جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج5 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 5 ص : 279

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن إتيان الملائكة لوطا بعد خروجهم من عند إبراهيم (عليه السلام) و ما جرى بينهم و بين قوم لوط فقال « و لما جاءت رسلنا لوطا » أي لما جاءوه في صفة الآدميين « سيء بهم » أي ساءه مجيئهم لأنه خاف عليهم من قومه « و ضاق بهم ذرعا » أي ضاق بمجيئهم ذرعة أي قلبه لما رأى لهم من جمال الصورة و حسن الشارة و قد دعوه إلى الضيافة و قومه كانوا يسارعون إلى أمثالهم بالفاحشة و قيل معناه ضاق بحفظهم من قومه ذرعه حيث لم يجد سبيلا إلى حفظهم و كان قد علم عادة قومه من الميل إلى الذكور و قد أتوه في صورة الغلمان المرد و أصله أن الشيء إذا ضاق ذرعه لم يتسع له ما اتسع فاستعار ضيق الذرع عند تعذر الإمكان كما استعار الاتساع « و قال هذا يوم عصيب » أي هائل شديد كثير الشر التف الشر فيه بالشر و إنما قال ذلك لأنه لم يعلم أنهم رسل الله و خاف عليهم من قومه أن يفضحوهم و قال الصادق (عليه السلام) جاءت الملائكة لوطا و هي في زراعة قرب القرية فسلموا عليه و رأى هيئة حسنة عليهم ثياب بيض و عمائم بيض فقال لهم المنزل فتقدمهم و مشوا خلفه فقال في نفسه أي شيء صنعت آتي بهم قومي و أنا أعرفهم فالتفت إليهم فقال إنكم لتأتون شرارا من خلق الله و كان قد قال الله لجبرائيل لا تهلكهم حتى يشهد عليهم ثلاث مرات فقال جبرائيل (عليه السلام) هذه اثنتان ثم مشى فلما بلغ باب المدينة التفت إليهم فقال إنكم لتأتون شرارا من خلق الله فقال جبرائيل هذه الثالثة ثم دخل و دخلوا معه حتى منزله فلما رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة فصعدت فوق السطح فصفقت فلم يسمعوا فدخنت فلما رأوا الدخان أقبلوا يهرعون فذلك قوله « و جاءه قومه يهرعون إليه » أي يسرعون في المشي لطلب الفاحشة عن قتادة و مجاهد و السدي و قيل معناه يساقون و ليس هناك سائق غيرهم فكان بعضهم يسوق بعضا عن أبي مسلم و الهاء في إليه كناية عن لوط « و من قبل » أي و من قبل إتيان الملائكة و قيل و من قبل مجيء قوم لوط إلى ضيفانه و قيل من قبل مجيئهم إلى داره عن الجبائي و قيل إنه من قبل بعثة لوط إليهم « كانوا يعملون السيئات » أي يعملون الفواحش مع الذكور « قال » لوط « يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم » معناه أن لوط لما هموا بأضيافه و جاهروا بذلك فألقوا جلباب الحياء فيه عرض عليهم نكاح بناته و قال هن أحل لكم من الرجال فدعاهم إلى الحلال و اختلف في ذلك فقيل أراد بناته لصلبه عن قتادة و قيل أراد النساء من أمته لأنهن كالبنات له فإن كل نبي أبو أمته و أزواجه أمهاتهم عن مجاهد و سعيد بن جبير و اختلف أيضا في
مجمع البيان ج : 5 ص : 280
كيفية عرضهن فقيل بالتزويج و كان يجوز في شرعه تزويج المؤمنة من الكافر و كذا كان يجوز أيضا في مبتدإ الإسلام و قد زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بنته من أبي العاص بن الربيع قبل أن يسلم ثم نسخ ذلك و قيل أراد التزويج بشرط الإيمان عن الزجاج و كانوا يخطبون بناته فلا يزوجهن منهم لكفرهم و قيل إنهم كان لهم سيدان مطاعان فيهم فأراد أن يزوجهما بنتيه زعوراء و رتياء « فاتقوا الله » أي فاتقوا عقاب الله في مواقعة الذكور « و لا تخزون في ضيفي » أي لا تلزموني عارا و لا تلحقوا بي فضيحة و لا تخجلوني بالهجوم على أضيافي فإن الضيف إذا نزل به معرة لحق عارها للمضيف « أ ليس منكم رجل رشيد » أي أ ليس في جملتكم رجل قد أصاب الرشد فيعمل بالمعروف و ينهى عن المنكر و يزجر هؤلاء عن قبيح فعلهم و يجوز أن يكون رشيد بمعنى مرشد أي يرشدكم إلى الحق « قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق » هذا جواب قوم لوط حين عرض عليهم بناته و دعاهم إلى النكاح المباح أي ما لنا في بناتك من حاجة لأن ما لا يكون للإنسان فيه حاجة فإنه يرغب عنه كما يرغب عما لا حق له فيه فلذلك قالوا من حق و قيل معناه ما لنا فيهن من حق لأنا لا نتزوجهن و كانوا يقرون بأن من لم يتزوج بامرأة فإنه لا حق له فيها عن الجبائي و ابن إسحاق فالقول الأول محمول على المعنى و القول الثاني على ظاهر اللفظ « و إنك لتعلم ما نريد » أي تعلم ميلنا إلى الغلمان دون النساء فلما لم يقبلوا الموعظة تأسف لوط على فقد تمكنه من دفاعهم بأن « قال لو أن لي بكم قوة » أي منعة و قدرة و جماعة أتقوى بها عليكم فأدفعكم عن أضيافي « أو آوي إلى ركن شديد » أو أنضم إلى عشيرة منيعة تنصرني و شيعة تمنعني لدفعتكم و لكن لا يمكنني أن أفعل ذلك قال الصادق (عليه السلام) فقال جبرائيل لو يعلم أي قوة له قال فكابروه حتى دخلوا البيت فصاح به جبرائيل أن يا لوط دعهم يدخلوا فلما دخلوا أهوى جبرائيل بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم و هو قوله فطمسنا أعينهم قال قتادة ذكر لنا أن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد لوط إلا في عز من عشيرته و منعة من قومه و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال رحم الله أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد و هو معونة الله تعالى و لما رأت الملائكة ما لقيه لوط من قومه « قالوا يا لوط إنا رسل ربك » أرسلنا لهلاكهم فلا تغتم « لن يصلوا إليك » أي لا ينالونك بسوء أبدا « فأسر بأهلك » أي سر بأهلك ليلا و قال السدي لم يؤمن بلوط إلا ابنتاه « بقطع من الليل » أي في ظلمة الليل عن ابن عباس و قيل بعد طائفة من الليل عن قتادة و قيل في نصف من الليل عن الجبائي « و لا يلتفت منكم أحد » قيل في معناه وجوه ( أحدها ) لا ينظر أحد منكم وراءه عن مجاهد كأنهم تعبدوا بذلك للنجاة بالطاعة في هذه العبادة ( و الثاني ) لا يلتفت أحد منكم إلى ماله و لا متاعه بالمدينة و ليس معنى يلتفت من الرؤية عن الجبائي كأنه أراد في أن النظر إليهم عبرة
مجمع البيان ج : 5 ص : 281
فلم ينهوا عنها ( و الثالث ) أن معناه و لا يتخلف منكم أحد عن ابن عباس ( و الرابع ) أنه أمرهم أن لا يلتفتوا إذا سمعوا الوجبة و الهدة « إلا امرأتك » و قيل إنها التفتت حين سمعت الوجبة فقالت يا قوماه فأصابها حجر فقتلها و قيل إلا امرأتك معناه لا تسر بها « إنه مصيبها ما أصابهم » أي يصيبها من العذاب ما أصابهم أمروه أن يخلفها في المدينة « إن موعدهم الصبح أ ليس الصبح بقريب » لما أخبر الملائكة لوطا بأنهم يهلكون قوم لوط قال لهم أهلكوهم الساعة لضيق صدورهم بهم و شدة غيظه عليهم فقالوا إن موعد إهلاكهم الصبح لم يجعل الصبح ظرفا و جعله خبر إن لأن الموعد هو الصبح و إنما قالوا له « أ ليس الصبح بقريب » تسلية له و قيل إنه إنما قال لهم أهلكوهم .
ذلك و في هذا دلالة على أن الله سبحانه إنما يهلك من يهلكه عند انقضاء مدته و إن ضاق صدر الغير به و يجوز أن يكون قد جعل الصبح ميقات إهلاكهم لأن النفوس فيه أودع و الناس فيه أجمع « فلما جاء أمرنا » فيه أقوال ( أحدها ) جاء أمرنا الملائكة بإهلاك قوم لوط ( و الثاني ) جاء العذاب كأنه قيل كن على التعظيم على طريق المجاز كما قال الشاعر :
فقالت له العينان سمعا و طاعة
و حدرنا كالدر لما يثقب و على هذا فالأمر هو نفس العذاب ( و الثالث ) جاء أمرنا بالعذاب « جعلنا عاليها سافلها » أي قلبنا القرية أسفلها أعلاها فإن الله تعالى أمر جبرائيل (عليه السلام) فأدخل جناحه تحت الأرض فرفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة و نباح الكلاب ثم قلبها ثم خسف بهم الأرض فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة فعلى هذا يكون معنى جعلنا جعل بأمرنا و إنما أضافه إلى نفسه لأنه أمره به « و أمطرنا عليها حجارة » أي و أمطرنا على القرية أي على الغائبين منها حجارة عن الجبائي و قيل أمطرت الحجارة على تلك القرية حين رفعها جبرائيل و قيل إنما أمطرت عليهم الحجارة بعد أن قلبت قريتهم تغليظا للعقوبة و قيل كانت أربع مدائن و هي المؤتفكات سدوم و عاموراء و دوما و صبوايم و أعظمها سدوم و كان لوط يسكنها قال أبو عبيدة يقال مطر في الرحمة و أمطر في العذاب « من سجيل » أي سنك كل عن ابن عباس و سعيد بن جبير بين بذلك صلابتها و مباينتها للبرد و أنها ليست من جنس ما جرت به عادتهم في سقوط البرد من الغيوم و قيل إن السجيل الطين عن قتادة و عكرمة و يؤيده قوله لنرسل عليهم حجارة من طين و روي عن عكرمة أيضا أنه بحر معلق في الهواء بين الأرض و السماء
مجمع البيان ج : 5 ص : 282
منه أنزلت الحجارة و قال الضحاك هو الآجر و قال الفراء هو طين قد طبخ حتى صار بمنزلة الأرحاء و قال كان أصل الحجارة طينا فشددت عن الحسن و قيل إن السجيل سماء الدنيا عن ابن زيد فكانت تلك الحجارة منزلة من السماء الدنيا « منضود » هو من صفة سجيل أي نضد بعضها على بعض حتى حجرا عن الربيع و قيل مصفوف في تتابع أي كان بعضها في جنب بعض عن قتادة و قيل يتبع بعضها بعضا عن ابن عباس « مسومة » هي من صفة الحجارة أي معلمة جعل فيها علامات تدل على أنها معدة للعذاب و قيل مطوقة بها نضخ من حمرة عن قتادة و عكرمة و قيل كان مكتوبا على كل حجرة منها اسم صاحبها عن الربيع و قيل عليها سيماء لا تشاكل حجارة الأرض عن ابن جريج و قيل مختومة عن الحسن و السدي و قيل مشهورة « عند ربك » أي في علم ربك و قيل في خزائن ربك التي لا يملكها غيره و لا يتصرف فيها أحد إلا بأمره « و ما هي من الظالمين ببعيد » أي و ما تلك الحجارة من الظالمين من أمتك يا محمد ببعيد أراد بذلك إرهاب قريش و قال قتادة ما أجار الله منها ظالما بعد قوم لوط فاتقوا الله و كونوا منه على حذر و قيل يعني بذلك قوم لوط يريد أنها لم تكن تخطئهم و ذكر أن حجرا بقي معلقا بين السماء و الأرض أربعين يوما يتوقع به رجلا من قوم لوط كان في الحرم حتى خرج منه فأصابه قال قتادة و كانوا أربعة آلاف ألف .

