جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج5 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 5 ص : 398

يا لهف هند إذ خطئن كاهلا
القاتلين الملك الحلاحلا التثريب التوبيخ يقال ثرب و أثرب و ثرب عن ابن الأعرابي و قيل التثريب اللوم و الإفساد و التقرير بالذنب قال أبو عبيدة و أصله الإفساد و أنشد :
فعفوت عنهم عفو غير مثرب
و تركتهم لعقاب يوم سرمد و قال ثعلب ثرب و أثرب فلان على فلان أي عدد عليه ذنوبه و قال أبو مسلم هو مأخوذ من الثرب و هو شحم الجوف فكأنه موضوع للمبالغة في اللوم و التعنيف و البلوغ بذلك إلى أقصى غاياته .

الإعراب

« هل علمتم » استفهام و المراد به التقرير ما فعلتم بيوسف تقديره أي شيء فعلتم بيوسف فكان ما في موضع نصب و الجملة معلقة بعلمتم و قوله « فإن الله لا يضيع أجر المحسنين » في موضع الجزم بأنه جواب الشرط و ذكر المحسنين ناب عن الضمير العائد إلى من لأن الاتقاء و الصبر في معنى الإحسان فكأنه قال لا يضيع جزاءه ، « لأنت يوسف » هذه لام الابتداء و أنت مبتدأ و يوسف خبره و الجملة خبر أن و يجوز أن يكون أنت فصلا كما علمت فيما تقدم و قوله « لا تثريب عليكم » تثريب نكرة مفردة مبنية مع لا على الفتح و لا يجوز أن يتعلق عليكم به إذ لو كان كذلك لكان مشتبها بالمضاف من حيث يكون عاملا فيما بعده و يكون عليكم من تمامه و كان يجب أن يكون منصوبا منونا كما تقول لا مرورا بزيد عندك و إذا عرفت هذا فإن عليكم هاهنا فيه وجهان ( أحدهما ) أن يكون في موضع الخبر على تقدير لا تثريب يثبت عليكم أو ثابت عليكم ثم حذف ذلك و انتقل الضمير منه إلى عليكم حيث سد مسده ( و الآخر ) أن يتعلق بمضمر ذلك المضمر وصف لتثريب و على هذا فيجوز فيه وجهان ( أحدهما ) أن يكون في محل رفع تقديره لا تثريب ثابت عليكم كما تقول لا رجل ظريف ( و الآخر ) أن يكون في محل نصب تقديره لا تثريب ثابتا عليكم كما تقول لا رجل ظريفا ثم حذفت الصفة و قام الظرف مقامه و يكون اليوم على هذا الوجه خبر لا و على الوجه الأول يجوز أن يكون خبرا بعد خبر و يجوز أن يكون متعلقا بالضمير الذي في الخبر و يجوز أن يكون قد تم الكلام عند قوله عليكم و تعلق اليوم بما بعده فيكون تقديره اليوم يغفر الله لكم و هذا اختيار الأخفش و هكذا الكلام في قوله « لا ريب فيه » .

