جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج4 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان ج : 4 ص : 841
بنفسه « و لكن الله سلم » أي سلم المؤمنين عن الفشل و التنازع و اختلاف الكلمة و اضطراب الأمر بلطفه لهم و إحسانه إليهم حتى بلغوا ما أرادوه من عدوهم « إنه عليم بذات الصدور » أي بما في قلوبكم يعلم أنكم لو علمتم كثرة عدوكم لرغبتم عن القتال « و إذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا » الكاف و الميم كناية عن المؤمنين و الهاء و الميم كناية عن المشركين أضاف الرؤيا في النوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأن رؤيا الأنبياء لا تكون إلا حقا و أضاف رؤية العين إليهم قلل الله المشركين في أعين المؤمنين ليشتد بذلك طمعهم فيهم و جرأتهم عليهم و قلل المؤمنين في أعين المشركين لئلا يتأهبوا لقتالهم و لا يكترثوا بهم فيظفر بهم المؤمنون و ذلك قوله تعالى « و يقللكم في أعينهم » و قد وردت الرواية عن ابن مسعود قال قلت لرجل بجنبي أ تراهم سبعين رجلا فقال هم قريب من مائة و قد روي أن أبا جهل كان يقول خذوهم بالأيدي أخذا و لا تقاتلوهم و متى قيل كيف قللهم الله في أعينهم مع رؤيتهم لهم قالوا فالقول إنه يجوز أن يكون ذلك لبعض الأسباب المانعة من الرؤية إما بغبار أو ما شاكله فتخيلوهم بأعينهم قليلا من غير رؤية عن الصحة لجميعهم و ذلك لطف من ألطاف الله تعالى « ليقضي الله أمرا كان مفعولا » إنما كرره سبحانه مع ذكره في الآية الأولى لتكرر الفائدة لأن المعنى في الآية الأولى جمعكم من غير ميعاد ليقضي الله أمرا مفعولا من الالتقاء على تلك الصفة و المعنى هنا أنه قلل كل فريق في عين صاحبه ليقضي أمرا كان مفعولا من إعزاز الدين بجهادكم و قيل أراد بالأول الوعد بالنصرة يوم بدر و بالثاني الاستمرار على النصر و قيل إنما كرر للتأكيد و إنما قال كان مفعولا و المعنى يكون مفعولا في المستقبل لتحقيق كونه لا محالة حتى صار بمنزلة ما قد كان لعلمه سبحانه أنه كائن لا محالة « و إلى الله ترجع الأمور » مر معناه .

مجمع البيان ج : 4 ص : 842
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَ اذْكرُوا اللَّهَ كثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(45) وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسولَهُ وَ لا تَنَزَعُوا فَتَفْشلُوا وَ تَذْهَب رِيحُكمْ وَ اصبرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصبرِينَ(46) وَ لا تَكُونُوا كالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَرِهِم بَطراً وَ رِئَاءَ النَّاسِ وَ يَصدُّونَ عَن سبِيلِ اللَّهِ وَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ محِيطٌ(47)

اللغة

الريح الدولة قال عبيد بن الأبرص :
كما حميناك يوم النعف من شطب
و الفضل للقوم من ريح و من عدد أي من عزة و دولة و البطر الخروج عن موجب النعمة من شكرها و أصل البطر الشق و منه البيطار لأنه يشق اللحم بالمبضع و الرياء إظهار الجميل ليرى مع إبطان القبيح .

الإعراب

« فتفشلوا » منصوب بإضمار أن على معنى جواب النهي و لذلك عطف عليه « و تذهب » « و يصدون » في محل النصب بالعطف على قوله « بطرا و رئاء الناس » و هما مصدران وضعا موضع الحال و المعنى يبطرون و يراءون و يصدون و لا يجوز أن يكون عطفا على خرجوا إذ لا يعطف مستقبل على ماض .

المعنى

ثم أمر سبحانه بالقتال و الثبات في الحرب فقال « يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة » أي جماعة كافرة « فاثبتوا » لقتالهم و لا تنهزموا و إنما أطلق الفئة لأن من المعلوم أن المؤمن لا يقاتل الفئة الكافرة أو الباغية فحذف للإيجاز « و اذكروا الله كثيرا » مستعين به على قتالهم و متوقعين النصر من قبله عليهم و قيل معناه و اذكروا ما وعدكم الله تعالى من النصر على الأعداء في الدنيا و الثواب في الآخرة ليدعوكم ذلك إلى الثبات في القتال « لعلكم تفلحون » أي لكي تفلحوا و تنجحوا بالنصر و الظفر بهم و بالثواب عند الله يوم القيامة « و أطيعوا الله و رسوله » فيما يأمرانكم به « و لا تنازعوا فتفشلوا » أي لا تتنازعوا في لقاء العدو و لا تختلفوا فيما بينكم فتجبنوا عن عدوكم و تضعفوا عن قتالهم « و تذهب ريحكم » معناه تذهب صولتكم و قوتكم و قال مجاهد نصرتكم و قال الأخفش دولتكم و الريح هاهنا كناية عن نفاذ الأمر و جريانه على المراد تقول العرب هبت ريح فلان إذا جرى أمره على ما يريد و ركدت ريحه إذا أدبر أمره و قيل إن المعنى ريح النصر التي يبعثها الله مع من ينصره على من يخذله عن قتادة و ابن زيد و منه قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) نصرت بالصبا و أهلكت عاد بالدبور « و اصبروا » على قتال الأعداء « إن الله مع الصابرين » بالنصر و المعونة « و لا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا » أي بطرين يعني قريشا خرجوا من مكة ليحموا غيرهم فخرجوا معهم بالقيان و المعازف يشربون الخمور و تعزف عليهم القيان « و رئاء الناس » قيل أنهم كانوا يدينون بعبادة الأصنام فلما أظهروا التقرب بذلك إلى الناس كانوا مرائين و قيل إنهم وردوا بدرا ليروا
مجمع البيان ج : 4 ص : 843
الناس أنهم لا يبالون بالمسلمين و في قلوبهم من الرعب ما فيه فسمى الله سبحانه ذلك رئاء « و يصدون عن سبيل الله » أي و يمنعون غيرهم عن دين الله « و الله بما يعملون محيط » أي عالم بأعمالهم فيجازيهم عليها و لا يخفى عليه منها شيء .

[ القصة ]

قال ابن عباس لما رأى أبو سفيان أنه أحرز غيره أرسل إلى قريش أن ارجعوا فقال أبو جهل و الله لا نرجع حتى نرد بدرا و كان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام فنقيم بها ثلاثا و ننحر الجزر و نطعم الطعام و نسقي الخمور و تعزف علينا القيان و تسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا فوافوها فسقوا كؤوس المنايا و ناحت عليهم النوائح .
وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيْطنُ أَعْمَلَهُمْ وَ قَالَ لا غَالِب لَكمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنى جَارٌ لَّكمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَص عَلى عَقِبَيْهِ وَ قَالَ إِنى بَرِىءٌ مِّنكمْ إِنى أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنى أَخَاف اللَّهَ وَ اللَّهُ شدِيدُ الْعِقَابِ(48)

