جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج4 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 

مجمع البيان ج : 4 ص : 748
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسولَ النَّبىَّ الأُمِّىَّ الَّذِى يجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فى التَّوْرَاةِ وَ الانجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنهَاهُمْ عَنِ الْمُنكرِ وَ يحِلُّ لَهُمُ الطيِّبَتِ وَ يحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَئث وَ يَضعُ عَنْهُمْ إِصرَهُمْ وَ الأَغْلَلَ الَّتى كانَت عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157)

القراءة

قرأ ابن عامر وحده آصارهم على الجمع و الباقون « إصرهم » على التوحيد .

الحجة

قال أبو علي الأصر مصدر يقع على الكثير مع إفراد لفظه يدل على ذلك قوله « إصرهم » فأضيف و هو مفرد إلى الكثرة و لا يجمع و قال ربنا و لا تحمل علينا إصرا و قال ينظرون من طرف خفي و لا يرتد إليهم طرفهم فالوجه الإفراد كما أفرد في غير هذا الموضع و جمعه ابن عامر كأنه أراد ضروبا من المأثم مختلفة فجمع لاختلافها و المصادر تجمع إذا اختلف ضروبها و إذا كانوا قد جمعوا ما يكون ضربا واحدا كقوله :
هل من حلوم لأقوام فينذرهم
ما جرب الناس من عضي و تضريسي فأن يجمع ما يختلف من المأثم أجدر و يقوي ذلك قوله « و ليحملن أثقالهم و أثقالا مع أثقالهم » و الثقل مصدر كالشبع و الصغر و الكبر .

اللغة

قال الزجاج اختلف أهل اللغة في معنى قوله « عزروه » و في قولهم عزرت فلانا أعزره و أعزره عزرا فقيل معناه رددته و قيل معناه أعنته و قيل معناه لمته و يقال عزرته بالتشديد نصرته و يقال منعت منه فمعنى عزروه منعوا أعداءه من الكفر به و قيل نصروه و المعنى قريب لأن منع الأعداء منه نصرته و معنى عزرت فلانا إذا ضربته ضربا دون الحد أنه يمنعه بضربه إياه من معاودته مثل عمله و يجوز أن يكون من عزرته أي رددته معناه فعلت به ما يرده عن المعصية .

مجمع البيان ج : 4 ص : 749

الإعراب

قال الزجاج قوله « يأمرهم بالمعروف » يجوز أن يكون على تقدير يجدونه مكتوبا عندهم أنه يأمرهم بالمعروف و يجوز أن يكون يأمرهم بالمعروف مستأنفا قال أبو علي لا وجه لقوله « يجدونه مكتوبا » أنه يأمرهم إن كان يعني أن ذلك مراد لأنه لا شيء يدل على حذفه و لأنا لم نعلمهم حذفوا هذا في شيء و تفسيره أن وجدت هنا هو المتعدي إلى مفعولين و مكتوبا مفعول ثان و المعنى يجدون ذكره مكتوبا عندهم في التوراة أو اسمه فالمفعول الأول قام مقام المضاف إليه و إنما قلنا ذلك لأن المكتوب هو الاسم أو الذكر و المفعول الثاني في هذا الباب يجب أن يكون الأول في المعنى قال فأما قوله « يأمرهم بالمعروف » فهو عندي تفسير لما كتب كما أن قوله « لهم مغفرة و أجر عظيم » تفسير لوعدهم و كما أن قوله « خلقه من تراب » تفسير للمثل فإن قلت لم لا تجعله حالا من المفعول الأول فلأن ذلك ممتنع في المعنى أ لا ترى أن المعنى إذا كان يجدون ذكره أو اسمه مكتوبا لم يجز أن يكون يأمرهم حالا منه لأن الاسم و الذكر لا يأمران إنما يأمر المذكور و المسمى و لا يجوز أن يكون مما في مكتوب من الضمير لأن الضمير هو المفعول الأول في المعنى .

المعنى

ثم وصف سبحانه الذين يتقون بصفة أخرى فقال « الذين يتبعون الرسول النبي » أي يؤمنون به و يعتقدون بنبوته يعني نبينا محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « الأمي » ذكر في معناه أقوال ( أحدها ) أنه الذي لا يكتب و لا يقرأ ( و ثانيها ) أنه منسوب إلى الأمة و المعنى أنه على جبلة الأمة قبل استفادة الكتابة و قيل أن المراد بالأمة العرب لأنها لم تكن تحسن الكتابة ( و ثالثها ) أنه منسوب إلى الأم و المعنى أنه على ما ولدته أمه قبل تعلم الكتابة ( و رابعها ) أنه منسوب إلى أم القرى و هي مكة و هو المروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) « الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل » معناه يجدون نعته و صفته و نبوته مكتوبا في الكتابين لأنه مكتوب في التوراة في السفر الخامس إني سأقيم لهم نبيا من إخوتهم مثلك و أجعل كلامي في فيه فيقول لهم كل ما أوصيه به و فيها أيضا مكتوب و أما ابن الأمة فقد باركت عليه جدا جدا و سيلد اثني عشر عظيما و أؤخره لأمة عظيمة و فيها أيضا أتانا الله من سيناء و أشرق من ساعير و استعلن من جبال فاران و في الإنجيل بشارة بالفارقليط في مواضع منها نعطيكم فارقليط آخر يكون معكم آخر الدهر كله و فيه أيضا قول المسيح للحواريين أنا أذهب و سيأتيكم الفارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه أنه نذيركم بجميع الحق و يخبركم بالأمور المزمعة و يمدحني و يشهد لي و فيه أيضا أنه إذا جاء فند أهل العالم « يأمرهم بالمعروف و ينهاهم
مجمع البيان ج : 4 ص : 750
عن المنكر » يجوز أن يكون هذا مكتوبا في التوراة و الإنجيل و يكون موصولا بما قبله و بيانا لمن يكتب له رحمة الولاية و المحبة و يجوز أن يكون ابتداء من قول الله تعالى مدحا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المعروف الحق و المنكر الباطل لأن الحق معروف الصحة في العقول و الباطل منكر الصحة في العقول و قيل المعروف مكارم الأخلاق و صلة الأرحام و المنكر عبادة الأوثان و قطع الأرحام عن ابن عباس و هذا القول داخل في القول الأول « و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث » معناه يبيح لهم المستلذات الحسنة و يحرم عليهم القبائح و ما تعافه الأنفس و قيل يحل لهم ما اكتسبوه من وجه طيب و يحرم عليهم ما اكتسبوه من وجه خبيث و قيل يحل لهم ما حرمه عليهم رهابينهم و أحبارهم و ما كان يحرمه أهل الجاهلية من البحائر و السوائب و غيرها و يحرم عليهم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما ذكر معها « و يضع عنهم إصرهم » أي ثقلهم شبه ما كان على بني إسرائيل من التكليف الشديد بالثقل و ذلك أن الله سبحانه جعل توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا و جعل توبة هذه الأمة الندم بالقلب حرمة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الحسن و قيل الإصر هو العهد الذي كان الله سبحانه أخذه على بني إسرائيل أن يعملوا بما في التوراة عن ابن عباس و الضحاك و السدي و يجمع المعنيين قول الزجاج الإصر ما عقدته من عقد ثقيل « و الأغلال التي كانت عليهم » معناه و يضع عنهم العهود التي كانت في ذمتهم و جعل تلك العهود بمنزلة الأغلال التي تكون في الأعناق للزومها كما يقال هذا طوق في عنقك و قيل يريد بالأغلال ما امتحنوا به من قتل نفوسهم في التوبة و قرض ما يصيبه البول من أجسادهم و ما أشبه ذلك من تحريم السبت و تحريم العروق و الشحوم و قطع الأعضاء الخاطئة و وجوب القصاص دون الدية عن أكثر المفسرين « فالذين آمنوا به » أي بهذا النبي و صدقوه في نبوته « و عزروه » أي عظموه و وقروه و منعوا عنه أعداءه « و نصروه » عليهم « و اتبعوا النور » معناه القرآن الذي هو نور في القلوب كما أن الضياء نور في العيون و يهتدي به الخلق في أمور الدين كما يهتدون بالنور في أمور الدنيا « الذي أنزل معه » أي أنزل عليه و قد يقوم مع مقام على كما يقوم على مقام مع و قيل معناه أنزل في زمانه و على عهده و يروى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لأصحابه أي الخلق أعجب إيمانا قالوا الملائكة فقال الملائكة عند ربهم فما لهم لا يؤمنون قالوا فالنبيون قال النبيون يوحى إليهم فما لهم لا يؤمنون قالوا فنحن يا نبي الله قال أنا فيكم فما لكم لا تؤمنون إنما هم قوم يكونون بعدكم يجدون كتابا في ورق فيؤمنون به فهو معنى قوله « و اتبعوا النور الذي أنزل معه » « أولئك هم المفلحون » أي الظافرون بالمراد الناجون من العقاب الفائزون بالثواب .

