جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج5 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


الأوقية و كانوا يزنون الأوقية و هي

مجمع البيان ج : 5 ص : 337
الأربعون فما زاد عليها و كانت الدراهم عشرين درهما عن ابن عباس و ابن مسعود و السدي و هو المروي عن علي بن الحسين (عليهماالسلام) قال و كانوا عشرة فاقتسموها درهمين درهمين و قيل كانت اثنين و عشرين درهما عن مجاهد و قيل كانت أربعين درهما عن عكرمة و قيل ثمانية عشر درهما عن أبي عبد الله (عليه السلام) و اختلف فيمن باعه فقيل أن إخوة يوسف باعوه و كان يهوذا منتبذا ينظر إلى يوسف فلما أخرجوه من البئر أخبر إخوته فأتوا مالكا و باعوه منه عن ابن عباس و مجاهد و أكثر المفسرين و قيل باعه الواجدون بمصر عن قتادة و قيل أن الذين أخرجوه من الجب باعوه من السيارة عن الأصم و الأصح الأول و ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره قال فلم يزل مالك بن زغر و أصحابه يتعرفون من الله الخير في سفرهم ذلك حتى فارقوا يوسف ففقدوا ذلك قال و تحرك قلب مالك ليوسف فأتاه فقال أخبرني من أنت فانتبه له يوسف و لم يكن مالك يعرفه فقال أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فألزمه مالك و بكى و كان مالك رجلا عاقرا لا يولد له فقال ليوسف لو دعوت ربك أن يهب لي ولدا فدعا يوسف ربه أن يجعل له ولدا و يجعلهم ذكورا فولد له اثنا عشر بطنا في كل بطن غلامان « و كانوا فيه من الزاهدين » قيل يعني به أن الذين اشتروه كانوا من الزاهدين في شرائه لأنهم وجدوا علامة الأحرار و أخلاق أهل البر و النبل فلم يرغبوا فيه مخافة أن يلحقهم تبعة في استعباده و قيل معناه و كانوا من الزاهدين في نفس يوسف لم يشروه للفجور و إنما اشتروه للربح و قيل المراد به الذين باعوه من إخوته كانوا غير راغبين في يوسف و لا في ثمنه و لكنهم باعوه حتى لا يظهر ما فعلوا به و كان قصدهم تبعيده و قيل كانوا من الزاهدين في يوسف لأنهم لم يعرفوا موضعه من الله سبحانه و كرامته عليه و لا تنافي بين هذه الأقوال فيجوز حمل الآية على جميعها و قيل إن الذين باعوه بمصر كانوا من الزاهدين في ثمنه لأنهم علموا أنه لقطة و ليست ببضاعة .
وَ قَالَ الَّذِى اشترَاهُ مِن مِّصرَ لامْرَأَتِهِ أَكرِمِى مَثْوَاهُ عَسى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ كذَلِك مَكَّنَّا لِيُوسف فى الأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَ اللَّهُ غَالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَ لَكِنَّ أَكثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(21) وَ لَمَّا بَلَغَ أَشدَّهُ ءَاتَيْنَهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذَلِك نجْزِى الْمُحْسِنِينَ(22)

مجمع البيان ج : 5 ص : 338

اللغة

الثواء الإقامة و المثوى موضع الإقامة و الإكرام إعطاء المراد على جهة الإعظام و هو يتعاظم فأعلاه منزلة ما يستحق بالنبوة و أدناه ما يستحق بخصلة من الطاعات و أشد جمع لا واحد له و قيل هو واحد و إن كان على وزن الجمع فهو مثل الآنك و هو الرصاص و قيل أنه جمع واحده شد كما أن واحد الأشر شر قال الشاعر :
هل غير أن كثر الأشر و أهلكت
حرب الملوك أكاثر الأموال .

الإعراب

مصر لا ينصرف لأنه مؤنث معرفة و « أن ينفعنا » في موضع رفع لكونه فاعل عسى و عسى هذه تامة لأنها تمت بفاعلها و اللام في قوله « و لنعلمه » محمولة على تقدير دبرنا ذلك لنمكنه و لنعلمه .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن حال يوسف بعد أن بيع فقال « و قال الذي اشتراه » أي اشترى يوسف « من مصر » أي من أهل مصر « لامرأته أكرمي مثواه » أي مقام يوسف و موضع نزوله أي هيئي له موضعا كريما شريفا و تقدير الآية فحملوه إلى مصر و باعوه و حذف ذلك للدلالة عليه و كان المشتري خازن فرعون مصر و خليفته و صاحب جنوده و اسمه قطفير و كان لا يأتي النساء و قيل أن اسمه أظفير و كان يلقب بالعزيز و من كان بمكانه يسمى بالعزيز و من يسمى بالعزيز ممن لم يكن بمكانه نزع لسانه فلما عبر يوسف رؤيا الملك سمي العزيز و جعل مكان العزيز و كان باعه مالك بن زعر منه بأربعين دينارا و زوج نعل و ثوبين أبيضين عن ابن عباس و قيل أنه عرضه على البيع في سوق مصر فتزايدوا حتى بلغ ثمنه وزنه ورقا و مسكا و حريرا عن وهب فاشتراه العزيز بهذا الثمن و قال لامرأته راعيل و لقبها زليخا « أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا » أي عسى أن نبيعه فنربح على ثمنه « أو نتخذه ولدا » فإنه لا ولد لنا و إنما قال ذلك لما رأى على يوسف من الجمال و العقل و الهداية في الأمور و على هذا فالعزيز هو خازن الملك و خليفته و الملك هو الريان بن الوليد رجل من العماليق و قيل أن هذا الملك لم يمت حتى آمن و اتبع يوسف على دينه ثم مات و يوسف بعده حي فملك بعده قابوس بن مصعب فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى أن يقبل و قال ابن عباس العزيز ملك مصر و كذلك هو في حديث علي بن الحسين (عليهماالسلام) « و كذلك مكنا ليوسف في الأرض » أي كما أنعمنا على يوسف بالسلامة و الخروج من الجب مكناه في الأرض بأن عطفنا عليه قلب الملك الذي اشتراه حتى صار بذلك متمكنا من الأمر و النهي في الأرض التي كان يستولي عليها الملك و هي أرض مصر « و لنعلمه من تأويل الأحاديث » و قد مضى معناه في أول السورة « و الله غالب على أمره » أي على أمر يوسف يحفظه و يرزقه حتى يبلغه ما قدر له من الملك و النبوة
مجمع البيان ج : 5 ص : 339
و لا يكله إلى غيره و قيل معناه و الله غالب على أمر نفسه لا يعجزه شيء من تدابيره و أفعاله فهو الفاعل لما يشاء كيف يشاء « و لكن أكثر الناس لا يعلمون » إن الله غالب على أمر نفسه أو أمر يوسف و قيل معناه لا يعلمون ما يصنع الله بيوسف و ما يؤول إليه حاله « و لما بلغ » يوسف « أشده » أي منتهى شبابه و قوته و كمال عقله و قيل الأشد من ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة عن ابن عباس و قيل أن أقصى الأشد أربعون سنة و قيل ستون سنة و هو قول الأكثرين و يؤيده الحديث من عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه و قيل أن ابتداء الأشد من ثلاث و ثلاثين سنة عن مجاهد و كثير من المفسرين و قيل من عشرين سنة عن الضحاك « آتيناه حكما » أي أعطيناه القول الفصل الذي يدعو إلى الحكمة « و علما » و هو تبيين الشيء على ما هو به بما يحل في القلب عن علي بن عيسى و قيل الحكم النبوة و العلم الشريعة عن ابن عباس و قيل الحكم الدعاء إلى دين الله و العلم علم الشرع و قيل أراد الحكم بين الناس و العلم بوجوه المصالح فإن الناس كانوا إذا تحاكموا على العزيز أمره بأن يحكم بينهم لما رأى من عقله و أصابته في الرأي و قيل هو العلم و العمل به و هو الحكم « و كذلك نجزي المحسنين » أي مثل ما جزينا يوسف بصبره نجزي كل من أحسن أي فعل الأفعال الحسنة من الطاعات و قيل أن المحسنين الصابرون على النوائب عن الضحاك و قيل هم المؤمنون عن ابن عباس و قيل أراد محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي كما فعلنا بيوسف و أعطيناه الملك بعد مقاساته البلاء و الشدة كذلك نفعل بك يا محمد عن ابن جريج .
وَ رَوَدَتْهُ الَّتى هُوَ فى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الأَبْوَب وَ قَالَت هَيْت لَك قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبى أَحْسنَ مَثْوَاى إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظلِمُونَ(23)