المعنى

« و إذ زين لهم الشيطان أعمالهم » دخلت الواو عطفا على حال المشركين في خروجهم بطرا و رئاء الناس يعني و في وقت تزيين الشيطان أعمالهم و قيل أنه يعني و اذكروا إذ زين الشيطان للمشركين أعمالهم أي حسنها في نفوسهم و ذلك أن إبليس حسن لقريش مسيرهم إلى بدر لقتال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و قال لا غالب لكم اليوم من الناس » أي لا يغلبكم أحد من الناس لكثرة عددكم و قوتكم « و إني » مع ذلك « جار لكم » أي ناصر لكم و دافع عنكم السوء و قيل معناه و إني عاقد لكم عقد الأمان من عدوكم من قوله و هو يجير و لا يجار عليه « فلما تراءت الفئتان » أي التقت الفرقتان « نكص على عقبيه » أي رجع القهقرى منهزما وراءه « و قال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون » أي رجعت عما كنت ضمنت لكم من الأمان و السلامة لأني أرى من الملائكة الذين جاءوا لنصر المسلمين ما لا ترون و كان إبليس يعرف الملائكة و هم كانوا يعرفونه « إني أخاف الله » أي أخاف عذاب الله على أيدي من أراهم « و الله شديد العقاب » لا يطاق عقابه و قيل معناه إني أخاف أن يكون قد حل الوقت الذي أنظرت إليه فإن الملائكة لا ينزلون إلا لقيام الساعة أو للعقاب و قال قتادة كذب عدو الله
مجمع البيان ج : 4 ص : 844
ما به من مخافة و لكنه علم أنه لا قوة له و لا منعة و ذلك عادة عدو الله لمن أطاعه حتى إذا التقى الحق و الباطل أسلمهم و تبرأ منهم و على هذا فيكون قوله « أرى ما لا ترون » معناه أعلم ما لا تعلمون و أخاف الله أن يهلكني فيمن يهلك و اختلف في ظهور الشيطان يوم بدر كيف كان فقيل إن قريشا لما أجمعت المسير ذكرت الذي بينها و بين بني بكر بن عبد مناف بن كنانة من الحرب و كاد ذلك أن يثنيهم فجاء إبليس في جند من الشيطان فتبدي لهم في صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني ثم المدلجي و كان من أشراف كنانة فقال لهم لا غالب لكم اليوم من الناس و إني جار لكم أي مجير لكم من كنانة كما قال الشاعر :
يا ظالمي أنى تروم ظلامتي
و الله من كل الحوادث جاري فلما رأى إبليس الملائكة نزلوا من السماء و علم أنه لا طاقة لهم بهم نكص على عقبيه عن ابن عباس و السدي و الكلبي و غيرهم و قيل أنه لما التقوا كان إبليس في صف المشركين آخذا بيد الحارث بن هشام فنكص على عقبيه فقال له الحارث يا سراقة أين اتخذ لنا على هذه الحالة فقال له إني أرى ما لا ترون فقال و الله ما نرى إلا جعاسيس يثرب فدفع في صدر الحرث و انطلق و انهزم الناس فلما قدموا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة فقال و الله ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم فقالوا إنك أتيتنا يوم كذا فحلف لهم فلما أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان عن الكلبي و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل إن إبليس لا يجوز أن يقدر على خلع صورته و لبس صورة سراقة و لكن الله تعالى جعل إبليس في صورة سراقة علما للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إنما فعل ذلك لأنه علم أنه لو لم يدع المشركين إنسان إلى قتال المسلمين فإنهم لا يخرجون عن ديارهم حتى يقاتلهم المسلمون لخوفهم من بني كنانة فصوره بصورة سراقة حتى تم المراد في إعزاز الدين عن الجبائي و جماعة و قيل إن إبليس لم يتصور في صورة الإنسان و إنما قال ذلك لهم على وجه الوسوسة عن الحسن و اختاره البلخي و الأول هو المشهور في التفاسير و رأيت في كلام الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ( رض ) أنه يجوز أن يقدر الله تعالى الجن و من جرى مجراهم على أن يجتمعوا و يعتمدوا ببعض جواهرهم على بعض حتى يتمكن الناس من رؤيتهم و يتشبهوا بغيرهم من أنواع الحيوان لأن أجسامهم من الرقة على ما يمكن ذلك فيها و قد وجدنا الإنسان يجمع الهواء و يفرقه و يغير صور الأجسام الرخوة ضروبا من التغيير و أعيانها لم تزد و لم تنقص و قد استفاض الخبر بأن إبليس تراءى لأهل دار الندوة في
مجمع البيان ج : 4 ص : 845
صورة شيخ من أهل نجد و حضر يوم بدر في صورة سراقة و أن جبرائيل (عليه السلام) ظهر لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في صورة دحية الكلبي قال غير محال أيضا أن يغير الله تعالى صورهم و يكشفها في بعض الأحوال فيراهم الناس لضرب من الامتحان .
إِذْ يَقُولُ الْمُنَفِقُونَ وَ الَّذِينَ فى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَ مَن يَتَوَكلْ عَلى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكيمٌ(49) وَ لَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفى الَّذِينَ كفَرُوا الْمَلَئكَةُ يَضرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبَرَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيقِ(50) ذَلِك بِمَا قَدَّمَت أَيْدِيكمْ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْس بِظلَّم لِّلْعَبِيدِ(51)

القراءة

قرأ ابن عامر وحده إذ تتوفى بتاءين و الباقون « يتوفى » بالياء و التاء .

الحجة

من قرأ بالتاء فلإسناد الفعل إلى الملائكة و من قرأ بالياء فلأن التأنيث غير حقيقي .

الإعراب

العامل في إذ يجوز أن يكون الابتداء و التقدير ذلك إذ يقول و يجوز أن يكون التقدير اذكر إذ يقول و جواب لو محذوف و تقديره لرأيت منظرا عظيما أو أمرا عجيبا و حذف الجواب هنا أوجز و أبلغ فإن ذكره يخص وجها واحدا و مع الحذف الاحتمال لوجوه كثيرة و موضع « بما قدمت أيديكم » يحتمل وجهين من الإعراب ( أحدهما ) الرفع بكونه خبر ذلك ( و الثاني ) النصب بأن يكون متصلا بمحذوف و تقديره ذلك جزاؤكم بما قدمت أيديكم و أن الله ليس بظلام للعبيد يحتمل أن يكون محله نصبا بتقدير و بأن الله أو جرا على الخلاف فيه و يحتمل أن يكون محله رفعا بتقدير و ذلك أن الله كما تقول ذلك .

المعنى

« إذ يقول المنافقون » هذا يتعلق بما قبله معناه و إذ زين لهم الشيطان أعمالهم إذ يقول المنافقون فلذلك حذف الواو و هم الذين يبطنون الكفر و يظهرون الإيمان « و الذين في قلوبهم مرض » و هم الشاكون في الإسلام مع إظهارهم كلمة الإيمان و قيل إنهم
مجمع البيان ج : 4 ص : 846
فتية من قريش أسلموا بمكة و احتبسهم آباؤهم فخرجوا مع قريش يوم بدر و هم قيس بن الوليد بن المغيرة و علي بن أمية بن خلف و العاص بن منبه بن الحجاج و الحارث بن زمعة و أبو قيس بن الفاكهة بن المغيرة لما رأوا قلة المسلمين قالوا « غر هؤلاء دينهم » أي غر المسلمين دينهم حتى خرجوا مع قلتهم لأجل دينهم إلى قتال المشركين مع كثرتهم و لم يحسنوا النظر لأنفسهم حين اغتروا بقول رسولهم فبين الله تعالى أنهم هم المغرورون بقوله « و من يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم » معناه و من يسلم لأمر الله و يثق به و يرض بفعله و إن قل عددهم فإن الله تعالى ينصرهم على أعدائهم و هو عزيز لا يغلب فكذلك لا يغلب من توكل عليه و هو حكيم يضع الأمور مواضعها على ما تقتضيه الحكمة « و لو ترى » يا محمد « إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة » أي يقبضون أرواحهم عند الموت « يضربون وجوههم و أدبارهم » يريد استاههم و لكن الله سبحانه كنى عنها عن سعيد بن جبير و مجاهد و قيل وجوههم ما أقبل منهم و أدبارهم ما أدبر منهم و المراد يضربون جسادهم من قدامهم و من خلفهم و المراد به قتلي بدر عن ابن عباس و مجاهد و سعيد بن جبير و أكثر المفسرين و قيل معناه سيضربهم الملائكة عند الموت قال الرماني و هذا غلط لأنه الظاهر و روى الحسن قال إن رجلا قال يا رسول الله إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذاك ضرب الملائكة و روى مجاهد أن رجلا قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إني حملت على رجل من المشركين فذهبت لأضربه فندر فقال سبقك إليه الملائكة « و ذوقوا عذاب الحريق » أي و يقول الملائكة للكفار استخفافا بهم و ذوقوا عذاب الحريق بعد هذا في الآخرة و قيل إنه كان مع الملائكة يوم بدر مقامع من حديد كلما ضربوا المشركين بها التهبت النار في جراحاتهم فذلك قوله « و ذوقوا عذاب الحريق » « ذلك » أي ذلك العقاب لكم « بما قدمت أيديكم » أي بما قدمتم و فعلتم و إنما أضاف إلى اليد على التغليب لأن أكثر الأفعال تكون باليد و المراد بذلك بجنايتكم الكفر و المعاصي « و أن الله ليس بظلام للعبيد » أي لا يظلم عباده في عقوبتهم من حيث إنه إنما عاقبهم بجناياتهم على قدر استحقاقهم و في هذا دلالة واضحة على بطلان مذهب المجبرة في أنه يخلق الكفر ثم يعذب عليه و أنه يجوز أن يعذب من غير ذنب و أن يأخذ بذنب غيره لأن هذا غاية الظلم و قد بالغ عز اسمه في نفي الظلم عن نفسه بقوله « ليس بظلام للعبيد » .