مجمع البيان ج : 4 ص : 751
قُلْ يَأَيُّهَا النَّاس إِنى رَسولُ اللَّهِ إِلَيْكمْ جَمِيعاً الَّذِى لَهُ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْىِ وَ يُمِيت فَئَامِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسولِهِ النَّبىِّ الأُمِّىِّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ كلِمَتِهِ وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكمْ تَهْتَدُونَ(158)

الإعراب

جميعا نصب على الحال من ضمير المخاطب الذي عمل حرف الإضافة فيه و العامل في الحال معنى الفعل في رسول الله إلا أنه لا يجوز أن يتقدم على حرف الإضافة لأنه قد صار بمنزلة العامل .

المعنى

ثم أمر الله سبحانه نبينا أن يخاطب جميع الخلق من العرب و العجم فقال « قل يا أيها الناس إني رسول الله » أرسلني « إليكم جميعا » أدعوكم إلى توحيده و طاعته و اتباعي فيما أؤديه إليكم و إنما ذكر جميعا للتأكيد و ليعلم أنه مبعوث إلى الكافة « الذي له ملك السماوات و الأرض » معناه الذي له التصرف في السماوات و الأرض من غير دافع و منازع « لا إله » أي لا معبود « إلا هو » و لا شريك له في الإلهية « يحيي » الأموات « و يميت » الأحياء لا يقدر أحد على الإحياء و الإماتة سواه لأنه لو قدر أحد على الإماتة لقدر على الإحياء فإن من شأن القادر على الشيء أن يكون قادرا على ضده « ف آمنوا بالله و رسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله » يعني لم يأمركم بالإيمان حتى آمن هو أولا و عليه زيادة التكليف من أداء الرسالة و بيان الشرائع و القيام بالدعوة « و كلماته » أي يؤمن بكلماته من الكتب المتقدمة و الوحي و القرآن « و اتبعوه لعلكم تهتدون » أي لكي تهتدوا إلى الثواب و الجنة .

مجمع البيان ج : 4 ص : 752
وَ مِن قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يهْدُونَ بِالحَْقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ(159) وَ قَطعْنَهُمُ اثْنَتىْ عَشرَةَ أَسبَاطاً أُمَماً وَ أَوْحَيْنَا إِلى مُوسى إِذِ استَسقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضرِب بِّعَصاك الحَْجَرَ فَانبَجَست مِنْهُ اثْنَتَا عَشرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كلُّ أُنَاس مَّشرَبَهُمْ وَ ظلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَمَ وَ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَ السلْوَى كلُوا مِن طيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكمْ وَ مَا ظلَمُونَا وَ لَكِن كانُوا أَنفُسهُمْ يَظلِمُونَ(160)

اللغة

قال الأزهري السبط الفرقة لا يثنى و لا يجمع و لا يؤنث و قد جمع فقيل أسباط و اشتقاقها من سبط و هو شجر و الواحدة سبطة و رجل سبط الشعر و امرأة سبطة و قد سبط شعره سبوطة و هو الذي لا جعودة فيه و رجل سبط الأصابع طويلها و سبط الكف سمحها و مطر سبط و سبط متدارك و سباطته سعته و السبط في كلام العرب خاصة الأولاد قال الزجاج قال بعضهم السبط القرن الذي يجيء بعد قرن و الصحيح أن الأسباط في ولد إسحاق بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل فولد كل ولد من أولاد يعقوب سبط و ولد كل ولد من أولاد إسماعيل قبيلة و إنما سموا هؤلاء بالقبائل و هؤلاء بالأسباط ليفصل بين ولد إسماعيل و ولد إسحاق (عليه السلام) و معنى القبيلة الجماعة و يقال للشجرة لها قبائل و كذلك الأسباط من السبط كأنه جعل إسحاق بمنزلة شجرة و جعل إسماعيل بمنزلة شجرة و كذلك يفعل النسابون في النسب يجعلون الوالد بمنزلة شجرة و أولاده بمنزلة أغصانها و يقال طوبى لفرع فلان و فلان من شجرة صالحة فهذا معنى الأسباط و السبط .

الإعراب

« اثنتي عشرة أسباطا » يعني اثنتي عشرة فرقة فحذف المميز و لذلك أنث و أسباطا بدل من اثنتي عشرة تقديره و فرقناهم أسباطا و جعلناهم أسباطا و يجوز كسر الشين في عشرة و هو قراءة الأعمش و يحيى بن وثاب و أمما نعت الأسباط .

المعنى

ثم عاد الكلام إلى قصة بني إسرائيل فقال سبحانه « و من قوم موسى أمة يهدون بالحق » أي جماعة يدعون إلى الحق و يرشدون إليه « و به يعدلون » أي و بالحق يحكمون و يعدلون في حكمهم و اختلف في هذه الأمة من هم على أقوال ( أحدها ) أنهم قوم من وراء الصين و بينهم و بين الصين واد جار من الرمل لم يغيروا و لم يبدلوا عن ابن عباس و السدي و الربيع و الضحاك و عطاء و هو المروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قالوا و ليس لأحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل و يضحون بالنهار و يزرعون لا يصل إليهم منا أحد و لا منهم إلينا و هم على الحق قال ابن جريج بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم و كفروا
مجمع البيان ج : 4 ص : 753
و كانوا اثنتي عشرة سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا و اعتذروا و سألوا الله أن يفرق بينهم و بينهم ففتح الله لهم نفقا من الأرض فساروا فيه سنة و نصف سنة حتى خرجوا من وراء الصين فهم هناك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا و قيل إن جبرائيل انطلق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليلة المعراج إليهم فقرأ عليهم من القرآن عشر سور نزلت بمكة ف آمنوا به و صدقوه و أمرهم أن يقيموا مكانهم و يتركوا السبت و أمرهم بالصلاة و الزكاة و لم يكن نزلت فريضة غيرهما ففعلوا قال ابن عباس و ذلك قوله و قلنا من بعده لبني إسرائيل أسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا يعني عيسى بن مريم يخرجون معه و روى أصحابنا أنهم يخرجون مع قائم آل محمد و روي أن ذا القرنين رآهم و قال لو أمرت بالمقام لسرني أن أقيم بين أظهركم ( و ثانيها ) أنهم قوم من بني إسرائيل تمسكوا بالحق و بشريعة موسى (عليه السلام) في وقت ضلالة القوم و قتلهم أنبياءهم و كان ذلك قبل نسخ شريعتهم بشريعة عيسى (عليه السلام) فيكون تقدير الآية و من قوم موسى أمة كانوا يهدون بالحق عن أبي علي الجبائي و أنكر القول الأول و قال لو كانوا باقين لكانوا كافرين بجحد نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ليس هذا بشيء لأنه لا يمتنع أن يكون قوم لم يبلغهم دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلا يحكم بكفرهم و يمكن أن يكون بلغهم خبر النبوة و آمنوا ( و ثالثها ) أنهم الذين آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مثل عبد الله بن سلاء و ابن صوريا و غيرهما و في حديث أبي حمزة الثمالي و الحكم بن ظهير أن موسى (عليه السلام) لما أخذ الألواح قال رب إني لأجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني لأجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق السابقون في دخول الجنة فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني لأجد في الألواح أمة كتبهم في صدورهم يقرءونها فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني لأجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول و بالكتاب الآخر و يقاتلون الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة و إن عملها كتبت له عشرة أمثالها و إن هم بسيئة و لم يعملها لم يكتب عليه و إن عملها كتبت عليه سيئة واحدة فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة هم الشافعون و هم المشفوع لهم فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال موسى رب اجعلني من أمة أحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال أبو حمزة فأعطي موسى آيتين لم يعطوها يعني أمة أحمد قال الله يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي
مجمع البيان ج : 4 ص : 754
و بكلامي و قال « و من قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون » قال فرضي موسى (عليه السلام) كل الرضا و في حديث غير أبي حمزة قال إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما قرأ « و ممن خلقنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون » هذه لكم و قد أعطى الله قوم موسى مثلها « و قطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما » أي و فرقنا بني إسرائيل اثنتي عشرة فرقة أسباطا يعني أولاد يعقوب (عليه السلام) فإنهم كانوا اثني عشر و كان لكل واحد منهم أولاد و نسل فصار كل فرقة منهم سبطا و أمة و إنما جعلهم سبحانه أمما ليتميزوا في مشربهم و مطعمهم و يرجع كل أمة منهم إلى رئيسهم فيخف الأمر على موسى (عليه السلام) و لا يقع بينهم اختلاف و تباغض « و أوحينا إلى موسى إذ استسقيه قومه » أي طلبوا منه السقيا « أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست » الانبجاس خروج الماء الجاري بقلة و الانفجار خروجه بكثرة و كان يبتدىء الماء من الحجر بقلة ثم يتسع حتى يصير إلى الكثرة فلذلك ذكر هاهنا الانبجاس و في سورة البقرة الانفجار و الآية إلى آخرها مفسرة هناك فلا معنى لإعادته .
وَ إِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَ كلُوا مِنْهَا حَيْث شِئْتُمْ وَ قُولُوا حِطةٌ وَ ادْخُلُوا الْبَاب سجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئََتِكمْ سنزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظلَمُوا مِنهُمْ قَوْلاً غَيرَ الَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السمَاءِ بِمَا كانُوا يَظلِمُونَ(162)

القراءة

قرأ أهل المدينة و ابن عامر و يعقوب و سهل تغفر بالتاء و ضمها و فتح الفاء و الباقون « نغفر » بالنون و كسر الفاء و قرأ أهل المدينة و يعقوب و سهل خطيئاتكم على جمع السلامة و رفع التاء و قرأ ابن عامر خطيئتكم بالتوحيد و رفع التاء و قرأ أبو عمرو خطاياكم بغير همز و على جمع التكسير و الباقون « خطيئاتكم » على جمع السلامة و كسر التاء .