مجمع البيان ج : 5 ص : 399

المعنى

و لما قال يعقوب لبنيه اذهبوا فتحسسوا من يوسف و أخيه خرجوا إلى مصر « فلما دخلوا عليه » أي على يوسف « قالوا يا أيها العزيز مسنا و أهلنا الضر » أي أصابنا و من يختص بنا الجوع و الحاجة و الشدة من السنين الشدائد القحاط و قيل أنهم شكوا ما نالهم من هلاك مواشيهم و البلاء الذي أصابهم « و جئنا ببضاعة مزجاة » أي ندافع بها الأيام و نتقوتها و ليست مما يتسع به و قيل رديئة لا تؤخذ إلا بوكس عن ابن عباس و الجبائي و قيل قليلة عن الحسن و مجاهد و قتادة و ابن زيد و أبي مسلم و اختلف في تلك البضاعة فقيل كانت دراهم رديئة زيوفا لا تنفق في ثمن الطعام عن عكرمة عن ابن عباس و قيل كانت خلق الغرارة و الحبل ورث المتاع عن ابن أبي مليكة عنه و قيل كانت متاع الأعراب الصوف و السمن عن عبد الله بن الحرث و قيل الصنوبر و الحبة الخضراء عن الكلبي و مقاتل و قيل دراهم فسول عن سعيد بن جبير و قيل كانت أقطا عن الحسن و قيل النعال و الأدم عن الضحاك و عنه أيضا أنها سويق المقل « فأوف لنا الكيل » كما كنت توفي في السنين الماضية و لا تنظر إلى قلة بضاعتنا في هذه السنة « و تصدق علينا » أي سامحنا بما بين النقدين و سعر لنا بالرديء كما تسعر بالجيد و قيل معناه تصدق علينا برد أخينا عن ابن جريج و الضحاك « إن الله يجزي المتصدقين » أي يثيبهم على صدقاتهم بأفضل منها و في كتاب النبوة بالإسناد عن الحسن بن محبوب عن أبي إسماعيل الفراء عن طربال عن أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر طويل أن يعقوب كتب إلى يوسف بسم الله الرحمن الرحيم إلى عزيز مصر و مظهر العدل و موفي الكيل من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صاحب نمرود الذي جمع له النار ليحرقه بها فجعلها الله عليه بردا و سلاما و أنجاه منها أخبرك أيها العزيز أنا أهل بيت لم يزل البلاء إلينا سريعا من الله ليبلونا عند السراء و الضراء و أن المصائب تتابعت علي عشرين سنة أولها أنه كان لي ابن سميته يوسف و كان سروري من بين ولدي و قرة عيني و ثمرة فؤادي و أن إخوته من غير أمه سألوني أن أبعثه معهم يرتع و يلعب فبعثته معهم بكرة فجاؤوني عشاء يبكون و جاءوا على قميصه بدم كذب و زعموا أن الذئب أكله فاشتد لفقده حزني و كثر عن فراقه بكائي حتى ابيضت عيناي من الحزن و أنه كان له أخ و كنت به معجبا و كان لي أنيسا و كنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري فسكن بعد ما أجد في صدري و أن إخوته ذكروا لي أنك سألتهم عنه و أمرتهم أن يأتوك به فإن لم يأتوك به منعتهم الميرة فبعثته معهم ليمتاروا لنا قمحا فرجعوا إلى و ليس هو معهم و ذكروا أنه سرق مكيال الملك و نحن أهل بيت لا نسرق و قد حبسته عني
مجمع البيان ج : 5 ص : 400
و فجعتني به و قد اشتد لفراقه حزني حتى تقوس لذلك ظهري و عظمت به مصيبتي مع مصائب تتابعت علي فمن علي بتخلية سبيله و إطلاقه من حبسك و طيب لنا القمح و أسمح لنا في السعر و أوف لنا الكيل و عجل سراح آل إبراهيم قال فمضوا بكتابه حتى دخلوا على يوسف في دار الملك و « قالوا يا أيها العزيز مسنا و أهلنا الضر » إلى آخر الآية و تصدق علينا بأخينا ابن يامين و هذا كتاب أبينا يعقوب إليك في أمره يسألك تخلية سبيله فمن به علينا فأخذ يوسف كتاب يعقوب و قبله و وضع على عينيه و بكى و انتحب حتى بلت دموعه القميص الذي عليه ثم أقبل عليهم و « قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف و أخيه » و معناه أنه قال لهم هل علمتم ما فعلتم بيوسف من إذلاله و إبعاده عن أبيه و إلقائه في البئر و الاجتماع على قتله و بيعه بثمن وكس و ما فعلتم بأخيه من إفراده عن يوسف و التفريق بينهما حتى صار ذليلا فيما بينكم لا يكلمكم إلا كما يكلم الذليل العزيز و إنما لم يذكر أباه يعقوب مع عظم ما دخل عليه من الغم لفراقه تعظيما له و رفعا من قدره و علما أن ذلك كان بلاء له ليزداد به علو الدرجة و رفعة المنزلة عند الله تعالى قال ابن الأنباري هذا استفهام يعني به تعظيم القصة و معناه ما أعظم ما ارتكبتم و ما أقبح ما أتيتم من قطيعة الرحم و تضييع حقه كما يقول الرجل هل تدري من عصيت و في هذه الآية مصداق قوله لتنبئنهم بأمرهم هذا و هم لا يشعرون و قوله « إذ أنتم جاهلون » أي صبيان عن ابن عباس و قيل شبان عن الحسن و معناه فعلتم ذلك حين كنتم جاهلين جاهلية الصبي في عنفوان الشباب حين يغلب على الإنسان الجهل و لم ينسبهم إلى الجهل في حال الخطاب لأنهم كانوا تائبين نادمين في تلك الحال و كان هذا تلقينا لهم لما يعتذرون به إليه و هذا هو الغاية في الكرم إذ صفح عنهم و لقنهم وجه العذر و « قالوا أ إنك لأنت يوسف » قيل أن يوسف لما قال لهم هل علمتم الآية تبسم فلما أبصروا ثناياه و كانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف و « قالوا » له « أ إنك لأنت يوسف » عن ابن عباس و قيل رفع التاج عن رأسه فعرفوه « قال أنا يوسف » أظهر الاسم و لم يقل أنا هو تعظيما لما وقع به من ظلم إخوته فكأنه قال أنا المظلوم المستحل منه المحرم المراد قتله فكفى ظهور الاسم من هذه المعاني عن ابن الأنباري قال و لهذا قال « و هذا أخي » لأن قصده و هذا المظلوم كظلمي « قد من الله علينا » بالاجتماع بعد طول الفرقة و قيل من الله علينا بكل خير في الدنيا و الآخرة « إنه من يتق » أي يتق الله « و يصبر » على المصائب و عن المعاصي « فإن الله لا يضيع أجر المحسنين » أي أجر من كان هذا حاله و الضياع ذهاب الشيء من غير عوض « قالوا تالله » أي أقسموا بالله سبحانه « لقد آثرك الله علينا » أي فضلك و اختارك الله علينا بالحلم و العلم و العقل و الحسن و الملك « و إن كنا لخاطئين » أي ما كنا إلا مخطئين آثمين فيما فعلنا و هذا
مجمع البيان ج : 5 ص : 401
يدل على أنهم ندموا على ما فعلوا و لم يصروا عليه « قال » يوسف « لا تثريب عليكم اليوم » أي لا تعيير و لا توبيخ و لا تقريع عليكم الآن فيما فعلتم « يغفر الله لكم » ذنوبكم فإني أستغفر الله لكم « و هو أرحم الراحمين » في عفوه عنكم ما تقدم من ذنبكم و قيل في صنيعه بي حتى جعلني ملكا و قيل أراد باليوم الزمان فتدخل فيه الأوقات كلها كما قال الشاعر :
فاليوم يرحمنا من كان يغبطنا
و اليوم نتبع من كانوا لنا تبعا .
و قيل إن الكلام قد تم عند قوله « لا تثريب عليكم » ثم ابتدأ بقوله « اليوم يغفر الله لكم » و هو دعاء لهم « اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا » قيل أنه (عليه السلام) لما عرفهم نفسه سألهم عن أبيه فقال ما فعل أبي بعدي قالوا ذهبت عيناه فقال اذهبوا بقميصي هذا و اطرحوه على وجهه يعد مبصرا كما كان من قبل قال ابن عباس « يأت بصيرا » يرتد بصيرا و يذهب البياض الذي على عينيه « و أتوني بأهلكم أجمعين » إذا عاد بصيرا و هذا كان معجزا منه إذ لا يعرف أنه يعود بصيرا بإلقاء القميص على وجهه إلا بالوحي و قيل أن يوسف قال إنما يذهب بقميصي من ذهب به أولا فقال يهوذا أنا ذهبت به و هو ملطخ بالدم فأخبرته أنه أكله الذئب قال فاذهب بهذا أيضا و أخبره أنه حي و أفرحه كما حزنته فحمل القميص و خرج حافيا حاسرا حتى أتاه و كان معه سبعة أرغفة و كانت مسافة بينهما ثمانين فرسخا فلم يستوف الأرغفة في الطريق و قد ذكرنا شأن القميص من قبل و روى أيضا الواحدي بإسناده يرفعه إلى أنس بن مالك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أن نمرود الجبار لما ألقى إبراهيم في النار نزل إليه جبرائيل بقميص من الجنة و طنفسة من الجنة فألبسه القميص و أقعده على الطنفسة و قعد معه يحدثه فكسا إبراهيم ذلك القميص إسحاق و كساه إسحاق يعقوب و كساه يعقوب يوسف فجعله في قصبة من فضة و علقها في عنقه فألقي في الجب و القميص في عنقه فذلك قوله « اذهبوا بقميصي هذا » و قال ابن عباس أخرج لهم قصبة من فضة كانت في عنقه لم يعلم بها إخوته فيها قميص و هو الذي نزل به جبرائيل على إبراهيم و ذكر القصة و قال مجاهد أمره جبرائيل أن أرسل إليه قميصك فإن فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلى و لا سقيم إلا صح و عوفي .

مجمع البيان ج : 5 ص : 402
وَ لَمَّا فَصلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنى لأَجِدُ رِيحَ يُوسف لَوْ لا أَن تُفَنِّدُونِ(94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّك لَفِى ضلَلِك الْقَدِيمِ(95) فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَ لَمْ أَقُل لَّكمْ إِنى أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(96) قَالُوا يَأَبَانَا استَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَطِئِينَ(97) قَالَ سوْف أَستَغْفِرُ لَكُمْ رَبى إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(98)

اللغة

الفصل أصله القطع و منه قيل للحاكم فيصل لأنه يقطع الأمور و التفنيد تضعيف الرأي قال :
يا صاحبي دعا لومي و تفنيدي
فليس ما فأت من أمر بمردود و الفند ضعف الرأي و قيل إن أصله الفساد قال النابغة :
إلا سليمان إذ قال المليك له
قم في البرية فاحددها عن الفند أي امنعها عن الفساد .