مجمع البيان ج : 4 ص : 847
كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِئَايَتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِىُّ شدِيدُ الْعِقَابِ(52) ذَلِك بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَك مُغَيراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلى قَوْم حَتى يُغَيرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ أَنَّ اللَّهَ سمِيعٌ عَلِيمٌ(53) كدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِئَايَتِ رَبهِمْ فَأَهْلَكْنَهُم بِذُنُوبِهِمْ وَ أَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ وَ كلُّ كانُوا ظلِمِينَ(54)

اللغة

الدأب العادة و الطريقة يقال ما زال ذلك دأبه و دينه و ديدنه قال الزجاج الدأب إدامة الفعل دأب يدأب في كذا إذا دام عليه و هو دائب بفعل كذا أي يجزي فيه على عادة قال خداش بن زهير :
و ما زال ذاك الدأب حتى تخاذلت
هوازن و أرفضت سليم و عامر و التغيير تصيير الشيء على خلاف ما كان بما لو شوهد على خلاف ما كان .

الإعراب

كدأب : الكاف في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ كما يقول زيد خافك فموضع خلفك رفع بأنه خبر المبتدأ و لفظه نصب بالاستقرار و تقديره دأبهم كدأب آل فرعون لم يك أصله يكون فحذفت الواو للجزم ثم حذفت النون استخفافا لكثرة الاستعمال مع أنه لا يقع بالحذف إخلال بالمعنى لأن كان و يكون أم الأفعال أ لا ترى أن كل فعل فيه معناها لأنك إذا قلت ضرب فمعناه كان ضرب و يضرب معناه يكون يضرب فلما قويت بأنها أم الأفعال و كثر استعمالها احتمل الحذف و لم يحتمل نظائرها ذلك مثل لم يصن .

المعنى

ثم بين سبحانه أن حال هؤلاء الكفار كحال الذين من قبلهم فقال « كدأب آل فرعون » أي عادة هؤلاء المشركين في الكفر بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) كعادة آل فرعون « و الذين من قبلهم » في الكفر بالرسل و ما أنزل إليهم و قيل معناه عقوبة الله تعالى لهؤلاء الكفار كعقوبة لآل فرعون و آل فرعون أتباعه و الفرق بين آل فرعون و أصحاب فرعون أن لأصحاب مأخوذ من
مجمع البيان ج : 4 ص : 848
الصحبة و كثر في الموافقة في المذهب كما يقال أصحاب الشافعي و أبي حنيفة يراد به الموافقة في المذهب و لا يقال آل الشافعي إلا لمن يرجعون إليه بالنسب الأوكد الأقرب « كفروا ب آيات الله » كما كفر هؤلاء « فأخذهم الله » أي فعاقبهم الله « بذنوبهم إن الله قوي » أي قادر لا يقدر أحد على منعه عن إحلال العقاب بما يريد « شديد العقاب » لمن استحقه و لا يوصف الله سبحانه بأنه شديد لأن الشديد هو المتداخل على صعوبة تفككه و إنما وصف العقاب بالشدة دون نفسه و شبه حال المشركين في تكذيبهم ب آيات الله بحال آل فرعون لأن تعجيل العقاب لهؤلاء بالإهلاك كتعجيله لأولئك بعذاب الاستئصال « ذلك » أي ذلك الأخذ و العقاب لهم « بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم » معناه بأن الله لم يكن يزيل نعمة أنعمها على قوم حتى يتغيروا هم عن أحوالهم المرضية إلى أحوال لا يجوز لهم أن يتغيروا إليها و هو أن يستبدلوا المعصية بالطاعة و كفران النعمة بشكرها و قد يسلب الله تعالى النعمة على وجه المصلحة لا على وجه العقاب امتحانا لمصلحة يعلمها في ذلك و لكن لا يسلبها بفعل النقمة على وجه العقاب إلا عمن استحق العقاب قال السدي النعمة التي أنعمها الله عليهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنعم الله به على قريش فكفروا به و كذبوه فنقله إلى الأنصار « و أن الله سميع » لأقوالهم « عليم » بضمائرهم و بكل شيء « كدأب آل فرعون و الذين من قبلهم » أي كعادتهم و طريقتهم في التكذيب ب آيات الله عادة هؤلاء « كذبوا ب آيات ربهم » أي بحجة و بيناته « فأهلكناهم بذنوبهم » أي استأصلناهم « و أغرقنا آل فرعون و كل كانوا ظالمين » أي كل هؤلاء المهلكين كانوا ظالمين لأنفسهم فلم نعاقب فريقا منهم إلا عن استحقاق و إنما كرر قوله « كدأب آل فرعون » لأنه أراد بالأول بيان حالهم في استحقاق عذاب الآخرة و في الثاني بيان استحقاقهم لعذاب الدنيا و قيل إن في الأول تشبيه حالهم بحال أولئك في التكذيب و في الثاني تشبيه حالهم بحالهم في الاستئصال و قيل إن الأول في أخذهم بالعذاب و الثاني في كيفية العذاب و قيل إن آل فرعون كانوا على أحوال مختلفة في المعصية فبين مشاركة هؤلاء إياهم في تلك الأحوال .
إِنَّ شرَّ الدَّوَاب عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(55) الَّذِينَ عَهَدت مِنهُمْ ثمَّ يَنقُضونَ عَهْدَهُمْ فى كلِّ مَرَّة وَ هُمْ لا يَتَّقُونَ(56)

الإعراب

« فهم لا يؤمنون » الفاء لعطف جملة على جملة و هو في الصلة كأنه قال
مجمع البيان ج : 4 ص : 849
كفروا مصممين على الكفر فهم لا يؤمنون و إنما حسن عطف جملة اسمية على جملة فعلية لما فيها من التأدية إلى معنى الحال و ذلك أن صبابتهم في الكفر و إصرارهم عليه أدى إلى الحال في أنهم لا يؤمنون و قوله « ثم ينقضون » عطف المستقبل على الماضي لأن الغرض أن من شأنهم نقض العهد بعد مرة في مستقبل أوقاتهم بعد العهد إليهم .

المعنى

ثم ذم سبحانه الكفار فقال « إن شر الدواب عند الله » أي شر من يدب على وجه الأرض في معلوم الله أو في حكم الله « الذين كفروا » و استمروا على كفرهم « فهم لا يؤمنون » هذا إخبار عن قوم من المشركين أنهم لا يؤمنون أبدا فخرج المخبر على وفق الخبر فماتوا مشركين ثم وصفهم الله فقال « الذين عاهدت منهم » أي من جملتهم و الضمير العائد إلى الذين محذوف أي الذين عاهدت منهم أي من المشركين و قيل إن من مزيدة و إنما دخلت لأن معنى عاهدتم أخذت العهد منهم و كما قال ردف لكم لأن معنى ردف قرب فعومل بما يعامل به و قيل معناه عاهدت معهم قال مجاهد أراد به يهود بني قريظة فإنهم كانوا قد عاهدوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على أن لا يضروا به و لا يمالئوا عليه عدوا ثم مالئوا عليه الأحزاب يوم الخندق و أعانوهم عليه بالسلاح و عاهدوا مرة بعد أخرى فنقضوا فانتقم الله منهم « ثم ينقضون عهدهم في كل مرة » أي كلما عاهدتهم نقضوا العهد و لم يفوا به « و هم لا يتقون » نقض العهد و قيل لا يتقون عذاب الله تعالى .
فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فى الْحَرْبِ فَشرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكرُونَ(57) وَ إِمَّا تخَافَنَّ مِن قَوْم خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سوَاء إِنَّ اللَّهَ لا يحِب الخَْائنِينَ(58)

اللغة

الثقف الظفر و الإدراك بسرعة و التشريد التفريق على اضطراب و الخيانة نقض العهد فيما اوتمن عليه و النبذ إلقاء الخبر إلى من لا يعلمه و السواء العدل قال الراجز :
فاضرب وجوه الغرر الأعداء
حتى يجيبوك إلى السواء أي إلى العدل و منه قيل للوسط سواء لاعتداله إلى الجهات قال حسان :
يا ويح أنصار النبي و رهطه
بعد المغيب في سواء الملحد
مجمع البيان ج : 4 ص : 850
أي في وسطه و قيل عنى بقوله « على سواء » على استواء في العلم به .

