جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج5 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 5 ص : 318

القراءة

قرأ أبو جعفر و ابن عامر يا أبت بفتح التاء و الباقون بكسرها و ابن كثير وقف على الهاء يا أبه و الباقون بالتاء و روي في الشواذ عن أبي جعفر و نافع و طلحة بن سليمان أحد عشر بسكون العين و القراءة بفتحها و قرأ الكسائي إلا أبا الحرث و قتيبة بإمالة رؤياك و الرؤيا في جميع القرآن و روى أبو الحرث عنه فتح « رؤياك » و إمالة الباقي و قتيبة أمال للرؤيا تعبرون فقط و قرأ خلف في اختياره بإمالة ما فيه ألف و لام و الباقون بالتفخيم و خفف الهمزة في جميع ذلك أبو جعفر و ورش و شجاع و الترمذي إلا أن أبا جعفر يدغم الواو في الياء فيجعلها ياء مشددة .

الحجة

قال الزجاج من قرأ « يا أبت » بكسر التاء فعلى الإضافة إلى نفسه و حذف الياء لأن ياء الإضافة تحذف في النداء و أما إدخال تاء التأنيث في الأب فإنما دخلت في النداء خاصة و المذكر قد يسمى باسم فيه علامة التأنيث و يوصف بما فيه تاء التأنيث فالاسم نحو نفس و عين و الصفة نحو غلام يفعة و رجل ربعة فلزمت التاء في الأب عوضا من ياء الإضافة و الوقف عليها يا أبه بالهاء و إن كانت في المصحف بالتاء و زعم الفراء أنك إذا كسرت وقفت بالتاء لا غير و إذا فتحت وقفت بالتاء و الهاء و لا فرق بين الكسر و الفتح و أما يا أبت بالفتح فعلى أنه أبدل من ياء الإضافة ألفا ثم حذفت الألف كما يحذف ياء الإضافة و بقيت الفتحة قال أبو علي من فتح فله وجهان ( أحدهما ) أن يكون مثل يا طلحة أقبل و وجه قول من قال يا طلحة إن هذا النحو من الأسماء التي فيها تاء التأنيث أكثر ما يدعى مرخما فلما كان كذلك رد التاء المحذوفة في الترخيم إليه و ترك الآخر يجري على ما كان يجري عليه في الترخيم من الفتح فلم يعتد بالهاء و أقحمها و الوجه الآخر أن يكون أراد يا أبتا فحذف الألف كما يحذف التاء فتبقى الفتحة دالة على الألف كما أن الكسرة تبقى دالة على الياء و الدليل على قوة هذا الوجه كثرة ما جاءت هذه الكلمة على هذا الوجه كقول الشاعر :
و هل جزع أن قلت وا بتاهما و قول الأعشى :
و يا أبتا لا تزل عندنا
فإنا نخاف بأن تخترم و قول رؤبة :
يا أبتا عليك أو عساكا فلما كثرت هذه الكلمة في كلامهم ألزموها القلب و الحذف على أن أبا عثمان قد رأى ذلك مطردا في جميع هذا الباب و أما وقف ابن كثير على الهاء فلأن التاء التي للتأنيث يبدل منها الهاء في الوقف فيغير الحرف بذلك في الوقف كما غير التنوين إذا انفتح ما قبله بأن أبدل منه الألف و من قرأ أحد عشر بسكون العين قال ابن جني سبب ذلك عندي أن الاسمين لما جعلا كالاسم الواحد و بني الأول منهما لأنه كصدر
مجمع البيان ج : 5 ص : 319
الاسم من عجزه جعل تسكين أول الثاني دليلا على أنهما قد صارا كالاسم الواحد و كذلك بقية العدد إلى تسعة عشر إلا اثني عشر و اثنتي عشر فإنه لا يسكن العين لسكون الألف و الياء قبلها قال الزجاج الرؤيا فيها أربع لغات رؤيا بالهمزة و رويا بالواو من غير همز و ريا على الإدغام و ريا بكسر الراء قال أبو علي الرؤيا مصدر كالبشري و السقيا و البقيا و الشورى إلا أنه لما صار اسما لهذا التخيل في المنام جرى مجرى الأسماء كما أن درا لما كثر في كلامهم في قولهم لله درك جرى مجرى الأسماء و خرج من حكم الأعمال فلا يعمل واحد منهما أعمال المصادر و مما يقوي خروجه عن أحكام المصادر تكسيرهم لها رؤي فصار بمنزلة ظلم و المصادر في الأكثر لا تكسر و الرؤيا على تحقيق الهمز فإن خففت قلبتها في اللفظ واوا و لم تدغم الواو في الياء و إن كانت قد تقدمتها ساكنة كما تقلب في نحو طيء و لي لأن الواو في تقدير الهمزة فهي لذلك غير لازمة ، فلا يقع الاعتداد بها و قد كسرا و لها قوم فقالوا ريا فهؤلاء قلبوا الواو قلبا على غير وجه التخفيف و من ثم كسروا الفاء كما كسروا من قولهم قرن ألوى و قرون لي .

اللغة

الرؤيا تصور المعنى في المنام على توهم الإبصار و ذلك أن العقل مغمور بالنوم فإذا تصور الإنسان المعنى توهم أنه يراه و الكيد طلب الحيلة و اللام في « يكيدوا لك » لام التعدية كما تقول قدمت لك طعاما و قدمت إليك طعاما و شكرت لك و شكرتك يقال كاده يكيده كيدا و كاد له و الاجتباء اختيار معالي الأمور للمجتبى و أصله من جبيت الماء في الحوض إذا جمعته .

الإعراب

تقدير العامل في إذ يجوز أن يكون اذكر كأنه قال اذكر إذ قال يوسف قال الزجاج و يجوز أن يكون على نقص عليك إذ قال و قد غلط في هذا لأن الله تعالى لم يقص على نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) هذا القصص في وقت قول يوسف (عليه السلام) و كوكبا منصوب على التمييز و قوله « رأيتهم » كرر الرؤية توكيدا و لأن الكلام قد طال و المعنى رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر لي ساجدين و لم يقل ساجدات لأنه لما وصف هذه الأشياء بالسجود كما يوصف الآدميون بذلك أجرى فعلها مجرى فعل العقلاء و كما قال « يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم » و موضع الكاف من قوله « و كذلك » نصب و المعنى و مثل ما رأيت يجتبيك ربك و يعلمك .