المعنى

« و لما فصلت العير » أي لما خرجت القافلة و انفصلت من مصر متوجهة نحو الشام « قال أبوهم » يعقوب لأولاد أولاده الذين كانوا عنده « إني لأجد ريح يوسف » روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال وجد يعقوب ريح قميص يوسف حين فصلت العير من مصر و هو بفلسطين من مسيرة عشر ليال و قيل من مسيرة ثماني ليال عن ابن عباس و قيل من ثمانين فرسخا عن الحسن و قيل مسيرة شهر عن الأصم قال ابن عباس هاجت ريح فحملت بريح قميص يوسف إلى يعقوب و ذكر في القصة أن الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير بالقميص فأذن لها فأتته بها و لذلك يستروح كل محزون بريح الصبا و قد أكثر الشعراء من ذكرها فمن ذلك قولهم :
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت
على نفس مهموم تجلت همومها و قول أبي الصخر الهذلي :
مجمع البيان ج : 5 ص : 403

إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني
نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر و قوله « لو لا أن تفندون » معناه لو لا أن تسفهوني عن ابن عباس و مجاهد و قيل لو لا أن تضعفوني في الرأي عن ابن إسحاق و قيل لو لا أن تكذبوني و الفند الكذب عن سعيد بن جبير و السدي و الضحاك و روي ذلك أيضا عن ابن عباس و قيل لو لا أن تهرموني عن الحسن و قتادة أي تقولون أنه شيخ قد هرم و خرف و ذهب عقله و تقديره إني أقطع أنها ريح يوسف لو لا أن تفندون « قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم » أي قالوا له إشفاقا عليه و ترحما إنك لفي ذهابك القديم عن الصواب في حب يوسف (عليه السلام) و أنه كان عندهم أن يوسف قد مات منذ سنين و لم يريدوا بذلك الضلال عن الدين و إنما أرادوا به المبالغة في حب يوسف و الأماني الفاسدة فيما كان يرجو من عوده بعد موته عن قتادة و الحسن و قيل معناه إنك لفي شقائك القديم عن مقاتل و في هذا دلالة على أن لفظ القديم قد يطلق في اللغة على المتقدم في الوجود « فلما أن جاء البشير » و هو يهوذا عن ابن عباس و في رواية أخرى عنه أنه مالك بن ذعر « ألقاه على وجهه فارتد بصيرا » أي ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب فعاد بصيرا قال الضحاك عاد إليه بصره بعد العمى و قوته بعد الضعف و شبابه بعد الهرم و سروره بعد الحزن فقال للبشير ما أدري ما أثيبك به هون الله عليك سكرات الموت « قال » يعقوب لهم « أ لم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون » أي إني كنت أعلم أن الله يصدق رؤيا يوسف و يكشف الشدائد عن أنبيائه بالصبر و كنتم لا تعلمون ذلك قال الحسن كان الله سبحانه أعلمه بحياته و لم يعلمه بمكانه « قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين » فيما فعلنا « قال » يعقوب « سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم » إنما لم يستغفر لهم في الحال لأنه أخرهم إلى سحر ليلة الجمعة عن ابن عباس و طاووس و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل أخرهم إلى وقت السحر لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء عن ابن مسعود و إبراهيم التيمي و ابن جريج و روي أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل أنه كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف و عشرين سنة عن وهب و قيل أنه كان يقوم و يصف أولاده خلفه عشرين سنة يدعو و يؤمنون على دعائه و استغفاره لهم حتى نزل قبول توبتهم و روي أن جبرائيل (عليه السلام) علم يعقوب هذا الدعاء يا رجاء المؤمنين لا تخيب رجائي و يا غوث المؤمنين أغثني و يا عون المؤمنين أعني و يا حبيب التوابين تب علي و استجب لهم .

مجمع البيان ج : 5 ص : 404
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسف ءَاوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَ قَالَ ادْخُلُوا مِصرَ إِن شاءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ(99) وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سجَّداً وَ قَالَ يَأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيَى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبى حَقًّا وَ قَدْ أَحْسنَ بى إِذْ أَخْرَجَنى مِنَ السجْنِ وَ جَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشيْطنُ بَيْنى وَ بَينَ إِخْوَتى إِنَّ رَبى لَطِيفٌ لِّمَا يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الحَْكِيمُ(100) * رَب قَدْ ءَاتَيْتَنى مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنى مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ أَنت وَلىِّ فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ تَوَفَّنى مُسلِماً وَ أَلْحِقْنى بِالصلِحِينَ(101) ذَلِك مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْك وَ مَا كُنت لَدَيهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يمْكُرُونَ(102)

الإعراب

دخول من في قوله « من الملك » و « من تأويل الأحاديث » جائز أن يكون للتبعيض فيكون المراد آتيتني بعض الملك و علمتني بعض تأويل الأحاديث و جائز أن يكون لتبيين هذا الجنس من سائر الأجناس فيكون المعنى آتيتني الملك و علمتني التأويل عن الزجاج قال و قوله « تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء » يدل على أن من هاهنا لتبيين الجنس و مثله قوله « فاجتنبوا الرجس من الأوثان » أي الرجس الذي هو وثن ، « فاطر السماوات و الأرض » منصوب على وجهين ( أحدهما ) أن يكون على الصفة لقوله « رب » لأن المعنى يا ربي فهو نداء مضاف في موضع نصب فيكون « فاطر السماوات » صفة له و جائز أن ينتصب على أنه نداء ثان على تقدير يا فاطر السماوات و ذلك في موضع رفع بالابتداء و يكون خبره « من أنباء الغيب » و يكون « نوحيه إليك » خبرا ثانيا و إن شئت جعلت نوحيه هو الخبر و جعلت ذلك في معنى الذي و قوله « من أنباء الغيب » صلته .