مجمع البيان ج : 5 ص : 283
* وَ إِلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شعَيْباً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكم مِّنْ إِلَه غَيرُهُ وَ لا تَنقُصوا الْمِكيَالَ وَ الْمِيزَانَ إِنى أَرَام بخَير وَ إِنى أَخَاف عَلَيْكمْ عَذَاب يَوْم محِيط(84) وَ يَقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكيَالَ وَ الْمِيزَانَ بِالْقِسطِ وَ لا تَبْخَسوا النَّاس أَشيَاءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(85) بَقِيَّت اللَّهِ خَيرٌ لَّكُمْ إِن كنتُم مُّؤْمِنِينَ وَ مَا أَنَا عَلَيْكُم بحَفِيظ(86) قَالُوا يَشعَيْب أَ صلَوتُك تَأْمُرُك أَن نَّترُك مَا يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فى أَمْوَلِنَا مَا نَشؤُا إِنَّك لأَنت الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ(87) قَالَ يَقَوْمِ أَ رَءَيْتُمْ إِن كُنت عَلى بَيِّنَة مِّن رَّبى وَ رَزَقَنى مِنْهُ رِزْقاً حَسناً وَ مَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهَامْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الاصلَحَ مَا استَطعْت وَ مَا تَوْفِيقِى إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكلْت وَ إِلَيْهِ أُنِيب(88) وَ يَقَوْمِ لا يجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقى أَن يُصِيبَكم مِّثْلُ مَا أَصاب قَوْمَ نُوح أَوْ قَوْمَ هُود أَوْ قَوْمَ صلِح وَ مَا قَوْمُ ُوط مِّنكم بِبَعِيد(89) وَ استَغْفِرُوا رَبَّكمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبى رَحِيمٌ وَدُودٌ(90) قَالُوا يَشعَيْب مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَ إِنَّا لَنرَاك فِينَا ضعِيفاً وَ لَوْ لا رَهْطك لَرَجَمْنَك وَ مَا أَنت عَلَيْنَا بِعَزِيز(91) قَالَ يَقَوْمِ أَ رَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكم مِّنَ اللَّهِ وَ اتخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِياًّ إِنَّ رَبى بِمَا تَعْمَلُونَ محِيطٌ(92) وَ يَقَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكمْ إِنى عَمِلٌ سوْف تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يخْزِيهِ وَ مَنْ هُوَ كَذِبٌ وَ ارْتَقِبُوا إِنى مَعَكمْ رَقِيبٌ(93) وَ لَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نجَّيْنَا شعَيْباً وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَة مِّنَّا وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظلَمُوا الصيْحَةُ فَأَصبَحُوا فى دِيَرِهِمْ جَثِمِينَ(94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَت ثَمُودُ(95)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « أ صلاتك » بغير واو على التوحيد و الباقون
مجمع البيان ج : 5 ص : 284
أ صلواتك بالواو على الجمع و في الشواذ قراءة السلمي بعدت ثمود بضم العين .

