جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج5 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 5 ص : 377
في قراءة عبد الله نكتل بالنون و كان النون لقولهم منع منا الكيل لغيبة أخينا فأرسله نكتل ما منعناه لغيبته و وجه الياء أنه يكتل حمله كما نكتال نحن أحمالنا و وجه من قرأ خير حفظا أنه قد ثبت من قوله و نحفظ أخانا و قوله « و إنا له لحافظون » أنهم قد أضافوا إلى أنفسهم حفظا فالمعنى على الحفظ الذي نسبوه إلى أنفسهم و إن كان منهم تفريط في حفظهم ليوسف كما أن قوله أين شركائي لم يثبت لله شريكا و إنما المعنى على الشركاء الذين نسبتموهم إلي فكذلك المعنى على الحفظ الذي نسبوه إلى أنفسهم و إن كان منهم تفريط فيه فإذا كان كذلك كان المعنى فالله خير حفظا من حفظكم الذي نسبتموه إلى أنفسكم و إن كان منكم فيه تفريط و إضافة خير إلى حفظ محال و لكن تقول حفظ الله خير من حفظكم و من قرأ « حافظا » فيكون حافظا منتصبا على التمييز دون الحال كما كان حفظا كذلك و لا يستحيل الإضافة في فالله خير حافظ و خير الحافظين كما يستحيل في خير حفظا فإن قلت فهل كان ثم حافظ كما ثبت أنه كان حفظ لما قدمته فالقول أنه قد ثبت أنه كان ثم حافظ لقوله « و إنا له لحافظون » و لقوله يحفظونه من أمر الله فتقول حافظ الله خير من حافظكم كما كان حفظ الله خير من حفظكم لأن الله سبحانه حافظه كما أن له حفظا فحافظه خير من حافظكم كما كان حفظه خيرا من حفظكم و تقول هو أحفظ حافظ كما تقول هو أرحم راحم لأنه سبحانه من الحافظين كما كان من الراحمين و أما قوله « ردت » فإن فعل من المضاعف و المعتل العين يجيء على ثلاثة أوجه عندهم لغة فاشية و أخرى تليها و ثالثها قليلة فأقوى اللغات في المضاعف ضم أوله كشد و عد و رد ثم يليه الإشمام و هو بين ضم الأول و كسره ثم قوله شد و رد بإخلاص الكسرة و هو الأقل و أقوى اللغات في المعتل العين كسر أوله نحو قيل و بيع ثم يليه الإشمام بين الضمة و الكسرة و الثالثة إخلاص الضمة نحو قول و بوع و أنشد لذي الرمة :
دنا البين من مي فردت جمالها
و هاج الهوى تقويضها و احتمالها .

اللغة

يقال كلت فلانا أي أعطيته الشيء كيلا و اكتلت عليه أخذت منه و الأمن اطمئنان القلب إلى سلامة الأمر يقال أمنه يأمنه أمنا و الميرة الأطعمة التي تحمل من بلد إلى بلد و يقال مرتهم أميرهم ميرا إذا أتيتهم بالميرة و مثله امترتهم امتيارا قال :
بعثتك مائرا فمكثت حولا
متى يأتي غياثك من يغيث .

الإعراب

قال الزجاج حفظا منصوب على التمييز و « حافظا » على الحال و يجوز أن
مجمع البيان ج : 5 ص : 378
يكون « حافظا » على التمييز و ما في قوله « ما نبغي » استفهام موضعه نصب و المعنى أي شيء تريد و يكون المراد به الجحد و يجوز أن يكون ما أيضا نفيا كأنهم قالوا ما نبغ شيئا و موضع أن يحاط بكم نصب و المعنى إلا الإحاطة بكم أي تمتنوا من الإتيان به إلا لهذا و هذا يسمى مفعولا له قال الزجاج و إلا هذه بمعنى تحقيق الجزاء تقول ما تأتينا إلا لأخذ الدراهم و إلا أن تأخذ الدراهم .

المعنى

« فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل » قيل أنهم لما دخلوا على يعقوب و سلموا عليه سلاما ضعيفا فقال لهم يا بني ما لكم تسلمون سلاما ضعيفا و ما لي لا أسمع فيكم صوت شمعون فقالوا يا أبانا إنا جئناك من عند أعظم الناس ملكا و لم ير الناس مثله حكما و علما و خشوعا و سكينة و وقارا و لئن كان لك شبيه فإنه يشبهك و لكنا أهل بيت خلقنا للبلاء إنه اتهمنا و زعم أنه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بابن يامين برسالة منك إليه ليخبره من حزنك و ما الذي أحزنك و عن سرعة الشيب إليك و ذهاب بصرك و قوله « منع منا الكيل » معناه منع منا فيما يستقبل إن لم نأته بأخينا لقوله فلا كيل لكم عندي « فأرسل معنا أخانا » ابن يامين « نكتل » أي نأخذ الطعام بالكيل إن أرسلته اكتلنا و إلا فمنعنا الكيل و من قرأ يكتل بالياء فالمعنى يأخذ أخونا ابن يامين وقر بعير يكتال له « و إنا له لحافظون » من أن يصيبه سوء و مكروه « قال » يعقوب « هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل » أي لا آمنكم على ابن يامين في الذهاب به إلا كامني على يوسف ضمنتم لي حفظه ثم ضيعتموه أو أهلكتموه أو غيبتموه عني و إنما قرعهم بحديث يوسف و إلا فقد كان يعلم أنهم في هذه الحال لا يفعلون ما لا يجوز « فالله خير حافظا » أي حفظ الله خير من حفظكم « و هو أرحم الراحمين » يرحم ضعفي و كبر سني و يرده علي و ورد في الخبر أن الله سبحانه قال فبعزتي لأردنهما إليك من بعد ما توكلت علي « و لما فتحوا متاعهم » يعني أوعية الطعام « وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي » أي ما نطلب في منع أخينا عنه و قيل معناه ما نطلب بما أخبرناك عن ملك مصر الكذب و قيل معناه أي شيء نطلب وراء هذا أوفى لنا الكيل ورد علينا الثمن عن قتادة و أراد أن تطيب نفس يعقوب فيبعث ابنه معهم و تم الكلام ثم قالوا ابتداء « هذه بضاعتنا ردت إلينا » أي فلا ينبغي أن نخاف على أخينا ممن قد أحسن إلينا هذا الإحسان و قيل المراد ما نريد منك دراهم تعطيناها نرجع بها إليه بل تكفينا في الرجوع إليه بضاعتنا هذه فإن الملك إذا فعلنا ما أمرنا به في أخينا يفي بما وعدنا و أرسله معنا « و نمير أهلنا » أي نجلب إليهم الطعام « و نحفظ أخانا » في السفر حتى نرده إليك
مجمع البيان ج : 5 ص : 379
« و نزداد كيل بعير » لأجله لأنه كان يكال لكل رجل وقر بعير « ذلك كيل يسير » أي ذلك كيل سهل أي يسهل على الذي يمضي إليه عن الزجاج و المعنى أنه هين على الملك لا يصعب عليه و لا يظهر في ماله و قيل معناه إن الذي جئناك به كيل قليل لا يقنعنا فنحتاج أن نضيف إليه كيل بعير أخينا عن الجبائي و قيل يسير على من يكتاله لا مئونة فيه و لا مشقة عن الحسن و هذا كله تنبيه منهم على وجه الصواب في إرساله معهم فلما رأى يعقوب (عليه السلام) رده البضاعة و تحقق عنه إكرام الملك إياهم و عزم على إرسال ابن يامين معهم « قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله » أي تعطونني ما يوثق به من يمين أو عهد من الله « لتأتنني به » أي لتردنه إلى قال ابن عباس يعني حق تحلفوا لي بحق محمد خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلّم) و سيد المرسلين أي لا تغدروا بأخيكم و لتأتنني به اللام فيه لجواب القسم « إلا أن يحاط بكم » أي إلا أن تهلكوا جميعا عن مجاهد و قيل إلا أن تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك عن قتادة و المعنى إلا أن يحال بينكم و بينه حتى لا تقدروا على الإتيان به عن الزجاج « فلما آتوه موثقهم » أي أعطوه عهودهم و حلفوا له بحق محمد و منزلته من ربه عن ابن عباس « قال » يعقوب « الله على ما نقول وكيل » أي شاهد حافظ إن أخلفتم انتصف لي منكم و في هذا دلالة على وجوب التوكل على الله سبحانه في جميع المهمات و التفويض إليه في كل الأمور و فيها دلالة أيضا على أن يعقوب (عليه السلام) إنما أرسل ابن يامين معهم لأنه علم أنهم لما كبروا ندموا على ما كان فرط منهم في أمر يوسف و لم يصروا على ذلك و لهذا وثق بهم و إنما عيرهم بحديث يوسف حثا لهم على حفظ أخيهم .
وَ قَالَ يَبَنىَّ لا تَدْخُلُوا مِن بَاب وَحِد وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوَب مُّتَفَرِّقَة وَ مَا أُغْنى عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شىْء إِنِ الحُْكْمُ إِلا للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكلْت وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُتَوَكلُونَ(67) وَ لَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْث أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كانَ يُغْنى عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شىْء إِلا حَاجَةً فى نَفْسِ يَعْقُوب قَضاهَا وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْم لِّمَا عَلَّمْنَهُ وَ لَكِنَّ أَكثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(68)

