جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 6 ص : 581
أي يجعل لكم أثاثا و متاعا .

المعنى

ثم عدد سبحانه نعما له أخر فقال « و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم » منعما عليكم بذلك و أنتم « لا تعلمون شيئا » من منافعكم و مضاركم في تلك الحال « و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة » أي تفضل عليكم بالحواس الصحيحة التي هي طرق إلى العلم بالمدركات و تفضل عليكم بالقلوب التي تفقهون بها الأشياء إذ هي محل المعارف « لعلكم تشكرون » أي لكي تشكروه على ذلك و تحمدوه ثم عطف سبحانه على ما تقدم من الدلائل بدلالة أخرى فقال أ لم تروا أي أ لم تتفكروا و تنظروا « إلى الطير مسخرات في جو السماء » أي كيف خلقها الله خلقة يمكنها معها التصرف في جو السماء صاعدة و منحدرة و ذاهبة و جائية مذللات للطيران في الهواء بأجنحتها تطير من غير أن تعتمد على شيء « ما يمسكهن إلا الله » أي ما يمسكهن من السقوط على الأرض من الهواء إلا الله فيمسك الهواء تحت الطير حتى لا ينزل فيه كإمساك الماء تحت السائح في الماء حتى لا ينزل فيه فجعل إمساك الهواء تحتها إمساكا لها على التوسع فإن سكونها في الجو إنما هو فعلها فالمعنى أ لم تنظروا في ذلك فتعلموا أن لها مسخرا و مدبرا لا يعجزه شيء و لا يتعذر عليه شيء و إنه إنما خلق ذلك ليعتبروا به فيصلوا إلى الثواب الذي عرضهم له و لو كان فعل ذلك لمجرد الأنعام على العبيد لكان حسنا لكنه سبحانه و تعالى ضم إلى ذلك التعريض للثواب « إن في ذلك لآيات » أي دلالات على وحدانية الله تعالى و قدرته « لقوم يؤمنون » لأنهم الذين انتفعوا به ثم عدد سبحانه نعما أخر في الآية الأخرى فقال « و الله جعل لكم من بيوتكم سكنا » أي موضعا تسكنون فيه مما يتخذ من الحجر و المدر و ذلك أنه سبحانه خلق الخشب و المدر و الآلة التي يمكن بها تسقيف البيوت و بناؤها « و جعل لكم من جلود الأنعام » يعني الأنطاع و الأدم « بيوتا تستخفونها » أي قبابا و خياما يخف عليكم حملها في أسفاركم « يوم ظعنكم » أي ارتحالكم من مكان إلى مكان و قيل معنى الظعن سير أهل البوادي لنجعة أو حضور ماء أو طلب مرتع « و يوم إقامتكم » أي اليوم الذي تنزلون موضعا تقيمون فيه أي لا يثقل عليكم في الحالتين « و من أصوافها » و هي للضأن « و أوبارها » و هي للإبل « و أشعارها » و هي للمعز « أثاثا » أي مالا عن ابن عباس و قيل نوعا من متاع البيت من الفراش و الأكسية و قيل طنافس و بسطا و ثيابا و كسوة و الكل متقارب « و متاعا » تتمتعون به و معاشا تتجرون فيه « إلى حين » أي إلى يوم القيامة عن الحسن و قيل إلى وقت الموت عن الكلبي و يحتمل أن يكون أراد به موت المالك أو موت الأنعام و قيل إلى وقت البلى و الفناء و فيه إشارة إلى أنها فانية فلا ينبغي للعاقل أن يختارها على نعيم الآخرة .

مجمع البيان ج : 6 ص : 582
وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَلاً وَ جَعَلَ لَكم مِّنَ الْجِبَالِ أَكنَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ سرَبِيلَ تَقِيكمُ الْحَرَّ وَ سرَبِيلَ تَقِيكم بَأْسكمْ كَذَلِك يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكمْ لَعَلَّكُمْ تُسلِمُونَ(81) فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَغُ الْمُبِينُ(82) يَعْرِفُونَ نِعْمَت اللَّهِ ثُمَّ يُنكرُونهَا وَ أَكثرُهُمُ الْكَفِرُونَ(83) وَ يَوْمَ نَبْعَث مِن كلِّ أُمَّة شهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كفَرُوا وَ لا هُمْ يُستَعْتَبُونَ(84) وَ إِذَا رَءَا الَّذِينَ ظلَمُوا الْعَذَاب فَلا يخَفَّف عَنهُمْ وَ لا هُمْ يُنظرُونَ(85)

اللغة

الأكنان جمع كن و هو الموضع الذي يستتر صاحبه فيه و يقال كننت الشيء في كنه أي صنته و أكننته أي أخفيته و كل ما لبسته من قميص أو درع أو جوشن أو غيره فهو كن قال الزجاج و العتب الموجدة يقال عتب عليه يعتب إذا وجد عليه فإذا فاوضه ما عتب عليه قالوا عاتبه و إذا رجع إلى مسرته قيل أعتب و الاسم العتبي و هو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب و استعتبه طلب منه أن يعتب قال أبو مسلم الاستعتاب مأخوذ من العتاب و العتب و أصله دبغ الأديم و هو عتابه و في المثل إنما يعاتب الأديم ذو البشرة يقال عتبت على فلان و استعتبته إذا أنكرت منه فعلا و استنزلته عنه و أردت إصلاحه و أعتبك فلان إذا صار لك إلى ما تحب و زال عما تكره .

الإعراب

« فإن تولوا » شرط و تقديره فإن تولوا لم يلزمك تقصير من أجل توليهم فإن الذي عليك هو البلاغ إلا أنه حذف الجزاء لدلالة الكلام عليه .
« للذين كفروا » في محل الرفع لوقوع الإذن عليه .

