جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان جلد 6

مجمع البيان ج : 6 ص : 808

حذف المضاف إليه من المضافات لأن المحذوف هنا بعض الجملة و في المضاف قد حذف المضاف كله قيل إن حذف العائد هنا نظير حذف المضاف إليه هناك أ لا ترى أن الذي يبين به الموصول و يتضح إنما هو الراجع الذي في الجملة و لو لا الراجع لم يبين و إذا كان المبين له الراجع من الجملة فالحذف منها كان بمنزلة حذف المضاف إليه من المضاف .

النزول

نزل قوله « و يقول الإنسان » الآية في أبي بن خلف الجمحي و ذلك أنه أخذ عظما باليا فجعل يفته بيده و يذريه في الريح و يقول زعم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن الله يبعثنا بعد أن نموت و نكون عظاما مثل هذا إن هذا شيء لا يكون أبدا عن الكلبي و قيل نزلت في الوليد بن المغيرة في رواية عطاء عن ابن عباس .

المعنى

لما تقدم ذكر الوعد و الوعيد و البعث و النشور حكى سبحانه عقيبه قول منكري البعث و رد عليهم بأوضح بيان و أجلى برهان فقال « و يقول الإنسان أ إذا ما مت لسوف أخرج حيا » هذا استفهام المراد به الإنكار و الاستهزاء أي أ إذا ما مت أعادني الله حيا فقال سبحانه مجيبا لهذا الكافر « أ و لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل » أي أ و لا يتذكر هذا الجاحد حال ابتداء خلقه فيستدل بالابتداء على الإعادة و قيل أن الإنسان هنا مفرد في اللفظ مجموع في المعنى يريد جميع منكري البعث « و لم يك شيئا » معناه و لم يك شيئا كائنا أو مذكورا سؤال قيل كيف تدل النشأة الأولى على النشأة الثانية و الواحد منا يقدر على أفعاله كالحركات و السكنات و الأصوات و غيرها و لا يقدر على إعادتها و الجواب من وجوه ( أحدها ) أنه سبحانه خلق الأجسام و الحياة فيها و البقاء جائز عليها فيجب أن يقدر على إعادتها بخلاف أفعالنا فإنها لا تبقى و لا يصح الإعادة عليها ( و الثاني ) أن الابتداء أصعب من الإعادة فإذا كان قادرا على الابتداء فلأن يكون قادرا على الإعادة أولى ( و الثالث ) أنه سبحانه استدل بخلق الأجسام على أنه قادر لذاته إذ القادر بقدرة لا يصح منه فعل الأجسام و إذا كان قادرا لذاته و يقدر على إيجاد ما يصح وجوده وقتين قدر على إعادته ثم حقق سبحانه أمر الإعادة فقال « فو ربك » يا محمد « لنحشرنهم و الشياطين » أي لنجمعنهم و نبعثنهم من قبورهم مقرنين بأوليائهم من الشياطين و قيل لنحشرنهم و لنحشرن الشياطين أيضا « ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا » أي مستوفزين على الركب عن قتادة و المعنى يجثون حول جهنم متخاصمين و يتبرأ بعضهم من بعض لأن المحاسبة تكون بقرب جهنم و قيل جثيا أي جماعات جماعات عن ابن عباس كأنه قيل زمرا و هو جمع جثوة و جثوة هي المجموع من التراب و الحجارة و قيل معناه قياما على الركب و ذلك لضيق المكان بهم لا يمكنهم أن
مجمع البيان ج : 6 ص : 809
يجلسوا عن السدي « ثم لننزعن من كل شيعة » أي لنستخرجن من كل جماعة « أيهم أشد على الرحمن عتيا » أي الأعتى فالأعتى منهم قال قتادة : لننزعن من كل أهل دين قادتهم و رءوسهم في الشر و العتي هاهنا مصدر كالعتو و هو التمرد في العصيان و قيل يبدأ بالأكثر جرما فالأكثر عن مجاهد و أبي الأحوص « ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا » أي لنحن أعلم بالذين هم أولى بشدة العذاب و أحق بعظيم العقاب و أجدر بلزوم النار .
وَ إِن مِّنكمْ إِلا وَارِدُهَا كانَ عَلى رَبِّك حَتْماً مَّقْضِيًّا(71) ثمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّ نَذَرُ الظلِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا(72) وَ إِذَا تُتْلى عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا بَيِّنَت قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَى الْفَرِيقَينِ خَيرٌ مَّقَاماً وَ أَحْسنُ نَدِيًّا(73) وَ كمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْن هُمْ أَحْسنُ أَثَثاً وَ رِءْياً(74) قُلْ مَن كانَ فى الضلَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَداًّ حَتى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَاب وَ إِمَّا الساعَةَ فَسيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شرُّ مَّكاناً وَ أَضعَف جُنداً(75)