الحجة

أما بعد فيكون في الخير و الشر و مصدره البعد و بعد في الشر خاصة و مصدره البعد و منه أبعده الله فإنه منقول من بعد لأنه دعاء عليه و قراءة السلمي متفقة الفعل مع مصدره و إنما السؤال عن قراءة الجماعة ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود و طريق ذلك أن يكون البعد بمعنى اللعنة فيكون أبعده الله بمعنى لعنة الله و منه قوله :
ذعرت به القطا و نفيت عنه
مقام الذئب كالرجل اللعين أي المبعد فالإبعاد للشيء نقص له فقد التقى معنى بعد معنى بعد من هنا .

اللغة

الوزن تعديل الشيء بغيره في الخفة و الثقل ب آلة التعديل و إذا قيل شعر موزون فمعناه معدل بالعروض و التوفيق من الصواب إلا أنه اختص بهذا الاسم ما اتفق وقوع الصواب عنده و ليس ذلك جنسا بعينه و إنما هو بحسب ما يعلم الله تعالى و إنما لم يكن الموفق للطاعة إلا الله تعالى لأن أحدا لا يعلم ما يتفق عنده الطاعة من غير تعليم سواه سبحانه و الشقاق و المشاقة المباعدة بالعداوة إلى جانب المباينة و شقها و الفقه فهم الكلام على ما تضمنه من المعنى و قد صار علما لضرب من علوم الدين و هو علم بمدلول الدلائل السمعية و أصول الدين علم بمدلول الدلائل العقلية و الرهط عشيرة الرجل و قومه و أصله الشد و الترهيط شدة الأكل و منه الرهطاء جحر اليربوع لشدته و توسيعه لينجي فيه ولده و الرجم الرمي بالحجارة و الأعز الأقوى الأمنع و الأعز نقيض الأذل و الظهري جعل الشيء وراء الظهر حتى ينساه و يقال لكل من لا يعبأ بأمر قد جعل فلان هذا الأمر بظهر قال :
تميم بن قيس لا تكونن حاجتي
بظهر فلا يعيا علي جوابها .

الإعراب

« أو أن نفعل » موضع أن نصب على معنى أو تأمرك أن نترك أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء فهو معطوف على ما يعبد آباؤنا و التقدير أ صلاتك تأمرك أن نترك عبادة آبائنا أو نفعل ما نشاء في أموالنا و لا يجوز أن يكون قوله « أن نفعل » معطوفا على قوله « أن نترك » لأن المعنى يصير فاسدا و أو هنا بمنزلتها في قولك جالس الحسن أو ابن سيرين و قوله إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما و لم يقل به و موضع من في قوله « من يأتيه عذاب يخزيه و من هو كاذب » له
مجمع البيان ج : 5 ص : 285
وجهان من الإعراب ( أحدهما ) أن يكون معلقا بقوله تعلمون فيكون استفهاما و تقديره فسوف تعلمون من المخزي و من الكاذب و يجوز أن يكون من هو كاذب على هذا بمعنى الذي هو كاذب و يكون معطوفا على الهاء من يخزيه أي و يخزي الذي هو كاذب ( و الثاني ) أن يكون من في قوله « من يأتيه » بمعنى الذي و يكون من هو كاذب عطفا عليه و ادخلوا هو في قوله « من هو كاذب » لأنهم لا يقولون من قائم و لا من قاعد و إنما يقولون من قام و من يقوم و من القائم و من القاعد و قد ورد ذلك في الشعر قال الشاعر :
من شارب مربح بالكأس نادمني
لا بالحصور و لا فيها بسوار « كأن لم يغنوا فيها » يحتمل أن يكون كان مخففة من الثقيلة أن يضمر فيها كما يضمر في أن من قوله و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين و يجوز أن يكون أن التي تنصب الفعل و يكون مع الفعل بمعنى المصدر .

