جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 6 ص : 674
وَ يَسئَلُونَك عَنِ الرُّوح قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبى وَ مَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً(85) وَ لَئن شِئْنَا لَنَذْهَبنَّ بِالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْك ثمَّ لا تجِدُ لَك بِهِ عَلَيْنَا وَكيلاً(86) إِلا رَحْمَةً مِّن رَّبِّك إِنَّ فَضلَهُ كانَ عَلَيْك كبِيراً(87) قُل لَّئنِ اجْتَمَعَتِ الانس وَ الْجِنُّ عَلى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضهُمْ لِبَعْض ظهِيراً(88) وَ لَقَدْ صرَّفْنَا لِلنَّاسِ فى هَذَا الْقُرْءَانِ مِن كلِّ مَثَل فَأَبى أَكْثرُ النَّاسِ إِلا كفُوراً(89)

اللغة

الظهير المعين و هو المظاهر و أصله من الظهر كان كل واحد يسند ظهره إلى ظهر صاحبه فيتقوى به و التصريف تصيير الشيء دائرا في الجهات و كذلك تصريف الكلام هو تصييره دائرا في المعاني المختلفة .

الإعراب

« إلا رحمة من ربك » الرحمة استثناء من الأول و المعنى و لكن الله تعالى رحمك فأثبت ذلك في قلبك « لا يأتون » مرفوع لأنه غلب جواب القسم على جواب أن و اللام في لئن موطئة للقسم دالة عليه و التقدير فو الله لا يأتون بمثله و مثله قول كثير :
لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها
و أمكنني منها إذا لا أقيلها .

المعنى

ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و يسئلونك » يا محمد « عن الروح » اختلف في الروح المسئول عنه على أقوال ( أحدها ) أنهم سألوه عن الروح الذي هو في بدن الإنسان ما هو و لم يجبهم و سأله عن ذلك قوم من اليهود عن ابن مسعود و ابن عباس و جماعة و اختاره الجبائي و على هذا فإنما عدل النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن جوابهم لعلمه بأن ذلك أدعى لهم إلى الصلاح في الدين و لأنهم كانوا بسؤالهم متعنتين لا مستفيدين فلو صدر الجواب لازدادوا عنادا و قد قيل إن اليهود قالت لكفار قريش سلوا محمدا عن الروح فإن أجابكم فليس بنبي و إن لم يجبكم فهو نبي فإنا نجد في كتبنا ذلك فأمر الله سبحانه بالعدول عن جوابهم و إن يكلهم في معرفة الروح إلى ما في عقولهم ليكون ذلك علما على صدقه و دلالة لنبوته ( و ثانيها ) أنهم
مجمع البيان ج : 6 ص : 675
سألوا عن الروح أ هي مخلوقة محدثة أم ليست كذلك فقال سبحانه « قل الروح من أمر ربي » أي من فعله و خلقه و كان هذا جوابا لهم عما سألوه عنه بعينه و على هذا فيجوز أن يكون الروح الذي سألوا عنه هو الذي به قوام الجسد على قول ابن عباس و غيره أم جبرائيل (عليه السلام) على قول الحسن و قتادة أم ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله بجميع ذلك على ما روي عن علي (عليه السلام) أم عيسى (عليه السلام) فإنه قد سمي بالروح ( و ثالثها ) أن المشركين سألوه عن الروح الذي هو القرآن كيف يلقاك به الملك أو كيف صار معجزا و كيف صار نظمه و ترتيبه مخالفا لأنواع كلامنا من الخطب و الأشعار و قد سمى الله تعالى القرآن روحا في قوله و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا فقال سبحانه قل يا محمد إن الروح الذي هو القرآن من أمر ربي أنزله دلالة علي دلالة نبوتي و ليس من فعل المخلوقين و لا مما يدخل في إمكانهم و على هذا فقد وقع الجواب أيضا موقعه و أما على القول الأول فيكون معنى قوله « الروح من أمر ربي » هو من الأمر الذي يعلمه ربي و لم يطلع عليه أحد و اختلف العلماء في ماهية الروح فقيل إنه جسم رقيق هوائي متردد في مخارق الحيوان و هو مذهب أكثر المتكلمين و اختاره الأجل المرتضى علم الهدى قدس الله روحه و قيل جسم هوائي على بينة حيوانية في كل جزء منه حياة عن علي بن عيسى قال فلكل حيوان روح و بدن إلا أن منه من الأغلب عليه الروح و منه من الأغلب عليه البدن و قيل إن الروح عرض ثم اختلف فيه فقيل هو الحياة التي يتهيأ به المحل لوجود القدرة و العلم و الاختيار و هو مذهب الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ( ره ) و البلخي و جماعة من المعتزلة البغداديين و قيل هو معنى في القلب عن الأسواري و قيل إن الروح الإنسان و هو الحي المكلف عن ابن الإخشيد و النظام و قال بعض العلماء إن الله تعالى خلق الروح من ستة أشياء من جوهر النور و الطيب و البقاء و الحياة و العلم و العلو أ لا ترى أنه ما دام في الجسد كان الجسد نورانيا يبصر بالعينين و يسمع بالأذنين و يكون طيبا فإذا خرج من الجسد نتن الجسد و يكون باقيا فإذا فارقه الروح بلي و فنى و يكون حيا و بخروجه يصير ميتا و يكون عالما فإذا خرج منه الروح لم يعلم شيئا و يكون علويا لطيفا توجد به الحياة بدلالة قوله تعالى في صفة الشهداء بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين و أجسامهم قد بليت في التراب و قوله « و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا » قيل هو خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و غيره إذا لم يبين له الروح و معناه و ما أوتيتم من العلم المنصوص عليه إلا قليلا أي شيئا يسيرا لأن غير المنصوص عليه أكثر فإن معلومات الله تعالى لا نهاية لها و قيل خطاب لليهود الذين سألوه فقالت له اليهود عند ذلك كيف و قد أعطانا الله التوراة فقال التوراة في علم الله قليل ثم قال سبحانه « و لئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك »
مجمع البيان ج : 6 ص : 676
يعني القرآن و معناه أني أقدر أن آخذ ما أعطيتك كما منعت غيرك و لكني دبرتك بالرحمة لك فأعطيتك ما تحتاج إليه و منعتك ما لا تحتاج إلى النص عليه و إن توهم قوم أنه مما تحتاج إليه فتدبر أنت بتدبير ربك و ارض بما اختاره لك « ثم لا تجد لك به علينا وكيلا » أي ثم لو فعلنا ذلك لم تجد علينا وكيلا يستوفي ذلك منا و قيل معناه و لو شئنا لمحونا هذا القرآن من صدرك و صدر أمتك حتى لا يوجد له أثر ثم لا تجد له حفيظا يحفظه عليك و يحفظ ذكره على قلبك عن الحسن و أبي مسلم و الأصم قالوا و في هذا دلالة على أن السؤال وقع عن القرآن « إلا رحمة من ربك » معناه لكن رحمة من الله ربك لك أعطاك ما أعطاك من العلوم و منعك ما منعك منها و أثبت القرآن في قلبك و قلوب المؤمنين « إن فضله كان » فيما مضى و فيما يستقبل « عليك كبيرا » عظيما إذ اختارك للنبوة و خصك بالقرآن فقابله بالشكر و قال ابن عباس يريد حيث جعلك سيد ولد آدم و ختم ربك النبيين و أعطاك المقام المحمود ثم احتج سبحانه على المشركين بإعجاز القرآن فقال « قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله » معناه قل يا محمد لهؤلاء الكفار لئن اجتمعت الإنس و الجن متعاونين متعاضدين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في فصاحته و بلاغته و نظمه على الوجوه التي هو عليها من كونه في الطبقة العليا من البلاغة و الدرجة القصوى من حسن النظم و جودة المعاني و تهذيب العبارة و الخلو من التناقض و اللفظ المسخوط و المعنى الدخول على حد يشكل على السامعين ما بينهما من التفاوت لعجزوا عن ذلك و لم يأتوا بمثله « و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا » أي معينا على ذلك مثل ما يتعاون الشعراء على بيت شعر فيقيمونه عن ابن عباس و في هذا تكذيب للنضر بن الحارث حين قال لو نشاء لقلنا مثل هذا قال أبو مسلم و في هذا أيضا دلالة على أن السؤال بالروح وقع عن القرآن لأنه من تمام ما أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يجيئهم به « و لقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل » معناه لقد بينا لهم في هذا القرآن من كل ما يحتاج إليه من الدلائل و الأمثال و العبر و الأحكام و ما يحتاجون إليه في دينهم و دنياهم ليتفكروا فيها « فأبى أكثر الناس إلا كفورا » أي جحودا للحق و المثل قد يكون الشيء بعينه و قد يكون صفة للشيء و قد يكون شبهة .