القراءة

قرأ الكسائي و روح و زيد عن يعقوب ثم ننجي بالتخفيف و الباقون « ننجي » بالتشديد و قرأ ابن كثير مقاما بضم الميم و الباقون بفتحها و قرأ أهل المدينة غير ورش و ابن عامر و الأعشى و البرجمي عن أبي بكر و ريا بغير همز مشددة الياء و الباقون « و رئيا » مهموزة في الشواذ قراءة طلحة و ريا خفيفة بلا همز و قراءة سعيد بن جبير و زيا بالزاي .

الحجة

أنجاه ينجيه و نجاه ينجيه بمعنى و المصدر و اسم الموضع من باب يفعل يجيء على مفعل فالمقام بفتح الميم يصلح أن يكون مصدرا من قام يقوم و يصلح أن يكون اسم الموضع و المقام المصدر و الموضع من أقام يقيم فأما قول زهير :
و فيهم مقامات حسان وجوههم
و أندية ينتابها القول و الفعل
مجمع البيان ج : 6 ص : 810
فإنما هو على حذف المضاف أي أهل مقامات و مشاهد و روي عن الأصمعي أنه قال : المجلس القوم و أنشد :
و استب بعدك يا كليب المجلس قال أبو علي : المجلس موضع الجلوس فالمعنى على أهل المجلس كما أن المعنى على أهل المقامات قال السكري : المقامة المجلس و المقام المنزل و قوله « خير مقاما » من ضم الميم جعله اسما للمثوى و من فتح كان كذلك أيضا أ لا ترى أن الندي و النادي هما المجلس فمن ذلك قوله تعالى « و تأتون في ناديكم المنكر » و يدل على ذلك قوله « و كم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا و رئيا » فإنه لا يراد به الحدث إنما يراد به حسن الشارة و الهيأة و المنظر و هذا إنما يكون في الأماكن و أما قوله « و رئيا » قال أبو علي : رؤي فعل من رأيت فكأنه اسم لما ظهر و ليس المصدر و إنما المصدر الرأي و الرؤية يدل على ذلك قوله يرونهم مثليهم رأي العين فالرأي الفعل و الرئي المرئي كالطحن و الطحن و السقي و السقي و الرعي و الرعي و من خفف الهمزة من و رئيا لزم أن يبدل منها الياء لانكسار ما قبلها كما يبدل من ذئب و بئر فإذا أبدل منها الياء وقعت ساكنة قبل حرف مثله فلا بد من الإدغام و ليس يجوز الإظهار في هذا كما جاز إظهار الواو في نحو رؤيا و رؤية يعني إذا خففت الهمزة فيها لأن الياء في ريا قبل مثل و وقعت في رؤيا قبل ما يجري مجرى المقارب قال ابن جني : من قرأ و ريا مشددة فإنه فعل إما من رأيت و إما من رويت و أصله و هو من الهمزة و ريا كرعيا فخففت الهمزة و أبدلت ياء و أدغمت الياء الثانية و يجوز أن يكون من رويت لأن للريان نضارة و حسنا فيتفق معناه و معنى و زيا بالزاي و أصله على هذا زوي فأبدلت الواو ياء و أدغمت في الياء و أما ريا مخففة فيحتمل أن يكون مقلوبة من فعل إلى فلع فصار في التقدير رئيا ثم حذفت الهمزة و ألقيت حركتها على الياء قبلها فصارت ريا و يحتمل أن يكون ريا من رويت ثم خففت بحذف إحدى الياءين فصارت ريا و أما الزي بالزاي ففعل من زويت أي جمعت ذلك و ذلك أنه لا يقال لمن له شيء واحد من آلته له زي حتى يكثر آلته المستحسنة و أنشد ابن دريد :
أهاجتك الظعائن يوم باتوا
بذي الزي الجميل من الأثاث .

