جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج5 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 5 ص : 193
أموركم إليه إن كنتم مسلمين على الحقيقة و إنما أعاد قوله « إن كنتم مسلمين » بعد قوله « إن كنتم آمنتم بالله » ليتبين المعنى باجتماع الصفتين التصديق و الانقياد أي إن كنتم آمنتم بالله فاستسلموا لأمره و فائدة الآية بيان وجوب التوكل على الله عند نزول الشدة و التسليم لأمره ثقة بحسن تدبيره و انقطاعا إليه « فقالوا على الله توكلنا » أخبر سبحانه عن حسن طاعتهم له و أنهم قالوا أسندنا أمورنا إلى الله واثقين « ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين » أي لا تمكن الظالمين من ظلمنا بما يحملنا على إظهار الانصراف عن ديننا عن مجاهد و قيل معناه ربنا لا تظهر علينا فرعون و قومه فيفتتن بنا الكفار و يقولوا لو كانوا على الحق لما ظفرنا عليهم عن الحسن و أبي مجاز و روى زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أن معناه لا تسلطهم علينا فتفتنهم بنا « و نجنا » و خلصنا « برحمتك من القوم الكافرين » أي من قوم فرعون و استعبادهم إيانا و أخذهم جماعتنا بالأعمال الشاقة و المهن الخسيسة .
وَ أَوْحَيْنَا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصلَوةَ وَ بَشرِ الْمُؤْمِنِينَ(87) وَ قَالَ مُوسى رَبَّنَا إِنَّك ءَاتَيْت فِرْعَوْنَ وَ مَلأَهُ زِينَةً وَ أَمْوَلاً فى الحَْيَوةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سبِيلِك رَبَّنَا اطمِس عَلى أَمْوَلِهِمْ وَ اشدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتى يَرَوُا الْعَذَاب الأَلِيمَ(88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكمَا فَاستَقِيمَا وَ لا تَتَّبِعَانِّ سبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ(89)

القراءة

قرأ ابن عامر و لا تتبعان خفيفة النون و الباقون بالتشديد .

الحجة

من قرأ بالنون الشديدة كسرها لوقوعها بعد ألف التثنية فأشبهت نون الاثنين في رجلان و لم يعتد بالنون الساكنة قبلها لسكونها و خفتها فصارت المكسورة كأنها وليت الألف و من قرأ بالتخفيف فإنه يمكن أن يكون خفف الثقيلة للتضعيف كما خففوا رب و إن
مجمع البيان ج : 5 ص : 194
و نحوهما إلا أنه حذف الأولى من المثلين كما أبدلوا الأولى من المثلين في نحو قيراط و دينار و لزم ذلك في هذا الموضع لأن الحذف لو لحق الثانية للزم التقاء الساكنين على هذا الحد غير مأخوذ به عند العامة و إن شئت كان على لفظ الخبر و المعنى الأمر كقوله « يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء » « و لا تضار والدة بولدها » أي لا ينبغي ذلك و إن شئت جعلته حالا من استقيما و التقدير استقيما غير متبعين و يدل على ذلك قول الشاعر :
فلا أسقي و لا يسقي شريبي
و يرويه إذا أوردت مائي و كقول الفرزدق :
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم
و لم تكثر القتلى بها حين سلت

اللغة

« تبوءا » أي اتخذا يقال تبوأ لنفسه بيتا أي اتخذه و بوأت له بيتا أي اتخدته له و يقال أن تبوء و بوء بمعنى أي اتخذ بيتا مثل بدل و تبدل و خلص و تخلص قال أبو علي تبوء فعل يتعدى إلى مفعولين و اللام في قوله « لقومكما » كالتي في قوله « ردف لكم » و يقوي ذلك قوله « و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت » فدخلت اللام على غير المطاوع كما دخلت على المطاوع في قوله « تبوءا لقومكما » و الطمس محو الأثر يقال طمست عينه أطمسها طمسا و طموسا و طمست الريح آثار الديار و الطمس تغير إلى الدثور و الدروس قال كعب بن زهير :
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت
عرضتها طامس الأعلام مجهول

الإعراب

مصر غير منصرف لأنه مؤنث معرفة و لو صرفت لخفتها كما تصرف هند لكان جائزا و ترك الصرف أقيس و قوله « بيوتا » مفعول به و ليس بظرف مكان لاختصاصه و البيوت هنا كالغرف في قوله تعالى لنبوئنهم من الجنة غرفا « فلا يؤمنوا » يحتمل وجهين من الإعراب النصب و الجزم فأما النصب ففيه وجهان ( أحدهما ) أن يكون على جواب صيغة الأمر بالفاء ( و الآخر ) أن يكون عطفا على ليضلوا أي ليضلوا فلا يؤمنوا و هذا قول المبرد
مجمع البيان ج : 5 ص : 195
و على هذا فيكون قوله « ربنا اطمس على أموالهم و اشدد على قلوبهم » اعتراضا و أما الجزم فيكون على وجه الدعاء عليهم و تقديره فلا آمنوا و مثله قول الأعشى :
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى
و لا تلقني إلا و أنفك راغم