مجمع البيان ج : 5 ص : 380

اللغة

الغنى الكفاية في المال لأنه اكتفى به و ربما مد لضرورة الشعر و الغناء بكسر الغين المد من الصوت يقال منه غني يغني غناء و الغناء بالفتح و المد الكفاية و غني عن كذا فهو غان و غني القوم في دراهم أقاموا و المغاني المنازل لأنهم اكتفوا بها و الغانية المرأة لأنها تكتفي بزوجها عن غيره أو بجمالها عن التزين .

المعنى

« و » لما تجهزوا للمسير « قال » يعقوب « يا بني لا تدخلوا » مصر « من باب واحد و ادخلوا من أبواب متفرقة » خاف عليهم العين لأنهم كانوا ذوي الجمال و هيئة و كمال و هم إخوة أولاد رجل واحد عن ابن عباس و الحسن و قتادة و الضحاك و السدي و أبي مسلم و قيل خاف عليهم حسد الناس إياهم و إن يبلغ الملك قوتهم و بطشهم فيحبسهم أو يقتلهم خوفا على ملكه عن الجبائي و أنكر العين و ذكر أنه لم يثبت بحجة و جوزه كثير من المحققين و رووا فيه الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن العين حق و العين تستنزل الحالق و الحالق المكان المرتفع من الجبل و غيره فجعل (عليه السلام) العين كأنها تحط ذروة الجبل من قوة أخذها و شدة بطشها و ورد في الخبر أنه (عليه السلام) كان يعوذ الحسن و الحسين (عليهماالسلام) بأن يقول أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان و هامة و من كل عين لأمة و روي أن إبراهيم (عليه السلام) عوذ ابنيه و إن موسى عوذ ابني هارون بهذه العوذة و روي أن بني جعفر بن أبي طالب كانوا غلمانا بيضا فقالت أسماء بنت عميس يا رسول الله إن العين إليهم سريعة أ فأسترقي لهم من العين فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) نعم و روي أن جبرائيل (عليه السلام) رقى رسول الله و علمه الرقية و هي بسم الله أرقيك من كل عين حاسد الله يشفيك و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لو كان يسبق القدر لسبقته العين ثم اختلفوا في وجه الإصابة بالعين فروي عن عمرو بن بحر الجاحظ أنه قال لا ينكر أن ينفصل من العين الصائبة إلى الشيء المستحسن أجزاء لطيفة فتتصل به و تؤثر فيه فيكون هذا المعنى خاصية في بعض الأعين كالخواص في الأشياء و قد اعترض على ذلك بأنه لو كان كذلك لما اختص ذلك ببعض الأشياء دون بعض و لأن الأجزاء تكون جواهر و الجواهر متماثلة و لا يؤثر بعضها في بعض و قال أبو هاشم أنه فعل الله بالعادة لضرب من المصلحة و هو قول القاضي و رأيت في شرح هذا للشريف الأجل الرضي الموسوي قدس الله روحه كلاما أحببت إيراده في هذا الموضع قال إن الله تعالى يفعل المصالح بعباده على حسب ما يعلمه من الصلاح لهم في تلك الأفعال التي يفعلها فغير ممتنع أن يكون تغييره نعمة زيد مصلحة لعمرو و إذا كان يعلم من حال عمرو أنه لو لم يسلب زيدا نعمته أقبل على الدنيا بوجهه و نأى عن الآخرة بعطفه و إذا
مجمع البيان ج : 5 ص : 381
سلب نعمة زيد للعلة التي ذكرناها عوضه فيها و أعطاه بدلا منها عاجلا أو آجلا فيمكن أن يتأول قوله (عليه السلام) العين حق على هذا الوجه على أنه قد روي عنه (عليه السلام) ما يدل على أن الشيء إذا عظم في صدور العباد وضع الله قدره و صغر أمره و إذا كان الأمر على هذا فلا ينكر تغيير حال بعض الأشياء عند نظر بعض الناظرين إليه و استحسانه له و عظمه في صدره و فخامته في عينه كما روي أنه قال لما سبقت ناقته العضباء و كانت إذا سوبق بها لم تسبق ما رفع العباد من شيء إلا وضع الله منه و يجوز أن يكون ما أمر به المستحسن للشيء عند رؤيته من تعويذه بالله و الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قائما في المصلحة مقام تغيير حالة الشيء المستحسن فلا يغير عند ذلك لأن الرائي لذلك قد أظهر الرجوع إلى الله تعالى و الإعاذة به فكأنه غير راكن إلى الدنيا و لا مغتر بها انتهى كلامه رضي الله عنه « و ما أغني عنكم من الله من شيء » أي و ما أدفع من قضاء الله من شيء أن كان قد قضي عليكم الإصابة بالعين أو غير ذلك « إن الحكم إلا لله عليه توكلت » فهو القادر على أن يحفظكم من العين أو من الحسد و يردكم علي سالمين « و عليه فليتوكل المتوكلون » أي و ليفوضوا أمورهم إليه و ليثقوا به « و لما دخلوا » مصر « من حيث أمرهم أبوهم » أي من أبواب متفرقة كما أمرهم يعقوب و قيل كان لمصر أربعة أبواب فدخلوها من أبوابها الأربعة متفرقين « ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها » أي لم يكن دخولهم مصر كذلك يغني عنهم أو يدفع عنهم شيئا أراد الله تعالى إيقاعه بهم من حسد أو إصابة عين و هو (عليه السلام) كان عالما أنه لا ينفع حذر من قدر و لكن كان ما قاله لبنيه حاجة في قلبه فقضى يعقوب تلك الحاجة أي أزال به اضطراب قلبه لأن لا يحال على العين مكروه يصيبهم و قيل معناه أن العين لو قدر أن تصيبهم لأصابتهم و هم متفرقون كما تصيبهم مجتمعين عن الزجاج قال و حاجة استثناء ليس من الأول بمعنى لكن حاجة « و إنه لذو علم » أي ذو يقين و معرفة بالله « لما علمناه » أي لأجل تعليمنا إياه عن مجاهد مدحه الله سبحانه بالعلم و المعنى أنه حصل له العلم بتعليمنا إياه و قيل و أنه لذو علم لما علمناه أي يعلم ما علمناه فيعمل به لأن من علم شيئا و لا يعمل به كان كمن لا يعلم فعلى هذا يكون اللام في قوله « لما علمناه » كاللام في قوله « للرؤيا تعبرون » « و لكن أكثر الناس لا يعلمون » مرتبة يعقوب في العلم عن الجبائي و قيل لا يعلم المشركون ما ألهم الله أولياءه عن ابن عباس .

