جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج4 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان ج : 4 ص : 722
عليهم قملا فكان يدخل بين ثوب أحدهم فيعضه و كان يأكل أحدهم الطعام فيمتلىء قملا قال سعيد بن جبير القمل السوس الذي يخرج من الحبوب فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فلم يرد منها ثلاثة أقفزة فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من القمل و أخذت أشعارهم و أبشارهم و أشفار عيونهم و حواجبهم و لزمت جلودهم كأنه الجدري عليهم و منعتهم النوم و القرار فصرخوا و صاحوا فقال فرعون لموسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا القمل لأكفن عن بني إسرائيل فدعا موسى حتى ذهب القمل بعد ما قام عددهم سبعة أيام من السبت إلى السبت فنكثوا فأنزل الله عليهم في السنة الرابعة و قيل في الشهر الرابع الضفادع فكانت تكون في طعامهم و شرابهم و امتلأت منها بيوتهم و أبنيتهم فلا يكشف أحد ثوبا و لا إناء و لا طعاما و لا شرابا إلا وجد فيه الضفادع و كانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم ما فيها و كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع و يهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه و يفتح فاه لأكلته فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه فلقوا منها أذى شديدا فلما رأوا ذلك بكوا و شكوا إلى موسى و قالوا هذه المرة نتوب و لا نعود فادع الله أن يذهب عنا الضفادع فإنا نؤمن بك و نرسل معك بني إسرائيل فأخذ عهودهم و مواثيقهم ثم دعا ربه فكشف عنهم الضفادع بعد ما أقام عليهم سبعا من السبت إلى السبت ثم نقضوا العهد و عادوا لكفرهم فلما كانت السنة الخامسة أرسل الله عليهم الدم فسال ماء النيل عليهم دما فكان القبطي يراه دما و الإسرائيلي يراه ماء فإذا شربه الإسرائيلي كان ماء و إذا شربه القبطي كان دما و كان القبطي يقول للإسرائيلي خذ الماء في فيك و صبه في في فكان إذا صبه في فم القبطي تحول دما و أن فرعون اعتراه العطش حتى أنه ليضطر إلى مضغ الأشجار الرطبة فإذا مضغها يصير ماؤها في فيه دما فمكثوا في ذلك سبعة أيام لا يأكلون إلا الدم و لا يشربون إلا الدم قال زيد بن أسلم الدم الذي سلط عليهم كان الرعاف فأتوا موسى فقالوا ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن لك و نرسل معك بني إسرائيل فلما دفع الله عنهم الدم لم يؤمنوا و لم يخلوا عن بني إسرائيل .

مجمع البيان ج : 4 ص : 723
وَ لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَمُوسى ادْعُ لَنَا رَبَّك بِمَا عَهِدَ عِندَك لَئن كَشفْت عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِننَّ لَك وَ لَنرْسِلَنَّ مَعَك بَنى إِسرءِيلَ(134) فَلَمَّا كشفْنَا عَنهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَل هُم بَلِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ(135) فَانتَقَمْنَا مِنهُمْ فَأَغْرَقْنَهُمْ فى الْيَمِّ بِأَنهُمْ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا وَ كانُوا عَنهَا غَفِلِينَ(136)

اللغة

أصل الرجز الميل عن الحق و منه « و الرجز فاهجر » يعني عبادة الوثن و العذاب رجز لأنه عقوبة على الميل عن الحق و الرجز رعدة في رجل الناقة لداء يلحقها تعدل به عن حق سيرها و الرجز ضرب من الشعر أخذ من رجز الناقة لأنه متحرك و ساكن ثم متحرك و ساكن في كل أجزائه فهو كالرعدة في رجل الناقة يتحرك بها ثم يسكن ثم يستمر على ذلك و النكث نقض العهد الذي يلزم الوفاء به و اليم البحر قال ذو الرمة :
دوية و دجى ليل كأنهما
يم تراطن في حافاته الروم و الغفلة حال تعتري النفس تنافي الفطنة و اليقظة .

الإعراب

إذا ظرف المفاجاة على ما تقدم بيانه و ليست مضافة إلى الجملة بل هي بمنزلة هناك و قد يكتفي بالاسم كما تقول خرجت فإذا زيد و فيه وقوع خلاف المتوقع منهم لأنه أتى منهم نقض العهد بدلا من الوفاء فكأنه فاجأ الرأي عجب من نكثهم و إذا هذه جواب لما و مثله قوله و إن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون و لا يجوز أن يجاب الشرط بإذ لأن إذ لا يكون إلا للوقت الماضي و الجواب إنما يكون بعد الأول و لذلك يصلح فيه الفاء و لا يصلح الواو و حرف الجزاء إنما يقلب الفعل إلى الاستقبال دون الوقت .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عنهم أيضا فقال « و لما وقع عليهم الرجز » أي العذاب عن الحسن و قتادة و مجاهد و هو ما نزل بهم من الطوفان و غيره و قيل هو الطاعون أصابهم فمات من القبط سبعون ألف إنسان و هو العذاب السادس عن سعيد بن جبير و مثله ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه أصابهم ثلج أحمر و لم يروه قبل ذلك فماتوا فيه و جزعوا و أصابهم ما لم يعهدوه قبله « قالوا » يعني فرعون و قومه « يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك » أي
مجمع البيان ج : 4 ص : 724
بما تقدم إليك أن تدعوه به فإنه يجيبك كما أجابك في آياتك و قيل بما عهد عندك أنا لو آمنا لرفع عنا العذاب و قيل بما عهد عندك من النبوة عن أبي مسلم فعلى هذا يكون الباء باء القسم و المعنى بحق ما آتاك الله من النبوة لما دعوت الله ليكشف هذا عنا « لئن كشفت عنا الرجز » أي العذاب « لنؤمنن لك » أي نصدقك في أنك نبي أرسلك الله « و لنرسلن معك بني إسرائيل » أي نطلقهم من الاستخدام و تكليف الأعمال الشاقة « فلما كشفنا عنهم الرجز » أي فلما رفعنا عنهم العذاب « إلى أجل هم بالغوه » يعني الأجل الذي عرفهم الله فيه و قيل هو الأجل المقدر عن الحسن « إذا هم ينكثون » أي ينقضون العهد « فانتقمنا منهم » أي فجزيناهم على سوء صنيعتهم بالعذاب ثم فسر ذلك العذاب فقال « فأغرقناهم في اليم » أي البحر « بأنهم كذبوا ب آياتنا » أي فعلنا ذلك بهم جزاء بتكذيبهم آياتنا و حججنا و براهيننا الدالة على صدق موسى و صحة نبوته و جحودهم لها « و كانوا عنها غافلين » معناه أنه أنزل عليهم العذاب و كانوا غافلين عن نزول ذلك بهم و قيل معناه إنا عاقبناهم بتكذيبهم و تعرضهم لأسباب الغفلة و عملهم عمل الغافل عنها فيكون وعيدا لهم على الإعراض عن الآيات .
وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُستَضعَفُونَ مَشرِقَ الأَرْضِ وَ مَغَرِبَهَا الَّتى بَرَكْنَا فِيهَا وَ تَمَّت كلِمَت رَبِّك الْحُسنى عَلى بَنى إِسرءِيلَ بِمَا صبرُوا وَ دَمَّرْنَا مَا كانَ يَصنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ مَا كانُوا يَعْرِشونَ(137)

القراءة

قرأ ابن عامر و أبو بكر يعرشون بضم الراء و الباقون بكسرها .

الحجة

هما لغتان فصيحتان و الكسر أفصح .

اللغة

قال أبو عبيدة يعرشون يبنون يقال عرش مكة أي بناؤها .

الإعراب

يجوز أن يكون مشارق الأرض و مغاربها إنما انتصب بأنه مفعول أورثنا و يجوز أن يكون ظرفا على تقدير و أورثناهم الأرض في مشارقها و مغاربها و قيل إنما انتصب مشارق الأرض و مغاربها على الظرف للاستضعاف و التقدير و أورثنا القوم الذين كانوا
مجمع البيان ج : 4 ص : 725
يستضعفون في مشارق الأرض و مغاربها التي باركنا فيها و على هذا فالهاء في فيها يعود إلى التي و التي صفة للأرض المحذوفة و موضعها نصب بأورثنا .

المعنى

ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال « و أورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون » يعني بني إسرائيل فإن القبط كانوا يستضعفونهم فأورثهم الله بأن مكنهم و حكم لهم بالتصرف و أباح لهم ذلك بعد إهلاك فرعون و قومه القبط فكأنهم ورثوا منهم « مشارق الأرض و مغاربها » التي كانوا فيها يعني جنات الأرض الشرق و الغرب منها يريد به ملك فرعون من أدناه إلى أقصاه و قيل هي أرض الشام و مصر عن الحسن و قيل هي أرض الشام و شرقها و غربها عن قتادة و قيل هي أرض مصر عن الجبائي قال الزجاج كان من بني إسرائيل داود و سليمان ملكوا الأرض « التي باركنا فيها » بإخراج الزروع و الثمار و سائر صنوف النبات و الأشجار إلى غير ذلك من العيون و الأنهار و ضروب المنافع « و تمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل » معناه صح كلام ربك بإنجاز الوعد بإهلاك عدوهم و استخلافهم في الأرض و إنما كان الإنجاز تماما للكلام بتمام النعمة به و قيل إن الكلمة الحسنى قوله سبحانه « و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض » إلى قوله « يحذرون » و قال الحسن و إن كانت كلمات الله سبحانه كلها حسنة لأنها وعد بما يحبون و قال الحسن أراد وعد الله لهم بالجنة « بما صبروا » على أذى فرعون و قومه و تكليفهم إياهم ما لا يطيقونه من الاستعباد و الأعمال الشاقة « و دمرنا ما كان يصنع فرعون و قومه » أي أهلكنا ما كانوا يبنون من الأبنية و القصور و الديار « و ما كانوا يعرشون » من الأشجار و الأعناب و الثمار و قيل يعرشون يسقفون من القصور و البيوت عن ابن عباس .