مجمع البيان ج : 6 ص : 677
وَ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَك حَتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً(90) أَوْ تَكُونَ لَك جَنَّةٌ مِّن نخِيل وَ عِنَب فَتُفَجِّرَ الأَنْهَرَ خِلَلَهَا تَفْجِيراً(91) أَوْ تُسقِط السمَاءَ كَمَا زَعَمْت عَلَيْنَا كِسفاً أَوْ تَأْتىَ بِاللَّهِ وَ الْمَلَئكةِ قَبِيلاً(92) أَوْ يَكُونَ لَك بَيْتٌ مِّن زُخْرُف أَوْ تَرْقى فى السمَاءِ وَ لَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّك حَتى تُنزِّلَ عَلَيْنَا كِتَباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سبْحَانَ رَبى هَلْ كُنت إِلا بَشراً رَّسولاً(93) وَ مَا مَنَعَ النَّاس أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَن قَالُوا أَ بَعَث اللَّهُ بَشراً رَّسولاً(94) قُل لَّوْ كانَ فى الأَرْضِ مَلَئكةٌ يَمْشونَ مُطمَئنِّينَ لَنزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمَاءِ مَلَكاً رَّسولاً(95)

القراءة

قرأ أهل الكوفة و يعقوب « حتى تفجر لنا » بفتح التاء و ضم الجيم و الباقون تفجر بضم التاء و تشديد الجيم و قرأ أبو جعفر و ابن عامر « كسفا » بفتح السين هاهنا و في سائر القرآن كسفا ساكنة السين و قرأ حفص بالفتح في جميع القرآن إلا في الطور و قرأ أهل العراق و ابن كثير بالسكون في جميع القرآن إلا في الروم و لم يقرأ في الروم بسكون السين إلا أبو جعفر و ابن عامر و ابن كثير و ابن عامر قال سبحان ربي و الباقون « قل » على الأمر .

الحجة

من قرأ تفجر بالتشديد فلأنهم أرادوا كثرة الانفجار من الينبوع و هو و إن كان واحدا فلتكثير الانفجار منه حسن أن يقال بتكرير العين كما يقال ضرب زيد إذا كثر منه فعل الضرب و من قرأ « تفجر » فلأن الينبوع واحد فلا يكون كقوله فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا لأن فجرت الأنهار مثل غلقت الأبواب فلذلك اتفق الجميع على التثقيل فيه و الكسف القطع واحدتها كسفة و من سكنة جاز أن يريد الجمع مثل سدرة و سدر قال أبو زيد : كسفت الثوب أكسفه كسفا إذا قطعته قال أبو علي إذا كان المصدر الكسف فالكسف الشيء المقطوع كالطحن و الطحن و السقي و السقي و نحو ذلك فجاز أن يكون قوله « أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا » بمعنى ذات كسف و ذلك أن أسقط لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد فوجب أن ينتصب كسفا على الحال و الحال ذو الحال في المعنى و إذا كان كذلك وجب أن يكون الكسف هو السماء فيصير المعنى أو تسقط السماء علينا مقطعة أو قطعا و من قرأ قال سبحان ربي فالوجه فيه أن الرسول قال عند اقتراحهم هذه الأشياء سبحان ربي و من قرأ « قل » فهو على الأمر له بأن يقول ذلك .

مجمع البيان ج : 6 ص : 678

اللغة

التفجير التشقيق عما يجري من ماء أو ضياء و منه سمي الفجر لأنه ينشق عن عمود و منه الفجور لأنه خروج إلى الفساد يشقق به عمود الحق و الينبوع يفعول من نبع الماء ينبع فهو نابع إذا فار و القبيل الكفيل من قبلت به أقبل قبالة أي كفلت و تقبل فلان بالشيء إذا تكفل به قال الزجاج و جائز أن يكون المعنى تأتي بهم حتى نراهم مقابلة أي معاينة و أنشد غيره :
نصالحكم حتى تبوؤا بمثلها
كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها أي قابلتها التي هي مقابلتها و العرب تجريه في هذا المعنى مجرى المصدر فلا يثنى و لا يجمع و لا يؤنث و أصل الزخرف من الزخرفة و هي الزينة و زخرفت الشيء إذا أكملت زينته و لا شيء في تحسين بيت و تزيينه و زخرفته كالذهب و يقال في الصعود رقيت أرقى رقيا و فيما تداويه بالرقية رقيت أرقى رقية و رقيا .

النزول

قال ابن عباس إن جماعة من قريش و هم عتبة و شيبة ابنا ربيعة و أبو سفيان بن حرب و الأسود بن المطلب و زمعة بن الأسود و الوليد بن المغيرة و أبو جهل بن هشام و عبد الله بن أبي أمية و أمية بن خلف و العاص بن وائل و نبيه و منبه ابنا الحجاج و النضر بن الحارث و أبو البختري بن هشام اجتمعوا عند الكعبة و قال بعضهم لبعض ابعثوا إلى محمد فكلموه و خاصموه فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك فبادر (صلى الله عليه وآله وسلّم) إليهم ظنا منه أنهم بدا لهم في أمره و كان حريصا على رشدهم فجلس إليهم فقالوا يا محمد إنا دعوناك لنعذر إليك فلا نعلم أحدا دخل على قومه ما أدخلت على قومك شتمت الآلهة و عبت الدين و سفهت الأحلام و فرقت الجماعة فإن كنت جئت بهذا لتطلب مالا أعطيناك و إن كنت تطلب الشرف سودناك علينا و إن كانت علة غلبت عليك طلبنا لك الأطباء فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس شيء من ذلك بل بعثني الله إليكم رسولا و أنزل كتابا فإن قبلتم ما جئت به فهو حظكم في الدنيا و الآخرة و إن تردوه أصبر حتى يحكم الله بيننا قالوا فإذن ليس أحد أضيق بلدا منا فاسأل ربك أن يسير هذه الجبال و يجري لنا أنهارا كأنهار الشام و العراق و أن يبعث لنا من مضى و ليكن فيهم قصي فإنه شيخ صدوق لنسألهم عما تقول أ حق أم باطل فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما بهذا بعثت قالوا فإن لم تفعل ذلك فاسأل ربك أن يبعث ملكا يصدقك و يجعل لنا جنات و كنوزا و قصورا من ذهب فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما بهذا بعثت و قد جئتكم بما بعثني الله به فإن قبلتم و إلا فهو يحكم بيني و بينكم قالوا فأسقط
مجمع البيان ج : 6 ص : 679
علينا السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ذلك قال ذاك إلى الله إن شاء فعل و قال قائل منهم لا نؤمن حتى تأتي بالله و الملائكة قبيلا فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قام معه عبد الله بن أبي أمية المخزومي ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب فقال يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله ثم سألوك لأنفسهم أمورا فلم تفعل ثم سألوك أن تجعل ما تخوفهم به فلم تفعل فو الله لا أومن بك أبدا حتى تتخذ سلما إلى السماء ثم ترقى فيه و أنا أنظر و يأتي معك نفر من الملائكة يشهدون لك و كتاب يشهد لك و قال أبو جهل أنه أبى إلا سب الآلهة و شتم الآباء و أنا أعاهد الله لأحملن حجرا فإذا سجد ضربت به رأسه فانصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حزينا لما رأى من قومه فأنزل الله سبحانه الآيات .