المعنى

« و أوحينا إلى موسى و أخيه » أي أمرناهما « أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا » أي اتخذا لمن آمن بكما بمصر يعني البلدة المعروفة بيوتا تسكنونها و تأوون إليها « و اجعلوا بيوتكم قبلة » اختلف في ذلك فقيل لما دخل موسى مصر بعد ما أهلك الله فرعون أمروا باتخاذ مساجد يذكر فيها اسم الله تعالى و أن يجعلوا مساجدهم نحو القبلة أي الكعبة و كانت قبلتهم إلى الكعبة عن الحسن و نظيره في بيوت أذن الله أن ترفع الآية و قيل أن فرعون أمر بتخريب مساجد بني إسرائيل و منعهم من الصلاة فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم يصلون فيها خوفا من فرعون و ذلك قوله « و اجعلوا بيوتكم قبلة » أي صلوا في بيوتكم لتأمنوا من الخوف عن ابن عباس و مجاهد و السدي و غيرهم و قيل معناه اجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضا عن سعيد بن جبير « و أقيموا الصلاة » أي أديموها و واظبوا على فعلها « و بشر المؤمنين » بالجنة و ما وعد الله تعالى من الثواب و أنواع النعيم و الخطاب لموسى (عليه السلام) عن أبي مسلم و قيل الخطاب لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و قال موسى ربنا إنك آتيت فرعون و ملأه » أي أعطيت فرعون و قومه « زينة » يتزينون بها من الحلي و الثياب و قيل الزينة الجمال و صحة البدن و طول القامة و حسن الصورة « و أموالا » يتعظمون بها « في الحياة الدنيا » و إنما أعطاهم الله تعالى ذلك للإنعام عليهم مع تعريه من وجود الاستفساد « ربنا ليضلوا عن سبيلك » اللام للعاقبة و المعنى و عاقبة أمرهم أنهم يضلون عن سبيلك و لا يجوز أن يكون لام الغرض لأنا قد علمنا بالأدلة الواضحة أن الله سبحانه لا يبعث الرسول ليأمر الخلق بالضلال و لا يريد أيضا منهم الضلال و كذلك لا يؤتيهم المال ليضلوا و قيل معناه لئلا يضلوا عن سبيلك فحذفت لا كقوله شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أي لئلا تقولوا و حذف ذلك لدلالة العقل عليه و قيل أنه لام الدعاء و المعنى ابتلهم بالبقاء على ما هم عليه من الضلال و إنما قال ذلك لعلمه بأنهم لا يؤمنون من طريق الوحي و فائدته إظهار التبرؤ منهم كما يلعن إبليس و يدل عليه أنه أعاد قوله « ربنا اطمس على أموالهم » فدل ذلك على أنه أراد به الدعاء عليهم و المراد بالطمس على الأموال تغييرها عن جهتها إلى جهة لا ينتفع بها قال مجاهد و قتادة و عامة أهل التفسير صارت جميع أموالهم حجارة حتى السكر و الفانيذ
مجمع البيان ج : 5 ص : 196
« و اشدد على قلوبهم » معناه ثبتهم على المقام ببلدهم بعد إهلاك أموالهم فيكون ذلك أشد عليهم و قيل معناه أمتهم بعد سلب أموالهم و أهلكهم و قيل أنه عبارة عن الخذلان و الطبع « فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم » قد ذكرنا وجوهه و قيل معناه أنهم لا يؤمنون إيمان إلجاء حتى يروا العذاب و هم مع ذلك لا يؤمنون إيمان اختيار أصلا ثم أخبر سبحانه أنه أجاب لهما الدعوة فقال « قال » أي قال الله تعالى لموسى و هارون « قد أجيبت دعوتكما » و الداعي كان موسى (عليه السلام) لأنه كان يدعو و كان هارون يؤمن على دعائه فسماهما داعيين عن عكرمة و الربيع و أبي العالية و أكثر المفسرين و لأن معنى التأمين اللهم استجب هذا الدعاء « فاستقيما » أي فاثبتا على ما أمرتما من دعاء الناس إلى الإيمان بالله تعالى و الإنذار و الوعظ قال ابن جريج مكث فرعون بعد هذا الدعاء أربعين سنة و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) « و لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون » نهاهما سبحانه عن أن يتبعا طريقة من لا يؤمن بالله و لا يعرفه و لا يعرف أنبياءه (عليهم السلام) .
* وَ جَوَزْنَا بِبَنى إِسرءِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتى إِذَا أَدْرَكهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنت أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِى ءَامَنَت بِهِ بَنُوا إِسرءِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسلِمِينَ(90) ءَالْئََنَ وَ قَدْ عَصيْت قَبْلُ وَ كُنت مِنَ الْمُفْسِدِينَ(91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيك بِبَدَنِك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك ءَايَةً وَ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَتِنَا لَغَفِلُونَ(92)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم آمنت إنه بكسر الألف و الباقون أنه بالفتح و روي عن أبي جعفر و نافع الآن بإلقاء حركة الهمزة على اللام و حذف الهمزة و قرأ ننجيك خفيفة قتيبة و يعقوب و سهل و الباقون « ننجيك » بالتشديد و في الشواذ قراءة أبي بن كعب و محمد بن السميفع ننحيك بالحاء .

الحجة

قال أبو علي من قرأ « آمنت أنه » بالفتح فلأن هذا الفعل يصل بحرف الجر في
مجمع البيان ج : 5 ص : 197
نحو يؤمنون بالغيب فلما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى أن فصار في موضع نصب أو جر على الخلاف في ذلك و من قرأ آمنت إنه بالكسر حمله على القول المضمر كأنه قال آمنت و قلت إنه و إضمار القول في هذا النحو كثير و قال علي بن عيسى من كسر إنه جعله بدلا من آمنت و من فتح جعله معمول آمنت و أما الآن فإن لام المعرفة إذا دخلت على كلمة أولها الهمزة فخففت الهمزة كان في تخفيفها وجهان ( أحدهما ) أن يلقى حركتها على اللام و تقر همزة الوصل فيقال الحمر و قد حكى ذلك سيبويه و حكى أبو الحسن أن أناسا يقولون لحمر فيحذفون الهمزة التي للوصل قال :
فقد كنت تخفي حب سمراء حقبة
فبح لأن منها بالذي أنت بائح فأسكن الحاء لما كانت اللام متحركة و لو لم يعتد بالحركة كما لم يعتد بها في الوجه الأول لحرك الحاء بالكسر كما يحرك في بح اليوم و « ننجيك » و ننجيك في معنى واحد أي نلقيك على نجوة من الأرض قال أوس بن حجر :
فمن بنجوته كمن بعقوته
و المستكن كمن يمشي بقرواح و القرواح حيث لا ماء و لا شجر و من قرأ ننحيك بالحاء فإنه نفعلك من الناحية أي نجعلك في ناحية و منه نحيت الشيء فتنحى أي باعدته فتباعد فصار في ناحية قال الحطيئة :
تنحي فاجلسي مني بعيدا
أراح الله منك العالمينا

اللغة

المجاوزة الخروج عن الحد من إحدى الجهات الأربع و الاتباع طلب اللحاق بالأول اتبعه اتباعا و تبعه بمعنى و حكى أبو عبيدة عن الكسائي أنه قال إذا أريد أنه أتبعهم خيرا أو شرا قالوا بقطع الهمزة و إذا أريد به أنه اقتدى بهم و اتبع أثرهم قالوا بتشديد التاء و وصل الهمزة و البغي طلب الاستعلاء بغير حق و العدو و العدوان الظلم و النجوة الأرض التي لا يعلوها السيل و أصلها من الارتفاع .