مجمع البيان ج : 4 ص : 726
وَ جَوَزْنَا بِبَنى إِسرءِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْم يَعْكُفُونَ عَلى أَصنَام لَّهُمْ قَالُوا يَمُوسى اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لهَُمْ ءَالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تجْهَلُونَ(138) إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَ بَطِلٌ مَّا كانُوا يَعْمَلُونَ(139) قَالَ أَ غَيرَ اللَّهِ أَبْغِيكمْ إِلَهاً وَ هُوَ فَضلَكمْ عَلى الْعَلَمِينَ(140)

القراءة

يعكفون بكسر الكاف كوفي غير عاصم و الباقون بضم الكاف و هما لغتان .

اللغة

المجاوزة الإخراج عن الحد و جاز الوادي يجوز جوازا إذا قطعه و خلفه وراءه و جاوزه مجاوزة و اجتيازا و أصل البحر من السعة و منه البحيرة لسعة شق أذنها و تبحر في العلم إذا اتسع فيه و قوي تصرفه و عكف على الشيء واظب عليه و لزمه و منه الاعتكاف و هو لزوم المسجد للعبادة فيه و المتبر من التبار و هو الهلاك و منه التبر للذهب و سمي بذلك لأمرين ( أحدهما ) أن معدنه مهلكة ( و الآخر ) ما قاله الزجاج إنه يقال لكل إناء مكسر متبر و كسارته تبره .

الإعراب

« كما لهم آلهة » ما هذه كافة للكاف لأن ما بعدها جملة و قال البصير و هو واحد زماننا في هذا الفن ما هاهنا مصدرية أي كما ثبت لهم آلهة وصلت بالظرف و ما ارتفع به كما يوصل بالمبتدإ و الخبر في قوله :
كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه و يجوز أن يكون بمعنى الذي و في لهم ضمير يعود إليه و آلهة بدل من ذلك الضمير أو يرتفع بإضمار هي أي هي آلهة فحذف هي ، و ما هم فيه موصول و صلة في موضع رفع بقيامه مقام الفاعل لقوله « متبر » و كذلك « ما كانوا يعملون » فاعل الباطل ، « أ غير الله أبغيكم إلها » بغى يتعدى إلى مفعولين و طلب يتعدى إلى مفعول واحد لأن معنى قولك بغاة الخير أعطاه الخير و ليس كذلك طلب لأنه غير مضمر بالمطلوب و على هذا فيكون إلها مفعولا به ثانيا و يكون غير منصوبا على الحال التي لو تأخرت كانت صفة للنكرة و تقديره أبغيكم إلها غير الله و قد يجوز أن يكون بمعنى أبغي لكم و يكون غير الله منصوبا بأنه مفعول أبغي و تقديره أطلب غير الله لكم معبودا فيكون إلها منصوبا على الحال .

المعنى

ثم أخبر الله سبحانه عن أحوال بني إسرائيل فقال « و جاوزنا ببني إسرائيل » أي قطعنا بهم « البحر » يعني النيل نهر مصر بأن جعلنا لهم فيه طرقا يابسة حتى عبروا ثم أغرقنا فرعون و قومه فيه « فأتوا » أي فمروا « على قوم يعكفون على أصنام لهم » أي يقبلون عليها ملازمين لها مقيمين عندها يعبدونها قال قتادة كان أولئك القوم من لخم و كانوا نزولا بالرقة و قال ابن جريج كانت تماثيل بقر و ذلك أول شأن العجل « قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة » أي أنصب لنا شيئا نعبده كما لهم أوثان يعبدونها و هذا كفر ربما قاله الجهال من قومه دون المؤمنين الأخيار و إنما قالوا ذلك لأن الإنسان يحن إلى ما يراه لغيره فيحب أن يكون له مثل ما لغيره و في هذا دلالة على عظيم جهلهم بعد ما رأوا الآيات المترادفة
مجمع البيان ج : 4 ص : 727
و المعجزات من حيث توهموا أنه يجوز عبادة غير الله تعالى و لم يعرفوا أن المجهول لا يكون إلها و أن الأصنام لا تكون آلهة و يمكن أن يكونوا قد ظنوا أنه يجوز أن يتقرب إلى الله تعالى بعبادة غيره و إن اعتقدوا أنه لا يشبه الأشياء و لا تشبهه و لم يكونوا مشبهة كما حكى الله سبحانه عن المشركين أنهم قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى « قال إنكم قوم تجهلون » هذه حكاية عما أجابهم به موسى (عليه السلام) أي تجهلون ربكم و عظمته و صفاته و لو عرفتموه حق معرفته لما قلتم هذا القول عن الجبائي و قيل تجهلون نعمة ربكم فيما صنع بكم عن ابن عباس « إن هؤلاء » يعني القوم الذين عبدوا الأصنام « متبر » أي مدمر مهلك « ما هم فيه » من عبادة الأصنام « و باطل ما كانوا يعملون » أي باطل عملهم لا يجدي عليهم نفعا و لا يدفع عنهم ضرا فكأنه بمنزلة من لم يكن من هذا الوجه فالبطلان انتفاء المعنى بعدمه أو بأنه لا يصح معتقده فالأول كبطلان البناء بالهدم و الثاني كبطلان إله آخر مع الله لأنه لا يصح في عدم و لا وجود « قال » يعني قال موسى لقومه بعد إزرائه على الأصنام و على من كان يعبدها « أ غير الله أبغيكم » أي ألتمس و أطلب غير الله لكم فحذف حرف الجر فوصل الفعل بقوله و اختار موسى قومه أي من قومه « إلها » أي معبودا تعبدونه سوى الله « و هو فضلكم على العالمين » أي على عالمي زمانكم عن الحسن و الجبائي و قيل معناه و هو سبحانه خصكم بفضائل لم يعطها أحدا غيركم و هو أن أرسل إليكم رجلين منكم لتكونوا أقرب إلى القبول و خلصكم من أذى فرعون و قومه على أعجب وجه و أورثكم أرضهم و ديارهم و أموالهم .
وَ إِذْ أَنجَيْنَكم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسومُونَكمْ سوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَ يَستَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فى ذَلِكم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكمْ عَظِيمٌ(141)

القراءة

قرأ ابن عامر أنجاكم على لفظ الماضي و الباقون أنجيناكم و قرأ نافع وحده يقتلون بالتخفيف و الباقون « يقتلون » بالتشديد .

الحجة

قد مضى الكلام في أمثال ذلك مرة بعد أخرى فلا وجه للإطالة بإعادته .

المعنى

ثم خاطب الله سبحانه بني إسرائيل الذين كانوا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال لهم على وجه الامتنان عليهم بما أنعمه على أسلافهم « و إذ أنجيناكم » ) أي و اذكروا إذ خلصناكم
مجمع البيان ج : 4 ص : 728
« من آل فرعون يسومونكم » أي يولونكم إكراها و يحملونكم إذلالا « سوء العذاب يقتلون أبناءكم » أي يكثرون قتل أبنائكم « و يستحيون نساءكم » أي يستبقونهم للخدمة و المهنة « و في ذلكم » أي و في ما فعل بكم من النجاة « بلاء » أي نعمة « من ربكم عظيم » قدرها و قيل معناه في تخليته إياكم و قوم فرعون ابتلاء عظيم و قد مضى تفسير هذه الآية في سورة البقرة .
* وَ وَعَدْنَا مُوسى ثَلَثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنَهَا بِعَشر فَتَمَّ مِيقَت رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَ قَالَ مُوسى لأَخِيهِ هَرُونَ اخْلُفْنى فى قَوْمِى وَ أَصلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سبِيلَ الْمُفْسِدِينَ(142)

اللغة

الفرق بين الميقات و الوقت أن الميقات ما قدر ليعمل فيه عمل من الأعمال و الوقت وقت الشيء قدره و لذلك قيل مواقيت الحج و هي المواضع التي قدرت للإحرام فيها .

