جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج4 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>




مجمع البيان ج : 4 ص : 821
أنكم تحشرون أي تجمعون للجزاء على أعمالكم يوم القيامة إن خيرا فخير و إن شرا فشر « و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة » حذرهم الله تعالى من هذه الفتنة و أمرهم أن يتقوها فكأنه قال اتقوا فتنة لا تقربوها فتصيبنكم لأن قوله « لا تصيبن » نهي مسوق على الأمر و لفظ النهي واقع على الفتنة و هو في المعنى للمأمورين بالاتقاء كقوله « و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون » أي احذروا أن يدرككم الموت قبل أن تسلموا و اختلف في معنى الفتنة هاهنا فقيل هي العذاب أمر الله المؤمنين أن لا يقربوا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب و الخطاب لأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاصة عن ابن عباس و الجبائي و قيل هي البلية التي يظهر باطن أمر الإنسان فيها عن الحسن قال و نزلت في علي و عمار و طلحة و الزبير و قد قال الزبير لقد قرأنا هذه الآية زمانا و ما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها فخالفنا حتى أصابتنا خاصة و قيل نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا عن السدي و قيل هي الضلالة و افتراق الكلمة و مخالفة بعضهم بعضا عن ابن زيد و قيل هي الهرج الذي يركب الناس فيه بالظلم و يدخل ضرره على كل أحد ثم اختلف في إصابة هذه الفتنة على قولين ( أحدهما ) أنها جارية على العموم فتصيب الظالم و غير الظالم أما الظالمون فمعذبون و أما المؤمنون فممتحنون ممحصون عن ابن عباس و روي أنه سئل عنها فقال أبهموا ما أبهم الله ( و الثاني ) أنها تخص الظالم لأن الغرض منع الناس عن الظلم و تقديره و اتقوا عذابا يصيب الظلمة خاصة .
و يقويه قراءة من قرأ لتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة باللام فإنه تفسيره على هذا المعنى و قيل إن لا في قوله « لا تصيبن » زائدة و يجوز أن يقال إن الألف في لا لإشباع الفتحة على ما تقدم ذكره قال أبو مسلم تقديره احذروا أن يخص الظالم منكم بعذاب أي لا تظلموا فيأتيكم عذاب لا ينجو منه إلا من زال عنه اسم الظلم « و اعلموا أن الله شديد العقاب » لمن لم يتق المعاصي و روى الثعلبي بإسناده عن حذيفة أنه قال أتتكم فتن كقطع الليل المظلم يهلك فيها كل شجاع بطل و كل راكب موضع و كل خطيب مصقع و في حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لعمار يا عمار أنه سيكون بعدي هنأت حتى يختلف السيف فيما بينهم و حتى يقتل بعضهم بعضا و حتى يبرأ بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإن سلك
مجمع البيان ج : 4 ص : 822
الناس كلهم واديا و سلك علي واديا فاسلك وادي علي و خل عن الناس يا عمار أن عليا لا يردك عن هدى و لا يدلك على ردى يا عمار طاعة علي طاعتي و طاعتي طاعة الله رواه السيد أبو طالب الهروي بإسناده عن علقمة و الأسود قالا أتينا أبا أيوب الأنصاري الخبر بطوله و في كتاب شواهد التنزيل للحاكم أبي القاسم الحسكاني و حدثنا عنه أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني حدثني محمد بن القاسم بن أحمد قال حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضيل بن محمد قال حدثنا محمد بن صالح العرزمي قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال حدثنا أبو سعيد الأشج عن أبي خلف الأحمر عن إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية « و اتقوا فتنة » قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد بنبوتي و نبوة الأنبياء قبلي .
وَ اذْكرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّستَضعَفُونَ فى الأَرْضِ تخَافُونَ أَن يَتَخَطفَكُمُ النَّاس فَئَاوَاكُمْ وَ أَيَّدَكُم بِنَصرِهِ وَ رَزَقَكُم مِّنَ الطيِّبَتِ لَعَلَّكمْ تَشكُرُونَ(26)

اللغة

الذكر ضد السهو و هو إحضار المعنى للنفس و الاستضعاف طلب ضعف الشيء بتهوين حاله و التخطف الأخذ بسرعة انتزاع يقال تخطف و خطف و اختطف .

المعنى

ثم ذكر سبحانه حالتهم السالفة في القلة و الضعف و إنعامه عليهم بالنصر و التأييد و التكثير فقال « و اذكروا » معشر المهاجرين « إذ أنتم قليل » في العدد و كانوا كذلك قبل الهجرة في ابتداء الإسلام « مستضعفون » يطلب ضعفكم بتوهين أمركم « في الأرض » أي في مكة عن ابن عباس و الحسن « تخافون أن يتخطفكم الناس » أي يستلبكم المشركون من العرب إن خرجتم منها و قيل أنه يعني بالناس كفار قريش عن قتادة و عكرمة و قيل فارس و الروم عن وهب « ف آواكم » أي جعل لكم مأوى ترجعون إليه يعني المدينة دار الهجرة « و أيدكم بنصره » أي قواكم « و رزقكم من الطيبات » يعني الغنائم أحلها لكم و لم يحلها لأحد قبلكم و قيل هي عامة في جميع ما أعطاهم من الأطعمة اللذيذة « لعلكم تشكرون » أي لكي تشكروا و المعنى قابلوا حالكم التي أنتم عليها الآن بتلك الحال المتقدمة ليتبين لكم موضع النعمة فتشكروا عليها .

مجمع البيان ج : 4 ص : 823
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تخُونُوا اللَّهَ وَ الرَّسولَ وَ تخُونُوا أَمَنَتِكُمْ وَ أَنتُمْ تَعْلَمُونَ(27) وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَلُكمْ وَ أَوْلَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَ أَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(28)

اللغة

الخيانة منع الحق الذي قد ضمن التأدية فيه و هي ضد الأمانة و أصلها أن تنقص من ائتمنك أمانته قال زهير :
بارزة الفقارة لم يخنها
قطاف في الركاب و لا خلاء أي لم ينقص من فراهتها .

الإعراب

و تخونوا مجزوم على النهي و تقديره و لا تخونوا عن الأخفش و هو في معنى قول ابن عباس و قيل أنه نصب على الظرف مثل قول الشاعر :
لا تنه عن خلق و تأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم و هو في معنى قول السدي .