الإعراب

مفعول له و قيل إنهما مصدران في موضع الحال أي في حال البغي و العدوان الآن فصل بين الزمان الماضي و المستقبل مع أنه إشارة إلى الحاضر و لهذا
مجمع البيان ج : 5 ص : 198
بني كما بني ذا و عرف الآن بالألف و اللام و أمس يتضمن حرف التعريف لأن ما مضى بمنزلة المضمر في المعنى في أنه ليس له صورة و الحاضر في معنى المصرح في صحة الصورة و العامل في قوله « الآن » محذوف و تقديره الآن آمنت .

المعنى

ثم بين سبحانه م آل آل فرعون و قومه فقال « و جاوزنا ببني إسرائيل البحر » أي عبرنا بهم البحر حتى جاوزوه سالمين بأن يبسنا لهم البحر و فرقنا لهم الماء اثني عشر فرقا « فأتبعهم فرعون و جنوده بغيا و عدوا » أي ليبغوا عليهم و يظلموهم و ذلك أن الله سبحانه لما أجاب دعاء موسى أمره بإخراج بني إسرائيل من مصر ليلا فخرج و تبعهم فرعون و جنوده مشرقين حتى انتهوا إلى البحر و أمر الله سبحانه موسى (عليه السلام) فضرب البحر بعصاه فانفلق اثني عشر فرقا و صار لكل سبط طريق يابس فارتفع بين كل طريقين الماء كالجبل و صار في الماء شبه الخروق فجعل بعضهم ينظر إلى بعض فلما وصل فرعون بجنوده إلى البحر رأوا البحر بتلك الهيأة فهابوا دخول البحر و كان فرعون على حصان أدهم فجاء جبرائيل (عليه السلام) على فرس وديق و خاض البحر و ميكائيل يسوقهم فلما شم أدهم فرعون ريح فرس جبريل (عليه السلام) انسل خلفه في الماء و اقتحمت الخيول خلفه فلما دخل آخرهم البحر و هم أولهم أن يخرج انطبق الماء عليهم « حتى إذا أدركه الغرق » أي وصل إليه الغرق و أيقن بالهلاك « قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل و أنا من المسلمين » و كان ذلك إيمان إلجاء لا يستحق به الثواب فلم ينفعه إيمانه « الآن و قد عصيت » قيل فيه إضمار أي قيل له الآن آمنت حين لا ينفع الإيمان و لا يقبل لأنه حال الإلجاء « و قد عصيت » بترك الإيمان في حال ما ينفعك الإيمان فهلا آمنت « قبل » و ذلك « و كنت من المفسدين » في الأرض بقتل المؤمنين و ادعاء الإلهية و أنواع الكفر و اختلف في قائل هذا القول فقيل قاله جبريل (عليه السلام) و قيل ذلك كلام الله تعالى قاله له على وجه الإهانة و التوبيخ و كان ذلك معجزة لموسى (عليه السلام) و روى علي بن إبراهيم بن هاشم بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال ما أتى جبريل رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إلا كئيبا حزينا و لم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون فلما أمر الله سبحانه بنزول هذه الآية نزل و هو ضاحك مستبشر فقال له حبيبي جبريل ما أتيتني إلا و بينت الحزن في وجهك حتى الساعة قال نعم يا محمد لما غرق الله فرعون « قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل » فأخذت حمأة فرضعتها في فيه ثم قلت له « الآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين » ثم خفت أن تلحقه الرحمة من عند الله فيعذبني على ما فعلت فلما كان الآن و أمرني أن أؤدي إليك ما قلته أنا لفرعون آمنت و علمت أن ذلك
مجمع البيان ج : 5 ص : 199
كان لله رضا « فاليوم ننجيك ببدنك » اختلف في معناه فقال أكثر المفسرين معناه لما أغرق الله فرعون و قومه أنكر بعض بني إسرائيل غرق فرعون و قالوا هو أعظم شأنا من أن يغرق فأخرجه الله حتى رأوه فذلك قوله « فاليوم ننجيك » أي نلقيك على نجوة من الأرض و هي المكان المرتفع ببدنك أي بجسدك من غير روح و ذلك أنه طفا عريانا و قيل معناه نخلصك من البحر و أنت ميت و البدن الدرع قال ابن عباس كانت عليه درع من ذهب يعرف بها فالمعنى نرفعك فوق الماء بدرعك المشهورة ليعرفوك بها « لتكون لمن خلفك آية » أي لتكون نكالا لمن خلفك فلا يقولوا مثل مقالتك عن الكلبي و قيل أنه كان يدعي أنه رب فبين الله أمره و أنه عبد و فيه من الآية أنه غرق مع القوم و أخرج هو من بينهم و كان ذلك آية عن الزجاج « و إن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون » يعني أن كثيرا من الناس عن التفكر في دلالاتنا و التدبر لحججنا و بيناتنا غافلون أي ذاهبون .
وَ لَقَدْ بَوَّأْنَا بَنى إِسرءِيلَ مُبَوَّأَ صِدْق وَ رَزَقْنَهُم مِّنَ الطيِّبَتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّك يَقْضى بَيْنهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فِيمَا كانُوا فِيهِ يخْتَلِفُونَ(93)

الإعراب

المبوء يجوز أن يكون مصدرا و يجوز أن يكون مكانا و يكون المفعول الثاني من بوأت على هذا محذوفا كما حذف من قوله « و بوأكم في الأرض » و يجوز أن ينتصب المبوء نصب المفعول به على الاتساع و إن كان مصدرا فقد أجاز ذلك سيبويه في قوله أما الضرب فأنت ضارب .