مجمع البيان ج : 5 ص : 405

المعنى

« فلما دخلوا على يوسف » هاهنا حذف تقديره فلما خرج يعقوب و أهله من أرضهم و أتوا مصر دخلوا على يوسف و في حديث ابن محبوب بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) أن يعقوب قال لولده تحملوا إلى يوسف من يومكم هذا بأهلكم أجمعين فساروا إليه و يعقوب معهم و خالة يوسف أم يامين فحثوا السير فرحا و سرورا تسعة أيام إلى مصر فلما دخلوا على يوسف في دار الملك اعتنق أباه و قبله و بكى و رفعه و رفع خالته على سرير الملك ثم دخل منزله و اكتحل و ادهن و لبس ثياب العز و الملك فلما رأوه سجدوا جميعا إعظاما له و شكرا لله عند ذلك و لم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهن و لا يكتحل و لا يتطيب حتى جمع الله بينه و بين أبيه و إخوته و قيل أن يوسف بعث مع البشير مائتي راحلة مع ما يحتاج إليه في السفر و سألهم أن يأتوه بأهلهم أجمعين فلما دنا يعقوب من مصر تلقاه يوسف في الجند و أهل مصر فقال يعقوب يا يهوذا هذا فرعون مصر قال لا هذا ابنك ثم تلاقيا قال الكلبي على يوم من مصر فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام فقال السلام عليك يا مذهب الأحزان و في كتاب النبوة بالإسناد عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لما أقبل يعقوب إلى مصر خرج يوسف ليستقبله فلما رآه يوسف هم بأن يترجل له ثم نظر إلى ما هو فيه من الملك فلم يفعل فلما سلم على يعقوب نزل عليه جبرائيل فقال له يا يوسف إن الله جل جلاله يقول منعك أن تنزل إلى عبدي الصالح ما أنت فيه ابسط يدك فبسطها فخرج من بين أصابعه نور فقال ما هذا يا جبرائيل قال هذا أنه لا يخرج من صلبك نبي أبدا عقوبة بما صنعت بيعقوب إذ لم تنزل إليه و قوله « آوى إليه أبويه » أي ضمهما إليه و أنزلهما عنده و قال أكثر المفسرين أنه يعني بأبويه أباه و خالته فسمي الخالة أما كما سمي العم أبا في قوله « و إله آبائك إبراهيم و إسماعيل و إسحاق » و ذلك أن أمه كانت قد ماتت في نفاسها بابن يامين فتزوجها أبوه و قيل يريد أباه و أمه و كانا حيين عن ابن إسحاق و الجبائي و قيل أن راحيل أمه نشرت من قبرها حتى سجدت له تحقيقا للرؤيا عن الحسن « و قال » لهم قبل دخولهم مصر « ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين » و الاستثناء يعود إلى الأمن و إنما قال آمنين لأنهم كانوا فيما خلا يخافون ملوك مصر و لا يدخلونها إلا بجوازهم قال وهب أنهم دخلوا مصر و هم ثلاثة و سبعون إنسانا و خرجوا مع موسى و هم ستمائة ألف و خمس مائة و بضع و سبعون رجلا « و رفع أبويه على العرش » أي رفعهما على سرير ملكه إعظاما لهما و العرش السرير الرفيع عن ابن عباس و الحسن و قتادة « و خروا له سجدا » أي انحطوا على وجوههم و كانت تحية الناس بعضهم لبعض يومئذ السجود و الانحناء و التكفير عن قتادة و لم يكونوا نهوا عن السجود لغير الله في شريعتهم فأعطى الله تعالى هذه الأمة السلام و هي
مجمع البيان ج : 5 ص : 406
تحية أهل الجنة عجلها لهم قال أعشى بن ثعلبة :
فلما أتانا بعيد الكرى
سجدنا له و رفعنا العمارا .
و كان من سنة التعظيم يومئذ أن يسجد للمعظم عن الزجاج و قيل كان سجودهم كهيئة الركوع كما يفعل الأعاجم عن الكلبي و قيل إن السجود كان لله تعالى شكرا له كما يفعله الصالحون عند تجدد النعم و الهاء في قوله « له » عائدة إلى الله تعالى أي سجدوا لله تعالى على هذه النعمة و توجهوا في السجود إليه كما يقال صلى للقبلة و يراد به استقبالها عن ابن عباس و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال علي بن إبراهيم و حدثني محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين أن يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمد بن علي بن موسى مسائل فعرضها على أبي الحسن علي بن محمد (عليهماالسلام) فكان إحداها أن قال أخبرني أ سجد يعقوب و ولده ليوسف و هم أنبياء فأجاب أبو الحسن (عليه السلام) أما سجود يعقوب و ولده فإنه لم يكن ليوسف و إنما كان ذلك منهم طاعة الله و تحية ليوسف كما أن السجود من الملائكة لآدم كان منهم طاعة لله و تحية لآدم فسجد يعقوب و ولده و يوسف معهم شكرا لله تعالى لاجتماع شملهم أ لم تر أنه يقول في شكره في ذلك الوقت « رب قد آتيتني من الملك » الآية الخبر بتمامه « و قال » يوسف « يا أبت هذا تأويل رؤياي » أي هذا تفسير رؤياي و تصديق رؤياي التي رأيتها « من قبل قد جعلها ربي حقا » أي صدقا في اليقظة و قيل كان بين الرؤيا و تأويلها ثمانون سنة عن الحسن و قيل سبعون سنة عن عبد الله بن شوذب و قيل أربعون سنة عن سلمان الفارسي و عبد الله بن شداد و قيل اثنتان و عشرون سنة عن الكلبي و قيل ثماني عشرة سنة عن ابن إسحاق قال ابن إسحاق و ولد ليوسف من امرأة العزيز أفرايم و ميشا و رحمة امرأة أيوب و كان بين يوسف و بين موسى أربعمائة سنة « و قد أحسن بي إذ أخرجني من السجن » أي و قد أحسن ربي إلى حيث أخرجني من السجن و أنعم علي به « و جاء بكم من البدو » أي من البادية فإنهم كانوا يسكنون البادية و يرعون أغنامهم فيها فكانت مواشيهم قد هلكت في تلك السنين بالقحط فأغناهم الله تعالى بمصيرهم إلى يوسف و إنما بدأ (عليه السلام) بالسجن في تعداد نعم الله دون إخراجه من الجب كرما لئلا يبدأ بصنيع إخوته به و قيل لأن نعم الله تعالى في إخراجه من السجن كانت أكثر و لأن السجن طالت مدته و كثرت محنته « من بعد أن نزغ الشيطان بيني و بين إخوتي » أي من بعد أن أفسد الشيطان بيني و بين إخوتي و حرش بيني و بينهم و قال ابن عباس معناه دخل بيننا بالحسد « إن ربي لطيف لما يشاء » أي لطيف في
مجمع البيان ج : 5 ص : 407
تدبير عباده يدبر أمرهم على ما يشاء و يسهل لهم العسير و بلطفه حصلت هذه النعم علينا من الاجتماع و غيره قال الأزهري اللطيف من أسماء الله سبحانه معناه الرفيق بعباده يقال لطف فلان بفلان لطفا إذا رفق و قال غيره اللطيف الذي يوصل إليك إربك في رفق و قيل اللطيف العالم بدقائق الأمور « إنه هو العليم » بجميع الأشياء « الحكيم » في كل التدابير و في كتاب النبوة بالإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال يعقوب ليوسف يا بني حدثني كيف صنع بك إخوتك قال يا أبة دعني فقال أقسمت عليك ألا أخبرتني فقال له أخذوني و أقعدوني على رأس الجب ثم قالوا لي انزع قميصك فقلت لهم إني أسألكم بوجه أبي يعقوب أن لا تنزعوا قميصي و لا تبدوا عورتي فرفع فلان السكين علي و قال انزل فصاح يعقوب فسقط مغشيا عليه ثم أفاق فقال له يا بني كيف صنعوا بك فقال يوسف إني أسألك بإله إبراهيم و إسماعيل و إسحاق إلا أعفيتني قال فتركه و روي أيضا أن يوسف قال ليعقوب (عليهماالسلام) يا أبة لا تسألني عن صنيع إخوتي بي و سل عن صنع الله بي قال أبو حمزة بلغنا أن يعقوب عاش مائة و سبعا و أربعين سنة و دخل مصر على يوسف و هو ابن مائة و ثلاثين سنة و كان عند يوسف بمصر سبع عشرة سنة و قال ابن إسحاق أقام يعقوب بمصر أربعا و عشرين سنة ثم توفي و دفن بالشام و قال سعيد بن جبير نقل يعقوب إلى بيت المقدس في تابوت من ساج و وافق ذلك يوم مات عيصو فدفنا في قبر واحد فمن ثم ينقل اليهود موتاهم إلى بيت المقدس و ولد يعقوب و عيصو في بطن واحد و دفنا في قبر واحد و كان عمرهما جميعا مائة و سبعا و أربعين سنة ثم رجع يوسف إلى مصر بعد أن دفن أباه في بيت المقدس عن وصية منه إليه و عاش بعد أبيه ثلاثا و عشرين سنة و كان أول رسول في بني إسرائيل ثم مات و أوصى أن يدفن عند قبور آبائه و قيل دفن بمصر ثم أخرج موسى عظامه فحمله حتى دفنه عند أبيه و قيل أفضت النبوة بعده إلى روبيل ثم إلى يهوذا و في كتاب النبوة بالإسناد عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت له كم عاش يعقوب مع يوسف بمصر قال عاش حولين قلت فمن كان الحجة لله في الأرض يعقوب أم يوسف قال كان يعقوب الحجة و كان الملك ليوسف فلما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس فكان يوسف بعد يعقوب الحجة قلت و كان يوسف رسولا نبيا قال نعم أ ما تسمع قوله عز و جل « و لقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات » و بالإسناد عن أبي خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال دخل يوسف السجن و هو ابن اثنتي عشرة سنة و مكث فيها ثماني عشرة سنة و بقي بعد خروجه ثمانين سنة فذلك مائة سنة و عشر سنين قالوا و لما جمع الله سبحانه ليوسف شمله و أقر له عينه و أتم له رؤياه و وسع عليه في ملك الدنيا و نعيمها علم أن ذلك لا يبقى له و لا يدوم فطلب من الله سبحانه نعيما لا يفنى و تاقت نفسه إلى الجنة
مجمع البيان ج : 5 ص : 408
فتمنى الموت و دعا به و لم يتمن ذلك نبي قبله و لا بعده تمنى أحد فقال « رب قد آتيتني من الملك » أي أعطيتني ملك النبوة و ملك مصر « و علمتني من تأويل الأحاديث » أي تأويل الرؤيا « فاطر السماوات و الأرض » أي خالق السماوات و الأرض و منشئهما لا على مثال سبق « أنت وليي » أي ناصري و مدبري و حافظي « في الدنيا و الآخرة » تتولى فيهما إصلاح معاشي و معادي « توفني مسلما » قال ابن عباس ما تمنى نبي تعجيل الممات إلا يوسف لما انتظمت أسباب مملكته اشتاق إلى ربه و قيل معناه ثبتني على الإيمان إلى وقت الممات و أمتني مسلما « و ألحقني بالصالحين » أي بأهل الجنة من الأنبياء و الأولياء و الصديقين و قيل لما جمع الله سبحانه بينه و بين أبويه و إخوته أحب أن يجتمع مع آبائه في الجنة فدعا بذا الدعاء و المعنى ألحقني بهم في ثوابهم و درجاتهم قيل فتوفاه الله تعالى بمصر و هو نبي فدفن في النيل في صندوق من رخام و ذلك أنه لما مات تشاح الناس عليه كل يحب أن يدفن في محلته لما كانوا يرجون من بركته فرأوا أن يدفنوه في النيل فيمر الماء عليه ثم يصل إلى جميع مصر فيكون كلهم فيه شركاء و في بركته شرعا سواء فكان قبره في النيل إلى أن حمله موسى (عليه السلام) حين خرج من مصر ثم عاد سبحانه بعد تمام القصة إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « ذلك » أي الذي قصصت عليك من قصة يوسف يا محمد « من أنباء الغيب » أي من جملة أخبار الغيب « نوحيه إليك » على ألسنة الملائكة لتخبر به قومك و يكون دلالة على إثبات نبوتك و معجزة دالة على صدقك « و ما كنت لديهم » أي و ما كنت يا محمد عند أولاد يعقوب « إذ أجمعوا أمرهم » إذ عزموا على إلقائه في البئر و اجتمعت آراؤهم عليه « و هم يمكرون » أي يحتالون في أمر يوسف حتى ألقوه في الجب عن الجبائي و قيل يمكرون بيوسف عن ابن عباس و الحسن و قتادة .

