جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج5 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


إلا يدا مخبولة العضد و الإيضاع الإسراع في السير قال امرؤ القيس : 

مجمع البيان ج : 5  ص :  54

أرانا موضعين لحتم غيب

و نسخر بالطعام و بالشراب و ربما قالوا للراكب وضع بغير ألف و وضعت الناقة تضع وضعا و وضوعا و أوضعتها إيضاعا قال :

يا ليتني فيها جذع

أخب فيها و أضع خلالكم أي بينكم مشتق من التخلل و في الحديث تراصوا بين الصفوف لا يتخللكم الشياطين كأنها ببنات حذف و التقليب تصريف الشيء بجعل أعلاه أسفله و رجل حول قلب كأنه يقلب الآراء في الأمور و يحولها .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء المنافقين فقال « و لو أرادوا الخروج » مع النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) نصرة له أو رغبة في جهاد الكفار كما أراد المؤمنون ذلك « لأعدوا له عدة » أي لاستعدوا للخروج عدة و هي ما يعد لأمر يحدث قبل وقوعه و المراد لأخذوا أهبة الحرب من الكراع و السلاح لأن أمارة من أراد أمرا أن يتأهب له قبل حدوثه « و لكن كره الله انبعاثهم » معناه و لكن كره الله خروجهم إلى الغزو لعلمه أنهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنميمة بين المسلمين و كانوا عيونا للمشركين و كان الضرر في خروجهم أكثر من الفائدة « فثبطهم » عن الخروج الذي عزموا عليه لا عن الخروج الذي أمرهم به لأن الأول كفر و الثاني طاعة و لا ينبغي أن يقال كيف كره انبعاثهم بعد ما أمر به في الآية الأولى لأنه إنما أمر بذلك على وجه الذب عن الدين و نية الجهاد و كره ذلك على نية التضريب و الفساد فقد كره غير ما أمر به و معنى ثبطهم بطأ بهم و خذلهم لما يعلم منهم من الفساد « و قيل اقعدوا مع القاعدين » أي و قيل لهم اقعدوا مع النساء و الصبيان و يحتمل أن يكون القائلون لهم ذلك أصحابهم الذين نهوهم عن الخروج مع النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) للجهاد و يحتمل أن يكون ذلك من كلام النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لهم على وجه التهديد و الوعيد لا على وجه الإذن و يجوز أن يكون أيضا على وجه الإذن لهم في القعود الذي عاتبه الله تعالى عليه إذ كان الأولى أن لا يأذن لهم ليظهر للناس نفاقهم قال أبو مسلم هذا يدل على 

مجمع البيان ج : 5  ص :  55

أن الاستئذان كان في الخروج و أن الإذن من النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لهم كان في الخروج لأنه إذا كره الله سبحانه خروجهم و أراد قعودهم و أذن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في قعودهم فلا عتب عليه و لكنهم استأذنوا في الخروج تملقا و إرادة للفساد فأذن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لهم فيه و لم يعلم ضمائرهم فعلم الله تعالى ذلك من نياتهم و منعهم من الخروج إذ كره خروجهم ثم بين سبحانه وجه الحكمة في كراهية انبعاثهم و تثبيطهم عن الخروج فقال « لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا » معناه لو خرج هؤلاء المنافقون معكم إلى الجهاد ما زادوكم بخروجهم إلا شرا و فسادا و قيل غدرا و مكرا عن الضحاك و قيل يريد عجزا و جبنا عن ابن عباس أي أنهم كانوا يجبنونكم عن لقاء العدو بتهويل الأمر عليكم « و لأوضعوا خلالكم » أي لأسرعوا في الدخول بينكم بالتضريب و الإفساد و النميمة يريد و لسعوا فيما بينكم بالتفريق بين المسلمين و يكون تقديره و لأعدوا الإبل وسطكم و قيل معناه لأوضعوا إبلهم خلالكم يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما فيقول ما لا ينبغي « يبغونكم الفتنة » بعدو الإبل وسطكم و معنى يبغونكم يبغون لكم أو فيكم أي يطلبون لكم المحنة باختلاف الكلمة و الفرقة و قيل معناه يبغونكم أن تكونوا مشركين و الفتنة الشرك عن الحسن و قيل معناه يخوفونكم بالعدو و يخبرونكم أنكم منهزمون و إن عدوكم سيظهر عليكم عن الضحاك « و فيكم سماعون لهم » أي و فيكم عيون للمنافقين ينقلون إليهم ما يسمعون منكم عن مجاهد و ابن زيد و قيل معناه و فيكم قائلون منهم عند سماع قولهم يريد ضعفة المسلمين عن قتادة و ابن إسحاق و جماعة « و الله عليم بالظالمين » أي بهؤلاء المنافقين الذين ظلموا أنفسهم لما أضمروا عليه من الفساد منهم عبد الله بن أبي و جد بن قيس و أوس بن قبطي ثم أقسم الله سبحانه فقال « لقد ابتغوا الفتنة من قبل » الفتنة اسم يقع على كل سوء و شر و المعنى لقد طلب هؤلاء المنافقون اختلاف كلمتكم و تشتيت أهوائكم و افتراق آرائكم من قبل غزوة تبوك أي في يوم أحد حين انصرف عبد الله بن أبي بأصحابه و خذل النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فصرف الله سبحانه عن المسلمين فتنتهم و قيل أراد بالفتنة صرف الناس عن الإيمان و إلقاء الشبهة إلى ضعفاء المسلمين عن الحسن و قيل أراد بالفتنة الفتك بالنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في غزوة تبوك ليلة العقبة و كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين وقفوا على الثنية ليفتكوا بالنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن سعيد بن جبير و ابن جريج « و قلبوا لك الأمور » أي احتالوا في توهين أمرك و إيقاع الاختلاف بين المؤمنين و في قتلك بكل ما أمكنهم فيه فلم يقدروا عليه و قيل أنهم كانوا يريدون في كيده وجها من التدبير فإذا لم يتم ذلك فيه تركوه و طلبوا المكيدة في غيره فهذا تقليب الأمور عن أبي مسلم « حتى

مجمع البيان ج : 5  ص :  56

جاء الحق » معناه حتى جاء النصر و الظفر الذي وعده الله به « و ظهر أمر الله » أي دينه و هو الإسلام على الكفار على رغمهم « و هم كارهون » أي في حال كراهيتهم لذلك فهي جملة في موضع الحال .

وَ مِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لى وَ لا تَفْتِنى  أَلا فى الْفِتْنَةِ سقَطوا  وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطةُ بِالْكفِرِينَ(49) إِن تُصِبْك حَسنَةٌ تَسؤْهُمْ  وَ إِن تُصِبْك مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَ يَتَوَلَّوا وَّ هُمْ فَرِحُونَ(50) قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلا مَا كتَب اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا  وَ عَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُؤْمِنُونَ(51) قُلْ هَلْ تَربَّصونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسنَيَينِ  وَ نحْنُ نَترَبَّص بِكُمْ أَن يُصِيبَكمُ اللَّهُ بِعَذَاب مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا  فَترَبَّصوا إِنَّا مَعَكم مُّترَبِّصونَ(52)

القراءة

القراءة المشهورة « لن يصيبنا » و قرأ طلحة بن مصرف قل هل يصيبنا و كذلك هو في مصحف ابن مسعود .