المعنى

ثم بين سبحانه حال بني إسرائيل بعد إهلاك فرعون فقال « و لقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق » أخبر سبحانه عن نعمه عليهم بعد أن أنجاهم و أهلك عدوهم يقول مكناهم مكانا محمودا و هو بيت المقدس و الشام و إنما قال « مبوأ صدق » لأن فضل ذلك المنزل على غيره من المنازل كفضل الصدق على الكذب و قيل معناه أنزلناهم في موضع خصب و أمن يصدق فيما يدل عليه من جلالة النعمة و قال الحسن يريد به مصر و ذلك أن موسى عبر ببني إسرائيل البحر ثانيا و رجع إلى مصر و تبوأ مساكن آل فرعون و قال الضحاك هو الشام و مصر « و رزقناهم من الطيبات » أي مكناهم الأشياء اللذيذة و هذا يدل على سعة أرزاق
مجمع البيان ج : 5 ص : 200
بني إسرائيل « فما اختلفوا حتى جاءهم العلم » معناه فما اختلفوا في تصديق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) يعني اليهود كانوا مقرين به قبل مبعثه حتى جاءهم العلم و هو القرآن الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس و قال الفراء العلم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه كان معلوما عندهم بنعته فلما جاءهم اختلفوا في تصديقه فكفر به أكثرهم و قيل أن معناه فما اختلف بنو إسرائيل إلا من بعد ما جاءهم العلم بالحق على يد موسى و هارون فإنهم كانوا مطبقين على الكفر قبل مجيء موسى فلما جاءهم آمن به بعضهم و ثبت على الكفر بعضهم فصاروا مختلفين « إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون » هذا إخبار منه تعالى بأنه الذي يتولى الحكم بينهم يوم القيامة في الأمور التي يختلفون فيها فإن مع بقاء التكليف لا يرتفع الخلاف .
فَإِن كُنت فى شك مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْك فَسئَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكتَب مِن قَبْلِك لَقَدْ جَاءَك الْحَقُّ مِن رَّبِّك فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْترِينَ(94) وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَسِرِينَ(95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّت عَلَيهِمْ كلِمَت رَبِّك لا يُؤْمِنُونَ(96) وَ لَوْ جَاءَتهُمْ كلُّ ءَايَة حَتى يَرَوُا الْعَذَاب الأَلِيمَ(97)

القراءة

قد تقدم اختلاف القراء في كلمة و كلمات و الوجه في ذلك .

اللغة

الامتراء طلب الشك مع ظهور الدليل و هو من مري الضرع و هو مسحة ليدر فلا معنى لمسحه بعد دروره بالحليب .

الإعراب

النون في قوله « فلا تكونن » نون التأكيد و هي لا تدخل في غير الواجب لأنك لا تقول أنت تكونن و دخلت في القسم على هذا الوجه لأنه يطلب بالقسم التصديق و إنما بنى الفعل مع نون التأكيد لأنها ركبت مع الفعل على تقدير كلمتين كل واحدة مركبة مع الأخرى مع أن الأولى ساكنة و اقتضت حركة بناء لالتقاء الساكنين ، « و لو جاءتهم كل آية » قال الأخفش أنث كل لأنها مضافة إلى مؤنث و لفظة كل للمذكر و المؤنث سواء و الرؤية في الآية رؤية العين
مجمع البيان ج : 5 ص : 201
لأنها تعدت إلى مفعول واحد و العذاب و إن كان أليما و هو لا يصح أن يرى فإنه ترى أسبابه فهو بمنزلة ما يرى .

المعنى

ثم بين سبحانه صحة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك » اختلف المفسرون في معناه على أقوال أولها قال الزجاج إن هذه الآية قد كثر سؤال الناس عنها و خوضهم فيها و في السورة ما يدل على بيانها فإن الله سبحانه يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ذلك الخطاب شامل للخلق فالمعنى فإن كنتم في شك فاسألوا و الدليل عليه قوله في آخر السورة يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله و لكن أعبد الله الذي يتوفاكم الآية فأعلم الله سبحانه أن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس في شك و مثل هذا قوله « يا أيها النبي إذا طلقتم النساء » فقال طلقتم و الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وحده و هذا مذهب الحسن و ابن عباس و أكثر أهل التأويل و روي عن الحسن و قتادة و سعيد بن جبير أنهم قالوا إن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لم يشك و لم يسأل و هو المروي أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( و ثانيها ) أن الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إن لم يشك و علم الله سبحانه أنه غير شاك و لكن الكلام خرج مخرج التقرير و الأفهام كما يقول القائل لعبده إن كنت عبدي فأطعني و لأبيه إن كنت والدي فتعطف على و لولده إن كنت ابني فبرني يريد بذلك المبالغة و ربما خرجوا في المبالغة ما يستحيل كقولهم بكت السماء لموت فلان أي لو كان تبكي سماء على ميت لبكت عليه و كذلك هاهنا يكون المعنى لو كنت ممن يشك فشككت « فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك » عن الفراء و غيره ( و ثالثها ) أن المعنى فإن كنت أيها المخاطب أو أيها السامع في شك مما أنزلنا إليك على لسان نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيكون الخطاب لغيره ( و رابعها ) ما ذكره الزجاج أنه يجوز أن يكون في معنى ما فيكون المعنى ما كنت في شك مما أنزلنا إليك « فاسأل الذين يقرءون الكتاب » أي لسنا نريد بأمرك أن تسأل لأنك شاك و لكن لتزداد إيمانا كما قال إبراهيم (عليه السلام) حين قال له أ و لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي فالزيادة في التعريف ليست مما يبطل صحة العقيدة و إنما أمر سبحانه بسؤال أهل الكتاب مع جحد أكثرهم لنبوته فيه قولان ( أحدهما ) أنه أمره بأن يسأل مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام و كعب الأحبار و تميم الداري و أشباههم عن ابن عباس و مجاهد و الضحاك ( و الآخر ) أن المراد سلهم عن صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) المبشر به في كتبهم ثم أنظر فيما وافق تلك الصفة و هذا القول أقوى لأن هذه السورة مكية و ابن سلام و غيره إنما أسلموا بالمدينة و قال الزهري إن هذه الآية نزلت في السماء فإن صح ذلك فقد كفي المئونة و رواه أصحابنا أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) )
مجمع البيان ج : 5 ص : 202
و قيل أيضا أن المراد بالشك الضيق و الشدة بما يعانيه من نعتهم و أذاهم أي إن ضقت ذرعا بما تلقى من أذى قومك « فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك » كيف صبر الأنبياء على أذى قومهم فاصبر كذلك « لقد جاءك الحق من ربك » يعني بالحق القرآن و الإسلام « فلا تكونن من الممترين » أي الشاكين « و لا تكونن من الذين كذبوا ب آيات الله » أي من جملة من يجحد آيات الله و لا يصدق بها « فتكون من الخاسرين » أي فإنك إن فعلت ذلك كنت من الخاسرين و لم يقل من الكافرين لأن الإنسان قد علم شدة تحسره و تأسفه على خسران ماله فكيف إذا خسر دينه و نفسه « إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون » معناه أن الذين أخبر الله عنهم بغير شرط أنهم لا يؤمنون فنفى الإيمان عنهم و لم ينف عنهم القدرة عليه فإن نفي الفعل لا يكون نفيا للقدرة عليه كما أن الله سبحانه نفى عن نفسه مغفرة المشركين و لم يكن ذلك نفيا لقدرته على مغفرتهم و قيل معناه إن الذين وجب عليهم سخط ربك عن قتادة و قيل معناه وجب عليهم وعيد ربك « و لو جاءتهم كل آية » أي كل معجزة و دلالة مما يقترحونها « حتى يروا العذاب الأليم » الموجع فيصيروا ملجئين إلى الإيمان و في هذا إعلام بأن هؤلاء الكفار لا لطف لهم في المعلوم يؤمنون عنده إيمان اختيار .
فَلَوْ لا كانَت قَرْيَةٌ ءَامَنَت فَنَفَعَهَا إِيمَنهَا إِلا قَوْمَ يُونُس لَمَّا ءَامَنُوا كَشفْنَا عَنهُمْ عَذَاب الْخِزْىِ فى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَهُمْ إِلى حِين(98)