مجمع البيان ج : 5 ص : 409
وَ مَا أَكثرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصت بِمُؤْمِنِينَ(103) وَ مَا تَسئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِنْ هُوَ إِلا ذِكرٌ لِّلْعَلَمِينَ(104) وَ كَأَيِّن مِّنْ ءَايَة فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيهَا وَ هُمْ عَنهَا مُعْرِضونَ(105) وَ مَا يُؤْمِنُ أَكثرُهُم بِاللَّهِ إِلا وَ هُم مُّشرِكُونَ(106) أَ فَأَمِنُوا أَن تَأْتِيهُمْ غَشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيهُمُ الساعَةُ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشعُرُونَ(107)

القراءة

في الشواذ قراءة عكرمة و عمرو بن فائد و الأرض يمرون عليها بالرفع و قراءة السدي و الأرض نصبا و القراءة المشهورة بالجر .

الحجة

من رفع أو نصب وقف على السماوات ثم ابتدأ و الأرض فالرفع على الابتداء و الجملة بعدها خبره و العائد إلى المبتدأ الهاء من عليها و الضمير في عنها عائد إلى الآية و أما النصب فبفعل مضمر تقديره و يطئون الأرض و يؤيد ذلك قراءة ابن مسعود يمشون عليها فلما أضمر الفعل الناصب فسره بقوله « يمرون عليها » و من جر الأرض على قراءة القراء فإن شاء وقف على الأرض و إن شاء وقف آخر الآية .

اللغة

الحرص طلب الشيء باجتهاد في إصابته و العالم الجماعة من الحيوان التي من شأنها أن تعلم مأخوذ من العلم و قيل لما حواه الفلك عالم على سبيل التبع للحيوان الذي ينتفع به و هو مخلوق لأجله و الغاشية المجللة للشيء بانبساطها عليه و غشيه يغشاه إذا غطاه و الغشاء الغطاء و البغتة الفجأة و هي مجيء الشيء من غير توقع .

الإعراب

و كأين في معنى كم و أصلها أي دخلت عليها الكاف و بغتة مصدر وضع موضع الحال تقول لقيته بغتة و فجاءة .