الحجة

من قرأ « نغفر » بالنون فهو على و إذ قيل لهم ادخلوا نغفر لكم أي إن دخلتم غفرنا و التي في البقرة نغفر و النون هناك أحسن لقوله و إذ قلنا و أما قراءة من قرأ تغفر بالتاء مضمومة فلأنه قد استند إليها خطيئاتكم و هو مؤنث فأنث و بني الفعل للمفعول و هو أشبه بقوله « و إذ قيل لهم » و قد مضى تفسير مثل هاتين الآيتين في سورة البقرة فلا وجه لإعادته .

مجمع البيان ج : 4 ص : 755
وَ سئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتى كانَت حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فى السبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سبْتِهِمْ شرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كذَلِك نَبْلُوهُم بِمَا كانُوا يَفْسقُونَ(163) وَ إِذْ قَالَت أُمَّةٌ مِّنهُمْ لِمَ تَعِظونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبهُمْ عَذَاباً شدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(164)

القراءة

قرأ حفص « معذرة » بالنصب و الباقون بالرفع و روي في الشواذ عن شهر ابن حوشب و أبي نهيك يعدون عن الحسن يسبتون بضم الياء .

الحجة

من قرأ معذرة بالرفع فتقديره موعظتنا معذرة فيكون خبر مبتدإ محذوف و من قرأ بالنصب فعلى معنى نعتذر معذرة و قال سيبويه لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله و إليك من كذا و كذا لنصب إلى معنى نعتذر و من قرأ يعدون أراد يعتدون فأسكن التاء ليدغمها في الدال و نقل فتحها إلى العين فصار يعدون و من قرأ يسبتون فمعناه يدخلون في السبت كما يقال أشهرنا دخلنا في الشهر و أجمعنا دخلنا في الجمعة و من فتح الياء أراد يفعلون السبت و يقيمون عمل يوم السبت فالسبت على هذا فعلهم يقول سبت يسبت سبتا إذا عظم يوم السبت .

اللغة

حيتان جمع حوت و أكثر ما يسمي العرب السمك الحيتان و النينان و عدا فلان يعدو عدوانا و عداء و عدوا و عدوا ظلم و أصله مجاوزة الحد و الشرع أصله الظهور و منه الشرعة و الشريعة و هو الظاهر المستقيم من المذاهب و منه المشرعة و الشريعة لكونهما في مكان ظاهر من النهر و منه شراع السفينة لظهورها و المعذرة و العذرى و العذرة واحد مصدر عذرته أعذره و المعذر الذي له عذر صحيح و المعذر بالتشديد الذي لا عذر له و هو يريك أنه معذور و هو المقصر و المعتذر يقال لمن له عذر و لمن لا عذر له و قولهم من يعذرني معناه من يقوم بعذري .

الإعراب

« إذ يعدون » موضع إذ نصب على معنى سلهم عن عدوهم أي عن وقت ذلك « إذ تأتيهم » في موضع نصب أيضا يعدون المعنى سلهم إذ عدوا في وقت الإتيان شرعا
مجمع البيان ج : 4 ص : 756
نصب على الحال من الحيتان و موضع الكاف من « كذلك نبلوهم » نصب بنبلوهم و يحتمل أن يكون على « و يوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك » أي لا تأتيهم شرعا فيكون الكاف في موضع نصب على الحال من تأتيهم و يكون نبلوهم مستأنفا و القول الأول أجود و « لم تعظون » أصله لما و لكن هذه الألف تحذف مع حرف الجر يقول مم و فيم و علام و عم .

المعنى

ثم ابتدأ سبحانه بخبر آخر من أخبار بني إسرائيل فقال مخاطبا لنبيه « و سألهم » أي استخبرهم يا محمد و هو سؤال توبيخ و تقريع لا سؤال استفهام « عن القرية التي كانت حاضرة البحر » أي مجاورة البحر و قريبة من البحر على شاطىء البحر و هي إيلة عن ابن عباس و قيل هي مدين عنه أيضا و قيل طبرية عن الزهري « إذ يعدون في السبت » أي يظلمون فيه بصيد السمك و يتجاوزون الحد في أمر السبت « إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا » أي ظاهرة على وجه الماء عن ابن عباس و قيل متتابعة عن الضحاك و قيل رافعة رءوسها قال الحسن كانت تشرع إلى أبوابها مثل الكباش البيض لأنها كانت آمنة يومئذ « و يوم لا يسبتون لا تأتيهم » أي و يوم لا يكون السبت كانت تغوص في الماء و اختلف في أنهم كيف اصطادوا فقيل إنهم ألقوا الشبكة في الماء يوم السبت حتى كان يقع فيها السمك ثم كانوا لا يخرجون الشبكة من الماء إلى يوم الأحد و هذا تسبب محظورة و في رواية عكرمة عن ابن عباس اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها و لا يمكنها الخروج منها فيأخذونها يوم الأحد و قيل إنهم اصطادوها و تناولوها باليد في يوم السبت عن الحسن « كذلك نبلوهم » أي مثل ذلك الاختبار الشديد نختبرهم « بما كانوا يفسقون » أي بفسقهم و عصيانهم و على المعنى الآخر لا تأتيهم الحيتان مثل ذلك الإتيان الذي كان منها يوم السبت ثم استأنف فقال نبلوهم « و إذ قالت أمة » أي جماعة « منهم » أي من بني إسرائيل الذين لم يصطادوا و كانوا ثلاثة فرق فرقة قانصة و فرقة ساكتة واعظة فقال الساكتون للواعظين و الناهين « لم تعظون قوما الله مهلكهم » أي يهلكهم الله و لم يقولوا ذلك كراهية لوعظهم و لكن لأياسهم عن أن يقبل أولئك القوم الوعظ فإن الأمر بالمعروف إنما يجب عند عدم الإياس من القبول عن الجبائي و معناه ما ينفع الوعظ ممن لا يقبل و الله مهلكهم في الدنيا بمعصيتهم « أو معذبهم عذابا شديدا » في الآخرة « قالوا » أي قال الواعظون في جوابهم « معذرة إلى ربكم » معناه موعظتنا إياهم معذرة إلى الله و تأدية لفرضه في النهي عن المنكر لئلا يقول لنا
مجمع البيان ج : 4 ص : 757
لم لم تعظوهم « و لعلهم » بالوعظ « يتقون » و يرجعون .
فَلَمَّا نَسوا مَا ذُكرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنهَوْنَ عَنِ السوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظلَمُوا بِعَذَابِ بَئِيسِ بِمَا كانُوا يَفْسقُونَ(165) فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نهُوا عَنْهُ قُلْنَا لهَُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَسِئِينَ(166)

القراءة

قرأ أهل المدينة بعذاب بيس بكسر الباء غير مهموز على وزن فعل و قرأ ابن عامر بئس مهموز على وزن فعل أيضا و قرأ أبو بكر غير حماد بيئس على وزن فيعل و الباقون « بئيس » على وزن فعيل و روي في الشواذ عن ابن عباس بيئس على وزن فيعل و عن زيد بن ثابت بئس على وزن فعل و عن يحيى و السلمي بخلاف بئس و عن طلحة بن مصرف بيس و روي أيضا عن نافع و روي عن مجاهد بائس على وزن فاعل و عن الحسن بئس بكسر الباء و فتح السين .

