جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج5 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 5 ص : 173
وَ يَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ(48) قُل لا أَمْلِك لِنَفْسى ضرًّا وَ لا نَفْعاً إِلا مَا شاءَ اللَّهُ لِكلِّ أُمَّة أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَستَئْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَستَقْدِمُونَ(49) قُلْ أَ رَءَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَتاً أَوْ نهَاراً مَّا ذَا يَستَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ(50) أَ ثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِ ءَالْئََنَ وَ قَدْ كُنتُم بِهِ تَستَعْجِلُونَ(51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظلَمُوا ذُوقُوا عَذَاب الخُْلْدِ هَلْ تجْزَوْنَ إِلا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ(52)

اللغة

الوعد خبر بما يعطى من الخير و الوعيد خبر بما يعطى من الشر هذا إذا فصل فإن أجمل وقع الوعد على الجميع و النفع هو اللذة و السرور و ما أدى إليهما أو إلى واحد منهما و الضرر الألم و الغم و ما أدى إليهما أو إلى واحد منهما و الأجل هو الوقت المضروب لوقوع أمر كأجل الدين و أجل الإنسان .

الإعراب

متى سؤال عن الزمان و أين سؤال عن المكان .
بياتا منصوب على الظرف و قوله « ما ذا يستعجل » يجوز أن يكون ما في موضع رفع و ذلك إذا كان ذا بمعنى الذي و المعنى ما الذي يستعجل منه المجرمون فيكون ما مبتدأ و الذي خبره و يجوز أن يكون في موضع نصب و ذلك إذا جعلت ما و ذا اسما واحدا و المعنى أي شيء يستعجل منه المجرمون من العذاب أو من الله فيكون مفعول يستعجل و جواب إن أتاكم محذوفا و تقدير الكلام أ رأيتم ما ذا يستعجل من العذاب المجرمون إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا أو وقع أن أتاكم في وسط الكلام موقع الاعتراض و معنى ما ذا يستعجل هاهنا الإنكار أي ليس في العذاب شيء يستعجل به و جاء في صيغة الاستفهام لأنه لا جواب لصاحبه يصح له و قوله « ثم » دخلت ألف الاستفهام على ثم التي للعطف لتدل على أن معنى الجملة الثانية بعد الأولى مع أن للألف صدر الكلام و العامل في إذا قوله « آمنتم به » و قوله « آلآن و قد كنتم به تستعجلون » تقديره آلآن به تؤمنون .

المعنى

لما وعد سبحانه المكذبين بين عقيبه أنهم إذا استعجلوا ذلك على سبيل التكذيب و الرد فقال « و يقولون » أي و يقول هؤلاء المشركون « متى هذا الوعد » الذي تعدنا به من البعث و قيام الساعة و قيل من العذاب « إن كنتم صادقين » في ذلك « قل » يا محمد
مجمع البيان ج : 5 ص : 174
جوابا لهم « لا أملك لنفسي ضرا و لا نفعا » أي لا أقدر لنفسي على ضر أو نفع « إلا ما شاء الله » أن يملكني أو يقدرني عليه فكيف أقدر لكم لأني إذا لم أقدر على ذلك كنت عن إنزال العذاب و عن معرفة وقته أعجز أو يكون معناه إذا لم أملك لنفسي شيئا من ذلك إلا ما ملكنيه الله تعالى فكيف أملك تقديم القيامة و تعجيل العقوبة قبل الوقت المقدر له « لكل أمة أجل » أي لكل أمة في عذابها على تكذيب الرسل وقت معلوم « إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون » فلا يتأخرون عن ذلك الوقت و لا يتقدمون عليه بل يهلكهم في ذلك الوقت بعينه « قل » يا محمد لهؤلاء المكذبين المستعجلين بالعذاب « أ رأيتم » أي أ علمتم « إن أتاكم عذابه » أي عذاب الله « بياتا » أي ليلا « أو نهارا ما ذا يستعجل منه المجرمون » و هذا استفهام معناه التقطيع و التهويل كما يقول الإنسان لمن هو في أمر يستوخم عاقبته ما ذا تجني على نفسك و هذا جواب لقولهم متى هذا الوعد و قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) يريد بذلك عذابا ينزل من السماء على فسقة أهل القبلة في آخر الزمان و نعوذ بالله منه « أ ثم إذا ما وقع آمنتم به » هذا استفهام معناه الإنكار و تقديره أ حين وقع بكم العذاب المقدر الموقت آمنتم به أي بالله في وقت اليأس و قيل بالقرآن و قيل بالعذاب الذي كنتم تنكرونه فيقال لكم آلآن تؤمنون و قد اضطررتم لحلوله « و قد كنتم به » أي بالعذاب « تستعجلون » من قبل مكذبين مستهزئين و قال الحسن معناه ثم إنكم ستؤمنون به عند وقوع العذاب فلا ينفعكم إيمانكم و نظيره آلآن و قد عصيت قبل « ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد » أي ثم يقال يوم القيامة للذين ظلموا أنفسهم ذوقوا عذاب الدوام في الآخرة بعد عذاب الدنيا « هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون » معناه أنكم قد دعيتم و هديتم و بين لكم الأدلة و أزيحت عنكم العلة فأبيتم إلا التمادي في الكفر و الانهماك في الغي فذوقوا جزاء أعمالكم و إنما شبهوا بالذائق و هو الذي يطلب الطعم بالفم لأنه أشد إحساسا و قيل لأنهم يتجرعون العذاب بدخوله أجوافهم .

مجمع البيان ج : 5 ص : 175
* وَ يَستَنبِئُونَك أَ حَقُّ هُوَ قُلْ إِى وَ رَبى إِنَّهُ لَحَقُّ وَ مَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ(53) وَ لَوْ أَنَّ لِكلِّ نَفْس ظلَمَت مَا فى الأَرْضِ لافْتَدَت بِهِ وَ أَسرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَاب وَ قُضىَ بَيْنَهُم بِالْقِسطِ وَ هُمْ لا يُظلَمُونَ(54) أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقُّ وَ لَكِنَّ أَكْثرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(55) هُوَ يُحْىِ وَ يُمِيت وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(56)

اللغة

الاستنباء طلب النبإ الذي هو الخبر و الافتداء إيقاع الشيء بدل غيره لدفع المكروه به يقال فداه يفديه فدية و فداء و افتداه افتداء و فاداه مفاداة .

الإعراب

إلا كلمة تستعمل في التنبيه و أصلها لا دخل عليها حرف الاستفهام تقريرا و تذكيرا فصارت تنبيها و كسرت إن بعد ألا لأن ألا يستأنف ما بعدها لينبه بها على معنى الابتداء و لذلك وقع بعدها الأمر و الدعاء كقول امرىء القيس :
ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي .

المعنى

« و يستنبؤنك » يا محمد أي يطلبون منك أن تخبرهم « أ حق هو » أي أ حق ما جئت به من القرآن و النبوة و الشريعة و قيل أ حق ما تعدنا من البعث و القيامة و العذاب عن الجبائي « قل » يا محمد « إي و ربي » أي نعم و حق الله « إنه لحق » لا شك فيه « و ما أنتم بمعجزين » أي بسابقين فائتين و هذا الاستخبار يحتمل أن يكون إنما وقع منهم على وجه التعريف و الاستفهام و يحتمل أن يكون وقع على وجه الاستهزاء « و لو أن لكل نفس ظلمت » أي أشركت بالله عن ابن عباس و قيل ظلمت بكل ما يسمى ظلما « ما في الأرض » من الأموال « لافتدت به » من هول ما يلحقها من العذاب « و أسروا الندامة لما رأوا العذاب » أي أخفوا الندامة أي أسر الندامة رؤساء الضلالة من الأتباع و السفلة و قيل أسروا الندامة أي أخلصوها و الندامة الحسرة على ما كان يتمنى أنه لم يكن و قيل أسروا أي أظهروا عن أبي عبيدة و الجبائي و قال الأزهري و هذا غلط لأن ما يكون بمعنى الإظهار يكون بالشين المنقطة من فوق « و قضي بينهم بالقسط » أي فصل بينهم بالعدل « و هم لا يظلمون » فيما يفعل بهم من العقاب لأنهم جنوه على أنفسهم و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إنما أسروا الندامة و هم في النار كراهية لشماتة الأعداء على أنفسهم « ألا إن لله ما في السماوات و الأرض » أي له ملك السماوات و الأرض و ما فيهما فلا يقدر أحد على منعه من إحلال العقاب بمملوكه المستحق له « ألا إن وعد الله » بإحلال العقاب بالمجرمين « حق و لكن أكثرهم لا يعلمون » صحة ذلك لجهلهم به تعالى و بصحة ما أتى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « هو يحيي » أي يحيي الخلق بعد كونهم أمواتا « و يميت » أي يميتهم بعد أن كانوا أحياء « و إليه ترجعون » يوم القيامة فيجازيهم على أعمالهم قال الجبائي و في هذه
مجمع البيان ج : 5 ص : 176
الآية دلالة على أنه لا يقدر على الحياة إلا الله تعالى لأنه تعالى تمدح بكونه قادرا على الإحياء و الإماتة .

النظم

وجه اتصال الآية الأولى بما قبلها أن قوله « و يستنبؤنك » عطف على و يستعجلونك المعنى أنهم يستعجلونك و يقولون متى تكون القيامة و العذاب أو يستخبرونك أ حق ما تقول من كونه و وجه اتصال قوله « ألا إن لله ما في السموات و الأرض » بما قبله اتصال الإثبات بالنفي و تقديره ليس للظالم ما يفتدى به بل جميع الملك له تعالى و قيل أنه يتصل بما قبله بمعنى أن من يملك السموات و الأرض يقدر على إيقاع ما توعد به و وجه اتصال قوله « ألا إن وعد الله حق » بما قبله أنه إذا خلق السموات و الأرض لا للعبث بل لمنافع الخلق فلا يجوز عليه خلف الوعد و أيضا فإن من صفة الخالق أن يكون عالما لذاته غنيا غير محتاج و الخلف كذب قبيح و لا بد للفعل من داع و الداعي إلى القبيح إما الجهل بقبحه أو الحاجة إليه فإذا لا يجوز الخلف عليه إذ لا داعي له إليه .
يَأَيهَا النَّاس قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَ شِفَاءٌ لِّمَا فى الصدُورِ وَ هُدًى وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ(57) قُلْ بِفَضلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِك فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِّمَّا يجْمَعُونَ(58)

القراءة

قرأ أبو جعفر و ابن عامر « فليفرحوا » بالياء تجمعون بالتاء و قرأ يعقوب برواية رويس فلتفرحوا و تجمعون بالتاء فيهما جميعا و روي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أبي بن كعب و الحسن و في رواية زيد عن يعقوب فلتفرحوا بالتاء « يجمعون » بالياء و روي ذلك عن ابن عباس و قتادة و جماعة و الباقون بالياء فيهما جميعا .

الحجة

قال أبو علي قوله « بفضل الله و برحمته » الجار فيه يتعلق بمضمر استغني عن ذكره لدلالة ما تقدم عليه و هو قوله « قد جاءتكم موعظة من ربكم » كما أن قوله « آلآن و قد عصيت » قيل يتعلق الظرف فيه بمضمر يدل عليه ما تقدم من الفعل و كذلك قوله « آلآن و قد كنتم به تستعجلون » فأما قوله « فبذلك فليفرحوا » فإن الجار في قوله « فبذلك » يتعلق بفليفرحوا لأن هذا الفعل اتصل بالباء قال و فرحوا بها و قال و فرحت بما قد كان من سيديكما فأما الفاء في قوله « فليفرحوا » فزيادة يدلك على ذلك أن المعنى فافرحوا بذلك و مثل هذه الآية
مجمع البيان ج : 5 ص : 177
قول الشاعر :
و إذا هلكت فعند ذلك فاجزعي فالفاء في قوله فاجزعي زيادة كما كانت الفاء في قوله « فليفرحوا » زيادة و لا تكون الزيادة الأولى لأن الظرف إنما يتعلق باجزعي فأما من قرأ فلتفرحوا بالتاء فإنه اعتبر الخطاب الذي قبل و هو قوله « قد جاءتكم موعظة » و زعموا أنها في حرف أبي فافرحوا قال أبو الحسن و زعموا أنها لغة و هي قليلة نحو لنضرب و أنت تخاطب فأما من قرأ هو خير مما تجمعون بالتاء فعلى أنه عنى المخاطبين و الغيب جميعا إلا أنك غلبت المخاطبة على الغيبة و من قرأ بالياء كان المعنى فافرحوا بذلك أيها المؤمنون أي أفرحوا بفضل الله و رحمته فإن ما أتاكموه من الموعظة شفاء لما في الصدور ثلج اليقين النفس بالإيمان و سكون النفس إليه خير مما يجمعه غيركم من أعراض الدنيا ممن فقد هذه الحال التي حزتموها .