المعنى

ثم ابتدأ سبحانه بقصة يوسف (عليه السلام) فقال « إذ قال يوسف لأبيه » يعقوب (عليهم السلام) و هو إسرائيل الله و معناه عبد الله الخالص ابن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله و في الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن
مجمع البيان ج : 5 ص : 320
إسحاق بن إبراهيم « يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين » أي رأيت في منامي قال ابن عباس إن يوسف (عليه السلام) رأى في المنام ليلة الجمعة ليلة القدر أحد عشر كوكبا نزلن من السماء فسجدن له و رأى الشمس و القمر نزلا من السماء فسجدا له قال فالشمس و القمر أبواه و الكواكب إخوته الأحد عشر و قال السدي الشمس أبوه و القمر خالته و ذلك أن أمه راحيل قد ماتت و قال ابن عباس الشمس أمه و القمر أبوه و قال وهب كان يوسف رأى و هو ابن سبع سنين أن أحد عشر عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة و إذا عصا صغيرة تثب عليها حتى اقتلعتها و غلبتها فوصف ذلك لأبيه فقال له إياك أن تذكر هذا لإخوتك ثم رأى و هو ابن اثنتي عشرة سنة أن أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر سجدت لها فقصها على أبيه فقال له « لا تقصص رؤياك على إخوتك » الآية و قيل أنه كان بين رؤياه و بين مصير أبيه و إخوته إلى مصر أربعون سنة عن ابن عباس و أكثر المفسرين و قيل ثمانون سنة عن الحسن و لما طال الكلام كرر رؤيتهم و أعاده للتأكيد و قيل أراد بالرؤيا الأولى رؤية الأعيان و الأشخاص و بالرؤية الثانية رؤية سجودهم و اختلف في معنى هذا السجود فقيل إنه السجود المعروف على الحقيقة لتكرمته لا لعبادته و قيل معناه الخضوع له عن الجبائي كما قال الشاعر :
ترى الأكم فيه سجدا للحوافر و هذا ترك الظاهر و يقال إن إخوته لما بلغهم رؤياه قالوا ما رضي أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه « قال » يعقوب « يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك » أي لا تخبرهم بذلك « فيكيدوا لك كيدا » أي فيحسدوك أو يقابلوك بما فيه هلاكك و ذلك أن رؤيا الأنبياء وحي و علم يعقوب أن إخوة يوسف يعرفون تأويلها و يخافون علو يوسف عليهم فيحسدونه و يبغونه الغوائل « إن الشيطان للإنسان عدو مبين » أي ظاهر العداوة فيلقي بينهم العداوة و يحملهم على إنزال المكروه بك « و كذلك » أي كما أراك هذه الرؤيا تكرمة لك و بين أن إخوتك يخضعون لك أو يسجدون لك « يجتبيك ربك » أي يصطفيك ربك و يختارك للنبوة عن الحسن و قيل الحسن الخلق و الخلق « و يعلمك من تأويل الأحاديث » قيل معناه و يعلمك من تعبير الرؤيا لأن فيه أحاديث الناس عن رؤياهم و سماه تأويلا لأنه يؤول أمره إلى ما رأى في المنام عن قتادة و قال ابن زيد كان أعبر الناس للرؤيا و قيل معناه و يعلمك عواقب الأمور بالنبوة و الوحي إليك فتعلم الأشياء قبل كونها معجزة لك لأنه أضاف التعليم إلى الله و ذلك لا يكون إلا بالوحي عن أبي مسلم و قيل تأويل أحاديث الأنبياء و الأمم يعني كتب الله و دلائله على توحيده و المشروع من شرائعه و أمور
مجمع البيان ج : 5 ص : 321
دينه عن الحسن و الجبائي و التأويل في الأصل هو المنتهى الذي يؤول إليه المعنى و تأويل الحديث فقهه الذي هو حكمه لأنه إظهار ما يؤول إليه أمره مما يعتمد عليه و فائدته « و يتم نعمته عليك » بالنبوة لأنها منتهى نعيم الدنيا و قيل إتمام النعمة هو أن يحكم بدوامها على تخليصها من شائب بها فهذه النعمة التامة و خلوصها مما ينقصها و لا يطلب ذلك إلا من الله تعالى لأنه لا يقدر عليها سواه و قيل معناه و يتم نعمته عليك بأن يحوج إخوتك إليك حتى تنعم عليهم بعد إساءتهم إليك « و على آل يعقوب » أي و على إخوتك بأن يثبتهم على الإسلام و يشرفهم بمكانك و يجعل فيهم النبوة و قيل يتم نعمته عليهم بإنقاذهم من المحن على يديك « كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم و إسحاق » أي كما أتم النعمة على إبراهيم بالخلة و النبوة و النجاة من النار و على إسحاق بأن فداه عن الذبح بذبح عظيم عن عكرمة و قال إنه الذبيح و قيل بإخراج يعقوب و أولاده من صلبه عن أكثر المفسرين قالوا و ليس هو الذبيح و إنما الذبيح إسماعيل « إن ربك عليم » بمن يصلح للرسالة « حكيم » في اختيار الرسل و قيل عليم بأحوال خلقه حكيم في قضاياه .
* لَّقَدْ كانَ فى يُوسف وَ إِخْوَتِهِ ءَايَتٌ لِّلسائلِينَ(7) إِذْ قَالُوا لَيُوسف وَ أَخُوهُ أَحَب إِلى أَبِينَا مِنَّا وَ نحْنُ عُصبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضلَل مُّبِين(8) اقْتُلُوا يُوسف أَوِ اطرَحُوهُ أَرْضاً يخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَ تَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْماً صلِحِينَ(9) قَالَ قَائلٌ مِّنهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسف وَ أَلْقُوهُ فى غَيَبَتِ الْجُب يَلْتَقِطهُ بَعْض السيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَعِلِينَ(10)

القراءة

قرأ ابن كثير آية للسائلين و الباقون « آيات » و قرأ أهل المدينة غيابات الجب و الباقون « غيابة الجب » و في الشواذ قراءة الأعرج غيابات مشددة و قراءة الحسن غيبة الجب و قرأ أهل المدينة و الكسائي مبين اقتلوا بضم التنوين و الباقون بالكسر .

الحجة

قال أبو علي من قرأ آية على الإفراد جعل شأنه كله آية و يقويه قوله و جعلنا
مجمع البيان ج : 5 ص : 322
ابن مريم و أمه آية فكل واحد منهما على انفراده يجوز أن يقال فيه آية فأفرد مع ذلك و من جمع جعل كل حال من أحواله آية على أن المفرد المنكر في الإيجاب يقع دالا على الكثرة كما يقع كذلك في غير الإيجاب قال الشاعر :
فقتلا بتقتيل و ضربا بضربكم
جزاء العطاش لا ينام من الثأر و أما الغيابة فكل شيء غيب شيئا عن أبي عبيدة و أنشد :
فإن أنا يوما غيبتني غيابة
فسيروا بسيري في العشيرة و الأهل و الجب الركية التي لم تطو فمن أفرد فالوجه فيه أن الجب لا يخلو من أن يكون له غيابة واحدة أو غيابات و غيابة المفرد يجوز أن يعني به الجمع كما يعني به الواحد و من جمع فإنه يجوز أن يكون له غيابة واحدة فجعل كل جزء منها غيابة كقولهم شابت مفارقة و بئر ذو غيابتين و يجوز أن يكون للبئر عدة غيابات فجمع لذلك و أما غيابات بالتشديد فيكون اسما جاء على فعالة كما جاء التيار للموج و الفياد للبوم الذكر و الفخار للخزف و غير ذلك و أما غيبة فيجوز أن يكون حدثا على فعلة من غاب فيكون بمعنى الظلمة و يجوز أن يكون موضعا على فعلة و أما من ضم التنوين فلأنه التقى الساكنان التنوين و القاف في اقتلوا و لزم تحريك الأول منهما فحركه بالضم ليتبع الضمة الضم كما قيل سر و مد و من كسر التنوين فإنه لم يتبع الضم كما أن من قال مد لم يتبع و كسر الساكن على ما يجري عليه أمر تحريك الساكن في الأمر الشائع .