المعنى

ثم بين سبحانه تمام نعمته على بني إسرائيل فقال « و واعدنا موسى ثلاثين ليلة و أتممناها بعشر » و لم يقل أربعين ليلة كما قاله في سورة البقرة لفائدة زائدة ذكر فيها وجوه ( أحدها ) أن العدة كانت ذا القعدة و عشر ذي الحجة و لو قال أربعين ليلة لم يعلم أنه كان الابتداء أول الشهر و لا أن الأيام كانت متوالية و لا أن الشهر شهر بعينه قاله الفراء و هو معنى قول مجاهد و ابن عباس و ابن جريج و مسروق و أكثر المفسرين ( و ثانيها ) أنه سبحانه واعد موسى ثلاثين ليلة ليصوم فيها و يتقرب بالعبادة ثم أتمت بعشر إلى وقت المناجاة و قيل هي العشر التي نزلت التوراة فيها و لذلك أفردت بالذكر ( و ثالثها ) أن موسى (عليه السلام) قال لقومه إني أتأخر عنكم ثلاثين يوما ليتسهل عليهم ثم زاد عليهم عشرا و ليس في ذلك خلف لأنه إذا تأخر عنهم أربعين ليلة فقد تأخر ثلاثين ليلة قبلها عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) و قريب منه ما روي عن الحسن أن الموعد كان أربعين ليلة في الأصل فأجمل هناك و فصل هاهنا على وجه التأكيد « فتم ميقات ربه أربعين ليلة » إنما قال هذا مع أن ما تقدمه دل على هذه العدة للبيان
مجمع البيان ج : 4 ص : 729
و التفصيل الذي تسميه الكتاب الفذلكة و لو لم يذكره لجاز أن يتوهم أنه أتم الثلاثين بعشر منها على معنى كملنا الثلاثين بعشر حتى كملت ثلاثين كما يقال كملت العشرة بدرهمين و قد مر معنى المواعدة و الوعد في سورة البقرة و قلنا أن أربعين هنا منصوب على الحال و تقديره معدودة أربعين ليلة « و قال موسى » وقت خروجه إلى الميقات « لأخيه هارون اخلفني » أي كن خليفتي « في قومي و أصلح » فيما بينهم و أجر على طريقتك في الصلاح و قيل معناه و أصلح فاسدهم في حال غيبتي و قيل أصلحهم أي أحملهم على الطاعة « و لا تتبع سبيل المفسدين » أي لا تسلك طريقة العاصين و لا تكن عونا للظالمين و إنما أراد بذلك إصلاح قومه و إن كان المخاطب به أخاه و إنما أمر موسى (عليه السلام) أخاه هارون بأن يخلفه و ينوب عنه في قومه مع أن هارون كان نبيا مرسلا لأن الرئاسة كانت لموسى (عليه السلام) عليه و على أمته و لم يكن يجوز أن يقول هارون لموسى مثل ذلك و في هذا دلالة على أن منزلة الإمامة منفصلة من النبوة و غير داخلة فيها و إنما اجتمع الأمران لأنبياء مخصوصين لأن هارون لو كان له القيام بأمر الأمة من حيث كان نبيا لما احتاج فيه إلى استخلاف موسى إياه و إقامته مقامه .
وَ لَمَّا جَاءَ مُوسى لِمِيقَتِنَا وَ كلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَب أَرِنى أَنظرْ إِلَيْك قَالَ لَن تَرَاخ وَ لَكِنِ انظرْ إِلى الْجَبَلِ فَإِنِ استَقَرَّ مَكانَهُ فَسوْف تَرَاخ فَلَمَّا تجَلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سبْحَنَك تُبْت إِلَيْك وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ(143)

القراءة

جعله دكا بالمد هاهنا و في الكهف كوفي غير عاصم و وافقهم عاصم في الكهف و الباقون « دكا » بالقصر و التنوين في الموضعين .

الحجة

قال الزجاج « جعله دكا » بالتنوين معناه جعله مدقوقا مع الأرض و الدكاء و الدكاوات الروابي التي مع الأرض ناشزة عنها لا تبلغ أن تكون جبلا قال أبو الحسن لما قال جعله فكأنه قال دكه و أراد جعله ذا دك و قال أبو عبيدة « جعله دكا » أي مندكا و ناقة دكاء ذاهبة
مجمع البيان ج : 4 ص : 730
السنام كأنه جعله كالناقة الدكاء فبقي أكثره و الدك المستوي و أنشد للأغلب :
هل غير غار دك غارا فانهدم و قال علي بن عيسى دكا مستويا بالأرض يقال دكه يدكه دكا أي سحقه سحقا .

اللغة

التجلي الظهور و يكون تارة بالظهور و تارة بالدلالة قال الشاعر :
تجلى لنا بالمشرفية و القنا
و قد كان عن وقع الأسنة نائيا أراد الشاعر أن تدبيره دل عليه و يقال للسيد هو ابن جلا أي لا يخفى أمره لشهرته و في خطبة الحجاج ( أنا ابن جلا و طلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني ) قال سيبويه جلا فعل ماض فكأنه قال أنا ابن الذي جلا أي أوضح و كشف .

المعنى

ثم ذكر سبحانه حديث الميقات فقال « و لما جاء موسى لميقاتنا » معناه و لما انتهى موسى إلى المكان الذي وقتناه له و أمرناه بالمصير إليه لنكلمه و ننزل عليه التوراة و يمكن أن يكون المراد بالميقات الزمان الذي وقته الله تعالى له أن يأتي ذلك المكان فيه فإن لفظ الميقات كما يقع على الزمان يقع على المكان كمواقيت الإحرام فإنها للأمكنة التي لا يجوز مجاوزتها لأهل الآفاق إلا و هم محرمون « و كلمه ربه » من غير سفير أو وحي كما كان يكلم الأنبياء على ألسنة الملائكة و لم يذكر من أي موضع أسمعه كلامه و ذكر في موضع آخر أنه أسمعه كلامه من الشجرة فجعل الشجرة محلا للكلام لأن الكلام عرض لا يقوم إلا بجسم و قيل إنه في هذا الموضع أسمعه كلامه من الغمام « قال رب أرني أنظر إليك » أي أرني نفسك أنظر إليك اختلف العلماء في وجه مسألته (عليه السلام) الرؤية مع علمه بأنه سبحانه لا يدرك بالحواس على أقوال ( أحدها ) ما قاله الجمهور و هو الأقوى إنه لم يسأل الرؤية لنفسه و إنما سألها لقومه حين قالوا له لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة و لذلك قال (عليه السلام) لما أخذتهم الرجفة تهلكنا بما فعل السفهاء منا فأضاف ذلك إلى السفهاء و يسأل على هذا فيقال لو جاز أن يسأل الرؤية لقومه مع علمه باستحالة الرؤية عليه تعالى لجاز أن يسأل لقومه سائر ما يستحيل عليه من كونه جسما و ما أشبه ذلك متى شكوا فيه و الجواب إنما صح السؤال في الرؤية لأن الشك في جواز الرؤية التي تقتضي كونه جسما يمكن معه معرفة السمع و أنه سبحانه حكيم صادق في إخباره فيصح أن يعرفوا بالجواب الوارد من جهته تعالى استحالة ما شكوا في صحته و جوازه و مع الشك في كونه جسما لا يصح معرفة السمع من حيث إن
مجمع البيان ج : 4 ص : 731
الجسم لا يجوز أن يكون غنيا و لا عالما بجميع المعلومات لا بد في العلم بصحة السمع من ذلك فلا يقع بجوابه انتفاع و لا علم و قال بعض العلماء إنه كان يجوز أن يسأل موسى لقومه ما يعلم استحالته أيضا و إن كان دلالة السمع لا تثبت قبل معرفته متى كان في المعلوم أن في ذلك صلاحا للمكلفين في دينهم غير أنه شرط أن يبين النبي في مسألته ذلك علمه باستحالة ما سأل عنه و أن غرضه في السؤال ورود الجواب ليكون لطفا ( و ثانيها ) أنه (عليه السلام) لم يسأل الرؤية بالبصر و لكن سأله أن يعلمه نفسه ضرورة بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلى المعرفة فتزول عنه الدواعي و الشكوك و يستغني عن الاستدلال فخفف المحنة عليه بذلك كما سأل إبراهيم (عليه السلام) رب أرني كيف تحيي الموتى طلبا لتخفيف المحنة و قد كان عرف ذلك بالاستدلال و السؤال و إن وقع بلفظ الرؤية فإن الرؤية يفيد العلم كما تفيد العلم الإدراك بالبصر فبين الله سبحانه له أن ذلك لا يكون في الدنيا عن أبي القاسم البلخي ( و ثالثها ) أنه سأله الرؤية بالبصر على غير وجه التشبيه عن الحسن و الربيع و السدي و ذلك لأن معرفة التوحيد تصح مع الجهل بمسألة الرؤية و معرفة السمع تصح أيضا معه و هذا ضعيف لأن الأمر و إن كان على ما ذكروه فإن الأنبياء لا يجوز أن يخفى عليهم مثل هذا مع جلالة رتبتهم و علو درجتهم « قال لن تراني » هذا جواب من الله تعالى و معناه لا تراني أبدا لأن لن ينفي على وجه التأبيد كما قال و لن يتمنوه أبدا و قال لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له « و لكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني » علق رؤيته باستقرار الجبل الذي علمنا أنه لم يستقر و هذه طريقة معروفة في استبعاد الشيء لأنهم يعلقونه مما يعلم أنه لا يكون و متى قيل إنه لو كان الغرض بذلك التبعيد لعلقه سبحانه بأمر يستحيل كما علق دخول الجنة بأمر مستحيل من ولوج الجمل في سم الخياط فجوابه أنه سبحانه علق جواز الرؤية باستقرار الجبل في تلك الحال التي جعله فيها دكا و ذلك مستحيل لما فيه من اجتماع الضدين « فلما تجلى ربه للجبل » أي ظهر أمر ربه لأهل الجبل فحذف و المعنى أنه سبحانه أظهر من الآيات ما استدل به من كان عند الجبل على أن رؤيته غير جائزة و قيل معناه ظهر ربه ب آياته التي أحدثها في الجبل لأهل الجبل كما يقال الحمد لله الذي تجلى لنا بقدرته فكل آية يجددها الله سبحانه فكأنه يتجلى للعباد بها فلما أظهر الآية العجيبة في الجبل صار كأنه ظهر لأهله و قيل أن تجلى بمعنى جلى كقولهم حدث و تحدث و تقديره جلى ربه أمره للجبل أي أبرز في ملكوته للجبل ما تدكدك به و يؤيده ما جاء في الخبر أن الله تعالى أبرز من العرش مقدار الخنصر فتدكدك به
مجمع البيان ج : 4 ص : 732
الجبل و قال ابن عباس معناه ظهر نور ربه للجبل و قال الحسن لما ظهر وحي ربه للجبل « جعله دكا » أي مستويا بالأرض و قيل ترابا عن ابن عباس و قيل ساخ في الأرض حتى فني عن الحسن و قيل تقطع أربع قطع قطعة ذهبت نحو المشرق و قطعة ذهبت نحو المغرب و قطعة سقطت في البحر و قطعة صارت رملا و قيل صار الجبل ستة أجبل وقعت ثلاثة بالمدينة و ثلاثة بمكة فالتي بالمدينة أحد و ورقان و رضوى و التي بمكة ثور و ثبير و حراء و روي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و خر موسى صعقا » أي سقط مغشيا عليه عن ابن عباس و الحسن و ابن زيد و لم يمت بدلالة قوله « فلما أفاق » و لا يقال أفاق الميت و إنما عاش أو حيي و أما السبعون الذين كانوا معه فقد ماتوا كلهم لقوله ثم بعثناكم من بعد موتكم و روي عن ابن عباس أنه قال أخذته الغشية عشية الخميس يوم عرفة و أفاق عشية يوم الجمعة و فيه نزلت عليه التوراة و قيل معناه خر ميتا عن قتادة « فلما أفاق » من صعقته و رجع إليه عقله « قال سبحانك » أي تنزيها لك عن أن يجوز عليك ما لا يليق بك و قيل تنزيها لك من أن تأخذني بما فعل السفهاء من سؤال الرؤية « تبت إليك » من التقدم في المسألة قبل الأذن فيها و قيل إنه قاله على وجه الانقطاع إلى الله سبحانه كما يذكر التسبيح و التهليل و نحو ذلك من الألفاظ عند ظهور الأمور الجليلة « و أنا أول المؤمنين » بأنه لا يراك أحد من خلقك عن ابن عباس و الحسن و روي مثله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال معناه أنا أول من آمن و صدق بأنك لا ترى و قيل معناه أنا أول المؤمنين من قومي باستعظام سؤال الرؤية عن الجبائي و قيل أول المؤمنين بك من بني إسرائيل عن مجاهد و السدي .

