جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 

مجمع البيان ج : 6 ص : 652
و يخافون عذابه » أي و هم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم فيرجون رحمته إن أطاعوا و يخافون عذابه إن عصوا و يعملون عمل العبيد « إن عذاب ربك كان محذورا » أي متقى يجب أن يحذر منه لصعوبته و قد ذكرنا ما جاء في معنى الوسيلة عند قوله « و ابتغوا إليه الوسيلة » .
وَ إِن مِّن قَرْيَة إِلا نحْنُ مُهْلِكوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شدِيداً كانَ ذَلِك فى الْكِتَبِ مَسطوراً(58) وَ مَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالاَيَتِ إِلا أَن كذَّب بهَا الأَوَّلُونَ وَ ءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظلَمُوا بهَا وَ مَا نُرْسِلُ بِالاَيَتِ إِلا تخْوِيفاً(59) وَ إِذْ قُلْنَا لَك إِنَّ رَبَّك أَحَاط بِالنَّاسِ وَ مَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتى أَرَيْنَك إِلا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَ الشجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فى الْقُرْءَانِ وَ نخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طغْيَناً كَبِيراً(60)

اللغة

المسطور المكتوب قال العجاج :
و اعلم بأن ذا الجلال قد قدر
في الصحف الأولى الذي كان سطر و المنع وجود ما لا يصح معه وقوع الفعل من القادر عليه و إنما جاز في وصف الله تعالى منعنا للمبالغة في أنه لا يقع منه الفعل فكأنه قد منع منه الفعل و إن كان لا يجوز إطلاق مثل هذه الصفة عليه سبحانه لأنه قادر لذاته و مقدوراته غير متناهية فلا يصح أن يمانعه شيء .

الإعراب

« و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون » أن الأولى نصب و أن الثانية رفع و المعنى و ما منعنا الإرسال إلا تكذيب الأولين و مبصرة نصب على الحال « و الشجرة الملعونة » تقديرها و ما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس أيضا و المعنى الشجرة الملعونة أهلها و آكلوها و هم الكفرة و الفجرة فلما حذف المضاف استتر الضمير في اسم المفعول فأنث المفعول لما جرى على الشجرة و قوله « فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا » أي فما يزيدهم التخويف فأضمر التخويف لجري ذكر الفعل و انتصب قوله « طغيانا » على أنه
مجمع البيان ج : 6 ص : 653
مفعول ثان لقوله « يزيد » .

المعنى

ثم زاد سبحانه في الموعظة فقال « و إن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة » معناه و ما من قرية إلا نحن مهلكوها بإماتة أهلها « أو معذبوها عذابا شديدا » و هو عذاب الاستئصال فيكون هلاك الصالحين بالموت و هلاك الطالحين بالعذاب في الدنيا فإنه يفني الناس و يخرب البلاد قبل يوم القيامة ثم تقوم القيامة عن الجبائي و مقاتل و قيل إن المراد بذلك قرى الكفر و الضلال دون قرى الإيمان و المراد بالإهلاك التدمير عن أبي مسلم « كان ذلك في الكتاب مسطورا » أخبر أن ذلك كائن لا محالة و لا يكون خلافه و معناه كان ذلك الحكم في الكتاب الذي كتبه الله تعالى لملائكته و هو اللوح المحفوظ مكتوبا « و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون » ذكر فيه أقوال ( أحدها ) أن التقدير ما منعنا إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين و معناه إنا لم نرسل الآيات التي اقترحتها قريش في قولهم حول لنا الصفا ذهبا و فجر لنا الأرض ينبوعا إلى غير ذلك لأنا لو أرسلناها لم يؤمنوا فيستحقوا المعاجلة بالعقوبة كما أنا لما أجبنا الأولين من الأمم إلى آيات اقترحوها فكذبوا بها عذبناهم بعذاب الاستئصال لأن من حكم الآية المقترحة أنه إذا كذب بها وجب عذاب الاستئصال و من حكمنا النافذ في هذه الآيات أن لا نعذبهم بعذاب الاستئصال لشرف محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لما يعلم في ذلك من المصلحة و لأن فيهم من يؤمن به و ينصره و من يولد له ولد مؤمن و لأن أمته باقية و شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة فلذلك لم نجبهم إلى ذلك و أنزلنا من الآيات الواضحات و المعجزات البينات ما تقوم به الحجة و تنقطع به المعذرة ( و الثاني ) إن معناه إنا لا نرسل الآيات لعلمنا بأنهم لا يؤمنون عندها فيكون إنزالنا إياها عبثا لا فائدة فيه كما أن من كان قبلهم لم يؤمنوا عند إنزال الآيات ، و المعجزات ضربان ( أحدهما ) ما لا يصح معرفة النبوة إلا به و هذا الضرب لا بد من إظهاره سواء وقع منه الإيمان أو لم يقع ( و الثاني ) ما يكون لطفا في الإيمان فهذا أيضا يظهره الله سبحانه و ما خرج عن هاتين الصفتين من المعجزات لا يفعله سبحانه ( و الثالث ) إن المعنى إنا لا نرسل الآيات لأن آباءكم و أسلافكم سألوا مثلها و لم يؤمنوا عندها و أنتم على آثار أسلافكم مقتدون فكما لم يؤمنوا هم لا تؤمنون أنتم عن أبي مسلم « و آتينا ثمود الناقة مبصرة » أي بينة أراد آية مبصرة كما قال و جعلنا آية النهار مبصرة و معناه دلالة واضحة ظاهرة و قيل ذات أبصار و قيل تبصرهم و تبين لهم حتى يبصروا بها الهدى من الضلالة و هي ناقة صالح المخرجة من الصخرة على الصفة التي اقترحوها « فظلموا بها » أي فكفروا بتلك الآية و جحدوا بأنها من عند الله و قيل ظلموا أنفسهم بسببها و بعقرها « و ما نرسل بالآيات إلا تخويفا » أي لا نرسل
مجمع البيان ج : 6 ص : 654
الآيات التي نظهرها على الأنبياء إلا عظة للناس و زجرا أو تخويفا لهم من عذاب الله إن لم يؤمنوا ثم خاطب سبحانه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « و إذ قلنا لك » أي و اذكر الوقت الذي قلنا لك يا محمد « إن ربك أحاط بالناس » أي أحاط علما بأحوالهم و بما يفعلونه من طاعة أو معصية و ما يستحقونه على ذلك من الثواب و العقاب و هو قادر على فعل ذلك بهم فهم في قبضته لا يقدرون على الخروج من مشيئته و هذا معنى قول ابن عباس و قيل إن المراد به أنه عالم بجميع الأشياء فيعلم قصدهم إلى إيذائك إذا لم تأتهم ما اقترحوا منك من الآيات و هذا حث للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) على التبليغ و وعد له بالعصمة من أذية قومه و هذا معنى قول الحسن و قيل معناه أنه أحاط بأهل مكة فيستفتها لك عن مقاتل و قال الفراء معناه أحاط أمره بالناس و قيل معناه أنه قادر على ما سألوه من الآيات عالم بمصالحهم فلا يفعل إلا ما هو الصلاح فامض لما أمرت به من التبليغ فإن الله سبحانه إن أنزلها فلما يعلم في إنزالها من اللطف و إن لم ينزلها فلما يعلم من المصلحة عن الجبائي « و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس و الشجرة الملعونة في القرآن » فيه أقوال ( أحدها ) إن المراد بالرؤيا رؤية العين و هي ما ذكره في أول السورة من إسراء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من مكة إلى بيت المقدس و إلى السماوات في ليلة واحدة إلا أنه لما رأى ذلك ليلا و أخبر بها حين أصبح سماها رؤيا و سماها فتنة لأنه أراد بالفتنة الامتحان و شدة التكليف ليعرض المصدق بذلك لجزيل ثوابه و المكذب لأليم عقابه و هذا معنى قول ابن عباس و سعيد بن جبير و الحسن و قتادة و مجاهد ( و ثانيها ) ما روي عن ابن عباس في رواية أخرى أنها رؤيا نوم رآها أنه سيدخل مكة و هو بالمدينة فقصدها فصده المشركون في الحديبية عن دخولها حتى شك قوم و دخلت عليهم الشبهة فقالوا يا رسول الله أ ليس قد أخبرتنا أنا ندخل المسجد الحرام آمنين فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) أ و قلت لكم إنكم تدخلونها العام قالوا لا فقال لندخلها إن شاء الله و رجع ثم دخل مكة في العام القابل فنزل « لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق » و هو قول الجبائي و أبي مسلم و إنما كان فتنة و امتحانا و ابتلاء لما ذكرناه ( و ثالثها ) إن ذلك رؤيا رآها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في منامه أن قرودا تصعد منبره و تنزل فساءه ذلك و اغتم به روى سهل بن سعيد عن أبيه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) رأى ذلك و قال له (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يستجمع بعد ذلك ضاحكا حتى مات و روى سعيد بن يسار أيضا و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أبي عبد الله (عليه السلام) و قالوا على هذا التأويل أن الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو أمية أخبره الله سبحانه بتغلبهم على منامه و قتلهم ذريته روي عن المنهال بن عمرو قال دخلت على علي بن الحسين (عليهماالسلام) )
مجمع البيان ج : 6 ص : 655
فقلت له كيف أصبحت يا ابن رسول الله فقال أصبحنا و الله بمنزلة بني إسرائيل من آل فرعون يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم و أصبح خير البرية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يلعن على المنابر و أصبح من يحبنا منقوصا حقه بحبه إيانا و قيل للحسن يا أبا سعيد قتل الحسين بن علي (عليهماالسلام) فبكى حتى اختلج جنباه ثم قال وا ذلاه لأمة قتل ابن دعيها ابن بنت نبيها و قيل إن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم عن ابن عباس و الحسن و قيل الشجرة الملعونة هي اليهود عن أبي مسلم و تقدير الآية و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك و الشجرة الملعونة إلا فتنة للناس قالوا و إنما سمي شجرة الزقوم فتنة لأن المشركين قالوا إن النار تحرق الشجرة فكيف تنبت الشجرة في النار و صدق بها المؤمنون و روي أن أبا جهل قال إن محمدا يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنه تنبت فيها الشجرة و قوله « في القرآن » معناه التي ذكرت في القرآن « و نخوفهم » أي نرهبهم بما نقص عليهم من هلاك الأمم الماضية و قيل بما نرسل من الآيات « فما يزيدهم » ذلك « إلا طغيانا كبيرا » أي عتوا في الكفر عظيما و تماديا في الغي كبيرا لأنهم لا يرجعون عنه .
وَ إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَئكةِ اسجُدُوا لاَدَمَ فَسجَدُوا إِلا إِبْلِيس قَالَ ءَ أَسجُدُ لِمَنْ خَلَقْت طِيناً(61) قَالَ أَ رَءَيْتَك هَذَا الَّذِى كرَّمْت عَلىَّ لَئنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيَمَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً(62) قَالَ اذْهَب فَمَن تَبِعَك مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً(63) وَ استَفْزِزْ مَنِ استَطعْت مِنهُم بِصوْتِك وَ أَجْلِب عَلَيهِم بخَيْلِك وَ رَجِلِك وَ شارِكْهُمْ فى الأَمْوَلِ وَ الأَوْلَدِ وَ عِدْهُمْ وَ مَا يَعِدُهُمُ الشيْطنُ إِلا غُرُوراً(64) إِنَّ عِبَادِى لَيْس لَك عَلَيْهِمْ سلْطنٌ وَ كَفَى بِرَبِّك وَكيلاً(65)