مجمع البيان ج : 5 ص : 382
وَ لَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسف ءَاوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنى أَنَا أَخُوك فَلا تَبْتَئس بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ(69) فَلَمَّا جَهَّزَهُم بجَهَازِهِمْ جَعَلَ السقَايَةَ فى رَحْلِ أَخِيهِ ثمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسرِقُونَ(70) قَالُوا وَ أَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّا ذَا تَفْقِدُونَ(71) قَالُوا نَفْقِدُ صوَاعَ الْمَلِكِ وَ لِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ(72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فى الأَرْضِ وَ مَا كُنَّا سرِقِينَ(73) قَالُوا فَمَا جَزؤُهُ إِن كُنتُمْ كذِبِينَ(74) قَالُوا جَزؤُهُ مَن وُجِدَ فى رَحْلِهِ فَهُوَ جَزؤُهُ كَذَلِك نجْزِى الظلِمِينَ(75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثمَّ استَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِك كِدْنَا لِيُوسف مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فى دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَن يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَت مَّن نَّشاءُ وَ فَوْقَ كلِّ ذِى عِلْم عَلِيمٌ(76)

القراءة

في الشواذ قراءة أبي رجاء صواع الملك بفتح الصاد و قراءة أبي عبد الله بن عوف صوع بضم الصاد بغير ألف و قراءة يحيى بن يعمر صوغ بفتح الصاد و الغين معجمة و قراءة أبي هريرة و مجاهد بخلاف صاع الملك و القراءة المشهورة « صواع الملك » و قراءة الحسن من وعاء أخيه بضم الواو و قراءة سعيد بن جبير إعاء أخيه بالهمزة و قرأ يعقوب و سهل يرفع و يشاء بالياء و الباقون بالنون و قرأ أهل الكوفة درجات بالتنوين و الباقون بغير تنوين و في الشواذ قراءة ابن مسعود فوق كل ذي عالم عليم .
] الحجة [ الصواع و الصاع و الصوع واحد و هو مكيال و أما الصوع فمصدر وضع موضع اسم المفعول أي المصوع و هو مثل الخلق و الصيد بمعنى المخلوق و المصيد و من قرأ إعاء فأصله وعاء أبدلت الواو المكسورة همزة كما قالوا في وسادة إسادة و في وجاح للستر أجاح و من قرأ وعاء بالضم فإنه يكون لغة و الهمزة فيه أقيس كما قالوا أعد في وعدوا
مجمع البيان ج : 5 ص : 383
وجوه في وجوه و من قرأ « درجات » بالتنوين فإن من يكون في موضع نصب على معنى نرفع من نشاء درجات و من قرأها بغير تنوين فإن من يكون في موضع جر بالإضافة و قال ابن جني إن قراءة من قرأ و فوق كل ذي عالم عليم يحتمل ثلاثة أوجه أحدها أن يكون من باب إضافة المسمى إلى الاسم أي و فوق كل شخص يسمى عالما أو يقال له عالم عليم مثل قول الكميت :
إليكم ذوي آل النبي تطلعت
نوازع من قلبي ظماء و ألبب أي إليكم يا آل النبي أي يا أصحاب هذا الاسم الذي هو آل النبي و عليه قول الأعشى :
فكذبوها بما قالت فصبحهم
ذو آل حسان يزجي الموت و الشرعا أي صبحهم الجيش الذي يقال له آل حسان و الوجه الثاني أن يكون عالم مصدرا كالباطل و غيره و الثالث أن يكون على مذهب من اعتقد زيادة ذي فكأنه قال و فوق كل عالم عليم .

اللغة

يقال أوى إلى منزله يأوي أويا إذا صار إليه و آويته أنا إيواء و الابتئاس الاغتمام و اجتلاب البؤس و الحزن و السقاية الإناء التي يسقى منها و هو من السقي و قيل السقاية و الصواع واحد و الأذان و التأذين واحد و هو النداء يسمع بالأذن و يقال أذنته بالشيء أي أعلمته و أذنته أكثرت إعلامه و العير القافلة من الحمير و قيل هو القافلة التي فيها الأجمال و الأصل للحمير ثم كثر فسمي كل قافلة عيرا و قيل العير الإبل السائرة المركوبة و الجمع عيران و الحمل بالكسر لما انفصل و بالفتح لما اتصل و جمعه أحمال و حمول و الزعيم و الكفيل و الضمين نظائر و الزعيم أيضا القائم بأمر القوم و هو الرئيس قالت ليلى الأخيلية :
حتى إذا رفع اللواء رأيته
تحت اللواء على الخميس زعيما .