المعنى

لما بين سبحانه فيما تقدم إعجاز القرآن عقب ذلك البيان بأنهم أبوا إلا الكفر و الطغيان و اقترحوا من الآيات ما ليس لهم ذلك فقال « و قالوا لن نؤمن لك » أي لن نصدقك فيما تدعي من النبوة « حتى تفجر لنا من الأرض » أي تشقق لنا من أرض مكة فإنها قليلة الماء « ينبوعا » أي عينا ينبع منه الماء في وسط مكة « أو تكون لك جنة » و هي ما تجنه الأشجار أي تستره « من نخيل و عنب فتفجر الأنهار » من الماء « خلالها » أي وسطها « تفجيرا » أي تشقيقا حتى يجري الماء تحت الأشجار « أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا » أي قطعا قد تركب بعضها على بعض عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قوله « كما زعمت » معناه كما خوفتنا به من انشقاق السماء و انفطارها و قيل معناه كما زعمت أنك نبي تأتي بالمعجزات « أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا » أي كفيلا و معناه تأتي بكل واحد حتى يكون كفيلا ضامنا لنا بما تقول عن ابن عباس و الضحاك و قيل هو جمع القبيلة أي تأتي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة عن مجاهد و قيل معناه مقابلين لنا كالشيء يقابل الشيء حتى نشاهدهم قبيلا أي مقابلة نعاينهم و يشهدون بأنك حق و دعوتك صدق عن الجبائي و قتادة و هذا يدل على أن القوم كانوا مشبهة مع شركهم « أو يكون لك بيت من زخرف » أي من ذهب عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل الزخرف النقوش عن الحسن « أو ترقى في السماء » أي تصعد « و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه » أي و لو فعلت ذلك لم نصدقك حتى تنزل على كل واحد منا كتابا من الله شاهدا بصحة نبوتك نقرؤه و هو مثل قوله بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة « قل سبحان ربي » أي تنزيها له من كل قبيح و براءة له من كل سوء و في ذلك من الجواب أنكم تتخيرون الآيات و هي إلى الله سبحانه فهو العالم بالتدبير الفاعل لما توجبه المصلحة فلا وجه لطلبكم إياها مني و قيل معناه تعظيما له عن أن يحكم عليه عبيده لأن له الطاعة عليهم و قيل إنهم لما قالوا تأتي بالله و ترقى في السماء إلى الله
مجمع البيان ج : 6 ص : 680
لاعتقادهم أن الله تعالى جسم قال « قل سبحان ربي » عن كونه بصفة الأجسام حتى تجوز عليه المقابلة و النزول و قيل معناه تنزيها له عن أن يفعل المعجزات تابعا للاقتراحات « هل كنت إلا بشرا رسولا » معناه أن هذه الأشياء ليس في طاقة البشر أن يأتي بها و أن يفعلها فلا أقدر بنفسي أن آتي بها كما لم يقدر من كان قبلي من الرسل و الله تعالى إنما يظهر الآيات المعجزة على حسب المصلحة و قد فعل فلا تطالبوني بما لا يطالب به البشر « و ما منع الناس أن يؤمنوا » أي و ما صرف المشركين عن الإيمان أي التصديق بالله و برسوله « إذ جاءهم الهدى » أي حين أتاهم الحجج و البينات « إلا أن قالوا » أي إلا قولهم « أ بعث الله بشرا رسولا » دخلت عليهم الشبهة في أنه لا يجوز أن يبعث الله رسولا إلا من الملائكة كما دخلت عليهم الشبهة في أن عبادتهم لا تصلح لله فوجهوها إلى الأصنام فعظموا الله بجهلهم بما ليس فيه تعظيم و إنما ذكر سبحانه هنا لفظ المنع مبالغة في وصف الصرف و إلا فالمنع يستحيل معه الفعل فلا يجوز أن يكون مرادا هنا و لكن شبه الصرف بالمنع « قل » يا محمد « لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين » أي ساكنين قاطنين « لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا » منهم عن الحسن و قيل معناه مطمئنين إلى الدنيا و لذاتها غير خائفين و لا متعبدين بشرع لأن المطمئن من زال الخوف عنه عن الجبائي و قيل معناه لو كان أهل الأرض ملائكة لبعثنا إليهم ملكا ليكونوا إلى الفهم إليه أسرع عن أبي مسلم و قيل إن العرب قالوا كنا ساكنين مطمئنين فجاء محمد فأزعجنا و شوش علينا أمرنا فبين سبحانه أنهم لو كانوا ملائكة مطمئنين لأوجبت الحكمة إرسال الرسل إليهم فكذلك كون الناس مطمئنين لا يمنع من إرسال الرسول إليهم إذ هم أحوج إليه من الملائكة فكيف أنكروا إرسال الرسول إليهم مع كونهم مطمئنين ( سؤال ) قالوا إذا جاز أن يكون الرسول إلى النبي ملكا ليس من جنسه فجاز أن يكون الرسول إلى الناس أيضا ملكا ليس من جنسهم ( و جوابه ) أن صاحب المعجزة قد اختير للنبوة فصارت حاله مقاربة لحال الملك و ليس كذلك غيره من الأمة لأنه يجوز أن يرى الملائكة كما يرى بعضهم بعضا بخلاف الأمة و أيضا فإن النبي يحتاج إلى معجزة تعرف بها رسالة نفسه كما احتاجت إليه الأمة فجعل الله المعجزة رؤيته الملك .

مجمع البيان ج : 6 ص : 681
قُلْ كفَى بِاللَّهِ شهِيدَا بَيْنى وَ بَيْنَكمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيراً(96) وَ مَن يهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَن يُضلِلْ فَلَن تجِدَ لهَُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ وَ نحْشرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كلَّمَا خَبَت زِدْنَهُمْ سعِيراً(97) ذَلِك جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِئَايَتِنَا وَ قَالُوا أَ ءِذَا كُنَّا عِظماً وَ رُفَتاً أَ ءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً(98) * أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَ السمَوَتِ وَ الأَرْض قَادِرٌ عَلى أَن يخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْب فِيهِ فَأَبى الظلِمُونَ إِلا كُفُوراً(99) قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائنَ رَحْمَةِ رَبى إِذاً لأَمْسكْتُمْ خَشيَةَ الانفَاقِ وَ كانَ الانسنُ قَتُوراً(100)

اللغة

الخبو سكون النار عن الالتهاب يقال خبت النار تخبو قال عدي بن زيد :
وسطه كاليراع أو سرج المجدل
حينا يخبو و حينا ينير و قال آخر :
و كنا كالحريق أصاب غابا
فيخبو ساعة و ينير ساعا و القتر التضييق و القتور فعول منه للمبالغة و يقال قتر يقتر و تقتر و أقتر و قتر إذا قدر في النفقة .

الإعراب

« كفى بالله » المفعول محذوف و هو الكاف و الباء زيادة و « شهيدا » تمييز و التقدير كفاك الله من جملة الشهداء « من يهد الله » و « من يضلل » كلاهما شرط و وحد الضمير المتصل بيهدي و يضلل على اللفظ ثم قال « فلن تجد لهم أولياء » « و نحشرهم » الخ فجمع الضمير في كل ذلك على المعنى و قوله « كلما خبت زدناهم سعيرا » الجملة في موضع الحال من جهنم لأن جهنم توضع موضع متلظ و متسعر و لو لا ذلك لم يجز مجيء الحال عنها و يجوز أن تكون الجملة لا محل لها من الإعراب و يكون في تقدير العاطفة و التقدير و كلما خبت فحذف الواو .
« على وجوههم » في موضع نصب على الحال و تقديره مجرورين على وجوههم و قوله « لو
مجمع البيان ج : 6 ص : 682
أنتم تملكون » .
أنتم مرفوع بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر الذي هو قوله « تملكون » لأن لو يقع بها الشيء لوقوع غيره فلا يليها إلا الفعل و إذا وليها اسم عمل فيه فعل مضمر قال :
لو غيركم علق الزبير بحبله
أدى الجوار إلى بني العوام .