النزول

قال عطا سمعت جابر بن عبد الله يقول أن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبرائيل (عليه السلام) النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال أن أبا سفيان في مكان كذا و كذا فاخرجوا إليه و اكتموا قال فكتب إليه رجل من المنافقين أن محمدا يريدكم فخذوا حذركم فأنزل الله هذه الآية و قال السدي كانوا يسمعون الشيء من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيفشونه حتى يبلغ المشركين و قال الكلبي و الزهري نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري و ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حاصر يهود قريظة إحدى و عشرين ليلة فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات و أريحا من أرض الشام فأبى أن يعطيهم ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فقالوا أرسل إلينا أبا لبابة و كان مناصحا لهم لأن عياله و ماله و ولده كانت عندهم فبعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
مجمع البيان ج : 4 ص : 824
فأتاهم فقالوا ما ترى يا أبا لبابة أ تنزل على حكم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا فأتاه جبرائيل (عليه السلام) فأخبره بذلك قال أبو لبابة فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله و رسوله فنزلت الآية فيه فلما نزلت شد نفسه على سارية من سواري المسجد و قال و الله لا أذوق طعاما و لا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما و لا شرابا حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له يا أبا لبابة قد تيب عليك فقال لا و الله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده ثم قال أبو لبابة أن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب و إن انخلع من مالي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يجزئك الثلث أن تصدق به و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) .

المعنى

ثم أمرهم الله سبحانه بترك الخيانة فقال « يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول » أي لا تخونوا الله بترك فرائضه و الرسول بترك سننه و شرائعه عن ابن عباس و قيل إن من ترك شيئا من الدين و ضيعه فقد خان الله و رسوله عن الحسن « و تخونوا أماناتكم » يعني الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد يعني الفرائض التي يقول لا تنقصوها عن ابن عباس و قيل أنهم إذا خانوا الله و الرسول فقد خانوا أماناتهم عن السدي « و أنتم تعلمون » ما في الخيانة من الذم و العقاب و قيل و أنتم تعلمون أنها أمانة من غير شبهة « و اعلموا » أي و تحققوا و أيقنوا « أنما أموالكم و أولادكم فتنة » أي بلية عليكم ابتلاكم الله تعالى بها فإن أبا لبابة حمله على ما فعله ماله الذي كان في أيديهم و أولاده الذين كانوا بين ظهرانيهم « و أن الله عنده أجر عظيم » لمن أطاعه و خرج إلى الجهاد و لم يخن الله و رسوله و ذلك خير من الأموال و الأولاد بين سبحانه بهذه الآية أنه يختبر خلقه بالأموال و الأولاد ليتبين الراضي بقسمه ممن لا يرضى به و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم و لكن ليظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب و العقاب و إلى هذا أشار أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في قوله لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة لأنه ليس أحد إلا و هو مشتمل على فتنة و لكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن فإن الله تعالى يقول « و اعلموا أنما أموالكم و أولادكم فتنة » و قد روي هذا المعنى عن ابن مسعود أيضا .

مجمع البيان ج : 4 ص : 825
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَ يُكَفِّرْ عَنكمْ سيِّئَاتِكمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضلِ الْعَظِيمِ(29)

المعنى

« يا أيها الذين آمنوا » أي يا أيها المؤمنون « إن تتقوا الله » أي إن تتقوا عقاب الله باتقاء معاصيه و أداء فرائضه « يجعل لكم فرقانا » أي هداية و نورا في قلوبكم تفرقون بها بين الحق و الباطل عن ابن جريج و ابن زيد و قيل معناه يجعل لكم مخرجا في الدنيا و الآخرة عن مجاهد و قيل يجعل لكم نجاة عن السدي و قيل يجعل لكم فتحا و نصرا كما قال يوم الفرقان يوم التقى الجمعان عن الفراء و قيل يجعل لكم عزا في الدنيا و ثوابا في الآخرة و عقوبة و خذلانا لأعدائكم و ذلا و عقابا كل ذلك يفرق بينكم و بينهم في الدنيا و الآخرة عن الجبائي « و يكفر عنكم سيئاتكم » التي عملتموها « و يغفر لكم » ذنوبكم « و الله ذو الفضل العظيم » على خلقه بما أنعم عليهم من أنواع النعم فإذا ابتدأهم بالفضل العظيم من غير استحقاق كرما منه و جودا فإنه لا يمنعهم ما استحقوه بطاعاتهم له و قيل معناه إذا ابتدأ بنعيم الدنيا من غير استحقاق فعليه إتمام ذلك بنعيم الآخرة باستحقاق و غير استحقاق .

النظم

قيل اتصلت الآية بأول السورة من الأمر بالجهاد و تقديره أن تتقوا الله و لم تخالفوه فيما أمركم به من الجهاد يجعل لكم فرقانا و قيل أنه لم أمر بالطاعة و ترك الخيانة بين بعده ما أعده لمن امتثل أمره في الدنيا و الآخرة .
وَ إِذْ يَمْكُرُ بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك أَوْ يَقْتُلُوك أَوْ يخْرِجُوك وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيرُ الْمَكرِينَ(30)

اللغة

المكر الميل إلى جهة الشر في خفية قال الأزهري المكر من الناس خب و خداع و من الله جزاء و أصل المكر الالتفاف من قولهم جارية ممكورة قال ذو الرمة :
عجزاء ممكورة خمصانة قلق
عنها الوشاح و تم الجسم و القصب أي ملتفة و الفرق بين المكر و الغدر أن الغدر نقض العهد الذي يجب الوفاء به و المكر قد يكون ابتداء من غير عقد و الإثبات الحبس يقال رماه فأثبته أي حبسه مكانه و أثبته في
مجمع البيان ج : 4 ص : 826
الحرب إذا جرحه جراحة مثقلة .

النزول

قال المفسرون أنها نزلت في قصة دار الندوة و ذلك أن نفرا من قريش اجتمعوا فيها و هي دار قصي بن كلاب و تأمروا في أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال عروة بن هشام نتربص به ريب المنون و قال أبو البختري أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه و قال أبو جهل ما هذا برأي و لكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد فيرضى حينئذ بنو هاشم بالدية فصوب إبليس هذا الرأي و كان قد جاءهم في صورة شيخ كبير من أهل نجد و خطأ الأولين فاتفقوا على هذا الرأي و أعدوا الرجال و السلاح و جاء جبرائيل (عليه السلام) فأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فخرج إلى الغار و أمر عليا (عليه السلام) فبات على فراشه فلما أصبحوا و فتشوا عن الفراش وجدوا عليا و قد رد الله مكرهم فقالوا أين محمد فقال لا أدري فاقتصوا أثره و أرسلوا في طلبه فلما بلغوا الجبل و مروا بالغار رأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو كان هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاثا ثم قدم المدينة .