النزول

قيل إن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لما استنفر الناس إلى تبوك قال انفروا لعلكم تغنمون بنات الأصفر فقام جد بن قيس أخو بني سلمة بن بني الخزرج فقال يا رسول الله ائذن لي و لا تفتني ببنات الأصفر فإني أخاف أن أفتتن بهن فقال قد أذنت لك فأنزل الله تعالى « و منهم من يقول ائذن لي » الآيات عن ابن عباس و مجاهد فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لبني سلمة من سيدكم قالوا جد بن قيس غير أنه

مجمع البيان ج : 5  ص :  57

بخيل جبان فقال (عليه السلام) و أي داء أدوى من البخل بل سيدكم الفتى الأبيض الجعد بشر بن البراء بن المعرور فقال في ذلك حسان بن ثابت :

و قال رسول الله و القول لاحق

بمن قال منا من تعدون سيدا

فقلنا له جد بن قيس على الذي

نبخله فينا و إن كان أنكدا

فقال و أي الداء أدوى من الذي

رميتم به جدا و إن كان أمجدا

و سود بشر بن البراء لجوده

و حق لبشر ذي الندا أن يسودا

إذا ما أتاه الوفد أنهب ماله

و قال خذوه إنه عائد غدا

المعنى

« و منهم » أي و من المنافقين « من يقول ائذن لي » في القعود عن الجهاد « و لا تفتني » ببنات الأصفر عن ابن عباس و مجاهد قال الفراء سميت الروم أصفر لأن حبشيا غلب على ناحية الروم و كان له بنات قد أخذن من بياض الروم و سواد الحبشة فكن صفرا لعسا و قيل معناه لا تؤثمني أي لا توقعني في الإثم بالعصيان لمخالفة أمرك بالخروج إلى الجهاد و ذلك غير متيسر لي عن الحسن و قتادة و الجبائي و الزجاج « ألا في الفتنة سقطوا » معناه ألا في العصيان و الكفر وقعوا بمخالفتهم أمرك في الخروج و الجهاد و قيل معناه لا تعذبني بتكليف الخروج في شدة الحر ألا قد سقطوا في حر أعظم من ذلك و هو حر نار جهنم عن أبي مسلم و يدل عليه قوله « و قالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا » « و إن جهنم لمحيطة بالكافرين » أي ستحيط بهم فلا مخلص لهم منها « إن تصبك حسنة تسؤهم » هذا خطاب من الله سبحانه للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و معناه أن تلك نعمة من الله و فتح و غنيمة يحزن المنافقون « و إن تصبك مصيبة » معناه و إن تصبك شدة و نكبة و آفة في النفس أو المال « يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل » أي أخذنا حذرنا و احترزنا بالقعود من قبل هذه المصيبة عن مجاهد و معناه أخذنا أمرنا من مواضع الهلكة فسلمنا مما وقعوا فيه « و يتولوا و هم فرحون » أي رجعوا إلى بيوتهم فرحين بما أصاب المؤمنين من الشدة « قل » يا محمد لهم « لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا » أي كل ما يصيبنا من خير أو شر فهو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ من أمرنا و ليس على ما تظنون و تتوهمون من إهمالنا من غير أن يرجع أمرنا إلى تدبير عن الحسن و قيل معناه لن يصيبنا في عاقبة أمرنا إلا ما كتب الله لنا في القرآن من النصر الذي وعدنا و أنا نظفر بالأعداء فتكون النصرة حسني لنا أو نقتل فتكون 

مجمع البيان ج : 5  ص :  58

الشهادة حسني لنا أيضا أي فقد كتب الله لنا ما يصيبنا و علمنا ما لنا فيه من الحظ عن الزجاج و الجبائي « هو مولانا » أي هو مالكنا و نحن عبيده و قيل هو ولينا و ناصرنا يحفظنا و يتولى حياطتنا و دفع الضرر عنا « و على الله فليتوكل المؤمنون » هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين بالتوكل عليه و الرضا بتدبيره و تقديره فليتوكل على الله المؤمنون « قل » يا محمد لهؤلاء المنافقين « هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين » معناه هل تنتظرون لنا إلا إحدى الخصلتين الحميدتين و النعمتين العظيمتين إما الغلبة و الغنيمة في العاجل و إما الشهادة مع الثواب الدائم في الآجل عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و غيرهم و هل و إن كان حرف الاستفهام فمعناه هنا التقريع بالتربص المؤدي صاحبه إلى كل ما كرهه من خيبة و فوز خصمه و من هلاكه و نجاة خصمه و من شقوته و سعادة خصمه « و نحن نتربص بكم » أي و نحن نتوقع بكم « أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا » أي يوقع الله بكم عذابا من عنده يهلككم به أو بأن ينصرنا عليكم فيقتلكم بأيدينا « فتربصوا » صورته صورة الأمر و المراد به التهديد كقوله « اعملوا ما شئتم » لأنه لو كان أمرا لهم لكانوا في تربصهم بالمؤمنين القتل مطيعين الله « إنا معكم متربصون » أي منتظرون إما الشهادة و الجنة و إما الغنيمة و الأجر لنا و إما البقاء في الذل و الخزي و إما الموت أو القتل مع المصير إلى النار لكم و هذه الآية تفسير لقوله تعالى « قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا » و قيل معناه فتربصوا هلاكنا فإنا متربصون هلاككم و قيل تربصوا مواعيد الشيطان في إبطال دين الله و نحن متربصون مواعيد الله في إظهار دينه و نصرة نبيه و استئصال مخالفيه .

مجمع البيان ج : 5  ص :  59

قُلْ أَنفِقُوا طوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ  إِنَّكُمْ كنتُمْ قَوْماً فَسِقِينَ(53) وَ مَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنهُمْ نَفَقَتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كفَرُوا بِاللَّهِ وَ بِرَسولِهِ وَ لا يَأْتُونَ الصلَوةَ إِلا وَ هُمْ كسالى وَ لا يُنفِقُونَ إِلا وَ هُمْ كَرِهُونَ(54) فَلا تُعْجِبْك أَمْوَلُهُمْ وَ لا أَوْلَدُهُمْ  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبهُم بهَا فى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ تَزْهَقَ أَنفُسهُمْ وَ هُمْ كَفِرُونَ(55)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم أن يقبل بالياء و الباقون بالتاء .

الحجة

وجه القراءة بالتاء أن الفعل مسند إلى مؤنث في اللفظ و وجه الياء إن التأنيث ليس بحقيقي فجاز أن يذكر كما جاء فمن جاءه موعظة .

اللغة

الطوع الانقياد بإرادة لم يحمل عليها و الكره فعل الشيء بكراهة حمل عليها المنع أمر يضاد الفعل و ينافيه و هو على وجهين منع أن يفعل و منع أن يفعل به فهؤلاء منعوا من أن يفعل بهم قبول نفقتهم و الزهق الخروج بصعوبة و أصله الهلاك و كل هالك زاهق زهق يزهق زهوقا و الزاهق من الدواب السمين الشديد السمن لأنه هالك بثقل بدنه في السير و الكر و الفر و زهق فلان بين أيدي القوم إذا ذهب سابقا لهم حتى يهلك منهم و الإعجاب السرور بما يتعجب منه يقال أعجبني حديثه أي سرني .