المعنى

ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « قل » يا محمد لهؤلاء المشركين « كفى بالله شهيدا بيني و بينكم » إني رسول الله إليكم و قد مر معناه في سورة الرعد « إنه كان بعباده خبيرا بصيرا » لا يخفى عليه من أحوالهم شيء و المراد به تأكيد الوعيد « و من يهد الله فهو المهتد » أي من يحكم الله بهداه فهو المهتد بإخلاصه و طاعته على الحقيقة « و من يضلل » أي و من يحكم بضلاله « فلن تجد لهم أولياء من دونه » أي لن تجد لهم أنصارا يقدرون على إزالة اسم الضلال عنهم و قد ذكرنا وجوه الهدى و الضلال في سورة البقرة « و نحشرهم » أي نجمعهم « يوم القيامة على وجوههم » أي يسحبون على وجوههم إلى النار كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في إهانته و تعذيبه و روى أنس بن مالك أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال إن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة أورده البخاري و مسلم في الصحيح « عميا و بكما و صما » قيل المعنى عميا عما يسرهم بكما عن التكلم بما ينفعهم صما عما يمتعهم عن ابن عباس أي كأنهم عدموا هذه الجوارح و قيل يحشرون على هذه الصفة عميا كما عموا عن الحق في دار الدنيا بكما جزاء على سكوتهم عن كلمة الإخلاص و صما لتركهم سماع الحق و إصغائهم إلى الباطل قال مقاتل هذا حين يقال لهم اخسئوا فيها و لا تكلمون و قيل يحشرون كذلك ثم يجعلون يبصرون و يسمعون و ينطقون عن الحسن « مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا » أي مستقرهم جهنم كلما سكن التهابها زدناهم اشتعالا فيكون كذلك دائما و متى قيل كيف يبقى الحي حيا في تلك الحالة من الاحتراق دائما قلنا إن الله تعالى قادر على أن يمنع وصول النار إلى مقاتلهم « ذلك » أي ذلك الذي تقدم ذكره من العقاب « جزاؤهم » استحقوه « بأنهم كفروا » ] كذا في النسخ و الصواب كفروا [ « ب آياتنا » أي بتكذيبهم ب آيات الله « و قالوا أ إذا كنا عظاما و رفاتا » مثل التراب مترضضين « أ إنا لمبعوثون خلقا جديدا » مر معناه في هذه السورة « أ و لم يروا » أي أ و لم يعلموا « أن الله الذي خلق السماوات و الأرض
مجمع البيان ج : 6 ص : 683
قادر على أن يخلق مثلهم » لأن القادر على الشيء قادر على أمثاله إذا كان له مثل أو أمثال في الجنس و إذا كان قادرا على خلق أمثالهم كان قادرا على إعادتهم إذ الإعادة أهون من الإنشاء في الشاهد و قيل أراد قادر على أن يخلقهم ثانيا و أراد بمثلهم إياهم و ذلك أن مثل الشيء مساو له في حالته فجاز أن يعبر به عن الشيء نفسه يقال مثلك لا يفعل كذا بمعنى أنت لا تفعله و نحوه ليس كمثله شيء و تم الكلام هاهنا ثم قال سبحانه « و جعل لهم أجلا لا ريب فيه » أي و جعل لإعادتهم وقتا لا شك فيه أنه كائن لا محالة و قيل معناه و ضرب لهم مدة ليتفكروا و يعلموا فيها أن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة و قيل و جعل لهم أجلا يعيشون إليه و يخترمون عنده لا شك فيه « فأبى الظالمون » لنفوسهم الباخسون حقها بفعل المعاصي « إلا كفورا » أي جحودا ب آيات الله و نعمه و في الآية دلالة على أن القادر على الشيء يجب أن يكون قادرا على جنس مثله إذا كان له مثل و على أنه يجب أن يكون قادرا على ضده لأن منزلته في المقدور منزلة مثله و فيه دلالة أيضا على أنه يقدر على إعادته إذا كان مما يفنى و تصح عليه الإعادة ثم قال سبحانه « قل » يا محمد لهؤلاء الكفار « لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي » أي لو ملكتم خزائن أرزاق الله و قيل لو ملكتم مقدورات ربي أي ما يقدر عليه ربي من النعم إذ لا يكون له سبحانه موضع يخزن فيه الرحمة ثم يخرج منه كما يكون للعباد و رحمته نعمته « إذا لأمسكتم » شحا و بخلا « خشية الإنفاق » أي خشية الفقر و الفاقة عن ابن عباس و قتادة و قيل خشية أن تنفقوا فتفتقروا عن السدي و المعنى لأمسكتم عن الإنفاق خشية الفقر للإنفاق « و كان الإنسان قتورا » أي بخيلا عن ابن عباس و قتادة و هذا جواب لقولهم « لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا » و يقال نفقت نفقات القوم إذا نفدت و أنفقها صاحبها أي أنفدها حتى افتقر و ظاهر قوله « و كان الإنسان قتورا » العموم و قد علمنا أن في الناس الجواد و الوجه فيه أحد أمرين و هو أن يكون الأغلب عليهم من ليس بجواد فجاز الإطلاق تغليبا للأكثر و أيضا فإن ما يعطيه الإنسان و إن عد جوادا بخل في جنب ما يعطيه الله سبحانه لأن الإنسان إنما يعطي ما يفضل عن حاجته و يمسك ما يحتاج إليه و الله سبحانه لا تجوز عليه الحاجة فيفيض من النعم على المطيع و العاصي إفاضة من لا يخاف الحاجة .

مجمع البيان ج : 6 ص : 684
وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسى تِسعَ ءَايَتِ بَيِّنَت فَسئَلْ بَنى إِسرءِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنى لأَظنُّك يَمُوسى مَسحُوراً(101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْت مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَب السمَوَتِ وَ الأَرْضِ بَصائرَ وَ إِنى لأَظنُّك يَفِرْعَوْنُ مَثْبُوراً(102) فَأَرَادَ أَن يَستَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَهُ وَ مَن مَّعَهُ جَمِيعاً(103) وَ قُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنى إِسرءِيلَ اسكُنُوا الأَرْض فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ جِئْنَا بِكمْ لَفِيفاً(104) وَ بِالحَْقِّ أَنزَلْنَهُ وَ بِالحَْقِّ نَزَلَ وَ مَا أَرْسلْنَك إِلا مُبَشراً وَ نَذِيراً(105)

القراءة

قرأ الكسائي وحده لقد علمت بضم التاء و الباقون بفتحها .

الحجة

قال أبو علي حجة من فتح أن فرعون و من كان يتبعه قد علموا صحة أمر موسى بدلالة قوله لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك و قوله و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم و من قال لقد علمت إذا قيل له كيف يصح الاحتجاج عليهم بعلمه و علمه لا يكون حجة على فرعون و إنما يكون علم فرعون بما علم من صحة أمر موسى حجة عليه فالقول إنه لما قيل له إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون كان ذلك قدحا في علمه لأن المجنون لا يعلم فكأنه نفى ذلك فقال لقد علمت صحة ما أتيت به و أنه ليس بسحر علما صحيحا كعلم العقلاء فصير العقل حجة عليه من هذا الوجه و زعموا أن هذه القراءة رويت عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) .

اللغة

الثبور الهلاك ثبره الله يثبره و يثبره لغتان و رجل مثبور محبوس عن الخيرات قال :
إذ أجاري الشيطان في سنن الغي
و من قال مثله مثبور و تقول العرب ما ثبرك عن هذا الأمر أي ما صرفك عنه و ما منعك منه و لفيف مصدر قولك لففت الشيء أي جمعته يقال لففته لفا و لفيفا و من ذلك قولهم لففت الجيوش ضربت بعضها ببعض فاختلط الجميع قال الزجاج : اللفيف الجماعات من قبائل شتى .

المعنى

ثم ذكر سبحانه قصة موسى (عليه السلام) فقال « و لقد آتينا موسى تسع آيات بينات » أي و لقد أعطينا موسى تسع دلالات و حجج واضحات و اختلف في هذه الآيات التسع فقيل هي يد موسى و عصاه و لسانه و البحر و الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم
مجمع البيان ج : 6 ص : 685
عن ابن عباس و الضحاك و قيل الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و البحر و العصا و الطمسة و الحجر عن محمد بن كعب و عن أبي علي الجبائي أيضا إلا أنه ذكر بدل الطمسة اليد و عن قتادة و مجاهد و عكرمة و عطا كذلك إلا إنهم ذكروا بدل البحر و الطمسة و الحجر اليد و السنين و نقص من الثمرات و الطمسة هي دعاء موسى و تأمين هارون و قال الحسن مثل ذلك إلا أنه جعل الأخذ بالسنين و نقص من الثمرات آية واحدة و جعل التاسعة تلقف العصا ما يأفكون و قيل إنها تسع آيات في الأحكام روى عبد الله بن سلمة عن صفوان بن عسال أن يهوديا قال لصاحبه تعال حتى نسأل هذا النبي قال فأتى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسأله عن هذه الآية فقال هو أن لا تشركوا بالله شيئا و لا تسرفوا و لا تزنوا و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله و لا تسحروا و لا تأكلوا الربا و لا تقذفوا المحصنة و لا تولوا الفرار يوم الزحف و عليكم خاصة يا يهود أن لا تعتدوا في السبت فقبل يده و قال أشهد أنك نبي « فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم » هذا أمر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يسأل بني إسرائيل لتكون الحجة عليهم أبلغ و قيل إن المعنى فاسأل أيها السامع لأن العلم قد وقع بخبر الله تعالى فلا حاجة إلى الرجوع إلى أهل الكتاب و قيل إن معنى السؤال أن تنظر ما في القرآن من أخبار بني إسرائيل عن الحسن و روي عن ابن عباس أنه قرأ فسأل بني إسرائيل بمعنى فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أن يرسلهم « فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا » أي معطي على السحر فهذه العجائب التي فعلتها من سحرك و قيل معناه إني لأظنك ساحرا فوضع المفعول موضع الفاعل كما يقال مشئوم و ميمون في معنى شائم و يأمن و قيل معناه إنك سحرت فأنت تحمل نفسك على ما تقوله للسحر الذي بك و قيل مسحورا أي مخدوعا عن ابن عباس « قال » موسى « لقد علمت » أنت يا فرعون « ما أنزل هؤلاء » أي هذه الآيات « إلا رب السماوات و الأرض » الذي خلقهن « بصائر » أي أنزلها حججا و براهين للناس يبصرون بها أمور دينهم و قيل أدلة على نبوتي لأنك تعلم أنها ليست من السحر و روي أن عليا (عليه السلام) قال في « علمت » و الله ما علم عدو الله و لكن موسى هو الذي علم فقال لقد علمت « و إني لأظنك يا فرعون مثبورا » معناه و إني لأعلمك يا فرعون هالكا لكفرك و إنكارك عن قتادة و الحسن و قيل أعلمك ملعونا عن ابن عباس و قيل مخبولا لا عقل لك عن ابن زيد و قيل بعيدا عن الخير مصروفا عنه عن الفراء و قيل المراد به الظن على الظاهر لأن الهلاك يكون بشرط الإصرار و لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله « فأراد أن يستفزهم من الأرض » معناه فأراد فرعون أن يزعج موسى و من معه من أرض مصر و فلسطين و الأردن بالنفي عنها و قيل بأن يقتلهم « فأغرقناه و من معه » من جنوده « جميعا » لم ينج منهم أحد و لم يهلك من بني إسرائيل أحد
مجمع البيان ج : 6 ص : 686
« و قلنا من بعده » أي من بعد هلاك فرعون و قومه « لبني إسرائيل اسكنوا الأرض » أي أرض مصر و الشام « فإذا جاء وعد الآخرة » يعني يوم القيامة عن أكثر المفسرين أي وعد الكرة الآخرة و قيل أراد نزول عيسى عن الكبي و قتادة « جئنا بكم لفيفا » معناه جئنا بكم من القبور إلى الموقف للحساب و الجزاء مختلطين التف بعضكم ببعض لا تتعارفون و لا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته و قيل لفيفا أي جميعا أولكم و آخركم عن ابن عباس و مجاهد « و بالحق أنزلناه » معناه و بالحق أنزلنا القرآن عليك « و بالحق نزل » القرآن و تأويله أردنا بإنزال القرآن الحق و الصواب و هو أن يؤمن به و يعمل بما فيه و نزل بالحق لأنه يتضمن الحق و يدعو إلى الحق و قال البلخي يجوز أن يكون المراد أنزلنا موسى فيكون كقوله و أنزلنا الحديد و يجوز أن يكون المراد و أنزلنا الآيات أي و أنزلنا ذلك كما قال أبو عبيدة أنشدني رؤبة :
فيه خطوط من سواد و بلق
كأنه في العين توليع البهق فقلت له إن أردت الخطوط فقل كأنها و إن أردت السواد و البياض فقل كأنهما قال فقال لي كان ذا ويلك توليع البهق « و ما أرسلناك إلا مبشرا و نذيرا » مبشرا بالجنة لمن أطاع و منذرا بالنار لمن عصى .