الإعراب

لو لا بمعنى هلا و هي تستعمل على وجهين ( أحدهما ) التحضيض ( و الآخر ) التأنيب كقولك في التحضيض هلا تأتي زيدا لحاجتك و في التأنيب هلا امتنعت من الفساد الذي دعيت إليه قال الشاعر :
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم
بني ضوطرى لو لا الكمي المقنعا أي هلا تعقرون الكمي و « كانت قرية » كان هذه هي التامة لا تحتاج إلى خبر و آمنت فنفعها إيمانها صفة لقرية فإن الجمل قد تقوم مقام الصفة للنكرة و إلا قوم يونس استثناء متصل واقع على المعنى لا على ظاهر اللفظ فكأنه قال هلا آمن أهل قرية و الجميع مشتركون في هذا العتاب و قوم يونس مستثنى من الجميع و مثل هذا الاستثناء في قوله تعالى فلو لا كان من
مجمع البيان ج : 5 ص : 203
القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم و قال الزجاج « إلا قوم يونس » استثناء منقطع و تقديره لكن قوم يونس لما آمنوا و مثله قول النابغة :
وقفت فيها أصيلا لا أسائلها
عيت جوابا و ما بالربع من أحد
إلا أواري لأيا ما أبينها
و النؤي كالحوض بالمظلومة الجلد و حكى الفراء في البيت لا أن ما أبينها و قال جمع الشاعر بين ثلاثة أحرف في النفي لا و إن و ما و قرأ بعضهم يونس و يوسف بكسر النون و السين أراد أن يجعل الاسمين عربيين مشتقين من آسف و آنس و هو شاذ .

المعنى

لما ذكر سبحانه أن إيمان فرعون لم يقبل عند معاينة العذاب وصل ذلك بذكر إيمان قوم يونس قبل نزول العذاب فقال « فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس » قيل إن معناه فهلا كان أهل قرية آمنوا في وقت ينفعهم إيمانهم أعلم الله سبحانه أن الإيمان لا ينفع عند وقوع العذاب و لا عند حضور الموت الذي لا يشك فيه و لكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم العذاب عن الزجاج قال و قوم يونس لم يقع بهم العذاب إنما رأوا الآية التي تدل على العذاب فمثلهم مثل العليل الذي يتوب في مرضه و هو يرجو العافية و يخاف الموت و قيل إن معناه لم يكن فيما خلا أن يؤمن أهل قرية بأجمعهم حتى لا يشذ منهم أحد إلا قوم يونس فهلا كانت القرى كلها هكذا عن الحسن و قيل معناه فما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها يريد بذلك لم يكن هذا معروفا لأمة من الأمم كفرت ثم آمنت عند نزول العذاب و كشف عنهم أي لم أفعل هذا بأمة قط إلا قوم يونس « لما آمنوا » عند نزول العذاب كشف عنهم العذاب بعد ما تدلى عليهم و هو قوله « كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا » عن قتادة و ابن عباس و في رواية عطاء و قيل إنه أراد بقوله « فلو لا كانت قرية آمنت » قوم ثمود فإنه قد جاءهم العذاب يوما فيوما كما جاء قوم يونس إلا أن قوم يونس استدركوا ذلك بالتوبة و أولئك لم يستدركوا فوصف أهل القرية بأنهم سوى قوم يونس ليعرفهم به بعض التعريف إذ
مجمع البيان ج : 5 ص : 204
كان أخبر عنهم على سبيل الإخبار عن النكرة عن الجبائي و هذا الذي ذكره إنما كان يصح لو كان « إلا قوم يونس » مرفوعا فكان يكون صفة لقرية أو بدلا منه على معنى هلا كان قوم قرية آمنوا إلا قوم يونس و لم يقرأ أحد من القراء بالرفع « و متعناهم إلى حين » و هو وقت انقضاء آجالهم .

[ القصة ]