القراءة

قرأ حفص « و رجلك » بكسر الجيم و الباقون بسكونها .

الحجة

من سكن الجيم فهو جمع راجل مثل راكب و ركب و صاحب و صحب و تاجر
مجمع البيان ج : 6 ص : 656
و تجر و أما قراءة حفص بكسر الجيم فروى أبو علي عن أبي زيد يقال رجل للراجل و يقال جاءنا حافيا رجلا و أنشد :
أما أقاتل عن ديني على فرس
و لا كذا رجلا إلا بأصحاب كأنه قال أما أقاتل فارسا و راجلا و روى ابن جني عن قطرب أنه قال : الرجل الرجال و عليه قراءة عكرمة و قتادة و رجالك قال زهير في الرجل :
هم ضربوا عن فرجها بكتيبة
كبيضاء حرس في جوانبها الرجل .

اللغة

الاحتناك الاقتطاع من الأصل يقال احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم إذا استقصاه فأخذه كله و احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله قال الشاعر :
أشكو إليك سنة قد أجحفت
جهدا إلى جهد بنا و أضعفت
و احتنكت أموالنا و جلفت و قيل إنه من قولهم حنك الدابة يحنكها إذا جعل في حنكها الأسفل حبلا يقودها به و الموفور المكمل يقال وفرته أفره وفرا قال زهير :
و من يجعل المعروف من دون عرضه
يفره و من لا يتق الشتم يشتم و الاستفزاز الإزعاج و الاستنهاض على خفة و إسراع و أصله القطع و تفزز الثوب إذا تخرق و فززته تفزيزا فكان معنى استفزه استزله بقطعه عن الصواب و رجل فز أي خفيف و الاستطاعة قوة تنطاع بها الجوارح للفعل و منه الطوع و الطاعة و هو الانقياد للفعل و الإجلاب السوق بجبلة من السائق و الجلبة شدة الصوت و قال ابن الأعرابي : أجلب الرجل على صاحبه إذا توعده بالشر و جمع عليه الجيش .

الإعراب

قال الزجاج طينا منصوب على الحال بمعنى أنك أنشأته في حال كونه من طين و يجوز أن يكون تقديره من طين فحذف من فوصل الفعل و مثله قوله « أن تسترضعوا أولادكم » أي لأولادكم و قيل إنه منصوب على التمييز و الكاف في قوله « أ رأيتك » لا
مجمع البيان ج : 6 ص : 657
موضع لها من الإعراب لأنها حرف خطاب جاء للتوكيد و موضع هذا نصب با رأيت و الجواب محذوف .
المعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي و لم كرمته علي و قد خلقتني من نار و خلقته من طين فحذف ما ذكرناه لأن في الكلام دليلا عليه .