اللغة

الآية و العلامة و العبرة نظائر و العصبة الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض و يقع على جماعة من عشرة إلى خمس عشر و قيل ما بين العشرة إلى الأربعين و لا واحد له من لفظه كالقوم و الرهط و النفر و الفرق بين المحبة و الشهوة إن الإنسان يحب ولده و لا يشتهيه بأن يميل طبعه إليه و يرق عليه و يريد له الخير و الشهوة منازعة النفس إلى ما فيه اللذة و إنما سمي البئر جبا لأنه قطع عنها ترابها حتى بلغ الماء من غير طي و منه المجبوب قال الأعشى :
و إن كنت في جب ثمانين قامة
و رقيت أسباب السماء بسلم و كل ما غيب شيئا عن الحس بكونه فيه فهو غيابة فغيابة البئر شبه لحف أو طاق فوق ما
مجمع البيان ج : 5 ص : 323
البئر و السيارة الجماعة المسافرون لأنهم يسيرون في البلاد و قيل هم مارة الطريق و الالتقاط تناول الشيء من الطريق و منه اللقطة و اللقيط و معناه أن يجده من غير أن يحسبه يقال وردت الماء التقاطا إذا وردته من غير أن تحسبه .

الإعراب

العامل في قوله « إذ قالوا » اذكر و تقديره اذكر إذ قالوا ليوسف و يحتمل أن يكون العامل فيه ما في الآية التي قبله من قوله « لقد كان في يوسف و إخوته آيات » إذ قالوا و اللام في قوله « ليوسف » جواب القسم تقديره و الله ليوسف و أخوه أحب إلى أبينا منا ، « يخل لكم » جواب الأمر و « تكونوا » جزم لأنه معطوف عليه و روي عن الحسن تلتقطه بعض السيارة بالتاء و هذا كما يقال أذهبت بعض أصابعه و قال الشاعر :
طول الليالي أسرعت في نقضي
طوين طولي و طوين عرضي فقال أسرعت و طوين لتأنيث الليالي و لم يحمله على طول و هو مذكر .

المعنى

ثم أنشأ سبحانه في ذكر قصة يوسف فقال « لقد كان في يوسف و إخوته آيات للسائلين » و معناه لقد كان في حديث يوسف و إخوته عبر للسائلين عنهم و أعاجيب فمنها أنهم نالوه بالأذى و دبروا في قتله و اجتمعوا على إلقائه في البئر للحسد مع أنهم أولاد الأنبياء فصفح عنهم (عليهم السلام) لما مكنه الله منهم و أحسن إليهم و لم يعيرهم بما كان منهم و هذا خارج عن العادة و فيه عبرة لمن اعتبر فيها في منافع الدين و منها الفرج بعد الشدة و المنحة بعد المحنة و منها الدلالة على صحة نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه (عليه السلام) لم يقرأ كتابا فعلم أنه لم يأته ذلك إلا من جهة الوحي فهو بصيرة للذين سألوه أن يخبرهم بذلك و معجزة دالة على صدقه و إخوته هم أولاد يعقوب و كان ليعقوب اثنا عشر ولدا لصلبه و كانوا أولاد علة عن الجبائي و قيل أسماؤهم روبيل و هو أكبرهم و شمعون و لاوي و يهودا و ريالون و يشجر و أمهم ليا بنت ليان و هي ابنة خالة يعقوب ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له يوسف و بنيامين و قيل ابن يامين و ولد له من سريتين له اسم إحداهما زلفة و الأخرى بلهة أربعة بنين دان و نفتالي و حاد و آشر و كانوا اثني عشر ثم أخبر سبحانه عما قالت إخوة يوسف حين سمعوا منام يوسف و تأويل يعقوب إياه فقال « إذ قالوا » أي قال بعضهم لبعض « ليوسف و أخوه » لأبيه و أمه بنيامين « أحب إلى أبينا » يعقوب « منا » و ذلك أن يعقوب (عليه السلام) كان شديد الحب ليوسف و كان يوسف من أحسن الناس وجها و كان
مجمع البيان ج : 5 ص : 324
يعقوب يؤثره على أولاده فحسدوه ثم رأى الرؤيا فصار حسدهم له أشد و قيل إنه (عليه السلام) كان يرحمه و آخاه و يقربهما لصغرهما فاستثقلوا ذلك و روي أبو حمزة الثمالي عن زين العابدين (عليه السلام) أن يعقوب كان يذبح كل يوم كبشا فيتصدق به و يأكل هو و عياله منه و أن سائلا مؤمنا صواما اعتر ببابه عشية جمعة عند أوان إفطاره و كان مجتازا غريبا فهتف على بابه و استطعمهم و هم يسمعون فلم يصدقوا قوله فلما يئس أن يطعموه و غشيه الليل استرجع و استعبر و شكا جوعة إلى الله تعالى و بات طاويا و أصبح صائما صابرا حامدا لله و بات يعقوب و آل يعقوب بطانا و أصبحوا و عندهم فضله من طعامهم فابتلاه الله سبحانه بيوسف (عليه السلام) و أوحي إليه أن استعد لبلائي و ارض بقضائي و اصبر للمصائب فرأى يوسف الرؤيا في تلك الليلة و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و روي ذلك عن ابن عباس أو قريب منه « و نحن عصبة » معناه و نحن جماعة يتعصب بعضنا لبعض و يعين بعضنا بعضا أي فنحن أنفع لأبينا و قيل يعني و نحن عصبة لا يعجزنا الاحتيال عليه « إن أبانا لفي ضلال مبين » أي في ذهاب عن طريق الصواب الذي هو التعديل بيننا في المحبة و قيل معناه أنه في خطإ من الرأي في أمور الأولاد و التدبير الدنيوي و نحن أقوم بأمور مواشيه و أمواله و سائر أعماله و لم يريدوا به الضلال عن الدين لأنهم لو أرادوا ذلك لكانوا كفارا و ذلك خلاف الإجماع و لأنهم بالاتفاق كانوا على دينه و كانوا يعظمونه غاية التعظيم و لذلك طلبوا محبته و أصل الضلال العدول و كل من ذهب عن شيء و عدل عنه فقد ضل و أكثر المفسرين على أن إخوة يوسف كانوا أنبياء و قال بعضهم لم يكونوا أنبياء لأن الأنبياء لا يقع منهم القبائح و قال المرتضى قدس الله روحه لم يقم لنا الحجة بأن إخوة يوسف الذين فعلوا ما فعلوه كانوا أنبياء و لا يمتنع أن يكون الأسباط الذين كانوا أنبياء غير هؤلاء الإخوة الذين فعلوا بيوسف ما قصة الله تعالى عنهم و ليس في ظاهر الكتاب أن جميع إخوة يوسف و سائر الأسباط فعلوا بيوسف ما حكاه الله من الكيد و قيل يجوز أن يكون هؤلاء الإخوة في تلك الحال لم يكونوا بلغوا الحلم و لا توجه إليهم التكليف و قد يقع ممن قارب البلوغ من الغلمان مثل هذه الأفعال و يعاتب على ذلك و يلام و يضرب و هذا الوجه قول البلخي و الجبائي و يدل عليه قوله نرتع و نلعب و روى أبو جعفر بن بابويه رحمه الله في كتاب النبوة بإسناده عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حنان بن سدير قال قلت لأبي جعفر أ كان أولاد يعقوب أنبياء فقال لا و لكنهم كانوا أسباطا أولادا لأنبياء و لم يفارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا و تذكروا ما صنعوا و قال الحسن كانوا رجالا بالغين و وقعت ذلك منهم صغيرة ثم أخبر سبحانه عنهم أنهم قال بعضهم لبعض « اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا » أي اطرحوه في أرض بعيدة عن أبيه فلا يهتدي إليه و قيل معناه في أرض تأكله السباع أو يهلك بغير ذلك
مجمع البيان ج : 5 ص : 325
« يخل لكم وجه أبيكم » عن يوسف و تخلص لكم محبته و المعنى أنكم متى قتلتموه أو طرحتموه في أرض أخرى خلا لكم أبوكم و حن عليكم « و تكونوا من بعده قوما صالحين » أي و تكونوا من بعد قتل يوسف أو غيبته قوما تائبين و المعنى أنكم إذا فعلتم ذلك و بلغتم أغراضكم تبتم مما فعلتموه و كنتم من جملة الصالحين الذين يعملون الصالحات و هذا يدل على أنهم رأوا ذلك ذنبا يصح التوبة منه عن جماعة من المفسرين و قيل معناه و تكونوا قوما صالحين في أمر دنياكم أي يعود حالكم مع أبيكم إلى الصلاح عن الحسن و متى يسأل هاهنا على قول من جعلهم غير بالغين فقال أ ليس يدل هذا القول منهم على بلوغهم لعلمهم بالوعيد فالجواب أن المراهق قد يجوز أن يعلم ذلك خاصة إذا كان مر بي في حجر الأنبياء .
و من أولادهم و اختلف فيمن قال ذلك من إخوته فقال وهب قاله شمعون و قال مقاتل قاله روبين ثم أخبر سبحانه عن واحد من جملة القوم بقوله « قال قائل منهم » أي من إخوة يوسف « لا تقتلوا يوسف و ألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة » أي القوة في قعر البئر يتناوله بعض مارة الطرق و المسافرين فيذهب به إلى ناحية أخرى و القائل لذلك روبين و هو ابن خالة يوسف عن قتادة و ابن إسحاق و كان أحسنهم رأيا فيه فنهاهم عن قتله و قيل هو يهوذا و كان أقدمهم في الرأي و الفضل و أسنهم عن الأصم و الزجاج و قيل هو لاوي رواه علي بن إبراهيم في تفسيره و اختلفوا في ذلك الجب فقيل هو بئر بيت المقدس عن قتادة و قيل بأرض الأردن عن وهب و قيل بين مدين و مصر عن كعب و قيل على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب عن مقاتل « إن كنتم فاعلين » معناه إن كنتم فاعلين شيئا مما تقولون في يوسف فليكن هذا فعلكم فإنه دون القتل الصريح و قال ابن عباس يريد أن أضمرتم ما تريدون و قيل للحسن أ يحسد المؤمن فقال ما أنساك حديث بني يعقوب .
قَالُوا يَأَبَانَا مَا لَك لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسف وَ إِنَّا لَهُ لَنَصِحُونَ(11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَب وَ إِنَّا لَهُ لَحَفِظونَ(12)