الإعراب

« أنفقوا طوعا أو كرها » لفظ أمر و معناه معنى الشرط و الجزاء ، المعنى إن أنفقتم طائعين أو مكرهين لن يتقبل منكم و مثله من الشعر قول كثير :

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

لدينا و لا مقلية إن تقلت فلم يأمرها بالإساءة و لكن أعلمها إن أساءت أو أحسنت فهو على عهدها فكأنه قال إن أحسنت أو أسأت فلا تلامي قال الزجاج فإن قال قائل كيف يكون الأمر في معنى الخبر قيل له إذا كان في الكلام دليل عليه جاز كما يكون لفظ الخبر في معنى الأمر و الدعاء كقولك غفر الله لزيد و رحمه الله و معناه اللهم اغفر له و ارحمه و قوله « أن تقبل » في موضع نصب و تقديره من أن تقبل ، و « أنهم كفروا بالله » في موضع رفع ، المعنى ما منعهم من قبول نفقاتهم إلا كفرهم و يجوز أن يكون التقدير و ما منعهم الله منه إلا لأنهم كفروا .

المعنى

ثم بين سبحانه أن هؤلاء المنافقين لا ينتفعون بما ينفقونه مع إقامتهم على الكفر فقال « قل » يا محمد لهؤلاء « أنفقوا طوعا أو كرها » أي طائعين أو مكرهين « لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين » معناه و إنما لم يتقبل منكم لأنكم كنتم متمردين عن طاعة الله و الله سبحانه إنما يتقبل من المؤمنين المخلصين « و ما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله و برسوله » أي و ما يمنع هؤلاء المنافقين أن يثابوا على نفقاتهم إلا كفرهم بالله و برسوله و ذلك مما يحبط الأعمال و يمنع من استحقاق الثواب عليها « و لا

مجمع البيان ج : 5  ص :  60

يأتون الصلاة إلا و هم كسالى » أي متثاقلين و المعنى لم يؤدوها على الوجه الذي أمروا أن يؤدوها على ذلك الوجه « و لا ينفقون إلا و هم كارهون » لذلك لأنهم إنما يصلون و ينفقون للرياء و التستر بالإسلام لا لابتغاء مرضاة الله تعالى و في هذا دلالة على أن الكفار مخاطبون بالشرائع لأنه سبحانه ذمهم على ترك الصلاة و الزكاة و لو لا وجوبهما عليهم لم يذموا بتركهما « فلا تعجبك أموالهم و لا أولادهم » الخطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و المراد جميع المؤمنين و قيل يريد لا تعجبك أيها السامع أي لا يأخذ بقلبك ما تراه من كثرة أموال هؤلاء المنافقين و كثرة أولادهم و لا تنظر إليهم بعين الإعجاب « إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا » قد ذكر في معناه وجوه ( أحدها ) أن فيه تقديما و تأخيرا أي لا يسرك أموالهم و أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة عن ابن عباس و قتادة فيكون الظرف على هذا متعلقا بأموالهم و أولادهم و مثله قوله تعالى « فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ما ذا يرجعون » و التقدير فألقه إليهم فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم ( و ثانيها ) إن معناه إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بالتشديد عليهم في التكليف و أمرهم بالإنفاق في الزكاة و الغزو فيؤدونها على كره منهم و مشقة إذ لا يرجون به ثوابا في الآخرة فيكون ذلك عذابا لهم عن الحسن و البلخي ( و ثالثها ) إن معناه إنما يريد الله ليعذبهم بحفظها و المصائب فيها مع حرمان المنفعة بها عن ابن زيد ( و رابعها ) إن معناه إنما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا أي بسبي الأولاد و غنيمة الأموال عند تمكن المؤمنين من أخذها و غنمها فيتحسرون عليها فيكون ذلك جزاء على كفرهم عن الجبائي ( و خامسها ) إن المراد يعذبهم بجمعها و حفظها و حبها و البخل بها و الحزن عليها و كل هذا عذاب و كذلك خروجهم عنها بالموت لأنهم يفارقونها و لا يدرون إلى ما ذا يصيرون و اللام في قوله « ليعذبهم » يحتمل أن يكون بمعنى أن و يحتمل أن يكون لام العاقبة و التقدير إنما يريد الله أن يملي لهم فيها ليعذبهم « و تزهق أنفسهم » أي تهلك و تذهب بالموت « و هم كافرون » جملة في موضع الحال أي حال كونهم كافرين و الإرادة تعلقت بزهوق أنفسهم لا بالكفر و هذا كما تقول أريد أن أضربه و هو عاص فالإرادة تعلقت بالضرب لا بالعصيان .

مجمع البيان ج : 5  ص :  61

وَ يحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنهُمْ لَمِنكمْ وَ مَا هُم مِّنكمْ وَ لَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ(56) لَوْ يجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَرَت أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يجْمَحُونَ(57)

القراءة

قرأ يعقوب و سهل أو مدخلا بفتح الميم و سكون الدال و هو قراءة ابن أبي إسحاق و الحسن و الباقون « مدخلا » و في الشواذ قراءة مسلمة بن محارب و مدخلا بضم الميم و سكون الدال و قراءة الأعرج مدخلا بتشديد الدال و الخاء و قرأ أنس و هم يجمزون رواه الأعمش عنه .

الحجة

أما قوله « مدخلا » في القراءة المشهورة فأصله مدتخلا لكن التاء تبدل بعد الدال دالا لأن التاء مهموسة و الدال مجهورة و التاء و الدال من مكان واحد فكان الكلام من وجه أحد أخف و من قرأ مدخلا فهو من دخل يدخل مدخلا و من قرأ مدخلا فهو من أدخلته مدخلا قال :

الحمد لله ممسانا و مصبحنا

بالخير صبحنا ربي و مسأنا و من قرأ مدخلا بتشديد الدال و الخاء جعله متدخلا ثم أدغم التاء في الدال و في رواية الأعمش أنه سمع أنسا يقرأ يجمزون فقال و ما يجمزون قال يجمزون و يجمحون و يشتدون واحد .

اللغة

الفرق انزعاج النفس بتوقع الضرر و أصله من مفارقة الأموال حال الانزعاج و الملجأ الموضع الذي يتحصن فيه و مثله المعقل و الموئل و المعتصم و المعتمد .

و المغارات جمع مغارة مفعلة من غار الشيء في الشيء يغور إذا دخل منه في موضع يستره و الغار النقب في الجبل و المدخل المسلك الذي يتدسس بالدخول فيه و هو مفتعل و الجماح مضي المار مسرعا على وجهه لا يرده شيء عنه و قيل هو المشي بين الشيئين قال مهلهل :

لقد جمحت جماحا في دمائهم

حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا و الجموح الراكب هواه قال :

خلعت عذاري جامحا ما يردني

عن البيض أمثال الدمى زجر زاجر

المعنى

ثم أظهر سبحانه سرا من أسرار القوم فقال « و يحلفون بالله إنهم لمنكم » أي يقسم هؤلاء المنافقون أنهم لمن جملتكم أيها المؤمنون أي مؤمنون أمثالكم « و ما هم منكم » أي ليسوا مؤمنين بالله كما أنتم كذلك « و لكنهم قوم يفرقون » أي يخافون القتل 

مجمع البيان ج : 5  ص :  62

و الأسر إن لم يظهروا الإيمان « لو يجدون ملجأ » أي لو يجد هؤلاء المنافقون حرزا عن ابن عباس و قيل حصنا عن قتادة « أو مغارات » أي غيرانا في الجبال عن ابن عباس و قيل سراديب عن عطا « أو مدخلا » أي موضع دخول يأوون إليه عن الضحاك و قيل نفقا كنفق اليربوع عن ابن زيد و قيل أسرابا في الأرض عن ابن عباس و أبي جعفر (عليه السلام) و قيل وجها يدخلونه على خلاف رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن الحسن « لولوا إليه » أي لعدلوا إليه و قيل لأعرضوا عنكم إليه « و هم يجمحون » أي يسرعون في الذهاب إليه و معنى الآية أنهم من خبث دخلتهم و سوء سريرتهم و حرصهم على إظهار ما في نفوسهم من النفاق و الكفر لو أصابوا شيئا من هذه الأشياء لآووا إليه ليجاهروا بما يضمرونه و أعرضوا عنك .