مجمع البيان ج : 6 ص : 687
وَ قُرْءَاناً فَرَقْنَهُ لِتَقْرَأَهُ عَلى النَّاسِ عَلى مُكْث وَ نَزَّلْنَهُ تَنزِيلاً(106) قُلْ ءَامِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلى عَلَيهِمْ يخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سجَّداً(107) وَ يَقُولُونَ سبْحَنَ رَبِّنَا إِن كانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً(108) وَ يخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشوعاً (109) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسمَاءُ الحُْسنى وَ لا تجْهَرْ بِصلاتِك وَ لا تخَافِت بهَا وَ ابْتَغ بَينَ ذَلِك سبِيلاً(110) وَ قُلِ الحَْمْدُ للَّهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُن لَّهُ شرِيكٌ فى الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُن لَّهُ وَلىُّ مِّنَ الذُّلِّ وَ كَبرْهُ تَكْبِيرَا(111)

القراءة

القراءة المشهورة في « فرقناه » بالتخفيف و روي عن علي (عليه السلام) و ابن مسعود و ابن عباس و أبي بن كعب و الشعبي و الحسن بخلاف و قتادة و عمرو بن فائد فرقناه بالتشديد .

الحجة

معنى فرقناه فصلناه و نزلناه آية آية و سورة سورة و يدل عليه قوله « على مكث » و المكث و المكث لغتان .

الإعراب

« قرآنا » منصوب بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر أي و فرقنا قرآنا فرقناه و جاء بالنصب و لم يأت فيه الرفع لأن صدره فعل و فاعل و هو قوله « و بالحق أنزلناه » « على مكث » في موضع نصب على الحال أي متمهلا متوقفا غير مستعجل « يخرون للأذقان » في موضع رفع بكونه خبر إن و « سجدا » نصب على الحال « إن كان وعد ربنا » إن هذه مخففة من الثقيلة و هي و اللام دخلتا للتأكيد .
« أيا ما تدعوا » تدعوا مجزوم بالشرط الذي يتضمنه أي و علامة الجزم فيه سقوط النون و ما مزيدة مؤكدة للشرط و أيا منصوب بتدعوا .