القراءة

قرأ أبو جعفر و الحلواني عن قالون لا تأمنا مشددة النون بلا شمة و قرأ الباقون بالإشمام و هو الإشارة إلى النون المدغمة بالضمة و هو اختيار أبي عبيدة و قرأ أبو جعفر و نافع يرتع و يلعب بالياء فيهما و كسر العين من يرتع و قرأ ابن كثير نرتع و نلعب بالنون فيهما و كسر العين و قرأ أبو عمرو و ابن عامر نرتع و نلعب بالنون فيهما و جزم العين و قرأ أهل الكوفة و رويس عن يعقوب « يرتع و يلعب » بالياء فيهما و جزم العين و قرأ روح و زيد عن يعقوب نرتع
مجمع البيان ج : 5 ص : 326
بالنون و جزم العين « و يلعب » بالياء و قد روي ذلك عن أبي عمرو و هو قراءة الأعرج و إبراهيم النخعي و في الشواذ قراءة العلاء بن سيابة يرتع بالياء و كسر العين رفعا و قراءة أبي رجا يرتع و يلعب .

الحجة

قال الزجاج يجوز في « تأمنا » أربعة أوجه إشمام النون مع الإدغام .
الضم و هو الذي حكاه ابن مجاهد عن الفراء و الإشعار بالضمة و الإدغام من غير إشمام لأن الحرفين من جنس واحد و « تأمننا » بالإظهار و رفع النون الأولى لأن النونين من كلمتين و « تئمنا » بكسر التاء لأن ماضيه على فعل كما قالوا تعلم و نعلم و هي قراءة يحيى بن وثاب و هذه القراءة مخالفة للمصحف و إن كانت في العربية جائزة و أما قوله نرتع و يلعب فقد قال أبو علي قراءة من قرأ نرتع بالنون و كسر العين و « يلعب » بالياء حسن لأنه جعل الارتعاء و القيام على المال لمن بلغ و جاوز الصغر و أسند اللعب إلى يوسف لصغره و لا لوم على الصغير في اللعب و الدليل على صغر يوسف قول إخوته « و إنا له لحافظون » و لو كان كبيرا لم يحتج إلى حفظهم و يدل على ذلك قول يعقوب و أخاف أن يأكله الذئب و إنما يخاف الذئب على من لا دفاع به من شيخ كبير أو من صبي صغير قال :
أصبحت لا أحمل السلاح و لا
أملك رأس البعير إن نفرا
و الذئب أخشاه إن مررت به
وحدي و أخشى الرياح و المطرا و أما الارتعاء فهو افتعال من رعيت مثل شويت و اشتويت و كل واحد منهما متعد إلى مفعول به قال الأعشى :
ترتعي السفح فالكثيب فذا قار
فروض القطا فذات الرمال و قال آخر :
رعت بأرض البهمي جميما و بسرة
و صمعاء حتى آنفتها نصالها و قد يستقيم أن يقال نرتع و إنما ترتع إبلهم فيما قال أبو عبيدة و وجه ذلك أنه كان الأصل يرتع إبلنا ثم حذف المضاف و أسند الفعل إلى المتكلمين فصار نرتع و كذلك نرتعي على يرتعي إبلنا ثم حذف المضاف فيكون نرتع و قال أبو عبيدة نرتع نلهو و قد تكون هذه
مجمع البيان ج : 5 ص : 327
الكلمة على غير معنى اللهو و لكن على معنى النيل من الشيء كقولهم في المثل الصيد و الرتعة و كان على هذا النيل و التناول مما يحتاج إليه الحيوان و قد قال الأعشى :
صدر النهار يراعي ثيرة رتعا ) و على هذا القول قالوا رأيت مرتع إبلك لمرادها الذي فيه فهذا لا يكون على اللهو لأنه جمع ثور راتع أو رتوع فأما من قرأ نرتع و نلعب بالنون فيكون نرتع على يرتع إبلنا أو على أننا ننال مما يحتاج إليه و ينال معنا و أما نلعب فحكي أن أبا عمرو قيل له كيف يقولون نلعب و هم أنبياء فقال لم يكونوا يومئذ أنبياء فلو صحت هذه الحكاية عنه و صح عنده هذا التاريخ و إلا فقد قال الشاعر :
جدت جداد بلاعب و تقشعت
غمرات قالت ليته حيران فكان اللاعب هاهنا الذي لم يتشمر في أهله فدخله بعض الهوينا فهذا أسهل من الوجه الذي قوبل به الحق و قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لجابر فهلا بكرا تلاعبها و تلاعبك فهذا كأنه يتشاغل بمباح و تنفس و جمام من الجد و قد روي عن بعض السلف أنه كان إذا أكثر النظر في مسائل الفقه قال احمضوا فليس هذا اللعب كاللعب في قوله « و لئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض و نلعب » و أما من قرأ بالياء فيهما فإن كان يرتع من اللهو كما فسره أبو عبيدة فلا يمتنع أن يخبر به عن يوسف لصغره كما لا يمتنع أن ينسب إليه اللعب لذلك و إن كان يرتع من النيل من الشيء فذلك لا يمتنع عليه أيضا فوجههما بين و هذا أبين من قول من قال و نلعب بالنون لأنهم سألوا إرساله ليتنفس بلعبه و لم يسألوا إرساله ليلعبوا هم و أما من قرأ « و يلعب » بالرفع فإنه جعله استئنافا أي هو ممن يلعب كقولك زرني أحسن إليك أي أنا ممن يحسن إليك و أما من قرأ « و يرتع » فمعناه يرتع إبله فحذف المفعول كما قال الحطيئة :
منعمة تصون إليك منها
كصونك من رداء شرعبي أي تصون الحديث و قال الشنفري :
كان لها في الأرض نسيا تقصه
على أمها و إن تكلمك تبلت أي تقطع حديثها خفرا و حياء .