وَ مِنهُم مَّن يَلْمِزُك فى الصدَقَتِ فَإِنْ أُعْطوا مِنهَا رَضوا وَ إِن لَّمْ يُعْطوْا مِنهَا إِذَا هُمْ يَسخَطونَ(58) وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضوا مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ وَ رَسولُهُ وَ قَالُوا حَسبُنَا اللَّهُ سيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَ رَسولُهُ إِنَّا إِلى اللَّهِ رَغِبُونَ(59)

القراءة

قرأ يعقوب يلمزك بضم الميم و هي قراءة الحسن و الأعرج و الباقون بكسر الميم .

اللغة

يقال لمزت الرجل لمزة و ألمزه إذا عبته و كذلك همزته قال الشاعر :

إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة

و إن تغيبت كنت الهامز اللمزة و قيل الهمز العيب بكسر العين و غمزها أي يكسر عينه إذا غاب و اللمز العيب على وجه المسارة و قيل لأعرابي أ تهمز الفأرة قال الهر يهمزها فأوقع الهمز على الأكل و الهمز كاللمز .

النزول

عن أبي سعيد الخدري قال بينا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يقسم قسما و قال ابن عباس كانت غنائم هوازن يوم حنين إذ جاءه ابن أبي ذي الخويصرة التميمي

مجمع البيان ج : 5  ص :  63

و هو حرقوص بن زهير أصل الخوارج فقال اعدل يا رسول الله فقال ويلك و من يعدل إذا لم أعدل فقال عمر يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه فقال النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) دعه فإن له أصحابا يحتقر أحدكم صلاته مع صلاتهم و صيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث و الدم آيتهم رجل أسود في إحدى ثدييه أو قال في إحدى يديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على فترة من الناس و في حديث آخر فإذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم فنزلت « و منهم من يلمزك » الآية قال أبو سعيد الخدري أشهد أني سمعت هذا من رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أشهد أن عليا (عليه السلام) حين قتلهم و أنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعته رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) رواه الثعلبي بإسناده في تفسيره و قال الكلبي نزلت في المؤلفة قلوبهم و هم المنافقون قال رجل منهم يقال له ابن الجواظ لم يقسم بالسوية فأنزل الله الآية و قال الحسن أتاه رجل و هو يقسم فقال أ لست تزعم أن الله تعالى أمرك أن تضع الصدقات في الفقراء و المساكين قال بلى قال فما لك تضعها في رعاة الغنم قال أن نبي الله موسى (عليه السلام) كان راعي غنم فلما ولى الرجل قال (عليه السلام) احذروا هذا و قال ابن زيد قال المنافقون ما يعطيها محمد إلا من أحب و لا يؤثر بها إلا هواه فنزلت الآية .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عنهم فقال « و منهم » أي و من هؤلاء المنافقين « من يلمزك في الصدقات » أي يعيبك و يطعن عليك في أمر الصدقات « فإن أعطوا منها » أي من تلك الصدقات « رضوا » و أقروا بالعدل « و إن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون » أي يغضبون و يعيبون و قال أبو عبد الله (عليه السلام) أهل هذه الآية أكثر من ثلثي الناس « و لو أنهم رضوا ما آتاهم الله و رسوله » معناه و لو أن هؤلاء المنافقين الذين طلبوا منك الصدقات و عابوك بها رضوا بما أعطاهم الله و رسوله « و قالوا » مع ذلك « حسبنا الله » أي كفانا الله أو كافينا الله « سيؤتينا الله من فضله و رسوله » أي سيعطينا الله من فضله و إنعامه و يعطينا رسوله مثل ذلك و قالوا « إنا إلى الله راغبون » في أن يوسع علينا من فضله فيغنينا عن أموال الناس و قيل يعني راغبون إليه فيما يعطينا من الثواب و يصرف عنا من العذاب و جواب أو محذوف و تقديره لكان خيرا لهم و أعود عليهم و حذف الجواب في مثل هذا الموضع أبلغ على ما تقدم بيانه .

مجمع البيان ج : 5  ص :  64

* إِنَّمَا الصدَقَت لِلْفُقَرَاءِ وَ الْمَسكِينِ وَ الْعَمِلِينَ عَلَيهَا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبهُمْ وَ فى الرِّقَابِ وَ الْغَرِمِينَ وَ فى سبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السبِيلِ  فَرِيضةً مِّنَ اللَّهِ  وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكيمٌ(60)

الإعراب

قال الزجاج فريضة منصوب على التوكيد لأن قوله إنما الصدقات لهؤلاء كقولك فرض الله الصدقات لهؤلاء .

المعنى

ثم بين سبحانه لمن الصدقات فقال « إنما الصدقات للفقراء و المساكين » و معناه ليست الصدقات التي هي زكاة الأموال إلا لهؤلاء و اختلف في الفرق بين الفقير و المسكين على قولين ( أحدهما ) أنهما صنف واحد و إنما ذكر الصنفان تأكيدا للأمر و هو قول أبي علي الجبائي و إليه ذهب أبو يوسف و محمد فقالا فيمن قال ثلث مالي للفقراء و المساكين و فلان إن لفلان نصف الثلث و نصفه الآخر للفقراء و المساكين لأنهما صنف واحد و الآخر و هو قول الأكثرين أنهما صنفان و هو قول الشافعي و أبي حنيفة فإنه قال في المسألة المذكورة أن لفلان ثلث الثلث و ثلثي الثلث للفقراء و المساكين ثم اختلف هؤلاء على أقوال فقيل إن الفقير هو المتعفف الذي لا يسأل و المسكين الذي يسأل عن ابن عباس و الحسن و الزهري و مجاهد ذهبوا إلى أن المسكين مشتق من المسكنة بالمسالة و روي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام) و قيل آت الفقير الذي يسأل و المسكين الذي لا يسأل و جاء في الحديث ما يدل على ذلك فقد روي عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال ليس المسكين الذي يرده الأكلة و الأكلتان و التمرة و التمرتان و لكن المسكين الذي لا يجد غنيا فيغنيه و لا يسأل الناس شيئا و لا يفطن به فيتصدق عليه و قيل الفقير هو الزمن المحتاج و المسكين هو الصحيح المحتاج عن قتادة و قيل الفقراء المهاجرون و المساكين غير المهاجرين عن الضحاك و إبراهيم ثم اختلفوا من وجه آخر فقيل إن الفقير أسوأ حالا من المسكين فإن الفقير هو الذي لا شيء له و المسكين الذي له بلغة من العيش لا تكفيه و إليه ذهب الشافعي و ابن الأنباري و احتجا بقوله تعالى « أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر » و بأن الفقير مشتق من فقار الظهر فكأن الحاجة قد كسرت فقار ظهره و قيل إن المسكين أسوأ حالا من الفقير الذي له بلغة من العيش و المسكين الذي لا شيء له و هو قول أبي حنيفة و القتيبي و ابن دريد و أئمة اللغة و أنشد يونس : 

مجمع البيان ج : 5  ص :  65

أما الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد فسماه فقيرا و جعل له حلوبة و أجابوا عن السفينة بأنها كانت مشتركة بين جماعة و لكل واحد منهم الشيء اليسير و أيضا فإنه يجوز أن يكون سماهم مساكين على وجه الرحمة كما جاء في الحديث مساكين أهل النار و قال الشاعر :

