جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج5 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 5 ص : 91

اللغة

النصح إخلاص العمل من الغش و الحمل إعطاء المركوب من فرس أو بعير أو غير ذلك تقول حمله يحمله حملا إذا أعطاه ما يحمل عليه قال :
أ لا فتى عنده خفان يحملني
عليهما إنني شيخ على سفر و الفيض الجري عن امتلاء من قولهم فاض الإناء بما فيه و الحزن ألم في القلب بفوت أمر مأخوذ من حزن الأرض و هي الأرض الغليظة المسلك .

الإعراب

حزنا نصب لأنه مفعول له أي يبكون للحزن و لا يجدوا منصوب بأن و موضع « ألا يجدوا » نصب تقديره لأن لا يجدوا حذف الجار فوصل الفعل .

النزول

قيل إن الآية الأولى نزلت في عبد الله بن زائدة و هو ابن أم مكتوم و كان ضرير البصر جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا نبي الله إني شيخ ضرير خفيف الحال نحيف الجسم و ليس لي قائد فهل لي رخصة في التخلف عن الجهاد فسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأنزل الله الآية عن الضحاك و قيل نزلت في عائد بن عمرو و أصحابه عن قتادة و الآية الثانية نزلت في البكائين و هم سبعة نفر منهم عبد الرحمن بن كعب و عتبة بن زيد و عمرو بن غنمة و هؤلاء من بني النجار و سالم بن عمير و هرم بن عبد الله و عبد الله بن عمرو بن عوف و عبد الله بن معقل من مزينة جاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا يا رسول الله احملنا فإنه ليس لنا ما نخرج عليه فقال لا أجد ما أحملكم عليه عن أبي حمزة الثمالي و قيل نزلت في سبعة نفر من قبائل شتى أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا له احملنا على الخفاف و البغال عن محمد بن كعب و ابن إسحاق و قيل كانوا جماعة من مزينة عن مجاهد و قيل كانوا سبعة من فقراء الأنصار فلما بكوا حمل عثمان منهم رجلين و العباس بن عبد المطلب رجلين و يامين بن كعب النضري ثلاثة عن الواقدي قال و كان الناس بتبوك مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثلاثين ألفا منهم عشرة آلاف فارس .

المعنى

ثم ذكر سبحانه أهل العذر فقال « ليس على الضعفاء » و هم الذين قوتهم ناقصة بالزمانة و العجز عن ابن عباس و قيل هم الذين لا يقدرون على الخروج « و لا على المرضى » و هم أصحاب العلل المانعة من الخروج « و لا على الذين لا يجدون ما ينفقون » يعني من ليست معه نفقة الخروج و آلة السفر « حرج » أي ضيق و جناح في التخلف و ترك الخروج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) « إذا نصحوا لله و رسوله » بأن يخلصوا العمل من الغش ثم قال سبحانه « ما على المحسنين من سبيل » أي ليس على من فعل الحسن الجميل في التخلف عن الجهاد طريق للتفريع في الدنيا و العذاب في الآخرة و قيل هو عام في كل محسن
مجمع البيان ج : 5 ص : 92
و الإحسان هو إيصال النفع إلى الغير لينتفع به من تعريه من وجوه القبح و يصح أن يحسن الإنسان إلى نفسه و يحمد على ذلك و هو إذا فعل الأفعال الجميلة التي يستحق بها المدح و الثواب « و الله غفور » أي ساتر على ذوي الأعذار بقبول العذر منهم « رحيم » بهم لا يلزمهم ما فوق طاقتهم ثم عطف عليه فقال « و لا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم » أي و لا على الذين إذا جاءوك يسألونك مركبا يركبونه فيخرجون معك إلى الجهاد إذ ليس معهم من الأموال و الظهر ما يمكنهم الخروج به في سبيل الله « قلت لا أجد ما أحملكم عليه » أي لا أجد مركبا تركبونه و لا ما أسوي به أمركم « تولوا و أعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون » أي رجعوا عنك و أعينهم تسيل بالدمع لحزنهم أن لا يجدوا ما يركبونه من الدواب و ينفقونه في الطريق ليخرجوا معكم و لحرصهم على الخروج المعنى و ليس على هؤلاء أيضا حرج في التخلف عن الجهاد و ليس عليهم سبيل للذم و العقاب « إنما السبيل » و الطريق بالعقاب و الحرج « على الذين يستأذنونك و هم أغنياء » أي يطلبون الإذن منك يا محمد في المقام و هم مع ذلك أغنياء متمكنون من الجهاد في سبيل الله « رضوا بأن يكونوا مع الخوالف » من النساء و الصبيان و من لا حراك به « و طبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون » قد تقدم بيانه .
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيهِمْ قُل لا تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكمْ وَ سيرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسولُهُ ثمَّ تُرَدُّونَ إِلى عَلِمِ الْغَيْبِ وَ الشهَدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(94) سيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيهِمْ لِتُعْرِضوا عَنهُمْ فَأَعْرِضوا عَنهُمْ إِنهُمْ رِجْسٌ وَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءَ بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ(95) يحْلِفُونَ لَكمْ لِترْضوْا عَنهُمْ فَإِن تَرْضوْا عَنهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفَسِقِينَ(96)

النزول


قيل نزلت الآيات في جد بن قيس و معتب بن قشير و أصحابهما من
مجمع البيان ج : 5 ص : 93
المنافقين و كانوا ثمانين رجلا و لما قدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) المدينة راجعا من تبوك قال لا تجالسوهم و لا تكلموهم عن ابن عباس و قيل نزلت في عبد الله بن أبي حلف للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن لا يتخلف عنه بعدها و طلب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يرضى عنه عن مقاتل .