اللغة

الحتم القطع بالأمر و الحتم و الجزم و القطع بمعنى و الندي و النادي المجلس الذي قد اجتمع فيه أهله و منه دار الندوة و هي دار قصي بمكة و كانوا يجتمعون فيه للتشاور تيمنا به و قد ندوت القوم أندوهم إذا جمعتهم في مجلس و أصل الندي أنه مجلس أهل الندى و هو الكرم قال حاتم :
مجمع البيان ج : 6 ص : 811

و دعيت في أولى الندي و لم
ينظر إلي بأعين خزر و الأثاث المتاع من الفرش و الثياب التي تزين بها واحدها أثاثة و قيل لا واحد لها و الري ما يراه الرجل من ظاهر أحوال القوم و هو اسم للمرئي كالذبح اسم للمذبوح .

الإعراب

« و إن منكم إلا واردها » تقديره و ما أحد ثابت منكم فأحد مبتدأ و منكم صفة و واردها خبر و جثيا منصوب على الحال .
مقاما و نديا منصوبان على التمييز « كم أهلكنا » كم نصب بأهلكنا و التقدير كم قرنا أهلكنا من جملة القرون فحذف المميز بدلالة الكلام عليه « فليمدد له الرحمن مدا » لفظه لفظ الأمر و معناه خبر و التقدير فمد له الرحمن مدا و باب الأمر و الخبر يتداخلان فكما أن قوله « و المطلقات يتربصن » تقديره فليتربصن فجعل لفظ الخبر بمعنى الأمر فكذا هاهنا جعل لفظ الأمر بمعنى الخبر و قوله « ما يوعدون » مفعول رأوا و « إما العذاب و إما الساعة » بدل من ما يوعدون و قوله « من هو شر مكانا » تعليق فعلى هذا يكون هو فصلا و الفصل بين كلمة الاستفهام و خبره عزيز فالأولى أن يكون من هنا بمعنى الذي و في موضع نصب بسيعلمون و « هو شر » مبتدأ و خبر و الجملة صلة من .