مساكين أهل الحب حتى قبورهم

عليها تراب الذل بين المقابر و قيل أنهم كانوا يعملون عليها فأضيفت إليهم « و العاملين عليها » يعني سعاة الزكاة و جباتها « و المؤلفة قلوبهم » و كان هؤلاء قوما من الأشراف في زمن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و كان يعطيهم سهما من الزكاة ليتألفهم به على الإسلام و يستعين بهم على قتال العدو ثم اختلف في هذا السهم هل هو ثابت بعد النبي أم لا فقيل هو ثابت في كل زمان عن الشافعي و اختاره الجبائي و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) إلا أنه قال من شرطه أن يكون هناك إمام عادل يتألفهم على ذلك به و قيل إن ذلك كان خاصا على عهد رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ثم سقط بعده لأن الله سبحانه أعز الإسلام و قهر الشرك عن الحسن و الشعبي و هو قول أبي حنيفة و أصحابه « و في الرقاب » يعني في فك الرقاب من العتق و أراد به المكاتبين و أجاز أصحابنا أن يشتري منه عبد مؤمن إذا كان في شدة و يعتق و يكون ولاؤه لأرباب الزكاة و هو قول ابن عباس و الحسن و مالك « و الغارمين » و هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية و لا إسراف يقضي عنهم الديون « و في سبيل الله » و هو الجهاد بلا خلاف و يدخل فيه عند أصحابنا جميع مصالح المسلمين و هو قول ابن عمر و عطا و هو اختيار البلخي و جعفر بن مبشر قالوا يبنى منه المساجد و القناطر و غير ذلك « و ابن السبيل » و هو المسافر المنقطع به يعطي من الزكاة و إن كان غنيا في بلده ذا يسار و إنما سمي ابن السبيل للزومه الطريق فنسب إليه كما قال الشاعر :

أنا ابن الحرب ربتني وليدا

إلى أن شبت و اكتهلت لداتي و قيل هو الضيف عن قتادة « فريضة من الله » أي مقدرة واجبة قدرها الله و حتمها 

مجمع البيان ج : 5  ص :  66

« و الله عليم » بحاجة خلقه « حكيم » فيما فرض عليهم و أوجب من إخراج الصدقات و غير ذلك .

وَ مِنهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبىَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ  قُلْ أُذُنُ خَير لَّكمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكمْ  وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسولَ اللَّهِ لهَُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(61) يحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيرْضوكمْ وَ اللَّهُ وَ رَسولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضوهُ إِن كانُوا مُؤْمِنِينَ(62) أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يحَادِدِ اللَّهَ وَ رَسولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَلِداً فِيهَا  ذَلِك الْخِزْى الْعَظِيمُ(63)

القراءة

قرأ عاصم في رواية الأعمش و البرجمي عن أبي بكر قل أذن خير لكم بالضم و التنوين فيهما و هو قراءة الحسن و قتادة و عيسى بن عمر و غيرهم و قرأ الباقون « أذن خير لكم » بالإضافة و قرأ نافع أذن خير ساكنة الذال في كل القرآن و قرأ حمزة وحده و رحمة للذين آمنوا بالجر و الباقون « و رحمة » بالرفع .

الحجة

قال أبو علي أذن في الآية إذا خففت أو ثقلت فإنه يجوز أن يطلق على الجملة و إن كانت عبارة عن جارحة منها كما قال الخليل في الناب من الإبل إنه سميت به لمكان الناب البازل فسميت الجملة كلها به و قالوا للرئيس هو عين القوم و للربيئة هو عينهم و يجوز فيه شيء آخر و هو أن الاسم يجري عليه كالوصف له لوجود معنى ذلك الاسم فيه كقول جرير :

تبدو فتبدي جمالا زانه خفر

إذا ترارأت السود العناكيب فأجرى العناكيب وصفا عليهن يريد أنهن من الحقارة و الدمامة كالعناكيب و قال آخر : 

مجمع البيان ج : 5  ص :  67

فلو لا الله و المهر المفدي

لأبت و أنت غربال الإهاب فجعله غربالا لكثرة الخروق فيه من آثار الطعن و كذلك قوله هو أذن أجري على الجملة اسم الجارحة لما أراد به من كثرة استعماله لها في الإصغاء بها و يجوز أن يكون فعلا من أذن يأذن أذنا إذا استمع و منه قوله تعالى « و أذنت لربها » أي استمعت و قوله « ائذن لي » أي استمع لي و في الحديث ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن فعلى هذا يكون معناه أنه كثير الاستماع مثل أنف و سجح قال أبو زيد رجل أذن إذا كان يصدق بكل ما يسمع و قوله « أذن خير لكم » بالإضافة و هو الأكثر في القراءة فمعناه أنه أذن خير أي مستمع خير و صلاح لكم و مصغ إليه لا مستمع شر و فساد من قرأ أذن خير لكم قال الزجاج معناه من يستمع منكم فيكون قريبا منكم قابلا للعذر خير لكم قال أبو علي و من رفع « و رحمة » كان المعنى هو أذن خير لكم و رحمة جعله الرحمة لكثرة هذا المعنى فيه و على هذا « و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » و يجوز أن يقدر حذف المضاف من المصدر و إما الجر في رحمة فعلى العطف على خير كأنه أذن خير و رحمة فإن قلت فيكون أذن رحمة فإن هذا لا يمتنع لأن الأذن في معنى مستمع في الأقوال الثلاثة التي تقدمت فكأنه مستمع رحمة فجاز هذا كما جاز مستمع خير أ لا ترى أن الرحمة من الخير فإن قلت فهلا استغني بشمول الخير للرحمة و غيرها عن تقدير عطف الرحمة عليه فالقول فيه أن ذلك لا يمتنع كما لا يمتنع « اقرأ باسم ربك الذي خلق » ثم خص فقال خلق الإنسان و إن كان قوله خلق يعم الإنسان و غيره فكذلك الرحمة إذا كانت من الخير لم يمتنع أن تعطف فتخصص الرحمة بالذكر من ضروب الخير لغلبة من ذلك في وصفه كثرته كما خصص الإنسان بالذكر و إن كان الخلق قد عمه و غيره و البعد بين الجار و ما عطف عليه لا يمنع من العطف أ لا ترى أن من قرأ و قيله يا رب إنما يحمله علي و عنده علم الساعة و علم قيله .

اللغة

الفرق بين الأحق و الأصلح أن الأحق قد يكون من غير صفات الفعل كقولك زيد أحق بالمال و الأصلح لا يقع هذا الموقع لأنه من صفات الفعل و تقول الله أحق بأن يطاع و لا تقول أصلح و المحادة مجاوزة الحد بالمشاقة و هي و المخالفة و المجانبة و المعاداة نظائر و أصله المنع و المحادة ما يعتري الإنسان من النزق لأنه يمنعه من الواجب و الخزي الهوان و ما يستحيي منه .