المعنى

لما تقدم ذكر القرآن و ما فيه من الوعد و الوعيد عقبه سبحانه بذكر جلالة موقع القرآن و عظم محله في باب الأدلة فقال « يا أيها الناس » خطاب لجميع الخلق و تنبيه لهم و يقال أنه خطاب لقريش « قد جاءتكم موعظة من ربكم » يعني القرآن و الموعظة بيان ما تجب أن يحذر عنه و يرغب فيه و قيل هي ما يدعو إلى الصلاح و يزجر عن الفساد « و شفاء لما في الصدور » الشفاء معنى كالدواء لإزالة الداء فداء الجهل أضر من داء البدن و علاجه أعسر و أطباؤه أقل و الشفاء منه أجل و الصدر موضع القلب و هو أجل موضع في البدن لشرف القلب « و هدى » أي و دلالة تؤدي إلى معرفة الحق « و رحمة للمؤمنين » أي و نعمة لمن تمسك به و عمل بما فيه و خص المؤمنين بالذكر و إن كان القرآن موعظة و رحمة لجميع الخلق لأنهم الذين انتفعوا به وصف الله سبحانه القرآن في هذه الآية بأربع صفات بالموعظة و الشفاء لما في الصدور و بالهدى و الرحمة « قل بفضل الله و برحمته » معناه قل يا محمد بإفضال الله و بنعمته فإنه يجوز إطلاق الفاضل على الله تعالى فوضع الفضل في موضع الإفضال كما وضع النبات في قوله « و الله أنبتكم من الأرض نباتا » في موضع الإنبات و قيل أن الفضل إلى الله بمعنى الملك كما يضاف العبد إليه بأنه مالك له « فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون » قال الزجاج قوله « بذلك » بدل من قوله بفضل الله و برحمته و هو يدل على أنه يعني به القرآن أي فبذلك فليفرح الناس لأنه خير لكم يا أصحاب محمد مما يجمعه هؤلاء الكفار من الأموال و معنى الآية قل لهؤلاء الفرحين بالدنيا المعتدين بها الجامعين لها إذا فرحتم بشيء فافرحوا بفضل الله عليكم و رحمته لكم بإنزال هذا القرآن و إرسال محمد إليكم فإنكم تحصلون بهما نعيما دائما مقيما هو خير لكم من هذه الدنيا الفانية و قيل فضل الله هو القرآن
مجمع البيان ج : 5 ص : 178
و رحمته الإسلام عن أبي سعيد الخدري و الحسن و روى أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من هداه الله للإسلام و علمه القرآن ثم شكا الفاقة كتب الله عز و جل الفقر بين عينيه إلى يوم القيامة ثم تلا « قل بفضل الله و برحمته » الآية و قيل فضل الله الإسلام و رحمته القرآن عن قتادة و مجاهد و غيرهما قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) فضل الله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و رحمته علي بن أبي طالب (عليه السلام) و رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس .
قُلْ أَ رَءَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْق فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَ حَلَلاً قُلْ ءَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلى اللَّهِ تَفْترُونَ(59) وَ مَا ظنُّ الَّذِينَ يَفْترُونَ عَلى اللَّهِ الْكذِب يَوْمَ الْقِيَمَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضل عَلى النَّاسِ وَ لَكِنَّ أَكْثرَهُمْ لا يَشكُرُونَ(60) وَ مَا تَكُونُ فى شأْن وَ مَا تَتْلُوا مِنْهُ مِن قُرْءَان وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَل إِلا كنَّا عَلَيْكمْ شهُوداً إِذْ تُفِيضونَ فِيهِ وَ مَا يَعْزُب عَن رَّبِّك مِن مِّثْقَالِ ذَرَّة فى الأَرْضِ وَ لا فى السمَاءِ وَ لا أَصغَرَ مِن ذَلِك وَ لا أَكْبرَ إِلا فى كِتَب مُّبِين(61)

القراءة

قرأ الكسائي و ما يعزب بكسر الزاي هنا و في سبإ و هو قراءة الأعمش و يحيى بن وثاب و قرأ الباقون بضم الزاي و قرأ حمزة و خلف و يعقوب و سهل و لا أصغر و لا أكبر بالرفع و الباقون بفتحها .

الحجة

« يعزب » و يعزب لغتان صحيحتان و من فتح الزاي من « أصغر » و « أكبر » فلأن أفعل في الموضعين في موضع جر على تقدير ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة و لا مثقال أصغر من ذلك و لا أكبر و إنما فتح لأنه غير منصرف و إنما منع الصرف لأن الفعل إذا اتصل به من كان صفة و إذا كان صفة لم ينصرف في النكرة و من رفع حمله على موضع الجار و المجرور الذي هو من مثقال ذرة فإنه في موضع رفع كما كانا في قوله و كفى بالله و يجوز رفعه من جهة
مجمع البيان ج : 5 ص : 179
أخرى على الابتداء و يكون الخبر قوله « إلا في كتاب مبين » .

اللغة

الشأن اسم يقع على الأمر و الحال تقول ما شأنك و ما بالك و ما حالك و الإفاضة الدخول في العمل على جهة الانصباب إليه مأخوذ من فيض الإناء إذا انصب الماء من جوانبه و منه قوله أفضتم من عرفات أي تفرقتم كتفرق الماء الذي ينصب من الإناء و العزوب الذهاب عن المعلوم و ضده حضور المعنى للنفس و تعزب إذا انفرد عن أهله .

الإعراب

ما في قوله « ما أنزل الله » في موضع نصب بأنزل و يكون بمعنى أي في الاستفهام و يحتمل أن يكون ما بمعنى الذي فيكون نصبا برأيتم .

المعنى

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يخاطب كفار مكة فقال « قل » يا محمد لهم « أ رأيتم ما أنزل الله لكم من رزق » فجعله حلالا « فجعلتم منه حراما و حلالا » أي جعلتم بعضه حراما و بعضه حلالا يعني ما حرموا من السائبة و البحيرة و الوصيلة و نحوها مما حرموا من زروعهم و إنما قال « أنزل الله » لأن أرزاق العباد من المطر الذي ينزله الله « قل » يا محمد لهم « آلله أذن لكم أم على الله تفترون » و معناه أنه لم يأذن لكم في شيء من ذلك بل أنتم تكذبون في ذلك على الله سبحانه « و ما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة » معناه أي شيء يظن الذين يكذبون على الله أنه يصيبهم يوم القيامة على افترائهم على الله أي لا ينبغي أن يظنوا أن يصيبهم على ذلك إلا العذاب الشديد و العقاب الأليم « إن الله لذو فضل على الناس » بما فعل بهم من ضروب الإنعام « و لكن أكثرهم لا يشكرون » نعمه و يجحدونها و هذا الكلام خرج مخرج التقريع على افتراء الكذب و إن كان في صورة الاستفهام و تقديره أ يؤديهم افتراؤهم الكذب إلى خير أم شر و قيل أن معنى قوله « لذو فضل على الناس » أنه لم يضيق عليهم بالتحريم كما ادعيتم ذلك عليه و قيل معناه أنه لذو فضل على خلقه بترك معاجلة من افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا و إمهاله إياهم إلى يوم القيامة ثم بين سبحانه أن إمهاله إياهم ليس لجهل بحالهم فقال « و ما تكون في شأن » أي ما تكون أنت يا محمد في حال من الأحوال و في أمر من أمور الدين من تبليغ الرسالة و تعليم الشريعة و غير ذلك « و ما تتلوا منه من قرآن » أي و ما تقرأ من الله من قرآن و قيل من الكتاب من قرآن و القرآن يقع على القليل و الكثير منه و قيل أن الهاء تعود إلى الشأن أي و ما تتلو من الشأن من قرآن « و لا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا » أي و لا تعمل أنت و أمتك من عمل إلا كنا عالمين به شاهدين عليكم به « إذ تفيضون فيه » أي تدخلون فيه و تخوضون فيه « و ما يعزب عن ربك » أي و ما يبعد و ما
مجمع البيان ج : 5 ص : 180
يغيب عن علم ربك و رؤيته و قدرته « من مثقال ذرة » أي وزن نملة صغيرة « في الأرض و لا في السماء و لا أصغر من ذلك » من وزن نملة « و لا أكبر إلا في كتاب مبين » أي في كتاب بينه الله فيه قبل أن خلقه و هو اللوح المحفوظ و قيل أراد به كتاب الحفظة الذي كتبه الملائكة السفرة و حفظوه و قال الصادق (عليه السلام) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا قرأ هذه الآية بكى بكاء شديدا .