و كان من قصة يونس على ما ذكره سعيد بن جبير و السدي و وهب و غيرهم أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل و كان يدعوهم إلى الإسلام فأبوا فأخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث إن لم يتوبوا فقالوا إنا لم نجرب عليه كذبا فانظروا فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء و إن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم فلما كان في جوف الليل خرج يونس من بين أظهرهم فلما أصبحوا يغشاهم العذاب قال وهب أغامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا فهبط حتى غشي مدينتهم و اسودت سطوحهم و قال ابن عباس كان العذاب فوق رءوسهم قدر ثلثي ميل فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك فطلبوا نبيهم فلم يجدوه فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم و نسائهم و صبيانهم و دوابهم و لبسوا المسوح و أظهروا الإيمان و التوبة و أخلصوا النية و فرقوا بين كل والدة و ولدها من الناس و الأنعام فحن بعضها إلى بعض و علت أصواتها و اختلطت أصواتها بأصواتهم و تضرعوا إلى الله عز و جل و قالوا آمنا بما جاء به يونس فرحمهم ربهم و استجاب دعاءهم و كشف عنهم العذاب بعد ما أظلهم قال عبد الله بن مسعود بلغ من توبة أهل نينوى أن يرادوا المظالم بينهم حتى كان الرجل ليأتي الحجر و قد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه و يرده و روي عن أبي مخلد أنه قال لما غشي قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا له لقد نزل بنا العذاب فما ترى قال قولوا يا حي حين لا حي و يا حي محي الموتى و يا حي لا إله إلا أنت فقالوها فانكشف عنهم العذاب و روي عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) كان فيهم رجل اسمه مليخا عابد و آخر اسمه روبيل عالم و كان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم و كان العالم ينهاه و يقول له لا تدع عليهم فإن الله يستجيب لك و لا يحب هلاك عباده فقبل يونس قول العابد فدعا عليهم فأوحى الله تعالى إليه أنه يأتيهم العذاب في شهر كذا في يوم كذا فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد و بقي العالم فيهم فلما كان اليوم الذي نزل بهم العذاب قال لهم العالم أفزعوا إلى الله فلعله يرحمكم و يرد العذاب عنكم فاخرجوا إلى المفازة و فرقوا بين النساء و الأولاد و بين سائر الحيوان و أولادها ثم ابكوا و ادعوا ففعلوا فصرف عنهم العذاب و كان قد نزل بهم و قرب منهم و مر يونس على
مجمع البيان ج : 5 ص : 205
وجهه مغاضبا كما حكى الله تعالى عنه حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا سفينة قد شحنت و أرادوا أن يدفعوها فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه فلما توسطوا البحر بعث الله عليهم حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة فتساهموا فوقع من بينهم السهم على يونس فأخرجوه فألقوه في البحر فالتقمه الحوت و مر به في الماء و قيل إن الملاحين قالوا نقترع فمن أصابته القرعة ألقيناه في الماء فإن هاهنا عبدا عاصيا آبقا فوقعت القرعة سبع مرات على يونس فقام و قال أنا العبد الآبق و ألقى نفسه في الماء فابتلعه الحوت فأوحى الله إلى ذلك الحوت لا تؤذ شعرة منه فإني جعلت بطنك سجنه و لم أجعله طعامك فلبث في بطنه ثلاثة أيام و قيل سبعة أيام و قيل أربعين يوما و قد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه فقال له يا يهودي هو الحوت الذي حبس يونس في بطنه فدخل في بحر قلزم حتى خرج إلى بحر مصر ثم سار منها إلى بحر طبرستان ثم خرج من الدجلة قال عبد الله بن مسعود ابتلع الحوت حوت آخر فأهوى به إلى قرار الأرض و كان في بطنه أربعين ليلة فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجاب الله له فأمر الحوت فنبذه على ساحل البحر و هو كالفرخ المتمعط فأنبت الله عليه شجرة من يقطين فجعل يستظل تحتها و وكل الله به وعلا يشرب من لبنها فيبست الشجرة فبكى عليها فأوحى الله تعالى إليه تبكي على شجرة يبست و لا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن أهلكهم فخرج يونس فإذا هو بغلام يرعى فقال من أنت قال من قوم يونس قال إذا رجعت إليهم فأخبرهم أنك لقيت يونس فأخبرهم الغلام و رد الله عليه بدنه و رجع إلى قومه و آمنوا به و قيل إنه (عليه السلام) أرسل إلى قوم غير قومه الأولين .
وَ لَوْ شاءَ رَبُّك لاَمَنَ مَن فى الأَرْضِ كلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنت تُكْرِهُ النَّاس حَتى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(99) وَ مَا كانَ لِنَفْس أَن تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ يجْعَلُ الرِّجْس عَلى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ(100)

القراءة

قرأ و نجعل بالنون حماد و يحيى عن أبي بكر و الباقون بالياء .

مجمع البيان ج : 5 ص : 206

الحجة

من قرأ بالنون فإنه ابتداء بالإخبار عن الله و من قرأ بالياء فلأنه تقدم ذكر الله تعالى فكني عنه .

اللغة

المشيئة و الإرادة و الإيثار و الاختيار نظائر و إنما يختلف عليها الاسم بحسب مواقعها على ما بين في موضعه قال علي بن عيسى النفس خاصة الشيء التي لو بطل ما سواها لم يبطل ذلك الشيء و نفسه و ذاته واحد إلا أنه قد يؤكد بالذات و النفس مأخوذة من النفاسة .

الإعراب

كلهم تأكيد لمن و جميعا نصب على الحال .