المعنى

ثم بين سبحانه أنهم عند اتفاق آرائهم فيما تأمروا فيه من أمر يوسف كيف
مجمع البيان ج : 5 ص : 328
سألوا أباهم ف « قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف » أي ما لك لا تثق بنا و لا تعتمدنا في أمر يوسف « و إنا له لناصحون » أي مخلصون في إرادة الخير به و في هذا دلالة على أنه (عليه السلام) كان يأبى عليهم أن يرسله معهم « أرسله معنا غدا » أي إلى الصحراء نرتع و نلعب الجزم على جواب الأمر و المعنى أن ترسله معنا نرتع و نلعب أي نذهب و نجيء و ننشط و نلهو عن الكلبي و الضحاك و قيل نتحافظ فيحفظ بعضنا بعضنا و نلهو عن مجاهد و قيل نرعى و نتصرف و الرتع هو التردد يمينا و شمالا عن ابن زيد و أرادوا به اللعب المباح مثل الرمي و الاستباق بالأقدام و قد روي أن كل لعب حرام إلا ثلاثة لعب الرجل بقوسه و فرسه و أهله « و إنا له » أي ليوسف « لحافظون » أي نحفظه لنرده إليك و قيل نحفظه في حال لعبة و قال مقاتل هاهنا تقديم و تأخير و ذلك إن إخوة يوسف قالوا له أرسله فقال أبوهم « إني ليحزنني أن تذهبوا به » الآية فحينئذ قالوا « يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف و إنا له لناصحون » و إذا صح الكلام من غير تقديم و تأخير فلا معنى لحمله عليه قال الحسن جعل يوسف في الجب و هو ابن سبع عشرة سنة و كان في البلاد إلى أن وصل إليه أبوه ثمانين سنة و لبث بعد الاجتماع ثلاثا و عشرين سنة و مات و هو ابن مائة و عشرين سنة و قيل أنه كان ليوسف يوم ألقي في الجب عشر سنين و قيل كان له اثنتا عشرة سنة و قيل كان ابن سبع سنين أو تسع و جمع بينه و بين أبيه و هو ابن أربعين سنة عن ابن عباس و غيره و في الآيات دلالة على ظهور حسدهم ليوسف لأنه كان يحرسه منهم و يمنعه عن الخروج معهم و لا يأمنهم عليه .

مجمع البيان ج : 5 ص : 329
قَالَ إِنى لَيَحْزُنُنى أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخَاف أَن يَأْكلَهُ الذِّئْب وَ أَنتُمْ عَنْهُ غَفِلُونَ(13) قَالُوا لَئنْ أَكلَهُ الذِّئْب وَ نَحْنُ عُصبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَسِرُونَ(14) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَن يجْعَلُوهُ فى غَيَبَتِ الجُْب وَ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَ هُمْ لا يَشعُرُونَ(15) وَ جَاءُو أَبَاهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ(16) قَالُوا يَأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَستَبِقُ وَ تَرَكنَا يُوسف عِندَ مَتَعِنَا فَأَكلَهُ الذِّئْب وَ مَا أَنت بِمُؤْمِن لَّنَا وَ لَوْ كنَّا صدِقِينَ(17) وَ جَاءُو عَلى قَمِيصِهِ بِدَم كَذِب قَالَ بَلْ سوَّلَت لَكُمْ أَنفُسكُمْ أَمْراً فَصبرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُستَعَانُ عَلى مَا تَصِفُونَ(18)

اللغة

الذئب أصله الهمز و إن خففت جاز و قراءة الكسائي و خلف و أبو جعفر و ورش و الأعشى و اليزيدي بتخفيف الهمزة في المواضع الثلاث و الباقون بالهمز و جمع الذئب أذؤب و ذئاب و ذؤبان و تذائبت الريح أتت من كل جهة و حزنت و أحزنت لغتان و الحزن ألم القلب بفراق المحبوب و الشعور إدراك الشيء بمثل الشعرة في الدقة و منه المشاعر في البدن و المجيء و المصير إلى الشيء واحد و قد يكون المصير بالانقلاب كمصير الطين خزفا و قد يكون بمعنى الانتقال و العشاء آخر النهار و منه اشتق الأعشى لأنه يستضيء ببصر ضعيف و يقال العشاء أول ظلام الليل و يقال العشي من زوال الشمس إلى الصباح و العشاء من صلاة المغرب إلى العتمة و الاستباق افتعال من السبق و استبقا تبادرا حتى يظهر الأقوى و منه المسابقة و هو على ثلاثة أوجه سباق بالرمي و ذلك جائز بالاتفاق و سباق على الخيل و الإبل و ذلك جائز عندنا و سباق على الأقدام و ذلك غير جائز بعوض و به قال الشافعي و عند أبي حنيفة يجوز بعوض و بلا عوض و به قال قوم من أصحابنا و كذلك القول في الصراع و دم كذب أي مكذوب فيه و هو مصدر وصف به و قيل إن تقديره بدم ذي كذب قال الفراء يجوز أن يقع المصدر موقع المفعول كما يقع المفعول موقع المصدر في مثل قول الشاعر :
حتى إذا لم يتركوا لعظامه
لحما و لا لفؤاده معقولا و لم يجزه سيبويه و قال المفعول لا يكون مصدرا و يتأول قولهم خذ ميسورة و دع معسورة و قال يعني به خذ ما يسر له و دع ما عسر عليه و كذلك ليس لفؤاده معقول أي ما يعقل به و روي عن عائشة أنها قرأت بدم كدب بالدال أي دم طري و التسويل تزيين النفس ما ليس بحسن و قيل هو تقدير معنى في النفس على الطمع في تمامه .