المعنى

ثم أخبر الله سبحانه عن هؤلاء القوم الذين تأخروا عن الخروج مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « يعتذرون إليكم » من تأخرهم عنكم بالأباطيل و الكذب « إذا رجعتم إليهم » أي إذا انصرفتم إلى المدينة من غزوة تبوك « قل » يا محمد « لا تعتذروا لن نؤمن لكم » أي لسنا نصدقكم على ما تقولون « قد نبأنا الله من أخباركم » أي قد أخبرنا الله و أعلمنا من أخباركم و حقيقة أمركم ما علمنا به كذبكم و قيل إنه أراد به قوله سبحانه « لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا » الآية « و سيرى الله عملكم و رسوله » أي سيعلم الله فيما بعد و رسوله عملكم هل تتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه و قيل معناه سيعلم الله أعمالكم و عزائمكم في المستقبل و يظهر ذلك لرسوله فيعلمه الرسول بإعلامه إياه فيصير كالشيء المرئي لأن أظهر ما يكون الشيء أن يكون مرئيا كما علم ذلك في الماضي فأعلم به الرسول « ثم تردون إلى عالم الغيب و الشهادة » أي ترجعون بعد الموت إلى الله سبحانه الذي يعلم ما غاب و ما حضر و ما يخفى عليه السر و العلانية « فينبؤكم بما كنتم تعملون » أي يخبركم بأعمالكم كلها حسنها و قبيحها فيجازيكم عليها أجمع « سيحلفون بالله لكم » أي سيقسم هؤلاء المنافقون و المتخلفون فيما يعتذرون به إليكم أيها المؤمنون « إذا انقلبتم إليهم » إنهم إنما تخلفوا لعذر « لتعرضوا عنهم » أي لتصفحوا عن جرمهم و لا توبخوهم و لا تعنفوهم ثم أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المؤمنين فقال « فأعرضوا عنهم » أي إعراض رد و إنكار و تكذيب و مقت ثم بين عن سبب الإعراض فقال « إنهم رجس » أي نجس و معناه أنهم كالشيء المنتن الذي يجب الاجتناب عنه فاجتنبوهم كما تجتنب الأنجاس « و مأواهم جهنم » أي مصيرهم و م آلهم و مستقرهم جهنم « جزاء بما كانوا يكسبون » أي مكافاة على ما كانوا يكسبونه من المعاصي « يحلفون لكم لترضوا عنهم » أي طلبا لمرضاتكم عنهم أيها المؤمنون « فإن ترضوا عنهم » لجهلكم بحالهم « فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين » الخارجين من طاعته إلى معصيته لعلمه بحالهم و معناه أنه لا ينفعهم رضاكم عنهم مع سخط الله عليهم و ارتفاع رضاه عنهم و إنما قال سبحانه ذلك لئلا يتوهم أنه إذا رضي المؤمنون فقد رضي الله و المراد بذلك أنه إذا كان الله لا يرضى عنهم فينبغي لكم أيضا أن لا ترضوا عنهم و في هذا دلالة على أن من طلب بفعله رضا الناس و لم يطلب رضا الله سبحانه فإن الله يسخط الناس عليه كما جاء في
مجمع البيان ج : 5 ص : 94
الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه و أرضى عنه الناس و من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه و أسخط عليه الناس .
الأَعْرَاب أَشدُّ كفْراً وَ نِفَاقاً وَ أَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلى رَسولِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(97) وَ مِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَ يَترَبَّص بِكمُ الدَّوَائرَ عَلَيْهِمْ دَائرَةُ السوْءِ وَ اللَّهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ(98) وَ مِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَت عِندَ اللَّهِ وَ صلَوَتِ الرَّسولِ أَلا إِنهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فى رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(99)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو دائرة السوء بضم السين و في سورة الفتح مثله و الباقون بفتح السين و قرأ ورش و إسماعيل عن نافع قربة بضم الراء و الباقون « قربة » بسكون الراء .

الحجة

قال أبو علي الدائرة لا تخلو إما أن تكون صفة أو بمنزلة العاقبة و العافية و الصفة أكثر في الكلام فينبغي أن يحمل عليها فالمعني عليها أنها خلة تحيط بالإنسان حتى لا يكون له منها مخلص و أضيفت إلى السوء أو إلى السوء على الوجهين على وجه التأكيد و الزيادة في التبيين و لو لم تضف لعلم هذا المعنى منها كما أن نحو قوله شمس النهار كذلك و السوء الرداءة و الفساد و هو خلاف الصدق الذي في قولك ثوب صدق و ليس الصدق من صدق اللسان كما أن السوء ليس من سؤته في المعنى و إن كان اللفظ واحدا يدلك على ذلك أنك أضفته إلى ما لا يجوز عليه الصدق و الكذب في الأخبار و أما دائرة السوء بالضمة فكقولك دائرة الهزيمة و دائرة البلاء فاجتمعا في جواز إضافة الدائرة إليهما من حيث أريد بكل واحد منهما الرداءة و الفساد فمن قال « دائرة السوء » فتقديره الإضافة إلى الرداءة و الفساد و من قال
مجمع البيان ج : 5 ص : 95
دائرة السوء فتقديره دائرة الضرر و المكروه من قولهم سؤته مساءة و مسائية و المعنيان متقاربان قال أبو الحسن « دائرة السوء » كما تقول رجل السوء و أنشد :
و كنت كذئب السوء لما رأى دما
بصاحبه يوما أحال على الدم و أما قوله « قربة » فالأصل حركة الراء و الإسكان للتخفيف كما في الرسل و الكتب و الأذن و الطنب و أما قربات فينبغي أن يثقل لأنه إذا ثقل ما أصله التخفيف نحو الظلمات و الغرفات فإن تقر الحركة الثانية في الكلمة الواحدة أجدر و مثل قولهم قربة و قربة يسرة و يسرة هدنة و هدنة حكاه محمد بن يزيد .