القراءة

قرأ أهل المدينة و الشام هيت لك بكسر الهاء و فتح التاء و قرأ ابن كثير هيت لك بفتح الهاء و ضم التاء و قرأ الباقون « هيت لك » بفتح الهاء و التاء و روي عن علي (عليه السلام) و أبي رجاء و أبي وائل و يحيى بن وثاب هئت لك بالهمزة و ضم التاء و روي ذلك على خلاف فيه عن ابن عباس و عن عكرمة و مجاهد و قتادة و روي عن ابن عباس أيضا هيت لك بفتح الهاء و كسر التاء و روي ذلك عن أبي الأسود و ابن أبي إسحاق و ابن محيصن و عيسى الثقفي و روي أيضا عن ابن عباس هيئت لك أيضا .

مجمع البيان ج : 5 ص : 340

الحجة

قال الزجاج في هيت لك لغات أجودها هيت لك بفتح الهاء و التاء قال الشاعر :
أبلغ أمير المؤمنين
أخا العراق إذا أتيتا
إن العراق و أهله
عنق إليك فهيت هيتا أي فأقبل و تعال و حكى قطرب أنه أنشده بعض أهل الحجاز لطرفة :
ليس قومي بالأبعدين إذا ما
قال داع من العشيرة هيت
هم يجيبون ذا هلم سراعا
كالأبابيل لا تغادر بيتا فهذا شاهد لابن كثير و كلها أسماء سمي بها الفعل بمنزلة صه و مه و أيه و الحركات في أواخرها لالتقاء الساكنين و أما الفتح فلأن قبل التاء ياء فهو كما قيل أين و كيف و الكسر لأن الأصل في التقاء الساكنين حركة الكسر و أما الضم فلأنها في معنى الغايات كأنها قالت دعائي لك فلما حذفت الإضافة و تضمنت هيت معناها بنيت على الضم كما بنيت حيث و منذ و أما هئت بالهمزة و ضم التاء ففعل تقول هئت أهيء هيئة أي تهيأت و قالوا أيضا هئت أهاء كخفت أخاف و أما هيئت لك ففعل صريح كقولك أصلحت لك و اللام تتعلق بنفس هيت و هيت و هيت و هئت كما يتعلق بنفس هلم في قولك هلم لك .

اللغة

المراودة المطالبة بأمر بالرفق و اللين ليعمل به و منه المرود لأنه يعمل به و لا يقال في المطالبة بدين راوده و أصله من راد يرود إذا طلب المرعى و في المثل الرائد لا يكذب أهله و هو في الآية كناية عما تريده النساء من الرجال و التغليق إطباق الباب بما يعسر فتحه و إنما شدد ذلك لتكثير الأغلاق أو للمبالغة في الإيثاق .

الإعراب

« معاذ الله » نصب على المصدر على تقدير أعوذ بالله معاذا تقول عذت بالله عوذا و معاذا و عياذا و معاذة .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن امرأة العزيز و ما همت به فقال « و راودته التي هو في بيتها عن نفسه » أي و طالبت يوسف المرأة التي كان يوسف في بيتها عن نفسه و هي زليخا و المعنى طلبت منه أن يواقعها « و غلقت الأبواب » على نفسها و عليه بابا بعد باب قالوا
مجمع البيان ج : 5 ص : 341
و كانت سبعة أبواب و قيل أراد باب الدار و باب البيت « و قالت هيت لك » أي هلم لك عن ابن عباس و الحسن و معناه أقبل و بادر إلى ما هو مهيا لك « قال » يوسف « معاذ الله » أي أعتصم بالله و أستجير به مما دعوتني إليه و تقديره عياذا بالله أن أجيب إلى هذا فكان (عليه السلام) أظهر الآباء و سأل الله سبحانه أن يعيذه و يعصمه من فعل ما دعته إليه « إنه ربي أحسن مثواي » الهاء عائدة إلى زوجها عند أكثر المفسرين و معناه أن العزيز زوجك مالكي أحسن تربيتي و إكرامي و بسط يدي و رفع منزلتي فلا أخونه و إنما سماه ربا لما كان ثبت له عليه من الرق في الظاهر و قيل أن الهاء عائد إلى الله سبحانه و المعنى أن الله ربي رفع من محلي و أحسن إلى و جعلني نبيا فلا أعصيه أبدا « إنه لا يفلح الظالمون » دل بهذا على أنه لو فعل ما دعته إليه لكان ظالما و في هذه الآية دلالة على أن يوسف لم يهم بالفاحشة و لم يردها بقبيح لأن من هم بالقبيح لا يقول مثل ذلك .
وَ لَقَدْ هَمَّت بِهِ وَ هَمَّ بهَا لَوْ لا أَن رَّءَا بُرْهَنَ رَبِّهِ كذَلِك لِنَصرِف عَنْهُ السوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ(24)

القراءة

قرأ أهل المدينة و الكوفة المخلصين بفتح اللام و الباقون بكسر اللام في جميع القرآن .

الحجة

قال أبو علي حجة من كسر اللام قوله أخلصوا دينهم لله و من فتح اللام فيكون بنى الفعل للمفعول به و يكون معناه و معنى من كسر اللام واحد فإذا أخلصوا دينهم فهم مخلصون و إذا أخلصوا فهم مخلصون .