المعنى

ثم ذكر سبحانه قصة آدم (عليه السلام) و إبليس فقال « و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس » قد مر تفسيره في سورة البقرة « قال » إبليس « أ أسجد لمن خلقت طينا » و هو استفهام بمعنى الإنكار أي كيف أسجد له و أنا أفضل منه و أصلي أشرف من أصله و في هذا دلالة على أن إبليس فهم من ذلك تفضيل آدم على الملائكة و لو لا ذلك لما كان لامتناعه من السجود وجه و إنما جاز أن يأمرهم سبحانه بالسجود لآدم (عليه السلام) و لم يجز أن يأمرهم بالعبادة له لأن السجود يترتب في التعظيم حسب ما يراد به و ليس كذلك العبادة التي هي خضوع بالقلب ليس فوقه خضوع لأنه يترتب في التعظيم لجنسه يبين ذلك أنه لو سجد ساهيا لم يكن له منزلة في التعظيم على قياس غيره من أفعال الجوارح « قال أ رأيتك هذا الذي كرمت علي » أي قال إبليس أ رأيت يا رب هذا الذي فضلته علي يعني آدم (عليه السلام) « لئن أخرتن إلى يوم القيامة » أي لئن أخرت أجل موتي « لأحتنكن ذريته إلا قليلا » أي لأغوين ذريته و أقودنهم معي إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحنكها إذا شد فيها حبل تجر به إلا القليل الذين تعصمهم و هم المخلصون عن أبي مسلم و قيل لأحتنكنهم أي لأستولين عليهم عن ابن عباس و قيل لأستاصلنهم بالإغواء من احتناك الجراد الزرع و هو أن يأكله و يستأصله عن الجبائي و إنما طمع الملعون في ذلك لأن الله سبحانه أخبر الملائكة أنه سيجعل في الأرض من يفسد فيها فكأن العلم قد سبق له بذلك عن الجبائي و قيل لأنه وسوس إلى آدم فلم يجد له عزما فقال إن أولاده أضعف منه عن الحسن « قال » الله سبحانه له على وجه الاستهانة و الاستصغار « اذهب » يا إبليس « فمن تبعك منهم » أي من ذرية آدم (عليه السلام) و اقتفى أثرك و قبل منك « فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا » أي موفرا كاملا لا نقصان فيه عن الاستحقاق « و استفزز من استطعت منهم بصوتك » أي و استزل من استطعت منهم أضلهم بدعائك و وسوستك من قولهم صوت فلان بفلان إذا دعاه و هذا تهديد في صورة الأمر عن ابن عباس و يكون كما يقول الإنسان لمن يهدده اجهد جهدك فسترى ما ينزل بك و إنما جاء التهديد في صورة الأمر لأنه بمنزلة أن يؤمر الغير بإهانة نفسه و قيل بصوتك أي بالغناء و المزامير و الملاهي عن مجاهد و قيل كل صوت يدعى به إلى الفساد فهو من
مجمع البيان ج : 6 ص : 658
صوت الشياطين « و اجلب عليهم بخيلك و رجلك » أي أجمع عليهم ما قدرت عليه من مكايدك و أتباعك و ذريتك و أعوانك و على هذا فيكون الباء مزيدة في بخيلك و كل راكب أو ماش في معصية الله من الإنس و الجن فهو من خيل إبليس و رجله و قيل هو من أجلب القوم و جلبوا أي صاحوا أي صح بخيلك و رجلك و احشرهم عليهم بالإغواء « و شاركهم في الأموال و الأولاد » و هو كل مال أصيب من حرام و أخذ بغير حقه و كل ولد زنا عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قيل إن مشاركتهم في الأموال أنه أمرهم أن يجعلوها سائبة و بحيرة و غير ذلك و في الأولاد أنهم هودوهم و نصروهم و مجسوهم عن قتادة و قيل إن كل مال حرام أو فرج حرام فله فيه شرك عن الكلبي و قيل إن المراد بالأولاد تسميتهم عبد شمس و عبد الحرث و نحوهما و قيل هو قتل الموءودة من أولادهم و القولان مرويان عن ابن عباس « و عدهم » أي و منهم البقاء و طول الأمل و أنهم لا يبعثون و كل هذا زجر و تهديد في صورة الأمر « و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا » هذا إخبار من الله عز و جل أن مواعيد الشيطان تكون غرورا أي يزين لهم الخطأ أنه صواب و هو اعتراض « إن عبادي » يعني الذين يطيعونني أضافهم إلى نفسه تشريفا لهم « ليس لك عليهم سلطان » أي قوة و نفاذ لأنهم يعلمون أن مواعيدك باطلة فلا يغترون بها و قيل معناه لا سلطان لك على جميع عبادي إلا في الوسوسة و الدعاء إلى المعصية فأما في أن تمنعهم عن الطاعة و تحملهم على المعصية جبرا و كرها فلا عن الجبائي « و كفى بربك وكيلا » أي حافظا لعباده من شرك .

النظم

الوجه في اتصال الآيات بما قبلها على تقدير و ما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا محققين ظن إبليس فيهم يوم قيل له اسجد فقال كذا و كذا عن علي بن عيسى و قيل اتصلت بقوله « إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا » ثم عاد إلى ذكر الشيطان لزيادة الإيضاح و البيان بما أبان عن قصته مع آدم (عليه السلام) عن أبي مسلم .

مجمع البيان ج : 6 ص : 659
رَّبُّكُمُ الَّذِى يُزْجِى لَكمُ الْفُلْك فى الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن فَضلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً(66) وَ إِذَا مَسكُمُ الضرُّ فى الْبَحْرِ ضلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نجَّاشْ إِلى الْبرِّ أَعْرَضتُمْ وَ كانَ الانسنُ كَفُوراً(67) أَ فَأَمِنتُمْ أَن يخْسِف بِكُمْ جَانِب الْبرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تجِدُوا لَكمْ وَكيلاً(68) أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ الرِّيح فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتمْ ثمَّ لا تجِدُوا لَكمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً(69)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو نخسف و نرسل و نعيدكم فنرسل عليكم فنغرقكم كله بالنون و قرأ أبو جعفر و يعقوب فتغرقكم بالتاء و الباقي بالياء و قرأ الباقون كلها بالياء .

الحجة

من قرأ الجميع بالياء فلما تقدم من قوله « ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم » و من قرأ بالنون فلأن هذا النحو قد تقطع بعضه من بعض و لأن الانتقال من الغيبة إلى الخطاب جائز و من قرأ فتغرقكم بالتاء فإنه رد الضمير المؤنث في فتغرقكم إلى الريح .

اللغة

الإزجاء سوق الشيء حالا بعد حال و الحاصب من قولهم حصبه بالحجارة يحصبه حصبا إذا رماه بها رميا متتابعا قال القتيبي : الحاصب الريح التي ترمي بالحصباء و هي الحصى الصغار قال الفرزدق :
مستقبلين شمال الشام يضربنا
بحاصب كنديف القطن مندوف و القاصف الكاسر بشدة قصفه يقصفه قصفا .

المعنى

لما تقدم ذكر الشيطان و ذكر المشركين و عبدة الأوثان احتج عليهم سبحانه بدلائل التوحيد و الإيمان فقال « ربكم » أي خالقكم و مدبركم « الذي يزجي لكم الفلك » أي يجري لكم السفن « في البحر » بما خلق من الرياح و بأن جعل الماء على وجه يمكن جري السفن فيه « لتبتغوا من فضله » أي لتطلبوا من فضل الله تعالى بركوب السفن على وجه الماء فيما فيه صلاح دنياكم من التجارة أو صلاح دينكم من الغرق « إنه كان بكم رحيما » حيث أنعم عليكم بهذه النعم « و إذا مسكم الضر » أي الشدة « في البحر » بسكون الرياح و احتباس السفن أو باضطراب الأمواج و غير ذلك من أهوال البحر « ضل من تدعون إلا إياه » أي ذهب عنكم ذكر كل معبود إلا الله فلا ترجون هناك النجاة إلا من عنده فتدعونه و لا تدعون غيره « فلما نجاكم » من البحر « إلى البر » و أمنتم الغرق « أعرضتم » عن الإيمان به و عن طاعته كفرانا للنعمة « و كان الإنسان كفورا » أي كثير
مجمع البيان ج : 6 ص : 660
الكفران « أ فأمنتم أن يخسف بكم جانب البر » معناه إن فعلكم هذا فعل من يتوهم إنه إذا صار إلى البر أمن المكاره حتى أعرضتم عن شكر الله و طاعته فهل أمنتم أن يخسف بكم أي يغيبكم و يذهبكم في جانب البر و هو الأرض يقال خسف الله به الأرض أي غاب به فيها و أراد به بعض البر و هو موضع حلولهم فيه فسماه جانبا لأنه يصير بعد الخسف جانبا و قيل إنهم كانوا على ساحل البحر و ساحله جانب البر و كانوا فيه آمنين من أهوال البحر فحذرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر « أو يرسل عليكم حاصبا » أي أو هل أمنتم أن يرسل عليكم حجارة تحصبون بها أي ترمون بها و المعنى أنه سبحانه قادر على إهلاككم في البر كما أنه قادر على إغراقكم في البحر « ثم لا تجدوا لكم وكيلا » أي حافظا يحفظكم عن عذاب الله و دافعا يدفعه عنكم « أم أمنتم » أي أم هل أمنتم « أن يعيدكم فيه تارة أخرى » أي في البحر مرة أخرى بأن يجعل لكم حاجة أو يحدث لكم رغبة أو رهبة فترجعون إلى البحر مرة أخرى « فيرسل عليكم قاصفا من الريح » أي فإذا ركبتم البحر أرسل عليكم ريحا شديدة كاسرة للسفينة و قيل الحاصب الريح المهلكة في البر و القاصف المهلكة في البحر « فيغرقكم بما كفرتم » من نعم الله « ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا » أي تابعا يتبع إهلاككم للمطالبة بدمائكم و يقول لم فعلت هذا بهم و هذا في معنى قول المفسرين يعني ثائرا و لا ناصرا .
* وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنى ءَادَمَ وَ حَمَلْنَهُمْ فى الْبرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَهُم مِّنَ الطيِّبَتِ وَ فَضلْنَهُمْ عَلى كثِير مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً(70) يَوْمَ نَدْعُوا كلَّ أُنَاسِ بِإِمَمِهِمْ فَمَنْ أُوتىَ كتَبَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئك يَقْرَءُونَ كتَبَهُمْ وَ لا يُظلَمُونَ فَتِيلاً(71) وَ مَن كانَ فى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فى الاَخِرَةِ أَعْمَى وَ أَضلُّ سبِيلاً(72)