الحجة

قال أبو علي من قرأ « بئيس » فإنه يحتمل أمرين أن يكون فعيلا من بؤس يبؤس إذا كان شديد البأس فيكون مثل بعذاب شديد و أن يكون مصدرا على فعيل نحو النذير و النكير و قولهم :
عذير الحي من عدوان كانوا جبة الأرض فوصف بالمصدور و التقدير بعذاب ذي بئيس أي ذي بؤس و من قرأ بعذاب بئس فإنه جعل بئس الذي هو فعل اسما فوصف به و مثل ذلك قوله إن الله ينهى عن قيل و قال و مثله مذ شب إلى دب و مذ شب إلى دب فلما استعملت هذه الألفاظ أسماءا و أفعالا فكذلك بئس جعله اسما بعد أن كان فعلا فصار وصفا و من قرأ بيئس فإنه يكون وصفا مثل ضيغم و حيدر و قال و لا يجوز كسر العين منه لأن فيعل بناء اختص به ما كان عينه ياء أو واوا مثل طيب و سيد و لم يجيء مثل ضيغم و قد جاء في المعتل فيعل أنشد سيبويه :
ما بال عينك كالشعيب العين فينبغي أن يحمل بيئس ممن رواه على الوهم قال ابن جني و إنما جاء في الهمز لمشابهتها حرفي العلة و أما
مجمع البيان ج : 4 ص : 758
بئس على فعل فإنه جاء على بئس الرجل بأسة إذا شجع فكأنه عذاب مقدم عليهم غير متأخر عنهم و يجوز أن يكون مقصورا من بئيس فيكون مثل أنق من أنيق و أما بيس في وزن جيش فكأنه أراد بئس فخفف الهمزة فصارت بين بين فلما قاربت الياء أسكنها طلبا للخفة فصارت في اللفظ ياء و نحو من ذلك قول ابن ميادة :
و كان يوميذ لها حكمها أراد يومئذ فخفف و أما بائس فاسم الفاعل من بئس و أنكر أبو حاتم قراءة الحسن بئس و قال لو كان كذا لما كان بد معها من ماء بئس ما ، كنعم ما .

اللغة

قال أبو زيد يقال بؤس الرجل يبؤس بأسا إذا كان شديد البأس و في البؤس و هو الفقر بئس الرجل يبأس بؤسا و بأسا و البأساء الاسم و العتو الخروج إلى أفحش الذنوب و العاتي المبالغ في المعاصي و الليل العاتي الشديد الظلمة و الخاسىء المطرود المبعد عن الخير من خسأت الكلب إذا أقصيته فخسأ أي بعد .

المعنى

« فلما نسوا ما ذكروا به » أي فلما ترك أهل هذه القرية ما ذكرهم الواعظون به و لم ينتهوا عن ارتكاب المعصية بصيد السمك « أنجينا الذين ينهون عن السوء » أي خلصنا الذين ينهون عن المعصية « و أخذنا الذين ظلموا » أنفسهم « بعذاب بئيس » أي شديد « بما كانوا يفسقون » أي بفسقهم و ذلك العذاب لحقهم قبل أن مسخوا قردة عن الجبائي و لم يذكر حال الفرقة الثالثة هل كانت من الناجية أم من الهالكة و روي عن ابن عباس فيهم ثلاثة أقوال ( أحدها ) أنه نجت الفرقتان و هلكت الثالثة و به قال السدي ( و الثاني ) أنه هلكت الفرقتان و نجت الفرقة الناهية و به قال ابن زيد و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( و الثالث ) التوقيف فيه روي عن عكرمة قال دخلت على ابن عباس و بين يديه المصحف و هو يبكي و يقرأ هذه الآية ثم قال قد علمت أن الله تعالى أهلك الذين أخذوا الحيتان و أنجى الذين نهوهم و لا أدري ما صنع بالذين لم ينهوهم و لم يواقعوا المعصية و هذه حالنا و اختاره الجبائي و قال الحسن إنه نجا الفرقة الثالثة لأنه ليس شيء أبلغ في الأمر بالمعروف و الوعظ من ذكر الوعيد و هم قد ذكروا الوعيد فقالوا الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا و قال قتل المؤمن أعظم و الله من أكل الحيتان « فلما عتوا عن ما نهوا عنه » أي عن ترك ما نهوا عنه يعني لم يتركوا ما نهوا عنه و تمردوا في الفساد و الجرأة على المعصية و أبوا أن
مجمع البيان ج : 4 ص : 759
يرجعوا عنها « قلنا لهم كونوا قردة » أي جعلناهم قردة « خاسئين » مبعدين مطرودين و إنما ذكر كن ليدل على أنه سبحانه لا يمتنع عليه شيء و أجاز الزجاج أن يكون قيل لهم ذلك بكلام سمعوه فيكون ذلك أبلغ في الآية النازلة بهم و حكي ذلك عن أبي الهذيل قال قتادة صاروا قردة لها أذناب تعاوى بعد أن كانوا رجالا و نساء و قيل أنهم بقوا ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس ثم هلكوا و لم يتناسلوا عن ابن عباس قال و لم يمكث مسخ فوق ثلاثة أيام و قيل عاشوا سبعة أيام ثم ماتوا عن مقاتل و قيل أنهم توالدوا عن الحسن و ليس بالوجه لأن من المعلوم أن القردة ليست من أولاد آدم كما أن الكلاب ليست منهم و وردت الرواية عن ابن مسعود قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الله تعالى لم يمسخ شيئا فجعل له نسلا و عقبا .

[ القصة ]

قيل كانت هذه القصة في زمن داود (عليه السلام) و عن ابن عباس قال أمروا باليوم الذي أمرتم به يوم الجمعة فتركوه و اختاروا يوم السبت فابتلوا به و حرم عليهم فيه الصيد و أمروا بتعظيمه فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا حتى لا يرى الماء من كثرتها فمكثوا كذلك ما شاء الله لا يصيدون ثم أتاهم الشيطان و قال إنما نهيتهم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا الحياض و الشبكات فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت ثم يأخذونها يوم الأحد و عن ابن زيد قال أخذ رجل منهم حوتا و ربط في ذنبه خيطا و شدة إلى الساحل ثم أخذه يوم الأحد و شواه فلاموه على ذلك فلما لم يأته العذاب أخذوا ذلك و أكلوه و باعوه و كانوا نحوا من اثني عشر ألفا فصار الناس ثلاث فرق على ما تقدم ذكره فاعتزلتهم الفرقة الناهية و لم تساكنهم فأصبحوا يوما و لم يخرج من العاصية أحد فنظروا فإذا هم قردة ففتحوا الباب و دخلوا فكانت القردة تعرفهم و هم لا يعرفونها فجعلت تبكي فإذا قالوا لهم أ لم ننهكم قالت برءوسها أن نعم قال قتادة صارت الشبان قردة و الشيوخ خنازير .

مجمع البيان ج : 4 ص : 760
وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّك لَيَبْعَثنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيَمَةِ مَن يَسومُهُمْ سوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّك لَسرِيعُ الْعِقَابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(167) وَ قَطعْنَهُمْ فى الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصلِحُونَ وَ مِنهُمْ دُونَ ذَلِك وَ بَلَوْنَهُم بِالحَْسنَتِ وَ السيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(168)

الإعراب

« و منهم دون ذلك » دون في موضع الرفع بالابتداء و لكنه جاء منصوبا لتمكنه في الظرفية و مثله على قول أبي الحسن لقد تقطع بينكم هو في موضع الرفع فجاء منصوبا لهذا المعنى و كذلك في قوله يوم القيامة يفصل بينكم بين في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل و إن شئت كان التقدير و منهم جماعة دون ذلك فحذف الموصوف و قامت صفته مقامه .