المعنى

لما تقدم ذكر الآيات و المعجزات التي لو تفكروا فيها عرفوا الحق من جهتها فلم يتفكروا بين عقيبها أن التقصير من جهتهم حيث رضوا بالجهل و ليس من جهته سبحانه لأنه نصب الأدلة و البينات و لا من جهتك لأنك دعوتهم فقال « و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين » أي و ليس أكثر الناس بمصدقين و لو حرصت على إيمانهم و تصديقهم و اجتهدت في دعائهم إليه و إرشادهم إليه لأن حرص الداعي لا يغني شيئا إذا كان المدعو لا يجيب « و ما تسئلهم عليه من أجر » أي و لا تسألهم على تبليغ الرسالة و بيان الشريعة أجرا فيصدهم ذلك عن القبول و يمنعهم من الإيمان و يثقل عليهم ما يلزمهم من الغرامة فأعذارهم منقطعة « إن هو إلا ذكر للعالمين » أي ما القرآن إلا موعظة و عبرة و تذكير للخلق أجمعين فلست بنذير لهؤلاء خاصة « و كأين من آية » أي كم من حجة و دلالة « في السماوات و الأرض » تدل على وحدانية الله تعالى من الشمس و القمر و النجوم في السماء و من الجبال و الشجر و ألوان النبات و أحوال المتقدمين و آثار الأمم السالفة في الأرض « يمرون عليها » و يبصرونها و يشاهدونها « و هم عنها معرضون » أي هم عن التفكر فيها و الاعتبار بها
مجمع البيان ج : 5 ص : 410
معرضون لا يتفكرون فيها يعني الكفار « و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون » اختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أنهم مشركو قريش كانوا يقرون بالله خالقا و محييا و مميتا و يعبدون الأصنام و يدعونها آلهة مع أنهم كانوا يقولون الله ربنا و إلهنا يرزقنا فكانوا مشركين بذلك عن ابن عباس و الجبائي ( و ثانيها ) إنها نزلت في مشركي العرب إذ سألوا من خلق السماوات و الأرض و ينزل المطر قالوا الله ثم هم يشركون و كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه و ما ملك عن الضحاك ( و ثالثها ) أنهم أهل الكتاب آمنوا بالله و اليوم الآخر و التوراة و الإنجيل ثم أشركوا بإنكار القرآن و إنكار نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الحسن و هذا القول مع ما تقدمه رواه دارم بن قبيصة عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( و رابعها ) أنهم المنافقون يظهرون الإيمان و يشركون في السر عن البلخي ( و خامسها ) أنهم المشبهة آمنوا في الجملة و أشركوا في التفصيل و روي ذلك عن ابن عباس ( و سادسها ) أن المراد بالإشراك شرك الطاعة لا شرك العبادة أطاعوا الشيطان في المعاصي التي يرتكبونها مما أوجب الله عليها النار فأشركوا بالله في طاعته و لم يشركوا بالله شرك عبادة فيعبدون معه غيره عن أبي جعفر (عليه السلام) و روي عن أبي عبد الله أنه قول الرجل لو لا فلان لهلكت و لو لا فلان لضاع عيالي جعل لله شريكا في ملكه يرزقه و يدفع عنه فقيل له لو قال لو لا أن من علي بفلان لهلكت فقال لا بأس بهذا و في رواية زرارة و محمد بن مسلم و حمران عنهما (عليهماالسلام) أنه شرك النعم و روى محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال أنه شرك لا يبلغ به الكفر « أ ف آمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله » أي أ فأمن هؤلاء الكفار أن يأتيهم عذاب من الله سبحانه يعمهم و يحيط بهم و هي من غاشية السرج لأنها تعمه بالسر و إنما أتى بلفظة التأنيث على تقدير العقوبة أي عقوبة مجللة لجميعهم عن ابن عباس و قيل هو عذاب الاستئصال عن مجاهد و أبي مسلم و قيل هي الصواعق و القوارع عن الضحاك « أو تأتيهم الساعة » يعني القيامة « بغتة » أي فجاة على غفلة منهم « و هم لا يشعرون » بقيامها قال ابن عباس تهجم الصيحة بالناس و هم في أسواقهم .

مجمع البيان ج : 5 ص : 411
قُلْ هَذِهِ سبِيلى أَدْعُوا إِلى اللَّهِ عَلى بَصِيرَة أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنى وَ سبْحَنَ اللَّهِ وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشرِكِينَ(108) وَ مَا أَرْسلْنَا مِن قَبْلِك إِلا رِجَالاً نُّوحِى إِلَيهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فى الأَرْضِ فَيَنظرُوا كَيْف كانَ عَقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَ لَدَارُ الاَخِرَةِ خَيرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا أَ فَلا تَعْقِلُونَ(109)

القراءة

قرأ حفص عن عاصم « إلا رجالا نوحي إليهم » بالنون حيث كان و قرأ الباقون يوحى بالياء و فتح الحاء « أ فلا تعقلون » ذكرنا الخلاف فيه في سورة الأنعام .

الحجة

قال أبو علي الوجه في النون قوله « إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح » و الوجه في الياء قوله « و أوحي إلى نوح » و قل أوحي إلي .

اللغة

السبيل الطريق و هو المكان المهيا للسلوك و دين الإسلام طريق يؤدي إلى الجنة و السبيل يذكر و يؤنث قال :
فلا تبعد فكل بني أناس
سيصبح سالكا تلك السبيلا و البصيرة ما يبصر به الشيء أي يعرف و السير المرور الممتد في جهة و منه السير واحد السيور لامتداده في جهة .