القراءة

قرأ أهل البصرة أعمى الأولى بالإمالة و « أعمى » الثانية بالتفخيم و قرأ حمزة
مجمع البيان ج : 6 ص : 661
و الكسائي بالإمالة فيهما و الباقون بالتفخيم فيهما و قرأ زيد عن يعقوب يوم يدعوا بالياء و الباقون بالنون و في الشواذ قراءة الحسن يوم يدعوا بضم الياء و فتح العين .

الحجة

قال أبو علي : من أمالهما فإنه حسن لأنه ينحو بالألف نحو الياء ليعلم أنها ينقلب إلى الياء و إن كانت فاصلة أو مشبهة بالفاصلة فالإمالة فيها حسنة لأن الفاصلة موضع وقف و الألف تخفى في الوقف فإذا أمالها نحي بها نحو الياء ليكون أظهر لها و أبين و مما يقوي ذلك أن من العرب من يقلب هذه الألفات في الوقف ياءات ليكون أبين لها قالوا أفعى و حبلى و منهم من يقول أفعو و هم كأنهم أحرص على البيان من الأولين من حيث كانت الواو أظهر من الياء و الياء أخفى منها من حيث كانت أقرب إلى الألف من الواو إليها و أما من أمال الألف من الكلمة الأولى و لم يمل من الثانية فإنه يجوز أن لا يجعل أعمى الكلمة الثانية عبارة عن المؤوف الجارحة و لكنه جعله أفعل من كذا مثل أبلد من فلان فجاز أن يقول فيه أفعل من كذا و إن لم يجز أن يقول ذلك في المصاب ببصره فإذا جعله كذلك لم يقع الألف في آخر الكلمة لأن آخرها إنما هو من كذا و إنما تحسن الإمالة في الأواخر لما تقدم و قد حذف من أفعل الذي هو للتفضيل الجار و المجرور و هما مرادان في المعنى مع الحذف و ذلك نحو قوله « فإنه يعلم السر » و أخفى المعنى من السر و كذلك قولهم عام أول أي أول من عامك و كذلك قوله « فهو في الآخرة أعمى » أي أعمى منه في الدنيا و معنى أعمى في الآخرة أنه لا يهتدي إلى طرق الثواب و يؤكد ذلك ظاهر ما عطف عليه من قوله « و أضل سبيلا » فكما أن هذا لا يكون إلا على أفعل فكذلك المعطوف عليه و معنى أضل سبيلا في الآخرة إن ضلاله في الدنيا قد كان ممكنا من الخروج منه و ضلاله في الآخرة لا سبيل له إلى الخروج منه و يجوز أن يكون أعمى فيمن تأوله أفعل من كذا على هذا التأويل أيضا قال ابن جني : قراءة الحسن يوم يدعو على لغة من أبدل الألف في الوصل واوا نحو أفعو و حبلو ذكر ذلك سيبويه و أكثر هذا في الوقف .