مجمع البيان ج : 4 ص : 733
قَالَ يَمُوسى إِنى اصطفَيْتُك عَلى النَّاسِ بِرِسلَتى وَ بِكلَمِى فَخُذْ مَا ءَاتَيْتُك وَ كُن مِّنَ الشكِرِينَ(144) وَ كتَبْنَا لَهُ فى الأَلْوَاح مِن كلِّ شىْء مَّوْعِظةً وَ تَفْصِيلاً لِّكلِّ شىْء فَخُذْهَا بِقُوَّة وَ أْمُرْ قَوْمَك يَأْخُذُوا بِأَحْسنهَا سأُورِيكمْ دَارَ الْفَسِقِينَ(145)

القراءة

قرأ أهل الحجاز و روح برسالتي على التوحيد و الباقون « برسالاتي » على الجمع و قد مضى الكلام فيه .

اللغة

اللوح صحيفة مهياة للكتابة فيها و أصله من اللوح و هو اللمع يقال لاح يلوح إذا لمع و تلألأ و التلويح التضمير و لوحه السفر غيره تغييرا تبين عليه أثره لأن حاله يلوح بما نزل به و اللوح الهواء لأنه كاللامع في هبوبه فاللوح تلوح المعاني بالكتابة فيه و الموعظة التحذير بما يزجر عن القبيح و يبصر مواقع المخوف .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن عظيم نعمته على موسى بالاصطفاء و إجلال القدر و أمره إياه بالشكر بقوله « قال » أي قال الله سبحانه « يا موسى إني اصطفيتك » أي اخترتك و اتخذتك صفوة و فضلتك « على الناس برسالاتي » من غير كلام « و بكلامي » من غير رسالة و خص الناس لأنه كلم الملائكة و لم يكلم أحدا من الناس بلا واسطة سوى موسى (عليه السلام) و قيل أنه سبحانه كلم موسى على الطور و كلم نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) عند سدرة المنتهى « فخذ ما آتيتك » أي تناول ما أعطيتك من التوراة و تمسك بما أمرتك « و كن من الشاكرين » أي من المعترفين بنعمتي القائمين بشكرها على حسب مرتبتها فكلما كانت النعمة أعظم و أجل وجب أن تقابل من الشكر بما يكون أتم و أكمل الوجه و في تشريف موسى (عليه السلام) بالاختصاص بالكلام إن ذلك نعمة عظيمة و منة جسيمة منه تعالى عليه لأنه كلمه و علمه الحكمة من غير واسطة بينه و بينه و من أخذ العلم من العالم المعظم كان أجل رتبة ممن أخذه ممن هو دونه « و كتبنا له » يعني لموسى (عليه السلام) « في الألواح » يريد ألواح التوراة عن ابن عباس و قيل كانت من خشب نزلت من السماء عن الحسن و قيل كانت من زمرد و طولها عشرة أذرع عن ابن جريج و قيل كانت من زبرجدة خضراء و ياقوتة حمراء عن الكلبي و قيل إنهما كانا لوحين قال الزجاج و يجوز في اللغة أن يقال للوحين ألواح و يجوز أن يكون ألواح و يجوز أن يكون ألواحا جمع أكثر من اثنين « من كل شيء » قال الزجاج أعلم الله سبحانه أنه أعطاه من كل شيء يحتاج إليه من أمر الدين مع ما أراه من الآيات « موعظة » هذا تفسير لقوله « كل شيء » و بيان لبعض ما دخل تحته « و تفصيلا لكل شيء » يحتاج إليه في الدين من الأوامر و النواهي و الحلال و الحرام و ذكر الجنة و النار و غير ذلك من العبر و الأخبار و تفصيلا أيضا تفسير لقوله « كل شيء » « فخذها بقوة » أي بجد و اجتهاد و قيل بصحة عزيمة و قوة قلب « و أمر قومك
مجمع البيان ج : 4 ص : 734
يأخذوا بأحسنها » أي بما فيها من أحسن المحاسن و هي الفرائض و النوافل فإنها أحسن من المباحات و قيل معناه يأخذ بالناسخ دون المنسوخ عن الجبائي و هذا ضعيف لأن المنسوخ قد خرج من أن يكون حسنا و قيل إن المراد بالأحسن الحسن و كلها حسن كقوله سبحانه و هو أهون عليه و كقوله و لذكر الله أكبر عن قطرب « سأوريكم دار الفاسقين » يعني سأريكم جهنم عن الحسن و مجاهد و الجبائي و المراد فليكن منكم على ذكر لتحذروا أن تكونوا منهم و هذا تهديد لمن خالف أمر الله و قيل يريد ديار فرعون بمصر عن عطية العوفي و قيل معناه سادخلكم الشام فأريكم منازل القرون الماضية ممن خالفوا أمر الله لتعتبروا بها عن قتادة و في تفسير علي بن إبراهيم أن معناه يجيئكم قوم فساق يكون الدولة لهم .
سأَصرِف عَنْ ءَايَتىَ الَّذِينَ يَتَكَبرُونَ فى الأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ وَ إِن يَرَوْا كلَّ ءَايَة لا يُؤْمِنُوا بهَا وَ إِن يَرَوْا سبِيلَ الرُّشدِ لا يَتَّخِذُوهُ سبِيلاً وَ إِن يَرَوْا سبِيلَ الْغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سبِيلاً ذَلِك بِأَنهُمْ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا وَ كانُوا عَنهَا غَفِلِينَ(146) وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا وَ لِقَاءِ الاَخِرَةِ حَبِطت أَعْمَلُهُمْ هَلْ يجْزَوْنَ إِلا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(147)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم الرشد بفتح الراء و الشين و الباقون « الرشد » بضم الراء و سكون الشين .

الحجة

هما لغتان و يحكى أن أبا عمرو فرق بينهما فقال الرشد الصلاح و الرشد في الدين مثل قوله مما علمت رشدا و تحروا رشدا فهذا في الدين و قوله فإن آنستم منهم رشدا و هو في إصلاح المال و الحفظ له و قد جاء الرشد في غير الدين قال :
حنت إلى نعم الدهناء فقلت لها
أمي بلالا على التوفيق و الرشد .

مجمع البيان ج : 4 ص : 735

اللغة

الرشد سلوك طريق الحق يقال رشد يرشد رشادا و رشد يرشد رشدا و رشدا و ضده الغي غوي يغوى غيا و غواية و الحبوط سقوط العمل حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل و أصله الفساد من الحبط و هو داء يأخذ البعير في بطنه من فساد الكلأ عليه و يقال حبطت الإبل تحبط حبطا إذا أصابها ذلك و إذا عمل الإنسان عملا على خلاف الوجه الذي أمر به يقال أحبطه .