اللغة

الهم في اللغة على وجوه منها العزم على الفعل كقوله تعالى « إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم » أي أرادوا ذلك و عزموا عليه و منه قول ضابىء البرجمي :
هممت و لم أفعل و كدت و ليتني
تركت على عثمان تبكي حلائله و قول حاتم طيء :
و لله صعلوك يشاور همه
و يمضي على الأيام و الدهر مقدما و قول الخنساء :
مجمع البيان ج : 5 ص : 342

و فضل مرداسا على الناس جملة
و إن كل هم همه فهو فاعله و منها خطور الشيء بالبال و إن لم يقع العزم عليه كقوله « إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا و الله وليهما » يعني أن الفشل خطر ببالهم و لو كان الهم هاهنا عزما لما كان الله وليهما لأن العزم على المعصية معصية و لا يجوز أن يكون الله ولي من عزم على الفرار عن نصرة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و يقوي ذلك قول كعب بن زهير :
فكم فيهم من فارس متوسع
و من فاعل للخير إن هم أو عزم ففرق بين الهم و العزم و منها أن يكون بمعنى المقاربة قالوا هم فلان أن يفعل كذا أي كاد يفعله قال ذو الرمة :
أقول لمسعود بجرعاء مالك
و قد هم دمعي أن تلج أوائله و الدمع لا يجوز عليه العزم و معناه كاد و قارب و قال أبو الأسود الدئلي :
و كنت متى تهمم يمينك مرة
لتفعل خيرا تقتفيها شمالكا و على هذا جاء قوله جدارا يريد أن ينقض أي يكاد و قال الحارثي :
يريد الرمح صدر أبي براء
و يرغب عن دماء بني عقيل و منها الشهوة و نيل الطباع يقول القائل فيما يشتهيه و يميل طبعه إليه هذا أهم الأشياء إلي و في ضده ليس هذا من همي و إذا كانت معاني الهم في اللغة مختلفة يجب أن ينفي عن نبي الله يوسف (عليه السلام) ما لا يليق به و هو العزم على القبيح لأن الدليل قد دل على أن الأنبياء لا يجوز المعاصي و القبائح عليهم و أجزنا عليهم ما سواه من معاني الهم لأن كل واحد من ذلك يليق بحاله .

المعنى

« و لقد همت به و هم بها لو لا أن رءا برهان ربه » اختلف العلماء فيه على قولين ( أحدهما ) أنه لم يوجد من يوسف ذنب كبير و لا صغير ( و الآخر ) أنه وجد منه العزم على القبيح ثم انصرف عنه فأما الأولون فإنهم اختلفوا في تأويل الآية على وجوه ( أحدها ) أن الهم في ظاهر الآية قد تعلق بما لا يصح تعلق العزم به على الحقيقة لأنه قال « و لقد همت به و هم بها » فعلق الهم بهما و ذاتاهما لا يجوز أن يرادا و يعزم عليهما لأن الموجود الباقي لا يصح أن يراد و يعزم عليه فإذا حملنا الهم في الآية على العزم فلا بد من تقدير أمر
مجمع البيان ج : 5 ص : 343
محذوف يتعلق العزم به و قد أمكن أن نعلق عزمه (عليه السلام) بغير القبيح و نجعله متناولا لضربها أو دفعها عن نفسه فكأنه قال و لقد همت بالفاحشة منه و أرادت ذلك و هم يوسف (عليه السلام) بضربها و دفعها عن نفسه كما يقال هممت بفلان أي بضربه و إيقاع مكروه به و على هذا فيكون معنى رؤية البرهان أن الله سبحانه أراه برهانا على أنه إن أقدم على ما هم به أهلكه أهلها أو قتلوه أو ادعت عليه المراودة على القبيح و قذفته بأنه دعاها إليه و ضربها لامتناعها منه فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء و الفحشاء اللذين هما القتل و ظن اقتراف الفاحشة به و يكون التقدير لو لا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك و يكون جواب لو لا محذوف كما حذف فيه قوله تعالى « و لو لا فضل الله عليكم و رحمته و أن الله رءوف رحيم » و قوله « كلا لو تعلمون علم اليقين » أي لو لا فضل الله لهلكتم و لو تعلمون علم اليقين لم يلهكم التكاثر و مثله قول امرىء القيس :
و لو أنها نفس تموت سوية
و لكنها نفس تساقط أنفسا يريد فلو أنها نفس تموت سوية لنقضت و فنيت فحذف الجواب تعويلا على أن الكلام يقتضيه و على هذا يكون جواب لو لا محذوف يدل عليه قوله « و هم بها » و لا يجوز أن يكون قوله « و هم بها » جوابا للو لا لأن جواب لو لا لا يتقدم عليه ( و ثانيها ) أن يحمل الكلام على التقديم و التأخير و يكون التقدير و لقد همت به و لو لا أن رأى برهان ربه لهم بها و لما رأى برهان ربه لم يهم بها و يجري ذلك مجرى قولهم قد كنت هلكت لو لا أني تداركتك و قد كنت قلت لو لا أني خلصتك و المعنى لو لا تداركي لهلكت و لو لا تخليصي إياك لقتلت و إن كأن لم يقع هلاك و قتل و مثله قول الشاعر :
فلا يدعني قومي ليوم كريهة
لئن لم أعجل ضربة أو أعجل و قال آخر :
فلا يدعني قومي صريحا لحرة
لئن كنت مقتولا و يسلم عامر و في القرآن إن كادت لتبدي به لو لا أن ربطنا على قلبها و هذا الوجه اختاره أبو مسلم و هو قريب من الأول و ( ثالثها ) أن معنى قوله « هم بها » اشتهاها و مال طبعه إلى ما دعته إليه و قد يجوز أن تسمى الشهوة هما على سبيل التوسع و المجاز و لا قبح في الشهوة لأنها من فعل الله
مجمع البيان ج : 5 ص : 344
تعالى و إنما يتعلق القبح بالمشتهي و قد روي هذا التأويل عن الحسن قال أما همها فكان أخبث الهم و أما همه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء و روى الضحاك عن ابن عباس أنه قال همها القصد و همه أنه تمناها أن تكون زوجة له و على هذا الوجه فيجب أن يكون قوله « لو لا أن رءا برهان ربه » متعلقا بمحذوف أيضا كأنه قال لو لا أن رأى برهان ربه لعزم أو فعل ( سؤال ) قالوا إن قوله « و لقد همت به و هم بها » خرجا مخرجا واحدا فلم جعلتهم همها به متعلقا بالقبيح و همه بها متعلقا بغير القبيح و جوابه أن الظاهر لا يدل على ما تعلق به الهم ففيهما جميعا و إنما أثبتنا همها به متعلقا بالقبيح لشهادة القرآن و الآثار به و لأنها ممن يجوز عليه فعل القبيح و الشاهد لذلك من الكتاب قوله و راودته التي هو في بيتها عن نفسه و قوله و قال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين و قوله حكاية عنها الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه و إنه لمن الصادقين و لقد راودته عن نفسه فاستعصم و الشاهد من الآثار إجماع المفسرين على أنها همت بالمعصية و الفاحشة و أما يوسف (عليه السلام) فقد دلت الأدلة العقلية التي لا يتطرق إليها الاحتمال و المجاز على أنه لا يجوز أن يفعل القبيح و لا يعزم عليه فأما الشاهد من القرآن على أنه ما هم بالفاحشة فقوله سبحانه « كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء » و قوله ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب و غير ذلك من قوله قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء و العزم على الفاحشة من أكبر السوء و أما الفرقة الأخرى فإنهم قالوا فيه ما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء فقال بعضهم إنه قعد بين رجليها و حل تكة سراويله و قال بعضهم حل السراويل حتى بلغ الثنن و جلس منها مجلس الرجل من امرأته و قد نزهه الله سبحانه عن ذلك كله بقوله « كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء » و أمثال ذلك مما عددناه فأما البرهان الذي رآه فقد اختلف فيه على وجوه ( أحدها ) أنه حجة الله سبحانه في تحريم الزنا و العلم بالعذاب الذي يستحقه الزاني عن محمد بن كعب و الجبائي ( و ثانيها ) أنه ما آتاه الله سبحانه من آداب الأنبياء و أخلاق الأصفياء في العفاف و صيانة النفس عن الأدناس عن أبي مسلم ( و ثالثها ) أنه النبوة المانعة من ارتكاب الفواحش و الحكمة الصارفة عن القبائح روي ذلك عن الصادق (عليه السلام) ( و رابعها ) أنه كان في البيت صنم فألقت المرأة عليه ثوبا فقال (عليه السلام) أن كنت تستحين من الصنم فأنا أحق أن أستحي من الواحد القهار عن علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) ( و خامسها ) أنه اللطف الذي لطف الله تعالى به في تلك الحال أو قبلها فاختار عنده الامتناع عن المعاصي و هو ما يقتضي كونه معصوما لأن العصمة هي اللطف الذي يختار عنده التنزه عن القبائح و الامتناع من فعلها و يجوز أن يكون الرؤية هاهنا بمعنى العلم كما يجوز أن يكون بمعنى الإدراك فأما ما ذكر في البرهان من الأشياء
مجمع البيان ج : 5 ص : 345
البعيدة بأن قيل إنه سمع قائلا يقول يا ابن يعقوب لا تكونن كالطير له ريش فإذا زنا ذهب ريشه و قيل أنه رأى صورة يعقوب عاضا على أنامله و قيل أنه رأى كفا بدت فيما بينهما مكتوبا عليها النهي عن ذلك فلم ينته فأرسل الله سبحانه جبرئيل (عليه السلام) و قال أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة فرآه عاضا على إصبعه فكل هذا سوء ثناء على الأنبياء مع أن ذلك ينافي التكليف و يقتضي أن لا يستحق على الامتناع من القبيح مدحا و لا ثوابا و هذا من أقبح القول فيه (عليه السلام) « كذلك لنصرف عنه السوء » أي كذلك أريناه البرهان لنصرف عنه السوء أي الخيانة « و الفحشاء » أي ركوب الفاحشة و قيل السوء الإثم و الفحشاء الزنا « إنه من عبادنا المخلصين » أي المصطفين المختارين للنبوة و بكسر اللام المخلصين في العبادة و التوحيد أي من عبادنا الذين أخلصوا الطاعة لله و أخلصوا أنفسهم له و هذا يدل على تنزيه يوسف و جلالة قدره عن ركوب القبيح و العزم عليه .
وَ استَبَقَا الْبَاب وَ قَدَّت قَمِيصهُ مِن دُبُر وَ أَلْفَيَا سيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ قَالَت مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِك سوءاً إِلا أَن يُسجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(25) قَالَ هِىَ رَوَدَتْنى عَن نَّفْسى وَ شهِدَ شاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كانَ قَمِيصهُ قُدَّ مِن قُبُل فَصدَقَت وَ هُوَ مِنَ الْكَذِبِينَ(26) وَ إِن كانَ قَمِيصهُ قُدَّ مِن دُبُر فَكَذَبَت وَ هُوَ مِنَ الصدِقِينَ(27) فَلَمَّا رَءَا قَمِيصهُ قُدَّ مِن دُبُر قَالَ إِنَّهُ مِن كيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ(28) يُوسف أَعْرِض عَنْ هَذَا وَ استَغْفِرِى لِذَنبِكِ إِنَّكِ كنتِ مِنَ الخَْاطِئِينَ(29)