المعنى

لما تقدم قول إبليس هذا الذي كرمت علي ذكر سبحانه بعد ذلك تكرمة لبني آدم بأنواع الإكرام و فنون الأنعام فقال « و لقد كرمنا بني آدم » أي فضلناهم عن ابن عباس و أجريت الصفة على جميعهم من أجل من كان فيهم على هذه الصفة كقوله « كنتم خير أمة أخرجت للناس » و قيل إنما عمهم بالتكرمة مع أن فيهم الكافر المهان لأن المعنى أكرمناهم بالنعم الدنيوية كالصور الحسنة و تسخير الأشياء لهم و بعث الرسل إليهم و قيل معناه
مجمع البيان ج : 6 ص : 662
عاملناهم معاملة المكرم على وجه المبالغة في الصفة و اختلف فيما كرموا به فقيل بالقوة و العقل و النطق و التمييز عن ابن عباس و الضحاك و قيل إنهم يأكلون باليد و كل دابة تأكل بفمها رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس و قيل بتعديل القامة و امتدادها عن عطاء و قيل بالأصابع يعملون بها ما يشاءون روي ذلك جابر بن عبد الله و قيل بتسليطهم على غيرهم و تسخير سائر الحيوانات لهم عن ابن جرير و قيل بأن جعل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) منهم عن محمد بن كعب و قيل بأنهم يعرفون الله و يأتمرون بأمره و قيل بجميع ذلك و غيره من النعم التي خصوا بها و هو الأوجه « و حملناهم في البر و البحر » في البر على الإبل و الخيل و البغال و الحمير و في البحر على السفن « و رزقناهم من الطيبات » أي من الثمار و الفواكه و الأشياء الطيبة و سائر الملاذ التي خص بها بنو آدم و لم يشركهم شيء من الحيوان فيها « و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا » استدل بعضهم بهذا على إن الملائكة أفضل من الأنبياء قال لأن قوله « على كثير » يدل على أن هاهنا من لم يفضلهم عليه و ليس إلا الملائكة لأن بني آدم أفضل من كل حيوان سوى الملائكة بالاتفاق و هذا باطل من وجوه ( أحدها ) إن التفضيل هاهنا لم يرد به الثواب لأن الثواب لا يجوز التفضيل به ابتداء و إنما المراد بذلك ما فضلهم الله به من فنون النعم التي عددنا بعضها ( و ثانيها ) إن المراد بالكثير الجميع فوضع الكثير موضع الجميع و المعنى إنا فضلناهم على من خلقنا و هم كثير كما يقال بذلت له العريض من جاهي و أبحته المنيع من حريمي و لا يراد بذلك إني بذلت له عريض جاهي و منعته ما ليس بعريض و أبحته منيع حريمي و لم أبحه ما ليس منيعا بل المقصود أني بذلت له جاهي الذي من صفته أنه عريض و في القرآن و محاورات العرب من ذلك ما لا يحصى و لا يخفى ذلك على من عرف كلامهم قال سويد بن أبي كاهل في شعره :
من أناس ليس في أخلاقهم
عاجل الفحش و لا سوء الجزع و لم يرد أن في أخلاقهم فحشا آجلا و لو أراد ذلك لم يكن مادحا لهم ( و ثالثها ) أنه إذا سلم أن المراد بالتفضيل زيادة الثواب و إن لفظة من في قوله « ممن خلقنا » يفيد التبعيض فلا يمتنع أن يكون جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم لأن الفضل في الملائكة عام لجميعهم أو أكثرهم و الفضل في بني آدم يختص بقليل من كثير و على هذا فغير منكر أن يكون الأنبياء أفضل من الملائكة و إن كان جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم و متى قيل إذا كان معنى التكريم و التفضيل واحدا فما معنى التكرار ( فجوابه ) إن قوله « كرمنا » ينبىء عن الأنعام و لا ينبىء عن التفضل فجاء بلفظ التفضيل ليدل عليه و قيل إن التكريم يتناول نعم
مجمع البيان ج : 6 ص : 663
الدنيا و التفضيل يتناول نعم الآخرة و قيل أن التكريم بالنعم التي يصح بها التكليف و التفضيل بالتكليف الذي عرضهم به للمنازل العالية « يوم ندعوا كل أناس بإمامهم » فيه أقوال ( أحدها ) إن معناه بنبيهم عن مجاهد و قتادة و يكون المعنى على هذا أن ينادى يوم القيام فيقال هاتوا متبعي إبراهيم هاتوا متبعي موسى هاتوا متبعي محمد فيقوم أهل الحق الذين اتبعوا الأنبياء فيأخذون كتبهم بأسمائهم ثم يقال هاتوا متبعي الشيطان و هاتوا متبعي رؤساء الضلالة و هذا معنى ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس و روي أيضا عن علي (عليه السلام) إن الأئمة إمام هدى و إمام ضلالة و رواه الوالبي عنه بأئمتهم في الخير و الشر ( و ثانيها ) معناه بكتابهم الذي أنزل عليهم من أوامر الله و نواهيه فيقال يا أهل القرآن و يا أهل التوراة عن ابن زيد و الضحاك ( و ثالثها ) إن معناه بمن كانوا يأتمون به من علمائهم و أئمتهم عن الجبائي و أبي عبيدة و يجمع هذه الأقوال ما رواه الخاص و العام عن الرضا علي بن موسى (عليهماالسلام) بالأسانيد الصحيحة أنه روي عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال فيه يدعى كل أناس بإمام زمانهم و كتاب ربهم و سنة نبيهم و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال أ لا تحمدون الله إذا كان يوم القيامة فدعا كل قوم إلى من يتولونه و دعانا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و فزعتم إلينا فإلى أين ترون يذهب بكم إلى الجنة و رب الكعبة قالها ثلاثا ( و رابعها ) إن معناه بكتابهم الذي فيه أعمالهم عن ابن عباس في رواية أخرى و الحسن و أبي العالية ( و خامسها ) معناه بأمهاتهم عن محمد بن كعب « فمن أوتي كتابه بيمينه » أي فمن أعطي كتاب عمله الذي فيه طاعاته و ثواب أعماله بيمينه « فأولئك يقرءون كتابهم » فرحين مسرورين لا يجنبون عن قراءته لما يرون فيه من الجزاء و الثواب « و لا يظلمون فتيلا » أي لا ينقصون ثواب أعمالهم مقدار فتيل و هو المفتول الذي في شق النواة عن قتادة و قيل الفتيل في بطن النواة و النقير في ظهرها و القطمير قشر النواة عن الحسن جعل الله إعطاء الكتاب باليمين علامة الرضا و الخلاص و إعطاء الكتاب باليسار و من وراء الظهر علامة السخط و الهلاك « و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى » ذكر في معناه أقوال ( أحدها ) إن هذه إشارة إلى ما تقدم ذكره من النعم و معناه أن من كان في هذه النعم و عن هذه العبر أعمى فهو عما غيب عنه من أمر الآخرة أعمى عن ابن عباس ( و ثانيها ) إن هذه إشارة إلى الدنيا و معناه من كان في هذه الدنيا أعمى عن آيات الله ضالا عن الحق ذاهبا عن الدين فهو في الآخرة أشد تحيرا و ذهابا عن طريق الجنة أو عن الحجة إذا سئل فإن من ضل عن معرفة الله في الدنيا يكون يوم القيامة منقطع الحجة فالأول اسم و الثاني فعل من العمى و هذا معنى قول ابن عباس و مجاهد و قتادة ( و ثالثها ) إن معناها من كان في الدنيا أعمى القلب فإنه في الآخرة
مجمع البيان ج : 6 ص : 664
أعمى العين يحشر كذلك عقوبة له على ضلالته في الدنيا عن أبي مسلم قال و هذا كقوله « و نحشره يوم القيامة أعمى » و تأول قوله سبحانه « فبصرك اليوم حديد » بأن معناه الأخبار عن قوة المعرفة و الجاهل بالله سبحانه يكون عارفا به في الآخرة و تقول العرب فلان بصير بهذا الأمر و إنما أرادوا بذلك العلم و المعرفة لا الإبصار بالعين و على هذا فليس يكون قوله « فهو في الآخرة أعمى » على سبيل المبالغة و التعجب و إن عطف عليه بقوله « و أضل سبيلا » و يكون التقدير و هو أضل سبيلا قال و يجوز أن يكون أعمى عبارة عما يلحقه من الغم المفرط فإنه إذ لم ير إلا ما يسوء فكأنه أعمى كما يقال فلان سخين العين ( و رابعها ) إن معناه من كان في الدنيا ضالا فهو في الآخرة أضل لأنه لا يقبل توبته عن الحسن و اختاره الزجاج على هذا القول و قال تأويله إنه إذا عمي في الدنيا و قد عرفه الله الهدى و جعل له إلى التوبة وصلة فعمي عن رشده و لم يتب فهو في الآخرة أشد عمى و أضل سبيلا لأنه لا يجد طريقا إلى الهداية .

النظم

قيل في وجه اتصال قوله « يوم ندعوا كل أناس بإمامهم » بما قبله وجوه ( أحدها ) أنه سبحانه ذكر تفضيل بني آدم ثم بين أن ذلك التفضيل إنما يكون في ذلك اليوم فيستحق المهتدون الثواب بهدايتهم ( و ثانيها ) أنها اتصلت بقوله « إن عذاب ربك كان محذورا » أي فاحذروا يوم يدعى كل أمة بإمامهم ( و ثالثها ) إنها اتصلت بقوله « يعيدكم » أي يعيدكم يوم يدعو ( و رابعها ) أنه تعالى ذكر فيما تقدم من آمن و من كفر ثم بين في هاتين الآيتين ما أعد للفريقين من ثواب و عقاب و أنه يعطيهم ذلك على ما هو مكتوب في كتبهم عن أبي مسلم .
وَ إِن كادُوا لَيَفْتِنُونَك عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْك لِتَفْترِى عَلَيْنَا غَيرَهُ وَ إِذاً لاتخَذُوك خَلِيلاً(73) وَ لَوْ لا أَن ثَبَّتْنَك لَقَدْ كِدت تَرْكنُ إِلَيْهِمْ شيْئاً قَلِيلاً(74) إِذاً لأَذَقْنَك ضِعْف الْحَيَوةِ وَ ضِعْف الْمَمَاتِ ثمَّ لا تجِدُ لَك عَلَيْنَا نَصِيراً(75)

الإعراب

« لو لا أن ثبتناك » تقديره لو لا تثبيتنا إياك فإن هاهنا في موضع رفع بالابتداء و خبره مضمر و هذا يدل على بطلان مذهب أبي سعيد حيث قال :
لو لا حددت و لا عدوي
مجمع البيان ج : 6 ص : 665

لمحدود و استدل به على أن لو لا تدخل على الفعل و خفي عليه إضمار أن في البيت .