المعنى

« سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض » ذكر في معناه وجوه ( أحدها ) أنه أراد سأصرف عن نيل الكرامة المتعلقة ب آياتي و الاعتزاز بها كما يناله المؤمنون في الدنيا و الآخرة المستكبرين في الأرض بغير الحق كما فعل بقوم موسى و فرعون فإن موسى كان يقتل من القبط و كان أحد منهم لا يجسر أن يناله بمكروه خوفا من الثعبان و عبر ببني إسرائيل البحر و غرق فيه فرعون و قومه عن أبي علي الجبائي و الآيات على هذا التأويل يحتمل أن تكون سائر الأدلة و يحتمل أن تكون معجزات الأنبياء و في قوله « ذلك بأنهم كذبوا ب آياتنا » بيان أن صرفهم عن الآيات مستحق بتكذيبهم ( و ثانيها ) أن معناه سأصرفهم عن زيادة المعجزات التي أظهرها على الأنبياء (عليهم السلام) بعد قيام الحجة بما تقدم من المعجزات التي ثبتت بها النبوة لأن هذا الضرب من المعجزات إنما يظهر إذا كان في المعلوم أنه يؤمن عنده من لا يؤمن بما تقدم من المعجزات فيكون الصرف بأن لا يظهرها جملة أو بأن يصرفهم عن مشاهدتها و يظهرها بحيث ينتفع بها غيرهم و هذا الوجه اختاره القاضي لأن ما بعده يليق به من قوله « و إن يروا سبيل الرشد » إلى آخر الآية ( و ثالثها ) أن معناه سأمنع الكذابين و المتكبرين آياتي و معجزاتي و أصرفهم عنها و أخص بها الأنبياء فلا أظهرها إلا عليهم و إذا صرفهم عنها فقد صرفها عنهم و كلا اللفظين يفيد معنى واحدا فليس لأحد أن يقول هلا قال سأصرف آياتي عن الذين يتكبرون و هذا يبطل قول من قال أن الله تعالى جعل النيل في أمر فرعون فكان يجري بأمره و يقف و ما شاكل ذلك ( و رابعها ) أن يكون الصرف معناه المنع من إبطال الآيات و الحجج و القدح فيها بما يخرجها عن كونها أدلة و حججا و يكون تقدير الآية إني أصرف المبطلين و المكذبين عن القدح في دلالاتي بما أؤيدها و أحكمها من الحجج و البينات و يجري ذلك مجرى قول أحدنا إن فلانا منع أعدائه بأفعاله الحميدة و أخلاقه الكريمة من ذمه و تهجينه و أخرس ألسنتهم عن الطعن فيه و إنما يريد المعنى الذي ذكرناه و يكون على هذا قوله « ذلك بأنهم كذبوا ب آياتنا » راجعا إلى ما قبله بلا فصل من قوله « و إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا » و لا يرجع إلى قوله « سأصرف » ( و خامسها ) أن
مجمع البيان ج : 4 ص : 736
المراد سأصرف عن إبطال آياتي و المنع من تبليغها هؤلاء المتكبرين بالإهلاك أو المنع من غير إهلاك فلا يقدرون على القدح فيها و لا على قهر مبلغيها و لا على منع المؤمنين من اتباعها و الإيمان بها و هو نظير قوله « و الله يعصمك من الناس » و يكون الآيات في هذا الوجه القرآن و ما جرى مجراه من كتب الله التي تحملتها الأنبياء (عليهم السلام) و يكون قوله « ذلك بأنهم كذبوا ب آياتنا » على هذا متعلقا أيضا بقوله « و إن يروا سبيل الرشد » إلى ما بعده و معنى قوله « الذين يتكبرون في الأرض » أي يرون لأنفسهم فضلا على الناس و حقا ليس لغيرهم مثله فيحملهم ذلك على ترك اتباع الأنبياء أنفة من الانقياد لهم و القبول منهم و قوله « بغير الحق » تأكيد و بيان أن التكبر لا يكون إلا بغير الحق كقوله « و يقتلون النبيين بغير الحق و قد مضى ذكر أمثاله « و إن يروا كل آية » أي كل حجة و دلالة تدل على توحيد الله و صحة نبوة أنبيائه « لا يؤمنوا بها » هذا إخبار من الله تعالى عن هؤلاء بعلمه فيهم أنهم لا يؤمنون به و بكتبه و رسله و بيان أنه إنما صرفهم عن آياته لذلك « و إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا » يعني إن يروا طريق الهدى و الحق لا يتخذوه طريقا لأنفسهم « و إن يروا سبيل الغي » أي طريق الضلال « يتخذوه سبيلا » أي طريقا لأنفسهم و يميلون إليه و قيل الرشد الإيمان و الغي الكفر و قيل الرشد كل أمر محمود و الغي كل أمر قبيح مذموم « ذلك » إشارة إلى صرفهم عن الآيات و قيل إشارة إلى اتخاذهم طريق الغي و ترك طريق الرشد و تقديره أمرهم ذلك « بأنهم كذبوا ب آياتنا » أي بحججنا و معجزات رسلنا « و كانوا عنها غافلين » أي لا يتفكرون فيها و لا يتعظون بها و المراد بالغفلة هنا التشبيه لا الحقيقة مثل قوله سبحانه « صم بكم عمي و ذلك أنهم لما أعرضوا عن الانتفاع بالآيات و التأمل فيها أشبهت حالهم حال من كان غافلا ساهيا عنها ثم بين سبحانه وعيد المكذبين فقال « و الذين كذبوا ب آياتنا و لقاء الآخرة » يعني القيامة و البعث و النشور « حبطت أعمالهم » التي عملوها و لا يستحقون بها مدحا و لا ثوابا لأنها وقعت على خلاف الوجه المأمور به فصارت بمنزلة ما لم يعمل « هل يجزون إلا ما كانوا يعملون » صورته صورة الاستفهام و المراد به الإنكار و التوبيخ و معناه ليس يجزون إلا ما عملوه إن خيرا فخيرا و إن شرا فشرا .

النظم

قيل في وجه اتصال الآية بما قبلها وجوه ( أحدها ) أنه تقدم ذكر المعجزات و ما رام فرعون من إبطالها فبين سبحانه بقوله « سأصرف عن آياتي » أنه يمنع عن إبطال المعجزات فيتصل بما تقدم من قصة موسى و فرعون ( و ثانيها ) أنه لما تقدم ذكر معجزات
مجمع البيان ج : 4 ص : 737
موسى نبه عقيبه على أنه سبحانه لا يظهر المعجزات على يد من ليس بنبي و أبان عن صدق موسى و محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لمكان المعجزة ( و ثالثها ) أنه خطاب لموسى و زيادة في البيان عن إتمام ما وعده في إهلاك أعدائه و صرفهم عن الاعتراض على آياته و معناه خذها آمنا من طعن الطاعنين فإني سأصرف ( و رابعها ) أن الآيتين اعتراض بين قصة موسى و الخطاب لنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد أنه يصرف المتكبرين عن آياته كما صرف فرعون عن موسى .
وَ اتخَذَ قَوْمُ مُوسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسداً لَّهُ خُوَارٌ أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكلِّمُهُمْ وَ لا يهْدِيهِمْ سبِيلاً اتخَذُوهُ وَ كانُوا ظلِمِينَ(148)

القراءة

قرأ حمزة و الكسائي حليهم بكسر الحاء و اللام و قرأ يعقوب حليهم بفتح الحاء و سكون اللام و قرأ الباقون « حليهم » بضم الحاء و كسر اللام .

الحجة

من قرأ بضم الحاء فإنه جمع حلي نحو ثدي و ثدي و جمعه لأنه أضافه إلى جمع و من قرأ بكسر الحاء أتبع الكسرة الكسرة و كره الخروج من الضمة إلى الكسرة و أجري مجراه في قسي و نحوه و من قرأ حليهم فلأنه اسم جنس يقع على القليل و الكثير .

اللغة

الاتخاذ اجتباء الشيء لأمر من الأمور فهؤلاء : اتخذوا العجل للعبادة و الحلي ما اتخذ للزينة من الذهب و الفضة و يقال حلي الشيء في عيني يحلي حلي و حلا في فمي يحلو حلاوة .
و حليت الرجل تحلية إذا وصفته بما ترى منه و تحلى بكذا تزين به و تحسن و الجسد جسم الحيوان مثل البدن و هو روح و جسد فالروح ما لطف و الجسد ما كثف و الجسم يقع على جسد الحيوان و غيره من الجمادات و الخوار صوت الثور و هو صوت غليظ و بناء فعال يدل على الآفة نحو الصراخ و السكات و العطاس .

الإعراب

موضع من حليهم نصب تقديره اتخذوا حليهم عجلا و جسدا بدل من عجل .