المعنى

ثم عدد سبحانه نعما أخر أضافها إلى ما عدده قبل من نعمة فقال « و الله جعل لكم مما خلق » من الأشجار و الأبنية « ظلالا » أي أشياء تستظلون بها في الحر و البرد « و جعل لكم من الجبال أكنانا » أي مواضع تسكنون بها من كهوف و ثقوب و تأوون إليها « و جعل لكم سرابيل » أي قميصا من القطن و الكتان و الصوف عن ابن عباس و قتادة
مجمع البيان ج : 6 ص : 583
« تقيكم الحر » و لم يقل و تقيكم البرد لأن ما وقى الحر وقى البرد و إنما خص الحر بذلك مع أن وقايتها للبرد أكثر لأن الذين خوطبوا بذلك أهل حر في بلادهم فحاجتهم إلى ما يقي الحر أكثر عن عطا على أن العرب تكتفي بذكر أحد الشيئين عن الآخر للعلم به كما قال الشاعر :
و ما أدري إذا يممت أرضا
أريد الخير أيهما يليني فكنى عن الشر و لم يذكره لأنه مدلول عليه ذكره الفراء « و سرابيل تقيكم بأسكم » يعني دروع الحديد تقيكم شدة الطعن و الضرب و تدفع عنكم سلاح أعدائكم « كذلك » أي مثل ما جعل لكم هذه الأشياء و أنعم بها عليكم « يتم نعمته عليكم » يريد نعمة الدنيا و يدل عليه قوله « لعلكم تسلمون » قال ابن عباس معناه لعلكم يا أهل مكة تعلمون أنه لا يقدر على هذا غيره فتوحدوه و تصدقوا رسوله « فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين » هذا تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و معناه فإن أعرضوا عن الإيمان بك يا محمد و القبول عنك و عن التدبر لما عددته في هذه السورة من النعم و بينت فيها من الدلالات فلا عتب عليك و لا لوم فإنما عليك البلاغ الظاهر و قد بلغت كما أمرت و البلاغ الاسم و التبليغ المصدر مثل الكلام و التكليم ثم أخبر سبحانه عن الكفار فقال « يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها » أي يعرفون نعم الله تعالى عليهم بما يجدونه من خلق نفوسهم و إكمال عقولهم و خلق أنواع المنافع التي ينتفعون بها لهم ثم أنهم مع ذلك ينكرون تلك النعم أن تكون من جهة الله تعالى خاصة بل يضيفونها إلى الأوثان و يشكرون الأوثان عليها يقولون رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا فيشركونهم معه فيها و قيل أن معناه يعرفون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو من نعم الله سبحانه ثم يكذبونه و يجحدونه عن السدي « و أكثرهم الكافرون » إنما قال أكثرهم لأن منهم من لم تقم الحجة عليه إذ لم يبلغ حد التكليف لصغره أو كان ناقص العقل مأووفا أو لم تبلغه الدعوة فلا يقع عليه اسم الكفر و قيل إنما ذكر الأكثر لأنه علم سبحانه أن فيهم من يؤمن و قيل أنه من الخاص في الصيغة العام في المعنى عن الجبائي و قريب منه قول الحسن أراد جميعهم الكافرون و إنما عدل عن البعض احتقارا له أن يذكره و في هذه الآية دلالة على فساد قول المجبرة أنه ليس لله تعالى على الكافر نعمة و إن جميع ما فعله بهم إنما هو خذلان و نقمة لأنه سبحانه نص في هذه الآية على خلاف قولهم « و يوم نبعث من كل أمة شهيدا » يعني يوم القيامة بين سبحانه أنه
مجمع البيان ج : 6 ص : 584
يبعث فيه من كل أمة شهيدا و هم الأنبياء و العدول من كل عصر يشهدون على الناس بأعمالهم و قال الصادق (عليه السلام) لكل زمان و أمة إمام تبعث كل أمة مع إمامها و فائدة بعث الشهداء مع علم الله سبحانه بذلك أن ذلك أهول في النفس و أعظم في تصور الحال و أشد في الفضيحة إذا قامت الشهادة بحضرة الملأ مع جلالة الشهود و عدالتهم عند الله تعالى و لأنهم إذا علموا أن العدول عند الله يشهدون عليهم بين يدي الخلائق فإن ذلك يكون زجرا لهم عن المعاصي و تقديره و اذكر يوم نبعث « ثم لا يؤذن للذين كفروا » أي لا يؤذن لهم في الكلام و الاعتذار عن ابن عباس كما قال و لا يؤذن لهم فيعتذرون و قيل معناه لا يؤذن لهم في الرجوع إلى الدنيا و قيل معناه لا يسمع منهم العذر يقال أذنت له أي استمعت كما قال عدي بن زيد :
في سماع يأذن الشيخ له
و حديث مثل ما ذي مشار عن أبي مسلم « و لا هم يستعتبون » أي لا يسترضون و لا يستصلحون كما كان يفعل بهم في دار الدنيا لأن الآخرة ليست بدار تكليف و معناه لا يسألون أن يرضوا الله بالكف عن معصية يرتكبونها « و إذا رءا الذين ظلموا العذاب » معناه إذا رأى الذين أشركوا بالله تعالى النار « فلا يخفف عنهم » العذاب « و لا هم ينظرون » أي لا يمهلون و لا يؤخرون بل عذابهم دائم في جميع الأوقات فإن وقت التوبة و الندم قد فأت .

النظم

وجه اتصال قوله « فإن تولوا » بما قبله أنه سبحانه أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يذكرهم بهذه النعم و يحتج عليهم بهذه الحجج فإن أسلموا فذاك و إن أعرضوا فلا شيء على الرسول فإنما عليه البلاغ المبين فقط و وجه اتصال الآية الأخيرة بما قبلها و هي قوله « و يوم نبعث من كل أمة شهيدا » أنها تتصل بقوله « فإنما عليك البلاغ » لأن المعنى أن نجازيهم على أعمالهم يوم نبعث من كل أمة شهيدا و قال أبو مسلم أنه عطف على قوله « و الله خلقكم ثم يتوفاكم » يريد ثم يبعثكم يوم يبعث من كل أمة شهيدا .

مجمع البيان ج : 6 ص : 585
وَ إِذَا رَءَا الَّذِينَ أَشرَكُوا شرَكاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِن دُونِك فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكذِبُونَ(86) وَ أَلْقَوْا إِلى اللَّهِ يَوْمَئذ السلَمَ وَ ضلَّ عَنْهُم مَّا كانُوا يَفْترُونَ(87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صدُّوا عَن سبِيلِ اللَّهِ زِدْنَهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كانُوا يُفْسِدُونَ(88) وَ يَوْمَ نَبْعَث فى كلِّ أُمَّة شهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَ جِئْنَا بِك شهِيداً عَلى هَؤُلاءِ وَ نَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَب تِبْيَناً لِّكلِّ شىْء وَ هُدًى وَ رَحْمَةً وَ بُشرَى لِلْمُسلِمِينَ(89) * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الاحْسنِ وَ إِيتَاى ذِى الْقُرْبى وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنكرِ وَ الْبَغْىِ يَعِظكُمْ لَعَلَّكمْ تَذَكَّرُونَ(90)

اللغة

تقول ألقيت الشيء إذا طرحته و اللقي الشيء الملقى و ألقيت إليه مقالة أي قلتها له و تلقاها إذا قبلها و السلم الاستسلام و الانقياد و التبيان و البيان واحد .
الأزهري قال : العرب تقول بينت الشيء تبيينا و تبيانا .