النزول

في سبب نزوله أقوال ( أحدها ) إن قريشا قالت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا ندعك تستلم الحجر حتى تلم بإلهتنا فحدث نفسه و قال ما علي في أن ألم بها و الله يعلم إني لكاره لها و يدعوني أستلم الحجر فأنزل الله تعالى هذه الآية عن سعيد بن جبير ( و ثانيها ) أنهم قالوا له كف عن شتم آلهتنا و تسفيه أحلامنا و اطرد هؤلاء العبيد و السقاط الذين رائحتهم رائحة الصنان حتى نجالسك و نسمع منك فطمع في إسلامهم فنزلت الآية ( و ثالثها ) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخرج الأصنام من المسجد فطلبت إليه قريش أن يترك صنما على المروة فهم بتركه ثم أمر بعد بكسره فنزلت الآية رواه العياشي بإسناده ( و رابعها ) إنها نزلت في وفد ثقيف قالوا نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال لا ننحني بفنون الصلاة و لا نكسر أصنامنا بأيدينا و تمتعنا باللات سنة فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا خير في دين ليس فيها ركوع و لا سجود فأما كسر أصنامكم بأيديكم فذاك لكم و أما الطاعة للات فإني غير ممتعكم بها و قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و توضأ فقال عمر بن الخطاب ما بالكم آذيتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه لا يدع الأصنام في أرض العرب فما زالوا به حتى أنزل هذه الآيات عن ابن عباس ( و خامسها ) أن وفد ثقيف قالوا أجلنا سنة حتى نقبض ما يهدي لآلهتنا فإذا قبضنا ذلك كسرناها و أسلمنا فهم بتأجيلهم فنزلت الآية عن الكلبي رواه عن عطية عن ابن عباس .

المعنى

ثم حكى الله سبحانه عن الكفار فقال « و إن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك » إن هذه مخففة من الثقيلة و المعنى أن المشركين الذين تقدم ذكرهم في هذه السورة هموا و قاربوا أن يزلوك و يصرفوك عن القرآن الذي أوحينا إليك أي من حكمه « لتفتري علينا غيره » أي لتخترع علينا غير ما أوحيناه إليك و المعنى لتحل محل المفتري لأنك تخبر إنك لا تنطق إلا عن وحي فإذا اتبعت أهواءهم أو هممت أنك تفعله بأمر الله فكنت كالمفتري « و إذا لاتخذوك خليلا » معناه و إنك لو أجبتهم إلى ما طلبوا منك لتولوك و أظهروا خلتك أي صداقتك لموافقتك معهم و قيل هو من الخلة التي هي الحاجة أي فقيرا محتاجا إليهم و الأول أوجه « و لو لا أن ثبتناك » أي ثبتنا قلبك على الحق و الرشد بالنبوة و العصمة و المعجزات و قيل بالألطاف الخفية « لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا » أي ركونا قليلا و المعنى لقد قاربت أن تسكن إليهم بعض السكون و أن تميل إليهم ميلا قليلا فتعطيهم بعض
مجمع البيان ج : 6 ص : 666
ما سألوك يقال كدت أفعل كذا أي قاربت أن أفعله و لم أفعله و قد صح عنه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قوله وضع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به قال ابن عباس يريد حيث سكت عن جوابهم و الله أعلم بنبيه ثم توعده سبحانه على ذلك لو فعله فقال « إذا لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات » أي لو فعلت ذلك لعذبناك ضعف عذاب الحياة و ضعف عذاب الممات أي مثلي ما نعذب به المشرك في الدنيا و مثلي ما نعذب به المشرك في الآخرة لأن ذنبك يكون أعظم و قيل إن المراد بالضعف العذاب المضاعف ألمه و المعنى لأذقناك عذاب الدنيا و عذاب الآخرة عن أبان بن تغلب و أنشد قول الشاعر :
لمقتل مالك إذ بأن سني
أبيت الليل في ضعف أليم أي عذاب قال ابن عباس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) معصوم و لكن هذا تخويف لأمته لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شيء من أحكام الله و شرائعه « ثم لا تجد لك علينا نصيرا » أي ناصرا ينصرك و قال إنه لما نزلت هذه الآية قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا عن قتادة .
وَ إِن كادُوا لَيَستَفِزُّونَك مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوك مِنْهَا وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلَفَك إِلا قَلِيلاً(76) سنَّةَ مَن قَدْ أَرْسلْنَا قَبْلَك مِن رُّسلِنَا وَ لا تجِدُ لِسنَّتِنَا تحْوِيلاً(77)

القراءة

قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو و أبو بكر خلفك بغير ألف و الباقون « خلافك » بالألف و قرأ رويس عن يعقوب بالوجهين .

الحجة

قال أبو علي زعم أبو الحسن أن خلافك في معنى خلفك و معناه بعدك فمن قرأ خلفك أو « خلافك » فهو في القراءتين جميعا على تقدير حذف المضاف أي بعد خروجك فيكون مثل قول ذي الرمة :
له واجف بالقلب حتى تقطعت
خلاف الثريا من أريك م آربه و المعنى خلاف طلوع الثريا و كذلك من جعل قوله خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
مجمع البيان ج : 6 ص : 667
اسما للجهة كان على حذف المضاف كأنه خلاف خروج رسول الله و من جعله مصدرا جعله مضافا إلى مفعول به و على أي الأمرين حمل ذلك في سورة التوبة كان بمقعدهم المقعد فيه مصدر لا اسم المكان لأن اسم المكان لا يتعلق به شيء .

الإعراب

قال « لا يلبثون » بالرفع لأن إذا إذا وقعت بعد الواو جاز فيها الإلغاء لأنها متوسطة في الكلام كما أنه لا بد من أن تلقى إذا وقعت حشو أو « سنة من قد أرسلنا » انتصب بمعنى قوله « لا يلبثون » لأن تأويله إنا سننا هذه السنة فيمن أرسلناهم قبلك و التقدير أهلكناهم إهلاكا و سنة مثل سنة من قد أرسلنا قبلك .

النزول

نزلت في أهل مكة لما هموا بإخراج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من مكة عن مجاهد و قتادة و قيل نزلت في اليهود بالمدينة لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) المدينة قالوا له إن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء و إنما أرض الأنبياء الشام فأت الشام عن ابن عباس .

المعنى

ثم بين سبحانه أن الكفار لما يئسوا من إجابته إياهم فيما التمسوه منه كادوا له فقالوا « و إن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها » معناه و إن المشركين أرادوا أن يزعجوك من أرض مكة بالإخراج عن قتادة و مجاهد و قيل عن أرض المدينة يعني اليهود عن ابن عباس و قيل يعني جميع الكفار أرادوا أن يخرجوك من أرض العرب عن الجبائي و قال الحسن ليستفزونك معناه ليقتلونك « و إذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا » معناه أنهم لو أخرجوك لكانوا لا يلبثون بعد خروجك إلا زمانا قليلا و مدة يسيرة قيل و هي المدة بين خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من مكة و قتلهم يوم بدر عن الضحاك و قيل إنهم أخرجوه و أهلكوا و المراد بقوله « إلا قليلا » إلا ناسا قليلا منهم يريد من انفلت منهم يوم بدر و آمنوا بعد ذلك « سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا » معناه أنهم لو أخرجوك لاستاصلناهم بعد خروجك كسنتنا فيمن قبلك قال سفيان بن عيينة يقول لم نرسل قبلك رسولا فأخرجه قومه إلا أهلكوا فقد سننا هذه السنة فيمن أرسلنا قبلك إليهم « و لا تجد لسنتنا تحويلا » أي تبديلا و معناه ما يتهيأ لأحد أن يقلب سنة الله و يبطلها و السنة هي العادة الجارية و الصحيح أن المعنيين في الآية مشركو مكة و أنهم لم يخرجوه من مكة و لكنهم هموا بإخراجه كما في قوله « و إذ يمكر بك الذين كفروا » إلى قوله « أو يخرجوك » ثم خرج (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما أمر بالهجرة خوفا منهم و ندموا على خروجه و لذلك ضمنوا الأموال في رده فلم يقدروا على ذلك و لو أخرجوه لاستؤصلوا بالعذاب و لماتوا طرا .