المعنى

ثم عطف سبحانه قصة شعيب على ما تقدمها من قصص الأنبياء (عليهم السلام) فقال « و إلى مدين » أي و أرسلنا إلى أهل مدين « أخاهم شعيبا » فحذف أهل و أقام مدين مقامه و مدين اسم القبيلة أو المدينة التي كانوا فيها فلذلك لم ينصرف عن الزجاج و قيل مدين بن إبراهيم نسبوا إليه « قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره » قد سبق تفسيره « و لا تنقصوا المكيال و الميزان » أي و لا تنقصوا حقوق الناس بالتطفيف عند الكيل و الوزن « إني أراكم بخير » أي برخص السعر و الخصب عن ابن عباس و الحسن و المعنى أنه حذرهم الغلاء و هو زيادة السعر و زوال النعمة و حلول النقمة إن لم يتوبوا و قيل أراد بالخير المال و زينة الدنيا عن قتادة و ابن زيد و الضحاك و المعنى إني أراكم في كثرة الأموال و سعة الأرزاق فلا حاجة بكم إلى نقصان الكيل و الوزن « و إني أخاف عليكم عذاب يوم محيط » وصف اليوم بالإحاطة بمعنى أنه يحيط عذابه بجميع الكفار و لا يفلت منه أحد منهم و أراد يوم القيامة عن الجبائي و هو من صفة العذاب على الحقيقة لأن اليوم محيط بعذابه بدلا من إحاطته بنعمته و ذلك أظهر في الوصف و أهول في النفس « و يا قوم أوفوا المكيال و الميزان بالقسط » أي أوفوا حقوق الناس في المكيلات و الموزونات بالمكيال و الميزان بالعدل « و لا تبخسوا الناس » أي و لا تنقصوا الناس « أشياءهم » أي أموالهم في معاملاتهم « و لا تعثوا في الأرض مفسدين » أي و لا تسعوا بالفساد و لا تضربوا في الأرض « بقية الله خير لكم إن كنتم
مجمع البيان ج : 5 ص : 286
مؤمنين » البقية بمعنى الباقي أي ما أبقى الله تعالى لكم من الحلال بعد إتمام الكيل و الوزن خير من البخس و التطفيف و شرط الإيمان في كونه خيرا لهم لأنهم إن كانوا مؤمنين بالله عرفوا صحة هذا القول عن ابن عباس و قيل معناه إبقاء الله النعيم عليكم خيرا لكم مما يحصل من النفع بالتطفيف عن ابن جبير و قيل معناه طاعة الله خير لكم من جميع الدنيا لأنها يبقى ثوابها أبدا و الدنيا تفنى عن الحسن و مجاهد و يؤيده قوله و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا الآية و قيل بقية الله رزق الله عن الثوري « و ما أنا عليكم بحفيظ » أي و ما أنا بحافظ نعم الله تعالى عليكم أن يزيلها عنكم و إنما يحفظها الله عليكم فاطلبوا بقاء نعمه بطاعته و قيل معناه و ما أنا بحافظ لأعمالكم و إنما يحفظها الله فيجازيكم عليها و قيل معناه و ما أنا بحافظ عليكم كيلكم و وزنكم حتى توفوا الناس حقوقهم و لا تظلموهم و إنما علي أن أنهاكم عنه « قالوا يا شعيب أ صلوتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا » إنما قالوا ذلك لأن شعيبا (عليه السلام) كان كثير الصلاة و كان يقول إذا صلى إن الصلاة رادعة عن الشر ناهية عن الفحشاء و المنكر فقالوا أ صلاتك التي تزعم أنها تأمر بالخير و تنهى عن الشر أمرتك بهذا عن ابن عباس و قيل معناه أ دينك يأمرك بترك دين السلف عن الحسن و عطا و أبي مسلم قالوا كنى عن الدين بالصلاة لأنها من أجل أمور الدين و إنما قالوا ذلك على وجه الاستهزاء « أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء » معناه أ صلاتك تأمرك بترك عبادة ما يعبد آباؤنا أو بترك فعل ما نشاء في أموالنا من البخس و التطفيف « إنك لأنت الحليم الرشيد » قيل إنهم قالوا ذلك على وجه الهزء و التهكم و أرادوا به ضد ذلك أي السفيه الغاوي عن ابن عباس و قيل إنهم قالوا ذلك على التحقيق أي إنك أنت الحليم في قومك فلا يليق بك أن تخالفهم و الحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة مستحقها و الرشيد المرشد « قال » شعيب « يا قوم أ رأيتم إن كنت على بينة من ربي » مر تفسيره « و رزقني منه رزقا حسنا » قيل إن الرزق الحسن هاهنا النبوة و قيل معناه هداني لدينه و وسع على رزقه و كان كثير المال عن الحسن و قيل كل نعمة من الله سبحانه فهو رزق حسن و في الكلام حذف أي أ فأعدل مع ذلك عما أنا عليه من عبادته و إنما حذف لدلالة ما أبقاه على ما ألقاه « و ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه » أي لست أنهاكم عن شيء و أدخل فيه و إنما أختار لكم ما أختاره لنفسي و معنى ما أخالفكم إليه أي ما أقصده بخلافكم إلى ارتكابه عن الزجاج و هذا في معنى قول الشاعر :
لا تنه عن خلق و تأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم .
و قيل معناه و ما أريد اجترار منفعة إلى نفسي بما أنهاكم عنه أي لا آمركم بترك التطفيف في الكيل و الوزن لتكون منفعة ما يحصل بالتطفيف لي « إن أريد إلا الإصلاح » أي لست
مجمع البيان ج : 5 ص : 287
أريد بما آمركم به و أنهاكم عنه إلا إصلاح أموركم في دينكم و دنياكم « ما استطعت » أي ما قدرت عليه و تمكنت منه « و ما توفيقي إلا بالله » معناه و ليس توفيقي في امتثال ما آمركم به و الانتهاء عما أنهاكم عنه إلا بالله فلا يوفق غيره أي و ليس ما أفعله بحولي و قوتي بل بمعونة الله و لطفه و تيسيره « عليه توكلت » و التوكل على الله الرضا بتدبيره مع تفويض الأمور إليه و التمسك بطاعته « و إليه أنيب » أي و إليه أرجع في المعاد عن مجاهد و قيل إليه أرجع بعملي و نيتي عن الحسن و معناه إني أعمل أعمالي كلها لوجه الله « و يا قوم لا يجرمنكم شقاقي » أي لا يكسبنكم خلافي و معاداتي « أن يصيبكم » عذاب العاجلة عن الزجاج و قيل معناه لا تحملنكم عداوتي على مخالفة ربكم فيصيبكم من العذاب مثل ما أصاب من قبلكم عن الحسن و كان سبب هذه العداوة دعاؤه لكم إلى مخالفة الآباء و الأجداد في عبادة الأوثان و ما يثقل عليهم من الإيفاء في الكيل و الميزان « مثل ما أصاب قوم نوح » من الهلاك بالغرق « أو قوم هود » بالريح العقيم « أو قوم صالح » بالرجفة « و ما قوم لوط منكم ببعيد » أي هم قريب منكم في الزمان الذي بينه و بينكم عن قتادة و قيل معناه أن دارهم قريبة من داركم فيجب أن تتعظوا بهم « و استغفروا ربكم ثم توبوا إليه » أي اطلبوا المغفرة من الله ثم توصلوا إليها بالتوبة و قيل معناه استغفروا للماضي و اعزموا في المستقبل و قيل استغفروا ثم دوموا على التوبة قيل استغفروا في