الإعراب

اللام في قوله « لئن » هي اللام التي يتلقى بها القسم و « إنا إذا الخاسرون » جواب القسم « فلما ذهبوا به » جواب لما محذوف و تقديره عظمت فتنتهم أو كبر ما قصدوا له و الكوفيون يقولون الواو في « و أجمعوا » مقحمة و تقديره أجمعوا و لا يجيز البصريون إقحام الواو و قالوا لم يثبت ذلك بحجة و لا قياس و مما أنشده الكوفيون في ذلك قول الشاعر :
حتى إذا قملت بطونكم
و رأيتم أبناءكم شبوا

مجمع البيان ج : 5 ص : 330

و قلبتم ظهر المجن لنا
إن اللئيم العاجز الخب و قول امرىء القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي و انتحى
بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل قالوا أراد انتحى و البصريون يحملون الجميع على حذف الجواب و قوله « يبكون » في موضع نصب على الحال و « عشاء » منصوب على الظرف و جائز أن يكون « و هم لا يشعرون » من صلة قوله « لتنبئنهم » و جائز أن يكون من صلة « و أوحينا » أي نبأناه بالوحي و هم لا يشعرون أنه نبي قد أوحي إليه و « نستبق » في موضع نصب على الحال و « صبر جميل » مرفوع على أحد وجهين على أنه خبر مبتدإ محذوف و تقديره فشأني صبر جميل أو فصبري صبر جميل و هو قول قطرب أو على أنه مبتدأ محذوف الخبر و التقدير فصبر جميل أمثل و أنشد :
شكا إلي جملي طول السري
يا جملي ليس إلي المشتكى
صبر جميل فكلانا مبتلى و يجوز في غير القرآن فصبرا جميلا و روي ذلك عن أبي و يكون معناه فاصبري يا نفس صبرا جميلا قال ذو الرمة :
ألا إنما مي فصبرا بلية
و قد يبتلى الحر الكريم فيصبر و قال الآخر :
أبى الله أن يبقي لحي بشاشة
فصبرا على ما شاءه الله لي صبرا .