المعنى

« و إذ يمكر بك الذين كفروا » أي و أذكره إذ يحتال الكفار في إبطال أمرك و يدبرون في هلاكك و هم مشركو العرب منهم عتبة و شيبة ابنا ربيعة و النضر بن الحارث و أبو جهل بن هشام و أبو البختري بن هشام و زمعة بن الأسود و حكيم بن حزام و أمية بن خلف و غيره « ليثبتوك » أي ليقيدوك و يثبتوك في الوثاق عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قتادة و قيل ليثبتوك في الحبس و يسجنوك في بيت عن عطا و السدي و قيل معناه ليثخنوك بالجراحة و الضرب عن أبان بن تغلب و الجبائي و أبو حاتم و أنشد :
فقلت ويحك ما ذا في صحيفتكم
قالوا الخليفة أمسى مثبتا وجعا « أو يقتلوك أو يخرجوك » من مكة إلى طرف من أطراف الأرض و قيل أو يخرجوك على بعير و يطردونه حتى يذهب في وجهه « و يمكرون و يمكر الله » أي و يدبرون في أمرك و يدبر الله في أمرهم عن أبي مسلم و قيل و يحتالون في أمرك من حيث لا تشعر فأحل الله بهم ما أراد من عذابه من حيث لا يشعرون عن الجبائي و قيل يمكرون و الله تعالى يجازيهم على مكرهم كما قال سبحانه و جزاء سيئة سيئة مثلها « و الله خير الماكرين » لأنه لا يمكر إلا ما هو حق و صواب و هو إنزال المكروه بمن يستحقه و العباد قد يمكرون مكرا هو ظلم و باطل
مجمع البيان ج : 4 ص : 827
و مكرهم الذي هو عدل لا يبلغ في المنفعة للمؤمنين مبلغ مكر الله فلذلك قال خير الماكرين و قيل معناه خير المجازين على المكر .

النظم

الآية اتصلت بقوله « و اذكروا إذ أنتم قليل » فتقديره و اذكروا تلك الحال و اذكروا ما مكر الكفار بمكة عن أبي مسلم و غيره و قيل إنها يتصل بما قبلها من قوله « أن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا » يعني يجعل لكم نجاة كما جعل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أصحابه النجاة من مكر مشركي قريش فاذكروا ذلك .
وَ إِذَا تُتْلى عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا قَالُوا قَدْ سمِعْنَا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسطِيرُ الأَوَّلِينَ(31) وَ إِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَاب أَلِيم(32) وَ مَا كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنت فِيهِمْ وَ مَا كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَستَغْفِرُونَ(33) وَ مَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبهُمُ اللَّهُ وَ هُمْ يَصدُّونَ عَنِ الْمَسجِدِ الْحَرَامِ وَ مَا كانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَ لَكِنَّ أَكثرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(34)