اللغة

رجل عربي إذا كان من العرب و إن سكن البلاد و رجل أعرابي إذا كان ساكنا في البادية و العرب صنفان عدنانية و قحطانية و الفضل للعدنانية برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أجدر مأخوذ من جدر الحائط بسكون الدال و هو أصله و أساسه و المغرم و هو نزول نائبة بالمال من غير خيانة و أصله لزوم الأمر و منه قوله إن عذابها كان غراما أي لازما و حب غرام أي لازم و الغريم يقال لكل واحد من المتداينين للزوم أحدهما الآخر و غرمته كذا أي ألزمته إياه في ماله و التربص الانتظار و منه التربص بالطعام لزيادة الأسعار و أصله التمسك بالشيء لعاقبة و الدوائر جمع دائرة هي من حوادث الدهر و قيل الحال المنقلبة عن النعمة إلى البلية و الدائرة الدولة و القربة هي طلب الثواب و الكرامة من الله تعالى بحسن الطاعة .

الإعراب

« أجدر ألا يعلموا » أن في موضع نصب لأن الباء محذوفة و المعنى أجدر بترك العلم تقول أنت جدير أن تفعل و جدير بأن تفعل أي هذا الفعل ميسر لك و إذا حذفت الباء لم يصلح إلا بأن و إن أثبت الباء صلح بأن و غيرها تقول أنت جدير بأن تقوم و جدير بالقيام و إنما صلح مع أن الحذف لأن أن يدل على الاستقبال فكأنهما عوض من المحذوف و « صلوات الرسول » عطف على قوله « ما ينفق » و موضعه نصب و تقديره و يتخذ النفقة و صلوات الرسول و يتخذ قربات و قيل صلوات معطوف على قربات على معنى يطلبون بالإنفاق قربة الله و صلوات الرسول عن الجبائي .

المعنى

لما تقدم ذكر المنافقين بين سبحانه أن الأعراب منهم أشد في ذلك و أكثر جهلا فقال « الأعراب أشد كفرا و نفاقا » يريد الأعراب الذين كانوا حول المدينة و إنما كان
مجمع البيان ج : 5 ص : 96
كفرهم أشد لأنهم أقسى و أجفى من أهل المدن و هم أيضا أبعد من سماع التنزيل و إنذار الرسل عن الزجاج و معناه أن سكان البوادي إذا كانوا كفارا أو منافقين فهم أشد كفرا من أهل الحضر لبعدهم عن مواضع العلم و استماع الحجج و مشاهدة المعجزات و بركات الوحي « و أجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله » أي و هم أحرى و أولى بأن لا يعلموا حدود الله في الفرائض و السنن و الحلال و الحرام « و الله عليم » بأحوالهم « حكيم » فيما يحكم به عليهم « و من الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما » أي و من منافقي الأعراب من يعد ما ينفق في الجهاد و في سبيل الخير مغرما لحقه لأنه لا يرجو به ثوابا « و يتربص بكم الدوائر » أي و ينتظر بكم الدوائر أي صروف الزمان و حوادث الأيام و العواقب المذمومة قال الزجاج و الفراء كانوا يتربصون بهم الموت أو القتل فكانوا ينتظرون موت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليرجعوا إلى دين المشركين و أكثر ما يستعمل الدائرة في زوال النعمة إلى الشدة و العافية إلى البلاء و يقولون كانت الدائرة عليهم و كانت الدائرة لهم ثم رد سبحانه ذلك عليهم فقال « عليهم دائرة السوء » أي على هؤلاء المنافقين دائرة البلاء يعني أن ما ينتظرون بكم هؤلاء حق بهم و هم المغلبون أبدا « و الله سميع » لمقالاتهم « عليم » بنياتهم لا يخفى عليه شيء من حالاتهم بين سبحانه من الأعراب المؤمنين فقال « و من الأعراب من يؤمن بالله و اليوم الآخر » و منهم من يرجع إلى سلامة الاعتقاد في التصديق بالله و بالقيامة و الجنة و النار « و يتخذ ما ينفق قربات عند الله » أي و يريد بنفقته في الجهاد و غير ذلك من أعمال البر قربات جمع قربة و هي الطاعة أي طاعات عند الله و تعظيم أمره و رعاية حقه و قيل معناه يتقرب إلى الله بإنفاقه و يطلب بذلك ثوابه و رضاه « و صلوات الرسول » أي دعاؤه بالخير و البركة عن قتادة و قيل استغفاره عن ابن عباس و الحسن و معناه أنه يرغب في دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « ألا إنها قربة لهم » معناه ألا أن صلوات الرسول قربة لهم تقربهم إلى ثواب الله و يجوز أن يكون المعنى إن نفقتهم قربة لهم إلى الله « سيدخلهم الله في رحمته » هذا وعد منه سبحانه بأن يرحمهم و يدخلهم الجنة و فيه مبالغة بأن الرحمة غمرتهم و وسعتهم « إن الله غفور » لذنوبهم « رحيم » بأهل طاعته و هما من ألفاظ المبالغة في الوصف بالمغفرة و الرحمة .