القراءة

في الشواذ قراءة ابن يعمر و ابن أبي إسحاق و نوح القارىء من قبل و من دبر بثلاث ضمات من غير تنوين .

مجمع البيان ج : 5 ص : 346

الحجة

قال ابن جني ينبغي أن يكونا غايتين كقوله تعالى لله الأمر من قبل و من بعد كأنه يريد و قدت قميصه من دبره و إن كان قميصه قد من قبله فلما حذف المضاف إليه أعني الهاء و هي مرادة صار المضاف غاية بعد ما كان المضاف إليه غاية له .

اللغة

القد شق الشيء طولا مثل قد الأديم يقال قده يقده قدا فهو مقدود إذا كان ذاهبا في الطول على استواء و في الحديث كانت ضربات علي بن أبي طالب (عليه السلام) أبكارا كان إذا اعتلى قد و إذا اعترض قط و القد بكسر القاف السير المقطوع طولا و الإلفاء المصادفة قال ذو الرمة :
و مطعم الصيد هبال لبغيته
ألفى أباه بذاك الكسب يكتسب أي وجد أباه و الكيد طلب الشيء بما يكرهه كما طلبت المرأة يوسف بما يكرهه و يأباه و الخطيئة العدول عما تدعو إليه الحكمة إلى ما تزجر عنه و يقال لصاحبه خطأ يخطأ خطأ فهو خاطىء إذا وقع ذلك منه عن قصد فإن وقع من غير قصد قيل أخطأ المقصد فهو مخطىء فأصل الخطإ العدول عن الغرض الحكمي بقصد أو غير قصد قال أمية :
عبادك يخطئون و أنت رب
بكفيك المنايا و الحتوم .

الإعراب

إنما عطف قوله « عذاب أليم » على الفعل لأن تقديره إلا السجن أو عذاب و من في قوله « قد من دبر » و « من قبل » لابتداء الغاية لأن ابتداء القد كان منها و من في قوله « من الكاذبين » للتبعيض لأنه بعض الكاذبين و لم يقل و شهد شاهد أنه إن كان لأنه ذهب مذهب القول في الحكاية كما أن قوله يوصيكم الله في أولادكم كذلك و التقدير يوصيكم الله أن المال للذكر مثل حظ الأنثيين و قوله « إن كان قميصه » قال أبو العباس المبرد معناه إن يكن و جاز ذلك في كان لأنها أم الباب كما جاز في التعجب ما كان أحسن زيدا و لم يجز ما أصبح أحسنه و قال أبو بكر السراج أن يكن بمعنى أن يصبح قد قميصه من دبر و قوله « فلما رءا » الرؤية هاهنا تحتمل أمرين ( أحدهما ) أن تكون بمعنى رؤية العين فلا تكون رؤية العين رؤية للقد و يكون قوله « قد من دبر » في موضع الحال و إنما يكون رؤية للقميص ( و الآخر ) أن يكون بمعنى العلم و تكون رؤية للقد و إنما قال من الخاطئين و لم يقل من الخاطئات لتغليب المذكر على المؤنث .