المعنى

ثم خاطب سبحانه النبي فقال « و إذ تأذن ربك » معناه و اذكر يا محمد إذ أذن و أعلم ربك فإن تأذن و أذن بمعنى و قيل معناه تألى ربك أي أقسم القسم الذي يسمع بالأذن و قيل معناه قال ربك عن ابن عباس « ليبعثن عليهم » أي على اليهود « إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب » أي من يذيقهم و يوليهم شدة العذاب بالقتل و أخذ الجزية منهم و المعني به أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عند جميع المفسرين و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و هذا يدل على أن اليهود لا تكون لهم دولة إلى يوم القيامة و لا عز و أما معنى البعث هاهنا فهو الأمر و الإطلاق و المعونة و قيل معناه التخلية و إن وقع على وجه المعصية كقوله سبحانه « أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا » « إن ربك لسريع العقاب » لمن يستوجبه على الكفر و المعصية « و إنه لغفور رحيم » ظاهر المعنى و إنما قال سريع العقاب و إن كان العقاب مؤخرا إلى يوم القيامة لأن كل آت فهو قريب و قيل معناه سريع العقاب لمن شاء أن يعاقبه في الدنيا « و قطعناهم في الأرض أمما » معناه و فرقناهم في البلاد فرقا مختلفة و جماعات شتى يعني اليهود عن ابن عباس و مجاهد و إنما فرقهم بأن فرق دواعيهم حتى افترقوا في البلاد و تفرقهم ذل لهم بمنزلة أخذ الجزية لأنهم لا يتعاونون و لا يتناصرون و قيل إنه فرقهم لما علم سبحانه من الصلاح لهم في دينهم فصلح فريق و عصى فريق ثم أخبر سبحانه عنهم فقال « منهم الصالحون » أي من هؤلاء الصالحون يعني من بني إسرائيل و هم الذين يؤمنون بالله و رسله و يطيعونه « و منهم دون ذلك » أي دون الصالح في الدرجة و المنزلة و هم الذين امتثلوا بعض الأوامر دون بعض و عملوا بعض المعاصي و إنما وصفهم بما كانوا عليه قبل ارتدادهم و كفرهم و ذلك قبل أن يبعث فيهم عيسى (عليه السلام) و قيل معناه منهم المؤمنون بمحمد و عيسى (عليه السلام) و منهم الكافرون عن عطاء و مجاهد « و بلوناهم بالحسنات و السيئات » معناه اختبرناهم بالرخاء في العيش و الخفض في الدنيا و الدعة و السعة في الرزق بالشدائد في العيش و المصائب في الأنفس و الأموال فكأنه قال بلوناهم بالنعم و النقم و الرخاء و الشدة فإن
مجمع البيان ج : 4 ص : 761
فعل النعم يقتضي الرغبة إلى الله تعالى في ارتباطها و فعل النقم يقتضي الرغبة إلى الله تعالى في كشفها « لعلهم يرجعون » أي لكي يرجعوا إلى الله تعالى و ينيبوا إلى طاعته و امتثال أمره و متى قيل كيف يصح الرجوع إلى أمر لم يكونوا عليه قط فالقول فيه أن الذاهب عن الشيء قد يقال له ارجع إليه أصر أي صر إليه كما أن من رأى غيره سالكا في المهالك قد يقول له ارجع إلى الطريق المستقيم يريد به إخراجه عن المهالك و قيل إن معناه لعلهم يرجعون إلى ما عليه أصل الفطرة .
فَخَلَف مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَب يَأْخُذُونَ عَرَض هَذَا الأَدْنى وَ يَقُولُونَ سيُغْفَرُ لَنَا وَ إِن يَأْتهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيهِم مِّيثَقُ الْكِتَبِ أَن لا يَقُولُوا عَلى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَ دَرَسوا مَا فِيهِ وَ الدَّارُ الاَخِرَةُ خَيرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ(169) وَ الَّذِينَ يُمَسكُونَ بِالْكِتَبِ وَ أَقَامُوا الصلَوةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ المُْصلِحِينَ(170)

القراءة

قرأ أبو بكر يمسكون بتسكين الميم و الباقون بفتحها و تشديد السين و هما بمعنى واحد و في الشواذ قراءة السلمي و ادارسوا ما فيه أراد تدارسوا فأدغم .

اللغة

قال الزجاج يقال للقرن الذي يجيء في إثر قرن خلف و الخلف ما أخلف عليك بدلا مما ذهب منك قال الفراء يقال هو خلف صدق و خلف سوء قال لبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
و بقيت في خلف كجلد الأجرب قال علي بن عيسى و قد يوضع أحدهما مكان الآخر قال حسان :
لنا القدم الأولى إليك و خلفنا
لأولنا في طاعة الله تابع
مجمع البيان ج : 4 ص : 762
و الأغلب في الفتح أن يستعمل في المدح .
و العرض ما يعرض و يقل لبثه و منه سمي العرض القائم بالجسم عرضا لأنه يعرض في الوجود و لا يجب له من اللبث ما يجب للأجسام و الدرس تكرير الشيء و يقال درس الكتاب إذا كرر قراءته و درس المنزل إذا تكرر عليه مرور الأمطار و الرياح حتى انمحى أثره و أمسك و مسك و تمسك و استمسك بالشيء بمعنى واحد أي اعتصم به .

الإعراب

« يأخذون عرض هذا الأدنى » في موضع النصب على الحال من الضمير في ورثوا و قوله « ورثوا الكتاب » صفة لخلف « و درسوا ما فيه » عطف على ورثوا و قوله « أ لم يؤخذ عليهم » إلى قوله « إلا الحق » اعتراض بين ورثوا و درسوا و لا يجوز الوقف من أول الآية إلا على قوله « ما فيه » و خبر « الذين يمسكون » قوله « إنا لا نضيع أجر المصلحين » منهم فحذف منهم لدلالة الكلام عليه كما في قوله السمن منوان بدرهم و يحتمل أن يكون التقدير لا نضيع أجرهم لأن المصلحين هم الذين يمسكون بالكتاب في المعنى و يجوز أن يكون الخبر محذوفا و تقديره نعطيهم أجرهم لأنا لا نضيع أجر المصلحين فاستغنى بذكر العلة عن ذكر المعلول .

المعنى

ثم ذكر سبحانه الأخلاف بعد ذكر الأسلاف فقال « فخلف من بعدهم خلف » معناه فذهب أولئك و قام مقامهم قوم آخرون « ورثوا الكتاب » يعني التوراة فإن الميراث ما صار للباقي من جهة البادي « يأخذون عرض هذا الأدنى » معناه ما أشرف لهم من الدنيا أخذوه عن ابن عباس يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر و الفاجر و جميع متاع الدنيا عرض و قيل إنهم كانوا يرتشون و يحكمون بجور و قيل إنهم كانوا يرتشون و يحكمون بحق و كل ذلك عرض خسيس و أراد بقوله « هذا الأدنى » هذا العاجل و قيل أراد عرض هذا العالم الأدنى و هو الدار الفانية « و يقولون سيغفر لنا » و هذا إخبار عن حرصهم على الدنيا و إصرارهم على الذنوب إذا أشرف لهم شيء من الدنيا أخذوه حلالا كان أو حراما و يتمنون على الله المغفرة « و إن يأتهم عرض مثله يأخذوه » أي و إن وجدوا من الغد مثله أخذوه و هذا دليل على إصرارهم و أنهم تمنوا المغفرة مع الإصرار و قيل معناه و إن جاءهم حرام من الرشوة و غيرها بعد ذلك أخذوه و استحلوه و لم يرتدعوا عنه عن ابن عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و قيل معناه لا يشبعهم شيء عن الحسن « أ لم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق » معناه أ لم يؤخذ على هؤلاء المرتشين في الأحكام القائلين سيغفر لنا إذا عوتبوا على ذلك الميثاق في التوراة أن لا يكذبوا على الله تعالى و لا يضيفوا إليه إلا ما أنزله على رسوله
مجمع البيان ج : 4 ص : 763
موسى (عليه السلام) في التوراة من الوعد و الوعيد و غير ذلك و ليس فيها ميعاد المغفرة مع الإصرار « و درسوا ما فيه » أي و قرءوا ما فيه فهم ذاكرون لذلك و قيل إنه معطوف على قوله « ورثوا الكتاب » و المعنى فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب و درسوا ما فيه فضيعوه و تركوا العمل به « و الدار الآخرة خير للذين يتقون » معناه ما أعده الله لأوليائه في الدار الآخرة من النعيم و الثواب للعاملين بطاعته خير للذين يجتنبون معاصي الله « أ فلا تعقلون » من قرأ بالياء فمعناه أ فلا يعقل هذه الطائفة و من قرأ بالتاء فمعناه قل لهم أ فلا تعقلون إن الأمر على ما أخبر الله به « و الذين يمسكون بالكتاب » أي يتمسكون به و الكتاب التوراة أي لا يحرفونه و لا يكتمونه عن مجاهد و ابن زيد و قيل الكتاب القرآن و المتمسك به أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن عطا « و أقاموا الصلاة » إنما خص الصلاة بالذكر لجلالة موقعها أو شدة تأكدها « إنا لا نضيع أجر المصلحين » أي لا نضيع جزاء عملهم و نثيبهم على ما يستحقونه .
* وَ إِذْ نَتَقْنَا الجَْبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظلَّةٌ وَ ظنُّوا أَنَّهُ وَاقِعُ بهِمْ خُذُوا مَا ءَاتَيْنَكُم بِقُوَّة وَ اذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكمْ تَتَّقُونَ(171)

اللغة

النتق قلع الشيء من الأصل و كل شيء قلعته ثم رميت به فقد نتقته و منه قيل للمرأة الكثيرة الأولاد ناتق لأنها ترمي بالأولاد رميا هذا قول أبي عبيدة و قيل أصل النتق الرفع و منه امرأة ناتق لرفعها الأولاد و نتقت المرأة فهي ناتق و منتاق إذا كثر ولدها و هو قول ابن الأعرابي و قيل أصله الجذب يقال نتقت الغرب من البئر جذبته عن أبي مسلم و الظلة كلما أظلك أي سترك من سقف أو سحابة أو جناح حائط .