الإعراب

إما تثقفن و إما تخافن دخلت نون التأكيد لما دخلت ما و لو لم يدخل ما لما حسن دخول النون لأن دخول ما كدخول القسم في أنه علامة تؤذن أنه من مواضع تأكيد المطلوب من التصديق لأن النون يدخل لتأكيد المطلوب فيما يدل على الطلب و هي في ستة مواضع النهي و الأمر و الاستفهام و العرض و القسم و الجزاء مع ما .

المعنى

ثم حكم سبحانه في هؤلاء الناقضين للعهود فقال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « فإما تثقفنهم في الحرب » معناه فأما تصادفنهم في الحرب أي إن ظفرت بهم و أدركتهم « فشرد بهم من خلفهم » أي فنكل بهم تنكيلا و أثر فيهم تأثيرا يشرد بهم من بعدهم و يطردهم و يمنعهم من نقض العهد بأن ينظروا فيهم فيعتبروا بهم فلا ينقضوا العهد و يتفرقوا في البلاد مخافة أن تعاملهم بمثل ما عاملتهم به و أن يحل بهم ما حل بهم و هذا معنى قول ابن عباس و الحسن و قتادة و سعيد بن جبير و السدي و قال الزجاج معناه افعل بهم فعلا من القتل تفرق بهم من خلفهم و قيل إن معنى شرد بهم سمع بهم بلغة قريش قال الشاعر :
أطوف في النواطح كل يوم
مخافة أن يشرد بي حكيم « لعلهم يذكرون » أي لكي يتذكروا و يتعظوا و ينزجروا عن مثل ذلك « و إما تخافن من قوم خيانة » معناه و إن خفت يا محمد من قوم بينك و بينهم عهد خيانة فيه لأن الخيانة إنما تكون بعد تقدم العهد و لم يظهر منهم نقض العهد بعد « فانبذ إليهم على سواء » أي فألق إليهم ما بينك و بينهم من العهد و أعلمهم بأنك قد نقضت ما شرطت لهم لتكون أنت و هم في العلم بالنقض على استواء و لا تبدأهم بالقتال من قبل أن تعلمهم بنقض العهد حتى لا ينسبوك إلى الغدر بهم فهذا معنى قوله « على سواء » و قيل معنى قوله « على سواء » على عدل أي إن كان بينك و بينهم عهد بغير مال فأعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم و إن كان العهد على مال فرد المال عليهم ثم انقض العهد « إن الله لا يحب الخائنين » أي بنقضهم معناه فلا تخنهم بأن تبدأهم بالقتال من غير إعلامهم بنقض العهد قال الواقدي هذه الآية نزلت في بني قينقاع و بهذه الآية سار النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إليهم .

مجمع البيان ج : 4 ص : 851
وَ لا يحْسبنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سبَقُوا إِنهُمْ لا يُعْجِزُونَ(59) وَ أَعِدُّوا لَهُم مَّا استَطعْتُم مِّن قُوَّة وَ مِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكمْ وَ ءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَ مَا تُنفِقُوا مِن شىْء فى سبِيلِ اللَّهِ يُوَف إِلَيْكُمْ وَ أَنتُمْ لا تُظلَمُونَ(60) * وَ إِن جَنَحُوا لِلسلْمِ فَاجْنَحْ لهََا وَ تَوَكلْ عَلى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ(61)

القراءة

قرأ ابن عامر و أبو جعفر و حمزة و حفص « و لا يحسبن » بالياء و الباقون بالتاء و قرأ ابن عامر إنهم لا يعجزون بالفتح و الباقون « إنهم » بالكسر و قرأ رويس عن يعقوب ترهبون بالتشديد و الباقون « ترهبون » بالتخفيف و قرأ أبو بكر للسلم بكسر السين و الباقون بفتح السين .

الحجة

من قرأ لا تحسبن بالتاء فالذين كفروا المفعول الأول و سبقوا جملة في موضع نصب بكونها المفعول الثاني و من قرأ « يحسبن » بالياء فلا يخلو من أن يكون جعل الذين كفروا الفاعل و هذا لا يجوز لأن يحسبن لا بد له من مفعولين و لكنه محمول على أحد ثلاثة أشياء إما أن يكون فاعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تقديره و لا يحسبن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذين كفروا سبقوا و إما أن يكون تقديره على حذف إن كأنه قال لا يحسبن الذين كفروا إن سبقوا فحذفت إن كما حذفتها في تأويل سيبويه في قوله أ فغير الله تأمروني أعبد كأنه قال أ فغير عبادته تأمروني قال الزجاج و يقوي هذا الوجه أنها في حرف ابن مسعود أنهم سبقوا و إذا كانت كذلك فهو بمنزلة قولك حسبت أن أقوم و حسبت أقوم على حذف أن و إذا وجهته على هذا فقد سد أن سبقوا مسد المفعولين كما أن قوله الم أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا كذلك و إما أن يكون أضمر المفعول الأول و تقديره و لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا أو إياهم سبقوا و من قرأ « إنهم لا يعجزون » بكسر الألف يكون على الاستئناف كما أن قوله ساء ما يحكمون منقطع من الجملة التي قبلها التي هي أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا
مجمع البيان ج : 4 ص : 852
و من قرأ أنهم لا يعجزون جعله متعلقا بالجملة الأولى و تقديره لا تحسبنهم سبقوا لأنهم لا يفوتون و من قرأ ترهبون فلأن رهب يرهب رهبة يعدى تارة بالهمزة و تارة بالتشديد فيقال رهبته و أرهبته و أما السلم و السلم فلغتان و معناهما الصلح .

اللغة

السبق تقدم الشيء على طالب اللحوق به و الإعجاز إيجاد ما يعجز عنه و العجز معنى عند أبي علي الجبائي و أبي القاسم البلخي و ليس بمعنى عند أبي هاشم و أصحابه بل هو عدم القدرة و ذهب إليه المرتضى و الأعداد اتخاذ الشيء لغيره مما يحتاج إليه في أمره و الاستطاعة معنى ينطاع بها الجوارح للفعل مع انتفاع المنع و الرباط شد أيسر من العقد يقال ربطه يربطه ربطا و رابطه مرابطة و رباطا و الإرهاب إزعاج النفس بالخوف و الجنوح الميل و منه جناح الطائر لأنه يميل به في أحد شقيه و لا جناح عليه أي لا ميل إلى مأثم .

الإعراب

« لا يعجزون » فتح النون هو القراءة و يجوز كسرها على معنى لا يعجزونني و يحذف النون الأولى لاجتماع النونين كما قال الشاعر :
تراه كالثغام يعل مسكا
يسوء الغاليات إذا فليني يريد فلينني « و آخرين من دونهم » منصوب على تقدير و ترهبون آخرين و يجوز أن يكون على تقدير و أعدوا لهم الآخرين فيكون مجرورا عطفا على الهاء و الميم .