مجمع البيان ج : 6 ص : 668
أَقِمِ الصلَوةَ لِدُلُوكِ الشمْسِ إِلى غَسقِ الَّيْلِ وَ قُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كانَ مَشهُوداً(78) وَ مِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّك عَسى أَن يَبْعَثَك رَبُّك مَقَاماً محْمُوداً(79) وَ قُل رَّب أَدْخِلْنى مُدْخَلَ صِدْق وَ أَخْرِجْنى مخْرَجَ صِدْق وَ اجْعَل لى مِن لَّدُنك سلْطناً نَّصِيراً(80) وَ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبَطِلُ إِنَّ الْبَطِلَ كانَ زَهُوقاً(81)

اللغة

الدلوك الزوال و قال المبرد : دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها و قيل هو الغروب و أصله من الدلك فسمي الزوال دلوكا لأن الناظر إليها يدلك عينيه لشدة شعاعها و سمي الغروب دلوكا لأن الناظر يدلك عينيه ليتبينها قال ثعلب : دلكت الشمس مالت و قال الزجاج : يقال دلكت براح و براح أي مالت للزوال حتى صار الناظر يحتاج إذا تبصرها أن يكسر الشعاع عن بصره براحته قال الراجز :
هذا مقام قدمي رباح
للشمس حتى دلكت براح و رباح اسم ساقي الإبل و من قال براح بفتح الباء جعلها اسما للشمس مبنيا على فعال مثل قطام و حذام و من روى براح بكسر الباء أراد براحته و قال الفراء : أي قال بالراحة على العين لينظر هل غابت الشمس بعد ، و غسق الليل ظهور ظلامه يقال غسقت القرحة إذا انفجرت فظهر ما فيها و التهجد التيقظ و السهر بما ينفي النوم و الهجود النوم و هو الأصل هجد يهجد نام و قد هجدته إذا نومته قال لبيد :
قلت هجدنا و قد طال السري
و قدرنا إن خنا الدهر غفل
مجمع البيان ج : 6 ص : 669
و قال آخر :
ألا طرقتنا و الرفاق هجود
فباتت بعلات النوال تجود و قال الحطيئة :
ألا طرقت هند الهنود و صحبتي
بحوران حوران الجنود هجود قال المبرد : التهجد السهر للصلاة أو لذكر الله و قال علقمة : التهجد يكون بعد نومة و النافلة و النفل الغنيمة قال لبيد :
إن تقوى ربنا خير نفل
و بإذن الله ريثي و عجل أي و عجلي و عسى من الله واجبة و قد أنشد لابن مقبل في وجوبها :
ظني بهم كعسى و هم بتنوفة
يتنازعون جوائز الأمثال يريد كيقين و الزهوق الهلاك و البطلان يقال زهقت نفسه إذا خرجت فكأنه قد خرجت إلى الهلاك .

الإعراب

« قرآن الفجر » منصوب على تقدير و أقم قرآن الفجر و انتصب قوله « نافلة لك » لأنه في موضع الحال .

المعنى

ثم أمر سبحانه بعد إقامة البينات و ذكر الوعد و الوعيد ، بإقامة الصلاة فقال مخاطبا للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و المراد هو و غيره « أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل » اختلف المفسرون في الدلوك فقال قوم دلوك الشمس زوالها و هو قول ابن عباس بخلاف و ابن عمر و جابر و أبي العالية و الحسن و الشعبي و عطا و مجاهد و قتادة و الصلاة المأمور بها على هذا هي صلاة الظهر و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) و معنى قوله « لدلوك الشمس » أي عند دلوكها و قال قوم دلوكها غروبها و هو قول النخعي و الضحاك و السدي و الصلاة المأمور بها على هذا هي المغرب و روي ذلك عن ابن مسعود و ابن عباس و القول الأول هو الأوجه
مجمع البيان ج : 6 ص : 670
لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس فصلاتا دلوك الشمس الظهر و العصر و صلاتا غسق الليل هما المغرب و العشاء الآخرة و المراد بقرآن الفجر صلاة الفجر فهذه خمس صلوات و هذا معنى قول الحسن و اختاره الواحدي و غسق الليل هو أول بدء الليل عن ابن عباس و قتادة و قيل هو غروب الشمس عن مجاهد و قيل هو سواد الليل و ظلمته عن الجبائي و قيل هو انتصاف الليل عن أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) و استدل قوم من أصحابنا بالآية على أن وقت صلاة الظهر موسع إلى آخر النهار لأنه سبحانه أوجب إقامة الصلاة من وقت دلوكها إلى غسق الليل و ذلك يقتضي أن ما بينهما وقت و لم يرتضه الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه قال لأن من قال إن الدلوك هو الغروب فلا دلالة فيه عنده بل يقول أوجب سبحانه إقامة المغرب من عند الغروب إلى وقت اختلاط الظلام الذي هو غروب الشفق و من قال الدلوك هو الزوال أمكنه أن يقول إن المراد بالآية بيان وجوب الصلوات الخمس على ما ذكره الحسن لا بيان وقت صلاة واحدة و أقول إنه يمكن الاستدلال بالآية على ذلك بأن يقال إن الله سبحانه جعل من دلوك الشمس الذي هو الزوال إلى غسق الليل وقتا للصلوات الأربع إلا أن الظهر و العصر اشتركا في الوقت من الزوال إلى الغروب و المغرب و العشاء الآخرة اشتركا في الوقت من الغروب إلى الغسق و أفرد صلاة الفجر بالذكر في قوله « و قرآن الفجر » ففي الآية بيان وجوب الصلوات الخمس و بيان أوقاتها و يؤيد ذلك ما رواه العياشي بالإسناد عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) و في هذه الآية قال إن الله افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروبها إلا أن هذه قبل هذه و منها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه و إلى هذا ذهب المرتضى علم الهدى قدس الله روحه في أوقات الصلوات و قال الزجاج إن في قوله « و قرآن الفجر » فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة لأن قوله « أقم الصلاة » و أقم قرآن الفجر قد أمر فيه أن يقيم الصلاة بالقراءة حتى سميت الصلاة قرآنا فلا يكون صلاة إلا بقراءة « إن قرآن الفجر كان مشهودا » كلهم قالوا معناه إن صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل و ملائكة النهار و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تفضل صلاة الجماعة صلاة أحدكم وحده بخمسة و عشرين جزءا و يجتمع ملائكة الليل و النهار في صلاة الفجر أورده البخاري في الصحيح « و من الليل فتهجد به » خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي فصل بالقرآن عن ابن عباس و لا يكون التهجد إلا بعد النوم عن مجاهد و الأسود و علقمة و أكثر المفسرين و قال بعضهم ما تنفلت به في كل الليل يسمى تهجدا و المتهجد الذي يلقي الهجود عن نفسه كما يقال المتحرج و المتأثم « نافلة لك » أي زيادة لك على الفرائض و ذلك أن صلاة الليل كانت
مجمع البيان ج : 6 ص : 671
فريضة على النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) مكتوبة عليه و لم تكتب على غيره و كانت فضيلة لغيره عن ابن عباس و قيل كانت واجبة عليه فنسخ وجوبها بهذه الآية و قيل إن معناه فضيلة لك و كفارة لغيرك فإن كل إنسان يخاف أن لا يقبل فرضه فيكون نفله كفارة و النبي لا يحتاج إلى كفارة عن مجاهد و قيل معناه نافلة لك و لغيرك و إنما اختصه بالخطاب لما في ذلك من دعاء الغير إلى الاقتداء به و الحث على الاستنان بسنته « عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا » عسى من الله واجبة و المقام بمعنى البعث فهو مصدر من غير جنسه أي يبعثك يوم القيامة بعثا أنت محمود فيه و يجوز أن يجعل البعث بمعنى الإقامة كما يقال بعثت بعيري أي أثرته و أقمته فيكون معناه يقيمك ربك مقاما محمودا يحمدك فيه الأولون و الآخرون و هو مقام الشفاعة تشرف فيه على جميع الخلائق تسأل فتعطي و تشفع فتشفع و قد أجمع المفسرون على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة و هو المقام الذي يشفع فيه للناس و هو المقام الذي يعطي فيه لواء الحمد فيوضع في كفه و يجتمع تحته الأنبياء و الملائكة فيكون (صلى الله عليه وآله وسلّم) أول شافع و أول مشفع « و قل » يا محمد « رب أدخلني مدخل صدق و أخرجني مخرج صدق » المدخل و المخرج هنا مصدر الإدخال و الإخراج فالتقدير أدخلني إدخال صدق و أخرجني إخراج صدق و في معناه أقوال ( أحدها ) أن المعنى أدخلني في جميع ما أرسلتني به إدخال صدق و أخرجني منه سالما إخراج صدق أي أعني على الوحي و الرسالة عن مجاهد ( و ثانيها ) أن معناه أدخلني المدينة و أخرجني منها إلى مكة للفتح عن ابن عباس و الحسن و قتادة و سعيد بن جبير ( و ثالثها ) أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمر بهذا الدعاء إذا دخل في أمر أو خرج من أمر و المراد أدخلني كل أمر مدخل صدق عن أبي مسلم ( و رابعها ) أن المعنى أدخلني القبر عند الموت مدخل صدق و أخرجني منه عند البعث مخرج صدق عن عطية عن ابن عباس و مدخل الصدق ما تحمد عاقبته في الدنيا و الدين و إنما أضاف الإدخال و الإخراج إليه سبحانه و إن كانا من فعل العبد لأنه سأله اللطف المقرب إلى خير الدين و الدنيا « و اجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا » أي اجعل لي عزا أمتنع به ممن يحاول صدي عن إقامة فرائضك و قرة تنصرني بها على من عاداني فيك و قيل اجعل لي ملكا عزيز أقهر به العصاة فنصر بالرعب حتى خافه العدو على مسيرة شهر و قيل حجة بينة أتقوى بها على سائر الأديان الباطلة عن مجاهد قال و سماه نصيرا لأنه تقع به النصرة على الأعداء فهو كالمعين « و قل » يا محمد « جاء الحق » أي ظهر الحق و هو الإسلام و الدين « و زهق الباطل » أي و بطل الباطل و هو الشرك عن السدي و قيل الحق التوحيد و عبادة الله و الباطل عبادة الأصنام عن مقاتل و قيل الحق القرآن و الباطل الشيطان و زهق بطل و اضمحل عن قتادة و روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مكة و حول البيت
مجمع البيان ج : 6 ص : 672
ثلاثمائة و ستون صنما فجعل يطعنها و يقول « جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا » أورده البخاري في الصحيح قال الكلبي فجعل الصنم ينكب لوجهه إذ قال ذلك و أهل مكة يقولون ما رأينا رجلا أسحر من محمد « إن الباطل كان زهوقا » أي مضمحلا ذاهبا هالكا لا ثبات له .
وَ نُنزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظلِمِينَ إِلا خَساراً(82) وَ إِذَا أَنْعَمْنَا عَلى الانسنِ أَعْرَض وَ نَئَا بجَانِبِهِ وَ إِذَا مَسهُ الشرُّ كانَ يَئُوساً(83) قُلْ كلُّ يَعْمَلُ عَلى شاكلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سبِيلاً(84)