المعنى

ثم أخبر سبحانه أنهم لما أظهروا النصح و الشفقة على يوسف هم يعقوب أن يبعثه معهم و حثهم على حفظه ف « قال إني ليحزنني » أي يغمني « أن تذهبوا به » و تغيبوه عني و قيل معناه يحزنني مفارقته إياي « و أخاف » عليه إذا ذهبتم به إلى الصحراء
مجمع البيان ج : 5 ص : 331
« أن يأكله الذئب و أنتم عنه غافلون » فهذه جملة في موضع الحال و تقديره أخاف أن يأكله الذئب في حال كونكم ساهين عنه مشغولين ببعض أشغالكم قالوا و كانت أرضهم مذأبة و كانت الذئاب ضارية في ذلك الوقت و قيل أن يعقوب رأى في منامه كان يوسف قد شد عليه عشرة أذؤب ليقتلوه و إذا ذئب منها يحمي عنه فكأن الأرض انشقت فدخل فيها يوسف فلم يخرج منها إلا بعد ثلاثة أيام فمن ثم قال فلقنهم العلة و كانوا لا يدرون و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لا تلقنوا الكذب فيكذبوا فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الإنسان حتى لقنهم أبوهم و هذا يدل على أن الخصم لا ينبغي أن يلقن حجة و قيل أنه خاف عليه أن يقتلوه فكنى عنهم بالذئب مسايرة لهم قال ابن عباس سماهم ذئابا « قالوا لئن أكله الذئب و نحن عصبة » أي جماعة متعاضدون متناصرون نرى الذئب قد قصده و لا نمنعه منه « إنا إذا لخاسرون » أي نكون كالذين تذهب عنه رءوس أموالهم على رغم منهم و قيل معناه إنا إذا عجزة ضعفة قال الحسن و الله لقد كانوا أخوف عليه من الذئب و قيل معناه إنا إذا لمضيعون بلغة قيس عيلان عن المؤرج و هاهنا حذف و التقدير أنه أرسله معهم إجابة لما سألوه ليؤدي ذلك إلى الألفة و المحبة « فلما ذهبوا به و أجمعوا » أي عزموا جميعا « أن يجعلوه في غيابة الجب » أي قعر البئر و اتفقت دواعيهم عليه فإن من دعاه داع واحد إلى الشيء لا يقال فيه أنه أجمع عليه فكأنه مأخوذ من اجتماع الدواعي و يدل الألف و اللام على أنه كان بئرا معروفة معهودة عندهم تجيئها السيارة و قيل أنهم طلبوا بئرا قليلة الماء تغيبه و لا تغرقه فجعلوه فيها و قيل بل جعلوه في جانب منها و قيل أن يعقوب أرسله معهم فأخرجوه مكرما فلما وصلوا إلى الصحراء أظهروا له العداوة و جعلوا يضربونه و هو يستغيث بواحد واحد منهم فلا يغيثه و كان يقول يا أبتاه فهموا بقتله فمنعهم يهوذا منه و قيل منعهم لاوي رواه بعض أصحابنا عنهم (عليهم السلام) فانطلقوا به إلى الجب فجعلوا يدلونه في البئر و هو يتعلق بشفير البئر ثم نزعوا قميصه عنه و هو يقول لا تفعلوا ردوا علي القميص أتوارى به فيقولون ادع الشمس و القمر و الأحد عشر كوكبا يؤنسنك فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت و كان في البئر ماء فسقط فيه ثم آوى إلى صخرة فقام عليها و كان يهوذا يأتيه بالطعام عن السدي و قيل إن الجب أضاء له و عذب ماؤه حتى أغناه عن الطعام و الشراب و قيل كان الماء كدرا فصفا و عذب و وكل الله به ملكا يحرسه و يطعمه عن مقاتل و قيل إن جبرائيل كان يؤنسه و قيل إن الله تعالى أمر بصخرة حتى ارتفعت من أسفل البئر فوقف يوسف عليها و هو عريان و كان إبراهيم الخليل (عليه السلام) ) حين ألقي في النار جرد من ثيابه و قذف في النار عريانا فأتاه جبرائيل (عليه السلام) ) بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه و كان ذلك عند إبراهيم (عليه السلام) ) فلما مات ورثه إسحاق فلما
مجمع البيان ج : 5 ص : 332
مات إسحاق ورثه يعقوب فلما شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذ و علقه في عنقه فكان لا يفارقه فلما ألقي في البئر عريانا جاءه جبرائيل و كان عليه ذلك التعويذ فأخرج منه القميص فألبسه إياه و روى ذلك مفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) ) قال و هو القميص الذي وجد يعقوب ريحه و لما فصلت العير من مصر و كان يعقوب بفلسطين فقال إني لأجد ريح يوسف و في كتاب النبوة عن الحسن بن محبوب عن الحسن بن عمارة عن مسمع أبي سيار عن الصادق (عليه السلام) ) قال لما ألقى إخوة يوسف يوسف في الجب نزل عليه جبرائيل فقال له يا غلام من طرحك هنا فقال إخوتي لمنزلتي من أبي حسدوني و لذلك في الجب طرحوني فقال أ تحب أن تخرج من هذا الجب قال ذلك إلى إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب فقال له جبرائيل فإن إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب يقول لك قل اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت بديع السماوات و الأرض يا ذا الجلال و الإكرام أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تجعل لي في أمري فرجا و مخرجا و ترزقني من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب فجعل الله له من الجب يومئذ فرجا و مخرجا و من كيد المرأة مخرجا و آتاه ملك مصر من حيث لم يحتسب و روي علي بن إبراهيم أن يوسف (عليه السلام) ) قال في الجب يا إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب ارحم ضعفي و قلة حيلتي و صغري و قوله « و أوحينا إليه » يعني إلى يوسف (عليه السلام) ) قال الحسن أعطاه الله النبوة و هو في الجب و البشارة بالنجاة و الملك « لتنبئنهم بأمرهم هذا » أي لتخبرنهم بقبيح فعلهم بعد هذا الوقت يريد ما ذكره سبحانه في آخر السورة من قوله « هل علمتم ما فعلتم بيوسف و أخيه » « و هم لا يشعرون » أنك يوسف و كان الوحي إليه كالوحي إلى سائر الأنبياء و قال مجاهد و قتادة أوحى الله إليه و نبأه و هو في الجب و كان فيما أوحي إليه أن اكتم حالك و اصبر على ما أصابك فإنك ستخبر إخوتك بما فعلوا بك في وقت لا يعرفونك و قيل يريدوهم لا يشعرون بأنه أوحي إليه و قيل إن معنى قوله « لتنبئنهم » لتجازينهم على فعلهم تقول العرب للرجل يتوعده بمجازاة سوء فعله لأنبئنك و لأعرفنك أي لأجازينك و قيل أراد بذلك أنهم لما دخلوا مصر عرفهم يوسف و هم له منكرون فأخذ الصاع و نقرة فطن فقال إن هذا الجام ليخبرني أنه كان لكم أخ من أبيكم ألقيتموه في الجب و بعتموه بثمن بخس فهذا معنى قوله « لتنبئنهم بأمرهم » هذا عن ابن عباس ثم بين سبحانه حالهم حين رجعوا إلى أبيهم فقال « و جاءوا أباهم » يعني و انقلب إخوة يوسف إلى أبيهم « عشاء » أي ليلا أو في آخر النهار ليلبسوا على أبيهم و ليكونوا أجرأ على الاعتذار
مجمع البيان ج : 5 ص : 333
« يبكون » و إنما أظهروا البكاء ليوهموا أنهم صادقون و في هذا دلالة على أن البكاء لا يوجب صدق دعوى الباكي في دعواه قال السدي لما سمع بكاءهم فزع فقال ما بالكم « قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق » أي نشتد و نعدو على الإقدام لننظر أينا أعدى و أسبق لصاحبه عن الجبائي و السدي و قيل معناه ننتصل و نترامى فننظر أي السهام أسبق إلى الغرض عن الزجاج و في قراءة عبد الله نتصل « و تركنا يوسف عند متاعنا » أي تركناه عند الرحل ليحفظه « فأكله الذئب و ما أنت بمؤمن لنا » أي ما أنت بمصدق لنا « و لو كنا صادقين » جواب لو محذوف أي و لو كنا صادقين ما صدقتنا لاتهامك لنا في أمر يوسف و دل الكلام عليه و لم يصفوه بأنه لا يصدق الصادق لأن المعنى لا يصدقهم لاتهامه لهم و سوء ظنه بهم لما ظهر له من أمارات حسدهم ليوسف و شدة محبته ليوسف « و جاءوا على قميصه بدم كذب » معناه أن إخوة يوسف جاءوا أباهم و معهم قميص يوسف ملطخا بدم فقالوا له هذا دم يوسف حين أكله الذئب و قيل أنهم ذبحوا سخلة و جعلوا دمها على قميصه عن ابن عباس و مجاهد و قيل ظبيا و لم يمزقوا ثوبه و لم يخطر ببالهم أن الذئب إذا أكل إنسانا فإنه يمزق ثوبه و قيل إن يعقوب قال لهم أروني القميص فأروه إياه فقال لهم لما رأى القميص صحيحا يا بني و الله ما عهدت كاليوم ذئبا أحلم من هذا أكل ابني و لم يمزق قميصه عن الحسن و روي أنه ألقى ثوبه على وجهه و قال يا يوسف لقد أكلك ذئب رحيم أكل لحمك و لم يشق قميصك و معنى قوله « بدم كذب » مكذوب عليه أو فيه كما يقال ماء سكب أي مسكوب و شراب صب أي مصبوب قال الشاعر :
تظل جيادهم نوحا عليهم
مقلدة أعنتها صفونا أراد نائحة عليهم و قيل أنه كان في قميص يوسف ثلاث آيات حين قد من دبر و حين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرا و حين جاءوا عليه بدم كذب فتنبه يعقوب على أن الذئب لو أكله لمزق قميصه عن الشعبي و قيل أنه لما قال لهم يعقوب ذلك قالوا بل قتله اللصوص فقال (عليه السلام) فكيف قتلوه و تركوا قميصه و هم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله « قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا » أي قال يعقوب لهم إذا اتهمهم في يوسف لم يأكله الذئب و لم يقتله اللصوص و لكن زينت لكم أنفسكم أمرا علمتموه عن قتادة و قيل سهل بعضكم لبعض أمرا في يوسف غير الذي فعلتموه حتى سهل عليكم فقتلتموه عن أبي مسلم و الجبائي و إنما رد يعقوب
مجمع البيان ج : 5 ص : 334
عليهم بوحي من الله عز اسمه و قيل كان ذلك حدسا بصائب رأيه و صادق ذهنه « فصبر جميل » أي فصبري صبر جميل لا جزع فيه و لا شكوى إلى الناس و قيل فصبر جميل أحسن و أولى من الجزع الذي لا يغني شيئا و قيل إنما يكون الصبر جميلا إذا قصد به وجه الله تعالى و فعل للوجه الذي وجب فلما كان الصبر في هذا الموضع واقعا على الوجه المحمود صح وصفه بذلك ذكره المرتضى قدس الله روحه و قيل إن البلاء نزل بيعقوب على كبره و بيوسف على صغره بلا ذنب كان منهما فأكب يعقوب على حزنه و انطلق يوسف في رقة و كل ذلك بعين الله يرى و يسمع حتى أتي بالمخرج و كل ذلك امتحان « و الله المستعان على ما تصفون » أي بالله أستعين على دفع ما تصفون أو به أستعين على تحمل مرارة الصبر عليه و مكث يوسف في الجب ثلاثة أيام .
وَ جَاءَت سيَّارَةٌ فَأَرْسلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قَالَ يَبُشرَى هَذَا غُلَمٌ وَ أَسرُّوهُ بِضعَةً وَ اللَّهُ عَلِيمُ بِمَا يَعْمَلُونَ(19) وَ شرَوْهُ بِثَمَنِ بخْس دَرَهِمَ مَعْدُودَة وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزَّهِدِينَ(20)

القراءة

قرأ أهل الكوفة « يا بشرى » بألف بغير ياء إلا أن حمزة و الكسائي و خلف يميلون الراء و عاصم لا يميل و الباقون يا بشراي بإثبات الياء و إثبات الألف و في الشواذ قراءة الجحدري و ابن أبي إسحاق و الحسن يا بشرى .