المعنى

لما تقدم الأمر بقتال الكفار عقبه سبحانه بوعد النصر و الأمر بالإعداد لقتالهم فقال « و لا يحسبن الذين كفروا سبقوا » معناه و لا تحسبن يا محمد أعداءك الكافرين قد سبقوا أمر الله و أعجزوه و أنهم قد فاتوك فإن الله سبحانه يظفرك بهم كما وعدك و يظهرك عليهم و السبق و الفوت بمعنى واحد و قيل معناه لا تحسبن من أفلت من هذه الحرب إنه قد يسبق إلى الحياة عن الزجاج و الخطاب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد به غيره و قيل إنه إنما قاله تطييبا لقلبه في الهاربين كما طيب قلبه في المقتولين و المأسورين و على القراءة بالياء فالمعنى لا يحسبن الكافرون أنفسهم سابقين أو لا يحسبن الكافرون أنهم سابقون « إنهم لا يعجزون » أي لا يعجزون الله و لا يفوتونه حتى لا يبعثهم الله يوم القيامة عن الحسن و قيل معناه لا يعجزونك عن الجبائي « و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة » هذا أمر منه سبحانه بأن يعدوا السلاح قبل لقاء العدو و معناه و أعدوا للمشركين ما قدرتم عليه مما يتقوى به على القتال من الرجال و آلات الحرب و روى عقبة بن عامر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن القوة الرمي و على هذا فيكون معناه أنه من القوة
مجمع البيان ج : 4 ص : 853
و قيل إن القوة اتفاق الكلمة و الثقة بالله تعالى و الرغبة في ثوابه و قيل القوة الحصون عن عكرمة « و من رباط الخيل » أي و من ربطها و اقتنائها للغزو و هي من أقوى عدد الجهاد و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال ارتبطوا الخيل فإن ظهورها لكم عز و أجوافها كنز و قيل إن القوة ذكور الخيل و الرباط و الإناث منها عن الحسن و عكرمة « ترهبون به » أي تخوفون بما تعدونه لهم « عدو الله و عدوكم » يعني مشركي مكة و كفار العرب « و آخرين من دونهم » أي و ترهبون كفارا آخرين دون هؤلاء و اختلفوا في الآخرين فقيل أنهم بنو قريظة عن مجاهد و قيل هم أهل فارس عن السدي و قيل هم المنافقون لا يعلم المسلمون أنهم أعداؤهم و هم أعداؤهم عن الحسن و ابن زيد « لا تعلمونهم » معناه لا تعرفونهم لأنهم يصلون و يصومون و يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله و يختلطون بالمؤمنين « الله يعلمهم » أي يعرفهم لأنه المطلع على الأسرار و قيل هم الجن و هو اختيار الطبري قال لأن الأعداء دخل فيه جميع المتظاهرين بالعداوة فلم يبق إلا من لا يشاهد « و ما تنفقوا من شيء في سبيل الله » أي في الجهاد و في طاعة الله « يوف إليكم » أي يوفر عليكم ثوابه في الآخرة « و أنتم لا تظلمون » أي لا تنقصون شيئا منه « و إن جنحوا للسلم » أي مالوا إلى الصلح و ترك الحرب « فاجنح لها » أي مل إليها و اقبلها منهم و إنما أنث لأن السلم بمعنى المسالمة « و توكل على الله » أي فوض أمرك إلى الله « إنه هو السميع العليم » لا تخفى عليه خافية و قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و قوله « قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله » الآية عن الحسن و قتادة و قيل إنها ليست بمنسوخة لأنها في الموادعة لأهل الكتاب و الأخرى لعباد الأوثان و هذا هو الصحيح لأن قوله « اقتلوا المشركين » و الآية الأخرى نزلتا في سنة تسع في سورة براءة و صالح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وفد نجران بعدها .

مجمع البيان ج : 4 ص : 854
وَ إِن يُرِيدُوا أَن يخْدَعُوك فَإِنَّ حَسبَك اللَّهُ هُوَ الَّذِى أَيَّدَك بِنَصرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ(62) وَ أَلَّف بَينَ قُلُوبهِمْ لَوْ أَنفَقْت مَا فى الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْت بَينَ قُلُوبِهِمْ وَ لَكنَّ اللَّهَ أَلَّف بَيْنهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(63)


اللغة


الخدع و الخديعة إظهار المحبوب في الأمر مع إبطان المكروه و التأييد التمكين من الفعل على أتم ما يصح فيه و الأيد القوة و التأليف الجمع على تشاكل و اختلف في التأليف فأثبته بعضهم معنى و نفاه بعضهم و الصحيح أنه معنى يحل محلين و لا يحصل من فعلنا إلا متولدا .

المعنى


ثم خاطب الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « و إن يريدوا أن يخدعوك » معناه و إن يرد الذين يطلبون منك الصلح أن يخدعوك في الصلح بأن يقصدوا بالتماس الصلح دفع أصحابك و الكف عن القتال حتى يقووا فيبدءوكم بالقتال من غير استعداد منكم « فإن حسبك الله » أي فإن الذي يتولى كفايتك الله « هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين » أي هو الذي قواك بالنصر من عنده و أيدك بالمؤمنين الذين ينصرونك على أعدائك « و ألف بين قلوبهم » و أراد بتأليف القلوب ما كان بين الأوس و الخزرج من المعاداة و القتال فإنه لم يكن حيان من العرب بينهما من العداوة مثل ما كان بين هذين الحيين فألف الله بين قلوبهم حتى صاروا متوارين متحابين ببركة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل أراد كل متحابين في الله عن مجاهد « لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم » أي لم يمكنك جمع قلوبهم على الألفة و إزالة ضغائن الجاهلية « و لكن الله ألف بينهم » بأن لطف لهم بحسن تدبيره و بالإسلام الذي هداهم إليه « إنه عزيز حكيم » لا يمتنع عليه شيء يريد فعله و لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة قال الزجاج و هذا من الآيات العظام و ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعث إلى قوم أنفتهم شديدة بحيث لو لطم الرجل من قبيلة لطمة قاتل عنه قبيلته فألف الإيمان بين قلوبهم حتى قاتل الرجل أباه و أخاه و ابنه فأعلم الله سبحانه أن هذا ما تولاه منهم إلا هو .

مجمع البيان ج : 4 ص : 855
يَأَيهَا النَّبىُّ حَسبُك اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَك مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(64) يَأَيهَا النَّبىُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشرُونَ صبرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَينِ وَ إِن يَكُن مِّنكم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ(65) الْئََنَ خَفَّف اللَّهُ عَنكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكم مِّائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَينِ وَ إِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَينِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصبرِينَ(66)

القراءة

إن يكن منكم مائة بالياء فيهما كوفي و الأول بالتاء بصري « ضعفا » بفتح الضاد كوفي إلا الكسائي و الباقون بضم الضاد و لكنهم سكنوا العين إلا أبا جعفر فإنه قرأ ضعفاء على وزن فعلاء .

الحجة

من قرأ بالياء فإنه أراد به المذكر يدلك على ذلك قوله تعالى « يغلبوا » و قرأ أبو عمرو فإن تكن منكم مائة صابرة بالتاء كما أنث صفة المائة و هي قوله « صابرة » كذلك أنث الفعل و من قرأ الجميع بالتاء يحمله على اللفظ فاللفظ مؤنث و الضعف و الضعف لغتان كالفقر و الفقر .

اللغة

الاتباع موافقة الداعي فيما يدعو إليه من أجل دعائه و التحريض و الحض و الحث بمعنى و هو الترغيب في الفعل بما يبعث على المبادرة إليه و ضده التقتير و الصبر حبس النفس عما تنازع إليه من ضد ما ينبغي أن يكون عليه و ضده الجزع قال :
فإن تصبرا فالصبر خير مغبة
و إن تجزعا فالأمر ما تريان و التخفيف رفع المشقة بالخفة و الخفة نقيض الثقل و الخفة و السهولة بمعنى و الضعف نقصان القوة و هو من الضعف لأنه ذهاب ضعف القوة .

الإعراب

موضع « من اتبعك » رفع على معنى حسبك الله و أتباعك من المؤمنين و يحتمل أن يكون نصبا بمعنى و يكفي من اتبعك على التأويل لأن الكاف في حسبك و في موضع جر بالإضافة لكنه مفعول به في المعنى فعطف على المعنى و مثله قوله تعالى إنا منجوك و أهلك و قال الشاعر :
إذا كانت الهيجاء و انشقت العصا
فحسبك و الضحاك سيف مهند
مجمع البيان ج : 4 ص : 856
الآن مبني مع الألف و اللام لأنه خرج عن التمكن بشبه الحرف قال الزجاج عشرون لا يجوز إلا بكسر العين و زعم أهل اللغة أنه كسر أوله كما كسر أول اثنين لأن عشرين من عشرة مثل اثنين من واحد و يدل عليه فتحهم ثلاثين كفتح ثلاثة و كسرهم تسعين ككسر تسعة .