المعنى

ثم أبان سبحانه عن حال المشركين يوم القيامة فقال « و إذا رءا الذين أشركوا شركاءهم » يعني الأصنام و الشياطين الذين أشركوهم مع الله في العبادة و قيل سماهم شركاءهم لأنهم جعلوا لهم نصيبا من الزرع و الأنعام فهم إذا شركاؤهم على زعمهم « قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك » أي يقولون هؤلاء شركاؤنا التي أشركناها معك في الإلهية و العبادة و أضلونا عن دينك فحملهم بعض عذابنا « فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون » معناه فقالت الأصنام و سائر ما كانوا يعبدونه من دون الله بإنطاق الله تعالى إياهم لهؤلاء إنكم لكاذبون في أنا أمرناكم بعبادتنا و لكنكم اخترتم الضلال بسوء اختياركم لأنفسكم و قيل إنكم لكاذبون في قولكم إنا آلهة و إلقاء المعنى إلى النفس إظهاره لها حتى تدركه متميزا عن غيره « و ألقوا إلى الله يومئذ السلم » معناه و استسلم المشركون و ما عبدوهم من دون الله لأمر الله و انقادوا لحكمه يومئذ عن قتادة و قيل معناه أن المشركين زال عنهم نخوة الجاهلية و انقادوا قسرا لا اختيارا و اعترفوا بما كانوا ينكرونه من توحيد الله تعالى « و ضل عنهم ما كانوا يفترون » أي بطل ما كانوا يأملونه و يتمنونه من الأماني الكاذبة من أن
مجمع البيان ج : 6 ص : 586
آلهتهم تشفع لهم و تنفع « الذين كفروا و صدوا عن سبيل الله » أي أعرضوا عن دين الله و قيل صدوا غيرهم عن اتباع الحق الذي هو سبيل الله و قيل صد المسلمين عن البيت الحرام عن أبي مسلم « زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون » أي عذبناهم على صدهم عن دين الله زيادة على عذاب الكفر و قيل زدناهم الأفاعي و العقارب في النار لها أنياب كالنخل الطوال عن ابن مسعود و قيل هي أنهار من صفر مذاب كالنار يعذبون بها عن ابن عباس و مقاتل و قيل زيدوا حيات كأمثال الفيلة و البخت و عقارب كالبغال الدلم عن سعيد بن جبير « و يوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم » أي من أمثالهم من البشر و يجوز أن يكون ذلك الشهيد نبيهم الذي أرسل إليهم و يجوز أن يكون المؤمنون العارفون يشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي و في هذا دلالة على أن كل عصر لا يجوز أن يخلو ممن يكون قوله حجة على أهل عصره و هو عدل عند الله تعالى و هو قول الجبائي و أكثر أهل العدل و هذا يوافق ما ذهب إليه أصحابنا و إن خالفوهم في أن ذلك العدل و الحجة منه هو « و جئنا بك » يا محمد « شهيدا على هؤلاء » يريد على قومك و أمتك و إنما أفرده بالذكر تشريفا له و تم الكلام هاهنا ثم قال سبحانه « و نزلنا عليك الكتاب » يعني القرآن « تبيانا لكل شيء » أي بيانا لكل أمر مشكل و معناه ليبين كل شيء يحتاج إليه من أمور الشرع فإنه ما من شيء يحتاج الخلق إليه في أمر من أمور دينهم إلا و هو مبين في الكتاب إما بالتنصيص عليه أو بالإحالة على ما يوجب العلم من بيان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الحجج القائمين مقامه أو إجماع الأمة فيكون حكم الجميع في الحاصل مستفادا من القرآن « و هدى و رحمة » أي و نزلنا عليك القرآن دلالة إلى الرشد و نعمة على الخلق لما فيه من الشرائع و الأحكام و لأنه يؤدي إلى نعم الآخرة « و بشرى للمسلمين » أي بشارة لهم بالثواب الدائم و النعيم المقيم « إن الله يأمر بالعدل » و هو الإنصاف بين الخلق و التعامل بالاعتدال الذي ليس فيه ميل و لا عوج « و الإحسان » إلى الناس و هو التفضل و لفظ الإحسان جامع لكل خير و الأغلب عليه استعماله في التبرع بإيتاء المال و بذل السعي الجميل و قيل العدل التوحيد و الإحسان أداء الفرائض عن ابن عباس و عطاء و قيل العدل في الأفعال و الإحسان في الأقوال فلا يفعل إلا ما هو عدل و لا يقول إلا ما هو حسن و قيل العدل أن ينصف و ينتصف و الإحسان أن ينصف و لا ينتصف « و إيتاء ذي القربى » أي و يأمركم بإعطاء الأقارب حقهم بصلتهم و هذا عام و قيل المراد بذي القربى قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذين أرادهم الله بقوله فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربى على ما مر تفسيره و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال نحن هم « و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي » إنما جمع بين الأوصاف الثلاثة في النهي مع أن الكل منكر فاحش ليبين بذلك
مجمع البيان ج : 6 ص : 587
تفصيل ما نهى عنه لأن الفحشاء قد يكون ما يفعله الإنسان في نفسه من القبيح مما لا يظهره و المنكر ما يظهره للناس مما يجب عليهم إنكاره و البغي ما يتطاول به من الظلم لغيره و قيل إن الفحشاء الزنا و المنكر ما ينكره الشرع و البغي الظلم و الكبر عن ابن عباس و قيل إن العدل استواء السريرة و العلانية و الإحسان أن تكون السريرة أحسن من العلانية و الفحشاء و المنكر أن تكون العلانية أحسن من السريرة عن سفيان بن عيينة « يعظكم لعلكم تذكرون » معناه يعظكم بما تضمنت هذه الآية من مكارم الأخلاق لكي تتذكروا و تتفكروا و ترجعوا إلى الحق قال عبد الله بن مسعود هذه الآية أجمع آية في كتاب الله للخير و الشر قال قتادة أمر الله سبحانه بمكارم الأخلاق و نهاهم عن سفاسف الأخلاق و جاءت الرواية أن عثمان بن مظعون قال كنت أسلمت استحياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لكثرة ما كان يعرض علي الإسلام و لما يقر الإسلام في قلبي فكنت ذات يوم عنده حال تأمله فشخص بصره نحو السماء كأنه يستفهم شيئا فلما سرى عنه سألته عن حاله فقال نعم بينا أنا أحدثك إذ رأيت جبرائيل في الهواء فأتاني بهذه الآية « إن الله يأمر بالعدل و الإحسان » و قرأها علي إلى آخرها فقر الإسلام في قلبي و أتيت عمه أبا طالب فأخبرته فقال يا آل قريش اتبعوا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) ترشدوا فإنه لا يأمركم إلا بمكارم الأخلاق و أتيت الوليد بن المغيرة و قرأت عليه هذه الآية فقال إن كان محمد قاله فنعم ما قال و إن قاله ربه فنعم ما قال فأنزل الله « أ فرأيت الذي تولى و أعطى قليلا و أكدى » يعني قوله فنعم ما قال و معنى قوله و أكدى أنه لم يقم على ما قاله و قطعه و عن عكرمة قال أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قرأ هذه الآية على الوليد بن المغيرة فقال يا ابن أخي أعد فأعاد فقال إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة و إن أعلاه لمثمر و إن أسفله لمغدق و ما هو قول البشر .

النظم

وجه اتصال قوله « و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء » بما قبله أنه سبحانه لما بين أن الأنبياء تشهد على أممهم يوم القيامة بين عقيبه أنه سبحانه قد كلف الجميع و أزاح عللهم في التكليف بأن أنزل القرآن بما فيه من البيان و الهداية و الرحمة و البشارة لأهل الإيمان و أنهم إذا عوقبوا فإنما أتوا في ذلك من قبل نفوسهم و هذا كله مما يدخل في الشهادة و وجه اتصال قوله « إن الله يأمر بالعدل » الآية بما قبله أنه سبحانه لما ذكر القرآن بين عقيبه ما يأمر به و ينهى عنه فيه و قيل إنه يتصل بقوله « و يوم نبعث » كأنه قال بعد ذكر القيامة و الشهود أنه يأمر بالعدل و ينهى عن الظلم فاعلموا أنه سبحانه لا يظلم أحدا بل يعدل و يتفضل و لذلك جاء بالشهود ليشهدوا على أممهم أنهم أتوا فيما لاقوه من العذاب من
مجمع البيان ج : 6 ص : 588
قبل أنفسهم .
وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَهَدتُّمْ وَ لا تَنقُضوا الأَيْمَنَ بَعْدَ تَوْكيدِهَا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ(91) وَ لا تَكُونُوا كالَّتى نَقَضت غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّة أَنكثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَنَكمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبى مِنْ أُمَّة إِنَّمَا يَبْلُوكمُ اللَّهُ بِهِ وَ لَيُبَيِّننَّ لَكمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تخْتَلِفُونَ(92) وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَ لَكِن يُضِلُّ مَن يَشاءُ وَ يَهْدِى مَن يَشاءُ وَ لَتُسئَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(93) وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمَنَكُمْ دَخَلا بَيْنَكمْ فَتزِلَّ قَدَمُ بَعْدَ ثُبُوتهَا وَ تَذُوقُوا السوءَ بِمَا صدَدتُّمْ عَن سبِيلِ اللَّهِ وَ لَكمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(94)

اللغة

التوكيد التشديد و أوكد عقدك أي شده و هي لغة أهل الحجاز و أهل نجد يقولون أكدت تأكيدا و الأنكاث الأنقاض واحدها نكث و النكث المصدر و هذا قول لا نكثة فيه أي لا خلف و كل شيء نقض بعد الفتل فهو أنكاث حبلا كان أو غزلا و الحبل منتكث أي منتقض و منه سموا من تابع الإمام طائعا ثم خرج عليه ناكثا لأنه نقض ما وكد على نفسه بالأيمان و العهود كفعل الناكثة غزلها و الدخل ما أدخل في الشيء على فساد و قيل الدخل الدغل و الخديعة و إنما قيل الدخل لأن داخل القلب على ترك الوفاء و الظاهر على الوفاء قال أبو عبيدة : كل أمر لم يكن صحيحا فهو دخل و كل ما دخله عيب فهو مدخول و أربى أفعل من الربا و هو الزيادة و منه الربوة و الربا في المال و أربى فلان للزيادة التي تريدها على عزيمة في رأس ماله قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 6 ص : 589

و أسمر خطي كان كعوبه
نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر .

الإعراب

أنكاثا منصوب لأنه في معنى المصدر دخلا بينكم منصوب لأنه مفعول له و المعنى تتخذون أيمانكم للدخل و الغش و قوله « أن تكون أمة » على تقدير بأن تكون أمة و هي أربى موضع أربى رفع مبتدأ و خبر و كلاهما في محل النصب بأنه خبر كان و قال الفراء : إن موضع أربى نصب و هي عماد و هذا لا يجوز لأن الفصل الذي يسميه الكوفيون عمادا لا يدخل بين النكرة و خبره و قد أخطأ أيضا بأن شبه ذلك بقوله « تجدوه عند الله هو خيرا » فإن الهاء في تجدوه معرفة و هاهنا أمة نكرة فلا يشبه ذلك و يجوز أن تكون الجملة صفة لأمة و لا يحتاج تكون إلى خبر لأنه بمعنى يحدث و يقع و أمة فاعله و تقديره كراهة أن تكون فهو مفعول له و لئلا يكون عند الكوفيين .