المعنى

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يبين للمشركين ما يدعو إليه فقال « قل » يا محمد لهم « هذه سبيلي » أي طريقي و سنتي و منهاجي عن ابن زيد و قيل معناه هذه الدعوة التي أدعو إليها ديني و طريقي عن مقاتل و الجبائي ثم فسر ذلك بقوله « أدعوا إلى الله على بصيرة » أي أدعو إلى توحيد الله و عدله و دينه على يقين و معرفة و حجة قاطعة لا على وجه التقليد « أنا و من اتبعني » أي أدعوكم أنا و يدعوكم أيضا إليه من آمن بي و يذكر بالقرآن و الموعظة و ينهى عن معاصي الله قال ابن الأنباري و يجوز أن يتم الكلام عند قوله « أدعوا إلى الله » ثم ابتدأ و قال « على بصيرة أنا و من اتبعني » و هذا معنى قول ابن عباس أنه يعني أصحاب محمد كانوا على أحسن طريقة « و سبحان الله » معناه تنزيها لله عما أشركوا و تقديره قل هذه سبيلي و قل سبحان الله و قيل أنه اعتراض بين الكلامين و الواو فيه مثل قولك قال الله و هو منزه عن الشركاء سبحان الله « و ما أنا من المشركين » الذين اتخذوا مع الله ندا و كفوا و ولدا و في هذه الآية دلالة على فضل الدعاء إلى الله سبحانه و إلى توحيده و عدله و يعضد ذلك الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال العلماء أمناء الرسل على
مجمع البيان ج : 5 ص : 412
عباده و فيها دلالة أيضا على أنه (عليه السلام) كان يدعو إلى الله في كل أوقاته و إن كان يبين الشرائع في أوقات ما و فيها دلالة أيضا على أن الواجب في السعي أن يكون على ثقة و بصيرة و دلالة قاطعة و ذلك يوجب فساد التقليد « و ما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى » بين سبحانه أنه إنما أرسل الرسل من أهل الأمصار لأنهم أرجح عقلا و علما من أهل البوادي لبعد أهل البوادي عن العلم و أهله عن قتادة و قال الحسن لم يبعث الله نبيا قط من أهل البادية و لا من الجن و لا من النساء و ذلك أن أهل البادية يغلب عليهم القسوة و الجفاء و أهل الأمصار أحد فطنا « أ فلم يسيروا في الأرض » أي أ فلم يسر هؤلاء المشركون المنكرون لنبوتك يا محمد في الأرض « فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم » من الأمم المكذبين لرسلهم و كيف أهلكهم الله بعذاب الاستئصال فيعتبروا بهم و يحذروا مثل ما أصابهم « و لدار الآخرة خير للذين اتقوا » يقول هذا صنيعنا بأهل الإيمان و الطاعة في دار الدنيا إذ أهلكنا عدوهم و نجيناهم من شرهم و لدار الآخرة خير لهم من دار الدنيا و نعيمها و روى أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لشبر من الجنة خير من الدنيا و ما فيها قال الزجاج قال الله سبحانه في غير هذا الموضع الدار الآخرة .
فالآخرة نعت للدار لأن لجميع الخلق دارين الدار التي خلقوا فيها و هي الدنيا و الدار الآخرة هي التي يعادون فيها خلقا جديدا فإذا قال دار الآخرة فكأنه قال دار الحال الآخرة لأن للناس حالين حال الدنيا و حال الآخرة و مثل هذا في الكلام الصلاة الأولى و صلاة الأولى فمن قال الصلاة الأولى جعل الأولى نعتا للصلاة و من قال صلاة الأولى أراد صلاة الفريضة الأولى و الساعة الأولى « أ فلا تعقلون » أي أ فلا يفهمون ما قيل لهم فيعلمون .
حَتى إِذَا استَيْئَس الرُّسلُ وَ ظنُّوا أَنهُمْ قَدْ كذِبُوا جَاءَهُمْ نَصرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشاءُ وَ لا يُرَدُّ بَأْسنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ(110) لَقَدْ كانَ فى قَصصِهِمْ عِبرَةٌ لأُولى الأَلْبَبِ مَا كانَ حَدِيثاً يُفْترَى وَ لَكن تَصدِيقَ الَّذِى بَينَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كلِّ شىْء وَ هُدًى وَ رَحْمَةً لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ(111)

القراءة

قرأ أهل الكوفة و أبو جعفر « كذبوا » بالتخفيف و هي قراءة علي و زين العابدين
مجمع البيان ج : 5 ص : 413
و محمد بن علي و جعفر بن محمد و زيد بن علي و ابن عباس و ابن مسعود و سعيد بن جبير و عكرمة و الضحاك و الأعمش و غيرهم و قرأ الباقون كذبوا بالتشديد و هي قراءة عائشة و الحسن و عطا و الزهري و قتادة و روي عن ابن عباس بخلاف و مجاهد بخلاف كذبوا بالتخفيف و فتح الذال و الكاف و قرأ عاصم و ابن عامر و يعقوب و سهل « فنجي من نشاء » بنون واحدة و تشديد الجيم و فتح الياء و قرأ الباقون فننجي من نشاء بنونين و تخفيف الجيم و سكون الياء و في الشواذ عن ابن محيصن فنجا بفتح النون و الجيم و التخفيف و عن عيسى الثقفي و لكن تصديق الذي بين يديه و تفصيل كل شيء و هدى و رحمة برفع الأحرف الثلاثة و القراءة بنصبها .

الحجة

قال أبو علي الضمير في ظنوا في قول من شدد كذبوا للرسل تقديره ظن الرسل أي تيقنوا أو ظنوا الظن الذي هو حسبان و معنى كذبوا تلقوا بالتكذيب كقولهم جبنته خطأته و تكذيبهم إياهم يكون بأن يلقوا بذلك كقولهم له و إن نظنك لمن الكاذبين أو بما يدل عليه و إن خالفه في اللفظ و من حجة التثقيل قوله « فقد كذبت رسل من قبلك » و قوله « و كذبوا رسلي » و قوله « إلا كذب الرسل » و أما من خفف فقال كذبوا فهو من قولهم كذبتك الحديث أي لم أصدقك و في التنزيل و قعد الذين كذبوا الله و رسوله و قياسه إذا اعتبر الخلاف أن يتعدى إلى مفعولين كما تعدى صدق في قوله « لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق » و قال الأعشى :
فصدقته و كذبته
و المرء ينفعه كذابه قال سيبويه كذب يكذب كذبا و قالوا كذابا فجاؤوا به على فعال و قد خففه الأعشى و قال ذو الرمة :
و قد حلفت بالله مية ما الذي
أقول لها إلا الذي أنا كاذبة و الضمير الذي في قوله « و ظنوا أنهم قد كذبوا » للمرسل إليهم و ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به من أنهم إن لم يؤمنوا أنزل بهم العذاب و إنما ظنوا ذلك لما شاهدوه من إمهال الله إياهم و إملائه لهم فإن قلت كيف يجوز أن يحمل الضمير في ظنوا على أنه للمرسل إليهم الرسل و الذين قد تقدم ذكرهم الرسل دون المرسل إليهم قيل إن ذلك لا يمتنع لأن ذكر الرسل يدل على المرسل إليهم لمقاربة إحدى الاسمين الآخر و لما في لفظ الرسل من
مجمع البيان ج : 5 ص : 414
الدلالة على المرسل إليهم و قد قال الشاعر :
أ منك البرق أرقبه فهاجا
فبت أخاله دهما خلاجا أي بت أخال الرعد صوت دهم فأضمر الرعد و لم يجر له ذكر لدلالة البرق عليه لمقاربة لفظ كل واحد منهما للآخر و في التنزيل سرابيل تقيكم الحر و استغني عن ذكر البرد لدلالة الحر عليه و إن شئت قلت أن ذكرهم قد جرى في قوله « أ فلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم » فيكون الضمير للذين من قبلهم من مكذبي رسل الله فإن ذهب ذاهب إلى أن المعنى ظن الرسل أن الذي وعد الله سبحانه أممهم على لسانهم قد كذبوا به فقد أتى عظيما لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء و لا إلى صالحي عباد الله تعالى و كذلك من زعم أن ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا فظنوا أنهم قد أخلفوا لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا المؤمل قال حدثنا إسماعيل بن علية عن أبي المعلى عن سعيد بن جبير في قوله « حتى إذا استيئس الرسل و ظنوا أنهم قد كذبوا » قال إن الرسل يئسوا من قومهم أن يؤمنوا و أن قومهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما قالوا لهم أتاهم نصر الله عند ذلك و أما قوله « فنجي من نشاء » فإن ننجي حكاية للحال لأن القصة مما قد مضى و إنما حكي فعل الحال كما كانت عليه كما أن قوله « و إن ربك ليحكم بينهم » حكاية للحال الكائنة و كما أن قوله « ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين » جاء على الحكاية للحال الكائنة و من ذلك قوله « و كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد » فلو لا حكاية الحال لم يعمل اسم الفاعل لأنه إذا مضى اختص و صار معهودا فخرج بذلك من شبه الفعل أ لا ترى أن الفعل لا يكون معهودا فكما أن اسم الفاعل إذا وصف أو حقر لم يعمل عمل الفعل لزوال شبه الفعل عنه بالاختصاص الذي يحدثه فيه التحقير و الوصف كذلك إذا كان ماضيا و أما النون الثانية من ننجي فهي مخفاة مع الجيم و كذلك النون مع سائر حروف الفم لا تكون إلا مخفاة قال أبو عثمان تبيينها معها لحن و للنون مع الحروف ثلاث أحوال الإدغام و الإخفاء و البيان و إنما تدغم إذا كانت مع مقاربها كما يدغم سائر المقاربة فيما يقاربه و الإخفاء فيها مع حروف الفم التي لا تقاربها و البيان فيها مع حروف الحلق فأما حذف النون الثانية من الخط فيشبه أن يكون لكراهة اجتماع المثلين فيه أ لا ترى أنهم كتبوا مثل العليا و الدنيا و يحيا و نحو ذلك بالألف فلو لا اجتماعها مع الياء لكتبت بالياء كما كتبت حبلى و يخشى و ما لم يكن فيه ياء من هذا النحو بالياء فكأنهم لما كرهوا اجتماع المثلين في الخط حذفوا النون و قوي ذلك أنه لا يجوز فيها إلا الإخفاء و لا يجوز فيها البيان فأشبه بذلك الإدغام لأن
مجمع البيان ج : 5 ص : 415
الإخفاء لا يبين فيه الحرف المخفي كما أن الإدغام لا يبين فيه الحرف المدغم بيانه في غير الإدغام فلما وافق النون المدغم في هذا الوجه أستجيز حذفه من الخط و من ذهب إلى أن النون الثانية مدغمة في الجيم فقد غلط لأنها ليست مثل الجيم و لا مقاربة لها و إذا خلا الحرف من هذين الوجهين لم يدغم فيما اجتمع معه و من قرأ فنجي فإنه أتى على لفظ الماضي لأن القصة ماضية و يقوي ذلك أنه عطف عليه فعل مسند إلى المفعول به و هو قوله « و لا يرد بأسنا عن القوم المجرمين » و لو كان ننجي مسندا إلى الفاعل كقول من خالفه لكان لا نرد بأسنا أشبه ليكون مثل المعطوف عليه و من قرأ « تصديق الذي بين يديه » و ما بعده بالرفع فيكون التقدير لكن هو تصديق الذي بين يديه و تفصيل كل شيء فحذف المبتدأ و بقي الخبر .