المعنى

ثم بين سبحانه أحوالهم يوم الحشر فقال « و إن منكم إلا واردها » أي ما منكم أحد إلا واردها و الهاء في واردها راجعة إلى جهنم و اختلف العلماء في معنى الورود على قولين ( أحدهما ) أن ورودها هو الوصول إليها و الإشراف عليها لا الدخول فيها و هو قول ابن مسعود و الحسن و قتادة و اختاره أبو مسلم و استدلوا على ذلك بقوله تعالى « و لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون » و قوله تعالى فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه و بأنك تقول وردت بلد كذا و ماء كذا أي أشرفت عليه دخلته أو لم تدخله و في أمثال العرب إن ترد الماء بماء أكيس و قال زهير :
فلما وردن الماء زرقا جمامة
وضعن عصي الحاضر المتخيم أراد فلما بلغن الماء أقمن عليه قال الزجاج : و الحجة القاطعة في ذلك قوله سبحانه « إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها » فهذا يدل
مجمع البيان ج : 6 ص : 812
على أن أهل الحسنى لا يدخلونها قالوا فمعناه إنهم واردون حول جهنم للمحاسبة و يدل عليه قوله « ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا » ثم يدخل النار من هو أهلها و قال بعضهم معناه إنهم واردون عرصة القيامة التي تجمع كل بر و فاجر ( و الآخر ) أن ورودها بمعنى دخولها بدلالة قوله تعالى « فأوردهم النار » و قوله « أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها » و هو قول ابن عباس و جابر و أكثر المفسرين و يدل عليه قوله « ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا » و لم يقل و ندخل الظالمين و إنما يقال نذر و نترك للشيء الذي قد حصل في مكانه ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم إنه للمشركين خاصة و يكون قوله « و إن منكم » المراد به منهم كما قال سبحانه و سقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء أي لهم و روي في الشواذ عن ابن عباس أنه قرأ و إن منهم و قال الأكثرون إنه خطاب لجميع المكلفين فلا يبقى بر و لا فاجر إلا و يدخلها فيكون بردا و سلاما على المؤمنين و عذابا لازما للكافرين قال السدي : سألت مرة الهمداني عن هذه الآية فحدثني أن عبد الله بن مسعود حدثهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يرد الناس النار ثم يصدرون بأعمالهم فأولهم كلمع البرق ثم كمر الريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب ثم كشد الرجل ثم كمشيه و روى أبو صالح غالب بن سليمان عن كثير بن زياد عن أبي سمينة قال : اختلفا في الورود فقال قوم لا يدخلها مؤمن و قال آخرون يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا فلقيت جابر بن عبد الله فسألته فأومى بإصبعيه إلى أذنيه و قال صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول الورود الدخول لا يبقى بر و لا فاجر إلا يدخلها فتكون على المؤمنين بردا و سلاما كما كانت على إبراهيم حتى أن للنار أو قال لجهنم ضجيجا من بردها « ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا » و روي مرفوعا عن يعلى بن منبه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال تقول النار للمؤمن يوم القيامة جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه سئل عن معنى الآية فقال إن الله تعالى يجعل النار كالسمن الجامد و يجمع عليها الخلق ثم ينادي المنادي أن خذي أصحابك و ذري أصحابي قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) فو الذي نفسي بيده لهي أعرف بأصحابها من الوالدة بولدها و روي عن الحسن أنه رأى رجلا يضحك فقال هل علمت أنك وارد النار قال نعم قال و هل علمت أنك خارج منها قال لا قال فبم هذا الضحك و كان الحسن لم ير ضاحكا قط حتى مات و قيل أن الفائدة في ذلك ما روي في بعض الأخبار أن الله تعالى لا يدخل أحدا الجنة حتى يطلعه على النار و ما فيها من العذاب ليعلم تمام فضل الله عليه و كمال لطفه و إحسانه إليه فيزداد لذلك فرحا و سرورا بالجنة و نعيمها و لا يدخل أحد النار حتى يطلعه على الجنة و ما فيها من أنواع النعيم و الثواب ليكون ذلك زيادة عقوبة له حسرة على ما فاته من الجنة و نعيمها و قال مجاهد : الحمى