المعنى

لما تقدم ذكر الأمر بالعدل و الإحسان و النهي عن المنكر و العدوان عقبه سبحانه بالأمر بالوفاء بالعهد و النهي عن نقض الأيمان فقال « و أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم » قال ابن عباس الوعد من العهد و قال المفسرون العهد الذي يجب الوفاء به و الوعد هو الذي يحسن فعله و عاهد الله ليفعلنه فإنه يصير واجبا عليه « و لا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها » هذا نهي منه سبحانه عن نكث الأيمان و هو أن ينقضها بمخالفة موجبها و ارتكاب ما يخالف عقدها و قوله « بعد توكيدها » أي بعد عقدها و إبرامها و توثيقها باسم الله تعالى و قيل بعد تشديدها و تغليظها بالعزم و العقد على اليمين بخلاف لغو اليمين عن أبي مسلم « و قد جعلتم الله عليكم كفيلا » أي حسيبا فيما عاهدتموه عليه و قيل كفيلا بالوفاء و ذلك أن من حلف بالله فكأنه أكفل الله بالوفاء بما حلف و قيل أنه قولهم الله علي كفيل أو وكيل و قيل أراد به أن الكفيل بالشيء يكون حفيظا له و الإنسان إنما يؤكد الأمر على نفسه بذكر اسم الله تعالى على جهة اليمين ليحفظ سبحانه ذلك الأمر « إن الله يعلم ما تفعلون » من نقض العهد و الوفاء به فإياكم أن تلقوه و قد نقضتم و هذه الآية نزلت في الذين بايعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الإسلام فقال سبحانه للمسلمين الذين بايعوه لا يحملنكم قلة المسلمين و كثرة المشركين على نقض البيعة فإن الله حافظكم أي أثبتوا على ما عاهدتم عليه الرسول و أكدتموه بالأيمان و قيل نزلت في قوم خالفوا قوما فجاءهم قوم و قالوا نحن أكثر منهم و أعز و أقوى فانقضوا ذلك العهد و خالفونا
مجمع البيان ج : 6 ص : 590
« و لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة » أي لا تكونوا كالامرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار و فتل للغزل و هي امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن و لا يزال ذلك دأبها و اسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة و كانت تسمى خرقاء مكة عن الكلبي و قيل أنه مثل ضربه الله تعالى شبه فيه حال ناقض العهد بمن كان كذلك « أنكاثا » جمع نكث و هو الغزل من الصوف و الشعر يبرم ثم ينكث و ينقض ليغزل ثانية « تتخذون أيمانكم دخلا بينكم » أي دخلا و خيانة و مكرا و ذلك أنهم كانوا يخلفون في عهودهم و يضمرون الخيانة و كان الناس يسكنون إلى عهدهم ثم ينقضون العهد فقد اتخذوا أيمانهم مكرا و خيانة « أن تكون أمة هي أربى من أمة » أي لا تنقضوا العهد بسبب أن يكون قوم أكثر من قوم و أمة أعلى من أمة و لأجل ذلك و تقديره و لا تنكثوا أيمانكم متخذيها دغلا و غدرا و خديعة لمداراتكم قوما هم أكثر عددا ممن حلفتم له و لقلتكم و كثرتهم بل عليكم الوفاء بما حلفتم و الحفظ لما عاهدتم عليه « إنما يبلوكم الله به » أي إنما يختبركم الله بالأمر بالوفاء و الهاء في به عائدة على الأمر و تحقيقه أنه يعاملكم معاملة المختبر ليقع الجزاء بحسب العمل « و ليبينن » أي و ليفصلن « لكم يوم القيامة ما كنتم فيه » أي في صحته « تختلفون » و ليظهرن لكم حكمه حتى يعرف الحق من الباطل « و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة » أي لجعلكم مهتدين يعني به مشيئة القدرة كما قال و لو شاء الله لجمعهم على الهدى « و لكن يضل من يشاء » بالخذلان أو بالحكم عليه بالضلال « و يهدي من يشاء » بالتوفيق و بالحكم عليه بالهداية و قد ذكرنا معاني الضلال و الهدى في سورة البقرة « و لتسئلن عما كنتم تعملون » من الطاعات و المعاصي فستجازون على كل منهما بقدره « و لا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم » نهى سبحانه عن الحلف على أمر يكون باطنه بخلاف ظاهره فيضمر خلاف ما يظهر أي يضمر الخلف و الحنث فيه « فتزل قدم بعد ثبوتها » هذا مثل ضربه الله تعالى و معناه فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا على هدى يقال زل قدم فلان في أمر كذا إذا عدل عن الصواب و قيل معناه فيسخط الله عليكم بعد رضاه عنكم لأن ثبات القدم تكون برضاء الله سبحانه و زلة القدم تكون بسخطه و قيل أنها نزلت في الذين بايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على نصرة الإسلام و أهله فنهوا عن نقض ذلك « و تذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله » أي تذوقوا العذاب بما منعتم الناس عن اتباع دين الله « و لكم » مع ذلك « عذاب عظيم » يريد عذاب الآخرة و روي عن سلمان الفارسي ره أنه قال تهلك هذه الأمة بنقض مواثيقها و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال نزلت هذه الآيات في ولاية علي (عليه السلام) و ما كان من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سلموا على
مجمع البيان ج : 6 ص : 591
علي بإمرة المؤمنين .

النظم

وجه اتصال قوله « و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة » الآية بما قبله أنه أخبر في الآية المتقدمة أنه يبين لهم في الآخرة الحق من الباطل و المحق من المبطل بيان ضرورة فأخبر عقيب ذلك أنه يقدر على ذلك أيضا في الدنيا و لكنه لم يفعل ذلك ليستحق الناس الثواب بأعمالهم .
وَ لا تَشترُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيرٌ لَّكمْ إِن كنتُمْ تَعْلَمُونَ(95) مَا عِندَكمْ يَنفَدُ وَ مَا عِندَ اللَّهِ بَاق وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صبرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(96) مَنْ عَمِلَ صلِحاً مِّن ذَكر أَوْ أُنثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوةً طيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(97) فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْءَانَ فَاستَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشيْطنِ الرَّجِيمِ(98) إِنَّهُ لَيْس لَهُ سلْطنٌ عَلى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكلُونَ(99) إِنَّمَا سلْطنُهُ عَلى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُم بِهِ مُشرِكُونَ(100)

القراءة

قرأ أبو جعفر و ابن كثير و عاصم « و لنجزين » بالنون و الباقون بالياء و روى عياش عن أبي عمرو بالنون أيضا .

الحجة

حجة الياء « و ما عند الله باق » و النون في المعنى مثل الياء .

اللغة

النفاد الفناء و نفد الشيء ينفد نفادا إذا فنى و أنفد القوم إذا فنى زادهم و نافدت الرجل مثل حاكمته و معناه يرجع إلى أن كل واحد من الخصمين يريد نفاد حجة الآخر و منه الحديث إن نافدتهم نافدوك و من الناس من يرويه بالقاف و المعنى إن قلت قالوا لك و الباقي هو الموجود المستمر وجوده و قيل الموجود عن وجود من غير فصل و ضده الفاني و هو المعدوم
مجمع البيان ج : 6 ص : 592
بعد الوجود و اختلف المتكلمون في الباقي فقال البلخي إنه يبقى بمعنى هو بقاء و قال الأكثرون لا يحتاج إلى معنى به يبقى و البقاء هو استمرار الوجود و الاستعاذة طلب المعاذ استفعال من العوذ و العياذ و الله سبحانه معاذ من عاذ به و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) للمرأة التي قالت له أعوذ بالله منك لقد عذت بمعاذ فألحقي بأهلك و أصل السلطان من التسلط و هو القهر و إنما سميت الحجة سلطانا لأن الخصم به يقهر و قيل اشتق من السليط و هو دهن الزيت و سميت الحجة سلطانا لإضاءتها و في الحديث عن ابن عباس أ رأيت عليا و كأن عينيه سراجا سليط .