المعنى

ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال « و قرآنا فرقناه » أي و أنزلنا عليك يا محمد قرآنا فصلناه سورا و آيات عن أبي مسلم و قيل معناه فرقنا به الحق عن الباطل عن الحسن و قيل معناه جعلنا بعضه خبرا و بعضه أمرا و بعضه نهيا و بعضه وعدا و بعضه وعيدا و أنزلناه متفرقا لم ننزله جميعا إذ كان بين أوله و آخره نيف و عشرين سنة « لتقرأه على الناس على مكث » أي على تثبت و تؤدة فترتله ليكون أمكن في قلوبهم و يكونوا أقدر على التأمل و التفكر فيه و لا تعجل في تلاوته فلا يفهم عنك عن ابن عباس و مجاهد و قيل معناه لتقرأه عليهم مفرقا شيئا بعد شيء « و نزلناه تنزيلا » على حسب الحاجة و وقوع الحوادث و روي عن ابن عباس أنه قال لئن أقرأ سورة البقرة و أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن هذا و عن عبد الله بن مسعود أنه قال لا تقرأوا القرآن في أقل من ثلاث و اقرءوا في سبع « قل » يا محمد لهؤلاء المشركين « آمنوا به » أي بالقرآن « أو لا تؤمنوا » فإن إيمانكم ينفعكم و لا
مجمع البيان ج : 6 ص : 688
ينفع غيركم و ترككم الإيمان يضركم و لا يضر غيركم و هذا تهديد لهم و هو جواب لقولهم « لن نؤمن لك حتى تفجر لنا » « إن الذين أوتوا العلم من قبله » أي أعطوا علم التوراة من قبل نزول القرآن كعبد الله بن سلام و غيره فعلموا صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل مبعثه عن ابن عباس و قيل أنهم أهل العلم من أهل الكتاب و غيرهم و قيل أنهم أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الحسن « إذا يتلى عليهم » القرآن « يخرون للأذقان سجدا » أي يسقطون على الوجوه ساجدين عن ابن عباس و قتادة و إنما خص الذقن لأن من سجد كان أقرب شيء منه إلى الأرض ذقنه و الذقن مجمع اللحيين « و يقولون سبحان ربنا » أي تنزيها لربنا عز اسمه عما يضيف إليه المشركون « إن كان وعد ربنا لمفعولا » إنه كان وعد ربنا مفعولا حقا يقينا و لم يكن وعد ربنا إلا كائنا « و يخرون للأذقان يبكون » أي و يسجدون باكين إشفاقا من التقصير في العبادة و شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب « و يزيدهم » ما في القرآن من المواعظ « خشوعا » أي تواضعا لله تعالى و استسلاما لأمر الله و طاعته ثم قال سبحانه « قل » يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين نبوتك « ادعوا الله أو ادعوا الرحمن » و ذكر في سببه أقوال ( أحدها ) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان ساجدا ذات ليلة بمكة يدعو يا رحمن يا رحيم فقال المشركون هذا يزعم أن له إلها واحدا و هو يدعو مثنى عن ابن عباس ( و ثانيها ) أن المشركين قالوا أما الرحيم فنعرفه و أما الرحمن فلا نعرفه عن ميمون بن مهران ( و ثالثها ) أن اليهود قالوا إن ذكر الرحمن في القرآن قليل و هو في التوراة كثير عن الضحاك « أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى » معناه أي أسمائه تدعو و ما هاهنا صلة كقوله عما قليل ليصبحن نادمين و قيل هي بمعنى أي شيء كررت مع أي لاختلاف اللفظين توكيدا كما قالوا ما رأيت كالليلة ليلة و تقديره أي شيء من أسمائه تدعونه به كان جائزا فإن معنى أو في قوله « أو ادعوا الرحمن » الإباحة أي إن دعوتم بأحدهما كان جائزا و إن دعوتم بهما كان جائزا فله الأسماء الحسنى فإن أسماءه تنبىء عن صفات حسنة و أفعال حسنة فأما أسماؤه المنبئة عن صفات ذاته فهو القادر العالم الحي السميع البصير القديم و أما أسماؤه المنبئة عن صفات أفعاله الحسنة فنحو الخالق و الرازق و العدل و المحسن و المجمل و المنعم و الرحمن و الرحيم و أما ما أنبأ عن المعاني الحسنة فنحو الصمد فإنه يرجع إلى أفعال عباده و هو أنهم يصمدونه في الحوائج و نحو المعبود و المشكور بين سبحانه في هذه الآية أنه شيء واحد و إن اختلفت أسماؤه و صفاته و في الآية دلالة على أن الاسم عين المسمى و على أن تقديم أسمائه الحسنى قبل الدعاء و المسألة مندوب إليه مستحب و فيها أيضا دلالة على أنه
مجمع البيان ج : 6 ص : 689
سبحانه لا يفعل القبائح مثل الظلم و غيره لأن أسماءه حينئذ لا تكون حسنة فإن الأسماء قد تكون مشتقة من الأفعال فلو فعل الظلم لاشتق منه اسم الظالم كما اشتق من العدل العادل و قوله « و لا تجهر بصلاتك و لا تخافت بها » اختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أن معناه لا تجهر بإشاعة صلاتك عند من يؤذيك و لا تخافت بها عند من يلتمسها منك عن الحسن و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا صلى فجهر في صلاته تسمع له المشركون فشتموه و آذوه فأمره سبحانه بترك الجهر و كان ذلك بمكة في أول الأمر و به قال سعيد بن جبير و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) ( و ثانيها ) أن معناه لا تجهر بدعائك و لا تخافت بها و لكن بين ذلك فالمراد بالصلاة الدعاء عن مجاهد و عطا و مكحول و نحوه روي عن ابن عباس ( و ثالثها ) أن معناه لا تجهر بصلاتك كلها و لا تخافت بها كلها « و ابتغ بين ذلك سبيلا » بأن تجهر بصلاة الليل و تخافت بصلاة النهار عن أبي مسلم ( و رابعها ) لا تجهر جهرا يشغل به من يصلي بقربك و لا تخافت بها حتى لا تسمع نفسك عن الجبائي و قريب منه ما رواه أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال الجهر بها رفع الصوت شديدا و المخافتة ما لم تسمع أذنيك و اقرأ قراءة وسطا ما بين ذلك و ابتغ بين ذلك سبيلا أي بين الجهر و المخافتة و لم يقل بين ذينك لأنه أراد به الفعل فهو مثل قوله عوان بين ذلك « و قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا » فيكون مربوبا لا ربا لأن رب الأرباب لا يجوز أن يكون له ولد « و لم يكن له شريك في الملك » فيكون عاجزا محتاجا إلى غيره ليعينه و لا يجوز أن يكون الإله بهذه الصفة « و لم يكن له ولي من الذل » أي لم يكن له حليف حالفه لينصره على من يناوئه لأن ذلك من صفة الضعيف العاجز و لا يجوز أن يكون الإله بهذه الصفة قال مجاهد : لم يذل فيحتاج إلى من يتعزز به يعني أنه القادر بنفسه و كل ما عبد من دونه فهو ذليل مقهور و قيل معناه ليس له ولي من أهل الذل لأن الكافر و الفاسق لا يكون وليا لله « و كبره تكبيرا » أي عظمه تعظيما لا يساويه تعظيما و لا يقاربه و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يعلم أهله هذه الآية و ما قبلها عن ابن عباس و مجاهد و سعيد بن جبير و قيل إن في هذه الآية ردا على اليهود و النصارى حين قالوا اتخذ الله الولد و على مشركي العرب حيث قالوا لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك و على الصابئين و المجوس حين قالوا لو لا أولياء الله لذل الله عن محمد بن كعب القرظي ( سؤال ) قالوا كيف يحمد سبحانه أن لم يتخذ ولدا و لم يكن له شريك و الحمد إنما يستحق على فعل له صفة التفضل ( و الجواب ) أنه ليس له الحمد في الآية على أنه لم يفعل و إنما الحمد له سبحانه على أفعاله المحمودة و توجه الحمد إلى من هذه صفته كما يقال أنا أشكر فلانا الجميل و لا نشكره على جماله بل على أفعاله .

مجمع البيان ج : 6 ص : 690
( 18 ) سورة الكهف مكية و آياتها عشر و مائة ( 110 )
مكية قال ابن عباس إلا آية « و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم » فإنها نزلت بالمدينة في قصة عيينة بن حصن الفزاري .

عدد آيها

مائة و إحدى عشرة آية بصري و عشر كوفي و ست شامي و خمس حجازي .

اختلافها

إحدى عشرة آية ف « زدناهم هدى » غير الشامي « إلا قليل » مدني الأخير « إني فاعل ذلك غدا » غير الأخير ذرعا و « من كل شيء سببا » عراقي شامي و الأخير ، « هذه أبدا » غير شامي و الأخير ، « عندها قوما » غير الكوفي و الأخير « فأتبع سببا » الثلاث عراقي « بالأخسرين أعمالا » عراقي شامي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة فإن خرج الدجال في تلك الثمانية الأيام عصمه الله من فتنة الدجال و من قرأ الآية التي في آخرها « قل إنما أنا بشر مثلكم » الآية حين يأخذ مضجعه كان له في مضجعه نور يتلألأ إلى الكعبة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم من مضجعه فإن كان في مكة فتلاها كان له نورا يتلألأ إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ .
سمرة بن جندب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم تضره فتنة الدجال و من قرأ السورة كلها دخل الجنة و عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أ لا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك حين نزلت ملأت عظمتها ما بين السماء و الأرض قالوا بلى قال سورة أصحاب الكهف من قرأها يوم الجمعة غفر الله له إلى الجمعة الأخرى و زيادة ثلاثة أيام و أعطي نورا يبلغ السماء و وقى فتنة الدجال و روى الواقدي بإسناده عن أبي الدرداء عن
مجمع البيان ج : 6 ص : 691
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ثم أدرك الدجال لم يضره و من حفظ خواتيم سورة الكهف . كانت له نورا يوم القيامة و روي أيضا بالإسناد عن سعيد بن محمد الجزمي عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ستة أيام من كل فتنة تكون فإن خرج الدجال عصم منه و روى العياشي بإسناده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ سورة الكهف في كل ليلة جمعة لم يمت إلا شهيدا و بعثه الله مع الشهداء و وقف يوم القيامة مع الشهداء .

تفسيرها

ختم الله سبحانه سورة بني إسرائيل بالتحميد و التوحيد و ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و القرآن و افتتح سورة الكهف أيضا بالتحميد و التوحيد و ذكر القرآن و النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليتصل أول هذه ب آخر تلك اتصال الجنس بالجنس فقال : .
سورة الكهف
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحَْمْدُ للَّهِ الَّذِى أَنزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتَب وَ لَمْ يجْعَل لَّهُ عِوَجَا(1) قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَ يُبَشرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصلِحَتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسناً(2) مَّكِثِينَ فِيهِ أَبَداً(3) وَ يُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتخَذَ اللَّهُ وَلَداً(4) مَّا لهَُم بِهِ مِنْ عِلْم وَ لا لاَبَائهِمْ كَبرَت كلِمَةً تخْرُجُ مِنْ أَفْوَهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِباً(5) فَلَعَلَّك بَخِعٌ نَّفْسك عَلى ءَاثَرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسفاً(6)

القراءة

قرأ أبو بكر برواية يحيى من لدنه بإشمام الدال الضم و كسر الهاء و النون و قرأ الباقون بضم الدال و سكون النون و في الشواذ كبرت كلمة برفع كلمة قرأه يحيى بن يعمر و الحسن و ابن المحيصن و ابن أبي إسحاق و الثقفي و الأعرج بخلاف و عمرو بن عبيد .

مجمع البيان ج : 6 ص : 692

الحجة

قال أبو علي في لدن ثلاث لغات لدن مثل سبع و يخفف الدال و يكون على ضربين ( أحدهما ) أن يحذف الضمة من الدال فيقال لدن ( و الآخر ) أن يحذف الضمة من الدال و ينتقل إلى اللام فيقال لدن مثل عضد في عضد و في كلا الوجهين يجتمع في الكلمة ساكنان فمن قرأ من لدنه بكسر النون فإن الكسرة فيه ليست كسرة إعراب و إنما هي كسرة لالتقاء الساكنين و ذاك أن الدال أسكنت كما أسكنت الباء في سبع و النون ساكنة فالتقى الساكنان فكسر الثاني منهما فأما إشمام الدال الضمة فليعلم أن الأصل كان في الكلمة الضمة و مثل ذلك قولهم أنت تغرين و قولهم قيل أشمت الكسرة فيهما الضمة ليدل على أن الأصل فيهما التحريك بالضم و إن كان الإشمام في لدنه ليس في حركة خرجت إلى اللفظة و إنما هو بهيئة العضو لإخراج الضمة و أما الجار في قوله « من لدنه » فيحتمل ضربين ( أحدهما ) أن يكون صفة متعلقا بشديد ( و الآخر ) أن يكون صفة للنكرة و فيها ذكر للموصوف .