المعنى

ثم أمر سبحانه بقتال الكفار و حث عليه بقوله « يا أيها النبي حسبك الله و من اتبعك من المؤمنين » أي كافيك الله و يكفيك متبعوك من المؤمنين و قال الحسن معناه الله حسبك و حسب من اتبعك من المؤمنين أي يكفيك و يكفيهم قال الكلبي نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال « يا أيها النبي حرض المؤمنين » أي ابعث المؤمنين « على القتال » و رغبهم فيه بسائر أسباب التحريض و الترغيب من ذكر الثواب الموعود على القتال و بيان ما وعد الله لهم من النصر و الظفر و اغتنام الأموال « إن يكن منكم عشرون صابرون » على القتال « يغلبوا مائتين » من العدو « و إن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا » و اللفظ لفظ الخبر و المراد به الأمر و يدل على ذلك قوله فيما بعد « الآن خفف الله عنكم » لأن التخفيف لا يكون إلا بعد التكليف « بأنهم قوم لا يفقهون » معناه ذلك النصر من الله تعالى لكم على الكفار و الخذلان للكفار بأنكم تفقهون أمر الله تعالى و تصدقونه فيما وعدكم من الثواب فيدعوكم ذلك إلى الصبر على القتال و الجد فيه و الكفار لا يفقهون أمر الله تعالى و لا يصدقونه فيما وعدكم من الثواب و لما علم الله تعالى أن ذلك يشق عليهم تغيرت المصلحة في ذلك فقال « الآن خفف الله عنكم » الحكم في الجهاد من وجوب قتال العشرة على الواحد و ثبات الواحد للعشرة « و علم أن فيكم ضعفا » أراد به ضعف البصيرة و العزيمة و لم يرد ضعف البدن فإن الذين أسلموا في الابتداء لم يكونوا كلهم أقوياء البدن بل كان فيهم القوي و الضعيف و لكن كانوا أقوياء البصيرة و اليقين و لما كثر المسلمين و اختلط بهم من كان أضعف يقينا و بصيرة نزل « الآن خفف الله عنكم » « فإن يكن منكم مائة صابرة » على القتال « يغلبوا مائتين » من العدو « و إن يكن منكم ألف » صابرة « يغلبوا ألفين » منهم « بإذن الله » أي بعلم الله و قيل بأمره فأمر الله تعالى الواحد بأن يثبت لاثنين و تضمن النصرة له عليهما و إنما لم يفصل و لم يأمر من كان قوي البصيرة بأن يثبت لعشرة و من كان ضعيف البصيرة بأن يثبت لاثنين لأنهم كانوا يشهدون القتال مختلطين فكان لا يمكن التمييز بينهم و لو نص على من كان ضعيف البصيرة كان فيه إيحاشهم و انكسار قلوبهم و زيادة ضعفهم « و الله مع الصابرين » أي معونة الله مع الصابرين و معناه و الله معين الصابرين و قيل إن هذه الآية نزلت
مجمع البيان ج : 4 ص : 857
بعد الآية الأولى بمدة و إن قرن بينهما في المصحف و هي ناسخة للأولى و المعتبر في الناسخ و المنسوخ بالنزول دون التلاوة و قال الحسن إن التغليظ كان على أهل بدر ثم جاءت الرخصة .
مَا كانَ لِنَبى أَن يَكُونَ لَهُ أَسرَى حَتى يُثْخِنَ فى الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَض الدُّنْيَا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الاَخِرَةَ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(67) لَّوْ لا كِتَبٌ مِّنَ اللَّهِ سبَقَ لَمَسكُمْ فِيمَا أَخَذْتمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(68) فَكلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَلاً طيِّباً وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(69)

القراءة

قرأ أبو جعفر أن تكون له بالتاء أسارى و قرأ أهل الكوفة أن تكون له بالتاء « أسرى » و الباقون « أن يكون له » بالياء « أسرى » .

الحجة

من قرأ بالتاء فلأن الجمع مؤنث و من قرأ بالياء فلأنهم مذكرون في المعنى و قد وقع الفصل بين الفعل و الفاعل قال أبو علي و الأسرى أقيس من الأسارى لأن أسير فعيل بمعنى مفعول و ذلك يجمع على فعلى نحو جريح و جرحى و قتيل و قتلي و استمر هذا الجمع في الباب و كثر حتى شبه به غيره مما ليس منه و لكن لموافقته مثل مرضى و هلكى و موتى و ذلك أن هذه أمور ابتلوا بها و أدخلوا فيها و هم لها كارهون فصار لذلك مشبها بفعيل في قول الخليل و إنما قالوا أسارى على التشبيه بكسالى كما قالوا كسلى على التشبيه بأسرى و قال الأزهري الأسارى جمع الأسرى فهو جمع الجمع .

اللغة

الأسر الشد على المحارب بما يصير به في قبضة الآخذ له و فلان مأسور أي مشدود و كانوا يشدون الأسير بالقد ، و الإثخان في الأرض تغليظ الحال بكثرة الفتل و الثخن و الغلظ و الكثافة نظائر و قد أثخنه المرض إذا اشتدت قوته عليه و أثخنه الجراح و العرض متاع
مجمع البيان ج : 4 ص : 858
الدنيا سماه عرضا لقلة لبثه و الفرق بين الحلال و المباح أن الحلال من حل العقد في التحريم و المباح من التوسعة في الفعل و إن اجتمعا في الحل و الطيب المستلذ و شبه الحلال به فسمي طيبا و اللذة نيل المشتهى .

الإعراب

الفاء في فكلوا دخلت للجزاء المعنى لقد أحللت لكم الغذاء فكلوا و حلالا طيبا منصوب على الحال .

المعنى

« ما كان لنبي » أي ليس له و لا في عهد الله إليه « أن يكون له أسرى » من المشركين ليفديهم أو يمن عليهم « حتى يثخن في الأرض » أي حتى يبالغ في قتل المشركين و قهرهم ليرتدع بهم من وراءهم و قال أبو مسلم الإثخان الغلبة على البلدان و التذليل لأهلها يعني حتى يتمكن في الأرض « تريدون عرض الدنيا » هذا خطاب لمن دون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من المؤمنين الذين رغبوا في أخذ الفداء من الأسرى في أول وقته و رغبوا في الحرب للغنيمة قال الحسن و ابن عباس يريد يوم بدر و يقول أخذتم الفداء من الأسرى في أول وقعة كانت لكم من قبل أن تثخنوا في الأرض و عرض الدنيا مال الدنيا لأنه بمعرض الزوال « و الله يريد الآخرة » أي تريدون عاجل الحظ من عرض الدنيا و الله يريد لكم ثواب الآخرة « و الله عزيز » لا يغلب أنصاره فاعملوا ما يريده منكم لينصركم « حكيم » يجري أفعاله على ما توجبه الحكمة فصل سبحانه بين إرادة نفسه و إرادة عباده و لو كان ما أرادوه على ما قاله المجبرة لم يصح هذا التفصيل « لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم » قيل في معناه أقوال ( أحدها ) لو لا ما مضى من حكم الله أن لا يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون و أنه لم يبين لكم أن لا تأخذوا الفداء لعذبكم بأخذ الفداء عن ابن جريج ( و ثانيها ) لو لا أن الله حكم لكم إباحة الغنائم و الفداء في أم الكتاب و هو اللوح المحفوظ لمسكم فيما استحللتم قبل الإباحة عذاب عظيم فإن الغنائم لم تحل لأحد قبلكم عن ابن عباس ( و ثالثها ) لو لا كتاب من الله سبق و هو القرآن ف آمنتم به و استوجبتم بالإيمان به الغفران لمسكم العذاب عن الجبائي قال و المراد به الصغائر ( و رابعها ) أن الكتاب الذي سبق قوله و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و المعنى لو لا ما كتب الله في القرآن أو في اللوح المحفوظ أنه لا يعذبكم و النبي بين أظهركم لعذبكم « فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا » هذه إباحة منه سبحانه للمؤمنين أن يأكلوا مما غنموه من أموال المشركين « و اتقوا الله » باتقاء معاصيه « إن الله غفور رحيم » .