العلانية ثم أضمروا الندامة في القلب عن الماضي « إن ربي رحيم » بعباده فيقبل توبتهم و يعفو عن معاصيهم « ودود » أي محب لهم و معناه مريد لمنافعهم و قيل معناه متودد إلى عباده بكثرة إنعامه عليهم و قيل ودود بمعنى الواد أي يودهم إذا أطاعوه و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال كان شعيب خطيب الأنبياء « قالوا » أي قال قوم شعيب له حين سمعوا منه الوعظ و التخويف « يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول » أي ما نفهم عنك معنى كثير من كلامك و قيل معناه لا نقبل كثيرا منه و لا نعمل به و هذا كقولك إذا أمرك إنسان بشيء لا تريد أن تفعله لا أعلم ما تقول و أنت تعلم ذلك أي لا أفعله و إنما قالوا ذلك بعد ما ألزمهم الحجة « و إنا لنراك فينا ضعيفا » أي ضعيف البدن عن الجبائي و قيل ضعيف البصر عن سفيان و قيل أعمى و كان شعيب أعمى عن قتادة و سعيد بن جبير قال الزجاج و حمير تسمي المكفوف ضعيفا و هذا كما قيل ضرير أي قد ضر بذهاب بصره و كذلك قد ضعف بذهاب بصره و كف عن التصرف و هذا القول ليس بسديد لأن قوله « فينا » يرده أ لا ترى أنه لو قيل إنا لنراك فينا أعمى لم يكن كلاما لأن الأعمى قد يكون أعمى فيهم و في غيرهم و قيل ضعيفا أي مهينا عن الحسن و اختلف في أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) هل يجوز أن يكون أعمى فقيل لا يجوز لأن ذلك ينفر و قيل يجوز أن لا يكون فيه تنفير و يكون بمنزلة سائر العلل و الأمراض « و لو لا
مجمع البيان ج : 5 ص : 288
رهطك لرجمناك » أي لو لا رحمة عشيرتك و قومك لقتلناك بالحجارة و قيل معناه لشتمناك و سببناك « و ما أنت علينا بعزيز » أي لم ندع قتلك لعزتك علينا و لكن لأجل قومك قال الحسن و كان شعيب في عز من قومه و كان من أشرافهم و ما بعث نبي بعد لوط إلا في عز من قومه « قال » شعيب « يا قوم أ رهطي أعز عليكم من الله » أي أ عشيرتي و قومي أعظم حرمة عندكم من الله فتتركون أذاي لأجل عشيرتي و لا تتركونه لله الذي بعثني إليكم « و اتخذتموه وراءكم ظهريا » أي اتخذتم الله وراء ظهوركم يعني نسيتموه فالهاء عائدة إلى الله عن ابن عباس و الحسن و قيل الهاء عائدة إلى ما جاء به شعيب عن مجاهد و المعنى و نبذتم ما أرسلت به إليكم وراء ظهوركم و قيل الهاء عائدة إلى أمر الله عن الزجاج أي نبذتم أمر الله وراء ظهوركم و تركتموه « إن ربي بما تعملون محيط » أي محص لأعمالكم لا يفوته شيء منها و قيل معناه خبير بأعمالكم فيجازيكم بها عن الحسن « و يا قوم اعملوا على مكانتكم » أي اعملوا على حالتكم هذه و المكانة الحال التي يتمكن بها صاحبها من عمل و هذا تهديد في صورة الأمر و تقديره كأنكم إنما أمرتم بأن تكونوا على هذه الحال من الكفر و الطغيان و في هذا نهاية الخزي و الهوان و قيل معناه اعملوا على ما يمكنكم أي اعملوا أنتم على ما تقولون و أعمل أنا على ما أقول و قيل معناه اعملوا على ما أنتم عليه من دينكم و نحوه و قوله لكم دينكم و لي دين و في هذا دلالة على أنه آيس من قومه « إني عامل » على ما أمرني ربي و قيل إني عامل على ما أنا عليه من الإنذار « سوف تعلمون » أينا المخطىء الجاني على نفسه و قيل معناه سوف يتبين لكم و تعلمون في عاقبة الأمر « من يأتيه عذاب يخزيه » أي يهينه و يفضحه و يظهر الكاذب من الصادق و تقديره « و من هو كاذب » يخزي بعذاب الله فحذف « و ارتقبوا إني معكم رقيب » أي انتظروا ما وعدكم ربكم من العذاب إني معكم منتظر حلول العذاب بكم و قيل معناه انتظروا العذاب و اللعنة و أنا أنتظر الرحمة و الثواب و النصرة عن ابن عباس و قيل معناه انتظروا مواعيد الشيطان و أنا أنتظر مواعيد الرحمن و روي عن علي بن موسى الرضا (عليهماالسلام) أنه قال ما أحسن الصبر و انتظار الفرج أ ما سمعت قول العبد الصالح « و ارتقبوا إني معكم رقيب » « و لما جاء أمرنا نجينا شعيبا و الذين آمنوا معه برحمة منا » مضى تفسيره « و أخذت الذين ظلموا الصيحة » صاح بهم جبرئيل صيحة فماتوا « فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها » مضى تفسيره قبل « ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود » ألا بعدوا من رحمة الله بعدا كما بعدت ثمود و قيل ألا هلاكا لهم كما هلكت ثمود و تقديره ألا أهلكهم الله فبعدوا بعدا قال البلخي يجوز أن تكون الصيحة صيحة على الحقيقة كما روي و يجوز أن تكون ضربا من العذاب أهلكهم الله به و اصطلمهم تقول العرب صاح الزمان بهم
مجمع البيان ج : 5 ص : 289
إذا هلكوا و قال امرؤ القيس :
فدع عنك نهبا صيح في حجراته
و لكن حديث ما حديث الرواحل و معنى صيح في حجراته أذهب و أهلك قالوا و إنما شبه حالهم بحال ثمود خاصة لأنهم أهلكوا بالصيحة كما أهلكت ثمود بمثل ذلك مع الرجفة .
وَ لَقَدْ أَرْسلْنَا مُوسى بِئَايَتِنَا وَ سلْطن مُّبِين(96) إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلايهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَ مَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد(97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَ بِئْس الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ(98) وَ أُتْبِعُوا فى هَذِهِ لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيَمَةِ بِئْس الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ(99) ذَلِك مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَى نَقُصهُ عَلَيْك مِنهَا قَائمٌ وَ حَصِيدٌ(100) وَ مَا ظلَمْنَهُمْ وَ لَكِن ظلَمُوا أَنفُسهُمْ فَمَا أَغْنَت عَنهُمْ ءَالِهَتهُمُ الَّتى يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شىْء لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّك وَ مَا زَادُوهُمْ غَيرَ تَتْبِيب(101) وَ كَذَلِك أَخْذُ رَبِّك إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَ هِىَ ظلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شدِيدٌ(102) إِنَّ فى ذَلِك لاَيَةً لِّمَنْ خَاف عَذَاب الاَخِرَةِ ذَلِك يَوْمٌ مجْمُوعٌ لَّهُ النَّاس وَ ذَلِك يَوْمٌ مَّشهُودٌ(103)