مجمع البيان ج : 6 ص : 813
حظ كل مؤمن من النار ثم قرأ « و إن منكم إلا واردها » فعلى هذا من حم من المؤمنين فقد وردها و قد ورد في الخبر أن الحمى من قيح جهنم و روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عاد مريضا فقال أبشر إن الله عز و جل يقول الحمى هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار و قوله « كان على ربك حتما مقضيا » أي كائنا واقعا لا محالة قد قضى بأنه يكون و على كلمة وجوب فمعناه أوجب الله ذلك على نفسه و فيه دلالة على أنه يجب عليه سبحانه أشياء من طريق الحكمة خلافا لم يذهب إليه أهل الجبر « ثم ننجي الذين اتقوا » الشرك و صدقوا عن ابن عباس « و نذر الظالمين » أي و نقر المشركين و الكفار على حالهم « فيها » أي في جهنم « جثيا » أي باركين على ركبهم و قيل جماعات على ما مر تفسيره و قيل المراد بالظالمين كل ظالم و عاص ثم قال سبحانه « و إذا تتلى عليهم آياتنا بينات » و معناه و إذا يتلى على الكافرين آياتنا المنزلة في القرآن ظاهرات الحجج و الأدلة يمكن تفهم معانيها « قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما » أي قال الذين جحدوا وحدانية الله و كذبوا أنبياءه للذين صدقوا بذلك مستفهمين لهم و غرضهم الإنكار أي الفريقين أي أ نحن أم أنتم خير منزلا و مسكنا أي موضع إقامة « و أحسن نديا » أي مجلسا و إنما تفاخروا بالمال و زينة الدنيا و لم يتفكروا في العاقبة و لبسوا على الضعفة بأن من كان ذا مال في الدنيا فكذلك يكون في الآخرة ثم نبههم سبحانه على فساد هذا الاعتقاد بأن قال « و كم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا و رءيا » قال ابن عباس : الأثاث المتاع و زينة الدنيا و الرئي المنظر و الهيأة و المعنى أن الله تعالى قد أهلك قبلهم أمما و جماعات كانوا أكثر أموالا و أحسن منظرا منهم فأهلك أموالهم و أفسد عليهم صورهم و لم تغن عنهم أموالهم و لا جمالهم كذلك لا يغني عن هؤلاء و قيل إن المعني بالآية النضر بن الحارث و ذووه و كانوا يرجلون شعورهم و يلبسون خز ثيابهم و يفتخرون بشارتهم و هيأتهم على أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « قل » يا محمد « من كان في الضلالة » عن الحق و العدول عن اتباعه « فليمدد له الرحمن مدا » هذا لفظ أمر معناه الخبر و تأويله أن الله سبحانه جعل جزاء ضلالته أن يمد له بأن يتركه فيها كما قال « و نذرهم في طغيانهم يعمهون » إلا أن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر فكأن المتكلم يقول أفعل ذلك و أمر نفسي به فالمعنى فليعش ما شاء و أضاف ذلك إلى نفسه لأنه سبحانه يبقيه في الدنيا أي فليعش ما شاء الله من السنين و الأعوام فإنه لا ينفعه طول عمره « حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب » أي عذاب الاستئصال عن الأصم و قيل عذاب وقت البأس و قيل عذاب القبر و قيل عذاب السيف « و إما الساعة » أي القيامة و عذاب النار « فسيعلمون » حين يرون العذاب « من هو شر مكانا » أي أ هم أم المؤمنون لأن مكانهم جهنم و مكان
مجمع البيان ج : 6 ص : 814
المؤمنين الجنة « و أضعف جندا » أي و يعلمون أ جندهم أضعف أم جند النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المسلمين و هذا رد لقولهم « أي الفريقين خير مقاما و أحسن نديا » .
وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَ الْبَقِيَت الصلِحَت خَيرٌ عِندَ رَبِّك ثَوَاباً وَ خَيرٌ مَّرَداًّ(76) أَ فَرَءَيْت الَّذِى كفَرَ بِئَايَتِنَا وَ قَالَ لأُوتَينَّ مَالاً وَ وَلَداً(77) أَطلَعَ الْغَيْب أَمِ اتخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً(78) كلا سنَكْتُب مَا يَقُولُ وَ نَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا(79) وَ نَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَ يَأْتِينَا فَرْداً(80) وَ اتخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُوا لهَُمْ عِزًّا(81) َكلا سيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيهِمْ ضِداًّ(82)