الإعراب

« هو الحق » هو فصل لا محل له من الإعراب و يسميه الكوفيون عمادا و الحق منصوب بأنه خبر كان و يجوز فيه الرفع و لكن لم يقرأ به و اللام في قوله « ليعذبهم » لام الجحد و أصلها لام الإضافة و إنما دخلت في النفي و لم تدخل في الإيجاب لتعلق الخبر بحرف النفي كما دخلت الباء في خبر ما و لم تدخل في الإيجاب و موضع أن من قوله « ألا يعذبهم الله » نصب لأن تقديره و ما لهم في أن لا يعذبهم الله أي شيء لهم في ذلك لكن لما حذف الجار عمل معنى الفعل الذي هو الاستقرار و نحوه و إنما جاز الحذف مع إن و لم يجز
مجمع البيان ج : 4 ص : 828
مع المصدر لطول الكلام بالصلة اللازمة من الفعل و الفاعل و ليس كذلك المصدر .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن عناد هؤلاء الكفار و مباهتتهم للحق فقال « و إذا تتلى عليهم آياتنا » من القرآن « قالوا قد سمعنا » أي أدركنا ب آذاننا فإن السماع إدراك الصوت بحاسة الأذن « لو نشاء لقلنا مثل هذا » إنما قالوا ذلك مع ظهور عجزهم عن الإتيان بسورة مثله بعد التحدي عداوة و عنادا و قد تحمل الإنسان شدة العداوة على أن يقول ما لا يعلم و قيل إنما قالوا ذلك لأنه لم ينقطع طمعهم من القدرة عليه في المستقبل إذ القرآن كان مركبا من كلمات جارية على ألسنتهم فطمعوا أن يتأتى لهم في ذلك المستقبل بخلاف صيرورة العصا حية في أنه قد انقطع طمعهم عن الإتيان بمثله إذ جنس ذلك لم يكن في مقدورهم « إن هذا إلا أساطير الأولين » معناه ما هذه إلا أحاديث الأولين تتلوها علينا و كان قائل هذا النضر بن الحارث بن كلدة و أسر يوم بدر فقتله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و عقبة بن أبي معيط قال يا علي علي بالنضر أبغيه فأخذ علي بشعره و كان رجلا جميلا له شعر فجاء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا محمد أسألك بالرحم بيني و بينك إلا أجريتني كرجل من قريش إن قتلتهم قتلتني و إن فاديتهم فاديتني فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا رحم بيني و بينك قطع الله الرحم بالإسلام قدمه يا علي فاضرب عنقه فضرب عنقه ثم قال يا علي علي بعقبة فأحضر فقال يا محمد أ لم تقل لا تصبر قريش أي لا يقتلون صبرا فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أنت من قريش إنما أنت علج من أهل صفورية و الله لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له قال فمن للصبية قال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) النار ثم قال حن قدح ليس منها قال سعيد بن جبير قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر ثلاثة نفر من قريش صبرا المطعم بن عدي و النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط « و إذ قالوا » أي و اذكر يا محمد إذ قالوا أي قال هؤلاء الكفار « اللهم إن كان هذا » الذي جاء به محمد « هو الحق من عندك » دون ما نحن عليه « فأمطر علينا حجارة من السماء » كما أمطرته على قوم لوط « أو ائتنا بعذاب أليم » أي شديد مؤلم و القائل لذلك النضر بن الحارث أيضا عن سعيد بن جبير و مجاهد و روي في الصحيحين أن هذا من قول أبي جهل و يسأل هاهنا فيقال لم طلبوا العذاب من الله بالحق و إنما يطلب بالحق الخير و الثواب و الأجر و الجواب أنهم كانوا يعتقدون أن ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس بحق من الله و إذا لم يكن حقا لم يصبهم شيء و يقال لم قال أمطر من السماء و الأمطار لا يكون إلا من السماء و في هذا جوابان ( أحدهما ) أنه يجوز أن يكون أمطار الحجارة من مكان عال غير السماء ( و الثاني ) أنه على طريق البيان بمن ثم قال سبحانه
مجمع البيان ج : 4 ص : 829
« و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم » ذكر سبحانه سبب إمهالهم و معناه و ما كان الله يعذب أهل مكة بعذاب الاستئصال و أنت مقيم بين أظهرهم لفضلك و حرمتك يا محمد فإن الله تعالى بعثك رحمة للعالمين فلا يعذبهم إلا بعد أن يفعلوا ما يستحقون به سلب النعمة بإخراجك عنهم قال ابن عباس إن الله سبحانه لم يعذب قومه حتى أخرجوه منها « و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون » معناه و ما كان الله يعذبهم و فيهم بقية من المؤمنين بعد خروجك من مكة و ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما خرج من مكة بقيت فيها بقية من المؤمنين لم يهاجروا بعذر و كانوا على عزم الهجرة فرفع الله العذاب عن مشركي مكة لحرمة استغفارهم فلما خرجوا أذن الله في فتح مكة عن ابن عباس و عطية و الضحاك و اختاره الجبائي و قيل معناه و ما يعذبهم الله بعذاب الاستئصال في الدنيا و هم يقولون غفرانك ربنا و إنما يعذبهم على شركهم في الآخرة عن ابن عباس في رواية أخرى و يزيد بن رومان و أبي موسى و محمد بن مبشر و في تفسير علي بن إبراهيم لما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لقريش إني أقتل جميع ملوك الدنيا و أجري الملك إليكم فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه تملكون بها العرب و تدين لكم العجم فقال أبو جهل « اللهم إن كان هذا هو الحق » الآية حسدا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم قال غفرانك اللهم ربنا فأنزل الله « و ما كان الله ليعذبهم » الآية و لما هموا بقتل رسول الله و أخرجوه من مكة أنزل الله سبحانه « و ما لهم ألا يعذبهم الله و هم يصدون عن المسجد الحرام » الآية فعذبهم الله بالسيف يوم بدر و قتلوا و قيل معناه أنهم لو استغفروا لم يعذبوا و في ذلك استدعاء إلى الاستغفار عن ابن عباس في رواية أخرى و السدي و قتادة و ابن زيد قال مجاهد و في أصلابهم من يستغفر و قال عكرمة و هم يسلمون فأراد بالاستغفار الإسلام و قد روي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال كان في الأرض أمانان من عذاب الله و قد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به و قرأ هذه الآية و روي ذلك عن قتادة أيضا « و ما لهم ألا يعذبهم الله » معناه و لم لا يعذبهم الله و أي أمر يوجب ترك تعذيبهم « و هم يصدون عن المسجد الحرام » أي يمنعون عن المسجد الحرام أولياءه فحذف لأن ما بعده يدل عليه « و ما كانوا أولياءه » أي و ما كان المشركون أولياء المسجد الحرام و إن سعوا في عمارته « إن أولياؤه إلا المتقون و لكن أكثرهم لا يعلمون » معناه و ما أولياء المسجد الحرام إلا المتقون عن الحسن و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و قيل معناه و ما كانوا أولياء الله إن أولياء الله إلا المتقون الذين يتركون معاصي الله و يجتنبونها و الأول أحسن و يسأل فيقال كيف يجمع بين الآيتين و في الأولى نفي تعذيبهم و في الثانية إثبات ذلك و جوابه على ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن المراد
مجمع البيان ج : 4 ص : 830
بالأول عذاب الاصطلام و الاستئصال كما فعل بالأمم الماضية و بالثاني عذاب القتل بالسيف و الأسر و غير ذلك بعد خروج المؤمنين من بينهم ( و الآخر ) أنه أراد و ما لهم أن لا يعذبهم الله في الآخرة و يريد بالأول عذاب الدنيا عن الجبائي ( و الثالث ) أن الأول استدعاه للاستغفار يريد أنه لا يعذبهم بعذاب دنيا و لا آخرة إذا استغفروا و تابوا فإذا لم يفعلوا عذبوا ثم بين أن استحقاقهم العذاب بصدهم الناس عن المسجد الحرام .
وَ مَا كانَ صلاتهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلا مُكاءً وَ تَصدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(35)

القراءة

يروى في الشواذ عن عاصم و ما كان صلاتهم بالنصب إلا مكاء و تصدية بالرفع و روي أيضا عن أبان بن تغلب .

الحجة

قال ابن جني لسنا ندفع أن جعل اسم كان نكرة و خبرها معرفة قبيح و إنما جاءت منه أبيات شاذة لكن من وراء ذلك ما أذكره و هو أن نكرة الجنس تفيد مفاد معرفته أ لا تراك تقول خرجت فإذا أسد بالباب فتجد معناه فإذا الأسد بالباب و لا فرق بينهما و ذلك أنك في الموضعين لا تريد أسدا واحدا معينا و إنما تريد واحدا من هذا الجنس و إذا كان كذلك جاز هنا الرفع في « مكاء و تصدية » جوازا قريبا كأنه قال و ما كان صلاتهم إلا هذا الجنس من الفعل و لا يكون مثل قولك كان قائم أخاك لأنه ليس في قائم معنى الجنسية و أيضا فإنه يجوز مع النفي ما لا يجوز مع الإيجاب أ لا تراك تقول ما كان إنسان خيرا منك و لا تجيز كان إنسان خيرا منك .

اللغة

المكاء الصفير و المكاء طائر يكون بالحجاز له صفير بالتشديد يقال مكا يمكو مكاء إذا صفر بفيه قال عنترة :
و حليل غانية تركت مجدلا
تمكو فريصته كشدق الأعلم و التصدية التصفيق و هو ضرب اليد على اليد و منه الصدى صوت الجبل و نحوه .