المعنى

ثم عاد الكلام إلى قصة بني إسرائيل و ما أحدثوه عند خروج موسى (عليه السلام) إلى ميقات ربه فقال سبحانه « و اتخذ قوم موسى » يعني السامري و من جرى على طريقته و قيل يعني جميعهم لأن منهم من ساق العجل و منهم من عبده و منهم من لم ينكر و إنما أنكر
مجمع البيان ج : 4 ص : 738
ذلك القليل منهم فخرج الكلام على الغالب « من بعده » أي من بعد خروج موسى إلى الميقات عن الجبائي و غيره « من حليهم » التي استعاروها من قوم فرعون و كانت بنو إسرائيل بمنزلة أهل الجزية في القبط و كان لهم يوم عيد يتزينون فيه و يستعيرون من القبط الحلي فوافق ذلك عيدهم فاستعاروا حلي القبط فلما أخرجهم الله من مصر و غرق فرعون بقيت تلك الحلي في أيديهم فاتخذ السامري منها « عجلا » و هو ولد البقرة « جسدا » أي مجسدا لا روح فيه و قيل لحما و دما عن وهب « له خوار » أي صوت و روي في الشواذ عن علي (عليه السلام) جؤار بالجيم و الهمزة و هو الصوت أيضا و في كيفية خوار العجل مع أنه مصوغ من ذهب خلاف فقيل أخذ السامري قبضة من تراب أثر فرس جبرائيل (عليه السلام) يوم قطع البحر فقذف ذلك التراب في فم العجل فتحول لحما و دما و كان ذلك معتادا غير خارق للعادة و جاز أن يفعل الله تعالى ذلك بمجرى العادة عن الحسن و قيل أنه احتال بإدخال الريح كما يعمل هذه الآلات التي تصوت بالحيل عن الزجاج و الجبائي و البلخي و إنما أضاف سبحانه الصوت إليه لأنه كان محله عند دخول الريح جوفه و كان السامري عندهم مهيبا مطاعا فيما بينهم فأرجف أن موسى (عليه السلام) قد مات لما لم يرجع على رأس الثلاثين فدعاهم إلى عبادة العجل فأطاعوه و لم يطيعوا هارون و عبدوا العجل على ما مر ذكره في سورة البقرة ثم أنكر سبحانه ذلك عليهم فقال « أ لم يروا » أي أ لم يعلموا « أنه لا يكلمهم » بما يجدي عليهم نفعا أو يدفع عنهم ضررا « و لا يهديهم سبيلا » أي لا يهديهم إلى خير ليأتوه و لا إلى شر ليجتنبوه دل سبحانه بهذا على فساد ما ذهبوا إليه فإن من لا يتكلم في خير و شر و لا يهدي إلى طريق فهو جماد لا ينفع و لا يضر فكيف يكون إلها معبودا « اتخذوه » أي اتخذوه إلها و عبدوه « و كانوا ظالمين » باتخاذهم له إلها واضعين للعبادة في غير موضعها .
وَ لمََّا سقِط فى أَيْدِيهِمْ وَ رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضلُّوا قَالُوا لَئن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَ يَغْفِرْ لَنَا لَنَكونَنَّ مِنَ الْخَسِرِينَ(149)

القراءة

لئن لم ترحمنا بالتاء ربنا بالنصب و تغفر لنا بالتاء كوفي غير عاصم و الباقون « يرحمنا » « و يغفر لنا » بالياء « ربنا » بالرفع .

الحجة

من قرأ بالياء جعل الفعل للغيبة و ارتفع ربنا به و يغفر لنا فيه ضمير ربنا و من
مجمع البيان ج : 4 ص : 739
قرأ بالتاء ففيه ضمير الخطاب و ربنا نداء و حذف حرف التنبيه معه لأن عامة ما في التنزيل حذف حرف التنبيه معه نحو قوله « ربنا إني أسكنت من ذريتي ، ربنا و آتنا ما وعدتنا » .

اللغة

معنى سقط في أيديهم وقع البلاء في أيديهم أي وجدوه وجدان من يده فيه يقال ذلك للنادم عند ما يجده مما كان خفي عليه و يقال سقط في يده و أسقط في يده و بغير ألف أفصح و قيل معناه صار الذي كان يضربه ملقى في يده .

المعنى

ثم أخبر سبحانه أنهم ندموا على عبادة العجل فقال « و لما سقط في أيديهم » أي فلما لحقتهم الندامة « و رأوا أنهم قد ضلوا » أي علموا ضلالهم عن الصواب و طريق الحق بعبادة العجل حين رجع إليهم موسى و بين لهم ذلك « قالوا لئن لم يرحمنا ربنا » بقبول توبتنا « و يغفر لنا » ما قدمناه من عبادة العجل « لنكونن من الخاسرين » باستحقاق العقاب قال الحسن إن كلهم عبدوا العجل إلا هارون بدلالة قول موسى « رب اغفر لي و لأخي » و لو كان هناك مؤمن غيرهما لدعا له و قال غيره إنما عبده بعضهم .
وَ لَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضبَنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسمَا خَلَفْتُمُونى مِن بَعْدِى أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَ أَلْقَى الأَلْوَاحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ استَضعَفُونى وَ كادُوا يَقْتُلُونَنى فَلا تُشمِت بىَ الأَعْدَاءَ وَ لا تجْعَلْنى مَعَ الْقَوْمِ الظلِمِينَ(150) قَالَ رَب اغْفِرْ لى وَ لأَخِى وَ أَدْخِلْنَا فى رَحْمَتِك وَ أَنت أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ(151)

القراءة

قرأ ابن عامر و أهل الكوفة عن عاصم ابن أم بالكسر هاهنا و في طه و قرأ الباقون « ابن أم » نصبا في الموضعين و روي في الشواذ عن مجاهد فلا تشمت بفتح التاء و الميم ، الأعداء بالنصب و روي عن مجاهد أيضا فلا يشمت بالياء .

الحجة

من قرأ « ابن أم » بالفتح فلكثرة استعمالهم هذا الاسم قالوا يا ابن أم و يا ابن
مجمع البيان ج : 4 ص : 740
عم جعلوهما اسما واحدا نحو خمسة عشر قال سيبويه قالوا يا ابن أم و يا ابن عم فجعلوا ذلك بمنزلة اسم لأن هذا أكثر في كلامهم من يا ابن أبي و يا غلام غلامي و من العرب من يقول يا ابن أمي بإثبات الياء قال الشاعر :
يا ابن أمي و يا شقيق نفسي
أنت خليتني لدهر شديد و لأمر شديد قال أبو علي بني الاسمان على الفتح و الفتحة في ابن ليست النصبة التي كانت تكون في الاسم المضاف المنادى لكن بني على الحركة التي كانت تكون للإعراب كما أن قولهم لا رجل كذلك و كما أن مكانك إذا أردت به الأمر لا تكون الفتحة فيه الفتحة التي كانت فيه و هو ظرف و لكنه على حد الفتحة في رويدك فإن قال قائل فلم لا تقول أنها نصبته و المراد يا ابن أما فحذفت الألف كما حذفت ياء الإضافة في غلامي قيل له ليس هذا مثله أ لا ترى أن من حذف الياء من يا غلام أثبتها في يا غلام غلامي فلو كانت الألف مقدرة في يا ابن أم لم يكن تحذف كما لم تحذف في قوله :
يا بنت عما لا تلومي و اهجعي فالألف لا يحذف حيث يحذف الياء أ لا ترى أن من قال ما كنا نبغ و الليل إذا يسر فحذف الياء من الفواصل و ما أشبه الفواصل من الكلام التام لم يكن عنده في نحو قوله « و الليل إذا يغشى و النهار إذا تجلى » إلا الإثبات فإن قلت فقد حذف الألف في نحو قوله :
رهط ابن مرحوم و رهط ابن المعل يريد المعلى و أنشد أبو الحسن :
فلست بمدرك ما فأت مني
بلهف و لا بليت و لا لو أني يريد بلهفى فحذف الألف فالقول فيه أن ذلك في الشعر و لا يكون في الاختيار و حال السعة و لا ينبغي أن يحمل قوله « ابن أم » على هذا و قياس من أجاز ذلك أن تكون فتحة الابن نصبة و الفتحة في أم ليست كالتي في عشر من خمسة عشر و لكن مثل الفتحة التي في الميم من يا بنت عما قال الزجاج و من قرأ ابن أم بالكسر فإنه أضافه إلى نفسه بعد أن جعله اسما واحدا .

اللغة

الأسف الغضب الذي فيه تأسف على فوت ما سلف و الأسف الحزن و التلهف أيضا و يقال خلفه يخلفه بما يجب و بما يكره إذا عمل خلفه ذلك العمل و العجلة التقدم بالشيء قبل وقته و السرعة عمله في أول وقته و لذلك صارت العجلة مذمومة و يقال عجلته أي سبقته و أعجلته استحثثته و الشماتة سرور العدو بسوء العاقبة يقال شمت به شماتة
مجمع البيان ج : 4 ص : 741
و أشمته إشماتا .
عرضه لتلك الحال .