الإعراب

ما عند الله اسم أن و هو فصل و خير و خبره و ما عندكم مبتدأ و ينفد خبره و كذلك ما عند الله باق و إنما قال « و لنجزينهم » بلفظ الجمع لأن لفظ من يقع على الواحد و الجمع فرد الضمير على المعنى .

النزول

قال ابن عباس إن رجلا من حضرموت يقال له عبدان الأشرع قال يا رسول الله إن امرءا القيس الكندي جاورني في أرضي فاقتطع من أرضي فذهب بها مني و القوم يعلمون إني لصادق و لكنه أكرم عليهم مني فسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) امرءا القيس عنه فقال لا أدري ما يقول فأمره أن يحلف فقال عبدان إنه فاجر لا يبالي أن يحلف فقال إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزل قوله « و لا تشتروا بعهد الله » الآيتان فلما قرأهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال امرؤ القيس أما ما عندي فينفد و هو صادق فيما يقول لقد اقتطعت أرضه و لم أدر كم هي فليأخذ من أرضي ما شاء و مثلها معها بما أكلت من ثمرها فنزل فيه « من عمل صالحا » الآية .

المعنى

لما تقدم النهي عن نقض العهد أكد سبحانه فقال « و لا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا » أي لا تخالفوا عهد الله بسبب شيء يسير تنالونه من حطام الدنيا فتكونوا قد بعتم عظيم ما عند الله بالشيء الحقير « إن ما عند الله هو خير لكم » معناه إن الذي عند الله من الثواب على الوفاء بالعهود خير لكم و أشرف مما تأخذونه من عرض الدنيا على نقضها فإن القليل الذي يبقى خير من الكثير الذي يفنى فكيف بالكثير الذي يبقى في مقابلة القليل الذي يفنى « إن كنتم تعلمون » الفرق بين الخير و الشر و التفاوت الذي بين القليل الفاني و الكثير الباقي « ما عندكم ينفد و ما عند الله باق » بين سبحانه بهذا أن العلة التي لأجلها كان الثواب خيرا من متاع الدنيا هو أن الثواب الذي عند الله يبقى و الذي عندكم من نعيم الدنيا يفنى ثم أخبر سبحانه أنه يجزي الصابرين فقال « و لنجزين الذين صبروا » أي لنكافئن الذين ثبتوا على الطاعات و على الوفاء بالعهود « أجرهم » و ثوابهم « بأحسن ما كانوا يعملون » أي
مجمع البيان ج : 6 ص : 593
بالطاعات من الواجبات و المندوبات فإن أفعال المكلف قد تكون طاعة و قد تكون مباحا لا يقع الجزاء عليه و لا يستحق عليه أجر و لا حمد فلذلك قال سبحانه « بأحسن » فإن الطاعة أحسن من المباح و هذا يدل على فساد قول من يقول إنه لا يكون حسن أحسن من حسن « من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن » هذا وعد من الله سبحانه أي من عمل عملا صالحا سواء كان ذكرا أو أنثى و هو مع ذلك مؤمن مصدق بتوحيد الله مقر بصدق أنبيائه « فلنحيينه حياة طيبة » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن الحياة الطيبة الرزق الحلال عن ابن عباس و سعيد بن جبير و عطاء ( و ثانيها ) أنها القناعة و الرضا بما قسم الله عن الحسن و وهب و روي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ( و ثالثها ) أنها الجنة عن قتادة و مجاهد و ابن زيد قال الحسن لا يطيب لأحد حياة إلا في الجنة و قال ابن زيد أ لا ترى إلى قوله يا ليتني قدمت لحياتي ( و رابعها ) أنها رزق يوم بيوم ( و خامسها ) أنها حياة طيبة في القبر « و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون » مر تفسيره و إنما كرره تأكيدا « فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم » معناه إذا أردت يا محمد قراءة القرآن فاستعذ بالله من شر الشيطان المرجوم المطرود الملعون و هذا كما يقال إذا أكلت فاغسل يديك و إذا صليت فكبر و منه إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و الاستعاذة استدفاع الأدنى بالأعلى على وجه الخضوع و التذلل و تأويله استعذ بالله من وسوسة الشيطان عند قراءتك لتسلم في التلاوة من الزلل و في التأويل من الخطل و الاستعاذة عند التلاوة مستحبة غير واجبة بلا خلاف في الصلاة و خارج الصلاة و قد تقدم ذكر اختلاف القراء في لفظ الاستعاذة في أول الفاتحة « إنه » يعني الشيطان « ليس له سلطان » أي تسلط و قدرة « على الذين آمنوا » بالله « و على ربهم يتوكلون » و المعنى أنه لا يقدر على أن يكرههم على الكفر و المعاصي و قيل معناه ليس له حجة على ما يدعوهم إليه من المعاصي عن قتادة « إنما سلطانه على الذين يتولونه » معناه إنما تسلطه على الذين يطيعونه فيقبلون دعاءه و يتبعون إغواءه « و الذين هم به » أي بسبب طاعته « مشركون » بالله و قيل معناه و الذين هم بالله مشركون أي يشركون مع الله سبحانه غيره في العبادة عن مجاهد .

النظم

اتصل قوله « فإذا قرأت القرآن » الآيات بما قدمه سبحانه من الأمر بالطاعات فعقب ذلك بالاستعاذة من الشيطان الآمر بالمعاصي تحذيرا منه و إنما خص بالقرآن لأن القرآن هو العمدة في جميع أمور الدين و قيل اتصل بقوله « و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء » ثم اعترض ذكر الأوامر و النواهي ثم عاد الكلام إلى ذكر القرآن و الأمر بالاستعاذة عند قراءته .

مجمع البيان ج : 6 ص : 594
وَ إِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَّكانَ ءَايَة وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنت مُفْترِ بَلْ أَكْثرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ(101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّك بِالحَْقِّ لِيُثَبِّت الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ هُدًى وَ بُشرَى لِلْمُسلِمِينَ(102) وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشرٌ لِّسانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىُّ وَ هَذَا لِسانٌ عَرَبىُّ مُّبِينٌ(103) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِئَايَتِ اللَّهِ لا يهْدِيهِمُ اللَّهُ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(104) إِنَّمَا يَفْترِى الْكَذِب الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِئَايَتِ اللَّهِ وَ أُولَئك هُمُ الْكذِبُونَ(105)

القراءة

قرأ يلحدون بفتح الياء و الحاء أهل الكوفة غير عاصم و الباقون « يلحدون » بضم الياء و كسر الحاء و روي في الشواذ عن الحسن اللسان الذي يلحدون إليه بالألف و اللام .

الحجة

حجة من قرأ يلحدون قوله « و من يرد فيه بإلحاد » و من قرأ يلحدون فلأن لحد لغة في ألحد و ذلك إذا مال و منه أخذ اللحد لأنه في جانب القبر و يكون الضم أرجح من حيث لغة التنزيل .

اللغة

التبديل في اللغة رفع الشيء مع وضع غيره مكانه يقال بدله و أبدله و استبدل به بمعنى و اللسان العضو المعروف و يقال للغة اللسان و تقول العرب للقصيدة هذه لسان فلان قال الشاعر :
لسان السوء تهديها إلينا
و حنت و ما حسبتك أن تجينا .

المعنى

ثم قال سبحانه مخبرا عن أحوال الكفار « و إذا بدلنا آية مكان آية » معناه .