مجمع البيان ج : 5 ص : 97
وَ السبِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَجِرِينَ وَ الأَنصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسن رَّضىَ اللَّهُ عَنهُمْ وَ رَضوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لهَُمْ جَنَّت تَجْرِى تحْتَهَا الأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100)

القراءة

قرأ يعقوب و الأنصار بالرفع و هي قراءة عمر بن الخطاب و الحسن و قتادة و القراءة المشهورة « و الأنصار » بالجر و قرأ ابن كثير وحده من تحتها بزيادة من و كذلك هو في مصاحف مكة و قرأ الباقون « تحتها » بغير من و عليه سائر المصاحف و المعنى واحد .

الحجة

من قرأ بالرفع عطفه على قوله « السابقون » و من قرأ بالجر عطفه على « المهاجرين » و أما قوله « و الذين اتبعوهم بإحسان » فيجوز أن يكون معطوفا على الأنصار في رفعه و جره و يجوز أن يكون معطوفا على السابقون و أن يكون معطوفا على الأنصار أولى لقربه منه .

الإعراب

السابقون مبتدأ و الأولون صفته من المهاجرين تبيين لهم « و الذين اتبعوهم » إن حملته على السابقون كان مرفوعا و إن حملته على الأنصار كان مجرورا و خبر الأسماء كلها « رضي الله عنهم و رضوا عنه » و « أعد لهم » عطف على رضي فالوقف على قوله « خالدين فيها أبدا » .

النزول

قيل نزلت هذه الآية فيمن صلى إلى القبلتين عن سعيد بن المسيب و الحسن و ابن سيرين و قتادة و قيل نزلت فيمن بايع بيعة الرضوان و هي بيعة الحديبية عن الشعبي قال و من أسلم بعد ذلك و هاجر فليس من المهاجرين الأولين و قيل هم أهل بدر عن عطاء بن رياح و قيل هم الذين أسلموا قبل الهجرة عن الجبائي .

المعنى

لما تقدم ذكر المنافقين و الكفار عقبه سبحانه بذكر السابقين إلى الإيمان فقال « و السابقون الأولون » أي السابقون إلى الإيمان و إلى الطاعات و إنما مدحهم بالسبق لأن السابق إلى الشيء يتبعه غيره فيكون متبوعا و غيره تابع له فهو إمام فيه و داع له إلى الخير بسبقه إليه و كذلك من سبق إلى الشر يكون أسوأ حالا لهذه العلة « من المهاجرين » الذين هاجروا من مكة إلى المدينة و إلى الحبشة « و الأنصار » أي و من الأنصار الذين سبقوا نظراءهم من أهل المدينة إلى الإسلام و من قرأ و الأنصار بالرفع لم يجعلهم من السابقين و جعل السبق للمهاجرين خاصة « و الذين اتبعوهم بأحسن » أي بأفعال الخير و الدخول في الإسلام بعدهم و سلوك منهاجهم و يدخل في ذلك من يجيء بعدهم إلى يوم القيامة « رضي الله عنهم و رضوا عنه » أخبر سبحانه أنه رضي عنهم أفعالهم و رضوا عن الله سبحانه لما أجزل لهم من الثواب على طاعاتهم و إيمانهم به و يقينهم « و أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا » أي يبقون ببقاء الله منعمين « ذلك الفوز العظيم » أي الفلاح
مجمع البيان ج : 5 ص : 98
العظيم الذي يصغر في جنبه كل نعيم و في هذه الآية دلالة على فضل السابقين و مزيتهم على غيرهم لما لحقهم من أنواع المشقة في نصرة الدين فمنها مفارقة العشائر و الأقربين و منها مباينة المألوف من الدين و منها نصرة الإسلام و قلة العدد و كثرة العدو و منها السبق إلى الإيمان و الدعاء إليه و اختلف في أول من أسلم من المهاجرين فقيل إن أول من آمن خديجة بنت خويلد ثم علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو قول ابن عباس و جابر بن عبد الله و أنس و زيد بن أرقم و مجاهد و قتادة و ابن إسحاق و غيرهم قال أنس بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم الإثنين و صلى علي (عليه السلام) و أسلم يوم الثلاثاء و قال مجاهد و ابن إسحاق إنه أسلم و هو ابن عشر سنين و كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخذه من أبي طالب و ضمه إلى نفسه يربيه في حجره و كان معه حتى بعث نبيا و قال الكلبي أنه أسلم و له تسع سنين و قيل اثنتا عشرة سنة عن أبي الأسود قال السيد أبو طالب الهروي و هو الصحيح و في تفسير الثعلبي روى إسماعيل بن أياس بن عفيف عن أبيه عن جده عفيف قال كنت امرءا تاجرا فقدمت مكة أيام الحج فنزلت على العباس بن عبد المطلب و كان العباس لي صديقا و كان يختلف إلى اليمن يشتري العطر فيبيعه أيام الموسم فبينما أنا و العباس بمنى إذ جاء رجل شاب حين حلقت الشمس في السماء فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل الكعبة فقام مستقبلها فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه فلم يلبث أن جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام و المرأة فخر الشاب ساجدا فسجدا معه فرفع الشاب فرفع الغلام و المرأة فقلت يا عباس أمر عظيم فقال أمر عظيم فقلت ويحك ما هذا فقال هذا ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يزعم أن الله بعثه رسولا و أن كنوز كسرى و قيصر ستفتح عليه و هذا الغلام علي بن أبي طالب و هذه المرأة خديجة بنت خويلد و زوجة محمد تابعاه على دينه و أيم الله ما على ظهر الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء فقال عفيف الكندي بعد ما أسلم و رسخ الإسلام في قلبه يا ليتني كنت رابعا و روي أن أبا طالب قال لعلي (عليه السلام) أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه قال يا أبة آمنت بالله و رسوله و صدقته فيما جاء به و صليت معه لله فقال له إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يدعو إلا إلى خير فالزمه و روى عبد الله بن موسى عن العلاء بن صالح عن المنهال بن عمرو عن عبادة بن عبد الله قال سمعت عليا (عليه السلام) يقول أنا عبد الله و أخو رسوله و أنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر صليت قبل الناس بسبع سنين و في مسند السيد أبي طالب الهروي مرفوعا إلى أبي أيوب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال صلت الملائكة علي و على علي سبع سنين و ذلك أنه لم يصل فيها أحد غيري و غيره و قيل إن أول من أسلم بعد خديجة أبو بكر عن إبراهيم النخعي و قيل أول من أسلم بعدها زيد بن حارثة عن الزهري و سليمان بن يسار و عروة بن الزبير و روى
مجمع البيان ج : 5 ص : 99
الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده مرفوعا إلى عبد الرحمن بن عوف في قوله سبحانه « و السابقون الأولون » قال هم عشرة من قريش أولهم إسلاما علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
وَ مِمَّنْ حَوْلَكم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَفِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نحْنُ نَعْلَمُهُمْ سنُعَذِّبهُم مَّرَّتَينِ ثمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذَاب عَظِيم(101) وَ ءَاخَرُونَ اعْترَفُوا بِذُنُوبهِمْ خَلَطوا عَمَلاً صلِحاً وَ ءَاخَرَ سيِّئاً عَسى اللَّهُ أَن يَتُوب عَلَيهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(102)