القراءة

قرأ حمزة و الكسائي ولدا بضم الواو و سكون اللام في هذه السورة أربعة مواضع و في الزخرف أن كان للرحمن ولد و في نوح و ولده فهذه ستة مواضع و قرأ أهل البصرة و ابن كثير و خلف في سورة نوح بالضم فقط و قرأ الباقون بفتح الواو و اللام في جميع القرآن .

الحجة

قال الفراء : من أمثال بني أسد ولدك من دمي عقبيك قال و كان معاذ الحرشي يقول : لا يكون الولد إلا جمعا و هذا واحد يعني الذي في المثل و أنشد :
فليت فلانا كان في بطن أمه
و ليت فلانا كان ولد حمار قال أبو علي : يجوز أن يكون جمعا كأسد و أسد و يجوز أن يكون واحدا فيكون ولد و ولد كحزن و حزن و عرب و عرب فلا يكون كقول معاذ أنه لا يكون إلا جمعا و ما أنشده الفراء من قوله :
و ليت فلانا كان ولد حمار يدل على أنه واحد ليس بجمع فهو مثل الفلك الذي يكون
مجمع البيان ج : 6 ص : 815
مرة جمعا و مرة واحدا .

الإعراب

« أ فرأيت الذي كفر ب آياتنا و قال لأوتين مالا و ولدا » الموصول هو المفعول الأول لرأيت و الاستفهام في موضع المفعول الثاني و هو قوله تعالى « أطلع الغيب » الآية قال الزجاج : كلا زجر و ردع و تنبيه أي هذا مما يرتدع به و ينبه على وجه الضلالة فيه و قال الفراء : يكون صلة لما بعدها كقولك كلا و رب الكعبة و قال أبو حاتم : جاءت في القرآن على وجهين بمعنى لا يكون ذلك و بمعنى إلا التي للتنبيه و جاءت في مواضع متوجهة على التأويلين و يدل على ذلك أنها قد تكون مبتدأة مثل قوله علم الإنسان ما لم يعلم ثم ابتدأ كلا إن الإنسان ليطغى قال الأعشى :
كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم
إنا لأمثالكم يا قومنا قتل و قال أبو العباس : لا يوقف على كلا لأنها جواب و الفائدة تقع فيما بعدها و قيل يجوز الوقف عليه و من مشكلات الوقف في القرآن الوقف على كلا و قد قسمه القرآن على أربعة أقسام ( أحدها ) ما يحسن الوقف عليه و يحسن الابتداء به ( و الثاني ) يحسن الوقف عليه و لا يحسن الابتداء به ( و الثالث ) يحسن الابتداء به و لا يحسن الوقف عليه ( و الرابع ) لا يحسن الوقف عليه و لا الابتداء به و هو في القرآن في ثلاثة و ثلاثين موضعا و ليس في النصف الأول شيء منه فأما القسم الأول و هو ما يحسن الوقف عليه و الابتداء به فعشرة مواضع قوله « أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا » و قوله « ليكونوا لهم عزا كلا » و قوله تعالى « لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا » و قوله الذين ألحقتم به شركاء كلا و قوله ثم ينجيه كلا و قوله أن يدخل جنة نعيم كلا و قوله أن أزيد كلا و قوله صحفا منشرة كلا و قوله ربي أهانن كلا و قوله أن ماله أخلده كلا فمن جعل كلا في هذه المواضع ردا للأول بمعنى لا ليس الأمر كذلك وقف عليه و من جعله بمعنى إلا التي للتنبيه أو بمعنى حقا ابتدأ به و هو يحتمل الوجهين في هذه المواضع ( و أما الثاني ) و هو ما يحسن الوقف عليه و لا يحسن الابتداء به فموضعان قوله فأخاف أن يقتلون قال كلا و قوله إنا لمدركون قال كلا ( و أما الثالث ) و هو ما يحسن الابتداء به و لا يحسن الوقف عليه فتسعة عشر موضعا قوله كلا إنها تذكرة كلا و القمر كلا إنه تذكرة كلا لما يقض ما أمره كلا بل تكذبون بالدين كلا إذا بلغت التراقي كلا لا وزر كلا بل تحبون العاجلة كلا سيعلمون كلا بل ران على قلوبهم كلا إن كتاب الفجار كلا إن كتاب الأبرار كلا إنهم عن ربهم كلا إذا دكت الأرض دكا كلا إن الإنسان ليطغى كلا لئن لم ينته كلا لا تطعه كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون .
يحسن الابتداء بكلا في هذه المواضع و لا يحسن الوقف عليه لأنه
مجمع البيان ج : 6 ص : 816
ليس بمعنى الرد للأول و قال بعضهم إنه يحسن الوقف على كلا في جميع القرآن لأنه بمعنى انتبه إلا في موضع واحد و هو قوله كلا و القمر لأنه موصول باليمين بمنزلة قوله أي و ربي و أما ( الرابع ) فموضعان ثم كلا سيعلمون ثم كلا سوف تعلمون لا يحسن الوقف على ثم لأنه حرف عطف و لا على كلا لأن الفائدة فيما بعد هذين الحرفين .

النزول

روي في الصحيح عن خباب بن الأرت قال كنت رجلا غنيا و كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي لا أقضيك حتى تكفر بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقلت لن أكفر به حتى تموت و تبعث قال فإني لمبعوث بعد الموت فسوف أقضيك دينك إذا رجعت إلى مال و ولد قال فنزلت الآية « أ فرأيت الذي كفر ب آياتنا » .