مجمع البيان ج : 6 ص : 595
و إذا نسخنا آية و آتيتنا مكانها آية أخرى إما نسخ الحكم و التلاوة و إما نسخ الحكم مع بقاء التلاوة « و الله أعلم بما ينزل » معناه و الله أعلم بمصالح ما ينزل فينزل كل وقت ما توجبه المصلحة و قد تختلف المصالح باختلاف الأوقات كما تختلف باختلاف الأجناس و الصفات « قالوا إنما أنت مفتر » أي قال المشركون إنما أنت كاذب على الله قال ابن عباس كانوا يقولون يسخر محمد بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر و غدا يأمرهم بأمر و إنه لكاذب يأتيهم بما يقول من عند نفسه « بل أكثرهم لا يعلمون » أي لا يعلمون أنه من عند الله أو لا يعلمون جواز النسخ و لأي سبب ورد النسخ « قل » يا محمد « نزله روح القدس » أي أنزل الناسخ جبرائيل (عليه السلام) « من ربك بالحق » أي بالأمر الحق الصحيح الثابت « ليثبت الذين آمنوا » بما فيه من الحجج و الآيات فيزدادوا تصديقا و يقينا و معنى تثبيته استدعاؤه لهم بألطافه و معونته إلى الثبات على الإيمان و الطاعة « و هدى » أي و هو هدى فيكون هدى خبر مبتدإ محذوف « و بشرى للمسلمين » أي بشارة لهم بالجنة و الثواب « و لقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر » يقول سبحانه أنا نعلم أن الكفار يقولون إن القرآن ليس من عند الله و إنما يعلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بشر قال ابن عباس قالت قريش إنما يعلمه بلعام و كان قينا بمكة روميا نصرانيا و قال الضحاك أراد به سلمان الفارسي ( ره ) قالوا إنه يتعلم القصص منه و قال مجاهد و قتادة أرادوا به عبدا لبني الحضرمي روميا يقال له يعيش أو عائش صاحب كتاب أسلم و حسن إسلامه و قال عبد الله بن مسلم كان غلامان في الجاهلية نصرانيان من أهل عين التمر اسم أحدهما يسار و اسم الآخر خير كانا صيقلين يقرآن كتابا لهما بلسانهم و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ربما مر بهما و استمع لقراءتهما فقالوا إنما يتعلم منهما ثم ألزمهم الله تعالى الحجة و أكذبهم بأن قال « لسان الذي يلحدون إليه أعجمي » أي لغة الذي يضيفون إليه التعليم و يميلون إليه القول أعجمية و لم يقل عجمي لأن العجمي هو المنسوب إلى العجم و إن كان فصيحا و الأعجمي هو الذي لا يفصح و إن كان عربيا أ لا ترى أن سيبويه كان عجميا و إن كان لسانه لسان اللغة العربية و قيل يلحدون إليه يرمون إليه و يزعمون أنه يعلمك أي لسان هذا البشر الذي يزعمون أنه يعلمك أعجمي لا يفصح و لا يتكلم بالعربية فكيف يتعلم منه ما هو في أعلى طبقات البيان « و هذا » القرآن « لسان عربي مبين » أي ظاهر بين لا يشكك يعني إذا كانت العرب تعجز عن الإتيان بمثله و هو بلغتهم فكيف يأتي الأعجمي بمثله قال الزجاج وصفه بأنه عربي أي صاحبه يتكلم بالعربية ثم أتبع سبحانه هذه الآية بذكر الوعيد للكفار على ما قالوه فقال « إن الذين لا يؤمنون ب آيات الله » أي بحجج الله التي أظهرها و المعجزات التي صدق بها قومك يا محمد « لا يهديهم الله و لهم عذاب أليم » أي لا يثبتهم الله على الإيمان أو لا
مجمع البيان ج : 6 ص : 596
يهديهم إلى طريق الجنة بدلالة أنه إنما نفى هداية من لا يؤمن فالظاهر أنه أراد بذلك الهدى الذي يكون ثوابا على الإيمان لا الهداية التي في قوله « أما ثمود فهديناهم » ثم بين سبحانه أن هؤلاء هم المفترون فقال « إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون ب آيات الله » أي إنما يخترع الكذب الذين لا يصدقون بدلائل الله تعالى دون من آمن بها لأن الإيمان يحجز عن الكذب « و أولئك هم الكاذبون » لا أنت يا محمد فحصر فيهم الكذب بمعنى أن الكذب لازم لهم و عادة من عاداتهم و هذا كما تقول كذبت و أنت كاذب فيكون قولك أنت كاذب زيادة في الوصف بالكذب و في الآية زجر عن الكذب حيث أخبر سبحانه أنه إنما يفتري الكذب من لا يؤمن و قد روي مرفوعا أنه قيل يا رسول الله مؤمن يزني قال قد يكون ذلك قيل يا رسول الله المؤمن يسرق قال قد يكون ذلك قيل يا رسول الله المؤمن يكذب قال لا ثم قرأ هذه الآية .

النظم

قيل في اتصال قوله « و إذا بدلنا آية مكان آية » بما تقدم وجهان ( أحدهما ) أنه من تمام صفة أولياء الشيطان المذكورين في قوله « على الذين يتولونه » و تقديره يتولون الشيطان و يشركون بالآية المنزلة و يقولون عند تبديل الآية مكان الآية الأخرى « إنما أنت مفتر » ( و الآخر ) أن الآية منقطعة عما قبلها و هي معطوفة على الآي المتقدمة التي فيها وصف أفعال الكافرين و الأول أوجه .

مجمع البيان ج : 6 ص : 597
مَن كفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَنِهِ إِلا مَنْ أُكرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطمَئنُّ بِالايمَنِ وَ لَكِن مَّن شرَحَ بِالْكُفْرِ صدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضبٌ مِّنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(106) ذَلِك بِأَنَّهُمُ استَحَبُّوا الْحَيَوةَ الدُّنْيَا عَلى الاَخِرَةِ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكفِرِينَ(107) أُولَئك الَّذِينَ طبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سمْعِهِمْ وَ أَبْصرِهِمْ وَ أُولَئك هُمُ الْغَفِلُونَ(108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فى الاَخِرَةِ هُمُ الْخَسِرُونَ(109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّك لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَهَدُوا وَ صبرُوا إِنَّ رَبَّك مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(110)

القراءة

قرأ ابن عامر فتنوا بفتح الفاء و التاء و الباقون « فتنوا » بضم الفاء و كسر التاء .

الحجة

قال أبو علي حجة من قرأ « فتنوا » أن الآية في المستضعفين المقيمين الذين كانوا بمكة و هم صهيب و عمار و بلال فتنوا و حملوا على الارتداد عن دينهم فمنهم من أعطى التقية و عمار منهم فإنه ممن أظهر ذلك تقية ثم هاجر و من قرأ فتنوا فيكون على معنى فتن نفسه بإظهار ما أظهر من التقية فكأنه يحكي الحال التي كانوا عليها من إظهار ما أخذوا به من التقية لأن الرخصة فيه لم تكن نزلت بعد و هي قوله « إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم » إلى قوله « إلا المستضعفين » و قوله « من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان » .

الإعراب

قال الزجاج قوله « من كفر بالله » في موضع رفع على البدل من الكاذبين و هو تفسير للكاذبين و لا يجوز أن يكون رفعا بالابتداء لأنه لا خبر هاهنا للابتداء فإن قوله « من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان » ليس بكلام تام و قوله « فعليهم غضب من الله » خبر قوله « من شرح بالكفر صدرا » و قال الكوفيون من كفر شرط و جوابه يدل عليه جواب من شرح فكأنه قيل من كفر فعليه غضب من الله و هذا كقوله من يأتنا فمن يحسن نكرمه فجواب الأول محذوف و قوله « أنهم في الآخرة هم الخاسرون » يجوز أن يكون في موضع رفع على أن يكون قوله « لا » من « لا جرم » ردا للكلام و المعنى وجب أنهم و يجوز أن يكون في موضع نصب على أن يكون المعنى جرم فعلهم هذا أنهم الخاسرون و تكون لا مزيدة و يجوز أن يكون معناه لا بد أنهم فيكون على حذف الجار أي لا بد من ذلك « ثم إن ربك » خبر إن قوله « غفور رحيم » و هذا من باب ما جاء في التنزيل إن فيه مكررا و كذلك الآية التي تأتي بعد « ثم إن ربك للذين عملوا السوء » الآية .