اللغة

حول الشيء المحيط به من حال يحول إذا دار بالانقلاب و منه الحول للسنة و المحالة لأنها تدور في المحور و المرد أصله الملاسة و منه صرح ممرد أي مملس و الأمرد الذي لا شعر على وجهه و المرداء الرملة التي لا تنبت شيئا ذكره علي بن عيسى و قيل أصله الظهور و المارد الذي ظهر شره و شجرة مرداء إذا تساقط ورقها فظهرت عيدانها و رجل أمرد لظهور مكان الشعر منه عن ابن عرفة و مرد الرجل يمرد مرودا إذا عتا و خرج من الطاعة واعيا خبثا و منه شيطان مارد و مريد و في المثل تمرد مارد و عز الأبلق و هما حصنان .

الإعراب

« و من أهل المدينة مردوا » أي قوم مردوا فحذف الموصوف و يجوز أن يكون التقدير و من أهل المدينة منافقون مردوا على النفاق ففصل بين الصفة و الموصوف بالظرف و « آخرون اعترفوا » معطوف على قوله « من الأعراب منافقون » و كذلك و آخرون مرجون و إن شئت قدرت و منهم آخرون .

المعنى

ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين فقال سبحانه « و ممن حولكم » أي و من جملة من حولكم يعني حول مدينتكم « من الإعراب » و هم الذين يسكنون البدو إذا كانوا مطبوعين على العربية « منافقون » يظهرون الإيمان و يبطنون الكفر و قيل إنهم جهينة و مزينة و أسلم و أشجع و غفار و كانت منازلهم حول المدينة « و من أهل المدينة » أيضا منافقون و إنما حذف لدلالة الأول عليه « مردوا على النفاق » أي مرنوا على النفاق و تجرءوا عليه عن الفراء و قيل معناه أقاموا عليه لم يتوبوا منه كما تاب غيرهم عن ابن زيد و أبان بن تغلب و قيل معناه
مجمع البيان ج : 5 ص : 100
لجوا فيه و أبوا غيره عن ابن إسحاق و قيل فيه تقديم و تأخير و تقديره و ممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق و من أهل المدينة أيضا مثل ذلك عن الزجاج « لا تعلمهم » يا محمد أي لا تعرفهم « نحن نعلمهم » أي نعرفهم « سنعذبهم مرتين » فيه أقوال ( أحدها ) أن معناه نعذبهم في الدنيا بالفضيحة فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذكر رجالا منهم و أخرجهم من المسجد يوم الجمعة في خطبته و قال أخرجوا فإنكم منافقون و يعذبهم في القبر عن ابن عباس و السدي و الكلبي و قيل مرة في الدنيا بالسبي و القتل و مرة في الآخرة بعذاب القبر عن مجاهد و روى حصيف عنه عذبوا بالجوع مرتين و قيل إحداهما أخذ الزكاة منهم و الأخرى عذاب القبر عن الحسن و قيل إحداهما غيظهم من أهل الإسلام و الأخرى عذاب القبر عن ابن إسحاق و قيل إن الأولى ضرب الملائكة وجوههم و أدبارهم عند قبض أرواحهم و الأخرى عذاب القبر و قيل إن الأولى إقامة الحدود عليهم و الأخرى عذاب القبر عن ابن عباس و كل ذلك محتمل غير أنا نعلم أن المرتين معا قبل أن يردوا إلى عذاب النار « ثم يردون إلى عذاب عظيم » أي يرجعون يوم القيامة إلى عذاب مؤبد في النار « و آخرون اعترفوا بذنوبهم » يعني من أهل المدينة أو من الأعراب آخرون أقروا بذنوبهم و ليس براجع إلى المنافقين و الاعتراف الإقرار بالشيء عن معرفة « خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا » يعني أنهم يفعلون أفعالا جميلة و يفعلون أفعالا سيئة قبيحة و التقدير و عملا آخر سيئا « عسى الله أن يتوب عليهم » قال المفسرون عسى من الله واجبة و إنما قال عسى حتى يكونوا بين طمع و إشفاق فيكون ذلك أبعد من الاتكال على العفو و إهمال التوبة و في هذا دلالة على بطلان القول بالإحباط لأنه لو صح الإحباط لكان أحد العملين إذا طرأ على الآخر أحبطه و أبطله فلم يجتمعا فلا يكون لقوله « خلطوا » معنى و قال بعض التابعين ما في القرآن آية أرجى لهذه الأمة من هذه الآية و قد يستعمل لفظ الخلط في الجمع من غير امتزاج يقال خلط الدراهم و الدنانير و قيل أنه يجري مجرى قولهم استوى الماء و الخشبة أي مع الخشبة و قيل إن خلط بالتخفيف في الخير و خلط بالتشديد في الشر « إن الله غفور رحيم » هذا تعليل لقبول التوبة من العصاة أي لأنه غفور رحيم .