القراءة

قرأ أبو جعفر و ابن عامر برواية ابن ذكوان و ناء بجانبه ممدودة مهموزة و في حم مثله و قرأ حمزة إلا العجلي و أبو بكر برواية حماد و يحيى و عياش و أبو شعيب السوسي عن اليزيدي و نصير عن الكسائي نئي بفتح النون و كسر الهمزة و قرأ حمزة برواية العجلي و خلف و الكسائي نئي بكسر النون و الهمزة و قرأ الباقون « نأى » بفتح النون و الهمزة في وزن نعى .

الحجة

قال أبو علي ناء مثل فاع و هو على القلب و تقديره فلع و مثله رأى و رآء قال :
فكل خليل راءني فهو قائل
من أجلك هذا هامة اليوم أوغد و من أمال الفتحتين فلأن الألف منقلبة من الياء التي في الناي فإذا أراد أن ينحو نحوها أمال فتحة النون لإمالة فتحة الهمزة و قد قالوا رأيت عمادا فأمالوا الألف لإمالة الألف فكذلك أمالوا الفتحة لإمالة الفتحة لأنهم يجرون الحركة مجرى الحرف في أشياء و من فتح النون و كسر الهمزة فإنه لم يمل الفتحة الأولى لإمالة الفتحة الثانية كما لم يميلوا الألف لإمالة الألف في رأيت عمادا .

اللغة

الشاكلة الطريقة و المذهب يقال هذا طريق ذو شواكل أي ينشعب منه طرق جماعة .

مجمع البيان ج : 6 ص : 673

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن القرآن فقال « و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين » و وجه الشفاء فيه من وجوه ( منها ) ما فيه من البيان الذي يزيل عمى الجهل و حيرة الشك ( و منها ) ما فيه من النظم و التأليف و الفصاحة البالغة حد الإعجاز الذي يدل على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فهو من هذه الجهة شفاء من الجهل و الشك و العمى في الدين و يكون شفاء للقلوب ( و منها ) أنه يتبرك به و بقراءته و يستعان به على دفع العلل و الأسقام و يدفع الله به كثيرا من المكاره و المضار على ما تقتضيه الحكمة ( و منها ) ما فيه من أدلة التوحيد و العدل و بيان الشرائع و الأمثال و الحكم و ما في التعبد بتلاوته من الصلاح الذي يدعو إلى أمثاله بالمشاركة التي بينه و بينه فهو شفاء للناس في دنياهم و آخرتهم و رحمة للمؤمنين أي نعمة لهم و خصهم بذلك لأنهم المنتفعون به « و لا يزيد الظالمين إلا خسارا » و معناه أنهم لا يزدادون عنده إلا خسارا يخسرون الثواب و يستحقون العقاب لكفرهم به و تركهم التدبر له و التفكر فيه و هذا كقوله فلم يزدهم دعائي إلا فرارا و يحتمل أن يريد أن القرآن يظهر خبث سرائرهم و ما يأتمرون به من الكيد و المكر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيفتضحون بذلك « و إذا أنعمنا على الإنسان أعرض » عن ذكرنا أي ولى كأنه لم يقبل علينا بالدعاء و الابتهال « و نأى بجانبه » أي بعد بنفسه عن القيام بحقوق أنعامنا فلا يشكره كما أعرض عن النعمة بالقرآن و قال مجاهد معناه تباعد منا و على هذا فيكون معناه تجبر و تكبر و أعجب بنفسه لأن المعجب نافر عن الناس متباعد عنهم « و إذا مسه الشر كان يؤوسا » معناه و إذا أصابه المحنة و الشدة و الفقر لم يصبر و كان قنوطا من رجاء الفرج من الله تعالى بخلاف المؤمن الذي يرجو الفرج و الروح فيكون المراد بالآية خاصا و إن كان اللفظ عاما و سمي الأمراض و البلايا شرا لكونها شرا عند الكافر من حيث لا يرجو ثوابا و لا عوضا و لأن الطباع تنفر عنها و تكرهها و إلا فهي في الحقيقة صلاح و حكمة و صواب « قل » يا محمد لهم « كل يعمل على شاكلته » أي كل واحد من المؤمن و الكافر يعمل على طبيعته و خليقته التي تخلق بها عن ابن عباس و قيل على طريقته و سنته التي اعتادها عن الفراء و الزجاج و قيل على ما هو أشكل بالصواب و أولى بالحق عنده عن الجبائي قال و لهذا قال « فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا » أي أنه يعلم أي الفريقين على الهدى و أيهما على الضلالة و قيل معناه أنه أعلم بمن هو أصوب دينا و أحسن طريقا و قال بعض أرباب اللسان هذه الآية أرجى آية في كتاب الله لأن الأليق بكرمه سبحانه و جوده العفو عن عباده فهو يعمل به .
 

Back Index Next