مجمع البيان ج : 5 ص : 347

المعنى

« و استبقا الباب » يعني تبادرا الباب أي طلب كل واحد من يوسف و امرأة العزيز السبق إلى الباب أما يوسف فإنه كان يقصد أن يهرب منها و من ركوب الفاحشة و أما هي فإنما كانت تطلب يوسف لتقضي حاجتها منه و تقصد أن تغلق الباب و تمنعه من الخروج و تراوده ثانيا عن نفسه « و قدت قميصه من دبر » أي لحقت يوسف فجذبت قميصه و شقته طولا من خلفه لأن يوسف كان هاربا و هي تعدو من خلفه و قيل إن يوسف رأى الأبواب قد انفتحت فعلم أن الصواب هو الخروج فخرج هاربا و قيل بل أخذ بفتح الأبواب و أدركته فتعلقت بقميصه من خلفه فشقته « و ألفيا سيدها لدى الباب » أي فلما خرجا وجدا زوجها عند الباب و سماه سيدها لأنه مالك أمرها « قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم » يعني أن المرأة سبقت بالكلام لتورك الذنب على يوسف فقالت لزوجها ليس جزاء من أراد بأهلك خيانة إلا أن يسجن أو أن يضرب بالسياط ضربا وجيعا عن ابن عباس قالوا و لو صدق حبها لم تقل ذلك و لآثرته على نفسها و لكن حبها إياه كان شهوة « قال هي راودتني عن نفسي » لما ذكرت المرأة ذلك لم يجد يوسف بدا من تنزيه نفسه بالصدق و لو كفت عن الكذب عليه لكف (عليه السلام) عن الصدق عليها فقال هي التي طالبتني بالسوء الذي نسبتني إليه « و شهد شاهد من أهلها » قال ابن عباس و سعيد بن جبير أنه صبي في المهد و قيل كان الصبي ابن أخت زليخا و هو ابن ثلاثة أشهر و روي عن ابن عباس أيضا في رواية أخرى و عن الحسن و قتادة و عكرمة أنه شهد رجل حكيم من أهلها بتبرئة يوسف و اختاره الجبائي قال لو كان طفلا لكان قوله معجزا لا يحتاج معه إلى البيان و قيل كان الرجل ابن عم زليخا و كان جالسا مع زوجها عند الباب عن السدي « إن كان قميصه قد » أي شق « من قبل فصدقت » المرأة « و هو من الكاذبين » فيما قال يعني يوسف لأنه كان هو القاصد و هي الدافعة « و إن كان قميصه قد من دبر » أي من خلف « فكذبت » المرأة « و هو » أي يوسف « من الصادقين » لأنه الهارب و هي الطالبة و هذا أمر ظاهر و استدلال صحيح « فلما رءا قميصه قد من دبر » أي فلما رأى زوجها قميص شق من خلف عرف خيانة المرأة ف « قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم » و قيل هو من قول الشاهد و إنما وصف كيدهن بالعظم لأنها حين فاجأت زوجها عند الباب لم يدخلها دهش و لم تتحير في أمرها و وركت الذنب على يوسف (عليه السلام) و لأن قليل حيل النساء أسبق إلى قلوب الرجال من كثير حيل الرجال « يوسف أعرض عن هذا » يعني أن الشاهد قال ليوسف يا يوسف أمسك عن هذا الحديث أي عن ذكرها حتى لا يفشو في البلد عن ابن عباس و قيل إنما قاله زوجها و قيل معناه لا تلتفت يا يوسف إلى هذا الحديث و لا تذكره على سبيل طلب البراءة فقد ظهرت براءتك عن أبي مسلم
مجمع البيان ج : 5 ص : 348
و الجبائي ثم أقبل على زليخا فقال « و استغفري لذنبك » أي سلي زوجك أن لا يعاقبك على ذنبك « إنك كنت من الخاطئين » أي من المذنبين و قيل إنه لم يكن غيورا سلبه الله الغيرة لطفا منه بيوسف حتى كفى شره و لذلك قال ليوسف أعرض عن هذا و اقتصر على هذا القدر و قيل معناه استغفري الله من ذنبك و توبي إليه فإن الذنب كان منك لا من يوسف فإنهم كانوا يعبدون الله تعالى مع عبادتهم الأصنام .
* وَ قَالَ نِسوَةٌ فى الْمَدِينَةِ امْرَأَت الْعَزِيزِ تُرَوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شغَفَهَا حُباًّ إِنَّا لَنرَاهَا فى ضلَل مُّبِين(30) فَلَمَّا سمِعَت بِمَكْرِهِنَّ أَرْسلَت إِلَيهِنَّ وَ أَعْتَدَت لهَُنَّ مُتَّكَئاً وَ ءَاتَت كلَّ وَحِدَة مِّنهُنَّ سِكِّيناً وَ قَالَتِ اخْرُجْ عَلَيهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبرْنَهُ وَ قَطعْنَ أَيْدِيهُنَّ وَ قُلْنَ حَش للَّهِ مَا هَذَا بَشراً إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ(31) قَالَت فَذَلِكُنَّ الَّذِى لُمْتُنَّنى فِيهِ وَ لَقَدْ رَوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاستَعْصمَ وَ لَئن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءَامُرُهُ لَيُسجَنَنَّ وَ لَيَكُوناً مِّنَ الصغِرِينَ(32) قَالَ رَب السجْنُ أَحَب إِلىَّ مِمَّا يَدْعُونَنى إِلَيْهِ وَ إِلا تَصرِف عَنى كَيْدَهُنَّ أَصب إِلَيهِنَّ وَ أَكُن مِّنَ الجَْهِلِينَ(33) فَاستَجَاب لَهُ رَبُّهُ فَصرَف عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ(34) ثُمَّ بَدَا لهَُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الاَيَتِ لَيَسجُنُنَّهُ حَتى حِين(35)

القراءة

روي عن علي (عليه السلام) و عن علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن
مجمع البيان ج : 5 ص : 349
محمد (عليهماالسلام) و عن الحسن بخلاف و يحيى بن يعمر و قتادة بخلاف و مجاهد بخلاف و ابن محيصن قد شعفها بالعين و روي عن أبي جعفر متكأ بغير همز مشدد التاء و الباقون متكأ بالهمزة و التشديد و روي في الشواذ قراءة مجاهد متكأ خفيفة ساكنة التاء و روي ذلك عن ابن عباس و قرأ أبو عمر و حاشى الله و الباقون « حاش لله » و روي عن ابن مسعود و أبي بن كعب حاش الله و عن الحسن حاش الإله و في رواية أخرى عنه حاش لله بسكون الشين و قرأ يعقوب وحده السجن أحب إلى بفتح السين و الباقون بكسرها .