النزول

قال أبو حمزة الثمالي بلغنا أنهم ثلاثة نفر من الأنصار أبو لبابة بن عبد المنذر و ثعلبة بن وديعة و أوس بن حذام تخلفوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عند مخرجه إلى تبوك فلما بلغهم ما أنزل الله فيمن تخلف عن نبيه أيقنوا بالهلاك و أوثقوا أنفسهم بسواري المسجد فلم يزالوا كذلك حتى قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
مجمع البيان ج : 5 ص : 101
فسأل عنهم فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلون أنفسهم حتى يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يحلهم و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أنا أقسم لا أكون أول من حلهم إلا أن أؤمر فيهم بأمر فلما نزل « عسى الله أن يتوب عليهم » عمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إليهم فحلهم فانطلقوا فجاؤوا بأموالهم إلى رسول الله فقالوا هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فخذها و تصدق بها عنا قال (عليه السلام) ما أمرت فيها فنزل « خذ من أموالهم صدقة » الآيات و قيل أنهم كانوا عشرة رهط منهم أبو لبابة عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس و قيل كانوا ثمانية منهم أبو لبابة و هلال و كردم و أبو قيس عن سعيد بن جبير و زيد بن أسلم و قيل كانوا سبعة عن قتادة و قيل كانوا خمسة و روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنها نزلت في أبي لبابة و لم يذكر غيره معه و سبب نزولها فيه ما جرى منه في بني قريظة حين قال إن نزلتم على حكمه فهو الذبح و به قال مجاهد و قيل نزلت فيه خاصة حين تأخر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية على ما تقدم ذكره عن الزهري ثم قال أبو لبابة يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب و أنا أنخلع من مالي كله قال يجزيك يا أبا لبابة الثلث و في جميع الأقوال أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثلث أموالهم و ترك الثلثين لأن الله تعالى قال « خذ من أموالهم » و لم يقل خذ أموالهم .
خُذْ مِنْ أَمْوَلهِِمْ صدَقَةً تُطهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِم بهَا وَ صلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلَوتَك سكَنٌ لهَُّمْ وَ اللَّهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ(103) أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَ يَأْخُذُ الصدَقَتِ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيمُ(104) وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسيرَى اللَّهُ عَمَلَكمْ وَ رَسولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سترَدُّونَ إِلى عَلِمِ الْغَيْبِ وَ الشهَدَةِ فَيُنَبِّئُكم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(105)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « إن صلاتك » و في هود أ صلاتك على التوحيد و قرأ الباقون أن صلواتك أ صلواتك على الجمع .

مجمع البيان ج : 5 ص : 102

الحجة

قال أبو علي الصلاة في اللغة الدعاء قال الأعشى في الخمر :
و قابلها الريح في دنها
و صلى على دنها و ارتسم فكان معنى « صل عليهم » ادع لهم فإن دعاءك لهم تسكن إليه نفوسهم و تطيب به فأما قولهم صلى الله على رسوله و ملائكته فلا يقال فيه أنه دعاء لهم من الله تعالى كما لا يقال في نحو ويل للمطففين و نحوه أنه دعاء عليهم و لكن المعنى فيه أن هؤلاء ممن يستحق عندكم أن يقال فيهم هذا النحو من الكلام و كذلك قوله بل عجبت و يسخرون فيمن ضم الياء و هذا مذهب سيبويه فإذا كانت الصلاة مصدرا وقع على الجمع و المفرد على لفظ واحد كصوت الحمير فإذا اختلف جاز أن يجمع لاختلاف ضروبه كما قال إن أنكر الأصوات فأما من زعم أن الصلاة أولى لأن الصلاة للكثرة و الصلوات للقليل فلم يكن قوله متجها لأن الجمع بالتاء قد يقع على الكثير كما يقع على القليل كقوله « و هم في الغرفات آمنون » و قوله « إن المسلمين و المسلمات » و قوله « إن المصدقين و المصدقات » فقد يقع هذا الجمع على الكثير كما يقع على القليل .

الإعراب


قوله « تطهرهم » إنما ارتفع لأحد أمرين إما أن يكون صفة لصدقة و يكون التاء للتأنيث و يكون قوله « بها » للتبيين و يكون التقدير صدقة مطهرة و إما أن يكون التاء خطابا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و التقدير فإنك تطهرهم بها فتكون صفة لصدقة أيضا و يكون الضمير في بها للصدقة الموصوفة و أما و تزكيهم فلا يكون إلا للخطاب و قيل أن تطهرهم يجوز أن يكون على الاستئناف و حمله على الاتصال أولى .