النظم

قيل في اتصال الآية الأولى بما قبلها أنها اتصلت بقوله « قل من يرزقكم من السماء و الأرض » فإذا قرءوا أنه الرزاق قيل لهم أ جعلتم ما رزقكم بعضه حراما و بعضه حلالا عن أبي مسلم و قيل لما وصف القرآن بأنه هدى و رحمة و أمرهم بالتمسك بما فيه عقبه بذكر مخالفتهم لما جاء في القرآن و تحريمهم ما أحل الله .
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ(63) لَهُمُ الْبُشرَى فى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ فى الاَخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكلِمَتِ اللَّهِ ذَلِك هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(64) وَ لا يحْزُنك قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ(65)

اللغة

الخوف و الفزع و الجزع نظائر و هو إزعاج القلب لما يتوقع من المكروه و الأمن ضده و الحزن غلظ الهم مأخوذ من الحزن و هي الأرض الغليظة و السرور ضده و البشرى الخبر مما يظهر سروره في بشرة الوجه و البشارة مثلها و العزة شدة الغلبة من عزه يعزه إذا غلبه و منه قولهم إذا عز أخوك فهن يعني إذا غلبك و لم تقاومه فلن له و عز الشيء يعز بفتح العين إذا اشتد و يعز بكسرها إذا صار عزيزا لا يوجد فكأنه اشتد وجوده .

الأعراب

« الذين آمنوا » يحتمل موضعه ثلاثة أوجه من الإعراب ( الأول ) النصب على أنه صفة أولياء الله ( و الثاني ) الرفع على المدح ( و الثالث ) الرفع على الابتداء و خبره « لهم البشرى » فإن جعلت « الذين آمنوا » صفة لم تقف على يحزنون بل تقف على يتقون و إن
مجمع البيان ج : 5 ص : 181
جعلته مبتدأ وقفت على يحزنون دون يتقون لأن لهم البشرى خبر عنهم و البشرى يرتفع بالظرف على الأقوال الثلاثة « و لا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا » كسرت أن للاستئناف بالتذكير لما ينفي الحزن و لا يجوز أن يكون كسرت لأنها وقعت بعد القول لأنه يصير حكاية عنهم و أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يحزن لذلك و هذا كفر و يجوز فتحها على تقدير اللام كأنه قال و لا يحزنك قولهم لأن العزة لله جميعا و قد غلظ القتيبي في هذا فزعم أن فتحها يكون كفرا و ليس الأمر كما ظنه فإنها إذا كانت معمولة للقول لم يجز و إذا تعلقت بغير القول جاز سواء فتحت أو كسرت و مثل الفتح قول ذي الرمة :
فما هجرتك النفس يا مي أنها
قلتك و لكن قل منك نصيبها
و لكنهم يا أملح الناس أولعوا
بقول إذا ما جئت هذا جنيبها و قال القتيبي عند ذكر هذه المسألة إذا قلت هذا قاتل أخي بالتنوين دل على أنه لم يقتل و إذا قلت هذا قاتل أخي بحذف التنوين دل على أنه قتل و هذا غلط بإجماع من النحويين لأن التنوين قد تحذف و أنت تريد الحال و الاستقبال قال الله تعالى هديا بالغ الكعبة يريد بالغا الكعبة و كل نفس ذائقة الموت أي ستذوق .

المعنى

« ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم » بين سبحانه أن المطيعين لله الذين تولوا القيام بأمره و تولاهم سبحانه بحفظه و حياطته لا خوف عليهم يوم القيامة من العقاب « و لا هم يحزنون » أي لا يخافون و اختلف في أولياء الله فقيل هم قوم ذكرهم الله بما هم عليه من سيماء الخير و الإخبات عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قيل هم المتحابون في الله ذكر ذلك في خبر مرفوع و قيل هم الذين آمنوا و كانوا يتقون و قد بينهم في الآية التي بعدها عن ابن زيد و قيل أنهم الذين أدوا فرائض الله و أخذوا بسنن رسول الله و تورعوا عن محارم الله و زهدوا في عاجل هذه الدنيا و رغبوا فيما عند الله و اكتسبوا الطيب من رزق الله لمعايشهم لا يريدون به التفاخر و التكاثر ثم أنفقوه فيما يلزمهم من حقوق واجبة فأولئك الذين يبارك الله لهم فيما اكتسبوا و يثابون على ما قدموا منه لآخرتهم و هو المروي عن علي بن الحسين (عليهماالسلام) و قيل هم الذين توالت أفعالهم على موافقة الحق « الذين آمنوا » أي صدقوا بالله و اعترفوا بوحدانيته « و كانوا يتقون » مع ذلك معاصيه « لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة » فيه أقوال ( أحدها ) أن البشرى في الحياة الدنيا هي ما بشرهم الله تعالى به في
مجمع البيان ج : 5 ص : 182
القرآن على الأعمال الصالحة و نظيره قوله « و بشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم » و قوله « يبشرهم ربهم برحمة منه » الآية عن الزجاج و الفراء ( و ثانيها ) أن البشارة في الحياة الدنيا بشارة الملائكة (عليهم السلام) للمؤمنين عند موتهم ب ألا تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنة عن قتادة و الزهري و الضحاك و الجبائي ( و ثالثها ) أنها في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ترى له و في الآخرة بالجنة و هي ما يبشرهم الملائكة عند خروجهم من القبور و في القيامة إلى أن يدخلوا الجنة يبشرونهم بها حالا بعد حال و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و روي ذلك في حديث مرفوع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و روى عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الدين الذي أنتم عليه و ما بين أحدكم و بين أن يرى ما تقر به عينه إلا أن يبلغ نفسه إلى هذه و أومأ بيده إلى الوريد الخبر بطوله ثم قال أن هذا في كتاب الله و قرأ « الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة » الآية و قيل أن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة في قبره فيشاهد ما أعد له في الجنة قبل دخولها « لا تبديل لكلمات الله » أي لا خلف لما وعد الله تعالى به من الثواب و لا خلاف في قوله بوضع كلمة أخرى مكانها بدلا منها لأنها حق و الحق لا خلف فيه بوجه « ذلك هو الفوز العظيم » أي ذلك الذي سبق ذكره من البشارة في الحياة الدنيا و في الآخرة هي النجاة العظيمة التي يصغر في جنبها كل شيء « و لا يحزنك قولهم » ظاهره النهي و المراد به التسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن أقوالهم المؤدية و هو مثل قولهم لا رأيتك هاهنا أي لا تكن هاهنا فمن كان هاهنا رأيته و كذلك المراد بالآية لا تعبأ بأذاهم فمن عبا به آذاه أذاهم « إن العزة لله جميعا » فيمنعهم منك بعزته و يدفع أذاهم عنك بقدرته و قيل معناه لا يحزنك قولهم إنك ساحر أو مجنون فسينصرك الله عليهم و سيذلهم و ينتقم منهم لك فإنه عزيز قادر عليه « هو السميع العليم » يسمع أقوالهم و يعلم ضمائرهم فيجازيهم عليها و يدفع عنك شرهم و يرد كيدهم و ضرهم .