الإعراب

« تالله » معناه و الله إلا أن التاء تختص باسم الله لا يجوز تالرحمن و تربي و هو بدل من الواو كما أبدل من الواو في تراث و تجاه و تخمة « قالوا جزاؤه من وجد في رحله » ذكر في إعرابه وجهان ( أحدهما ) أن يكون « جزاؤه » مبتدأ و « من وجد في رحله » الخبر و يكون المعنى
مجمع البيان ج : 5 ص : 384
جزاء السرق الإنسان الموجود في رحله السرق و يكون قوله « فهو جزاؤه » جملة أخرى ذكرت زيادة في الإبانة كما يقال جزاء السارق القطع فهو جزاؤه زيادة في البيان و على هذا تكون من موصولة و يكون تقديره استرقاق الذي وجد في رحله السرق فحذف المضاف ( و الآخر ) أن يكون جزاؤه مبتدأ و « من وجد في رحله فهو جزاؤه » جملة شرطية في موضع الخبر و العائد على المبتدأ الأول من الجملة الأولى « جزاؤه » من قوله « فهو جزاؤه » فكأنه قال فهو هو أي فهو الجزاء و الإظهار هاهنا أحسن لئلا يقع في الكلام لبس قال الزجاج إن العرب إذا فخمت أمر الشيء جعلت العائدة إليه إعادة اللفظ بعينه و أنشد :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
نغص الموت ذا الغنى و الفقيرا و على هذا فيكون المعنى قالوا جزاء السرق إن وجد في رحل رجل منا فالموجود في رحله السرق جزاؤه استرقاق و قال صاحب الكشف تقديره جزاء المسروق من وجد في رحله أي إنسان وجد الصاع في رحله فمن نكرة و هو مبتدأ ثان و قوله « وجد في رحله » صفة لمن و قوله « فهو جزاؤه » خبر لمن و الجملة خبر قوله « جزاؤه » و التقدير جزاؤه إنسان وجد في رحله الصاع فهو هو إلا أنه وضع الظاهر موضع المضمر قال و ليس في التنزيل من نكرة إلا في هذا الموضع و موضع الكاف من « كذلك كدنا » نصب بأنه صفة مصدر محذوف و موضع « أن يشاء الله » نصب لما سقطت الباء أفضى الفعل إليها فنصب و التقدير إلا بمشيئة الله .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن دخولهم عليه فقال « و لما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه » أي لما دخل أولاد يعقوب على يوسف ضم إليه أخاه من أبيه و أمه ابن يامين و أنزله معه عن الحسن و قتادة و قيل أنهم لما دخلوا عليه قالوا هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به فقال أحسنتم ثم أنزلهم و أكرمهم ثم أضافهم و قال ليجلس كل بني أم على مائدة فجلسوا فبقي ابن يامين قائما فردا فقال له يوسف ما لك لا تجلس قال إنك قلت ليجلس كل بني أم على مائدة و ليس لي فيهم ابن أم فقال يوسف أ فما كان لك ابن أم قال بلى قال يوسف فما فعل قال زعم هؤلاء أن الذئب أكله قال فلما بلغ من حزنك عليه قال ولد لي أحد عشر ابنا كلهم اشتققت له اسما من اسمه فقال له يوسف أراك قد عانقت النساء و شممت الولد من بعده قال ابن يامين إن لي أبا صالحا و قد قال لي تزوج لعل الله يخرج منك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح فقال له يوسف تعال فاجلس معي على مائدتي فقال إخوة يوسف لقد فضل الله يوسف و أخاه حتى أن الملك قد أجلسه معه على مائدته روي ذلك عن الصادق (عليه السلام) « قال إني أنا أخوك » أي أطلعه على أنه أخوه و قيل أنه قال أنا أخوك مكان أخيك الهالك و لم يعترف له بالنسبة و لم
مجمع البيان ج : 5 ص : 385
يطلعه على أنه أخوه و لكنه أراد أن يطيب نفسه « فلا تبتئس بما كانوا يعملون » أي فلا تسكن و لا تحزن لشيء سلف من إخوتك إليك عن وهب و السدي « فلما جهزهم بجهازهم » أي فلما أعطاهم ما جاءوا لطلبه من الميرة و كال لهم الطعام الذي جاءوا لأجله و جعل لكل منهم حمل بعير و يسمى حمل التاجر جهازا « جعل السقاية في رحل أخيه » معناه أمر حتى جعل الصاع في متاع أخيه و إنما أضاف الله تعالى ذلك إليه لوقوعه بأمره و قيل إن السقاية هي المشربة التي كان يشرب منها الملك ثم جعل صاعا في السنين الشداد القحاط يكال به الطعام و قيل كان من ذهب عن ابن زيد و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل كان من فضة و ذهب عن ابن عباس و الحسن و قيل كان من فضة مرصعة بالجواهر عن عكرمة ثم ارتحلوا و انطلقوا « ثم أذن مؤذن » أي نادى مناد مسمعا معلما « أيتها العير » أي القافلة و التقدير يا أهل العير و قيل كانت القافلة من الحمير عن مجاهد « إنكم لسارقون » قيل إنما قال ذلك بعض من فقد الصاع من قوم يوسف من غير أمره و لم يعلم بما أمر به يوسف من جعل الصاع في رحالهم عن الجبائي و قيل إن يوسف أمر المنادي بأن ينادي به و لم يرد به سرقة الصاع و إنما عنى به إنكم سرقتم يوسف عن أبيه و ألقيتموه في الجب عن أبي مسلم و قيل إن الكلام يجوز أن يكون خارجا مخرج الاستفهام كأنه قال أ إنكم لسارقون فأسقط همزة الاستفهام كما في قول الشاعر :
كذبتك عينك أم رأيت بواسط
غلس الظلام من الرباب خيالا .
و يؤيده ما روى هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال ما سرقوا و لا كذب و متى قيل كيف جاز ليوسف (عليه السلام) أن يحزن والده و إخوته بهذا الصنيع و يجعلهم متهمين بالسرقة فالجواب إن الغرض فيه التسبب إلى احتباس أخيه عنده و يجوز أن يكون ذلك بأمر الله تعالى و روي أنه أعلم أخاه بذلك ليجعله طريقا إلى التمسك به و إذا كان إدخال هذا الحزن سببا مؤديا إلى إزالة غموم كثيرة عن الجميع و لا شك أنه يتعلق به المصلحة فقد ثبت جوازه فأما التعريض للتهمة بالسرقة فغير صحيح لأن وجود السقاية في رحله يحتمل أمورا كثيرة غير السرقة فعلى هذا من حمله على السرقة مع علمه بأنهم أولاد الأنبياء توجهت اللائمة عليه « قالوا » أي قال أصحاب العير « و أقبلوا عليهم » أي على أصحاب يوسف « ما ذا تفقدون » أي ما الذي فقدتموه من متاعكم « قالوا نفقد صواع الملك » أي صاعه
مجمع البيان ج : 5 ص : 386
و سقايته « و لمن جاء به حمل بعير » أي و قال المنادي من جاء بالصاع فله حمل بعير من الطعام « و أنا به زعيم » أي كفيل ضامن « قالوا » أي قال إخوة يوسف « تالله لقد علمتم » أيها القوم « ما جئنا لنفسد في الأرض و ما كنا سارقين » قط و إنما أضافوا العلم إليهم بذلك مع أنهم لم يعلموه لأن معنى هذا القول إنكم قد ظهر لكم من حسن سيرتنا و معاملتنا معكم مرة بعد أخرى ما تعلمون به أنه ليس من شأننا السرقة و قيل إنهم قالوا ذلك لأنهم ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم مخافة أن يكون قد وضع ذلك بغير إذن يوسف أي فإذا كنا تحرجنا عن هذا فقد علمتم أنا لا نسرق لأن من رد ما وجد لا يكون سارقا عن الكلبي و قيل إنهم لما دخلوا مصر وجدوهم قد شدوا أفواه دوابهم كي لا تتناول الحرث و الزرع و في هذا دلالة على أن ما فعله إخوة يوسف به إنما كان في حال الصغر و عدم كمال العقل لنفيهم عن أنفسهم الفساد الذي هو ضد الصلاح « قالوا فما جزاؤه » أي قال الذين نادوهم فما جزاء السرق « إن كنتم كاذبين » في قولكم إنا لم نسرق و ظهرت السرقة و قيل معناه فما جزاء من سرق « قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه » أي قال إخوة يوسف جزاء السرق السارق و هو الإنسان الذي وجد المسروق في رحله و قد بينا تقديره فيما قبل و معناه إن السنة في بني إسرائيل و عند الملك كان استرقاق السارق عن الحسن و السدي و ابن إسحاق و الجبائي و كان يسترق سنة و قيل كان حكم السارق في آل يعقوب أن يستخدم و يسترق على قدر سرقته و في دين الملك الضرب و الضمان عن الضحاك و قيل إن يوسف سألهم ما جزاء السارق عندكم فقالوا أن يؤخذ بسرقته « كذلك نجزي الظالمين » أي مثل ما ذكرنا من الجزاء نجزي السارقين يعني إذا سرق و استرق و قيل إن ذلك جواب يوسف (عليه السلام) لقول إخوته إن جزاء السارق استرقاقه « فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه » أي بدأ يوسف في التفتيش بأوعيتهم لإزالة التهمة « ثم استخرجها » يعني السقاية « من وعاء أخيه » و إنما بدأ بأوعيتهم لأنه لو بدأ بوعاء أخيه لعلموا أنه هو الذي جعلها فيه و إنما قال استخرجها لأنه أراد به السقاية و حيث قال و لمن جاء به أراد به الصاع و قيل إن الصاع يذكر و يؤنث قالوا فأقبلوا على ابن يامين و قالوا له فضحتنا و سودت وجوهنا متى أخذت هذا الصاع فقال وضع هذا الصاع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم « كذلك كدنا ليوسف » أي مثل ذلك الكيد أمرنا يوسف ليكيد بما يتهيأ له أن يحبس أخاه ليكون ذلك سببا لوصول خبره إلى أبيه أي ألهمنا يوسف هذا الكيد و الحيلة فجازيناهم على كيدهم بيوسف أي كما فعلوا في الابتداء فعلنا بهم و قيل إن معنى كدنا صنعنا ليوسف عن ابن عباس و قيل ألهمنا عن الربيع و قيل دبرنا ليوسف بدلالة قوله « و فوق كل ذي علم عليم » على أنه سبحانه علم من صلاح
مجمع البيان ج : 5 ص : 387
هذا التدبير ما لم يعلمه غيره عن القتيبي « ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله » أي ما كان يمكنه أن يأخذ أخاه في حكم الملك و قضائه و أن يحبسه إذ لم يكن ذلك من حكم ملك مصر و أهله عن قتادة و قيل في دين الملك في سلطانه عن ابن عباس و قيل في عادته في جزاء من سرق أن يستعبد و قيل إنه كان عادلا و لو لا هذه الحيلة لما كان يمكنه من أخذ أخيه إلا أن يشاء الله أن يجعل ليوسف عذرا فيما فعل و قيل إلا أن يشاء الله أن يأمره بذلك لأنه كان لا يمكنه أن يقول هذا أخي و كان لا يمكنه حبسه من غير حيلة لأنه كان يكون فعله ظلما و كان من سنة آل يعقوب أن يسترق و في حكم الملك و أهل مصر أن يضرب و يعزم و حبسه يوسف على قولهم و التزم حكمهم الذي جرى على لسانهم مبالغة في نفي السرقة عن أنفسهم و كان ذلك مراده و قد شاء الله لأنه بأمره عن الحسن و إنما سماه كيدا لأنه لو لا هذا السبب لم يتهيأ له أخذه و الكيد ما يفعله فاعله ليوصل به إلى غيره ضررا من حيث لا يعلمه أو لينال منه شيئا من غير أن يعلمه « نرفع درجات من نشاء » بالعلم و النبوة كما رفعنا درجة يوسف على إخوته و قيل بالتقوى و التوفيق و العصمة و الألطاف الجميلة « و فوق كل ذي علم عليم » يعني أن كل عالم فإن فوقه عالما أعلم منه حتى ينتهي إلى الله تعالى العالم بجميع المعلومات لذاته فيقف عليه و لا يتعداه و في هذا دلالة على بطلان قول من يقول إن الله سبحانه عالم بعلم قديم لأنه لو كان كذلك لكان فوقه عليم على ما يقتضيه الظاهر .