المعنى

ثم خاطب سبحانه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أمره بأخذ الصدقة من أموالهم تطهيرا لهم و تكفيرا لسيئاتهم فقال « خذ » يا محمد « من أموالهم » أدخل من للتبعيض لأنه لم يجب أن يصدق بالجميع و إنما قال « من أموالهم » و لم يقل من مالهم حتى يشتمل على أجناس المال كلها و هذا يدل على وجوب الأخذ من سائر أموال المسلمين لاستوائهم في أحكام الدين إلا ما خصه الدليل « صدقة » قيل أراد بها الأمر بأن يأخذ الصدقة من أموال هؤلاء التائبين تشديدا للتكليف و ليست بالصدقة المفروضة بل هي على سبيل الكفارة للذنوب التي أصابوها عن الحسن و غيره و قيل أراد بها الزكاة المفروضة عن الجبائي و أكثر أهل التفسير و هو الظاهر لأن حمله على الخصوص بغير دليل لا وجه له فيكون
مجمع البيان ج : 5 ص : 103
أمرا بأن يأخذ من المالكين للنصاب الزكاة من الورق إذا بلغ مائتي درهم و من الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا و من الإبل إذا بلغت خمسا و من البقر إذا بلغت ثلاثين و من الغنم إذا بلغت أربعين و من الغلات و الثمار إذا بلغت خمسة أو ستة « تطهرهم و تزكيهم بها » معناه تطهرهم تلك الصدقة عن دنس الذنوب و تزكيهم أنت بها أي تنسبهم إلى الزكاة و تدعو لهم بما يصيرون به أزكياء و قيل معناه تطهرهم أنت و تزكيهم أنت بها فيكون كلا الفعلين مضافا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و صل عليهم » هذا أمر من الله تعالى للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن يدعو لمن يأخذ منه الصدقة و معناه ادع لهم بقبول صدقاتهم كما يقول الداعي آجرك الله فيما أعطيت و بارك لك فيما أبقيت و روي عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال اللهم صل عليهم و قال عبد الله بن أبي أوفى و كان من أصحاب الشجرة فأتاه ابن أبي أوفى بصدقة فقال اللهم صل على آل أبي أوفى أورده البخاري و مسلم في الصحيح « إن صلاتك سكن لهم » أي أن دعواتك مما تسكن نفوسهم إليه و قيل رحمة لهم عن ابن عباس و قيل وقار و طمأنينة لهم أن الله قد قبل منهم عن قتادة و الكلبي و قيل تثبيت لهم عن أبي عبيدة « و الله سميع عليم » يسمع دعاءك لهم و يعلم ما يكون منهم في الصدقات « أ لم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده » استفهام يراد به التنبيه على ما يجب أن يعلم فالمخاطب إذا رجع إلى نفسه و فكر فيما نبه عليه علم وجوبه و إنما وجب أن يعلم أن الله يقبل التوبة لأنه إذا علم ذلك كان ذلك داعيا إلى فعل التوبة و التمسك بها و المسارعة إليها و ما هذه صورته يجب العلم به ليحصل به الفوز بالثواب و الخلاص من العقاب و السبب فيه أنهم لما سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يأخذ من أموالهم ما يكون كفارة لذنوبهم امتنع من ذلك انتظارا لإذن من الله سبحانه فيه فبين الله أنه ليس قبول التوبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إن ذلك إلى الله عز اسمه فإنه الذي يقبلها « و يأخذ الصدقات » أي يتقبلها و يضمن الجزاء عليها قال الجبائي جعل الله أخذ النبي و المؤمنين للصدقات أخذا من الله على وجه التشبيه و المجاز من حيث كان بأمره و قد ورد الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال أن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تصل إلى يد السائل و المراد بذلك أنها تنزل هذا التنزيل ترغيبا للعباد في فعلها و ذاك يرجع إلى تضمن الجزاء عليها « و أن الله هو التواب الرحيم » عطف على ما قبله و لذلك فتح أن و قد مر تفسيره « و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون » هذا أمر من الله سبحانه لنبيه أن يقول للمكلفين اعملوا ما أمركم الله به عمل من يعلم أنه مجازا على فعله فإن الله سيرى عملكم و إنما أدخل سين الاستقبال لأن ما لم يحدث لا يتعلق به
مجمع البيان ج : 5 ص : 104
الرؤية فكأنه قال كل ما تعملونه يراه الله تعالى و قيل أراد بالرؤية هاهنا العلم الذي هو المعرفة و لذلك عداه إلى مفعول واحد أي يعلم الله تعالى ذلك فيجازيكم عليه و يراه رسوله أي يعلمه فيشهد لكم بذلك عند الله تعالى و يراه المؤمنون قيل أراد بالمؤمنين الشهداء و قيل أراد بهم الملائكة الذين هم الحفظة الذين يكتبون الأعمال و روى أصحابنا أن أعمال الأمة تعرض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في كل اثنين و خمسين فيعرفها و كذلك تعرض على أئمة الهدى (عليهم السلام) فيعرفونها و هم المعنيون بقوله « و المؤمنون » و إنما قال « سيرى الله » مع أنه سبحانه عالم بالأشياء قبل وجودها لأن المراد بذلك أنه سيعلمها موجودة بعد أن علمها معدومة و كونه عالما بأنها ستوجد هو كونه عالما بوجودها إذا وجدت لا يتجدد حال له بذلك « و ستردون إلى عالم الغيب و الشهادة » أي سترجعون إلى الله الذي يعلم السر و العلانية « فينبؤكم » أي يخبركم « بما كنتم تعملون » و يجازيكم عليه .
وَ ءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبهُمْ وَ إِمَّا يَتُوب عَلَيهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(106)

القراءة

قرأ أهل المدينة و الكوفة غير أبي بكر « مرجون » بغير همز و الباقون مرجئون بالهمز .