الإعراب

غضبان منصوب على الحال و هو فعلان مؤنثه فعلى نحو غضبان و غضبى و لا ينصرف لأن فيه الألف و النون المضارعتين لألفي التأنيث في حمراء .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عما فعله موسى (عليه السلام) حين رجع من مناجاة ربه و رأى عكوف قومه على عبادة العجل فقال « و لما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا » أي حزينا عن ابن عباس و قيل الأسف الشديد الغضب عن أبي الدرداء و قيل معنى الغضب و الأسف واحد و إنما كررها للتأكيد و اختلاف اللفظين كما قال الشاعر :
متى أدن منه ينأ عني و يبعد عن أبي مسلم و قيل معناه غضبان على قومه إذ عبدوا العجل أسفا حزينا متلهفا على ما فاته من مناجاة ربه « قال بئسما خلفتموني من بعدي » أي بئسما عملتم خلفي و بئس الفعل فعلكم بعد ذهابي إلى ميقات ربي « أ عجلتم أمر ربكم » أي ميعاد ربكم فلم تصبروا له عن ابن عباس و نحو هذا قال الحسن وعد ربكم الذي وعدني من الأربعين ليلة و ذلك أنهم قدروا أنه قد مات لما لم يأت على رأس ثلاثين ليلة و قيل أ عجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر من ربكم عن الكلبي و قيل معناه استعجلتم وعد الله و ثوابه على عبادته فلما لم تنالوه عدلتم إلى عبادة غيره عن أبي علي الجبائي « و ألقى الألواح » معناه أنه ألقاها لما دخله من شدة الغضب و الجزع على عبادة قومه العجل عن ابن عباس و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال يرحم الله أخي موسى (عليه السلام) ليس المخبر كالمعاين لقد أخبره الله بفتنة قومه و قد عرف أن ما أخبره ربه حق و أنه على ذلك لمتمسك بما في يديه فرجع إلى قومه و رآهم فغضب و ألقى الألواح و قد تقدم ذكر ما قيل في الألواح « و أخذ برأس أخيه » يعني هارون « يجره إليه » قيل في معناه وجوه ( أحدها ) أن موسى (عليه السلام) إنما فعل ذلك مستعظما لفعلهم مفكرا فيما كان منهم كما يفعل الإنسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب و شدة الفكر فيقبض على لحيته و يعض على شفته فأجرى موسى (عليه السلام) أخاه هارون مجرى نفسه فصنع به ما يصنع الإنسان بنفسه عند حالة الغضب و الفكر عن أبي علي الجبائي و هذا من الأمور التي تختلف أحكامها بالعادات فيكون ما هو إكرام في موضع استخفافا في غيره و يكون ما هو استخفاف في موضع إكراما في آخر ( و ثانيها ) أنه (عليه السلام) أراد أن يظهر ما اعتراه من الغضب على قومه لإكباره منهم ما صاروا إليه من الكفر و الارتداد فصدر ذلك منه للتألم بضلالهم و أعلامهم عظم الحال عنده لينزجروا عن مثله في مستقبل الأحوال ذكره الشيخ المفيد أبو عبد الله بن النعمان ( و ثالثها ) أنه إنما جره إلى نفسه ليناجيه و يستبرىء حال القوم منه و لهذا أظهر هارون براءة نفسه و لما أظهر
مجمع البيان ج : 4 ص : 742
هارون براءته دعا له و لنفسه ( و رابعها ) أنه لما رأى بهارون مثل ما به من الجزع و القلق أخذ برأسه متوجعا له مسكنا فكرة هارون أن يظن الجهال ذلك استخفافا فأظهر براءته و دعا له موسى إزالة للتهمة ( و خامسها ) أنه أنكر على هارون ما بينه في طه من قوله « ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن » الآية عن أبي مسلم « قال » يعني قال هارون « ابن أم » قال الحسن و الله لقد كان أخاه لأبيه و أمه إلا أنه إنما نسبه إلى الأم لأن ذكر الأم أبلغ في الاستعطاف « إن القوم استضعفوني » يعني أن القوم الذين تركتني بين أظهرهم اتخذوني ضعيفا « و كادوا يقتلونني » أي هموا بقتلي و قرب أن يقتلوني لشدة إنكاري عليهم « فلا تشمت بي الأعداء » أي لا تسرهم بأن تفعل ما يوهم ظاهره خلاف التعظيم « و لا تجعلني مع القوم الظالمين » أي لا تجعلني مع عبدة العجل و من جملتهم في إظهار الغضب و الموجدة علي « قال » موسى حين تبين له ما نبهه هارون عليه من خوف التهمة و دخول الشبهة على القوم « رب اغفر لي و لأخي » و هذا على وجه الانقطاع إلى الله سبحانه و التقرب إليه لا أنه كان وقع منه أو من أخيه قبيح كبير أو صغير يحتاج أن يستغفر منه فإن الدليل قد دل على أن الأنبياء لا يجوز أن يقع منهم شيء من القبيح و قيل أنه (عليه السلام) بين بهذا لبني إسرائيل أنه لم يجر رأسه إليه لعصيان وجد منه و إنما فعله كما يفعل الإنسان بنفسه عند شدة غضبه على غيره عن الجبائي « و أدخلنا في رحمتك » أي نعمتك و جنتك « و أنت أرحم الراحمين » ظاهر المعنى و إنما يذكر في آخر الدعاء لبيان شدة الرجاء من جهته فإن الابتداء بالنعمة يوجب الإتمام و سعة الرحمة تقتضي الزيادة فيها فيقال أرحم الراحمين لاستدعاء الرحمة من جهته كما يقال أجود الأجودين لاستدعاء الجود من قبله .
إِنَّ الَّذِينَ اتخَذُوا الْعِجْلَ سيَنَالهُُمْ غَضبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فى الحَْيَوةِ الدُّنْيَا وَ كَذَلِك نجْزِى الْمُفْترِينَ(152) وَ الَّذِينَ عَمِلُوا السيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَ ءَامَنُوا إِنَّ رَبَّك مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(153) وَ لَمَّا سكَت عَن مُّوسى الْغَضب أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَ فى نُسخَتهَا هُدًى وَ رَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبهِمْ يَرْهَبُونَ(154)

مجمع البيان ج : 4 ص : 743

اللغة

النول اللحوق و أصله مد اليد إلى الشيء الذي يبلغه و منه قولهم نولك أن تفعل كذا أي ينبغي أن تفعله فإنه يلحقك خيره و سكت أي سكن و السكوت هو الإمساك عن الكلام بهيئة منافية بسببه و هو تسكين آلة الكلام و إنما قيل سكت الغضب توسعا و مجازا لأنه لما كان بفورته دالا على ما في نفس المغضوب عليه كان بمنزلة الناطق بذلك فإذا سكنت تلك الفورة كان بمنزلة الساكت عما كان متكلما به فالسكوت في هذا الموضع أحسن من السكون لتضمنه معنى سكوته عن المعاتبة مع سكون غضبه .

الإعراب

قال « لربهم يرهبون » و لا يجوز يرهبون لربهم لأنه إذا تقدم المفعول ضعف عمل الفعل فيه فصار بمنزلة ما لا يتعدى في دخول اللام عليه و قيل أنه إذا كان بمعنى من أجله جاز دخول اللام عليه تقدم أو تأخر كما قال تعالى « ردف لكم » .

المعنى

ثم أوعدهم سبحانه فقال « إن الذين اتخذوا العجل » فيه حذف أي اتخذوه إلها أو معبودا من دون الله « سينالهم غضب » أي سيلحقهم على عبادتهم إياه عقوبة « من ربهم » و إنما ذكر الغضب مع الوعيد بالنار لأنه أبلغ في الزجر عن القبيح « و ذلة في الحياة الدنيا » يعني صغر النفس و المهانة قال الزجاج و الذلة ما أمروا به من قتل أنفسهم و قيل أن الذلة أخذ الجزية و أخذ الجزية لم يقع فيمن عبد العجل و إنما أراد استسلامهم للقتل « و كذلك نجزي المفترين » أي مثل هذا الوعيد و العذاب و الغضب نجزي الكاذبين و المتخرصين و إنما سموا مفترين لأنهم عبدوا عجلا و قالوا أنه إله فكانوا كاذبين ثم عطف سبحانه على ذلك بقوله « و الذين عملوا السيئات » أي الشرك و المعاصي « ثم تابوا من بعدها و آمنوا » أي و استأنفوا عمل الإيمان و قيل معناه تابوا و آمنوا بأن الله قابل للتوبة « إن ربك » يا محمد « من بعدها » أي من بعد التوبة و قيل من بعد السيئات « لغفور » لذنوبهم « رحيم » بهم « و لما سكت » أي سكن « عن موسى الغضب » و قيل في معناه زالت فورة غضبه و لم يزل الغضب لأن توبتهم لم تخلص و قيل معناه زال غضبه لأنهم تابوا « أخذ الألواح » التي كانت فيها التوراة « و في نسختها » أي و فيما نسخ فيها و كتب عن الجبائي و أبي مسلم و قيل و في نسختها التي كتبت و نسخت منها « هدى » أي دلالة و بيان لما يحتاج إليه من أمور الدين « و رحمة » أي نعمة و منفعة « للذين هم لربهم يرهبون » أي يخشون ربهم فلا يعصونه و يعملون بما فيها و في الآية دلالة على أنه يجوز
مجمع البيان ج : 4 ص : 744
إلقاء التوراة للغضب الذي يظهر بإلقائها ثم أخذها للحكمة التي فيها من غير أن يكون إلقاؤها رغبة عنها .
وَ اخْتَارَ مُوسى قَوْمَهُ سبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَب لَوْ شِئْت أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَ إِيَّىَ أَ تهْلِكُنَا بمَا فَعَلَ السفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِىَ إِلا فِتْنَتُك تُضِلُّ بهَا مَن تَشاءُ وَ تهْدِى مَن تَشاءُ أَنت وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَ ارْحَمْنَا وَ أَنت خَيرُ الْغَفِرِينَ(155)

اللغة

الاختيار إرادة ما هو خير يقال خيره بين أمرين فاختار أحدهما و الاختيار و الإيثار بمعنى واحد و الفتنة الكشف و الاختيار و قال المسيب بن علس :
إذ تستبيك بأصلتي ناعم
قامت لتفتنه بغير قناع أي لتكشفه و تبرزه .

الإعراب

و اختار موسى تقديره اختار موسى من قومه فحذف من فوصل الفعل فنصبه و إنما حذف من لدلالة الفعل عليه مع إيجاز اللفظ قال الفرزدق :
و منا الذي اختير الرجال سماحة
وجودا إذا هب الرياح الزعازع و قال غيلان :
و أنت الذي اخترت المذاهب كلها
بوهبين إذ ردت علي الأباعر و قال آخر :
فقلت له اخترها قلوصا سمينة
و نابا علينا مثل نابك في الحيا .