النظم

وجه اتصال الآية الأولى بما قبلها أنه لما تقدم ذكر المؤمن و الكافر بين عقيبه أن أولياءه لا خوف عليهم و قيل لما ذكر أنه يحصي أعمال خلقه بشر من تولاه و ذكر ما أعد لهم و وجه اتصال قوله « و لا يحزنك قولهم » بما تقدم أنه يتصل بقوله و إن كذبوك « فلا يحزنك قولهم » و قل لي عملي و لكم عملكم و قيل أنه يتصل بما قبله فكأنه قال إذا كنت من أولياء الله و من أهل البشارة فلا ينبغي أن تحزن بطعن من يطعن عليك و وجه اتصال قوله « هو السميع العليم » بما قبله أنه يسمع قولهم و يجازيهم فلا يحزنك ذلك .

مجمع البيان ج : 5 ص : 183
أَلا إِنَّ للَّهِ مَن فى السمَوَتِ وَ مَن فى الأَرْضِ وَ مَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شرَكاءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلا يخْرُصونَ(66) هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسكنُوا فِيهِ وَ النَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت لِّقَوْم يَسمَعُونَ(67)

اللغة

الفرق بين الجعل و الفعل إن جعل الشيء يكون بإحداث غيره كجعل الطين خزفا و لا يكون فعله إلا بإحداثه و الفرق بين الجعل و التغيير إن تغيير الشيء لا يكون إلا بتصييره على خلاف ما كان و جعله يكون بتصييره على مثل ما كان كجعل الإنسان نفسه ساكنا على استدامة الحال و إنما قال « و النهار مبصرا » و إنما يبصر فيه تشبيها و مجازا و استعارة في صفة الشيء بسببه على وجه المبالغة كما يقال سر كاتم و ليل نائم و مثله قول جرير :
لقد لمتنا أم غيلان في السري
و نمت و ما ليل المطي بنائم و قال رؤبة :
قد نام ليلي و تجلى همي .

المعنى

لما سلى الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بقوله « و لا يحزنك قولهم » فإنهم لا يفوتونني بين بعد ذلك ما يدل على صحته فقال « ألا إن لله من في السموات و من في الأرض » يعني العقلاء و إذا كان له ملك العقلاء فما عداهم تابع لهم و إنما خص العقلاء تفخيما « و ما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء » يحتمل ما هاهنا وجهين ( أحدهما ) أن يكون بمعنى أي شيء فكأنه قال و أي شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء تقبيحا لفعلهم ( و الآخر ) أن يكون نافية أي و ما يتبعون شركاء في الحقيقة و يحتمل وجها ثالثا و هو أن يكون ما بمعنى الذي و يكون منصوبا بالعطف على من و يكون التقدير و الذي يتبع الأصنام الذين يدعونهم من دون الله شركاء فحذف العائد من الصلة و شركاء حال من ذلك المحذوف و إن جعلت ما نفيا فقوله « شركاء » ينتصب بيدعونه و العائد إلى الذين الواو في يدعون و يكون قوله « إن يتبعون » مكررا لطول الكلام و تقف في هذا القول على قوله « و من في الأرض » و في ذلك القول على قوله « شركاء » « إن يتبعون إلا الظن » أي ليس يتبعون في اتخاذهم مع الله شركاء إلا الظن لتقليدهم أسلافهم في ذلك أو لشبهة دخلت عليهم بأنهم
مجمع البيان ج : 5 ص : 184
يتقربون بذلك إلى الله تعالى « و إن هم إلا يخرصون » أي و ليسوا إلا كاذبين بهذا الاعتقاد و القول « هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه » معناه أن الذي يملك من في السموات و من في الأرض هو الذي خلق لكم الليل لسكونكم و لأن يزول التعب و الكلال عنكم بالسكون فيه « و النهار مبصرا » أي و جعل النهار مبصرا مضيئا تبصرون فيه و تهتدون به في حوائجكم بالأبصار « إن في ذلك لآيات » أي لحججا و دلالات على توحيد الله سبحانه من حيث لا يقدر على ذلك غيره « لقوم يسمعون » الحجج سماع تدبر و تفهم و تعقل .
قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سبْحَنَهُ هُوَ الْغَنىُّ لَهُ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ إِنْ عِندَكم مِّن سلْطنِ بهَذَا أَ تَقُولُونَ عَلى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْترُونَ عَلى اللَّهِ الْكَذِب لا يُفْلِحُونَ(69) مَتَعٌ فى الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَاب الشدِيدَ بِمَا كانُوا يَكْفُرُونَ(70)

الإعراب

متاع خبر مبتدإ محذوف و تقديره ذاك أو هو متاع و قوله « لا يفلحون » وقف تام و يجوز أن يكون متاع مبتدأ محذوف الخبر و تقديره لهم متاع .

المعنى

ثم حكى الله سبحانه عن صنف من الكفار أنهم أضافوا إليه اتخاذ الولد و هم طائفتان ( إحداهما ) كفار قريش و العرب فإنهم قالوا الملائكة بنات الله ( و الأخرى ) النصارى الذين قالوا المسيح ابن الله فقال سبحانه « قالوا اتخذ الله ولدا » و إنما قال « قالوا » و إن لم يكن سبق ذكرهم لأنهم كانوا بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كان يعرفهم و تصح الكناية عن المعلوم كما تصح عن المذكور « سبحانه » أي تنزيها له عما قالوا « هو الغني » عن اتخاذ الولد ثم بين سبحانه الوجه فيه فقال « له ما في السموات و ما في الأرض » و معناه إذا كان له ما في السموات و ما في الأرض ملكا و ملكا و خلقا فهو الغني عن اتخاذ الولد لأن الإنسان إنما
مجمع البيان ج : 5 ص : 185
يتخذ الولد ليتقوى به من ضعف أو ليستغني به من فقر و الله سبحانه منزه عن ذلك و إذا استحال اتخاذ الولد حقيقة عليه سبحانه استحال عليه اتخاذ الولد على وجه التبني « إن عندكم من سلطان بهذا » أي ما عندكم من حجة و برهان بهذا « أ تقولون على الله ما لا تعلمون » هذا توبيخ من الله سبحانه لهم على قولهم ذلك ثم بين سبحانه الوعيد لهم على ذلك فقال « قل » يا محمد « إن الذين يفترون » أي يكذبون « على الله الكذب » باتخاذ الولد و غير ذلك « لا يفلحون » أي لا يفوزون بشيء من الثواب و أصل الافتراء من القطع من فريت الأديم أي قطعته فمعناه يقطعون الكذب الذي يكذبون به على الله تعالى و قوله « متاع في الدنيا » معناه لهم متاع في الدنيا يتمتعون به أياما قلائل ثم تنقضي و قوله « ثم إلينا مرجعهم » أي ثم إلى حكمنا مصيرهم « ثم نذيقهم العذاب الشديد » و هو عذاب النار « بما كانوا يكفرون » أي بكفرهم .
* وَ اتْلُ عَلَيهِمْ نَبَأَ نُوح إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَقَوْمِ إِن كانَ كَبرَ عَلَيْكم مَّقَامِى وَ تَذْكِيرِى بِئَايَتِ اللَّهِ فَعَلى اللَّهِ تَوَكلْت فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضوا إِلىَّ وَ لا تُنظِرُونِ(71) فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سأَلْتُكم مِّنْ أَجْر إِنْ أَجْرِى إِلا عَلى اللَّهِ وَ أُمِرْت أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسلِمِينَ(72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَهُ وَ مَن مَّعَهُ فى الْفُلْكِ وَ جَعَلْنَهُمْ خَلَئف وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا فَانظرْ كَيْف كانَ عَقِبَةُ المُْنذَرِينَ(73)

القراءة

قرأ يعقوب وحده و شركاؤكم بالرفع و هو قراءة الحسن و ابن أبي إسحاق و أبي عبد الرحمن السلمي و عيسى الثقفي و قرأ الباقون « و شركاءكم » بالنصب و في الشواذ قراءة
مجمع البيان ج : 5 ص : 186
الأعرج و عاصم و الجحدري و الزهري فاجمعوا أمركم مفتوحة الميم موصولة الهمزة من جمع .