المعنى

عاد الكلام إلى قوم موسى (عليه السلام) فقال سبحانه « و إذ نتقنا الجبل فوقهم » معناه و اذكر يا محمد إذ قلعنا الجبل من صلة فرفعناه فوق بني إسرائيل و كان عسكر موسى (عليه السلام) فرسخا في فرسخ فرفع الله الجبل فوق جميعهم « كأنه ظلة » أي غمامة و قيل سقيفة عن عطا « و ظنوا أنه واقع بهم » أي علموا و أيقنوا عن الحسن و قيل معناه على ظاهره من الظن أي قوي في نفوسهم ذلك عن الرماني و الجبائي « خذوا » أي و قلنا لهم خذوا « ما آتيناكم بقوة » أي خذوا ما ألزمناكم من أحكام كتابنا و فرائضه فاقبلوه بجد و اجتهاد منكم في
مجمع البيان ج : 4 ص : 764
كل أوان من غير تقصير و لا توان « و اذكروا ما فيه » من العهود و المواثيق التي أخذناها عليكم بالعمل بما فيه « لعلكم تتقون » أي لكي تتقوا ربكم و تخافوا عقابه و قد مضى تفسير هذه الآية في سورة البقرة مشروحا .
وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّك مِن بَنى ءَادَمَ مِن ظهُورِهِمْ ذُرِّيَّتهُمْ وَ أَشهَدَهُمْ عَلى أَنفُسِهِمْ أَ لَست بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى شهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَمَةِ إِنَّا كنَّا عَنْ هَذَا غَفِلِينَ(172) أَوْ تَقُولُوا إِنمَا أَشرَك ءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَ كنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَ فَتهْلِكُنَا بمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ(173) وَ كَذَلِك نُفَصلُ الاَيَتِ وَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(174)

القراءة

قرأ ابن كثير و أهل الكوفة « ذريتهم » على التوحيد و الباقون ذرياتهم على الجمع و قرأ أبو عمرو أن يقولوا أو يقولوا بالياء و الباقون بالتاء .

الحجة

قال أبو علي الذرية قد يكون جمعا و قد يكون واحدا فمما جاء فيه جمعا قوله « و كنا ذرية من بعدهم » و ذرية من حملنا مع نوح فمن أفرد جعله جمعا فاستغنى عن جمعه لوقوعه على الجمع و مما جاء فيه واحدا قوله رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ثم قال إن الله يبشرك بيحيى و هذا مثل قوله رب هب لي من لدنك وليا يرثني و يرث من آل يعقوب و أما قراءة أبي عمرو أن يقولوا بالياء فلأن الذي تقدم من الكلام على الغيبة و من قرأ بالتاء فلأنه جرى في الكلام خطاب أيضا فقال « أ لست بربكم » و كلا الوجهين حسن لأن الغيب هم المخاطبون في المعنى .

الإعراب

« من ظهورهم » بدل من قوله « من بني آدم » و المعنى أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم و قد ذكرنا الذرية و ما قيل في تقدير وزنها و اشتقاقها فيما تقدم و قوله « أن تقولوا » تقديره كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا و قد مضى الكلام في أمثاله .

مجمع البيان ج : 4 ص : 765

المعنى

ثم ذكر سبحانه ما أخذ على الخلق من المواثيق بعقولهم عقيب ما ذكره من المواثيق التي في الكتب جمعا بين دلائل السمع و العقل و إبلاغا في إقامة الحجة فقال « و إذ أخذ ربك » أي و اذكر لهم يا محمد إذ أخرج ربك « من بني آدم من ظهورهم » أي من ظهور بني آدم « ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم أ لست بربكم قالوا بلى » اختلف العلماء من العام و الخاص في معنى هذه الآية و في هذا الإخراج و الإشهاد على وجوه ( أحدها ) أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه كهيئة الذر فعرضهم على آدم و قال إني آخذ على ذريتك ميثاقهم أن يعبدوني و لا يشركوا بي شيئا و علي أرزاقهم ثم قال لهم أ لست بربكم قالوا بلى شهدنا أنك ربنا فقال للملائكة اشهدوا فقالوا شهدنا و قيل إن الله تعالى جعلهم فهماء عقلاء يسمعون خطابه و يفهمونه ثم ردهم إلى صلب آدم و الناس محبوسون بأجمعهم حتى يخرج كل من أخرجه الله في ذلك الوقت و كل من ثبت على الإسلام فهو على الفطرة الأولى و من كفر و جحد فقد تغير عن الفطرة الأولى عن جماعة من المفسرين و رووا في ذلك آثارا بعضها مرفوعة و بعضها موقوفة يجعلونها تأويلا للآية و رد المحققون هذا التأويل و قالوا إنه مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه لأنه تعالى قال « و إذ أخذ ربك من بني آدم » و لم يقل من آدم و قال « من ظهورهم » و لم يقل من ظهره و قال « ذريتهم » و لم يقل ذريته ثم أخبر تعالى بأنه فعل ذلك لئلا يقولوا إنهم كانوا عن ذلك غافلين أو يعتذروا بشرك آبائهم و إنهم نشأوا على دينهم و هذا يقتضي أن يكون لهم آباء مشركون فلا يتناول الظاهر ولد آدم لصلبه و أيضا فإن هذه الذرية المستخرجة من صلب آدم لا يخلو إما أن جعلهم الله عقلاء أو لم يجعلهم كذلك فإن لم يجعلهم عقلاء فلا يصح أن يعرفوا التوحيد و أن يفهموا خطاب الله تعالى و إن جعلهم عقلاء و أخذ عليهم الميثاق فيجب أن يتذكروا ذلك و لا ينسوه لأن أخذ الميثاق لا يكون حجة على المأخوذ عليه إلا أن يكون ذاكرا له فيجب أن نذكر نحن الميثاق و لأنه لا يجوز أن ينسى الجمع الكثير و الجم الغفير من العقلاء شيئا كانوا عرفوه و ميزوه حتى لا يذكره واحد منهم و إن طال العهد أ لا ترى أن أهل الآخرة يعرفون كثيرا من أحوال الدنيا حتى يقول أهل الجنة لأهل النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا و لو جاز أن ينسوا ذلك مع هذا الكثرة لجاز أن يكون الله تعالى قد كلف الخلق فيما مضى ثم أعادهم إما ليثيبهم و إما ليعاقبهم و نسوا ذلك و ذلك يؤدي إلى التجاهل و إلى صحة مذهب التناسخية و حكي عن علي بن عيسى عن أبي بكر بن الإخشيد أنه جوز أن يكون خبر الذر صحيحا غير أنه قال ليس تأويل الآية على ذلك و يكون فائدته أنه إنما فعل ذلك ليجروا على الأعراق الكريمة في شكر النعمة و الإقرار لله تعالى
مجمع البيان ج : 4 ص : 766
بالربوبية كما روي أنهم ولدوا على الفطرة و حكى أبو الهذيل في كتاب الحجة أن الحسن البصري و أصحابه كانوا يذهبون إلى أن نعيم الأطفال في الجنة ثواب عن الإيمان في الذر ( و ثانيها ) أن المراد بالآية أن الله سبحانه أخرج بني آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام أمهاتهم ثم رقاهم درجة بعد درجة و علقة ثم مضغة ثم أنشأ كلا منهم بشرا سويا ثم حيا مكلفا و أراهم آثار صنعه و مكنهم من معرفة دلائله حتى كأنه أشهدهم و قال لهم أ لست بربكم فقالوا بلى هذا يكون معنى أشهدهم على أنفسهم دلهم بخلقه على توحيده و إنما أشهدهم على أنفسهم بذلك لما جعل في عقولهم من الأدلة الدالة على وحدانيته و ركب فيهم من عجائب خلقه و غرائب صنعته و في غيرهم فكأنه سبحانه بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم فكانوا في مشاهدة ذلك و ظهوره فيهم على الوجه الذي أراده الله و تعذر امتناعهم منه بمنزلة المعترف المقر و إن لم يكن هناك إشهاد صورة و حقيقة و نظير ذلك قوله تعالى فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين و إن لم يكن منه سبحانه قول و لا منهما جواب و مثله قوله تعالى شاهدين على أنفسهم بالكفر و معلوم أن الكفار لم يعترفوا بالكفر بألسنتهم لكنه لما ظهر منهم ظهورا لا يتمكنون من دفعه فكأنهم اعترفوا به و مثله في الشعر :
و قالت له العينان سمعا و طاعة
و حدرتا كالدر لما يثقب و كما يقول القائل جوارحي تشهد بنعمتك و كما روي عن بعض الخطباء من قوله سل الأرض من شق أنهارك و غرس أشجارك و أينع ثمارك فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا و مثله كثير في كلام العرب و أشعارهم و نظمهم و نثرهم و هو قول الرماني و أبي مسلم و ابن الإخشيد ( و ثالثها ) أنه تعالى إنما عنى بذلك جماعة من ذرية آدم خلقهم و أكمل عقولهم و قررهم على ألسن رسله (عليهم السلام) بمعرفته و بما يجب من طاعته فأقروا بذلك و أشهدهم على أنفسهم به لئلا يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل فقلدناهم في ذلك فنبه سبحانه على أنه لا يعاقب من له عذر رحمة منه لخلقه و كرما و هذا يكون في قوم خاص من بني آدم و لا يدخل جميعهم فيه لأن المؤمن لا يدخل فيه لأنه بين أن هؤلاء المأخوذ ميثاقهم كان لهم سلف في الشرك و لأن ولد آدم لصلبه لم يؤخذوا من ظهور بني آدم فقد خرجوا من ذلك و هذا اختيار الجبائي و القاضي و قوله « شهدنا » حكاية عن قول
مجمع البيان ج : 4 ص : 767
الملائكة أنهم يقولون ذلك أي شهدنا لئلا تقولوا ذكره الأزهري عن بعضهم و قال إن قوله « قالوا بلى » تمام الكلام و هذا خلاف الظاهر و ما عليه المفسرون لأن الكل قالوا شهدنا من قول من قال بلى و إن اختلفوا في كيفية الشهادة على أن الملائكة لم يجر لها ذكر في الآية فيبعد أن يكون إخبارا عنهم « أن تقولوا يوم القيامة » معناه لئلا يقولوا إذا صاروا إلى العذاب يوم القيامة « إنا كنا عن هذا غافلين » لم نتنبه عليه و لم تقم لنا حجة به و لم تكمل عقولنا فنفكر فيه « أو تقولوا » أي أو تقول قوم منهم « إنما أشرك آباؤنا من قبل » حين بلغوا و عقلوا « و كنا ذرية من بعدهم » أي أطفالا لا نعقل و لا نصلح للفكرة و النظر و التدبر و على التأويل الأخير فمعناه أني إنما قررتكم بهذا لتواظبوا على طاعتي و تشكروا نعمتي و لا تقولوا يوم القيامة إنا كنا غافلين عما أخذ الله من الميثاق على لسان الأنبياء و تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل فنشؤنا على شركهم احتجاجا بالتقليد و تعويلا عليه أي فقد قطعت حجتكم هذه بما قررتكم به من معرفتي و أشهدتكم على أنفسكم بإقراركم بمعرفتكم إياي « أ فتهلكنا بما فعل المبطلون » و معناه و لأن لا تقولوا أ فتهلكنا بما فعل آباؤنا من الشرك و تقديره إنا لا نهلككم بما فعلوه و إنما نهلككم بفعلكم أنتم « و كذلك نفصل الآيات » معناه إنا كما بينا لكم هذه الآيات كذلك نفصلها للعباد و نبينها لهم و تفضيل الآيات تمييزها ليتمكن من الاستدلال بكل واحدة منها « و لعلهم يرجعون » أي ليرجعوا إلى الحق من الباطل .