اللغة

يقال قدمت القوم أقدمهم قدما إذا مشيت أمامهم و اتبعوك الأزهري قدم يقدم و تقدم و قدم و أقدم و استقدم بمعنى و الورد ورود الماء الذي يورد و الإبل الواردة و الجمع أوراد
مجمع البيان ج : 5 ص : 290
الإيراد إيجاب الورود في الماء أو ما يقوم مقامه قال الشاعر :
يرد المياه حضيرة و نفيضة
ورد القطاة إذا أسمال التبع و قال لبيد :
فوردنا قبل فراط القطا
إن من وردي تغليس النهل و أصل الورود الإشراف على الدخول و ليس بالدخول قال عنترة :
فلما وردن الماء زرقا جمامة
وضعن عصي الحاضر المتخيم و الرفد العون على الأمر يقال رفده يرفده رفدا و رفدا بفتح الراء و كسرها قال الزجاج كل شيء جعلته عونا لشيء أو أسندت به شيئا فقد رفدته به يقال عمدت الحائط و أسندته و أرفدته و رفدته بمعنى واحد و يقال رفده و أرفده إذا أعطاه و الاسم الرفد لأن العطاء عون المعطي و الحصيد بمعنى المحصود و الحصد قطع الزرع من الأصل و هذا زمن الحصاد بفتح الحاء و كسرها و يقال حصدهم بالسيف إذا قتلهم و تتبيب من تبت يده أي خسرت قال جرير :
عرابة من بقية قوم لوط
ألا تبا لما فعلوا تبابا و الفرق بين العذاب و الألم أن العذاب استمرار الألم و قال عبيد :
و المرء ما عاش في تكذيب
طول الحياة له تعذيب .

المعنى

ثم عطف سبحانه قصة موسى (عليه السلام) على ما تقدم من قصص الأنبياء فقال « و لقد أرسلنا موسى ب آياتنا » أي بحججنا و معجزاتنا الدالة على نبوته « و سلطان مبين » أي و حجة ظاهرة مخلصة من تلبيس و تمويه على أتم ما يمكن فيه و السلطان و إن كان في معنى الآيات فإنما عطفه عليها لأن الآيات حجج من وجه الاعتبار العظيم بها و السلطان حجة من جهة القوة العظيمة على المبطل و كل عالم له حجة يقهر بها شبهة من نازعة من أهل الباطل فله سلطان و قد قيل إن سلطان الحجة أنفذ من سلطان المملكة و السلطان متى كان محقا
مجمع البيان ج : 5 ص : 291
حجة وجب اتباعه و إذا كان بخلافه لا يجب اتباعه قال الزجاج السلطان إنما سمي سلطانا لأنه حجة الله في أرضه و اشتقاقه من السليط الذي يستضاء به « إلى فرعون و ملأه » أي قومه و قيل أشراف قومه الذين تملأ الصدور هيبتهم « فاتبعوا أمر فرعون » و تركوا أمر الله تعالى « و ما أمر فرعون برشيد » أي مرشد و معناه ما هو بهاد لهم إلى رشد و لا قائد إلى خير فأمر فرعون كان على ضد هذه الحال لأنه داع إلى الشر و صاد عن الخير و في هذا دلالة على أن لفظة الأمر مشتركة بين القول و الفعل و المراد هاهنا و ما فعل فرعون برشيد « يقدم قومه يوم القيامة » يعني أن فرعون يمشي بين يدي قومه يوم القيامة على قدميه حتى يهجم بهم على النار كما كان يقدمهم في الدنيا يدعوهم إلى طريق النار و إنما قال « فأوردهم » على لفظ الماضي و المراد به المستقبل لأن ما عطفه عليه من قوله « يقدم قومه يوم القيامة » يدل عليه عن الجبائي و قيل إنه معطوف على قوله « فاتبعوا أمر فرعون » « و بئس الورد المورود » أي بئس الماء الذي يردونه عطاشا لإحياء نفوسهم النار إنما أطلق سبحانه على الناس اسم الورد المورود ليطابق ما يرد عليه أهل الجنة من الأنهار و العيون و قيل معناه بئس المدخل المدخول فيه النار و قيل بئس الشيء الذي يرده النار و قيل بئس النصيب المقسوم لهم لنار و إنما أطلق بلفظ بئس و إن كان عدلا حسنا لما فيه من البؤس و الشدة « و أتبعوا في هذه » يعني ألحقوا في الدنيا « لعنة » و هي الغرق « و يوم القيامة » يعني و لعنة يوم القيامة و هي عذاب الآخرة و قيل معناه أتبعهم الله في الدنيا لعنة بإبعادهم من الرحمة و أتبعهم الأنبياء و المؤمنون بالدعاء عليهم باللعنة و يتبعهم الله اللعنة في القيامة حتى لا تفارقهم اللعنة حيث كانوا قال ابن عباس من ذكرهم لعنهم « بئس الرفد المرفود » أي بئس العطاء المعطى النار و اللعنة و إنما سماه رفدا لأنه في مقابلة ما يعطى أهل الجنة من أنواع النعيم و قال قتادة ترافدت عليهم لعنتان من الله لعنة في الدنيا و لعنة في الآخرة و سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله « بئس الرفد المرفود » قال هو اللعنة بعد اللعنة و قال الضحاك اللعنتان اللتان أصابتهم رفدت إحداهما الأخرى « ذلك » أي ذلك النبأ « من أنباء القرى » أي من أخبار البلاد « نقصه عليك » أن نذكره لك و نخبرك به تذكرة و تسلية لك يا محمد « منها قائم و حصيد » أي من تلك الديار معمور و خراب قد أتى عليه الإهلاك و لم يعمر فيما بعد و قيل معناه منها قائم على بنائه لم يذهب أصلا و إن كان خاليا من أهله و حصيد قد خرب و ذهب و اندرس أثره كالشيء المحصود عن قتادة و أبي مسلم و قيل منها قائم ينظرون إليها و حصيد قد هلك و باد أهله عن ابن عباس « و ما ظلمناهم » بإهلاكهم « و لكن ظلموا أنفسهم » بأن كفروا و ارتكبوا ما استحقوا به الهلاك فكان ذلك ظلمهم لأنفسهم « فما أغنت عنهم آلهتهم » أي أوثانهم « التي يدعون من دون
مجمع البيان ج : 5 ص : 292
الله من شيء لما جاء أمر ربك » أي عذاب ربك و قيل أمر ربك بإهلاكهم « و ما زادوهم غير تتبيب » أي غير تخسير عن مجاهد و قتادة و المعنى لم يزيدوهم شيئا غير الهلاك و الخسار و إنما أضاف الإهلاك إلى الأصنام لأنها السبب في ذلك و لو لم يعبدوها لم يهلكوا و إنما قال « يدعون من دون الله » لأنهم كانوا يسمونها آلهة و يطلبون الحوائج منها كما يطلبها الموحدون من الله « و كذلك أخذ ربك » أي و كما ذكر من إهلاك الأمم و أخذهم بالعذاب أخذ ربك « إذا أخذ القرى » أي أخذ أهلها و هو أن ينقلهم إلى العقوبة و الهلاك « و هي ظالمة » من صفة القرى و هو في الحقيقة لأهلها و سكانها و نحوه و كم قصمنا من قرية كانت ظالمة و في الصحيحين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إن الله تعالى يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ هذه الآية « إن أخذه أليم شديد » معناه إن أخذ الله سبحانه الظالم مؤلم شديد الألم « إن في ذلك لآية » أي إن فيما قصصنا عليك من إهلاك من ذكرناه على وجه العقوبة لهم على كفرهم لعبرة و تبصرة و علامة عظيمة « لمن خاف عذاب الآخرة » أي لمن خشي عقوبة الله يوم القيامة و خص الخائف بذلك لأنه هو الذي ينتفع به بالتدبر و التفكر فيه « ذلك يوم مجموع له الناس » أي يجمع فيه الناس كلهم الأولون و الآخرون منهم للجزاء و الحساب و الهاء في له راجعة إلى اليوم « و ذلك يوم مشهود » أي يشهده الخلائق كلهم من الجن و الإنس و أهل السماء و أهل الأرض أي يحضره و لا يوصف بهذه الصفة يوم سواه و في هذا دلالة على إثبات المعاد و حشر الخلق .
وَ مَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَل مَّعْدُود(104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شقِىُّ وَ سعِيدٌ(105) فَأَمَّا الَّذِينَ شقُوا فَفِى النَّارِ لهَُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَ شهِيقٌ(106) خَلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السمَوَت وَ الأَرْض إِلا مَا شاءَ رَبُّك إِنَّ رَبَّك فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(107) * وَ أَمَّا الَّذِينَ سعِدُوا فَفِى الجَْنَّةِ خَلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السمَوت وَ الأَرْض إِلا مَا شاءَ رَبُّك عَطاءً غَيرَ مجْذُوذ(108)