الحجة

من قرأ « فاجمعوا أمركم و شركاؤكم » بالرفع رفعه على العطف على الضمير في أجمعوا و ساغ عطفه على الضمير من غير توكيد من أجل طول الكلام بقوله « أمركم » و إذا جاز في قوله سبحانه « ما أشركنا و لا آباؤنا » إن نكتفي من طول الكلام بلا و إن كانت بعد حرف العطف كان الاكتفاء من التوكيد بما هو أطول من لا و هو أيضا قبل الواو كما أن التوكيد لو ظهر لكان قبلها أحرى فلو قال قائل قم و زيد كان أقبح من أن يقول قمت و زيد و ذلك لأن المعطوف عليه في قم و زيد ضمير مستكن لا لفظ له فهو أضعف من ضمير المخاطب أو المتكلم في قمت لأن له لفظا و هو التاء و قمت و زيد أضعف من قمنا و زيد لأن نا من قمنا أتم لفظا من التاء في قمت و أما « شركاءكم » بالنصب فقد قيل فيه أنه منصوب على إضمار فعل كأنه قيل و ادعوا شركاءكم قالوا و كذا هو في مصحف أبي و قيل تقديره فاجمعوا أمركم و أجمعوا شركاءكم لأن أجمعوا يدل عليه و ذهب المحققون إلى أنه مفعول معه و تقديره مع شركائكم كما أنشد سيبويه :
فكونوا أنتم و بني أبيكم
مكان الكليتين من الطحال و يقال أجمعت الأمر و جمعت الأمر و أجمعت على الأمر أي عزمت عليه قال المؤرج أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه قال أبو الهيثم أجمع أمره إذا جعله جمعا بعد ما كان متفرقا قال :
هل أغدون يوما و أمري مجمع

اللغة

الغمة ضيق الأمر الذي يوجب الحزن و الغمة و الكربة و الضغطة و الشدة نظائر و نقيضه الفرجة و قيل غمة مغطى تغطية خبره مأخوذ من غم الهلال إذا حال دون رؤيته غيم .

المعنى

ثم أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يقرأ عليهم أخبار نوح فقال « و اتل عليهم نبأ نوح » أي خبره « إذ قال لقومه » الذين بعث إليهم « يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي » أي شق و عظم عليكم إقامتي بين أظهركم « و تذكيري » أي وعظي و تنبيهي إياكم « ب آيات الله » أي بحججه و بيناته على صحة التوحيد و العدل و النبوة و المعاد و بطلان ما تدينون به و في الكلام حذف هو قوله و عزمتم على قتلي و طردي من بين أظهركم « فعلى الله توكلت » جعله
مجمع البيان ج : 5 ص : 187
جواب الشرط مع أنه متوكل عليه في جميع أحواله ليبين لهم أنه متوكل في هذا التفصيل لما في إعلامه ذلك من زجرهم عنه لأن الله تعالى يكفيه أمرهم و معناه فإلى الله فوضت أمري و به وثقت إن يكفيني أمركم « فاجمعوا أمركم و شركاءكم » معناه فاعزموا على أمركم مع شركائكم و اتفقوا على أمر واحد من قتلي و طردي و لا تضطربوا فيه فتختلف أحوالكم فيما تلقونني به و هذا تهديد في صورة الأمر و قيل معناه اعزموا على أمركم و ادعوا شركاءكم فبين (عليه السلام) إنه لا يرتدع عن دعائهم و عيب آلهتهم مستعينا بالله عليهم واثقا بأنه سبحانه يعصمه منهم و قيل أراد بالشركاء الأوثان التي كانوا يعبدونها من دون الله و قيل أراد من شاركهم في دينهم « ثم لا يكن أمركم عليكم غمة » أي لا يكن أمركم عليكم غما و حزنا بأن ترددوا فيه و قيل معناه ليكن أمركم ظاهرا مكشوفا و لا يكونن مغطى مبهما مستورا من غممت الشيء إذا سترته و قيل معناه لا تأتوه من غير أن تتشاوروا و من غير أن يجتمع رأيكم عليه لأن من حاول أمرا من غير أن يعلم كيف يتأتى ذلك كان أمره غمة عليه « ثم اقضوا إلي و لا تنظرون » أي انهضوا إلي فاقتلوني إن وجدتم إليه سبيلا و لا تؤخروني و لا تمهلوني عن ابن عباس و قيل معنى اقضوا إلي افعلوا ما تريدون و أدخلوا إلي لأنه بمعنى أفرغوا من جميع حيلكم كما يقال خرجت إليك من العهدة و قيل معناه توجهوا إلى و روي عن بعضهم أنه قرأ ثم أفضوا إلى أي أسرعوا إلي من الفضاء لأنه إذا صار إلى الفضاء تمكن من الإسراع و هذا كان من معجزات نوح (عليه السلام) لأنه كان وحيدا مع نفر يسير و قد أخبر بأنهم لا يقدرون على قتله و على أن ينزلوا به سواء لأن الله تعالى ناصره و حافظه عنهم « فإن توليتم » أي ذهبتم عن الحق و اتباعه و لم تقبلوه و لم تنظروا فيه « فما سألتكم من أجر » أي لا أطلب منكم أجرا على ما أؤديه إليكم من الله فيثقل ذلك عليكم و قيل معناه إن أعرضتم عن قبول قولي لم يضرني لأني لم أطلع فيما لكم فيفوتني ذلك بتوليكم عني و إنما يعود الضرر عليكم « إن أجري إلا على الله » أي ما أجري إلا على الله في القيام بأداء الرسالة « و أمرت أن أكون من المسلمين » أي أمرني الله بأن أكون من المستسلمين لأمر الله بطاعته ثقة بأنها خير ما يكتسبه العباد « فكذبوه » يعني أنهم كذبوا نوحا أي نسبوه إلى الكذب فيما يذكره من أنه نبي الله و إن الله بعثه إليهم ليدعوهم إلى طاعته « فنجيناه و من معه في الفلك » أي في السفينة « و جعلناهم خلائف » أي جعلنا الذين نجوا مع نوح خلفاء لمن هلك بالغرق و قيل أنهم كانوا ثمانين نفسا و قال البلخي يجوز أن يكون أراد جعلناهم رؤساء في الأرض « و أغرقنا الذين كذبوا ب آياتنا » أي أهلكنا باقي أهل الأرض أجمع لتكذيبهم لنوح (عليه السلام) « فانظر » أيها السامع « كيف كان عاقبة المنذرين » أي المخوفين بالله و عذابه أي كيف أهلكهم الله
مجمع البيان ج : 5 ص : 188
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسلاً إِلى قَوْمِهِمْ فجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَتِ فَمَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِك نَطبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ(74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسى وَ هَرُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلايهِ بِئَايَتِنَا فَاستَكْبرُوا وَ كانُوا قَوْماً مجْرِمِينَ(75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ(76) قَالَ مُوسى أَ تَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكمْ أَ سِحْرٌ هَذَا وَ لا يُفْلِحُ السحِرُونَ(77) قَالُوا أَ جِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا وَ تَكُونَ لَكُمَا الْكِبرِيَاءُ فى الأَرْضِ وَ مَا نحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ(78)

القراءة

روى حماد و يحيى عن أبي بكر و زيد عن يعقوب و يكون لكما الكبرياء بالياء و الباقون بالتاء .