الحجة

قال الأزهري الإرجاء يهمز و لا يهمز أرجأت الأمر و أرجيته أخرته و أرجأت الحامل دنت لأن يخرج ولدها فهي مرجىء و مرجئة و أرجت بغير همز أيضا .

النزول

قال مجاهد و قتادة نزلت الآية في هلال بن أمية الواقفي و مرارة بن الربيع و كعب بن مالك و هم من الأوس و الخزرج و كان كعب بن مالك رجل صدق غير مطعون عليه و إنما تخلف توانيا عن الاستعداد حتى فاته المسير و انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال و الله ما لي من عذر و لم يعتذر إليه بالكذب فقال (عليه السلام) صدقت فمر حتى يقضي الله فيك و جاء الآخران فقالا مثل ذلك و صدقا فنهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن مكالمتهم و أمر نساءهم باعتزالهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت فأقاموا على ذلك خمسين ليلة و بنى كعب خيمة على سلع يكون فيها وحده و قال في ذلك :
مجمع البيان ج : 5 ص : 105

أ بعد دور بني القين الكرام و ما
شادوا علي بنيت البيت من سعف ثم نزلت التوبة عليهم بعد الخمسين في الليل و هو قوله تعالى « و على الثلاثة الذين خلفوا » الآية فأصبح المسلمون يبتدرونهم و يبشرونهم قال كعب فجئت إلى رسول الله في المسجد و كان (عليه السلام) إذا سر يستبشر كان وجهه فلقة قمر فقال لي و وجهه يبرق من السرور أبشر بخير يوم طلع عليك شرقه منذ ولدتك أمك قال كعب فقلت أ من عند الله أم من عندك يا رسول الله فقال من عند الله و تصدق كعب بثلث ماله شكرا لله على توبته .

المعنى

ثم عطف سبحانه على ما قبله من قوله « و آخرون اعترفوا بذنوبهم » فقال « و آخرون مرجون لأمر الله » أي مؤخرون موقوفون لما يرد من أمر الله تعالى فيهم « إما يعذبهم و إما يتوب عليهم » لفظة إما وقوع أحد الشيئين و الله سبحانه عالم بما يصير إليه أمرهم و لكنه سبحانه خاطب العباد بما عندهم و معناه و لكن كان أمرهم عندكم على هذا أي على الخوف و الرجاء و هذا يدل على صحة مذهبنا في جواز العفو عن العصاة لأنه سبحانه بين أن قوما من العصاة يكون أمرهم إلى الله تعالى إن شاء عذبهم و إن شاء قبل توبتهم فعفا عنهم و يدل أيضا على أن قبول التوبة تفضل من الله سبحانه لأنه لو كان واجبا لما جاز تعليقه بالمشيئة « و الله عليم » بما يؤول إليه حالهم « حكيم » فيما يفعله بهم .

مجمع البيان ج : 5 ص : 106
وَ الَّذِينَ اتخَذُوا مَسجِداً ضِرَاراً وَ كفْراً وَ تَفْرِيقَا بَينَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِرْصاداً لِّمَنْ حَارَب اللَّهَ وَ رَسولَهُ مِن قَبْلُ وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسنى وَ اللَّهُ يَشهَدُ إِنهُمْ لَكَذِبُونَ(107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسجِدٌ أُسس عَلى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْم أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يحِبُّونَ أَن يَتَطهَّرُوا وَ اللَّهُ يحِب الْمُطهِّرِينَ(108) أَ فَمَنْ أَسس بُنْيَنَهُ عَلى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَ رِضوَن خَيرٌ أَم مَّنْ أَسس بُنْيَنَهُ عَلى شفَا جُرُف هَار فَانهَارَ بِهِ فى نَارِ جَهَنَّمَ وَ اللَّهُ لا يهْدِى الْقَوْمَ الظلِمِينَ(109) لا يَزَالُ بُنْيَنُهُمُ الَّذِى بَنَوْا رِيبَةً فى قُلُوبِهِمْ إِلا أَن تَقَطعَ قُلُوبُهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(110)

القراءة

قرأ أهل المدينة و ابن عامر الذين اتخذوا بغير واو و الباقون بالواو و قرأ نافع و ابن عامر أسس بضم الألف بنيانه بالرفع في الموضعين و قرأ الباقون « أسس بنيانه » فيهما و في الشواذ قراءة نصر بن عاصم أسس بنيانه على وزن فعل و قراءة نصر بن علي أساس بنيانه و قرأ ابن عامر و حمزة و حماد و يحيى عن أبي بكر و خلف جرف بالتخفيف و الباقون « جرف » بالتثقيل و قرأ يعقوب و سهل إلى أن على أنه حرف الجر و هو قراءة الحسن و قتادة و الجحدري و جماعة و رواه البرقي عن أبي عبد الله و قرأ الباقون « إلا أن » مشددة اللام و قرأ أبو جعفر و ابن عامر و حمزة و حفص و سهل و رويس عن يعقوب « تقطع » بفتح التاء و التشديد و قرأ روح تقطع بضم التاء مخففا و قرأ الباقون تقطع بضم التاء مشددا .

الحجة
 

Back Index Next