الحجة

قال الزجاج معنى شعفها بالعين ذهب بها كل مذهب مشتق من شعفات الجبال أي رءوس الجبال يقال فلان مشعوف بكذا أي قد ذهب به الحب أقصى المذاهب و قال ابن جني معناه وصل حبه إلى قلبها فكاد يحرقه لحدته و أصله من البعير يهنأ بالقطران فتصل حرارة ذلك إلى قلبه قال امرؤ القيس :
لتقتلني و قد شعفت فؤادها
كما شعف المهنوءة الرجل الطالي و أما القراءة المشهورة « شغفها » بالغين فمعناه أنه خرق شغاف قلبها و هو غلافه فوصل إلى قلبها و أما المتكأ فهو ما يتكأ عليه الطعام أو شراب أو حديث و أصله موتكا مفتعل من وكات مثل مؤتزن من الوزن و أما من قرأ متكأ فيجوز أن يكون مفتعلا من قوله :
إذ شرب المرضة قال أوكى
على ما في سقائك قد روينا يقال أوكيت السقا إذا شددته و أما متكأ فإنهم قالوا المتك الأترج واحدته متكة و قيل هو الزماورد و أما حجة أبي عمرو في قوله حاشى لله فقول الشاعر :
حاشى أبي ثوبان إن به
ضنا عن الملحاة و الشتم و قال أبو علي لا يخلو قولهم « حاش لله » من أن يكون الحرف الجار في الاستثناء كما ذكرناه في البيت أو فاعلا من قولهم حاش يحاشي و لا يجوز أن يكون حرف الجر لأن حرف الجر لا يدخل على مثله و لأن الحرف لا يحذف إذا لم يكن فيها تضعيف فإذا بطل ذلك ثبت
مجمع البيان ج : 5 ص : 350
أنها فاعل مأخوذ من الحشاء الذي هو الناحية و المعنى أنه صار في حشاء أي في ناحية مما قذف به و فاعله يوسف و المعنى بعد عن هذا الذي رمي به لله أي لخوفه من الله و مراقبته أمره و من حذف الألف فكما حذف من لم يك و لا أدر و إذا أريد به حرف الجر يقال حاشا و حاش و حشا ثلاث لغات قال الشاعر :
حشا رهط النبي فإن فيهم
بحورا لا تقطعها الدلاء و أما من قرأ حاش الله فعلى أصل اللغة يكون حرف جر كما جاء في البيت :
حاشى أبي ثوبان و أما حاش الإله فمحذوف من حاشا تخفيفا و هو كقولك حاش المعبود و منه قول الشاعر :
لعن الإله و زوجها معها
هند الهنود طويلة الثعل و أما حاش الله فضعيف لالتقاء الساكنين فيه و لإسكان الشين بعد حذف الألف و لا موجب لذلك و أما من فتح السين من السجن فجعله مصدرا و معناه أن أسجن أحب إلى و من كسر فعلى اسم المكان و المعنى نزول السجن أحب إلى .

اللغة

العزيز المنيع بقدرته عن أن يضام في أمره و سمي بذلك لأنه كان ملكا ممتنعا بملكه و اتساع مقدرته و قال أبو داود :
درة غاص عليها تاجر
جلبت عند عزيز يوم طل و الفتى الغلام الشاب و المرأة فتاة قال أبو مسلم و الزجاج و تسمي العرب العبد فتى و المكر الفتل بالحيلة إلى ما يراد من الطلبة و جارية ممكورة الساقين أي مفتولة الساقين و اعتدت مأخوذة من العتاد و مثله أعدت و المتكأ الوسادة و هو النمرق الذي يتكأ عليه و قيل هو الأترج و أنكر ذلك أبو عبيدة قال و لا يمتنع أن يقال قد كان في ذلك المجلس فواكه و أترج فأما أن يعرف ذلك من هذا القول فلا و الإكبار الإعظام و الإجلال و قال قوم معنى أكبرنه أنهن حضن حين رأينه و أنشدوا قول الشاعر :
يأتي النساء على أطهارهن و لا
تأتي النساء إذا أكبرن إكبارا و أنكر ذلك أبو عبيدة و قال لا نعرف ذلك في اللغة و لكنه يجوز أن يكن قد حضن من
مجمع البيان ج : 5 ص : 351
شدة إعظامهن إياه و البيت مصنوع لا يعرفه العلماء بالشعر و السجن المنع عن التصرف بالسجن سجن يسجن سجنا و الاعتصام الامتناع عن طلب المعصية و الاستعصام طلب العصمة من الله تعالى و الصاغرين من الصغار صغر يصغر صغارا و هو الذل و الهوان و الصبا رقة القلب يقال صبا يصبو صبا فهو صاب قال :
إلى هند صبا قلبي
و هند مثلها يصبي و قال :
صبا صبوة بل لج و هو لجوج
و زالت له بالأنعمين حدوج .

الإعراب

« و قال نسوة » إنما حذف فيه حرف التأنيث لأنه تأنيث جمع و تأنيث الجمع تأنيث لفظ يبطل تأنيث المعنى لأنه لا يجتمع في اسم واحد تأنيثان و كذلك يبطل تذكير المعنى في رجال و إذا صار كذلك جاز فيه الحمل على اللفظ و الحمل على المعنى فيؤنث و يذكر و قوله « ما هذا بشرا » نصب بشرا على مذهب أهل الحجاز في إعمال ما عمل ليس في رفع الاسم و نصب الخبر فأما بنو تميم فلا يعملونها قال :
لشتان ما أنوي و ينوي بنو أبي
جميعا فما هذان مستويان
تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى
و كل فتى و الموت يلتقيان و روي عن الحسن أنه قرأ ما هذا بشر أي ليس هو بمملوك و هو شاذ و ذلكن كن للخطاب لا للضمير فلا موضع له من الإعراب و الاسم ذا و هو في موضع رفع على الابتداء و « الذي لمتنني فيه » موصول و صلة في موضع خبره و « ليكون من الصاغرين » هذه النون الخفيفة التي يتلقى بها القسم و إذا وقفت عليها وقفت بالألف تقول و ليكونا و هي بمنزلة التنوين الذي يوقف عليه بالألف في نحو قولك رأيت رجلا قال الأعشى :
و صل على حين العشيات و الضحى
و لا تعبد الشيطان و الله فاعبدا أي فاعبدن فأبدل في الوقف من النون ألفا ثم بدا لهم فاعله مصدر مضمر على تقدير بدا لهم بداء و قد أظهره الشاعر في قوله :
لعلك و الموعود حق لقاؤه
بدا لك من تلك القلوص بداء
مجمع البيان ج : 5 ص : 352
و لا يجوز أن يكون ليسجننه في موضع الفاعل لأن الجملة لا تكون فاعلا .