مجمع البيان ج : 5 ص : 388
* قَالُوا إِن يَسرِقْ فَقَدْ سرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسرَّهَا يُوسف فى نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِهَا لهَُمْ قَالَ أَنتُمْ شرُّ مَّكاناً وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ(77) قَالُوا يَأَيهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكانَهُ إِنَّا نَرَاك مِنَ الْمُحْسِنِينَ(78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلا مَن وَجَدْنَا مَتَعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذاً لَّظلِمُونَ(79) فَلَمَّا استَيْئَسوا مِنْهُ خَلَصوا نجِيًّا قَالَ كبِيرُهُمْ أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللَّهِ وَ مِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فى يُوسف فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْض حَتى يَأْذَنَ لى أَبى أَوْ يحْكُمَ اللَّهُ لى وَ هُوَ خَيرُ الحَْكِمِينَ(80)

اللغة

اليأس قطع الطمع من الأمر يقال يئس ييأس و أيس يأيس لغة و استفعل مثل استيئس و استأيس و روى أبو ربيعة عن البزي عن ابن كثير استيئسوا منه و استيئس الرسل و يئس و استيئس بمعنى مثل سخر و استسخر و عجب و استعجب و النجي القوم يتناجون الواحد و الجمع فيه سواء قال سبحانه « و قربناه نجيا » و إنما جاز ذلك لأنه مصدر وصف به و المناجاة المسارة و أصله من النجوة و هو المرتفع من الأرض فإنه رفع السر من كل واحد إلى صاحبه في خفية و النجوى يكون اسما و مصدرا قال سبحانه و إذ هم نجوى أي يتناجون و قال في المصدر إنما النجوى من الشيطان و جمع النجي أنجية قال :
إني إذا ما القوم كانوا أنجية و برح الرجل براحا إذا تنحى عن موضعه .