مجمع البيان ج : 4 ص : 768
وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءَاتَيْنَهُ ءَايَتِنَا فَانسلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشيْطنُ فَكانَ مِنَ الْغَاوِينَ(175) وَ لَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَهُ بهَا وَ لَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكلْبِ إِن تحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَترُكهُ يَلْهَث ذَّلِك مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا فَاقْصصِ الْقَصص لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا وَ أَنفُسهُمْ كانُوا يَظلِمُونَ(177) مَن يهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِى وَ مَن يُضلِلْ فَأُولَئك هُمُ الخَْسِرُونَ(178)

اللغة

النبأ الخبر عن الأمر العظيم و منه اشتقاق النبوة نبأه الله أي جعله نبيا و أخلد إلى كذا و خلد إليه سكن إليه و أخلد أكثر و أصله اللزوم على الدوام و رجل مخلد إذا أبطأ عنه الشيب و أخلد إلى الأرض لصق بها قال مالك بن نويرة :
بانباء حق من قبائل مالك
و عمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا اللهث أن يدلع الكلب لسانه من العطش و اللهاث حر العطش و في حديث سعيد بن جبير في المرأة اللهثى إنما تفطر في رمضان و قيل هو النفس الشديد من شدة الإعياء .

الإعراب

نصب مثلا لأنه تفسير الضمير في ساء التي هي بمعنى بئس فيكون فعلا ماضيا غير متصرف و تقديره ساء المثل مثلا و في الكلام حذف آخر و تقديره ساء المثل مثلا مثل القوم ثم حذف المثل الأول لدلالة المنصوب عليه و حذف الثاني لقيام المضاف إليه مقامه و لأن المعنى مفهوم .

المعنى

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يقرأ عليهم قصة أخرى من أخبار بني إسرائيل فقال « و اتل » أي و اقرأ « عليهم » يا محمد « نبأ الذي آتيناه » أي خبر الذي أعطيناه « آياتنا » أي حججنا و بيناتنا « فانسلخ منها » أي فخرج من العلم بها بالجهل كالشيء الذي ينسلخ من جلده « فأتبعه الشيطان » أي تبعه و تبع و أتبع و اتبع بمعنى و قيل معناه لحقه الشيطان و أدركه حتى أضله « فكان من الغاوين » أي من الهالكين و قيل من الخائبين عن الجبائي و اختلف في المعنى به فقيل هو بلعام بن باعور عن ابن عباس و ابن مسعود و كان رجلا على دين موسى (عليه السلام) و كان في المدينة التي قصدها موسى و كانوا كفارا و كان عنده اسم الله الأعظم و كان إذا دعا الله تعالى به أجابه و قيل هو بلعم بن باعورا من بني هاب بن لوط عن أبي حمزة الثمالي و مسروق قال أبو حمزة و بلغنا أيضا و الله أعلم أنه أمية بن أبي الصلت الثقفي الشاعر و روي ذلك عن عبد الله بن عمر و سعيد بن المسيب و زيد بن أسلم و أبي روق و كانت قصته أنه قرأ الكتب و علم أن الله سبحانه مرسل رسولا في ذلك الوقت و رجا أن يكون هو ذلك الرسول فلما أرسل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) حسده و مر على قتلي بدر فسأل عنهم فقيل قتلهم محمد فقال لو كان نبيا ما قتل أقرباءه و استنشد رسول الله أخته شعره بعد موته فأنشدته :
لك الحمد و النعماء و الفضل ربنا
و لا شيء أعلى منك جدا و أمجد