مجمع البيان ج : 4 ص : 745

المعنى

ثم أخبر تعالى عن اختيار موسى من قومه عند خروجه إلى ميقات ربه فقال « و اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا » و اختلف في سبب اختياره إياهم و وقته فقيل أنه اختارهم حين خرج إلى الميقات ليكلمه الله سبحانه بحضرتهم و يعطيه التوراة فيكونوا شهداء له عند بني إسرائيل لما لم يثقوا بخبره أن الله سبحانه يكلمه فلما حضروا الميقات و سمعوا كلامه تعالى سألوا الرؤية فأصابتهم الصاعقة ثم أحياهم الله تعالى فابتدأ سبحانه بحديث الميقات ثم اعترض حديث العجل فلما تم عاد إلى بقية القصة و هذا الميقات هو الميعاد الأول الذي تقدم ذكره عن أبي علي الجبائي و أبي مسلم و جماعة من المفسرين و هو الصحيح و رواه علي بن إبراهيم في تفسيره و قيل أنه اختارهم بعد الميقات الأول للميقات الثاني بعد عبادة العجل ليعتذروا من ذلك « فلما » سمعوا كلام الله قالوا أرنا الله جهرة ف « أخذتهم الرجفة » و هي الرعدة و الحركة الشديدة حتى كادت أن تبين مفاصلهم و خاف موسى عليهم الموت فبكى و دعا و خاف أن يتهمه بنو إسرائيل على السبعين إذا عاد إليهم و لم يصدقوه بأنهم ماتوا عن السدي و الحسن و قال ابن عباس أن السبعين الذين قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة كانوا قبل السبعين الذين أخذتهم الرجفة و إنما أمر الله تعالى موسى أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختارهم و برز بهم ليدعو ربهم فكان فيما دعوا أن قالوا اللهم أعطنا ما لم تعط أحد قبلنا و لا تعطيه أحدا بعدنا فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة و رووا عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال إنما أخذتهم الرجفة من أجل دعواهم على موسى قتل أخيه هارون و ذلك أن موسى و هارون و شبر و شبير ابني هارون انطلقوا إلى سفح جبل فنام هارون على سرير فتوفاه الله فلما مات دفنه موسى (عليه السلام) فلما رجع إلى بني إسرائيل قالوا له أين هارون قال توفاه الله فقالوا لا بل أنت قتلته حسدتنا على خلقه و لينه قال فاختاروا من شئتم فاختاروا منهم سبعين رجلا و ذهب بهم فلما انتهوا إلى القبر قال موسى يا هارون أ قتلت أم مت فقال هارون ما قتلني أحد و لكن توفاني الله فقالوا لن نعصي بعد اليوم فأخذتهم الرجفة و صعقوا و قيل أنهم ماتوا ثم أحياهم الله و جعلهم أنبياء و قال وهب لم تكن تلك الرجفة موتا و لكن القوم لما رأوا تلك الهيأة أخذتهم الرعدة فقلقلوا و رجفوا حتى كادت تبين منه مفاصلهم و تنقض ظهورهم فلما رأى ذلك موسى رحمهم و خاف عليهم الموت و اشتد عليه فقدهم و كانوا وزراءه على الخير سامعين له مطيعين فعند ذلك دعا و بكى و ناشد ربه فكشف الله عنهم تلك الرجفة و الرعدة فسكنوا و اطمأنوا و سمعوا كلام ربهم « قال » أي قال موسى « رب لو شئت أهلكتهم من قبل و إياي » أي لو شئت أهلكت هؤلاء السبعين من قبل هذا الموقف و أهلكتني
مجمع البيان ج : 4 ص : 746
معهم فالآن ما ذا أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم « أ تهلكنا بما فعل السفهاء منا » معناه النفي و إن كان بصورة الإنكار و المعنى أنك لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا فبهذا نسألك رفع المحنة بالإهلاك عنا و ما فعله السفهاء هو عبادة العجل ظن موسى أنهم أهلكوا لأجل عبادة بني إسرائيل العجل فهم السفهاء و قيل هو سؤال الرؤية عن جماعة من المفسرين « إن هي إلا فتنتك » معناه إن الرجفة إلا اختبارك و ابتلاؤك و محنتك أي تشديدك التعبد و التكليف علينا بالصبر على ما أنزلته بنا عن سعيد بن جبير و أبي العالية و الربيع و مثله قوله « أ و لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين » يعني بذلك الأمراض و الأسقام التي شدد الله بها التعبد على عباده و إنما سمي ذلك فتنة لأنه يشتد الصبر عليها و مثله « الم أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون » أي لا ينالهم شدائد الدنيا و قيل أن المراد إن هي إلا عذابك عن ابن عباس و قد سمى الله العذاب فتنة في قوله « يوم هم على النار يفتنون » أي يعذبون فكأنه قال ليس هذا الإهلاك إلا عذابك لهم بما فعلوه من الكفر و عبادة العجل أو سؤالهم الرؤية « تضل بها من تشاء و تهدي من تشاء » أي تصيب بهذه الرجفة من تشاء و تصرفها عمن تشاء عن ابن عباس و تقديره تهلك بها من تشاء و تنجي من تشاء و قيل معناه تضل بترك الصبر على فتنتك و ترك الرضا بها من تشاء عن نيل ثوابك و دخول جنتك و تهدي بالرضا بها و الصبر عليها من تشاء « أنت ولينا » معناه أنت ناصرنا و الأولى بنا تحوطنا و تحفظنا « فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الغافرين » أي خير الساترين على عباده و المتجاوزين لهم عن جرمهم .
* وَ اكتُب لَنَا فى هَذِهِ الدُّنْيَا حَسنَةً وَ فى الاَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك قَالَ عَذَابى أُصِيب بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتى وَسِعَت كلَّ شىْء فَسأَكتُبهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكوةَ وَ الَّذِينَ هُم بِئَايَتِنَا يُؤْمِنُونَ(156)

القراءة

في الشواذ قراءة الحسن و عمرو الأسواري من أساء و القراءة المشهورة من
مجمع البيان ج : 4 ص : 747
« أشاء » و الوجه فيه ظاهر .

المعنى

هذا تمام ما قاله موسى في دعائه « و اكتب لنا في هذه الدنيا حسنة » سأل الله سبحانه أن يكتب لهم الحسنة في الدنيا و هي النعمة و إنما سميت النعمة حسنة و إن كانت الحسنة اسم الطاعة لله لأمرين ( أحدهما ) أن النعمة تتقبلها النفس كما أن الطاعة يتقبلها العقل و الآخر أنها ثمرة الطاعة لله و إنما ذكر بلفظ الكتابة و لم يقل و اجعل لنا أو أوجب لنا لأن الكتابة أثبت و أدوم يقال كتب رزق فلان في الديوان فيدل ذلك على دوامه و ثبوته على مرور الأزمان « و في الآخرة » معناه و اكتب لنا في الآخرة حسنة أيضا كما في قوله « ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة » و قيل الحسنة في الدنيا الثناء الجميل و في الآخرة الرفعة و قيل هي في الدنيا التوفيق للأعمال الصالحة و في الآخرة المغفرة و الجنة « إنا هدنا إليك » أي رجعنا بتوبتنا إليك و الهود الرجوع « قال » الله تعالى مجيبا لموسى (عليه السلام) « عذابي أصيب به من أشاء » ممن عصاني و استحقه بعصيانه و إنما علقه بالمشيئة لجواز الغفران في العقل « و رحمتي وسعت كل شيء » قال الحسن و قتادة إن رحمته في الدنيا وسعت البر و الفاجر و هي يوم القيامة للمتقين خاصة و قال عطية العوفي وسعت كل شيء و لكن لا تجب إلا للذين يتقون و ذلك أن الكافر يرزق و يدفع عنه بالمؤمن لسعة رحمة الله للمؤمن فيعيش فيها فإذا صار في الآخرة وجبت للمؤمنين خاصة كالمستضيء بنار غيره إذا ذهب صاحب السراج بسراجه و قيل معناه أنها تسع كل شيء إن دخلوها فلو دخل الجميع فيها لوسعتهم إلا أن فيهم من لا يدخل فيها لضلالة و في الحديث إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قام في الصلاة فقال أعرابي و هو في الصلاة اللهم ارحمني و محمدا و لا ترحم معنا أحدا فلما سلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال للأعرابي لقد تحجرت واسعا يريد رحمة الله عز و جل أورده البخاري في الصحيح « فسأكتبها للذين يتقون » أي فسأوجب رحمتي للذين يتقون الشرك أي يجتنبونه و قيل يجتنبون الكبائر و المعاصي « و يؤتون الزكاة » أي يخرجون زكاة أموالهم لأنهم من أشق الفرائض و قيل معناه و يطيعون الله و رسوله عن ابن عباس و الحسن و إنما ذهبا إلى تزكية النفس و تطهيرها « و الذين هم ب آياتنا يؤمنون » أي بحججنا و بيناتنا يصدقون و روي عن ابن عباس و قتادة و ابن جريج إنها لما نزلت « و رحمتي وسعت كل شيء » قال إبليس أنا من ذلك الشيء فنزعها الله من إبليس بقوله « فسأكتبها للذين يتقون » إلى آخر الآية فقال اليهود و النصارى نحن نتقي و نؤتي الزكاة و نؤمن ب آيات ربنا فنزعها منهم و جعلها لهذه الأمة بقوله « الذين يتبعون الرسول النبي الأمي » الآية .
 

<<        الفهرس        >>