مجمع البيان ج : 5  ص :  68

الإعراب

« أذن خير » خبر مبتدإ محذوف و من لم يضف جعل خيرا صفة لأذن و اللام في قوله « يؤمن للمؤمنين » على حد اللام في قوله ردف لكم أو على المعنى لأن معنى يؤمن يصدق فعدي باللام كما عدي مصدقا به في نحو قوله مصدقا لما بين يديه و قيل إنما دخلت اللام للفرق بين إيمان التصديق و إيمان الأمان قوله « فإن له نار جهنم » يحتمل أن يكون العامل في أن أحد أمرين إما أن يكون على تقدير حذف الجار على معنى فلان له نار جهنم أو فبان له نار جهنم و إما أن يكون أعاد أن الأولى على التكرير للتوكيد بسبب طول الكلام عن الزجاج و أقول إن هذا على مذهب أبي الحسن و أبي علي الفارسي يرتفع قوله « إن له نار جهنم » بظرف مضمر محذوف من هذا الموضع لطول الكلام و تقديره فله أن له نار جهنم و المعنى فله وجوب نار جهنم و يجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف و التقدير فأمره أو و شأنه أن له نار جهنم و لا يجوز أن يرتفع بفعل مضمر لأن الفعل لا يقع بعد الفاء في جواب الشرط و إنما يدخل الفاء في جواب الشرط إذا كان مبتدأ أو خبرا أو جملة فعلية غير خبرية نحو قوله فقولي إني نذرت هذا مذهب سيبويه قال الزجاج و لو قرىء فإن له بكسر الهمزة على وجه الاستئناف لكان جائزا فيكون كقولك فله نار جهنم غير أنه لم يقرأ به أحد .

النزول

قيل نزلت في جماعة من المنافقين منهم الجلاس بن سويد و شاس بن قيس و مخشي بن حمير و رفاعة بن عبد المنذر و غيرهم قالوا ما لا ينبغي فقال رجل منهم لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغ محمدا ما تقولون فيوقع بنا فقال الجلاس بل نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإن محمدا أذن سامعة فأنزل الله الآية و قيل نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحرث و كان رجلا أدلم أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة و كان ينم حديث النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إلى المنافقين فقيل له لا تفعل فقال إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه نقول ما شئنا ثم نأتيه و نحلف له فيصدقنا و هو الذي قال فيه النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحرث عن محمد بن إسحاق و غيره و قوله « يحلفون بالله لكم ليرضوكم » الآية قيل أنها نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك فلما رجع رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من تبوك أتوا المؤمنين يعتذرون إليهم من تخلفهم و يعتلون و يحلفون فنزلت الآية عن مقاتل و الكلبي و قيل في جلاس بن سويد و غيره من المنافقين قالوا لئن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير و كان عندهم غلام من الأنصار يقال له عامر بن قيس فقال و الله إنما يقول محمد حق و أنتم شر من الحمير ثم أتى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فأخبره فدعاهم فسألهم 

مجمع البيان ج : 5  ص :  69

فحلفوا أن عامرا كذاب فنزلت الآية عن قتادة و السدي .

المعنى

ثم رجع سبحانه إلى ذكر المنافقين فقال « و منهم » أي و من هؤلاء المنافقين « الذين يؤذون النبي » و الأذى قد يكون بالفعل و قد يكون بالقول و هو هنا بالقول « و يقولون هو أذن » معناه أنه يستمع إلى ما يقال له و يصغي إليه و يقبله « قل » يا محمد « أذن خير لكم » أي هو أذن خير يستمع إلى ما هو خير لكم و هو الوحي و قيل معناه هو يسمع الخير و يعمل به و من قرأ أذن خير لكم فمعناه قل كونه أذنا أصلح لكم لأنه يقبل عذركم و يستمع إليكم و لو لم يقبل عذركم لكان شرا لكم فكيف تعيبونه بما هو خير لكم و أصلح « يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين » معناه أنه لا يضره كونه آذنا فإنه أذن خير فلا يقبل إلا الخبر الصادق من الله و يصدق المؤمنين أيضا فيما يخبرونه و يقبل منهم دون المنافقين عن ابن عباس فإيمانه للمؤمنين تصديقه لهم على هذا القول و قيل يؤمن للمؤمنين أي يؤمنهم فيما يلقى إليهم من الأمان و لا يؤمن للمنافقين بل يكونون على خوف و إن حلفوا « و رحمة للذين آمنوا منكم » أي و هو رحمة لهم لأنهم إنما نالوا الإيمان بهدايته و دعائه إياهم « و الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم » في الآخرة « يحلفون بالله لكم ليرضوكم » أخبر سبحانه أن هؤلاء المنافقين يقسمون بالله أن الذي بلغكم عنهم باطل اعتذارا إليكم و طلبا لمرضاتكم « و الله و رسوله أحق أن يرضوه » أي و الله و رسوله أحق و أولى بأن يطلبوا مرضاتهما « إن كانوا مؤمنين » مصدقين بالله مقرين بنبوة نبيه محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و تقديره و الله أحق أن يرضوه و رسوله أحق أن يرضوه فحذف للتخفيف و لدلالة الكلام عليه كما قال الشاعر :

نحن بما عندنا و أنت بما

عندك راض و الرأي مختلف و المعنى نحن بما عندنا راضون و أنت بما عندك راض ثم قال سبحانه على وجه التقريع و التوبيخ لهؤلاء المنافقين « أ لم يعلموا » أي و ما يعلموا « أنه من يحادد الله و رسوله » أي من تجاوز حدود الله التي أمر المكلفين ألا يتجاوزوها و إنما قال أ لم يعلما لمن لا يعلم على وجه الاستبطاء لهم و التخلف عن عمله أي هلا علموا بعد أن مكنوا من عمله و قيل هو أمر بالعلم أي يجب أن يعلموا بهذا الخبر و بالدلائل و قيل معناه أ لم يخبرهم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بذلك عن الجبائي « فإن له نار جهنم خالدا فيها » أي دائما « ذلك الخزي » أي الهوان و الذل « العظيم » .

مجمع البيان ج : 5  ص :  70

يحْذَرُ الْمُنَفِقُونَ أَن تُنزَّلَ عَلَيْهِمْ سورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فى قُلُوبهِمْ  قُلِ استهْزِءُوا إِنَّ اللَّهَ مخْرِجٌ مَّا تحْذَرُونَ(64) وَ لَئن سأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كنَّا نخُوض وَ نَلْعَب  قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ ءَايَتِهِ وَ رَسولِهِ كُنتُمْ تَستهْزِءُونَ(65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتم بَعْدَ إِيمَنِكمْ  إِن نَّعْف عَن طائفَة مِّنكُمْ نُعَذِّب طائفَةَ بِأَنهُمْ كانُوا مجْرِمِينَ(66)

القراءة

قرأ عاصم « إن نعف » و « نعذب » فيهما بالنون طائفة بالنصب و قرأ الباقون أن يعف بالياء و ضمها و فتح الفاء تعذب بالتاء و ضمها طائفة بالرفع .

الحجة

قال أبو علي حجة من قرأ « إن نعف » قوله ثم عفونا عنكم و من قرأ أن يعف فالمعنى معنى نعف و أما تعذب بالتاء فلأن الفعل في اللفظ مسند إلى مؤنث ظاهر .

اللغة

الحذر إعداد ما ينفي الضرر و رجل حذر متيقظ متحرز و رجل حذريان كثير الحذر شديد الفزع و المنافق الذي يظهر من الإيمان خلاف ما يبطنه من الكفر مشتق من نافقاء اليربوع لأنه يخفي بابا و يظهر بابا ليكون إذا أتي من أحدهما خرج من الآخر و الخوض دخول القدم فيما كان مائعا من الماء و الطين ثم كثر حتى استعمل في غيره و اللعب فعل ما فيه سقوط المنزلة لتعجل اللذة كفعل الصبي و لذلك قالوا ملاعب الأسنة أي أنه لشجاعته يقدم على الأسنة كفعل الصبي الذي لا يفكر في عاقبة أمره و الاعتذار إظهار ما يقتضي العذر و الإجرام الانقطاع عن الحق إلى الباطل يقال جرم الثمر إذا صرمه و تجرمت السنة تصرمت .