اللغة

العوج بالفتح فيما يرى كالقناة و الخشبة و بالكسر فيما لا يرى شخصا قائما كالدين و الكلام و القيم و المستقيم و الباخع القاتل المهلك يقال بخع نفسه يبخعها بخعا و بخوعا قال ذو الرمة :
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه
لشيء نحته عن يديه المقادر يريد نحته فخفف و الأسف المبالغة في الحزن و الغضب يقال أسف الرجل فهو آسف و أسيف قال الأعشى :
ترى رجلا منهم أسيفا كأنه
يضم إلى كشحيه كفا مخضبا .

الإعراب

« قيما » نصب على الحال من الكتاب و العامل فيه أنزل و قوله « أن لهم أجرا » تقديره بأن لهم أجرا فحذف الجار و « ماكثين » نصب على الحال في معنى خالدين و قوله « كبرت كلمة » اختلف في نصب كلمة فقال السراج : انتصب على تفسير المضمر على حد قولهم نعم رجلا زيد و التقدير على هذا كبرت الكلمة كلمة ثم حذف الأول لدلالة الثاني عليه و مثله كرم رجلا زيد و لؤم صاحبا عمرو و يكون المخصوص بالتكبير في هذه المسألة محذوفا لدلالة صفته عليه و التقدير كلمة تخرج من أفواههم أي كلمة خارجة من أفواههم فيكون مرفوعا على وجهين ( أحدهما ) أن يكون مبتدأ و ما قبله الخبر ( و الآخر ) أن يكون خبر مبتدإ محذوف و تقديره هي كلمة تخرج و قيل انتصب كلمة على التمييز المنقول عن الفاعل على حد قولك
مجمع البيان ج : 6 ص : 693
تصببت عرقا و تفقأت شحما و الأصل كبرت كلمتهم الخارجة من أفواههم قال الشاعر :
و لقد علمت إذا الرياح تناوحت
هدج الريال تكبهن شمالا أي تكبهن الرياح شمالا و من قرأ كبرت كلمة فإنه جعل كلمة فاعل كبرت و جعل قولهم « اتخذ الله ولدا » كلمة كما قالوا للقصيدة كلمة و على هذا فيكون قوله « تخرج من أفواههم » في موضع رفع بكونه صفة لكلمة و لا يجوز أن يكون وصفا لكلمة الظاهرة المنصوبة لأن الوصف يقرب النكرة من المعرفة و التمييز لا يكون معرفة البتة و لا يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من كلمة المنصوبة لوجهين ( أحدهما ) أن الحال يقوم مقام الوصف و الثاني أن الحال لا يكون من نكرة في غالب الأمر و « أسفا » منصوب بأنه مصدر وضع موضع الحال و لو كان في غير القرآن لجاز أن لم يؤمنوا بالفتح كما في قول الشاعر :
أ تجزع أن بأن الخليط المودع
و حبل الصفا من عزة المتقطع .

المعنى

« الحمد لله » يقول الله سبحانه لخلقه قولوا كل الحمد و الشكر لله « الذي أنزل على عبده » محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « الكتاب » أي القرآن و انتجبه من خلقه و خصه برسالته فبعثه نبيا رسولا « و لم يجعل له عوجا قيما » فيه تقديم و تأخير و تقديره الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما و لم يجعل له عوجا و عنى بقوله « قيما » معتدلا مستقيما مستويا لا تناقض فيه عن ابن عباس و قيل قيما على سائر الكتب المتقدمة يصدقها و يحفظها و ينفي البطل عنها و هو ناسخ لشرائعها عن الفراء و قيل قيما لأمور الدين يلزم الرجوع إليه فيها فهو كقيم الدار الذي يرجع إليه في أمرها عن أبي مسلم و قيل قيما دائما يدوم و يثبت إلى يوم القيامة لا ينسخ عن الأصم « و لم يجعل له عوجا » أي لم يجعله ملتبسا لا يفهم و معوجا لا يستقيم و هو معنى قول ابن عباس و قيل لم يجعل فيه اختلافا كما قال عز و جل اسمه و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا عن الزجاج و معنى العوج في الكلام أن يخرج من الصحة إلى الفساد و من الحق إلى الباطل و مما فيه فائدة إلى ما لا فائدة فيه ثم بين سبحانه الغرض في إنزاله فقال « لينذر بأسا شديدا من لدنه » و معناه ليخوف العبد الذي أنزل عليه الكتاب الناس عذابا شديدا و نكارا و سطوة من عند الله تعالى إن لم يؤمنوا به « و يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا » معناه و ليبشر المصدقين بالله و رسوله الذين يعملون الطاعات بعد الإيمان أن لهم ثوابا حسنا في الآخرة على إيمانهم
مجمع البيان ج : 6 ص : 694
و طاعاتهم في الدنيا و ذلك الثواب هو الجنة « ماكثين فيه أبدا » أي لابثين في ذلك الثواب خالدين مؤبدين لا ينتقلون عنه « و ينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا » أي و ليحذر الكفار الذين قالوا الملائكة بنات الله و هم قريش عن الحسن و محمد بن إسحاق و قيل هم اليهود و النصارى عن السدي و الكلبي فعم جميع الكفار بالإنذار في الآية الأولى و خص في هذه الآية القائلين بهذه المقالة منهم لتقليدهم الآباء في ذلك و لإصرارهم على الجهل و قلة التفكر و لصدهم الناس عن الدين « ما لهم به من علم و لا لآبائهم » أي ليس لهؤلاء القائلين بهذا القول الشنيع علم به و لا لأسلافهم الذين مضوا قبلهم على مثل ما هم عليه اليوم و إنما يقولون ذلك عن جهل و تقليد من غير حجة و قيل معناه ليس لهم بالله من علم و لا لآبائهم « كبرت كلمة تخرج من أفواههم » أي عظمت الكلمة كلمة تخرج من أفواه هؤلاء الكفار و وصف الكلمة بالخروج من الأفواه توسعا و مجازا و إن كانت الكلمة عرضا لا يجوز عليها الدخول و الخروج و لا الحركة و السكون و لكن لما كانت الكلمة قد تحفظ و تثبت و توجد مكتوبة و مقروءة في غير الموضع الذي فعلت فيه وصفها بالخروج و ذكر الأفواه تأكيدا و المعنى أنهم صرحوا بهذه الكلمة العظيمة في القبح و أظهروها « إن يقولون إلا كذبا » أي ما يقول هؤلاء إلا كذبا و افتراء على الله « فلعلك » يا محمد « باخع نفسك على آثارهم » أي مهلك و قاتل نفسك على آثار قومك الذين قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا تمردا منهم على ربهم « إن لم يؤمنوا » أي إن لم يصدقوا « بهذا الحديث » أي بهذا القرآن الذي أنزل عليك « أسفا » أي حزنا و تلهفا و وجدا بإدبارهم عنك و إعراضهم عن قبول ما آتيتهم به و قيل على آثارهم أي بعد موتهم لشدة شفقتك عليهم و قيل معناه من بعد توليهم و إعراضهم عنك و قيل أسفا أي غيظا و غضبا عن ابن عباس و قتادة و هذه معاتبة من الله سبحانه لرسوله على شدة وجده و كثرة حرصه على إيمان قومه حتى بلغ ذلك به مبلغا يقربه إلى الهلاك .
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلى الأَرْضِ زِينَةً لهََّا لِنَبْلُوَهُمْ أَيهُمْ أَحْسنُ عَمَلاً(7) وَ إِنَّا لَجَعِلُونَ مَا عَلَيهَا صعِيداً جُرُزاً(8)

اللغة

الصعيد ظهر الأرض و قال الزجاج : الصعيد الطريق الذي لا نبات به و الجرز الأرض التي لا تنبت كأنها تأكل النبت أكلا يقال أرض جرز و أرضون أجراز و قال سيبويه : يقال جرزت الأرض فهي مجروزة و جرزهما الجراز و النعم و يقال للسنة المجدبة الجرز لجدوبها و يبسها و قلة أمطارها قال الراجز :
قد جرفتهن السنون الأجراز و يقال أجرز القوم إذا صارت
مجمع البيان ج : 6 ص : 695
أرضهم جرزا و جرزوهم أرضهم إذا أكلوا نباتها كله .