مجمع البيان ج : 4 ص : 831

المعنى

ثم وصف سبحانه صلاتهم فقال « و ما كان صلاتهم عند البيت » يعني هؤلاء المشركين الصادين عن المسجد الحرام « إلا مكاء و تصدية » قال ابن عباس كانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفرون و يصفقون و صلاتهم معناه دعاؤهم أي يقيمون المكاء و التصدية مكان الدعاء و التسبيح و قيل أراد ليس لهم صلاة و لا عبادة و إنما يحصل منهم ما هو ضرب من اللهو و اللعب فالمسلمون الذين يطيعون الله و يعبدونه عند هذا البيت أحق بمنع المشركين منه و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا صلى في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبد الدار عن يمينه فيصفران و رجلان عن يساره يصفقان بأيديهما فيخلطان عليه صلاته فقتلهم الله جميعا ببدر و لهم يقول و لبقية بني عبد الدار « فذوقوا العذاب » يعني عذاب السيف يوم بدر عن الحسن و الضحاك و قيل عذاب الآخرة على هذا يكون في الكلام حذف أي يقال لهم إذا عذبوا ذوقوا العذاب « بما كنتم تكفرون » بتوحيد الله .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَلَهُمْ لِيَصدُّوا عَن سبِيلِ اللَّهِ فَسيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يحْشرُونَ(36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيث مِنَ الطيِّبِ وَ يجْعَلَ الْخَبِيث بَعْضهُ عَلى بَعْض فَيرْكمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فى جَهَنَّمَ أُولَئك هُمُ الْخَسِرُونَ(37)

اللغة

الحسرة الغم بما انكشف من فوت استدراك الخطيئة و أصله الكشف من قولهم حسر عن ذراعه يحسر حسرا و التمييز إخراج الشيء عما خالفه مما ليس منه و إلحاقه بما هو منه يقال ميزه يميزه و مازه و يميزه فامتاز و انماز الأزهري الركم جمعك شيئا فوق شيء حتى تجعله ركاما مركوما مرتكما و هو المتراكب بعضه فوق بعض .

النزول

قيل نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سوى من استجاشهم من العرب و فيهم يقول كعب بن مالك :
فجئنا إلى موج من البحر وسطهم
أحابيش منهم حاسر و مقنع

مجمع البيان ج : 4 ص : 832

ثلاثة آلاف و نحن بقية
ثلاث مئين إن كثرنا فأربع عن سعيد بن جبير و مجاهد و قيل نزلت في المطعمين يوم بدر و كانوا اثني عشر رجلا أبو جهل بن هشام و عتبة و شيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس و نبيه و منبه ابنا الحجاج و أبو البختري بن هشام و النضر بن الحارث و حكيم بن حزام و أبي بن خلف و زمعة بن الأسود و الحرث بن عامر بن نوفل و العباس بن عبد المطلب و كلهم من قريش و كان كل يوم يطعم واحد منهم عشر جزر و كانت النوبة يوم الهزيمة للعباس عن الكلبي و الضحاك و مقاتل و قيل لما أصيبت قريش يوم بدر و رجع فلهم إلى مكة مشى صفوان بن أمية و عكرمة بن أبي جهل في رجال من قريش أصيب آباؤهم و إخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان بن حرب و من كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم و قتل خياركم فأعينونا بهذا المال الذي أفلت على حربه لعلنا أن ندرك منه ثارا بمن أصيب منا ففعلوا فأنزل الله فيهم هذه الآية رواه محمد بن إسحاق عن رجاله .

المعنى

ثم ذكر سبحانه إنفاق المشركين أموالهم في معصية الله تعالى فقال « إن الذين كفروا ينفقون أموالهم » في قتال الرسول و المؤمنين « ليصدوا عن سبيل الله » أي ليمنعوا بذلك الناس عن دين الله الذي أتى به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إنما قال ليصدوا و إن كانوا لم يقصدوا ذلك من حيث لم يعلموا أن ذلك دين الله لأن فعلهم ذلك كان صدا عن دين الله و إن لم يقصدوا ذلك « فسينفقونها » معناه فسيقع منهم الإنفاق لها « ثم تكون عليهم حسرة » معناه ثم ينكشف لهم و يظهر من ذلك الإنفاق ما يكون حسرة عليهم من حيث أنهم لا ينتفعون بذلك الإنفاق لا في الدنيا و لا في الآخرة بل يكون وبالا عليهم « ثم يغلبون » في الحرب أي يغلبهم المؤمنون و في هذا دلالة على صحة نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه أخبر بالشيء قبل كونه فوجد على ما أخبر به « و الذين كفروا إلى جهنم يحشرون » أي يجمعون إلى النار بعد تحسرهم في الدنيا و وقوع الظفر بهم و قتلهم و إنما أعاد قوله « و الذين كفروا » لأن جماعة ممن أنفقوا أسلموا بعد فخص منهم من مات على كفره بوعيد الآخرة « ليميز الله الخبيث من الطيب » معناه ليميز الله نفقة الكافرين من نفقة المؤمنين « و يجعل الخبيث بعضه على بعض » أي و يجعل نفقة المشركين بعضها فوق بعض « فيركمه » أي فيجمعه « جميعا »
مجمع البيان ج : 4 ص : 833
في الآخرة « فيجعله في جهنم » فيعاقبهم به كما قال « يوم يحمى عليها في نار جهنم » الآية و قيل معناه ليميز الله الكافر من المؤمن في الدنيا بالغلبة و النصر و الأسماء الحسنة و الأحكام المخصوصة و في الآخرة بالثواب و الجنة عن أبي مسلم و قيل بأن يجعل الكافر في جهنم و المؤمن في الجنة و يجعل الخبيث بعضه على بعض في جهنم يضيقها عليهم فيركمه جميعا أي يجمع الخبيث حتى يصير كالسحاب المركوم بأن يكون بعضهم فوق بعض في النار مجتمعين فيها فيجعله في جهنم أي فيدخله جهنم « أولئك هم الخاسرون » قد خسروا أنفسهم لأنهم اشتروا بإنفاق الأموال في المعصية عذاب الله في الآخرة .
قُل لِّلَّذِينَ كفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سلَف وَ إِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضت سنَّت الأَوَّلِينَ(38) وَ قَتِلُوهُمْ حَتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكونَ الدِّينُ كلُّهُ للَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(39) وَ إِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ(40)

اللغة

الانتهاء الإقلاع عن الشيء لأجل النهي يقال نهاه عن كذا فانتهى و السنة و الطريقة و السيرة نظائر قال :
فلا تجزعن من سنة أنت سرتها
فأول راضي سنة من يسيرها و السلوف التقدم و التولي عن الدين الذهاب عنه إلى خلافه و التولي فيه هو الذهاب إلى جهة الحق و متابعته .

الإعراب

« و إن تولوا » شرط و قوله « فاعلموا أن الله مولاكم » أمر في موضع الجواب و إنما جاز ذلك لأن فيه معنى الخبر فكأنه قال فواجب عليكم العلم بأن الله مولاكم .