النزول

قيل نزلت في اثني عشر رجلا وقفوا على العقبة ليفتكوا برسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عند رجوعه من تبوك فأخبر جبريل رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بذلك و أمره أن يرسل إليهم و يضرب وجوه رواحلهم و عمار كان يقود دابة رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و حذيفة يسوقها فقال لحذيفة اضرب وجوه رواحلهم فضربها حتى نحاهم فلما نزل قال لحذيفة من عرفت من القوم قال لم أعرف منهم أحدا فقال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إنه فلان و فلان حتى عدهم كلهم فقال حذيفة أ لا تبعث إليهم فتقتلهم فقال أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم عن ابن كيسان و روي عن

مجمع البيان ج : 5  ص :  71

أبي جعفر الباقر (عليه السلام) مثله إلا أنه قال ائتمروا بينهم ليقتلوه و قال بعضهم لبعض إن فطن نقول إنا كنا نخوض و نلعب و إن لم يفطن نقتله و قيل إن جماعة من المنافقين قالوا في غزوة تبوك يظن هذا الرجل أن يفتح قصور الشام و حصونها هيهات هيهات فأطلع الله نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) على ذلك فقال احبسوا على الركب فدعاهم فقال لهم قلتم كذا و كذا فقالوا يا نبي الله إنما كنا نخوض و نلعب و حلفوا على ذلك فنزلت الآية « و لئن سألتهم ليقولن » ( الخ ) عن الحسن و قتادة و قيل كان ذلك عند منصرفه من غزوة تبوك إلى المدينة و كان بين يديه أربعة نفر أو ثلاثة يستهزءؤن و يضحكون واحدهم يضحك و لا يتكلم فنزل جبريل و أخبر رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بذلك فدعا عمار بن ياسر و قال أن هؤلاء يستهزءؤن بي و بالقرآن أخبرني جبرائيل بذلك و لئن سألتهم ليقولن كنا نتحدث بحديث الركب فاتبعهم عمار و قال لهم مم تضحكون قالوا نتحدث بحديث الركب فقال عمار صدق الله و رسوله احترقتم أحرقكم الله فأقبلوا إلى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يعتذرون فأنزل الله تعالى الآيات عن الكلبي و علي بن إبراهيم و أبي حمزة و قيل إن رجلا قال في غزوة تبوك ما رأيت أكذب لسانا و لا أجبن عند اللقاء من هؤلاء يعني رسول الله و أصحابه فقال له عوف بن مالك كذبت و لكنك منافق و أراد أن يخبر رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بذلك فجاء و قد سبقه الوحي فجاء الرجل معتذرا و قال إنما كنا نخوض و نلعب ففيه نزلت الآية عن ابن عمر و زيد بن أسلم و محمد بن كعب و قيل أن رجلا من المنافقين قال يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا و كذا و ما يدريه ما الغيب فنزلت الآية عن مجاهد و قيل نزلت في عبد الله بن أبي و رهطه عن الضحاك .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عنهم فقال « يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم » فيه قولان ( أحدهما ) أنه إخبار بأنهم يخافون أن يفشوا سرائرهم و يحذرون ذلك عن الحسن و مجاهد و الجبائي و أكثر المفسرين و المعنى أنه يحذرون من أن ينزل الله عليهم أي على النبي و المؤمنين سورة تخبر عما في قلوبهم من النفاق و الشرك و قد قيل إن ذلك الحذر إنما أظهره على وجه الاستهزاء لا على سبيل التصديق لأنهم حين رأوا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ينطق في كل شيء عن الوحي قال بعضهم لبعض احذروا ألا ينزل وحي فيكم يتناجون بذلك و يضحكون عن أبي مسلم و قيل أنهم كانوا يخافون أن يكون (عليه السلام) صادقا فينزل عليه الوحي فيفتضحون عن الجبائي و قيل أنهم كانوا يقولون القول فيما بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا عن مجاهد ( و الثاني ) إن هذا اللفظ لفظة الخبر و معناه الأمر فهو كقولك ليحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تخبرهم بما في قلوبهم من 

مجمع البيان ج : 5  ص :  72

النفاق و حسن ذلك لأن موضع الكلام على التهديد « قل استهزءوا » معناه قل يا محمد لهؤلاء المنافقين استهزءوا أي اطلبوا الهزء و هو وعيد بلفظ الأمر « إن الله مخرج ما تحذرون » أي مظهر ما تحذرون من ظهوره و المعنى أن الله يبين لنبيه باطن حالكم و نفاقكم « و لئن سألتهم » عن طعنهم في الدين و استهزائهم بالنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و بالمسلمين « ليقولن إنما كنا نخوض و نلعب » و اللام للتأكيد و القسم و معناه لقالوا كنا نخوض خوض الركب في الطريق لا على طريق الجد و لكن على طريق اللعب و اللهو فكان عذرهم أشد من جرمهم « قل » يا محمد « أ بالله و آياته » أي حججه و بيناته و كتابه « و رسوله » محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « كنتم تستهزءون » ثم أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن يقول لهؤلاء المنافقين « لا تعتذروا » بالمعاذير الكاذبة « قد كفرتم بعد إيمانكم » أي فإنكم بما فعلتموه قد كفرتم بعد أن كنتم مظهرين الإيمان الذي يحكم لمن أظهره بأنه مؤمن و لا يجوز أن يكونوا مؤمنين على الحقيقة مستحقين للثواب ثم يرتدون على ما تقرر بالدليل و ذكر في غير هذا الموضع أن المؤمن لا يجوز أن يكفر « إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين » أي كافرين مصرين على النفاق هذا إخبار منه سبحانه أنه إن عفا عن قوم منهم إذا تابوا يعذب طائفة أخرى لم يتوبوا و أقاموا على النفاق و الطائفة اسم للجماعة على الحقيقة لأنه اسم لما يطيف بغيره و يحيط به و قد سمي الواحد طائفة على معنى أنها نفس طائفة و قد ورد القرآن بذلك في قوله « و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين » فقد ورد في الآثار عن أئمتنا (عليهم السلام) أن أقل من يحذر عذابهما واحد من المؤمنين فصاعدا و روي أن هاتين الطائفتين كانوا ثلاثة نفر فهذا اثنان و ضحك واحد و هو الذي تاب من نفاقه و اسمه مخشي بن حمير فعفا الله عنه .

مجمع البيان ج : 5  ص :  73

اَلْمُنَفِقُونَ وَ الْمُنَفِقَت بَعْضهُم مِّن بَعْض  يَأْمُرُونَ بِالْمُنكرِ وَ يَنهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَ يَقْبِضونَ أَيْدِيهُمْ  نَسوا اللَّهَ فَنَسِيهُمْ  إِنَّ الْمُنَفِقِينَ هُمُ الْفَسِقُونَ(67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَفِقِينَ وَ الْمُنَفِقَتِ وَ الْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَلِدِينَ فِيهَا  هِىَ حَسبُهُمْ  وَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ  وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ(68) كالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كانُوا أَشدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَ أَكْثَرَ أَمْوَلاً وَ أَوْلَداً فَاستَمْتَعُوا بخَلَقِهِمْ فَاستَمْتَعْتُم بِخَلَقِكمْ كمَا استَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بخَلَقِهِمْ وَ خُضتُمْ كالَّذِى خَاضوا  أُولَئك حَبِطت أَعْمَلُهُمْ فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ  وَ أُولَئك هُمُ الْخَسِرُونَ(69) أَ لَمْ يَأْتهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوح وَ عَاد وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْرَهِيمَ وَ أَصحَبِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكتِ  أَتَتْهُمْ رُسلُهُم بِالبَيِّنَتِ  فَمَا كانَ اللَّهُ لِيَظلِمَهُمْ وَ لَكِن كانُوا أَنفُسهُمْ يَظلِمُونَ(70)

اللغة

الاستمتاع طلب المتعة و هي فعل ما فيه اللذة من المأكل و المشرب و المناكح و الخلاف النصيب سواء كان عاجلا أو آجلا و قال الزجاج النصيب الذي هو عند صاحبه وافر الحظ و المؤتفكات جمع مؤتفكة قد ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت .

الإعراب

موضع الكاف من قوله « كالذين من قبلكم » نصب أي وعدكم الله على الكفر به كما وعد الذين من قبلكم و الكاف في قوله « كما استمتع » و « كالذي خاضوا » نصب بأنه صفة لمصدر محذوف و تقديره استمتعتم استمتاعا مثل استمتاعهم و خضتم خوضا مثل خوضهم قال جامع العلوم النحوي البصير « كالذي خاضوا » تقديره على قياس قول سيبويه كالذي خاضوا فيه فحذف في فصار كالذي خاضوه ثم حذف الهاء و هو على قول يونس و الأخفش الذي مصدري و التقدير كالخوض الذي خاضوا فيه و مثل هذا اختلافهم في قوله ذلك الذي يبشر الله عباده على قول سيبويه تقديره يبشر الله به على قول يونس و الأخفش ذلك تبشير الله عباده .

المعنى

ثم ذكر سبحانه أحوال أهل النفاق فقال « المنافقون و المنافقات بعضهم من بعض » أي بعضهم من جملة بعض و بعضهم مضاف إلى بعض في الاجتماع على النفاق و الشرك كما تقول أنا من فلان و فلان مني أي أمرنا واحد و كلمتنا واحدة و قيل معناه بعضهم على دين بعض عن الكلبي و قيل بعضهم من بعض على لحوق مقت الله بهم جميعا عن أبي 

مجمع البيان ج : 5  ص :  74

مسلم « يأمرون بالمنكر » أي بالشرك و المعاصي « و ينهون عن المعروف » أي عن الأفعال الحسنة التي أمر الله بها و حث عليها « و يقبضون أيديهم » أي يمسكون أموالهم عن إنفاقها في طاعة الله و مرضاته عن الحسن و قتادة و قيل معناه يمسكون أيديهم عن الجهاد في سبيل الله عن الجبائي « نسوا الله فنسيهم » أي تركوا طاعته فتركهم في النار و ترك رحمتهم و إثابتهم عن الأصم و قيل معناه جعلوا الله كالمنسي حيث لم يتفكروا في أن لهم صانعا يثيبهم و يعاقبهم ليمنعهم ذلك عن الكفر و الأفعال القبيحة فجعلهم سبحانه في حكم المنسي عن الثواب و ذكر ذلك لازدواج الكلام لأن النسيان لا يجوز عليه تعالى « إن المنافقين هم الفاسقون » أي الخارجون عن الإيمان بالله و رسوله و عن طاعته و قيل الفاسقون المترددون في الشرك « وعد الله المنافقين و المنافقات و الكفار نار جهنم » أخبر سبحانه أنه وعد الذين يظهرون الإسلام و يبطنون الكفر النار و كذلك الكفار و إنما فصل النفاق من الكفر و إن كان النفاق كفرا ليبين الوعيد على كل واحد من الصنفين « خالدين فيها » أي دائمين فيها « هي حسبهم » معناه نار جهنم و العقاب فيها كفاية ذنوبهم كما يقول عذبتك حسب ما فعلت و حسب فلان ما نزل به أي ذلك على قدر فعله « و لعنهم الله » أي أبعدهم من جنته و خيره « و لهم عذاب مقيم » أي دائم لا يزول « كالذين من قبلكم » أي وعدكم على النفاق و الاستهزاء كما وعد الذين من قبلكم من الكفار الذين فعلوا مثل فعلكم عن الزجاج و الجبائي و قيل معناه فعلكم كفعل الذين من قبلكم من كفار الأمم الخالية « كانوا أشد منكم قوة » في أبدانهم « و أكثر أموالا و أولادا » فلم ينفعهم ذلك شيئا و حل بهم عذاب الله تعالى « فاستمتعوا بخلاقهم » أي بنصيبهم و حظهم من الدنيا بأن صرفوها في شهواتهم المحرمة عليهم و فيما نهاهم الله عنه ثم أهلكوا « فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم » أي فاستمتعتم أنتم أيضا بحظكم في الدنيا كما استمتعوا هم « و خضتم كالذي خاضوا » أي و خضتم في الكفر و الاستهزاء بالمؤمنين كما خاض الأولون « أولئك » الذين « حبطت أعمالهم » التي تقع طاعة من المؤمنين مثل الإنفاق في وجوه الخير و صلة الرحم و غيرها « في الدنيا و الآخرة » إذ لم يستحقوا عليها ثوابا في الآخرة و لا تعظيما و تبجيلا في الدنيا لكفرهم و شركهم « و أولئك هم الخاسرون » خسروا أنفسهم و أهلكوها بفعل المعاصي المؤدية إلى الهلاك و وردت الرواية عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية ما أشبه الليلة بالبارحة كالذين من قبلكم هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم لا أعلم إلا أنه قال و الذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه و روي مثل ذلك عن أبي هريرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ذراعا بذراع و شبرا

مجمع البيان ج : 5  ص :  75

بشبر و باعا بباع حتى لو أن أحدا من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله كما صنعت فارس و الروم و أهل الكتاب قال فهل الناس إلا هم و قال عبد الله بن مسعود أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتا و هديا تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة غير أني لا أدري أ تعبدون العجل أم لا و قال حذيفة المنافقون الذين فيكم اليوم شر من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قلنا و كيف قال أولئك كانوا يخفون نفاقهم و هؤلاء أعلنوه أورد ذلك جميعا الثعلبي في تفسيره ثم قال سبحانه « أ لم يأتهم » أي أ لم يأت هؤلاء المنافقين الذين وصفهم « نبأ الذين من قبلهم » أي خبر من كان قبلهم « قوم نوح و عاد و ثمود و قوم إبراهيم و أصحاب مدين » ذكر سبحانه الأمم الماضية و القرون السالفة و أنه سبحانه أهلكها و دمر عليها لتكذيبها رسلها لئلا يأمنوا أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك فأهلك سبحانه قوم نوح بالغرق و عادا قوم هود بالريح الصرصر و ثمود قوم صالح بالرجفة و قوم إبراهيم بسلب النعمة و هلاك نمرود و أصحاب مدين و هي البلدة التي فيها قوم شعيب بعذاب يوم الظلة و قيل إن مدين اسم نسبت البلد إليه و قد مر ذكره « و المؤتفكات » أي المنقلبات و هي ثلاث قرى كان فيها قوم لوط و لذلك جمعها بالألف و التاء عن الحسن و قتادة و قال في موضع آخر و المؤتفكة أهوى فجاء بها على طريق الجنس أهلكهم الله بالخسف و قلب المدينة عليهم « أتتهم رسلهم بالبينات » أي بالحجج و المعجزات « فما كان الله ليظلمهم » أي ما يظلمهم الله بإهلاكهم « و لكن كانوا أنفسهم يظلمون » أي و لكن عاقبهم

Back Index Next