المعنى

لما تقدم أن إيمان الملجأ غير نافع بين سبحانه أن ذلك لو كان ينفع لأكره أهل الأرض عليه فقال « و لو شاء ربك » يا محمد « لآمن من في الأرض » أي لآمن أهل الأرض « كلهم جميعا » و معناه الإخبار عن قدرة الله تعالى و أنه يقدر على أن يكره الخلق على الإيمان كما قال إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين و لذلك قال بعد ذلك « أ فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين » و معناه أن لا ينبغي أن تريد إكراههم على الإيمان مع أنك لا تقدر عليه لأن الله تعالى يقدر عليه و لا يريده لأنه ينافي التكليف و أراد بذلك تسلية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تخفيف ما يلحقه من التحسر و الحرص على إيمانهم عنه و في هذا أيضا دلالة على بطلان قول المجبرة أنه تعالى لم يزل كان شائيا و لأنه لا يوصف بالقدرة على أن يشاء لأنه تعالى أخبر أنه لو شاء لقدر لكنه لم يشأ فلذلك لم يوجد و لو كانت مشيئة أزلية لم يصح تعليقها بالشرط فصح أن مشيئته فعلية أ لا ترى أنه لا يصح أن يقال لو علم سبحانه و لو قدر كما صح أن يقال لو شاء و لو أراد « و ما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله » معناه أنه لا يمكن أحد أن يؤمن إلا بإطلاق الله تعالى له في الإيمان و تمكينه منه و دعائه إليه بما خلق فيه من العقل الموجب لذلك و قيل إن إذنه هاهنا أمره كما قال يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ف آمنوا خيرا لكم عن الحسن و الجبائي و حقيقة الإذن إطلاقه في الفعل بالأمر و قد يكون الأذن بالإطلاق في الفعل برفع التبعة و قيل إن إذنه هنا علمه أي لا تؤمن نفس إلا بعلم الله من قولهم أذنت لكذا إذا سمعته و علمته و أذنته أعلمته فيكون خيرا من علمه سبحانه لجميع الكائنات و يجوز أن يكون بمعنى إعلام الله المكلفين بفضل الإيمان و ما يدعوهم إلى فعله و يبعثهم عليه « و يجعل الرجس على الذين لا يعقلون » معناه و يجعل العذاب على الذين لا يتفكرون حتى يعقلوا فكأنهم لا عقول لهم عن قتادة و ابن زيد و قيل معناه و يجعل الكفر عليهم أي يحكم عليهم بالكفر و يذمهم عليه عن الحسن و قيل الرجس الغضب
مجمع البيان ج : 5 ص : 207
و السخط عن ابن عباس و قال الكسائي الرجس النتن و الرجز و الرجس واحد قال أبو علي و كان الرجس على ضربين ( أحدهما ) أن يكون في معنى العذاب ( و الآخر ) أن يكون بمعنى القذر و النجس أي يحكم بأنهم رجس كما قال سبحانه إنما المشركون نجس .
قُلِ انظرُوا مَا ذَا فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ مَا تُغْنى الاَيَت وَ النُّذُرُ عَن قَوْم لا يُؤْمِنُونَ(101) فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُوا إِنى مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ(102) ثُمَّ نُنَجِّى رُسلَنَا وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا كَذَلِك حَقاًّ عَلَيْنَا نُنج الْمُؤْمِنِينَ(103)

القراءة

قرأ الكسائي برواية نصير و يعقوب برواية روح و زيد ثم ننجي رسلنا خفيفة و روي عن روح التشديد أيضا فيه و الباقون « ننجي » بالتشديد و قرأ الكسائي و حفص عن عاصم و يعقوب و سهل « ننج المؤمنين » خفيفة و الباقون ننجي بالتشديد .

الحجة

حجة من قال ننجي قوله فأنجاه الله من النار و حجة من قال « ننجي » قوله و نجينا الذين آمنوا و كلاهما حسن قال الشاعر :
و نجني ابن هند سابح ذو غلالة
أجش هزيم و الرماح دوان

اللغة

النظر طلب الشيء من جهة الفكر كما يطلب إدراكه بالعين و النذر جمع نذير و هو صاحب النذارة و الانتظار هو الثبات لتوقع ما يكون من الحال تقول انتظرني حتى ألحقك و لو قلت توقعني لم تكن قد أمرته بالثبات و المثل في الجنس ما سد أحدهما مسد صاحبه فيما يرجع إلى ذاته و المثل في غير الجنس ما كان على معنى يقربه من غيره كقربه من جنسه كتشبيه أعمال الكفار بالسراب و النجاة مأخوذة من النجوة و هي الارتفاع عن الهلاك و كذلك السلامة مأخوذة من إعطاء الشيء من غير نقيصة أسلمته إليه إذا أعطيته سالما من غير آفة .

مجمع البيان ج : 5 ص : 208

الإعراب

وجه التشبيه في كذلك أن نجاة من بقي من المؤمنين كنجاة من مضى في أنه حق على الله واجب لهم و يحتمل أن يكون العامل في كذلك ننجي الأول و تقديره ننجي رسلنا و الذين آمنوا كذلك الإنجاء و يحتمل أن يكون العامل فيه ننجي الثاني و حقا نصب على المصدر أي يحق حقا و قيل إنه نصب على الحال و إن كان لفظه لفظ المصدر عن أبي مسلم قال جامع العلوم النحوي الضرير و يجوز أن ينصب حقا بدلا من كذلك أو وصفا و لا يجوز أن ينصب كذلك و حقا جميعا بقوله « ننجي رسلنا » لأن الفعل الواحد لا يعمل في مصدرين و لا في حالين و لا في استثناءين و لا في مفعولي معهما و قد بين ذلك في موضعه فإن جعلت كذلك من صلة ننجي و جعلت حقا من صلة قوله « ننج المؤمنين » أي ننجي المؤمنين حقا كان الوقف على كذلك .

