبة عن الواو و أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب .

اللغة

الأكابر جمع الأكبر و قد قالوا الأكابرة و الأصاغرة كما قالوا الأساورة و الأحامرة قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 4 ص : 555

إن الأحامرة الثلاثة أهلكت
ما لي و كنت بهن قدما مولعا
الخمر و اللحم السمين أحبه
و الزعفران و قد أبيت مردعا و أصل المكر الفتل و منه جارية ممكورة أي مفتلة البدن فكان المكر معناه الفتل إلى خلاف الرشد .

الإعراب

« أ و من » هذه همزة الاستفهام دخلت على واو العطف و هو استفهام يراد به التقرير و موضع الكاف في قوله « و كذلك جعلنا » نصب معطوفة على ما قبلها و هو قوله « كذلك زين للكافرين » مجرميها يجوز أن يكون منصوبا على التقديم و التأخير تقديره جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر و يجوز أن يكون منصوبا بإضافة أكابر إليه .

النزول

الآية الأولى قيل أنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب و أبي جهل بن هشام و ذلك أن أبا جهل آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأخبر بذلك حمزة و هو على دين قومه فغضب و جاء و معه قوس فضرب بها رأس أبي جهل و آمن عن ابن عباس و قيل إنها نزلت في عمار بن ياسر حين آمن و أبي جهل عن عكرمة و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و قيل نزلت في عمر بن الخطاب عن الضحاك و قيل أنها عامة في كل مؤمن و كافر عن الحسن و جماعة و هذا أولى لأنه أعم فائدة فيدخل فيه جميع الأقوال المذكورة .

المعنى

ثم ذكر سبحانه مثل الفريقين فقال « أ و من كان ميتا فأحييناه » أي كافرا فأحييناه بأن هديناه إلى الإيمان عن ابن عباس و الحسن و مجاهد شبه سبحانه الكفر بالموت و الإيمان بالحياة و قيل معناه من كان نطفة فأحييناه كقوله و كنتم أمواتا فأحياكم « و جعلنا له نورا يمشي به في الناس » قيل فيه وجوه ( أحدها ) أن المراد بالنور العلم و الحكمة سمى سبحانه ذلك نورا و الجهل ظلمة لأن العلم يهتدى به إلى الرشاد كما يهتدى بالنور في الطرقات ( و ثانيها ) أن المراد بالنور هنا القرآن عن مجاهد ( و ثالثها ) أن المراد به الإيمان عن ابن عباس « كمن مثله في الظلمات » لم يقل سبحانه كمن هو في الظلمات تقديره كمن مثله مثل من هو في الظلمات يعني به الكافر الذي هو في ظلمة الكفر و قيل معناه كمن هو في ظلمات الكفر « ليس بخارج منها » لكنه ذكره بلفظ المثل ليبين أنه بلغ في الكفر و الحيرة
 

<<        الفهرس        >>