المعنى

ثم ذكر سبحانه شياع هذه القصة فقال « و قال نسوة في المدينة » أي جماعة من النساء في المصر الذي كان فيه الملك و زوجته و يوسف « امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه » أي امرأة العزيز تدعو مملوكها إلى نفسها ليفجر بها « قد شغفها حبا » أي أحبته حبا دخل شغاف قلبها « إنا لنراها في ضلال مبين » أي في خطإ بين و ذهاب عن طريق الرشد بدعائها مملوكها إلى الفجور بها قال الكلبي هن أربع نسوة امرأة ساقي الملك و امرأة الخباز و امرأة صاحب الدواب و امرأة صاحب السجن و قال مقاتل كن خمسا و زاد امرأة الحاجب « فلما سمعت بمكرهن » أي لما سمعت المرأة بتعييرهن إياها و قصدهن إشاعة أمرها و سماه مكرا لأن قصدهن من هذا القول كان أن تريهن يوسف لما وصف لهن من حسنه فخالف ظاهر الكلام باطنه فسمي ذلك مكرا و قيل لأنها أظهرت لهن حبها إياه و استكتمتهن ذلك فأظهرنه فسمي ذلك مكرا « أرسلت إليهن » فاستضافتهن قال وهب اتخذت مأدبة و دعت أربعين امرأة منهن « و اعتدت لهن متكأ » أي و أعدت لهن وسائد يتكين عليها عن ابن عباس و الاتكاء الميل إلى أحد الشقين و قيل أراد بقوله « متكأ » الطعام من قول العرب اتكأنا عند فلان أي أطعمنا عنده و أصله أن من دعي إلى طعام يعد له المتكأ فيسمى الطعام متكأ على الاستعارة و قال الضحاك كان ذلك الطعام الزماورد و قال عكرمة هو كل ما يجز بالسكين لأنه يؤكل في الغالب على متكإ و قال سعيد بن جبير أنه كل طعام و شراب على عمومه و به قال الحسن و أما المتك فقد قيل فيه أنه الأترج على ما تقدم بيانه و قال السدي بل هو المجلس و كل شيء يجز بالسكين يقال له متك « و آتت كل واحدة منهن سكينا » أي و أعطت كل واحدة من تلك النسوة سكينا لتقطع به الفواكه و الأترج على ما هو العادة بين الناس « و قالت اخرج عليهن » أي و قالت امرأة الملك ليوسف (عليه السلام) و كانت قد أجلسته غير مجلسهن فأمرته بالخروج عليهن في هيأته إما للخدمة و إما للسلام أو ليرينه و لم يكن يتهيأ له أن لا يخرج لأنه بمنزلة العبد لها عن الزجاج « فلما رأينه أكبرنه » أي أعظمنه و تحيرن في جماله إذ كان كالقمر ليلة البدر « و قطعن أيديهن » بتلك السكاكين على جهة الخطإ بدل قطع الفواكه فما أحسسن إلا بالدم و لم يجدن ألم القطع لإشغال قلوبهن بيوسف (عليه السلام) عن مجاهد و المعنى جرحن أيديهن و هذا مستعمل في الكلام تقول للرجل قد قطعت يدي تريد قد خدشتها و قيل إنهن ابن أيديهن حتى ألقينها عن قتادة « و قلن حاش لله » و حاشى لله أي صار يوسف في حشا أي ناحية مما قذف به أي لم يلابسه و المعنى بعد يوسف عن هذا الذي رمى به الله أي لخوفه و مراقبته أمر الله هذا قول أكثر المفسرين قالوا هذا تنزيه ليوسف عما رمته به امرأة العزيز و قال آخرون هذا تنزيه له
مجمع البيان ج : 5 ص : 353
من شبه البشر لفرط جماله و يدل على هذا سياق الآية « ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم » أي رفع الله منزلته عن منزلة البشر فنعوذ بالله أن نقول إنه بشر و معناه أنه منزه أن يكون بشرا و ليس صورته صورة البشر و لا خلقته خلقة البشر و لكنه ملك كريم لحسنه و لطافته و روي عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو يصف يوسف حين رآه في السماء الثانية رأيت رجلا صورته صورة القمر ليلة البدر قلت يا جبريل من هذا قال هذا أخوك يوسف و قيل معناه ليس هذا إلا ملك كريم في عفته قال الجبائي و هذا يدل على أن الملك أفضل من بني آدم لأنهن ذكرن من هو في نهاية الفضل و لم ينكر الله تعالى ذلك عليهن و هذا من ركيك الاستدلال لأنه سبحانه إنما حكى عن النساء إعظامهن ليوسف حين رأين جماله و بعده عن السوء فشبهنه بالملك و لم يقصدن كثرة الثواب الذي هو حقيقة الفضل و إنما لم ينكره سبحانه عليهن لأنه علم أنهن لم يقصدن في كلامهن ما حمله عليه الجبائي على أن الظاهر يقتضي أنهن نفين أن يكون يوسف من البشر و قطعن على أنه ملك و هذا كذب و لم ينكره الله سبحانه عليهن لما علم من أنهن يقصدن بذلك تشبيه حاله بحال الملائكة « قالت » امرأة العزيز للنسوة التي عذلنها على محبتها ليوسف « فذلكن الذي لمتنني فيه » أي هذا هو ذلك الذي لمتنني في أمره و في حبه و شعفي به جعلت إعظامهن إياه عذرا لها و المعنى هذا الذي أصابكن في رؤيته مرة واحدة ما أصابكن من ذهاب العقل فكيف عذلتنني في حبي إياه و أنا أنظر إليه آناء ليلي و نهاري ثم اعترفت ببراءة يوسف و أقرت على نفسها فقالت « و لقد راودته عن نفسه فاستعصم » أي امتنع عنه و قيل معناه امتنع بالله و سأله العصمة من فعل القبيح و في هذا دلالة على أن يوسف لم يقع منه قبح ثم توعدته بإيقاع المكروه به إن لم يطعها فيما تدعوه إليه فقالت « و لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن و ليكونا من الصاغرين » أي و إن لم يجبني إلى ما أدعوه إليه ليحبس في السجن و ليكون من الأذلاء فلما رأى يوسف إصرارها على ذلك و تهديدها له اختار السجن على المعصية ف « قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه » معناه يا رب إن السجن أحب إلي و أسهل علي مما يدعونني إليه من الفاحشة و في هذا دلالة على أن النسوة دعونه إلى مثل ما دعته إليه امرأة العزيز و في حديث أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليهماالسلام) أن النسوة لما خرجن من عندها أرسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سرا من صاحبته تسأله الزيارة و قيل إنهن قلن له أطع مولاتك و اقض حاجتها فإنها المظلومة و أنت ظالم و قيل إنهن لما رأين يوسف استأذن امرأة العزيز بأن تخلو كل واحدة منهن به و تدعوه إلى ما أرادته منه إلى طاعتها فلما خلون به دعته كل واحدة منهن إلى نفسها فلذلك قال مما يدعونني إليه و يسأل فيقال كيف قال يوسف السجن أحب إلى مما يدعونني
مجمع البيان ج : 5 ص : 354
إليه و لا يجوز أن يراد السجن الذي هو المكان و إن عني به السجن الذي هو المصدر فإن السجن معصية كما أن ما دعونه إليه معصية فلا يجوز أن يريده فالجواب أنه لم يرد المحبة التي هي الإرادة و إنما أراد أن ذلك أخف علي و أسهل و وجه آخر أن المعنى لو كان مما أريده لكان إرادتي له أشد و قيل إن معناه توطيني النفس على السجن أحب إلى من توطيني النفس على الزنا عن أبي علي الجبائي « و إلا تصرف عني كيدهن » بألطافك لأن كيدهن قد وقع و حصل « أصب إليهن » أمل إليهن أو إلى قولهن بهواي و الصبوة لطافة الهوى « و أكن من الجاهلين » أي المستحقين لصفة الذم بالجهل و قيل معناه أكن بمنزلة الجاهلين في فعلي « فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن » أي فأجاب له ربه فيما دعاه فعصمه من مكرهن فإن قيل ما معنى سؤال يوسف اللطف من الله و هو عالم بأن الله يفعله لا محالة فالجواب أنه يجوز أن تتعلق المصلحة بالألطاف عند الدعاء المجدد و متى قيل كيف علم أنه لو لا اللطف لركب الفاحشة و إذا وجد اللطف امتنع قلنا لما وجد في نفسه من الشهوة و علم أنه لو لا لطف الله لارتكب القبيح و علم أن الله سبحانه يعصم أنبياءه بالألطاف و أن من لا يكون له لطف لا يبعثه الله نبيا قال الجبائي في الآية دلالة على جواز الدعاء بما يعلم الله تعالى أنه يكون لأن يوسف كان عالما بأنه إن كان له لطف فلا بد أن يكون الله يفعل ذلك به و مع هذا سأله ذلك و لا تدل الآية على ما قاله لما قلناه من أنه يجوز أن يكون سأله لتجويزه أن يكون له لطف عند الدعاء و لو لم يدع لم يكن ذلك لطفا فما سأل إلا ما جوز أن لا يكون لو لم يدع « إنه هو السميع العليم » أي السميع لدعاء الداعي العليم بإخلاصه في دعائه و بما يصلحه من الإجابة أو يفسده « ثم بدا لهم » أي ظهر لهم « من بعد ما رأوا الآيات » و إنما لم يقل لهن مع تقدم ذكر النسوة لأنه أراد به الملك و قيل أراد به زليخا و أعوانها فغلب المذكر و أراد بالآيات العلامات الدالة على براءة يوسف و هي قد القميص من دبره و جز الأيدي عن قتادة و غيره و قيل يريد بالآيات العلامات الدالة على الإياس منه و قوله « بدا » فاعله مضمر و تقديره ثم بدا لهم بداء « ليسجننه حتى حين » و دل ليسجننه عليه فإن السجن هو الذي بدا لهم قال السدي و ذلك أن المرأة قالت لزوجها إن هذا العبد قد فضحني في الناس من حيث إنه يخبرهم أني راودته عن نفسه و لست أطيق أن أعتذر بعذري فأما أن تأذن لي فأخرج و أعتذر و إما أن تحبسه كما حبستني فحبسه بعد علمه ببراءته و قيل إن الغرض من الحبس أن يظهر للناس أن الذنب كان له لأنه إنما يحبس المجرم و قيل كان الحبس قريبا منها فأرادت أن يكون بقربها حتى إذا أشرفت عليه رأته و قوله « حتى حين » قيل إلى سبع سنين عن عكرمة و قيل إلى خمس سنين عن الكلبي و قيل إلى وقت ينسى حديث المرأة معه و ينقطع فيه عن الناس خبره عن الجبائي .