المعنى

ثم بين سبحانه ما يزيد في تنبيه القوم و إرشادهم فقال « قل » يا محمد لمن يسألك الآيات « انظروا ما ذا في السماوات و الأرض » من الدلائل و العبر من اختلاف الليل و النهار و مجاري النجوم و الأفلاك و ما خلق من الجبال و البحار و أنبت من الأشجار و الثمار و أخرج من أنواع الحيوانات فإن النظر في أفرادها و جملتها يدعوا إلى الإيمان و إلى معرفة الصانع و وحدانيته و علمه و قدرته و حكمته « و ما تغني الآيات و النذر عن قوم لا يؤمنون » معناه و ما تغني هذه الدلالات و البراهين الواضحة مع كثرتها و ظهورها و لا الرسل المخوفة عن قوم لا ينظرون في الأدلة تفكرا و تدبرا و لا يريدون الإيمان و قيل ما تغني معناه أي شيء تغني عنهم من اجتلاب نفع أو دفع ضرر إذا لم يستدلوا بها فيكون ما للاستفهام و كان الحسن إذا قرأ هذه الآية هتف بها و قال و ما تغني الحجج عن قوم لا يقبلونها و قال أبو عبد الله (عليه السلام) لما أسرى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) جبريل بالبراق فركبها فأتى بيت المقدس فلقي من لقي من الأنبياء ثم رجع فأصبح يحدث أصحابه إني أتيت بيت المقدس و لقيت إخواني من الأنبياء فقالوا يا رسول الله كيف أتيت بيت المقدس الليلة قال جاءني جبرائيل بالبراق فركبتها و آية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان و قد أضلوا جملا لهم أحمر و هم في طلبه فقال القوم بعضهم لبعض إنما جاءه راكب سريع و لكنكم قد أتيتم الشام و عرفتموها فاسألوه عن أسواقها و أبوابها و تجارها فسألوه عن ذلك و كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا سئل عن الشيء لا يعرفه شق ذلك عليه حتى يرى ذلك في وجهه قال فبينا هو كذلك إذا أتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال يا رسول الله هذه الشام قد رفعت لك فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإذا هو بالشام فقالوا له أين بيت فلان و مكان كذا فأجابهم في كل ما سألوه عنه فلم يؤمن منهم إلا قليل و هو قول الله تعالى « و ما تغني
مجمع البيان ج : 5 ص : 209
الآيات و النذر عن قوم لا يؤمنون » ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) فنعوذ بالله أن لا نؤمن بالله آمنا بالله و رسوله « فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم » معناه فهل ينتظر هؤلاء الذين أمروا بالإيمان فلم يؤمنوا و بالنظر في الأدلة فلم ينظروا إلا العذاب و الهلاك في مثل الأيام التي هلك من قبلهم من الكفار فيها قال قتادة أراد به وقائع الله في عاد و ثمود و قوم نوح و عبر عن الهلاك بالأيام كما يقال أيام فلان يراد به أيام دولته و أيام محنته و اللفظ لفظ الاستفهام و المراد به النفي و تقديره ليس ينتظرون إلا ذاك « قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين » أي قل يا محمد لهم فانتظروا ما وعدنا الله من العذاب فإني منتظر معكم من جميع المنتظرين لما وعد الله به « ثم ننجي رسلنا و الذين آمنوا » من بينهم و نخلصهم من العذاب وقت نزوله و قيل من شرور أعدائهم و مكرهم « كذلك حقا علينا ننج المؤمنين » قال الحسن معناه كنا إذا أهلكنا أمة من الأمم الماضية نجينا نبيهم و نجينا الذين آمنوا به أيضا كذلك إذا أهلكنا هؤلاء المشركين نجيناك يا محمد و الذين آمنوا بك و قيل معناه « كذلك حقا علينا » أي واجبا علينا من طريق الحكمة « ننجي المؤمنين » من عذاب الآخرة كما ننجيهم من عذاب الدنيا و قال أبو عبد الله (عليه السلام) لأصحابه ما يمنعكم من أن تشهدوا على من مات منكم على هذا الأمر أنه من أهل الجنة أن الله تعالى يقول « كذلك حقا علينا ننج المؤمنين » .
قُلْ يَأَيهَا النَّاس إِن كُنتُمْ فى شك مِّن دِينى فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَ لَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُمْ وَ أُمِرْت أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(104) وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَك لِلدِّينِ حَنِيفاً وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشرِكِينَ(105) وَ لا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُك وَ لا يَضرُّك فَإِن فَعَلْت فَإِنَّك إِذاً مِّنَ الظلِمِينَ(106) وَ إِن يَمْسسك اللَّهُ بِضرّ فَلا كاشِف لَهُ إِلا هُوَ وَ إِن يُرِدْك بخَير فَلا رَادَّ لِفَضلِهِ يُصِيب بِهِ مَن يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(107)

اللغة

الشك وقوف في المعنى و نقيضه كمن يشك في كون زيد في الدار فإنه لا
مجمع البيان ج : 5 ص : 210
يكون لإحدى الصفتين عنده مزية على الأخرى فيقف و هو معنى غير الاعتقاد عند أبي علي الجبائي و أبي هاشم ثم رجع عنه أبو هاشم و قال ليس بمعنى و هو اختيار القاضي و التوفي قبض الشيء على التمام و الإقامة نصب الشيء و نقيضه الإضجاح و أقام بالمكان استمر فيه كاستمرار القيام في جهة الانتصاب و المماسة و المطابقة و المجامعة نظائر و ضدها المباينة و الكشف رفع الساتر المانع من الإدراك فكان الضر هاهنا ساتر يمنع من إدراك الإنسان .

الإعراب

« إن كنتم في شك » شرط و جوابه في قوله « لا أعبد » و إنما صح ذلك لأن معناه إن كنتم في شك فلا تطمعوا في تشكيكي حتى أعبد غير الله كعبادتكم .

المعنى

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالبراءة عن كل معبود سواه فقال « قل » يا محمد لهؤلاء الكفار « يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني » أ حق هو أم لا « فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله » لشككم في ديني « و لكن أعبد الله الذي يتوفاكم » أي يقدر على إماتتكم و هذا يتضمن تهديدا لهم لأن وفاة المشركين ميعاد عذابهم التي قيل كيف قال إن كنتم في شك من ديني مع اعتقادهم بطلان دينه فجوابه من وجوه ( أحدها ) أن يكون التقدير من كان شاكا في أمري فهذا حكمه ( و الثاني ) أنهم في حكم الشاك للاضطراب الذي يجدونه في أنفسهم عند ورود الآيات ( و الثالث ) أن فيهم من كان شاكا فغلب ذكرهم « و أمرت أن أكون من المؤمنين » أي و أمرني ربي أن أكون من المصدقين بالتوحيد و إخلاص العبادة له « و أن أقم وجهك » هذا عطف على ما قبله فكأنه قال و قيل لي و أقم وجهك « للدين » أي استقم في الدين بإقبالك على ما أمرت به من القيام بأعباء الرسالة و تحمل أمر الشريعة بوجهك و قيل معناه و أقم وجهك في الصلاة بالتوجه نحو الكعبة « حنيفا » أي مستقيما في الدين « و لا تكونن من المشركين » هذا نهي عن الإشراك مع الله سبحانه غيره في العبادة « و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك » إن أطعته « و لا يضرك » إن عصيته و تركته أي لا تدعه إلها كما يدعوا المشركون الأوثان آلهة و إنما قال « ما لا ينفعك و لا يضرك » مع أنه لو نفع و ضر لم تحسن عبادته أيضا لأمرين ( أحدهما ) أن معناه ما لا ينفعك نفع الإله و لا يضرك ضرره ( و الثاني ) أنه إذا كان عبادة غير الله ممن يضر و ينفع قبيحة فعبادة من لا يضر و لا ينفع أقبح « فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين » معناه فإن خالفت ما أمرت به من عبادة غير الله كنت ظالما لنفسك بإدخالك الضرر الذي هو العقاب عليها و هذا الخطاب و إن كان متوجها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الظاهر فالمراد به أمته « و إن يمسسك الله بضر » معناه و إن أحل الله بك ضرا من بلاء أو شدة أو مرض « فلا كاشف له إلا هو » أي لا يقدر أحد على كشفه غيره كأنه سبحانه
 

Back Index Next