اللغة

استيئس بمعنى يئس كأنه طلب اليأس لعلمه بامتناع الأمر و البأس الشدة و هو شدة الأمر على النفس و منه البؤس الفقر و منه لا بأس عليك و القصص الخبر يتلو بعضه بعضا من أخبار من تقدم و العبرة الدلالة التي تعبر إلى البغية و الألباب العقول واحدها لب و إنما سمي بذلك لأنه أنفس شيء في الإنسان و لب كل شيء خياره .

المعنى

ثم أخبر سبحانه و تعالى عن حال الرسل مع أممهم تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « حتى إذا استيئس الرسل » و هاهنا حذف يدل الكلام عليه و تقديره إنا أخرنا العقاب عن الأمم السالفة المكذبة لرسلنا كما أخرناه عن أمتك يا محمد حتى إذا بلغوا إلى حالة يأس الرسل عن إيمانهم و تحقق يأسهم بإخبار الله تعالى إياهم « و ظنوا أنهم قد كذبوا » أي تيقن الرسل أن قومهم كذبوهم تكذيبا عاما حتى أنه لا يصلح واحد منهم عن عائشة و الحسن و قتادة و أبي علي الجبائي و من خفف فمعناه ظن الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم من نصر الله إياهم و إهلاك أعدائهم عن ابن عباس و ابن مسعود و سعيد بن جبير و مجاهد و ابن زيد و الضحاك و أبي مسلم و قيل يجوز أن يكون الضمير في ظنوا راجعا إلى الرسل أيضا و يكون معناه و علم الرسل أن الذين وعدوهم الإيمان من قومهم أخلفوهم أو كذبوا فيما أظهروه من الإيمان و روي أن سعيد بن جبير و الضحاك اجتمعا في دعوة فسئل سعيد بن جبير في هذه الآية كيف يقرأها فقال « و ظنوا أنهم قد كذبوا » بالتخفيف بمعنى و ظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم فقال الضحاك ما رأيت كاليوم قط لو رحلت في هذه إلى اليمن لكان قليلا و روى أبي مليكة عن ابن عباس قال كانوا بشرا فضعفوا و يئسوا و ظنوا أنهم قد أخلفوا ثم تلا قوله تعالى « حتى يقول الرسول و الذين آمنوا معه متى نصر الله » الآية و هذا بعيد و قد بينا ما فيه
مجمع البيان ج : 5 ص : 416
« جاءهم » أي جاء الرسل « نصرنا » حين يأسوا بإرسال العذاب على الكفار « فنجي من نشاء » أي نخلص من نشاء من العذاب عند نزوله و هم المؤمنون « و لا يرد بأسنا » أي عذابنا « عن القوم المجرمين » أي المشركين « لقد كان في قصصهم » أي في قصص يوسف و إخوته « عبرة » أي فكرة و بصيرة من الجهل و موعظة و هو ما أصابه (عليه السلام) من ملك مصر و الجمع بينه و بين أبويه و إخوته بعد إلقائه في الجب و بيعه و حبسه و قيل في قصصهم عبرة لأن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يقرأ كتابا و لا سمع حديثا و لا خالط أهله ثم حدثهم به في حسن معانيه و براعة ألفاظه و مبانيه بحيث لم يرد عليه أحد من ذلك شيئا فهذا من أدل الدلائل على صدقه و صحة نبوته « لأولي الألباب » أي لذوي العقول « ما كان حديثا يفترى » أي ما كان ما أداه محمد أو أنزل عليه حديثا يختلق كذبا « و لكن تصديق الذي بين يديه » أي و لكن كان تصديق الكتب الذي بين يديه لأنه جاء كما بشر به في الكتب عن الحسن و قتادة « و تفصيل كل شيء » أي و بيان كل شيء يحتاج إليه من الحلال و الحرام و شرائع الإسلام « و هدى » أي و دلالة « و رحمة » أي و نعمة ينتفع بها المؤمنون علما و عملا « لقوم يؤمنون » إنما خصهم بذلك لأنهم المنتفعون به دون غيرهم و بالله التوفيق و العصمة و هو حسبنا و نعم الوكيل .

 

 

 
Back Index