الإعراب

قوله « فأسرها يوسف في نفسه و لم يبدها لهم » قال الزجاج هذا إضمار على شريطة التفسير لأن قوله تعالى « أنتم شر مكانا » بدل من ها في أسرها و المعنى فأسرها يوسف في نفسه قوله « أنتم شر مكانا » قال أبو علي أن الإضمار على شريطة التفسير يكون على ضربين ( أحدهما ) أن يفسر بفرد نحو نعم رجلا زيد فقولك رجلا تفسير للرجل الذي هو فاعل نعم و قد أضمر ( و الآخر ) أن يفسر بجملة و أصل هذا يقع في الابتداء كقوله فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا و قل هو الله أحد المعنى القصة أبصار الذين كفروا شاخصة و الأمر الله أحد ثم تدخل عوامل المبتدأ عليه نحو كان و أخواتها و إن و أخواتها فينتقل هذا الضمير من الابتداء بها كما ينتقل سائر المبتدءات كقوله إنه من يأت ربه مجرما فإنها لا تعمى الأبصار و قول الشاعر :
و ليس منها شفاء الداء مبذول و الذي ذهب أبو إسحاق فيه إلى أنه مضمر على شريطة التفسير ليس بمبتدإ فيلزمه التفسير بالجملة أ لا ترى أنها فضلة مذكورة بعد فعل و فاعل و هو قوله أسر فإذا كان مباينا لما أصله المبتدأ لم يجز أن يفسر تفسيره و أيضا فإن المضمر على شريطة التفسير لا يكون إلا متعلقا بالجملة التي يفسرها و لا يكون منقطعا عنها و لا متعلقا بجملة غيرها و ما ذكره أبو إسحاق فالتفسير فيه منفصل عن الجملة التي فيها الضمير الذي
مجمع البيان ج : 5 ص : 389
زعم أنه إضمار على شريطة التفسير فخرج بذلك عما يكون عليه الإضمار قبل التفسير فإن قلت فعلى م تحمل الضمير في « أسرها » قلنا يحتمل أن يكون إضمارا للإجابة كأنهم لما قالوا « إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل » أسر يوسف إجابتهم في نفسه و لم يبدها لهم في الحال و جاز إضمار ذلك لأنه دل ما تقدم من مقالتهم عليه و جاز أن يكون إضمارا للمقالة كأنه أسر يوسف مقالتهم لأن القول و المقالة واحد و يكون معنى المقالة المقول كما أن الخلق عبارة عن المخلوق أي أكنها في نفسه و أوعاها و لم يطرحها إرادة للتوبيخ عليها و المجازاة بها انتهى تلخيص كلام أبي علي و قوله « شيخا » صفة الأب و الكبير صفة الشيخ و « معاذ الله » منصوب على المصدر و العرب تقول معاذ الله و معاذة الله و عوذنا الله و عوذة الله و عياذ الله و يقولون اللهم عائذا بك أي أدعوك عائذا بك و أن تأخذ في موضع نصب و المعنى أعوذ بالله من أخذ أحد إلا من وجدنا متاعنا عنده فلما سقطت من أفضى الفعل فنصب عن الزجاج و قوله « إنا إذا لظالمون » فيه معنى الجزاء أي إن أخذنا غيره فنحن ظالمون و نجيا نصب على الحال و ما في قوله « ما فرطتم » لغو أي و من قبل فرطتم و يجوز أن تكون مصدرية في موضع رفع بمعنى تفريطكم واقع من قبل فيكون « ما فرطتم في يوسف » في موضع رفع بالابتداء و من قبل خبره و يجوز أن يكون في موضع نصب عطفا على أن ، فيكون المعنى أ لم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا و تفريطكم في يوسف و يحكم عطف على يأذن و يجوز أن يكون بمعنى إلا أن أي لن أبرح الأرض إلا أن يحكم الله لي .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن إخوة يوسف أنهم « قالوا » ليوسف « إن يسرق » ابن يامين « فقد سرق أخ له » من أمه « من قبل » فليست سرقته بأمر بديع فإنه اقتدى بأخيه يوسف و اختلف فيما وصفوه به من السرقة على أقوال فقيل إن عمة يوسف كانت تحضنه بعد وفاة أمه و تحبه حبا شديدا فلما ترعرع أراد يعقوب أن يسترده منها و كانت أكبر ولد إسحاق و كانت عندها منطقة إسحاق و كانوا يتوارثونها بالكبر فاحتالت و جاءت بالمنطقة و شدتها على وسط يوسف و ادعت أنه سرقها و كان من سنتهم استرقاق السارق فحبسته بذلك السبب عندها عن ابن عباس و الضحاك و الجبائي و قد روي ذلك عن أئمتنا (عليهم السلام) و قيل إنه سرق صنما لجده من قبل أمه فكسره و ألقاه على الطريق عن سعيد بن جبير و قتادة و ابن زيد و قيل إنه سرق دجاجة كانت في بيت يعقوب أو بيضة فأعطاها سائلا فعيروه بها عن سفيان بن عيينة و مجاهد « فأسرها يوسف في نفسه » أي فأخفى يوسف تلك الكلمة التي قالوها « و لم يبدها لهم » أي لم يظهرها « قال أنتم شر مكانا » في السرق لأنكم سرقتم أخاكم من أبيكم « و الله
مجمع البيان ج : 5 ص : 390
أعلم بما تصفون » أي و الله أعلم أ سرق أخ له أم لا عن الزجاج و يكون المعنى أنتم أسوأ حالا من يوسف فإنه لم يكن له صنيع في المنطقة و كان يتصدق بإذن أبيه و لم تكونوا براء مما عاملتموه به و قيل معناه أنتم شر صنيعا بما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم و عقوق أبيكم فأنتم شر مكانا عند الله منه أي أسر هذه المقالة في نفسه ثم جهر بقوله « و الله أعلم بما تصفون » قال الحسن لم يكونوا أنبياء في ذلك الوقت و إنما أعطوا النبوة بعد ذلك و الصحيح عندنا أنهم لم يكونوا أنبياء لأن النبي عندنا لا يجوز أن يقع منه فعل القبيح أصلا و قال البلخي إنهم كذبوا في هذا القول و لم يصح أنهم كانوا أنبياء و جوز أن يكون الأسباط غيرهم أو أن يكونوا من أولادهم « قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه » أي بدلا عنه إنما قالوا هذا لما علموا أنه استحقه فسألوه أن يأخذ عنه بدلا شفقة على والدهم و رققوا في القول على وجه الاسترحام و معناه كبيرا في السن و قيل كبيرا في القدر لا يحبس ابن مثله « إنا نراك من المحسنين » إلى الناس و قيل من المحسنين إلينا في الكيل و رد البضاعة و في الضيافة و نحن نأمل هذا منك لإحسانك إلينا و قيل إن فعلت هذا فقد أحسنت إلينا فأجابهم يوسف بأن « قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده » أي أعوذ بالله أن آخذ البريء بجرم السقيم و قال من وجدنا متاعنا عنده و لم يقل من سرق تحرزا من الكذب « إنا إذا لظالمون » أي لو فعلنا ذلك لكنا ظالمين و في هذا دلالة على أن أخذ البريء بالمجرم ظلم و من فعله كان ظالما و الله يتعالى و يجل عن ذلك علوا كبيرا « فلما استيئسوا منه » أي فلما يئس إخوة يوسف من يوسف أن يجيبهم إلى ما سألوه من تخلية سبيل ابن يامين معهم « خلصوا نجيا » أي انفردوا عن الناس من غير أن يكون معهم من ليس منهم يتناجون فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم و يتدبرون في أنهم يرجعون أم يقيمون و تلخيصه اعتزلوا عن الناس متناجين و هذا من ألفاظ القرآن التي هي في الغاية القصوى من الفصاحة و الإيجاز في اللفظ مع كثرة المعنى « قال كبيرهم » و هو روبين و كان أسنهم و هو ابن خالة يوسف و هو الذي نهى إخوته عن قتله عن قتادة و السدي و الضحاك و كعب و قيل شمعون و هو كبيرهم في العقل و العلم لا في السن و كان رئيسهم عن مجاهد و قيل يهوذا و كان أعقلهم عن وهب الكلبي و قيل لاوي عن محمد بن إسحاق و عن علي بن إبراهيم بن هاشم « أ لم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله » أراد به الوثيقة التي طلبها منهم يعقوب حين قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به فذكرهم ذلك « و من قبل ما فرطتم في يوسف » أي قصرتم في أمره و كنتم قد عاهدتم أباكم أن تردوه إليه سالما فنقضتم العهد « فلن أبرح الأرض » أي لا أزال بهذه الأرض و لا أزول عنها و هي أرض مصر « حتى يأذن لي أبي » في البراح و الرجوع إليه « أو
مجمع البيان ج : 5 ص : 391
يحكم الله لي » بالخروج و ترك أخي هاهنا و قيل بالموت و قيل بما يكون عذرا لنا عند أبينا عن أبي مسلم و قيل بالسيف حتى أحارب من حبس أخي عن الجبائي « و هو خير الحاكمين » لا يحكم إلا بالحق قالوا إنه قال لهم أنا أكون هاهنا و احملوا أنتم الطعام إليهم فأخبروهم بالواقعة .
ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَأَبَانَا إِنَّ ابْنَك سرَقَ وَ مَا شهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَ مَا كنَّا لِلْغَيْبِ حَفِظِينَ(81) وَ سئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتى كنَّا فِيهَا وَ الْعِيرَ الَّتى أَقْبَلْنَا فِيهَا وَ إِنَّا لَصدِقُونَ(82) قَالَ بَلْ سوَّلَت لَكُمْ أَنفُسكُمْ أَمْراً فَصبرٌ جَمِيلٌ عَسى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنى بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكيمُ(83) وَ تَوَلى عَنهُمْ وَ قَالَ يَأَسفَى عَلى يُوسف وَ ابْيَضت عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ(84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكرُ يُوسف حَتى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَلِكِينَ(85) قَالَ إِنَّمَا أَشكُوا بَثى وَ حُزْنى إِلى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(86) يَبَنىَّ اذْهَبُوا فَتَحَسسوا مِن يُوسف وَ أَخِيهِ وَ لا تَايْئَسوا مِن رَّوْح اللَّهِ إِنَّهُ لا يَايْئَس مِن رَّوْح اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَفِرُونَ(87)

القراءة

في الشواذ قراءة ابن عباس سرق بضم السين و تشديد الراء و كسرها و قراءة الحسن و قتادة و عمر بن عبد العزيز من روح الله بضم الراء .

مجمع البيان ج : 5 ص : 392

الحجة

معنى سرق بضم السين نسب إلى السرقة فيكون من باب فسقه و فجرة و شجعه إذا نسبه إلى هذه الخلال و أما روح الله فيمكن أن يكون من الروح الذي هو من عند الله و بلطفه و هدايته و نعمته .

اللغة

القرية الأرض الجامعة لمساكن كثيرة و أصله من القري و هو الجمع يقال قريت الماء في الحوض و نظيره البلدة و المدينة و العير قد مضى ذكر معناه و الكظم اجتراع الحزن و هو أن يمسكه في قلبه و لا يبثه إلى غيره و يقال ما زلت أفعل كذا و ما فتئت أفعله أفتأ فتا قال أوس بن حجر يصف حربا :
فما فتات خيل تثوب و تدعي
و يلحق منها لاحق و تقطع و الحرض المشرف على الهلاك يقال رجل حرض و حارض أي فاسد في جسمه و عقله و منه حرضته على كذا أمرته به لأنه إذا خالف الأمر فكأنه هلك و أحرضه أي أفسده قال العرجي :
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني
حتى بليت و حتى شفني السقم و الحرض لا يثنى و لا يجمع لأنه مصدر و الشكوى صفة ما عنده من البلوى يقال شكوته إلى فلان شكوى و شكاية و شكواء فأشكاني أي أعتبني من شكواي و أشكاني أيضا أخرجني إلى الشكوى و البث الهم الذي لا يقدر صاحبه على كتمانه فيبثه أي يفرقه و كل شيء فرقته فقد بثثته و منه قوله و بث فيها من كل دابة و التحسس طلب الشيء بالحاسة و التجسس نظيره و في الحديث لا تحسسوا و لا تجسسوا و قيل إن معناهما واحد و نسق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظتين كقول الشاعر :
متى أدن منه ينأ عني و يبعد و قيل التجسس بالجيم البحث عن عورات الناس و بالحاء الاستماع لحديث قوم و سئل ابن عباس عن الفرق بينهما قال لا يبعد أحدهما عن الآخر التحسس في الخير و التجسس في الشر و الروح و الراحة و الروح و الرحمة و أصل الباب من الريح التي تأتي بالرحمة .