المعنى

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بدعائهم إلى التوبة و الإيمان فقال « قل » يا محمد « للذين كفروا إن ينتهوا » أي يتوبوا عما هم عليه من الشرك و يمتنعوا منه « يغفر لهم ما قد
مجمع البيان ج : 4 ص : 834
سلف » أي ما قد مضى من ذنوبهم و قيل معناه إن ينتهوا عن المحاربة إلى الموادعة يغفر لهم ما قد سلف من المعاقبة « و إن يعودوا فقد مضت سنة الأولين » معناه و إن يعودوا إلى القتال و أصروا على الكفر فقد مضت سنة الله في آبائكم و عادته في نصر المؤمنين و كبت أعداء الدين و الأسر و الاسترقاق و إنما ذكر ذلك تحذيرا لهم و أضاف السنة إليهم لأنها كانت تجري عليهم و قال سنة من قد أرسلنا فأضاف السنة إلى الرسل لأنها كانت تجري على أيديهم ثم قال و لا تجد لسنتنا تحويلا فأضاف إلى نفسه لأنه هو المجري لها « و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة » هذا خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المؤمنين بأن يقاتلوا الكفار حتى لا تكون فتنة أي شرك عن ابن عباس و الحسن و معناه حتى لا يكون كافر بغير عهد لأن الكافر إذا كان بغير عهد كان عزيزا في قومه يدعو الناس إلى دينه فتكون الفتنة في الدين و قيل حتى لا يفتن مؤمن عن دينه « و يكون الدين كله لله » أي و يجتمع أهل الحق و أهل الباطل على الدين الحق فيما يعتقدونه و يعملون به أي و يكون الدين حينئذ كله لله باجتماع الناس عليه و روى زرارة و غيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لم يجيء تأويل هذه الآية و لو قام قائمنا بعد سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية و ليبلغن دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض كما قال الله تعالى « يعبدونني لا يشركون بي شيئا » « فإن انتهوا » عن الكفر « فإن الله بما يعملون بصير » معناه فإن رجعوا عن الكفر و انتهوا عنه فإن الله يجازيهم بأعمالهم مجازاة البصير بها باطنها و ظاهرها لا يخفى عليه منها شيء « و إن تولوا » عن دين الله و طاعته « فاعلموا » أيها المؤمنون « أن الله مولاكم » أي ناصركم و سيدكم و حافظكم « نعم المولى » أي نعم السيد و الحافظ « و نعم النصير » هو ينصر المؤمنين و يعينهم على طاعته و لا يخذل من هو ناصره .

مجمع البيان ج : 4 ص : 835
* وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شىْء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسهُ وَ لِلرَّسولِ وَ لِذِى الْقُرْبى وَ الْيَتَمَى وَ الْمَسكِينِ وَ ابْنِ السبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللَّهِ وَ مَا أَنزَلْنَا عَلى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء قَدِيرٌ(41)

اللغة

الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال و هي هبة من الله تعالى للمسلمين و الفيء ما أخذ بغير قتال و هو قول عطاء و مذهب الشافعي و سفيان و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) و قال قوم الغنيمة و الفيء واحد و ادعوا أن هذه الآية ناسخة للتي في الحشر من قوله « ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل » الآية و اليتيم الذي مات أبوه و هو صغير قبل البلوغ و كل حيوان يتيم من قبل أمه إلا الإنسان فإنه من قبل أبيه و المسكين الذي تحل له الصدقة و هو المحتاج الذي من شأنه أن تسكنه الحاجة عما ينهض به الغني و ابن السبيل المسافر المنقطع به في سفره و إنما قيل ابن السبيل لأن السبيل أخرجه إلى هذا المستقر كما أخرجه أبوه إلى مستقره .

الإعراب

« فأن لله خمسه » قيل في فتح أن قولان ( أحدهما ) أن تقديره فعلى أن لله خمسه ثم حذف حرف الجر ( و الآخر ) أنه عطف على أن الأولى و حذف خبر الأولى لدلالة الكلام عليه و تقديره اعلموا أنما غنمتم من شيء يجب قسمته فاعلموا أن لله خمسه .