الحجة

الوجه في الياء أن تأنيث الكبرياء غير حقيقي و قد فصل أيضا بينه و بين الفعل و من قرأ بالتاء فلأن لفظه لفظ التأنيث .

اللغة

الإجرام اكتساب السيئة و أصله القطع و اللفت الصرف عن الأمر يقال لفته يلفته لفتا و امرأة لفوت ذات زوج لها ولد من غيره لأنها تلفت إلى ولدها عنقها .

المعنى

ثم بين سبحانه قصة من بعثه بعد نوح فقال « ثم بعثنا من بعده » أي من بعد نوح و إهلاك قومه « رسلا » يريد إبراهيم و هودا و صالحا و لوطا و شعيبا « إلى قومهم » الذين كانوا فيهم بعد أن تناسلوا و كثروا « فجاءوهم بالبينات » أي فأتوهم بالبراهين و المعجزات الدالة على صدقهم الشاهدة بنبوتهم « فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل » أي لم يكونوا ليصدقوا يعني أولئك الأقوام الذين بعث إليهم الرسل بما كذبت به أوائلهم الذين هم قوم نوح أي كانوا مثلهم في الكفر و العتو و قيل معناه لم يكن منهم من يؤمن من بعد هذه الآيات بما كذبوا به من قبلها بل كانت الحالتان سواء عندهم قبل البينات و بعدها عن
مجمع البيان ج : 5 ص : 189
أبي مسلم و البلخي « كذلك نطبع على قلوب المعتدين » أي نجعل على قلوب الظالمين لنفوسهم الذين تعدوا حدود الله سمة و علامة على كفرهم يلزمهم الذم بها و يعرفهم بها الملائكة كما فعلنا ذلك بقلوب هؤلاء الكفار و قد مر معاني الطبع و الختم فيما تقدم « ثم بعثنا من بعدهم » أي من بعد الرسل أو من بعد الأمم « موسى و هارون » (عليهماالسلام) نبيين مرسلين « إلى فرعون و ملأه » أي و رؤساء قومه « ب آياتنا » أي بأدلتنا و معجزاتنا « فاستكبروا » عن الانقياد لها و الإيمان بها « و كانوا قوما مجرمين » عاصين لربهم مستحقين للعقاب الدائم « فلما جاءهم » أي جاء قوم فرعون « الحق من عندنا » يعني ما أتى به موسى من المعجزات و البراهين « قالوا إن هذا لسحر مبين » أي ظاهر « قال موسى » لهم « أ تقولون للحق لما جاءكم أ سحر هذا » أي أ تقولون لمعجزاته سحر و السحر باطل و المعجز حق و هما متضادان « و لا يفلح الساحرون » أي لا يظفرون بحجة و لا يأتون على ما يدعونه ببينة و إنما هو تمويه على الضعفة « قالوا » يعني قال فرعون و قومه لموسى « أ جئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا » أي لتصرفنا عن ذلك « و تكون لكما الكبرياء » أي الملك عن مجاهد و قيل العظمة و السلطان و الأصل إن الكبرياء استحقاق صفة الكبر في أعلى المراتب « في الأرض » أي في أرض مصر و قيل أراد اسم الجنس و المراد به الإنكار و إن كان اللفظ لفظ الاستفهام تعلقوا بالشبهة في أنهم على رأي آبائهم و إن من دعاهم إلى خلافه فظاهر أمره أنه يريد التأمر عليهم فلم يطيعوه « و ما نحن لكما بمؤمنين » أي بمصدقين فيما تدعيانه من النبوة .
وَ قَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونى بِكلِّ سحِر عَلِيم(79) فَلَمَّا جَاءَ السحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ(80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسى مَا جِئْتُم بِهِ السحْرُ إِنَّ اللَّهَ سيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(81) وَ يحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكلِمَتِهِ وَ لَوْ كرِهَ الْمُجْرِمُونَ(82)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم بكل سحار بالتشديد و الباقون « ساحر » على وزن فاعل و قرأ أبو جعفر و أبو عمرو السحر بقطع الألف و مدها على الاستفهام و الباقون « السحر » موصولة على الخبر .

مجمع البيان ج : 5 ص : 190

الحجة

قد بينا الوجه في سحار و ساحر في سورة الأعراف و أما قوله « السحر » فإن ما في قوله « ما جئتم به » في موضع رفع بالابتداء و جئتم في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ و الكلام استفهام و السحر بدل من ما المبتدأ و لزم أن يلحق السحر الاستفهام ليساوي المبدل منه في أنه استفهام أ لا ترى أنه ليس في قولك السحر استفهام و على هذا قالوا كم مالك أ عشرون أم ثلاثون فجعلت العشرون و الثلاثون بدلا من كم و ألحقت أم لأنك في قولك كما درهما ما لك مدع أن له مالا كما أنك في قولك أ عشرون أم ثلاثون ما لك مدع أحد الشيئين و لا يلزم أن تضمر للسحر خبرا على هذا لأنك إذا أبدلت من المبتدأ صار في موضعه و صار ما كان خبرا لما أبدلت منه في موضع خبر البدل و من قرأ « ما جئتم به السحر » كان ما في قوله موصولا و جئتم به الصلة و الهاء المجرورة عائدة على الموصول و خبر المبتدأ الذي هو الموصول السحر و مما يقوي هذا الوجه ما زعموا أنه في حرف عبد الله ما جئتم به سحر فعلى هذا يكون تقديره الذي جئتم به السحر و على الوجه الأول و هو أن يكون ما استفهاما فتقديره أي شيء جئتم السحر و أما وجه الاستفهام مع علم موسى أنه سحر فإنه مثل قوله « ء أنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله » في أنه للتقرير .