مجمع البيان ج : 5 ص : 355
وَ دَخَلَ مَعَهُ السجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنى أَرَاخ أَعْصِرُ خَمْراً وَ قَالَ الاَخَرُ إِنى أَرَاخ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسى خُبزاً تَأْكلُ الطيرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاك مِنَ الْمُحْسِنِينَ(36) قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنى رَبى إِنى تَرَكْت مِلَّةَ قَوْم لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ هُم بِالاَخِرَةِ هُمْ كَفِرُونَ(37) وَ اتَّبَعْت مِلَّةَ ءَابَاءِى إِبْرَهِيمَ وَ إِسحَقَ وَ يَعْقُوب مَا كانَ لَنَا أَن نُّشرِك بِاللَّهِ مِن شىْء ذَلِك مِن فَضلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَ عَلى النَّاسِ وَ لَكِنَّ أَكثرَ النَّاسِ لا يَشكُرُونَ(38)

اللغة

قال الزجاج كانوا يسمون المملوك فتى فجائز أن يكون الفتيان حدثين أو شيخين و قال غيره يقال لعبد فتى و للأمة فتاة و في الحديث لا يقولن أحدكم عبدي و أمتي و لكن فتاي و فتاتي و التأويل الخبر عما حضر بما يؤول إليه أمره فيما غاب و لذلك قال قبل أن يأتيكما تأويل القرآن ما يؤول إليه من المعنى أي يرجع إليه و التعليم تفهيم الدلالة المؤدية إلى العلم بالمعنى و قد يكون الإعلام بالمعنى في القلب و الاتباع اقتفاء الأثر و هو طلب اللحاق بالأول .

الإعراب

هم الثانية دخلت للتوكيد لأنه لما دخل بينهما قوله « بالآخرة » صارت الأولى كالملغاة و صار الاعتماد على الثانية كما قال و هم بالآخرة هم يوقنون و كما قال أ يعدكم أنكم إذا متم و كنتم ترابا و عظاما أنكم مخرجون .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن حال يوسف (عليه السلام) في الحبس فقال « و دخل معه السجن فتيان » و التقدير فسجن يوسف و دخل معه السجن فتيان أي شابان حدثان و قيل إنهما مملوكان لملك مصر الأكبر و اسمه وليد بن ريان و كان أحدهما صاحب شرابه و الآخر
مجمع البيان ج : 5 ص : 356
صاحب طعامه فنمي إليه أن صاحب طعامه يريد أن يسمه و ظن أن الآخر ساعده على ذلك و مالأه عليه عن قتادة و السدي « قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا » هو من رؤيا المنام كان يوسف (عليه السلام) لما دخل السجن قال لأهله إني أعبر الرؤيا فقال أحد العبدين لصاحبه هلم فلنجربه فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا عن ابن مسعود و قيل بل رؤياهما على صحة و حقيقة و لكنهما كذبا في الإنكار عن مجاهد و الجبائي و قيل إن المصلوب منهما كان كاذبا و الآخر صادقا عن أبي مجلز و رواه علي بن إبراهيم أيضا في تفسيره عنهم (عليهم السلام) و المعنى قال أحدهما و هو الساقي رأيت أصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها و عصرتها في كأس الملك و سقيته إياها و تقديره أعصر عنب خمر أي العنب الذي يكون عصيره خمرا فحذف المضاف قال الزجاج و ابن الأنباري العرب تسمي الشيء باسم ما يؤول إليه إذا وضح المعنى و لم يلتبس يقولون فلان يطبخ الآجر و يطبخ الدبس و إنما يطبخ اللبن و العصير و قال قوم إن بعض العرب يسمون العنب خمرا حكى الأصمعي عن المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابيا معه عنب فقال له ما معك قال خمر و هو قول الضحاك فيكون معناه أني أعصر عنبا و روي في قراءة عبد الله و أبي جميعا إني رأيتني أعصر عنبا « و قال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه » معناه و قال صاحب الطعام إني رأيت كان فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز و ألوان الأطعمة و سباع الطير تنهش منه « نبئنا بتأويله » أي أخبرنا بتعبيره و ما يؤول إليه أمره « إنا نراك من المحسنين » أي تؤثر الإحسان و الأفعال الجميلة قال الضحاك كان إذا ضاق على رجل مكانه وسع له و إن احتاج جمع له و إن مرض قام عليه و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قال الزجاج جاء في التفسير أنه كان يعين المظلوم و ينصر الضعيف و يعود العليل قال و قيل « من المحسنين » أي ممن يحسن تأويل الرؤيا قال و هذا دليل على أن أمر الرؤيا صحيح و أنها لم تزل في الأمم السالفة و في الحديث أن الرؤيا جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة و تأويله أن الأنبياء يخبرون بما سيكون و الرؤيا تدل على ما سيكون فيكون المعنى في الآية إنا نعلمك أو نظنك ممن يعرف تعبير الرؤيا و من ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) قيمة كل امرىء ما يحسنه و قال أبو مسلم نراك من المحسنين إلينا إن فسرت لنا الرؤيا و هو قول ابن أبي إسحاق ثم ذكر لهما يوسف (عليه السلام) ما يدل على أنه عالم بتفسير الرؤيا « قال لا يأتيكما طعام ترزقانه » في منامكما « إلا نبأتكما بتأويله » في اليقظة « قبل أن يأتيكما » التأويل و ذلك أنه كره أن يخبرهما بالتأويل لما على أحدهما فيه من البلاء فأعرض عن سؤالهما و أخذ في غيره عن السدي و ابن إسحاق و قيل إنه إنما قدم هذا ليعلما ما خصه الله تعالى به من النبوة و ليقبلا عنه فقال لا يأتيكما طعام من منزلكما إلا أخبرتكما بصفة ذلك الطعام و كيفيته قبل أن يأتيكما كما
 

Back Index Next