[ القصة ]

كان القتلى من المشركين يوم بدر سبعين قتل منهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)
مجمع البيان ج : 4 ص : 859
سبعة و عشرين و كان الأسرى أيضا سبعين و لم يؤسر أحد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجمعوا الأسارى و قرنوهم في الحبال و ساقوهم على أقدامهم و قتل من أصحاب رسول الله تسعة رجال منهم سعد بن خيثمة و كان من النقباء من الأوس و عن محمد بن إسحاق قال استشهد من المسلمين يوم بدر أحد عشر رجلا أربعة من قريش و سبعة من الأنصار و قيل ثمانية و قتل من المشركين بضعة و أربعون رجلا و عن ابن عباس قال لما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر و الناس محبوسون بالوثاق بات ساهرا أول الليلة فقال له أصحابه ما لك لا تنام فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) سمعت أنين عمي العباس في وثاقه فأطلقوه فسكت فنام رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و روى عبيدة السلماني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لأصحابه يوم بدر في أسارى إن شئتم قتلتموهم و إن شئتم فاديتموهم و استشهد منكم بعدتهم و كانت الأسارى سبعين فقالوا بل نأخذ الفداء فنستمتع به و نتقوى به على عدونا و ليستشهد منا بعدتهم قال عبيدة طلبوا الخيرتين كلتيهما فقتل منهم يوم أحد سبعون و في كتاب علي بن إبراهيم لما قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط خافت الأنصار أن يقتل الأسارى فقالوا يا رسول الله قتلنا سبعين و هم قومك و أسرتك أ تجذا أصلهم فخذ يا رسول الله منهم الفداء و قد كانوا أخذوا ما وجدوه من الغنائم في عسكر قريش فلما طلبوا إليه و سألوه نزلت الآية « ما كان لنبي أن يكون له أسرى » الآيات فأطلق لهم ذلك و كان أكثر الفداء أربعة آلاف درهم و أقله ألف درهم فبعثت قريش بالفداء أولا فأولا فبعثت زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من فداء زوجها أبي العاص بن الربيع و بعثت قلائد لها كانت خديجة جهزتها بها و كان أبو العاص ابن أخت خديجة فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) تلك القلائد قال رحم الله خديجة هذه قلائد هي جهزتها بها فأطلقه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بشرط أن يبعث إليه زينب و لا يمنعها من اللحوق به فعاهده على ذلك و وفى له و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كره أخذ الفداء حتى رأى سعد بن معاذ كراهية ذلك في وجهه فقال يا رسول الله هذا أول حرب لقينا فيه المشركين و الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال و قال عمر بن الخطاب يا رسول الله كذبوك و أخرجوك فقدمهم و اضرب أعناقهم و مكن عليا من عقيل فيضرب عنقه و مكني من فلان أضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر و قال أبو بكر أهلك و قومك استأن بهم و استبقهم و خذ منهم فدية فيكون لنا قوة على الكفار قال ابن زيد فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لو نزل عذاب من السماء ما نجا منكم غير عمر و سعد بن معاذ و قال أبو جعفر
مجمع البيان ج : 4 ص : 860
الباقر (عليه السلام) كان الفداء يوم بدر كل رجل من المشركين بأربعين أوقية و الأوقية أربعون مثقالا إلا العباس فإن فداءه كان مائة أوقية و كان أخذ منه حين أسر عشرون أوقية ذهبا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذلك غنيمة ففاد نفسك و ابني أخيك نوفلا و عقيلا فقال ليس معي شيء فقال أين الذهب الذي سلمته إلى أم الفضل و قلت إن حدث بي حدث فهو لك و للفضل و عبد الله و قثم فقال من أخبرك بهذا قال الله تعالى فقال أشهد أنك رسول الله و الله ما أطلع على هذا أحدا إلا الله تعالى .
يَأَيهَا النَّبىُّ قُل لِّمَن فى أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فى قُلُوبِكُمْ خَيراً يُؤْتِكُمْ خَيراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(70) وَ إِن يُرِيدُوا خِيَانَتَك فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(71)

القراءة

قرأ أبو جعفر و أبو عمرو من الأسارى و الباقون « من الأسرى » و قد ذكرنا الفرق بين الأسرى و الأسارى فيما قبل .

المعنى

ثم خاطب الله سبحانه نبيه فقال « يا أيها النبي قل لمن في أيديكم » من الأسارى إنما ذكر الأيدي لأن من كان في وثاقهم فهو بمنزلة من يكون في أيديهم لاستيلائهم عليه « من الأسرى » يعني إسراء بدر الذين أخذ منهم الفداء « إن يعلم الله في قلوبكم خيرا » أي إسلاما و إخلاصا أو رغبة في الإيمان و صحة نية « يؤتكم خيرا » أي يعطكم خيرا « مما أخذ منكم » من الفداء إما في الدنيا و الآخرة و إما في الآخرة « و يغفر لكم » ذنوبكم « و الله غفور » للذنوب « رحيم » روي عن العباس بن عبد المطلب أنه قال نزلت هذه الآية في و في أصحابي كان معي عشرون أوقية ذهبا فأخذت مني فأعطاني الله مكانها عشرين عبدا كل منهم يضرب بمال كثير و أدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية و أعطاني زمزم و ما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة و أنا أنتظر المغفرة من ربي قال قتادة ذكر لنا أن نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا و قد توضأ لصلاة الظهر فما صلى يومئذ حتى فرقه و أمر العباس أن يأخذ منه و يحثي فأخذ فكان العباس يقول هذا خير مما أخذ منا
مجمع البيان ج : 4 ص : 861
و أرجو المغفرة « و إن يريدوا خيانتك » معناه و إن يرد الذين أطلقتهم من الأسارى خيانتك بأن يعدوا حربا لك أو ينصروا عدوا عليك « فقد خانوا الله من قبل » بأن خرجوا إلى بدر و قاتلوا مع المشركين و قيل بأن أشركوا بالله و أضافوا إليه ما لا يليق به « فأمكن منهم » أي فأمكنك منهم يوم بدر بأن غلبوا و أسروا و سيمكنك منهم ثانيا أن خانوك « و الله عليم حكيم » معناه عليم بما يقولونه و بما في نفوسهم و بجميع الأشياء حكيم فيما يفعله .
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ هَاجَرُوا وَ جَهَدُوا بِأَمْوَلِهِمْ وَ أَنفُسِهِمْ فى سبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ ءَاوَوا وَّ نَصرُوا أُولَئك بَعْضهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ لَمْ يهَاجِرُوا مَا لَكم مِّن وَلَيَتهِم مِّن شىْء حَتى يهَاجِرُوا وَ إِنِ استَنصرُوكُمْ فى الدِّينِ فَعَلَيْكمُ النَّصرُ إِلا عَلى قَوْمِ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنهُم مِّيثَقٌ وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(72)

القراءة

قرأ حمزة ولايتهم بكسر الواو و هو قراءة الأعمش و يحيى بن وثاب و الباقون « ولايتهم » بفتح الواو .

الحجة

قال الزجاج من قرأ بالفتح فلأن الولاية من النصرة و النسب بفتح الواو و الولاية التي بمنزلة الإمارة مكسورة ليفصل بين المعنيين و قد يجوز كسر الواو لأن في تولي بعض القوم بعضا جنسا من الصناعة و العمل و كل ما كان من جنس الصناعة فمكسور نحو الخياطة و الصياغة و قال أبو عبيدة و أبو الحسن من ولايتهم مصدر المولى و أما في السلطان فالولاية بكسر الواو و هي في الأخرى لغة .

اللغة

الهجرة و المهاجرة فراق الوطن إلى غيره من البلاد و أصله من الهجر ضد الوصل و الجهاد تحمل المشاق في قتال أعداء الدين من جهده الأمر جهدا و الإيواء ضم الإنسان غيره إليه بإنزاله عنده و تقريبه له يقال آواه يؤويه إيواء و أوى يأوي أويا و أويت معناه
مجمع البيان ج : 4 ص : 862
رجعت إلى المأوى و الولاية عقد النصرة للموافقة في الديانة .

النزول

قيل نزلت الآية في الميراث و كانوا يتوارثون بالهجرة فجعل الله الميراث للمهاجرين و الأنصار دون ذوي الأرحام و كان الذي آمن و لم يهاجر و لم يرث من أجل أنه لم يهاجر و لم ينصر و كانوا يعملون بذلك حتى أنزل الله تعالى و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فنسخت هذه الآية و صار الميراث لذوي الأرحام المؤمنين و لا يتوارث أهل ملتين عن ابن عباس و الحسن و قتادة و مجاهد و السدي .