الحجة

قال أبو علي من قرأ يا بشراي فأضاف إلى الياء التي للمتكلم كان للألف التي هي حرف الإعراب عنده موضعان من وجهين ( أحدهما ) أن الألف في موضع نصب من حيث كان نداء مضافا ( و الآخر ) أن يكون في موضع كسر من حيث كان بمنزلة حرف الإعراب الذي في غلامي و الدليل على استحقاقها لهذا الموضع قولهم كسرت في فلو لا أن حرف الإعراب الذي ولي ياء الإضافة في موضع كسر ما كسرت الفاء من في فلما كسرت كما كسرت من قولهم بفيك و كما فتحت من قولهم رأيت فاك لما كانت في موضع الفتحة التي في قولك رأيت غلامك و انضمت في قولك هذا فوك لاتباعه الضمة المقدرة فيها كالتي في قولك هذا غلامك كذلك كسرت في قولهم كسرت في و هذا يدلك على أنه ليس يعرب من مكانين أ لا ترى أنها تبعت حركة غير الإعراب في قولك كسرت في يا هذا كما تبعت
مجمع البيان ج : 5 ص : 335
حركة الإعراب في رأيت فاك و من قال « يا بشرى » احتمل وجهين ( أحدهما ) أن يكون في موضع ضم مثل يا رجل لاختصاصه بالنداء ( و الآخر ) أن يكون في موضع نصب و ذلك لأنك أشعت النداء و لم تختص به كما فعلت في الوجه الأول فصار كقوله يا حسرة على العباد إلا أن التنوين لم يلحق « بشرى » لأنها لا تنصرف فأما من قرأ يا بشرى فإن تلك لغة هذيل قال أبو ذؤيب :
سبقوا هوي و أعنقوا لسبيلهم
فتخرموا و لكل جنب مهجع و قال آخر :
يطوف بي عكب في معد
و يطعن بالصملة في قفيا
فإن لم تثأرا لي من عكب
فلا رويتما أبدا صديا و أمثاله كثيرة .

اللغة

الوارد الذي يتقدم الرفقة إلى الماء ليسقي و تقول أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر لتملأها و دلوتها إذا أخرجتها ملأى و البضاعة قطعة من المال تجعل للتجارة من بضعت الشيء إذا قطعته و منه المبضع لأنه يبضع به العرق و الشري البيع قال الشاعر :
و شريت بردا ليتني
من بعد برد كنت هامة و الثمن بدل الشيء من العين أو الورق و يقال في غيرهما أيضا مجازا و البخس النقص من الحق يقال بخسه في الكيل أو الوزن إذا نقصه من حقه فيهما .

الإعراب

قال الزجاج معنى النداء في « يا بشرى » و ما في معناها مما لا يجب و لا يعقل فإنه على تنبيه المخاطبين و توكيد القصة إذا قلت يا عجباه فكأنك قلت أعجبوا يا أيها العجب هذا من حينك و كذلك إذا قلت يا بشرى فكأنك قلت أبشروا يا أيتها البشرى هذا من إبانك و بضاعة منصوب على الحال و تقديره و أسروه جاعليه بضاعة و دراهم في موضع جر بأنه بدل
مجمع البيان ج : 5 ص : 336
من ثمن و معدودة صفة الدراهم و « كانوا فيه من الزاهدين » فيه ليست من صلة الزاهدين و المعنى و كانوا من الزاهدين ثم بين في أي شيء زهدوا فقال فيه فكأنه قال زهدوا فيه و هذا في الظروف جائز و لا يجوز ذلك في المفعولات لو قلت كنت زيدا من الضاربين لم يجز لأن زيدا من صلة الضاربين و لا تتقدم الصلة على الموصول .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن حال يوسف بعد إلقائه في الجب فقال « و جاءت سيارة » أي جماعة مارة قالوا و إنما جاءت من قبل مدين يريدون مصر فأخطأوا الطريق فانطلقوا يهيمون على غير الطريق حتى نزلوا قريبا من الجب و كان الجب في قفرة بعيدة عن العمران و إنما هو للرعاة و المجتازة و كان ماؤه ملحا فعذب و قيل كان الجب بظهر الطريق « فأرسلوا واردهم » أي فبعثوا من يطلب لهم الماء يقال بعثوا رجلا يقال له مالك بن زعر ليطلب لهم الماء « فأدلى دلوه » أي أرسل دلوه في البئر ليستقي فتعلق يوسف (عليه السلام) بالحبل فلما خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون من الغلمان قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أعطي يوسف شطر الحسن و النصف الآخر لسائر الناس و قال كعب الأحبار و كان يوسف حسن الوجه جعد الشعر ضخم العين مستوي الخلق أبيض اللون غليظ الساقين و العضدين خميص البطن صغير السرة و كان إذا تبسم رأيت النور في ضواحكه و إذا تكلم رأيت في كلامه شعاع النور يلتهب عن ثناياه و لا يستطيع أحد وصفه و كان حسنه كضوء النهار عند الليل و كان يشبه آدم (عليه السلام) يوم خلقه الله عز و جل و صوره و نفخ فيه من روحه قبل أن يصيب المعصية و يقال أنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة و كانت قد أعطيت سدس الحسن فلما رآه المدلي « قال يا بشرى هذا غلام » عن قتادة و السدي و قيل أنه نظر في البئر لما ثقل عليه الدلو فرأى يوسف (عليه السلام) فقال هذا غلام فأخرجوه عن الجبائي و قيل أن بشرى رجل من أصحابه ناداه عن السدي « و أسروه بضاعة » أي و أسر يوسف الذين وجدوه من رفقائهم من التجار مخافة أن يطلبوا منهم الشركة معهم في يوسف فقالوا هذا بضاعة لأهل الماء دفعوه إلينا لنبيعه لهم عن مجاهد و السدي و قيل معناه و أسر إخوته يكتمون أنه أخوهم فقالوا هو عبد لنا قد أبق و اختفى منا في هذا الموضع و قالوا له بالعبرانية لئن قلت أنا أخوهم قتلناك فتابعهم على ذلك لئلا يقتلوه عن ابن عباس « و الله عليم بما يعملون » أي بما يعمل إخوة يوسف « و شروه بثمن بخس » أي باعوه بثمن ناقص قليل عن عكرمة و الشعبي و قيل حرام لأن ثمن الحر حرام عن الضحاك و مقاتل و السدي و سمي الحرام بخسا لأنه لا بركة فيه فهو منقوص البركة « دراهم معدودة » أي قليلة و ذكر العدد عبارة عن القلة و قيل أنهم كانوا لا يزنون من الدراهم ما دون
 

Back Index Next