الإعراب

« اسأل القرية » أي أهل القرية و أهل العير فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه « يا أسفى » معناه يا حسرتي و الأصل يا أسفي إلا أن ياء الإضافة يجوز أن يبدل ألفا لخفة الألف و الفتحة و يجوز أن يكون ألف الندبة و يكون معناه لبيان أن الحال حال حزن
مجمع البيان ج : 5 ص : 393
فكأنه قال يا أسف هذا من أوانك و قوله « على يوسف » من صلة المصدر « تفتا » معناه لا تفتا حذف حرف النفي لعلم السامع به كما في قول امرىء القيس :
فقلت يمين الله أبرح قاعدا
و لو ضربوا رأسي لديك و أوصالي و إنما جاز ذلك لأنه لا يجوز في القسم تالله تفعل حتى تقول تالله لتفعلن أو تقول لا تفعل .

المعنى

ثم أخبر سبحانه أنه قال كبيرهم في السن أو في العلم « ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق » في الظاهر « و ما شهدنا » عندك بهذا « إلا بما علمنا » أي بما شهدنا من أن الصاع استخرج من رحله في الظاهر و بين بهذا أنهم لم يكونوا قاطعين على أنه سرق و قيل معناه ما شهدنا عند يوسف أن السارق يسترق إلا بما علمنا أن الحكم ذلك و لم نعلم أن ابنك سرق أم لا إلا أنه وجد الصاع عنده فحكم بأنه السارق في الظاهر و إنما قالوا ذلك حين قال يعقوب (عليه السلام) لهم ما يدري الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته و يسترق و إنما علم ذلك بقولكم « و ما كنا للغيب حافظين » أي إنا لم نعلم الغيب حين سألناك أن تبعث ابن يامين معنا و لم ندر أن أمره يؤول إلى هذا و إنما قصدنا به الخير و لو علمنا ذلك ما ذهبنا به عن مجاهد و قتادة و الحسن قال علي بن عيسى علم الغيب هو علم من لو شاهد الشيء لشاهده بنفسه لا بأمر يستفيده و العالم بهذا المعنى هو الله وحده جل اسمه و قيل معناه ما كنا لسر هذا الأمر حافظين و به عالمين فلا ندري أنه سرق أم كذبوا عليه و إنما أخبرناك بما شاهدنا عن عكرمة و قيل معناه ما كنا لغيب ابنك حافظين أي إنا كنا نحفظه في محضره و إذا غاب عنا ذهب عن حفظنا يعنون أنه سرق ليلا و هم نيام و الغيب هو الليل بلغة حمير عن ابن عباس قال أي إنا لم نعلم ما كان يصنع في ليله و نهاره و مجيئه و ذهابه « و اسأل القرية » أي أهل القرية « التي كنا فيها » و القرية مصر عن ابن عباس و الحسن و قتادة و معناه سل من شئت من أهل مصر عن هذا الأمر فإن هذا الأمر شائع فيهم يخبرك به من سألته و إنما قالوا ذلك لأن بعض أهلها كانوا قد صاروا إلى الناحية التي كان فيها أبوهم و العرب تسمي الأمصار و المدائن قرى « و العير التي أقبلنا فيها » أي و سل أهل القافلة التي قدمنا فيها و كانوا من أرض كنعان من جيران يعقوب و إنما حذف المضاف للإيجاز و لأن المعنى مفهوم و قيل إنه ليس في الكلام حذف لأن يعقوب (عليه السلام) نبي صاحب معجز
مجمع البيان ج : 5 ص : 394
يجوز أن تكلمه القرية و العير على وجه خرق العادة و إنما قالوا ذلك لأنهم كانوا أهل تهمة عند يعقوب « و إنا لصادقون » فيما أخبرناك به « قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا » هاهنا حذف كثير يدل الحال عليه تقديره فلما رجعوا إلى أبيهم و قصوا عليه القصة بطولها قال لهم ما عندي أن الأمر على ما تقولونه بل سولت لكم أنفسكم أمرا فيما أظن « فصبر جميل » أي فأمري صبر جميل لا جزع منه « عسى الله أن يأتيني بهم جميعا » أي عسى الله أن يأتيني بيوسف و ابن يامين و روبيل أو شمعون أو لاوي أو يهوذا « إنه هو العليم » بعباده « الحكيم » في تدبير الخلق « و تولى عنهم » أي انصرف و أعرض عنهم بشدة الحزن لما بلغه خبر حبس ابن يامين و هاج ذلك وجده بيوسف لأنه كان يتسلى به « و قال يا أسفي على يوسف » أي يا طول حزني على يوسف عن ابن عباس و روي عن سعيد بن جبير أنه قال لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة ما لم يعط الأنبياء قبلهم إنا لله و إنا إليه راجعون و لو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ يقول « يا أسفي على يوسف و ابيضت عيناه من الحزن » و البكاء و لما كان البكاء من أجل الحزن أضاف بياض البصر إليه و سئل الصادق (عليه السلام) ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف قال حزن سبعين حرى ثكلى قيل كيف و قد أخبر أنه يرد عليه فقال أنسى ذلك و قيل إنه عمي ست سنين عن مقاتل و قيل إنه أشرف على العمى فكان لا يرى إلا شيئا يسيرا « فهو كظيم » و الكظيم هاهنا بمعنى الكاظم و هو المملوء من الهم و الحزن الممسك للغيظ لا يشكوه لأهل زمانه و لا يظهره بلسانه و لذلك لقب موسى بن جعفر (عليه السلام) الكاظم لكثرة ما كان يتجرع من الغيظ و الغم طول أيام خلافته لأبيه في ذات الله تعالى و قال ابن عباس و هو المغموم المكروب « قالوا » أي قال ولد يعقوب لأبيهم « تالله تفتؤا تذكر يوسف » أي لا تزال تذكر يوسف « حتى تكون حرضا » أي دنفا فاسد العقل عن ابن عباس و ابن إسحاق و قيل قريبا من الموت عن مجاهد و قيل هرما باليا عن قتادة و الضحاك « أو تكون من الهالكين » أي الميتين و إنما قالوا ذلك إشفاقا عليه و تعطفا و رحمة له و قيل إنهم قالوا ذلك تبرما ببكائه إذ تنغص عيشهم بذلك « قال » يعقوب في جوابهم « إنما أشكوا بثي » أي همي عن ابن عباس و قيل حاجتي عن الحسن « و حزني إلى الله » المعنى إنما أشكو حزني و حاجتي و اختلال حالي و انتشارها إلي الله في ظلم الليالي و أوقات خلواتي لا إليكم و قيل البث ما أبداه و الحزن ما أخفاه و روي عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن جبرائيل أتاه فقال يا يعقوب إن الله يقرأ عليك السلم و يقول أبشر و ليفرح قلبك فو عزتي لو كانا ميتين لنشرتهما لك اصنع طعاما للمساكين فإن أحب عبادي إلي المساكين أ و تدري لم أذهبت بصرك و قوست ظهرك لأنكم ذبحتم شاة و أتاكم مسكين و هو صائم فلم تطعموه شيئا فكان يعقوب بعد ذلك إذا أراد الغذاء أمر مناديا ينادي ألا
مجمع البيان ج : 5 ص : 395
من أراد الغذاء من المساكين فليتغذ مع يعقوب و إذا كان صائما أمر مناديا فنادى ألا من كان صائما فليفطر مع يعقوب رواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ في صحيحه « و أعلم من الله ما لا تعلمون » أي و أعلم صدق رؤيا يوسف و أعلم أنه حي و أنكم ستسجدون له كما اقتضاه رؤياه عن ابن عباس و قيل و أعلم من رحمة الله و قدرته ما لا تعلمون عن عطاء و في كتاب النبوة بالإسناد عن سدير الصيرفي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال إن يعقوب دعا الله سبحانه في أن يهبط عليه ملك الموت فأجابه فقال ما حاجتك قال أخبرني هل مر بك روح يوسف في الأرواح فقال لا فعلم أنه حي فقال « يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف و أخيه » ابن يامين و قيل إنهم لما أخبروه بسيرة الملك قال لعله يوسف عن السدي فلذلك قال « يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف و أخيه » ابن يامين أي استخبروا من شأنهما و اطلبوا خبرهما و انظروا أن ملك مصر ما اسمه و على أي دين هو فإنه ألقي في روعي أن الذي حبس ابن يامين هو يوسف و إنما طلبه منكم و جعل الصاع في رحله احتيالا في حبس أخيه عند نفسه « و لا تيأسوا من روح الله » أي لا تقنطوا من رحمته عن ابن عباس و قتادة و الضحاك و قيل من الفرج من قبل الله عن ابن زيد و المعنى لا تيأسوا من الروح الذي يأتي به الله « إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون » قال ابن عباس يريد أن المؤمن من الله على خير يرجوه في الشدائد و البلاء و يشكره و يحمده في الرخاء و الكافر ليس كذلك و في هذا دلالة على أن الفاسق الملي لا يأس عليه من رحمة الله بخلاف ما يقوله أهل الوعيد .