المعنى

ثم بين سبحانه حكم الغنيمة فقال سبحانه مخاطبا للمسلمين « و اعلموا أنما غنمتم من شيء » أي مما قل أو كثر « فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربى » اختلف العلماء في كيفية قسمة الخمس و من يستحقه على أقوال ( أحدها ) ما ذهب إليه أصحابنا و هو أن الخمس يقسم على ستة أسهم فسهم لله و سهم للرسول و هذان السهمان مع سهم ذي القربى للإمام القائم مقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) و سهم ليتامى آل محمد و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم لا يشركهم في ذلك غيرهم لأن الله سبحانه حرم عليهم الصدقات لكونها أوساخ الناس و عوضهم من ذلك الخمس و روى ذلك الطبري عن علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) و محمد بن علي الباقر (عليهماالسلام) و روي أيضا عن أبي العالية و الربيع أنه يقسم على ستة أسهم إلا أنهما قالا سهم الله للكعبة و الباقي لمن ذكره الله و هذا القسم مما يقتضيه ظاهر الكتاب و يقويه و الثاني أن الخمس يقسم على خمسة أسهم و إن سهم الله و الرسول واحد و يصرف هذا السهم إلى الكراع و السلاح و هو المروي عن ابن عباس و إبراهيم و قتادة و عطاء و الثالث أن يقسم على أربعة أسهم سهم ذي القربى لقرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الأسهم الثلاثة لمن ذكروا بعد ذلك من سائر المسلمين و هو مذهب الشافعي و الرابع أنه يقسم على ثلاثة
مجمع البيان ج : 4 ص : 836
أسهم لأن سهم الرسول قد سقط بوفاته عندهم لأن الأنبياء لا يورثون فيما يزعمون و سهم ذي القربى قد سقط لأن أبا بكر و عمر لم يعطيا سهم ذي القربى و لم ينكر ذلك أحد من الصحابة عليهما و هو مذهب أبي حنيفة و أهل العراق و منهم من قال لو أعطي فقراء ذوي القربى سهما و الآخرون ثلاثة أسهم جاز و لو جعل ذوو القربى أسوة الفقراء و لا يفرد لهم سهم جاز و اختلف في ذوي القربى فقيل هم بنو هاشم خاصة من ولد عبد المطلب لأن هاشما لم يعقب إلا منه عن ابن عباس و مجاهد و إليه ذهب أصحابنا و قيل هم بنو هاشم بن عبد مناف و بنو المطلب بن عبد مناف و هو مذهب الشافعي و روي ذلك عن جبير بن مطعم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قال أصحابنا أن الخمس واجب في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب و أرباح التجارات و في الكنوز و المعادن و الغوص و غير ذلك مما هو مذكور في الكتب و يمكن أن يستدل على ذلك بهذه الآية فإن في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم الغنم و الغنيمة و نعود إلى تأويل الآية قوله « فأن لله خمسه » قالوا افتتح الكلام بالله على جهة التيمن و التبرك لأن الأشياء كلها له عز و جل و المراد به مصروف إلى الجهات المقربة إلى الله تعالى و « للرسول » قالوا كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سهم من خمسة أسهم يصرفه في مئونته و ما فضل من ذلك يصرفه إلى الكراع و السلاح و المصالح « و لذي القربى » قال بعضهم سقط هذان السهمان بموت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) على ما ذكرناه قال الشافعي يصرف سهم الرسول إلى الخيل و الكراع في سبيل الله و سهم ذي القربى لبني هاشم و بني المطلب يستحقونه بالاسم و النسب فيشترك فيه الغني و الفقير و روي عن الحسن و قتادة أن سهم الله و سهم الرسول و سهم ذي القربى للإمام القائم من بعده ينفقه على نفسه و عياله و مصالح المسلمين و هو مثل مذهبنا « و اليتامى و المساكين و ابن السبيل » قالوا إن هذه الأسهم الثلاثة لجميع الناس و أنه يقسم على كل فريق منهم بقدر حاجتهم و قد بينا أن عندنا يختص باليتامى من بني هاشم و مساكينهم و أبناء سبيلهم « إن كنتم آمنتم بالله » قال الزجاج يجوز أن يكون إن كنتم آمنتم معلقة بقوله فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى و نعم النصير إن كنتم آمنتم بالله « و ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان » أي فأيقنوا أن الله ناصركم إن كنتم قد شاهدتم من نصره ما قد شاهدتم و يجوز أن يكون « إن كنتم آمنتم بالله » معناه « اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه و للرسول » يأمران فيه بما يريدان « إن كنتم آمنتم بالله » فاقبلوا ما أمرتم به من الغنيمة و اعملوا به « و ما أنزلنا على عبدنا » أي و آمنتم بما أنزلنا على محمد من القرآن و قيل من النصر و قيل من الملائكة أي علمتم أن ظفركم على عدوكم كان بنا « يوم الفرقان » يعني يوم بدر لأن الله تعالى
مجمع البيان ج : 4 ص : 837
فرق فيه بين المسلمين و المشركين بإعزاز هؤلاء و قمع أولئك « يوم التقى الجمعان » جمع المسلمين و هم ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا و جمع الكافرين و هم بين تسعمائة إلى ألف من صناديد قريش و رؤسائهم فهزموهم و قتلوا منهم زيادة على السبعين و أسروا منهم مثل ذلك و كان يوم بدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة على رأس ثمانية عشر شهرا و قيل كان التاسع عشر من شهر رمضان و قد روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) « و الله على كل شيء قدير » قد مر تفسيره في سورة البقرة و في تفسير الثعلبي قال المنهال بن عمرو سألت علي بن الحسين (عليهماالسلام) و عبد الله بن محمد بن علي عن الخمس فقالا هو لنا فقلت لعلي أن الله يقول « و اليتامى و المساكين و ابن السبيل » فقال يتامانا و مساكيننا و روى العياشي بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن موضع الخمس فكتب إليه ابن عباس أما الخمس فإنا نزعم أنه لنا و يزعم قومنا أنه ليس لنا فصبرنا و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن الله تعالى لما حرم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام و الخمس لنا حلال و الكرامة لنا حلال .

مجمع البيان ج : 4 ص : 838
إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَ هُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصوَى وَ الرَّكب أَسفَلَ مِنكمْ وَ لَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فى الْمِيعَدِ وَ لَكِن لِّيَقْضىَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِك مَنْ هَلَك عَن بَيِّنَة وَ يَحْيى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَة وَ إِنَّ اللَّهَ لَسمِيعٌ عَلِيمٌ(42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فى مَنَامِك قَلِيلاً وَ لَوْ أَرَاكَهُمْ كثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَ لَتَنَزَعْتُمْ فى الأَمْرِ وَ لَكنَّ اللَّهَ سلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصدُورِ(43) وَ إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فى أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَ يُقَلِّلُكمْ فى أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضىَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَ إِلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ(44)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو بالعدوة بكسر العين و الباقون بضمها و قرأ نافع و أبو بكر عن عاصم و البزي عن ابن كثير حيي بإظهار اليائين و الباقون « حي » بالإدغام .

الحجة

الكسر و الضم في العدوة لغتان قال الراعي في الكسر :
و عينان حم م آقيهما
كما نظر العدوة الجؤذر و قال أوس بن حجر في الضم :
و فارس لا يحل الحي عدوته
و لو سراعا و ما هموا بإقبال و من أدغم حي فللزوم الحركة في الثاني فجرى مجرى ردوا إذا أخبروا عن جماعة قالوا حييوا فخففوا و قد جاء مدغما نحو حيوا قال :
عيوا بأمرهم كما
عيت ببيضتها الحمامة و من اختار الإظهار فلامتناع الإدغام في مضارعه و هو يحيا فأجري الماضي على شاكلة المستقبل .

اللغة

العدوة شفير الوادي و للوادي عدوتان و هما جانباه و الجمع عدى و عدي و الدنيا تأنيث الأدنى من دنوت و القصوى تأنيث الأقصى و ما كان من النعوت على فعلى من بنات الواو فإن العرب تحوله إلى الياء نحو الدنيا و العليا استثقلوا الواو مع ضم الأول إلا أن أهل الحجاز قالوا القصوى فأظهروا الواو و هو نادر و غيرهم يقولون القصيا و الأقصى الأبعد و القصا البعد و قصوت منه أقصو أي تباعدت و الركب جمع راكب مثل شارب و شرب و صاحب و صحب و العلو قرار تحته قرار و السفل قرار فوقه قرار و النوم ضرب من السهو يزول معه معظم الحس و المنام موضع النوم كالمضطجع موضع الاضطجاع و القلة نقصان عن عدة كما أن الكثرة زيادة على عدة و الفشل ضعف من فزع و الفعل منه فشل يفشل و التنازع الاختلاف الذي يحاول كل واحد نزع صاحبه مما هو عليه و السلامة النجاة من الآفة و أسلم الإنسان دخل في السلامة و أسلمه إسلاما دفعه عن السلامة و سلمه إذا نجاه و استلم الحجر إذا طلب
مجمع البيان ج : 4 ص : 839
لمسه على السلامة و الصدر الموضع الأجل يكون فيه القلب و صدر المجلس أجله لأنه موضع الرئيس و الالتقاء اجتماع الاتصال لأن الاجتماع قد يكون في معنى من غير اتصال كاجتماع القوم في الدار و إن لم يكن هناك اتصال و يقال للعسكرين إذا تصافا التقيا لوقوع العين على العين .