مجمع البيان ج : 4 ص : 769

مليك على عرش السماء مهيمن
لعزته تعنو الوجوه و تسجد و هي قصيدة طويلة حتى أتت على آخرها ثم أنشدته قصيدته التي فيها :
وقف الناس للحساب جميعا
فشقي معذب و سعيد و التي فيها :
عند ذي العرش تعرضون عليه
يعلم الجهر و السرار الخفيا
يوم يأتي الرحمن و هو رحيم
إنه كان وعده مأتيا
رب إن تعف فالمعافاة ظني
أو تعاقب فلم تعاقب بريا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) آمن شعره و كفر قلبه و أنزل الله فيه قوله « و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه » الآية و قيل إنه أبو عامر بن النعمان بن صيفي الراهب الذي سماه النبي الفاسق و كان قد ترهب في الجاهلية و لبس المسوخ فقدم المدينة فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما هذا الذي جئت به قال جئت بالحنيفية دين إبراهيم قال فأنا عليها فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لست عليها و لكنك أدخلت فيها ما ليس منها فقال أبو عامر أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا فخرج إلى أهل الشام و أرسل إلى المنافقين أن استعدوا السلاح ثم أتى قيصر و أتى بجند ليخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من المدينة فمات بالشام طريدا وحيدا عن سعيد بن المسيب و قيل المعني به منافقوا أهل الكتاب الذين كانوا يعرفون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما يعرفون أبناءهم و يكون معنى فانسلخ منها أعرض عن آيات الله و تركها فأتبعه الشيطان أي خذله الله و خلى بينه و بين الشيطان عن الحسن و ابن كيسان و قيل إنه مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله عن قتادة و قال أبو جعفر (عليه السلام) الأصل في ذلك بلعم ثم ضربه الله مثلا لكل مؤثر هواه على هدى الله من أهل القبلة و قيل أيضا في الآيات التي أوتيها أقوال أخر منها أن المراد بها المعجزات الدالة على صدق الأنبياء فلم يقبلها و عري عنها يعني فرعون عن أبي مسلم فكأنه قال اتل عليهم نبأ فرعون إذ آتيناه الحجج الدالة على صدق موسى فلم يقبلها و منها أن الآيات الإيمان و الهدى و الدين عن الحسن و منها أنها النبوة عن مجاهد و هذا لا يجوز لأن الأنبياء منزهون عن ذلك فإنهم حجج الله على خلقه « و لو شئنا لرفعناه بها » أي بتلك الآيات و الهاء في رفعناه يعود إلى الذي أتاه الله ب آياته فانسلخ منها معناه و لو شئنا لرفعنا منزلته بإيمانه و معرفته قبل أن يكفر و لكن بقيناه ليزداد الإيمان فكفر عن الجبائي و قيل معناه و لو شئنا لحلنا بينه و بين ما اختاره من المعصية و هذا إخبار عن كمال
مجمع البيان ج : 4 ص : 770
قدرته عن البلخي و الزجاج « و لكنه أخلد إلى الأرض » أي ركن إلى الدنيا و مال إليها عن سعيد بن جبير و السدي و معناه و لكنه مال إلى الدنيا بإيثار الراحة و الدعة في لذة « و اتبع هواه » أي و انقاد لهواه في الركون إلى الدنيا و اختيارها على الآخرة ثم ضرب له مثلا فقال « فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث » معناه فصفته كصفة الكلب أن طردته و شددت عليه يخرج لسانه من فمه و إن تركته و لم تطرده يخرج لسانه من فمه أيضا و تحمل عليه من الحملة لا من الحمل و المعنى أن واعظته فهو ضال و إن لم تعظه فهو ضال في كل حال كما أن كل شيء يلهث فإنما يلهث في حال الإعياء و الكلال إلا الكلب فإنه يلهث في كل حال و مثله قوله سبحانه سواء عليكم أ دعوتموهم أم أنتم صامتون و قيل إنما شبهه بالكلب في الخسة و قصور الهمة و سقوط المنزلة ثم وصف الكلب باللهث على عادة العرب في تشبيههم الشيء بالشيء ثم يأخذون في وصف المشبه به و إن لم يكن ذلك الوصف في المشبه و ذلك يكثر في كلامهم عن أبي مسلم و قيل شبهه بالكلب إذا أخرج لسانه لإيذائه الناس بلهاثه حملت عليه أو تركته يقال لمن آذى الناس بلسانه فلان أخرج لسانه من الفم مثل الكلب و لهثه في هذا الموضع صياحه و نباحه و قيل إن هذا مثل للذي يقرأ القرآن فلا يعمل به عن مجاهد « ذلك مثل القوم الذين كذبوا ب آياتنا » معناه ذلك صفة الذين يكذبون ب آيات الله قال ابن عباس يريد أهل مكة كانوا يتمنون هاديا يهديهم و يدعوهم إلى طاعة الله فلما جاءهم من لا يشكون في صدقه كذبوه فلم يهتدوا لما تركوا و لم يهتدوا لما دعوا بالرسول و الكتاب « فاقصص القصص » أي فاقصص عليهم أخبار الماضين « لعلهم يتفكرون » فيعتبرون و لا يفعلون مثل فعلهم حتى لا يحل بهم ما حل بهم ثم وصف الله تعالى بهذا المثل الذي ضربه و ذكره بأنه « ساء مثلا » أي بئس مثلا « القوم الذين كذبوا ب آياتنا » و معناه بئست الصفة المضروب فيها المثل أو قبح حال المضروب فيه لأن المثل حسن و حكمة و صواب و إنما القبيح صفتهم « و أنفسهم كانوا يظلمون » أي و إنما نقصوا بذلك أنفسهم و لم ينقصوا شيئا لأن عقاب ما يفعلونه من المعاصي يحل بهم و الله سبحانه لا يضره كفرهم و معصيتهم كما لا ينفعه إيمانهم و طاعتهم « من يهد الله فهو المهتدي » كتبت هاهنا بالياء ليس في القرآن غيره بالياء و أثبت الياء هاهنا في اللفظ جميع القراء و معناه من يهده الله إلى نيل الثواب كما يهدي المؤمن إلى ذلك و إلى دخول الجنة فهو المهتدي للإيمان و الخير عن الجبائي « و من يضلل » أي و من يضلله الله عن طريق الجنة و عن نيل الثواب عقوبة على كفره و فسقه « فأولئك هم الخاسرون » خسروا الجنة و نعيمها و خسروا أنفسهم و الانتفاع بها و قيل
مجمع البيان ج : 4 ص : 771
المهتدي هو الذي هداه الله فقبل الهداية و أجاب إليها و الذي أضله الله هو الذي اختار الضلالة فخلى الله بينه و بين ما اختاره و لم يمنعه منه بالجبر عن البلخي .
وَ لَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كثِيراً مِّنَ الجِْنِّ وَ الانسِ لهَُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بهَا وَ لهَُمْ أَعْينٌ لا يُبْصِرُونَ بهَا وَ لهَُمْ ءَاذَانٌ لا يَسمَعُونَ بهَا أُولَئك كالأَنْعَمِ بَلْ هُمْ أَضلُّ أُولَئك هُمُ الْغَفِلُونَ(179) وَ للَّهِ الأَسمَاءُ الحُْسنى فَادْعُوهُ بهَا وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فى أَسمَئهِ سيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(180) وَ مِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ(181)

القراءة

قرأ حمزة يلحدون بفتح الياء و الحاء حيث كان و وافقه الكسائي و خلف في النحل و الباقون « يلحدون » بضم الياء و كسر الحاء .

الحجة

قال أبو الحسن لحدوا لحد لغتان و ألحد في الكلام أكثر قال الشاعر :
ليس الإمام بالشحيح الملحد و في القرآن و من يرد فيه بإلحاد .

اللغة

الذرء و الإنشاء و الإحداث و الخلق نظائر قال علي بن عيسى الاسم كلمة تدل على المعنى دلالة الإشارة و الفعل كلمة تدل على المعنى دلالة الإفادة و الصفة كلمة مأخوذة للمذكور من أصل من الأصول لتجري عليه تابعة له و الإلحاد العدول عن الاستقامة و الانحراف عنها و منه اللحد الذي يحفر في جانب القبر خلاف الضريح الذي يحفر في وسطه و روي أبو عبيدة عن الأحمر لحدت جزت و ملت و ألحدت ماريت و جادلت أبو عبيدة لحدت للميت و ألحدت بمعنى واحد .

الإعراب

اللام في قوله « لجهنم » لام العاقبة كما في قوله فالتقطه آل فرعون ليكون
مجمع البيان ج : 4 ص : 772

لهم عدوا و إنما التقطوه ليكون لهم قرة عين كما قالت امرأة فرعون قرة عين لي و لك و مثله قول الشاعر :
و أم سماك فلا تجزعي
فللموت ما تلد الوالدة و قول الآخر :
و للموت تغذو الوالدات سخالها
كما لخراب الدهر تبنى المساكن و قول الآخر :
أموالنا لذوي الميراث نجمعها
و دورنا لخراب الدهر نبنيها و قول الآخر :
يا أم وجرة بعد الوجد و اعترفي
فكل والدة للموت ما تلد قال علي بن عيسى هي لام الإضافة تذكر مرة على معنى العلة و مرة على معنى شبه العلة .

المعنى

لما بين سبحانه أمر الكفار و ضرب لهم الأمثال عقبه ببيان حالهم في المصير و المال فقال « و لقد ذرأنا » أي خلقنا « لجهنم كثيرا من الجن و الإنس » يعني خلقناهم على أن عاقبتهم المصير إلى جهنم بكفرهم و إنكارهم و سوء اختيارهم و يدل على هذا المعنى قوله سبحانه و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون فأخبر أنه خلقهم للعبادة فلا يجوز أن يكون خلقهم للنار و قوله و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله و لقد صرفناه بينهم ليذكروا في نظائر لذلك لا تحصى و المراد في الآية كل من علم الله تعالى أنه لا يؤمن و يصير إلى النار « لهم قلوب لا يفقهون بها » الحق لأنهم لا يتدبرون أدلة الله تعالى و بيناته « و لهم أعين لا يبصرون بها » الرشد « و لهم آذان لا يسمعون بها » الوعظ لأنهم يعرضون عن جميع ذلك إعراض من ليست له آلة الإدراك و قد مر تفسيره في سورة البقرة عند قوله صم بكم عمي الآية « أولئك كالأنعام » أي هؤلاء الذين لا يتدبرون آيات الله و لا يستدلون بها على وحدانيته و صدق أنبيائه أشباه الأنعام و البهائم التي لا تفقه و لا تعلم « بل هم أضل » من البهائم فإنها إذا زجرت انزجرت و إذا أرشدت إلى طريق اهتدت و هؤلاء لكفرهم و عتوهم لا يهتدون إلى شيء من الخيرات مع ما ركب الله فيهم من العقول الدالة على الرشاد الصارفة عن الفساد و لم يذكر بل هاهنا للرجوع عن الأول و لكن للإضراب عنه مع بقائه و قيل إنما قال بل هم أضل من الأنعام لأن الأنعام لم تعط آلة المعرفة و التمييز فلا تلحقها المذمة و هؤلاء أعطوا آلة المعرفة و التمييز فضيعوها و لم ينتفعوا بها و لأن الأنعام و إن لم تكن مطيعة لم تكن عاصية
 

<<        الفهرس        >>