الإعراب

أيهم مرفوع بالابتداء لأن لفظه لفظ الاستفهام و الاستفهام له صدر الكلام أي لنختبر أ هذا أحسن عملا أم هذا و هو تعليق لما في الخبرة من معنى العلم .

المعنى

ثم بين سبحانه أنه ابتدأ خلقه بالنعم و أن إليه مصير الأمم فقال « إنا جعلنا ما على الأرض » من الأنهار و الأشجار و أنواع المخلوقات من الجماد و الحيوان و النبات « زينة لها » أي حلية للأرض و لأهلها « لنبلوهم أيهم أحسن عملا » لأي لنختبرهم و نمتحنهم و المعنى لنعامل عبادنا معاملة المبتلى و قد سبق ذكر أمثاله و الأحسن عملا الأعمل بطاعة الله و الأطوع له و قيل إن معنى الابتلاء الأمر و النهي لأن بهما يظهر المطيع من العاصي و قيل أراد بالزينة الرجال لأنهم زينة الأرض و قيل أراد الأنبياء و العلماء « و إنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا » معناه و إنا مخربون الأرض بعد عمارتها و جاعلون ما عليها مستويا من الأرض يابسا لا نبات عليه و قيل بلاقع عن مجاهد و في قوله « أيهم أحسن عملا » دلالة على أنه سبحانه أراد من الخلق العمل الصالح و على أن أفعالهم الصادرة منهم حادثة من جهتهم و لو لا ذلك لما صح الابتلاء و في ذلك بطلان قول أهل الجبر .
أَمْ حَسِبْت أَنَّ أَصحَب الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ ءَايَتِنَا عجَباً(9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا ءَاتِنَا مِن لَّدُنك رَحْمَةً وَ هَيىْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشداً(10) فَضرَبْنَا عَلى ءَاذَانِهِمْ فى الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً(11) ثُمَّ بَعَثْنَهُمْ لِنَعْلَمَ أَى الحِْزْبَينِ أَحْصى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً(12)

اللغة

الكهف المغارة في الجبل إلا أنه واسع فإذا صغر فهو غار و الرقيم أصله من الرقم و هو الكتابة يقال رقمت الكتاب أرقمه فهو فعيل بمعنى مفعول كالجريح و القتيل و منه الرقم في الثوب لأنه خط يعرف به ثمنه و الأرقم الحية المنقشة لما فيه من الخطوط و تقول العرب عليك بالرقمة و دع الضفة أي عليك برقمة الوادي حيث الماء و دع الجانب و الأوى
مجمع البيان ج : 6 ص : 696
الرجوع و الفتية جمع فتى و فعلة من أسماء الجمع و ليس بناء يقاس عليه يقال صبي و صبية و غلام و غلمة و لا يقال غني و غنية لأنه غير مطرد في بابه و الضرب معروف و معنى ضربنا على آذانهم سلطنا عليهم النوم و هو من الكلام البالغ في الفصاحة يقال ضربه الله بالفالج إذا ابتلاه الله به قال قطرب : هو كقول العرب ضرب الأمير على يد فلان إذا منعه من التصرف قال الأسود بن يعفر و كان ضريرا :
و من الحوادث لا أبا لك أنني
ضربت علي الأرض بالأسداد و الحزب الجماعة و الأمد الغاية قال النابغة :
إلا لمثلك أو من أنت سابقة
سبق الجواد إذا استولى على الأمد .

الإعراب

« سنين » نصب على الظرف و « عددا » منصوب على ضربين ( أحدهما ) على المصدر المعنى تعد عددا و يجوز أن يكون نعتا لسنين .
المعنى سنين ذات عدد قال الزجاج : و الفائدة في قولك عدد في الأشياء المعدودات أنك تريد توكيد كثرة الشيء لأنه إذا قل فهم مقداره و مقدار عدده فلم يحتج إلى أن يعد فالعدد في قولك أقمت أياما عددا إنك تريد بها الكثرة و جائز أن يؤكد بعدد معنى الجماعة في أنها قد خرجت من معنى الواحد قال و أمدا منصوب على نوعين ( أحدهما ) التمييز ( و الآخر ) على أحصى أمدا فيكون العامل فيه أحصى كأنه قال لنعلم أ هؤلاء أحصى للأمد أم هؤلاء و يكون منصوبا بلبثوا و يكون أحصى متعلقا بلما فيكون المعنى أي الحزبين أحصى للبثهم في الأمد قال أبو علي : إن انتصابه على التمييز عندي غير مستقيم و ذلك لأنه لا يخلو من أن يحمل أحصى على أن يكون فعلا ماضيا أو أفعل نحو أحسن و أعلم فلا يجوز أن يكون أحصى بمعنى أفعل من كذا و غير مثال للماضي من وجهين ( أحدهما ) أنه يقال أحصى يحصي و في التنزيل أحصاه الله و نسوة و أفعل يفعل لا يقال فيه هو أفعل من كذا و أما قولهم ما أولاه بالخير و ما أعطاه الدرهم فمن الشاذ النادر الذي حكمه أن يحفظ و لا يقاس عليه ( و الآخر ) إن ما ينتصب على التمييز في نحو قولهم هو أكثر مالا و أعز علما يكون في المعنى فاعلا أ لا ترى أن المال هو الذي كثر و العلم هو الذي عز و ليس ما في الآية كذلك أ لا ترى أن الأمد ليس هو الذي أحصى فهو خارج عن حد هذه الأسماء و إذا كان ماضيا كان المعنى لنعلم أي الحزبين أحصى أمدا للبثهم فيكون الأمد على هذا منتصبا بأنه مفعول به و العامل فيه أحصى .

مجمع البيان ج : 6 ص : 697

النزول

محمد بن إسحق بإسناده عن سعيد بن جبير و عكرمة عن ابن عباس أن النضر بن الحرث بن كلدة و عقبة بن أبي معيط أنفذهما قريش إلى أحبار اليهود بالمدينة و قالوا لهما سلاهم عن محمد و صفا لهم صفته و خبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول و عندهم من علم الأنبياء ما ليس عندنا فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار اليهود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قالا لهم ما قالت قريش فقال لهما أحبار اليهود اسألوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل و إن لم يفعل فهو رجل متقول فرأوا فيه رأيكم سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب و سلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض و مغاربها ما كان نبؤه و سلوه عن الروح ما هو و في رواية أخرى فإن أخبركم عن الثنتين و لم يخبركم بالروح فهو نبي فانصرفا إلى مكة فقالا يا معاشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم و بين محمد و قصا عليهم القصة فجاؤوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسألوه فقال أخبركم بما سألتم عنه غدا و لم يستثن فانصرفوا عنه فمكث (صلى الله عليه وآله وسلّم) خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا و لا يأتيه جبرائيل حتى أرجف أهل مكة و تكلموا في ذلك فشق على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما يتكلم به أهل مكة عليه ثم جاءه جبرائيل (عليه السلام) عن الله سبحانه بسورة الكهف و فيها ما سألوه عنه عن أمر الفتية و الرجل الطواف و أنزل عليه و يسألونك عن الروح الآية قال ابن إسحق : فذكر لي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لجبرائيل حين جاءه لقد احتبست عني يا جبرائيل فقال له جبرائيل (عليه السلام) و ما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا الآية .

المعنى

« أم حسبت » معناه بل أ حسبت يا محمد « أن أصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجبا » فلخلق السماوات و الأرض أعجب من هذا عن مجاهد و قتادة و يحتمل أنه لما استبطأ الجواب حين سألوه عن القصة قيل له أ حسبت أن هذا شيء عجيب حرصا على إيمانهم حتى قوي طمعك إنك إذا أخبرتهم به آمنوا و المراد بالكهف كهف الجبل الذي أوى إليه القوم الذين قص الله أخبارهم و اختلف في معنى الرقيم فقيل إنه اسم الوادي الذي كان فيه الكهف عن ابن عباس و الضحاك و قيل الكهف غار في الجبل و الرقيم الجبل نفسه عن الحسن و قيل الرقيم القرية التي خرج منها أصحاب الكهف عن كعب و السدي و قيل هو لوح من حجارة كتبوا فيه قصة أصحاب الكهف ثم وضعوه على باب الكهف عن سعيد بن جبير و اختاره البلخي و الجبائي و قيل جعل ذلك اللوح في خزائن الملوك لأنه من عجائب الأمور و قيل الرقيم كتاب و لذلك الكتاب خبر فلم يخبر الله تعالى عما فيه عن ابن زيد و قيل إن أصحاب الرقيم هم النفر الثلاثة الذين دخلوا في غار فانسد عليهم فقالوا ليدعو الله تعالى
 

Back Index Next