المعنى

ثم ختم سبحانه السورة بإيجاب موالاة المؤمنين و قطع موالاة الكافرين فقال « إن الذين آمنوا » بالله و رسوله و بما يجب الإيمان به « و هاجروا » من مكة إلى المدينة « و جاهدوا » و قاتلوا العدو « بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله » أي في طاعة الله و إعزاز دينه « و الذين آووا » الرسول و المهاجرين بالمدينة أي جعلوا لهم مأوى و أسكنوهم منازلهم يعني الأنصار « و نصروا » أي و نصروهم بعد الإيواء على أعدائهم و بذلوا المهج في نصرتهم « أولئك بعضهم أولياء بعض » أي هؤلاء بعضهم أولى ببعض في النصرة و إن لم يكن بينهم قرابة من أقربائهم من الكفار و قيل في التوارث عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قتادة و السدي و قيل في التناصر و التعاون و الموالاة في الدين عن الأصم و قيل في نفوذ أمان بعضهم على بعض فإن واحدا من المسلمين لو أمن إنسانا نفذ أمانه على سائر المسلمين « و الذين آمنوا و لم يهاجروا » إلى المدينة « ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا » أي ما لكم من ميراثهم من شيء حتى يهاجروا فحينئذ يحصل بينكم التوارث فإن الميراث كان منقطعا في ذلك الوقت بين المهاجرين و غير المهاجرين و روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنهم كانوا يتوارثون بالمؤاخاة الأولى و قيل معناه ما لكم من موالاتهم و نصرتهم من شيء أي ليس عليكم نصرتهم « و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر » معناه و إن طلبوا يعني المؤمنين الذين لم يهاجروا منكم النصرة لهم على الكفار و إعانتهم في الدين فعليكم النصر و المعونة لهم و ليس عليكم نصرتهم في غير الدين « إلا على قوم بينكم و بينهم ميثاق » معناه إلا أن يطلبوا منكم النصرة لهم على قوم من المشركين بينكم و بينهم أمان و عهد يجب الوفاء به و لا تنصروهم عليهم لما فيه من نقض العهد « و الله بما تعملون بصير » أي بأعمالهم عليم لا يخفى عليه شيء منها .

مجمع البيان ج : 4 ص : 863
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فى الأَرْضِ وَ فَسادٌ كبِيرٌ(73) وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ هَاجَرُوا وَ جَهَدُوا فى سبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ ءَاوَوا وَّ نَصرُوا أُولَئك هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لهَُّم مَّغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ(74) وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِن بَعْدُ وَ هَاجَرُوا وَ جَهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئك مِنكمْ وَ أُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضهُمْ أَوْلى بِبَعْض فى كِتَبِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكلِّ شىْء عَلِيمُ(75)

اللغة

الفتنة أصلها الامتحان ثم تستعمل في أشياء منها الكفر و الشرك و ذلك نحو قوله تعالى و الفتنة أكبر من القتل و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و منها العذاب نحو قوله تعالى « جعل فتنة الناس كعذاب الله » و قوله « ذوقوا فتنتكم » يعني عذابكم بالتحريق بالنار و منها المعذرة في نحو قوله تعالى « ثم لم تكن فتنتهم » أي معذرتهم و منها القتل في نحو قوله « إن خفتم أن يفتنكم » أي يقتلكم و قوله على خوف من فرعون و ملإيهم أن يفتنهم و منها الهرج و الابتلاء على إثر البلاء في نحو قوله و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم و هذا التفصيل مأخوذ من قول الصادق (عليه السلام) .
و الكريم فاعل الكرم و الكرم الجود العظيم و الشرف قال :
تلك المكارم لا قعبان من لبن
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا و الرزق الكريم العظيم الواسع .

الإعراب

قوله فعليكم النصر يجوز في العربية فعليكم النصر على قولك عليك زيدا و لم يقرأ بها .

المعنى

ثم ذكر سبحانه و تعالى حكم الكافرين فقال « و الذين كفروا بعضهم أولياء
مجمع البيان ج : 4 ص : 864
بعض » أي بعضهم أنصار بعض عن ابن إسحاق و قتادة و قيل معناه بعضهم أولى ببعض في الميراث عن ابن عباس و أبي مالك « ألا تفعلوه » و تقديره إلا تفعلوا ما أمرتم به في الآية الأولى و الثانية و مخرجه مخرج الخبر و المراد به الأمر و تقديره إلا تفعلوا ما أمرتم به من التناصر و التعاون و التبرؤ من الكفار « تكن فتنة في الأرض و فساد كبير » على المؤمنين الذين لم يهاجروا و يريد بالفتنة هنا المحنة بالميل إلى الضلال و بالفساد الكبير ضعف الإيمان و قيل إن الفتنة هي الكفر لأن المسلمين إذا والوهم تجرؤوا على المسلمين و دعوهم إلى الكفر و هذا يوجب التبرؤ منهم و الفساد الكبير سفك الدماء عن الحسن و قيل معناه و إن لم تعلقوا التوارث بالهجرة و لم تقطعوه بعدمها أدى إلى فتنة في الأرض باختلاف الكلمة و فساد عظيم بتقوية الخارج عن الجماعة عن ابن عباس و ابن زيد ثم عاد سبحانه إلى ذكر المهاجرين و الأنصار و مدحهم و الثناء عليهم فقال « و الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله » أي صدقوا الله و رسوله و هاجروا من ديارهم و أوطانهم يعني من مكة إلى المدينة و جاهدوا مع ذلك في إعلاء دين الله « و الذين آووا و نصروا » أي ضموهم إليهم و نصروا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « أولئك هم المؤمنون حقا » أي أولئك الذين حققوا إيمانهم بالهجرة و النصرة بخلاف من أقام بدار الشرك و قيل معناه أن الله حقق إيمانهم بالبشارة التي بشرهم بها و لم يكن لمن لم يهاجر و لم ينصر مثل هذا و اختلفوا في أن الهجرة هل تصح في هذا الزمان أم لا فقيل لا تصح لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لا هجرة بعد الفتح و لأن الهجرة الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام و ليس يقع مثل هذا في هذا الزمان لاتساع بلاد الإسلام إلا أن يكون نادرا لا يعتد به و قيل إن هجرة الأعراب إلى الأمصار باقية إلى يوم القيامة عن الحسن و الأقوى أن يكون حكم الهجرة باقيا لأن من أسلم في دار الحرب ثم هاجر إلى دار الإسلام كان مهاجرا و كان الحسن يمنع أن يتزوج المهاجر إلى أعرابية و روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لا تنكحوا أهل مكة فإنهم أعراب و إنما سمي الجهاد سبيل الله لأنه الطريق إلى ثواب الله في دار كرامته « لهم مغفرة و رزق كريم » لا يشوبه ما ينغصه و قيل الرزق الكريم هاهنا طعام الجنة لأنه لا يستحيل في أجوافهم نجوا بل يصير كالمسك ريحا « و الذين آمنوا من بعد » أي من بعد فتح مكة عن الحسن و قيل معناه آمنوا من بعد إيمانكم « و هاجروا » بعد هجرتكم « و جاهدوا معكم » أيها المؤمنون « فأولئك منكم » أي مؤمنون مثلكم من جملتكم و حكمهم حكمكم في وجوب موالاتهم و موارثتهم و نصرتهم و إن تأخر إيمانهم و هجرتهم « و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض » معناه و ذوو الأرحام و القرابة بعضهم أحق بميراث بعضهم من غيرهم عن ابن عباس و الحسن و جماعة
مجمع البيان ج : 4 ص : 865
المفسرين و قالوا صار ذلك نسخا لما قبله من التوارث بالمعاقدة و الهجرة و غير ذلك من الأسباب فقد كانوا يتوارثون بالمؤاخاة فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان آخى بين المهاجرين و الأنصار « في كتاب الله » أي في حكم الله عن الزجاج و قيل في اللوح المحفوظ كما في قوله ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها و قيل في القرآن و في قوله « و أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض » دلالة على أن من كان أقرب إلى الميت في النسب كان أولى بالميراث سواء كان ذا سهم أو غير ذي سهم أو عصبة أو غير ذي عصبة و من وافقنا في توريث ذوي الأرحام يستثني أصحاب الفرائض و العصبة من الآية و ذلك خلاف الظاهر « إن الله بكل شيء عليم » ظاهر المعنى و أكثر هذه السورة في قصة بدر .

 

 
<<        الفهرس        >>