النزول

قيل نزل قوله « إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان » في جماعة أكرهوا و هم عمار و ياسر أبوه و أمه سمية و صهيب و بلال و خباب عذبوا و قتل أبو عمار و أمه و أعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه ثم أخبر سبحانه بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال قوم كفر عمار فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) كلا أن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه و اختلط الإيمان بلحمه و دمه و جاء عمار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو يبكي فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما وراءك فقال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك و ذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يمسح عينيه و يقول إن عادوا لك فعد لهم بما قلت
مجمع البيان ج : 6 ص : 598
فنزلت الآية عن ابن عباس و قتادة و قيل نزلت في أناس من أهل مكة آمنوا و خرجوا يريدون المدينة فأدركهم قريش و فتنوهم فتكلموا بكلمة الكفر كارهين عن مجاهد و قيل أن ياسرا و سمية أبوي عمار أول شهيدين في الإسلام و قوله « من كفر بالله » و « من شرح بالكفر صدرا » و هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح من بني عامر بن لؤي و أما قوله « ثم إن ربك للذين هاجروا » الآية فقيل إنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل من الرضاعة و أبي جندل بن سهيل بن عمرو و الوليد بن المغيرة و غيرهم من أهل مكة فتنهم المشركون فأعطوهم بعض ما أرادوا ثم أنهم هاجروا بعد ذلك و جاهدوا فنزلت الآية فيهم .

المعنى

« من كفر بالله من بعد إيمانه » اختلف في تقديره فقيل إن تقديره و تلخيص معناه من كفر بالله بأن يرتد عن الإسلام و شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله و لهم عذاب عظيم « إلا من أكره » فتكلم بكلمة الكفر على وجه التقية مكرها « و قلبه مطمئن » أي ساكن « بالإيمان » ثابت عليه فلا حرج عليه في ذلك و قيل إنه يتصل بما تقدم فمعناه إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه ثم استثني من ذلك من أكره على ذلك و كان مطمئن القلب إلى الإيمان في باطنه فإنه بخلافه « و لكن من شرح بالكفر صدرا » أي من اتسع قلبه للكفر و طابت نفسه به « فعليهم غضب من الله و لهم عذاب عظيم » و له العذاب في الآخرة ثم أشار سبحانه إلى العذاب العظيم فقال « ذلك بأنهم استحبوا » أي آثروا « الحياة الدنيا » و التلذذ فيها و الركون إليها « على الآخرة » عنى بذلك أنهم فعلوا ما فعلوه للدنيا طلبا لها دون طلب الآخرة « و أن الله لا يهدي القوم الكافرين » قد سبق معناه « أولئك الذين طبع الله على قلوبهم و سمعهم و أبصارهم » قد سبق معنى الطبع على القلوب و السمع و الأبصار في سورة البقرة « و أولئك هم الغافلون » وصفهم بعموم الغفلة مع أن الخواطر تزعجهم لجهلهم عما يؤدي إليه حالهم في الآخرة و قيل أراد أنهم بمنزلة الغافلين فيكون تهجينا لهم و ذما ثم قال « لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون » هذا تأكيد لحكم الخسار عليهم يعني أنهم هم المغبونون إذ حرموا الجنة و نعيمها و عذبوا في النار « ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا » أي عذبوا في الله و ارتدوا على الكفر فأعطوهم بعد ما أرادوا ليسلموا من شرهم « ثم جاهدوا » مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و صبروا » على الدين و الجهاد « إن ربك من بعدها » أي من بعد تلك الفتنة أو تلك الفعلة التي فعلوها من التفوه بكلمة الكفر « لغفور رحيم » .

النظم

و اتصلت هذه الآية الأخيرة بقوله « إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان »
مجمع البيان ج : 6 ص : 599
فبين سبحانه حالهم بعد ما تخلصوا من المشركين و هاجروا و جاهدوا عن أبي مسلم و قيل إنه لما تقدم ذكر الخاسرين أتبعه سبحانه بذكر من ربحت صفقته و هو من هاجر و جاهد .
* يَوْمَ تَأْتى كلُّ نَفْس تجَدِلُ عَن نَّفْسِهَا وَ تُوَفى كلُّ نَفْس مَّا عَمِلَت وَ هُمْ لا يُظلَمُونَ(111) وَ ضرَب اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَت ءَامِنَةً مُّطمَئنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كلِّ مَكان فَكفَرَت بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَقَهَا اللَّهُ لِبَاس الْجُوع وَ الْخَوْفِ بِمَا كانُوا يَصنَعُونَ(112) وَ لَقَدْ جَاءَهُمْ رَسولٌ مِّنهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَاب وَ هُمْ ظلِمُونَ(113) فَكلُوا مِمَّا رَزَقَكمُ اللَّهُ حَلَلاً طيِّباً وَ اشكرُوا نِعْمَت اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ وَ مَا أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضطرَّ غَيرَ بَاغ وَ لا عَاد فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(115)

القراءة

قرأ عباس بن الفضل عن أبي عمرو و الخوف بالنصب و الباقون بالجر و في الشواذ قراءة الأعرج و ابن يعمر و ابن إسحاق و عمرو بن نعيم بن ميسرة لما تصف ألسنتكم الكذب بالجر و قراءة مسلم بن محارب الكذب .

الحجة

من قرأ و الخوف بالنصب فإنه حمله على الإذاقة و الخوف لا يذاق على الحقيقة فحمله على اللباس أولى و قوله الكذب بالجر يكون على البدل من ما تصف و أما الكذب فهو وصف الألسنة و هو جمع كاذب أو كذوب .

اللغة

الأنعم جمع نعمة فهو مثل شدة و أشد و قيل أن واحدها نعم فهو كغصن
مجمع البيان ج : 6 ص : 600
و أغصن و قيل واحدها نعماء فيكون كبأساء و أبؤس و قوله « أذاقها الله » استعارة تقول العرب اركب هذا الفرس و ذقه أي اختبره قال الشماخ :
فذاق فأعطته من اللين جانبا
كفى و لها أن يغرق السهم حاجز يصف قوسا و قال الآخر :
و إن الله ذاق حلوم قيس
فلما رآء خفتها قلاها .

الإعراب

« يوم تأتي » منصوب على أحد شيئين إما على معنى أن ربك لغفور رحيم يوم تأتي و إما أن يكون على معنى العظة و التذكير أي اذكر يوم تأتي عن الزجاج .

المعنى

« يوم تأتي كل نفس » أراد به يوم القيامة « تجادل عن نفسها » أي تخاصم الملائكة عن نفسها و تحتج بما ليس فيه حجة و تقول و الله ربنا ما كنا مشركين و يقول أتباعهم ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذابا ضعفا من النار و يحتمل أن يكون المراد أنها تحتج عن نفسها بما تقدر به إزالة العقاب عنها « و توفى كل نفس ما عملت » أي جزاء ما عملت من خير و شر « و هم لا يظلمون » في ذلك « و ضرب الله مثلا قرية » أي مثل قرية « كانت آمنة » أي ذات أمن يأمن فيها أهلها لا يغار عليهم « مطمئنة » قارة ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بخوف أو ضيق « يأتيها رزقها رغدا من كل مكان » أي يحمل إليها الرزق الواسع من كل موضع و من كل بلد كما قال سبحانه يجبى إليه ثمرات كل شيء « فكفرت بأنعم الله » أي فكفر أهل تلك القرية بأنعم الله و لم يؤدوا شكرها « فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون » أي فأخذهم الله بالجوع و الخوف بصنيعهم و سوء فعالهم و سمي أثر الجوع و الخوف لباسا لأن أثر الجوع و الهزال يظهر على الإنسان كما يظهر اللباس و قيل لأنهم شملهم الجوع و الخوف كما يشمل اللباس و البدن و قيل إن هذه القرية هي مكة عن ابن عباس و مجاهد و قتادة عذبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا القد و العلهز و هو الوبر يخلط بالدم و القراد ثم يؤكل و هم مع ذلك خائفون وجلون من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أصحابه يغيرون عليهم قوافلهم و ذلك حين دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليهم فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر و اجعل عليهم سنين كسني يوسف و قيل إنها قرية كانت قبل نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعث الله إليهم نبيا
مجمع البيان ج : 6 ص : 601
فكفروا بذلك النبي و قتلوه فعذبهم الله بعذاب الاستئصال « و لقد جاءهم رسول منهم » يعني أهل مكة بعث الله عليهم رسولا من صميمهم ليتبعوه لا من غيرهم « فكذبوه » و جحدوا نبوته « فأخذهم العذاب و هم ظالمون » أي في حال كونهم ظالمين و عذابهم ما حل بهم من الجوع و الخوف المذكورين في الآية المتقدمة و ما نالهم يوم بدر و غيره من القتل و من قال إن المراد بالقرية غير مكة قال هذه صورة القرية المذكورة ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال « فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا » صيغته صيغة الأمر و المراد به الإباحة أي كلوا مما أعطاكم الله من الغنائم و أحلها لكم « و اشكروا نعمة الله » فيما خلقه لكم و أحله لكم « إن كنتم إياه تعبدون » و هذه الآية مع التي بعدها مفسرة في سورة البقرة .
وَ لا تَقُولُوا لِمَا تَصِف أَلْسِنَتُكمُ الْكَذِب هَذَا حَلَلٌ وَ هَذَا حَرَامٌ لِّتَفْترُوا عَلى اللَّهِ الْكَذِب إِنَّ الَّذِينَ يَفْترُونَ عَلى اللَّهِ الْكَذِب لا يُفْلِحُونَ(116) مَتَعٌ قَلِيلٌ وَ لهَُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(117) وَ عَلى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصصنَا عَلَيْك مِن قَبْلُ وَ مَا ظلَمْنَهُمْ وَ لَكِن كانُوا أَنفُسهُمْ يَظلِمُونَ(118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّك لِلَّذِينَ عَمِلُوا السوءَ بجَهَلَة ثمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِك وَ أَصلَحُوا إِنَّ رَبَّك مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(119)