مجمع البيان ج : 5 ص : 293

القراءة

قرأ يعقوب و ما يؤخره بالياء و الباقون بالنون و قرأ « يوم يأت » بغير ياء ابن عامر و أهل الكوفة غير الكسائي و الباقون يأتي بإثبات الياء و قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « سعدوا » بضم السين و الباقون سعدوا بالفتح .

الحجة

من قرأ يؤخره بالياء فإنه رده إلى قوله أخذ ربك و من قرأ بالنون فإنه ابتداء و الياء في المعنى كالنون و قوله « يوم يأت » قال الزجاج الذي يختاره النحويون يوم يأتي و هذيل يحذف هذه الياءات كثيرا و قد حكى سيبويه و الخليل إن العرب تقول لا أدر فتحذف الياء و تجتزىء بالكسرة إلا أنهم يزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال قال أبو علي من أثبت الياء في الوصل و الوقف فهو القياس البين و أما من حذفها في الوقف إذا قال « يوم يأت » فلأنها و إن لم تكن في فاصلة أمكن أن نشبهها بالفاصلة لأن هذه الياء تشبه الحركات المحذوفة في الوصل بدلالة أنهم حذفوها حذفوا الحركة فكما أن الحركة تحذف في الوقف فكذلك ما أشبهها من هذه الحروف كان في حكمها فأما من حذفها في الوصل و الوقف فلأنه جعلها في الوصل و الوقف بمنزلة ما استعمل محذوفا مما لم يكن ينبغي في القياس أن يحذف نحو لم يكن و لا أدر و مثله قول الشاعر :
كفاك كف لا تبقي درهما
جودا و أخرى تعط بالسيف الدما حذف الياء من تعطي و ليس هنا ما يوجب حذفها و أما قوله « سعدوا » فقد قال أبو علي حكى سيبويه سعد يسعد سعادة فهو سعيد و ينبغي أن يكون غير متعد كما أن خلافه الذي هو شقي كذلك و إذا كان كذلك كان ضم السين مشكلا إلا أن يكون سمع فيه لغة خارجة عن القياس أو يكون من باب فعل و فعلته نحو غاص الماء و غصته و حزن و حزنته و لعلهم استشهدوا على ذلك بقولهم مسعود و أنه يدل على سعد و لا دلالة قاطعة في ذلك لأنه يجوز أن يكون مثل أجنه الله فهو مجنون و أحبه فهو محبوب فالمفعول جاء في هذا على أنه حذفت الزيادة عنه كما حذف من اسم الفاعل في نحو قوله و أرسلنا الرياح لواقح يعني ملاقح فجاء على حذف الزيادة فعلى هذا يكون أصله أسعد فحذف الزائد و من الحذف قول الشاعر :
يخرجن من أجواز ليل غاض يريد مغض .

مجمع البيان ج : 5 ص : 294

اللغة

الشقاء و الشقاوة و الشقوة بمعنى و الياء في شقي منقلبة عن واو و السعادة ضد الشقاوة و الزفير أول نهاق الحمار و الشهيق آخر نهاقه قال رؤبة :
حشرج في الجوف صهيلا أو شهق
حتى يقال ناهق و ما نهق و الزفير ترديد النفس مع الصوت من الحزن حتى تنتفخ الضلوع و أصل الزفير الشدة من قولهم للشديد الخلق مزفور و الزفر الحمل على الظهر خاصة لشدته و الزفر السيد لأنه يطيق حمل الشدائد و زفرت النار إذا سمع لها صوت من شدة توقدها و الشهيق صوت فظيع يخرج من الجوف بمد النفس و أصله الطول المفرط من قولهم جبل شاهق و الخلود الكون في الأمر أبدا و الدوام البقاء أبدا و لهذا يوصف سبحانه بأنه دائم و لا يوصف بأنه خالد و الجذ القطع يقال جذه يجذه و جذ الله دابرهم قال النابغة :
تجذ السلوقي المضاعف نسجه
و توقد بالصفاح نار الحباحب و يقال جذها جذ البعير الصليانة و هي نبت .