الإعراب

إنما نصب أسفل لأن تقديره بمكان أسفل أو في مكان أسفل فهو في موضع جر فهو غير منصرف و يجوز أن يكون منصوبا على الظرف على تقدير و الركب مكانا أسفل منكم قال الزجاج و يجوز أن ترفع أسفل على أنك تريد و الركب أسفل منكم أي أشد تسفلا .

المعنى

ثم بين سبحانه نصرته للمسلمين ببدر فقال سبحانه « إذ أنتم » أيها المسلمون « بالعدوة الدنيا » قال ابن عباس يريد و الله قدير على نصركم و أنتم أذلة إذ أنتم نزول بشفير الوادي الأقرب إلى المدينة « و هم » يعني المشركين أصحاب النفير « بالعدوة القصوى » أي نزول بالشفير الأقصى من المدينة « و الركب » يعني أبا سفيان و أصحابه و هم العير « أسفل منكم » أي في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر قال الكلبي كانوا على شط البحر بثلاثة أميال فذكر الله سبحانه مقاربة الفئتين من غير ميعاد و ما كان المسلمون فيه من قلة الماء و الرمل الذي تسوخ فيه الأرجل مع قلة العدد و العدة و ما كان المشركون فيه من كثرة العدد و العدة و نزولهم على الماء و العير أسفل منهم و فيها أموالهم ثم مع هذا كله نصر المسلمين عليهم ليعلم أن النصر من عنده سبحانه « و لو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد » معناه لو تواعدتم أيها المسلمون للاجتماع في الموضع الذي اجتمعتم فيه ثم بلغكم كثرة عددهم مع قلة عددكم لتأخرتم فنقضتم الميعاد عن ابن إسحاق و قيل معناه لاختلفتم بما يعرض من العوائق و القواطع فذكر الميعاد لتأكيد أمره في الاتفاق و لو لا لطف الله مع ذلك لوقع على الاختلاف كما قال الشاعر :
جرت الرياح على محل ديارهم
فكأنهم كانوا على ميعاد « و لكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا » معناه و لكن قدر الله تعالى التقاءكم و جمع بينكم و بينهم على غير ميعاد منكم ليقضي الله أمرا كان كائنا لا محالة و هو إعزاز الدين و أهله و إذلال
مجمع البيان ج : 4 ص : 840
الشرك و أهله و معنى ليقضي ليظهر قضاءه إذ الله تعالى قد قضى ما هو كائن و معنى قوله « مفعولا » أي واجبا كونه لا محالة يقال للأمر الكائن لا محالة هذا أمر مفروغ منه و قيل معناه ليتم أمرا كان في علمه مفعولا لا محالة من إظهار الإسلام و إعلاء كلمته على عبدة الأصنام « ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة » أي فعل ذلك ليموت من مات منهم بعد قيام الحجة عليه بما رأى من المعجزات الباهرة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و في حروبه و غيرها و يعيش من عاش منهم بعد قيام الحجة عليه و قيل إن البينة هي ما وعد الله من النصر للمؤمنين على الكافرين صار ذلك حجة على الناس في صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيما أتاهم به من عند الله و قيل معناه ليهلك من ضل بعد قيام الحجة عليه فتكون حياة الكافر و بقاؤه هلاكا له و يحيا من اهتدى بعد قيام الحجة عليه فيكون بقاء من بقي على الإيمان حياة له و قوله « عن بينة » يعني بعد بيان « و إن الله لسميع » لأقوالهم « عليم » بما في ضمائرهم فهو يجازيهم بحسب ما يكون منهم « إذ يريكهم الله » العامل في إذ ما تقدم و تقديره أتاكم النصر إذ كنتم بشفير الوادي إذ يريكهم الله و قيل العامل فيه محذوف و تقديره و اذكر يا محمد إذ يريكهم الله أي يريك الله يا محمد هؤلاء المشركين الذين قاتلوكم يوم بدر « في منامك قليلا و لو أراكهم كثيرا لفشلتم و لتنازعتم في الأمر » معناه يريكهم الله في نومك قليلا لتخبر المؤمنين بذلك فيجترىء المؤمنون على قتالهم و هذا قول أكثر المفسرين و هذا جائز لأن الرؤيا في النوم هي تصور يتوهم معه الرؤية في اليقظة و لا يكون إدراكا و لا علما بل كثير مما يراه الإنسان في نومه يكون تعبيره بالعكس مما رآه كما يكون تعبير البكاء ضحكا قال الرماني و يجوز أن يري الله الشيء في المنام على خلاف ما هو به لأن الرؤيا في المنام تخيل للمعنى من غير قطع و إن جامعه قطع من الإنسان على المعنى و إنما ذلك على مثل ما يخيل السراب ماء من غير قطع على أنه ماء و لا يجوز أن يلهمه اعتقادا للشيء على خلاف ما هو به لأن ذلك يكون جهلا لا يجوز أن يفعله الله سبحانه و الرؤيا على أربعة أقسام رؤيا من الله عز و جل و لها تأويل و رؤيا من وساوس الشيطان و رؤيا من غلبة الأخلاط و رؤيا من الأفكار و كلها أضغاث أحلام إلا الرؤيا من قبل الله تعالى التي هي إلهام في المنام و رؤيا النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) هذه كانت بشارة له و للمؤمنين بالغلبة و قال الحسن معنى قوله « في منامك » في موضع نومك أي في عينك التي تنام بها و ليس من الرؤيا في النوم و هو قول البلخي و هذا بعيد لأنه خلاف الظاهر « و لو أراكهم كثيرا » على ما كانوا عليه لجبنتم عن قتالهم و ضعفتم و لتنازعتم في أمر القتال فكان يقول بعضكم نقاتلهم و بعض آخر يخالفونهم و يقول بعضكم لبعض تقدم أنت في القتال و يتأخر هو
 

<<        الفهرس        >>