سؤال

كيف خفي إخبار يوسف على يعقوب في المدة الطويلة مع قرب المسافة و كيف لم يعلمه يوسف بخبره لتسكن نفسه و يزول وجده .

الجواب

قال الجبائي العلة في ذلك أنه حمل إلى مصر فبيع من عزيز فألزمه داره ثم لبث في السجن بضع سنين فانقطعت أخبار الناس عنه فلما تمكن احتال في إيصال خبره بأبيه على الوجه الذي أمكنه و كان لا يأمن لو بعث رسولا إليه أن لا يمكنه إخوته من الوصول إليه و قال المرتضى قدس الله روحه يجوز أن يكون ذلك له ممكنا و كان عليه قادرا لكن الله سبحانه أوحى إليه بأن يعدل عن اطلاعه على خبره تشديدا للمحنة عليه و لله سبحانه أن يصعب التكليف و أن يسهله .

مجمع البيان ج : 5 ص : 396
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَأَيهَا الْعَزِيزُ مَسنَا وَ أَهْلَنَا الضرُّ وَ جِئْنَا بِبِضعَة مُّزْجَاة فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَ تَصدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يجْزِى الْمُتَصدِّقِينَ(88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسف وَ أَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَهِلُونَ(89) قَالُوا أَ ءِنَّك لأَنت يُوسف قَالَ أَنَا يُوسف وَ هَذَا أَخِى قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَ يَصبرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَك اللَّهُ عَلَيْنَا وَ إِن كنَّا لَخَطِئِينَ(91) قَالَ لا تَثرِيب عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ(92) اذْهَبُوا بِقَمِيصى هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبى يَأْتِ بَصِيراً وَ أْتُونى بِأَهْلِكمْ أَجْمَعِينَ(93)

القراءة

قرأ أبو جعفر و ابن كثير إنك لأنت يوسف بكسر الهمزة و قرأ نافع و يعقوب غير زيد و سهل أنك بفتح الهمزة غير ممدود و قرأ أبو عمرو و قالون عن نافع و زيد عن يعقوب آنك بالمد و قرأ الباقون « أ إنك » بهمزتين و في الشواذ قراءة أبي إنك أو أنت يوسف و قرأ ابن كثير وحده من يتقي بياء في الوصول و الوقف و الباقون بغير ياء فيهما .

الحجة

يدل على الاستفهام قوله « أنا يوسف » و إنما أجابهم عما استفهموا عنه قال أبو الحسن في قوله « و تلك نعمة تمنها علي » أنه على الاستفهام كأنه قال أو تلك نعمة فيجوز أن يكون من قرأ أنك على هذا فيكون القراءتان متفقتين و قلما يحذف حرف الاستفهام فأما في القراءات فإنه يجري على مذهبهم في اجتماع الهمزتين و قد تقدم القول في ذلك و أما قراءة أبي فيكون على حذف خبر إن كأنه قال إنك لغير يوسف أو أنت يوسف قال ابن جني فكأنه قال بل أنت يوسف فلما خرج مخرج التوقف قال أنا يوسف و قد جاء عنهم حذف خبر إن قال الأعشى :
إن محلا و إن مرتحلا
و إن في السفر إذ مضوا مهلا
مجمع البيان ج : 5 ص : 397
أراد أن لنا محلا و أن لنا مرتحلا قال أبو علي قوله من يتقي لا يحمل على نحو قول الشاعر :
أ لم يأتيك و الأنباء تنمي لأن هذا و نحوه إنما يجيء في الشعر و لكن تجعل من موصولة فيكون بمنزلة الذي يتقي و يحمل المعطوف على المعنى لأن من يتقي ، إذا كان من منزلة الذي ، بمنزلة الجزء الجازم بدلالة أن كل واحد منهما يصلح دخول الفاء في جوابه فإذا اجتمعا في ذلك جاز أن يعطف عليه كما يعطف على الشرط المجزوم لكونه بمنزلته فيما ذكرناه و مثل ذلك قوله فأصدق و أكن حملت و أكن على موضع الفاء و مثله قول من قرأ و يذرهم في طغيانهم جزما و يجوز أن تقدر الضمة في قوله « و يصبر » و تحذفها للاستخفاف كما يخفف نحو عضد و سبع و جاز هذا في حركة الإعراب كجوازه في حركة البناء و زعم أبو الحسن أنه سمع رسلنا لديهم يكتبون بإسكان اللام من رسلنا و يقوي ذلك قراءة من قرأ و يتقه أ لا ترى أنه جعل تقه بمنزلة كتف و علم فأسكن فكذلك يسكن على هذا و يصبر .

اللغة

الإزجاء في اللغة السوق و الدفع قليلا و منه قوله يزجي سحابا قال النابغة :
و هبت الريح من تلقاء ذي أرل
تزجي مع الليل من صرادها صرما و فلان يزجي العيش أي يدفع بالقليل و يكتفي به قال الأعشى :
الواهب المائة الهجان و عبدها
عوذا يزجي خلفها أطفالها أي يدفع و قال آخر :
و حاجة غير مزجاة من الحاج و إنما قيل « ببضاعة مزجاة » لأنها يسيرة ناقصة و إنما يجوز ذلك على دفع من أخذها و المن النعمة و أصله القطع لأنها تقطع المنعم عليه من حال بؤسه و الإيثار تفضيل أحد الشيئين على الآخر و نظيره الاختيار و الاجتباء و نقيضه الإيثار عليه و أصله من الأثر فإنه يؤثر من له أثر جميل و الأثر الإخبار يقال أثر يأثر و المأثرة المكرمة لأنها تؤثر و الخطأ ضد الصواب يقال خطأ الرجل يخطأ خطأ و خطأ فهو خاطىء و أخطأ بخطإ إخطاء فهو مخطىء قال امرؤ القيس :
 

Back Index Next