الإعراب

« يوم يأتي » لا يخلو أن يكون فاعل يأتي ضمير اليوم المضاف إلى يأتي و اليوم المتقدم ذكره فلا يجوز أن يكون فاعله ضمير اليوم الذي أضيف إلى يأتي لأنك لا تقول جئتك يوم يسيرك سروره إياك و يكون الهاء عائدة إلى يوم فيصير اليوم مضافا إلى الفعل المسند إلى ضميره و إنما تعرف الفعل فيه بالفاعل فيكون كأنك إنما عرفت اليوم بنفسه و نظير ذلك قولك هذا يوم حرة و يوم برده و الهاء لليوم و هذا غير جائز و كذلك لا يجوز أن تضيف الظرف إلى جملة معرفة بضميره و إن كانت من مبتدإ و خبر مثل أن تقول آتيك يوم ضحوته باردة و ليلة أولها مطير فإن نونت فقلت آتيك يوما ضحوته باردة أو ليلة أولها مطير جاز لأنه خرج بالتنوين عن حد الإضافة و هذا قول أبي عثمان المازني و إذ قد ثبت ذلك فقد ثبت أن في يأتي ضمير اليوم المتقدم ذكره في قوله ذلك يوم مجموع له الناس و ذلك يوم مشهود أي يوم يأتي هذا اليوم الذي تقدم ذكره لا تكلم نفس فاليوم في قوله « يوم يأتي » يراد به الحين و البرهة و ليس على وضح النهار و قوله « لا تكلم نفس إلا بإذنه » يجوز أن يكون هذه
مجمع البيان ج : 5 ص : 295
الجملة حالا من الضمير في يأتي و يجوز أن يكون صفة ليوم المضاف إلى يأتي لأن يوم مضاف إلى يأتي و الفعل نكرة فلا تتعرف يوم بالإضافة إليه فجاز أن يوصف بالجملة كما توصف النكرات بالجمل و المعنى لا تكلم فيه نفس فحذف فيه أو حذف الحرف و أوصل الفعل إلى المفعول ثم حذف الضمير من الفعل الذي هو صفة كما يحذف من الصلة و مثل ذلك قولهم الناس رجلان رجل أكرمت و رجل أهنت و إذا جعلته حالا من الضمير في يأت وجب أن تقدر فيه أيضا ضميرا يعود إلى ذي الحال و تقديره غير متكلم فيه هذا كله قول أبي علي و أقول أن الأظهر أن قوله « يوم يأتي » ظرف لقوله « لا تكلم نفس إلا بإذنه » و معمول له و هذا الوجه لا يحتاج فيه إلى تقدير محذوف كما في الوجهين اللذين ذكرناهما فيكون أولى و إنما يضاف يوم إلى الفعل لأنه اسم زمان و الفعل يناسب الزمان من حيث أنه لا يخلو منه و إنما يتصرف بتصرفه و أنه لا يكون حادثا إلا وقتا كما أن الزمان لا يبقى و قوله « لا تكلم » أي لا تتكلم فحذف إحدى التاءين كما في قول الشاعر :
و العين ساكنة على أطلائها
عوذا تأجل بالفضاء بهامها أي تتأجل و عطاء منصوب بما دل الكلام عليه فكأنه قال أعطاهم النعيم عطاء .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن اليوم المشهود و هو يوم القيامة فقال « و ما نؤخره » أي و ما نؤخر هذا اليوم « إلا لأجل معدود » و هو أجل قد عده الله تعالى لعلمه أن صلاح الخلق في إدامة التكليف عليهم إلى ذلك الوقت و فيه إشارة إلى قربه لأن ما يدخل تحت العد فكان قد نفد و إنما قال لأجل و لم يقل إلى أجل لأن اللام يدل على الغرض و أن الحكمة اقتضت تأخيره و إلى لا يدل على ذلك « يوم يأت » أي حين يأتي القيامة و الجزاء « لا تكلم نفس إلا بإذنه » أي لا يتكلم أحد فيه إلا بإذن الله تعالى و أمره و معناه أنه لا يتكلم فيه إلا بالكلام الحسن المأذون فيه لأن الخلق ملجئون هناك إلى ترك القبائح فلا يقع منهم فعل القبيح و أما ما هو غير قبيح فإنه مأذون فيه عن الجبائي و الأظهر أن يقال معناه أنه لا يتكلم أحد في الآخرة بكلام نافع من شفاعة و وسيلة إلا بإذنه فإن قيل كيف يجمع بين هذه الآية و بين قوله « هذا يوم لا ينطقون و لا يؤذن لهم فيعتذرون » و قوله « فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس
مجمع البيان ج : 5 ص : 296
و لا جان » على أنه سبحانه قال في موضع آخر و قفوهم إنهم مسئولون و هل هذا إلا ظاهر التناقض فالجواب أن يوم القيامة يشتمل على مواقف قد أذن لهم في الكلام في بعض تلك المواقف و لم يؤذن لهم في الكلام في بعضها عن الحسن و قيل أن معنى قوله لا ينطقون أنهم لا ينطقون لحجة و إنما يتكلمون بالإقرار بذنوبهم و لوم بعضهم بعضا و طرح بعضهم الذنوب على بعض و هذا كما يقول القائل لمن تكلم بكلام كثير فارغ عن الحجة ما تكلمت بشيء و لا نطقت بشيء فسمي من يتكلم بما لا حجة فيه غير متكلم كما قال سبحانه صم بكم عمي و هم كانوا يسمعون و يتكلمون و يبصرون إلا أنهم في أنهم لا يقبلون الحق و لا يتأملون بمنزلة الصم البكم العمي و كلا الوجهين حسن و أما قوله فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس و لا جان فمعناه أنهم لا يسألون عن ذنوبهم للتعرف من حيث أن الله سبحانه علم أعمالهم و إنما يسألون سؤال توبيخ و تقريع و تقرير لإيجاب الحجة عليهم كما في قوله و قفوهم إنهم مسئولون فأثبت سبحانه سؤال التقريع في آية و نفي سؤال التعرف و الاستعلام في أخرى فلا تناقض و قوله « فمنهم شقي و سعيد » إخبار منه سبحانه بأنهم قسمان أشقياء و هم المستحقون للعقاب و سعداء و هم المستحقون للثواب و الشقاء قوة أسباب البلاء و السعادة قوة أسباب النعمة و الشقي من شقي بسوء عمله في معصية الله و السعيد من سعد بحسن عمله في طاعة الله و الضمير في قوله « فمنهم » يعود إلى الناس في قوله ذلك يوم مجموع له الناس و قيل إنه يعود إلى نفس في قوله « لا تكلم نفس إلا بإذنه » لأن النفس اسم الجنس « فأما الذين شقوا ففي النار » يعني أن الذين شقوا باستحقاقهم العذاب جزاء على أعمالهم القبيحة داخلون في النار و إنما وصفوا بالشقاوة قبل دخولهم النار لأنهم على حال تؤديهم إلى دخولها و أما ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال الشقي من شقي في بطن أمه فإن المراد بذلك أن المعلوم من حاله أنه سيشقى بارتكاب القبائح التي تؤديه إلى عذاب النار كما يقال لابن الشيخ الهرم أنه يتيم بمعنى أنه سييتم « لهم فيها زفير و شهيق » قال الزجاج الزفير و الشهيق من أصوات المكروبين المحزونين و الزفير من شديد الأنين و قبيحة بمنزلة ابتداء صوت الحمار و الشهيق الأنين الشديد المرتفع جدا بمنزلة آخر صوت الحمار و عن ابن عباس قال يريد ندامة و نفسا عاليا و بكاء لا ينقطع « خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك » اختلف العلماء في تأويل هذا في الآيتين و هما من المواضع المشكلة في القرآن و الإشكال فيه من وجهين ( أحدهما ) تحديد الخلود بمدة دوام السماوات و الأرض ( و الآخر ) معنى الاستثناء بقوله « إلا ما شاء ربك » فالأول فيه أقوال ( أحدها ) أن المراد ما دامت السماوات و الأرض مبدلتين أي ما دامت سماء الآخرة و أرضها
 

Back Index Next