المعنى

« و قال فرعون » حكى الله سبحانه عن فرعون أنه حين أعجزه المعجزات التي ظهرت لموسى (عليه السلام) و لم يكن له في دفعها حيلة قال لقومه « ائتوني بكل ساحر عليم » بالسحر بليغ في عمله و إنما طلب فرعون كل ساحر ليتعاونوا على دفع ما أتى به موسى و حتى لا يفوته شيء من السحر بتأخر بعضهم و إنما فعل ذلك للجهل بأن ما أتى به موسى من عند الله و ليس بسحر و بعد ذلك علم أنه ليس بسحر فعائد كما قال سبحانه « لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات و الأرض بصائر » و قيل أنه علم أنه ليس بسحر و لكنه ظن أن السحر يقاربه مقاربة تشبيه « فلما جاء السحرة » الذين طلبهم فرعون و أمر بإحضارهم و موسى حاضر « قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون » و في الكلام حذف يدل عليه الظاهر و تقديره فلما أتوه بالسحرة و بالحبال و العصي قال لهم موسى « ألقوا ما أنتم ملقون » أي اطرحوا ما جئتم به و قيل معناه افعلوا ما أنتم فاعلون و هذا ليس بأمر بالسحر و لكنه قال ذلك على وجه التحدي و الإلزام أي من كان عنده ما يقاوم المعجزات فليلقه و قيل أنه أمر على الحقيقة بالإلقاء ليظهر بطلانه و إنما لم يقتصر على قوله « ألقوا » لأنه أراد ألقوا جميع ما أنتم ملقون في المستأنف فلو اقتصر على ألقوا ما أفاد هذا المعنى و الإلقاء إخراج الشيء عن اليد إلى جهة الأرض و يشبه بذلك قولهم ألقي عليه مسألة و ألقى عليه رداه « فلما ألقوا » أي
مجمع البيان ج : 5 ص : 191
فلما ألقت السحرة سحرهم « قال موسى » لهم « ما جئتم به السحر » أي الذي جئتم به من الحبال و العصي السحر أدخل عليه الألف و اللام للعهد لأنهم لما قالوا لما أتى به موسى أنه سحر قال (عليه السلام) ما جئتم به هو السحر عن الفراء « إن الله سيبطله » أي سيبطل هذا السحر الذي فعلتموه « إن الله لا يصلح عمل المفسدين » معناه إن الله لا يهيىء عمل من قصد إفساد الدين و لا يمضيه و يبطله حتى يظهر الحق من الباطل و المحق من المبطل « و يحق الله الحق » أي يظهر الله الحق و يحققه و يثبته و ينصر أهله « بكلماته » قيل في معناه أقوال ( أحدها ) أن معناه بوعد موسى (عليه السلام) و كان وعده النصر فأنجز وعده عن الحسن ( و ثانيها ) أن معناه بكلامه الذي يتبين به معاني الآيات التي أتاها نبيه عن الجبائي ( و ثالثها ) بما سبق من حكمه في اللوح المحفوظ بأن ذلك سيكون « و لو كره المجرمون » ظهور الحق و إبطال الباطل و في هذه الآية دلالة على أنه تعالى ينصر المحقين كلهم في حقهم و ذلك على وجهين ( أحدهما ) بالحجة فهذه النصرة مستمرة على كل حال ( و الثاني ) بالغلبة و القهر و هذا يختلف بحسب المصلحة لأن المصلحة قد تكون بالتخلية تارة و بالحيلولة أخرى .
فَمَا ءَامَنَ لِمُوسى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلى خَوْف مِّن فِرْعَوْنَ وَ مَلايهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَال فى الأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسرِفِينَ(83) وَ قَالَ مُوسى يَقَوْمِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكلُوا إِن كُنتُم مُّسلِمِينَ(84) فَقَالُوا عَلى اللَّهِ تَوَكلْنَا رَبَّنَا لا تجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظلِمِينَ(85) وَ نجِّنَا بِرَحْمَتِك مِنَ الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ(86)

اللغة

الذرية الجماعة من نسل القبيلة و قد تقدم القول في أصلها و وزنها و الفتنة أصلها البلية و هي معاملة تظهر الأمور الباطنة يقال فتنت الذهب إذا أحرقته بالنار ليظهر الخلاص و قوله « يوم هم على النار يفتنون » أي يحرقون لما فيه من إظهار حالهم في
مجمع البيان ج : 5 ص : 192
الضلال و قوله « و الفتنة أشد من القتل » معناه التعذيب للرد عن الدين لما فيه من إظهار النصرة أشد .

الإعراب

« يا قوم » حذفت منه ياء الإضافة اجتزاء بالكسرة منها و هو في النداء أحسن من إثباتها لقوة النداء على التغيير و الفاء في قوله « فقالوا » فاء العطف و جواب الأمر كما تقول قال السائل كذا فقال المجيب كذا و إنما جازت الفاء في الجواب و لم تجز الواو لأن الفاء تترتب من غير مهلة فهي موافقة لمعنى وجوب الثاني بالأول و ليس كذلك الواو .

المعنى

ثم بين سبحانه من آمن من قوم موسى (عليه السلام) فقال « فما آمن لموسى » أي لم يصدق موسى في ما ادعى من النبوة مع ما أظهره من المعجزات الظاهرة « إلا ذرية من قومه » أي أولاد من قوم فرعون و قيل أراد من قوم موسى (عليه السلام) و هم بنو إسرائيل الذين كانوا بمصر و اختلف من قال بالأول فقيل أنهم قوم كانت أمهاتهم من بني إسرائيل و آباؤهم من القبط فاتبعوا أمهاتهم و أخوالهم عن ابن عباس و قيل أنهم أناس يسير من قوم فرعون منهم امرأة فرعون و مؤمن آل فرعون و جارية و امرأة هي مشاطة امرأة فرعون عن عطية عن ابن عباس و قيل أنهم بعض أولاد القبط لم يستجب آباؤهم موسى و اختلف من قال بالثاني فقيل هم جماعة من بني إسرائيل أخذهم فرعون لتعلم السحر و جعلهم من أصحابه ف آمنوا بموسى عن الجبائي و قيل أراد مؤمني بني إسرائيل و كانوا ستمائة ألف و كان يعقوب دخل مصر منهم باثنين و سبعين إنسانا فتوالدوا حتى بلغوا ستمائة ألف و إنما سماهم ذرية على وجه التصغير لضعفهم عن ابن عباس في رواية أخرى و قال مجاهد أراد بهم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من بني إسرائيل لطول الزمان هلك الآباء و بقي الأبناء « على خوف من فرعون » يعني آمنوا و هم خائفون من معرة فرعون « و ملإيهم » و من أشرافهم و رؤسائهم قال الزجاج و إنما جاز أن يقال « و ملإيهم » لأن فرعون ذو أصحاب يأتمرون له و قيل أن الضمير في « ملإيهم » راجع إلى الذرية لأن آباءهم كانوا من القبط و كانوا يخافون قومهم من القبط أن يصرفوهم عن دينهم و يعذبوهم « أن يفتنهم » أي يصرفهم عن الدين يعني أن يمتحنهم لمحنة لا يمكنهم الصبر عليها فينصرفون عن الدين و كان جنود فرعون يعذبون بني إسرائيل فكان خوفهم منه و منهم « و إن فرعون لعال في الأرض » أي مستكبر باغ طاغ في أرض مصر و نواحيها « و إنه لمن المسرفين » أي من المجاوزين الحد في العصيان لأنه ادعى الربوبية و أسرف في القتل و الظلم و الإسراف التجاوز عن الحد في كل شيء « و قال موسى » لقومه الذين آمنوا به « يا قوم إن كنتم آمنتم بالله » كما تظهرون « فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين » أي فأسندوا
 

Back Index Next