الإعراب

« متاع قليل » خبر مبتدإ محذوف و تقديره متاعهم بهذا الذي فعلوه متاع قليل و تم الكلام عند قوله « لا يفلحون » .

المعنى

لما تقدم ذكر ما أحله الله سبحانه لهم و حرمه عليهم عقبه سبحانه بالنهي عن مخالفة أوامره و نواهيه في التحليل و التحريم فقال « و لا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب » و تقديره لوصف ألسنتكم الكذب « هذا حلال و هذا حرام » أي لا تقولوا لما
مجمع البيان ج : 6 ص : 602
حللتموه بأنفسكم مثل الميتة هذا حلال و لما حرمتموه مثل السائبة هذا حرام « لتفتروا على الله الكذب » أي لتكذبوا في إضافة التحريم إليه « إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون » أي لا ينجون من عذاب الله و لا ينالون خيرا « متاع قليل » معناه الذين هم فيه من الدنيا بشيء قليل ينتفعون به أياما قلائل « و لهم عذاب أليم » في الآخرة « و على الذين هادوا » يعني اليهود « حرمنا ما قصصنا عليك من قبل » يعني بذلك ما ذكره في سورة الأنعام من قوله « و على الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر » الآية عن الحسن و قتادة و عكرمة و عنى بقوله « من قبل » نزول هذه الآية لأن ما في سورة الأنعام نزل قبل هذه الآية « و ما ظلمناهم » بتحريم ذلك عليهم « و لكن كانوا أنفسهم يظلمون » بالعصيان و الكفر بنعم الله تعالى و الجحود بأنبيائه و استحقوا بذلك تحريم هذه الأشياء عليهم لتغيير المصلحة عند كفرهم و عصيانهم ثم ذكر سبحانه التائبين بعد تقدم الوعد و الوعيد فقال « ثم إن ربك » الذي خلقك يا محمد « للذين عملوا السوء » أي المعصية « بجهالة » أي بداعي الجهل فإنه يدعو إلى القبيح كما أن داعي العلم يدعو إلى الحسن و قيل بجهالة السيئات أو بجهالتهم للعاقبة و قيل بجهالة أنها سوء و قيل الجهالة هو أن يعجل بالإقدام عليها و يعد نفسه التوبة عنها « ثم تابوا » عن تلك المعصية « من بعد ذلك و أصلحوا » نياتهم و أفعالهم « إن ربك من بعدها » أي من بعد التوبة أو الجهالة أو المعصية « لغفور رحيم » و أعاد قوله « إن ربك » للتأكيد و ليعود الضمير في قوله « من بعدها » إلى الفعلة .

النظم

إنما اتصل قوله « و على الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك » بما تقدم ذكره من التحريم و التحليل ليبين أن ما كانوا يحرمونه و يحللونه بزعمهم ليس في التوراة كما أنه ليس ذلك في القرآن و قيل ليبين أنه إذا لم يحرم على اليهود جميع الطيبات بعصيانهم فكيف يحرم على المسلمين ذلك .

مجمع البيان ج : 6 ص : 603
إِنَّ إِبْرَهِيمَ كانَ أُمَّةً قَانِتاً لِّلَّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَك مِنَ الْمُشرِكِينَ(120) شاكراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَ هَدَاهُ إِلى صِرَط مُّستَقِيم(121) وَ ءَاتَيْنَهُ فى الدُّنْيَا حَسنَةً وَ إِنَّهُ فى الاَخِرَةِ لَمِنَ الصلِحِينَ(122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْك أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَهِيمَ حَنِيفاً وَ مَا كانَ مِنَ الْمُشرِكينَ(123) إِنَّمَا جُعِلَ السبْت عَلى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ إِنَّ رَبَّك لَيَحْكمُ بَيْنهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فِيمَا كانُوا فِيهِ يخْتَلِفُونَ(124)
<

المعنى

« إن إبراهيم كان أمة » اختلف في معناه فقيل قدوة و معلما للخير قال ابن الأعرابي يقال للرجل العالم أمة و هو قول أكثر المفسرين و قيل أراد إمام هدى عن قتادة و قيل سماه أمة لأن قوام الأمة كان به و قيل لأنه قام بعمل أمته و قيل لأنه انفرد في دهره بالتوحيد فكان مؤمنا وحده و الناس كفارا عن مجاهد « قانتا لله » أي مطيعا له دائما على عبادته عن ابن مسعود و قيل مصليا عن الحسن « حنيفا » أي مستقيما على الطاعة و طريق الحق و هو الإسلام « و لم يك من المشركين » بل كان موحدا « شاكرا لأنعمه » أي لأنعم الله معترفا بها « اجتباه » الله أي اختاره الله و اصطفاه « و هداه إلى صراط مستقيم » أي دله إلى الدين المستقيم و هو الإسلام و التوحيد « و آتيناه » أي أعطيناه « في الدنيا حسنة » أي نعمة سابغة في نفسه و في أولاده و هو قول هذه الأمة كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم و قيل هي النبوة و الرسالة عن الحسن و قيل هي أنه ليس من أهل دين إلا و هو يرضاه و يتولاه عن قتادة و قيل هي تنويه الله بذكره بطاعته لربه و مسارعته إلى مرضاته حتى صار إماما يقتدى به و يهتدى بهداه و قيل هي إجابة الله دعوته حتى أكرم بالنبوة ذريته « و إنه في الآخرة لمن الصالحين » و لم يقل لفي أعلى منازل الصالحين مع اقتضاء حاله ذلك ترغيبا في الصلاح فإنه عز اسمه بين أنه (عليه السلام) من جملة الصالحين مع علو رتبته و شرف منزلته تشريفا لهم و تنويها بذكر من هو منهم و ناهيك بهذا الترغيب في الصلاح و بهذا المدح لإبراهيم (عليه السلام) أن يشرف جملة هو منها حتى يصير الاستدعاء إليها بأنه فيها « ثم أوحينا إليك » يا محمد « أن اتبع ملة إبراهيم » أي أمرناك باتباع ملة إبراهيم « حنيفا » أي مستقيم الطريقة في الدعاء إلى توحيد الله و خلع الأنداد له و في العمل بسنته « و ما كان » إبراهيم « من المشركين » و متى قيل أن نبينا كان أفضل منه فكيف أمر الفاضل باتباع المفضول فجوابه أن إبراهيم (عليه السلام) سبق إلى اتباع الحق و لا يكون في سبق المفضول إلى متابعة الحق زراية على الفاضل في اتباعه « إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه » معناه إنما جعل السبت لعنة و مسخا على الذين اختلفوا فيه و حرموه ثم استحلوه فلعنهم الله و مسخهم عن الحسن و يجوز أن يكون اختلافهم فيه أنهم نهوا عن الصيد فيه فنصبوا الشباك يوم الجمعة و دخل فيه السمك يوم السبت و أخذوه يوم الأحد
 

Back Index Next