المعنى

ثم بين سبحانه حال المؤمن فقال سبحانه « و يزيد الله الذين اهتدوا هدى » قيل معناه و يزيد الله الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ عن مقاتل و قيل يزيدهم هدى بالمعونة على طاعاته و التوفيق لابتغاء مرضاته و هو ما يفتحه لهم من الدلالات و ما يفعله بهم من الألطاف المقربة من الحسنات « و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا » قد مر تفسيره في سورة الكهف و جملته أن الأعمال الصالحة التي تبقى ببقاء ثوابها و تنفع صاحبها في الدنيا و الآخرة خير ثوابا من مقامات الكفارات التي يفتخرون بها كل الافتخار « و خير مردا » أي خير عاقبة و منفعة يقال هذا الشيء أرد عليك أي أنفع و أعود عليك لأن العمل الصالح ذاهب عنه بفقده له فيرده الله تعالى عليه برد ثوابه إليه حتى يجده في نفسه « أ فرأيت الذي كفر ب آياتنا » أ فرأيت كلمة تعجيب و معناه أ رأيت هذا الكافر الذي كفر بأدلتنا من القرآن و غيره و هو العاص بن وائل عن ابن عباس و مجاهد و قيل الوليد بن المغيرة عن الحسن و قيل هو عام فيمن له هذه الصفة عن أبي مسلم « و قال لأوتين مالا و ولدا » استهزاء أي لأعطين مالا و ولدا في الجنة عن الكلبي و قيل أعطي في الدنيا أي إن أقمت على دين آبائي و عبادة آلهتي أعطيت مالا و ولدا « أطلع الغيب » هذه همزة الاستفهام دخلت على همزة الوصل فسقطت همزة الوصل و معناه أعلم الغيب حتى يعلم أ هو في الجنة أم لا عن ابن عباس و مجاهد و قيل معناه أنظر في اللوح المحفوظ عن الكلبي و تأويله أشرف على علم الغيب حتى علم أنه سنؤتيه مالا و ولدا و أنه إن بعث رزق مالا و ولدا « أم اتخذ عند الرحمن عهدا » أي اتخذ عند الله عهدا بعمل صالح قدمه عن قتادة و قيل معناه أم عهد الله إليه أنه يدخل الجنة عن الكلبي و قيل معناه أم قال لا إله إلا الله فيرحمه الله بها عن ابن عباس « كلا » أي ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتى المال و الولد و يجوز أن يكون المعنى كلا إنه لم يطلع الغيب و لم يتخذ عند الله عهدا
مجمع البيان ج : 6 ص : 817
« سنكتب ما يقول » أي سنأمر الحفظة بإثباته عليه لنجازيه به في الآخرة و نوافقه عليه « و نمد له من العذاب مدا » أي نصل له بعض العذاب بالبعض و نزيده عذابا فوق العذاب فلا ينقطع عذابه أبدا و أكد الفعل بالمصدر كما يؤكد بالتكرير « و نرثه ما يقول » أي ما عنده من المال و الولد بإهلاكنا إياه و إبطال ملكه عن ابن عباس و قتادة و ابن زيد « و يأتينا فردا » أي يأتي الآخرة وحيدا بلا مال و لا ولد و لا عدة و لا عدد « و اتخذوا من دون الله آلهة » يعني أن هؤلاء الكفار الذين وصفتهم اتخذوا آلهة أي أصناما عبدوها « ليكونوا لهم عزا » أي ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة عن الفراء و هذا معنى قول ابن عباس ليمنعوهم مني و ذلك أنهم رجوا منها الشفاعة و النصرة و المراد ليصيروا بهم إلى العز قال الله سبحانه « كلا » أي ليس الأمر كما ظنوا بل صاروا بهم إلى الذل و العذاب « سيكفرون بعبادتهم » أي سيجحدون بأن يكونوا عبدوها و يتبرءون منها لما يشاهدون من سوء عاقبة أمرهم و يقولون « و الله ربنا ما كنا مشركين » و قيل معناه أن المعبودين سيكفرون بعبادة المشركين لها و يكذبونهم فيها كما قال حكاية عنهم تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون عن الجبائي « و يكونون عليهم ضدا » قال الأخفش : الضد يكون واحدا و جمعا كالرسول و العدو و معناه و يكونون عونا عليهم و أعداء لهم يخاصمونهم و يكذبونهم و قيل و يكونون قرناء لهم في النار و يلعنونهم و يتبرءون منهم عن قتادة و قيل و يكونون أعداءهم يوم القيامة و كانوا في الدنيا أولياءهم عن القتيبي .

مجمع البيان ج : 6 ص : 818
أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسلْنَا الشيَطِينَ عَلى الْكَفِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا(83) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا(84) يَوْمَ نحْشرُ الْمُتَّقِينَ إِلى الرَّحْمَنِ وَفْداً(85) وَ نَسوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً(86) لا يَمْلِكُونَ الشفَعَةَ إِلا مَنِ اتخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً(87) وَ قَالُوا اتخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً(88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شيْئاً إِدًّا(89) تَكادُ السمَوَت يَتَفَطرْنَ مِنْهُ وَ تَنشقُّ الأَرْض وَ تخِرُّ الجِْبَالُ هَداًّ(90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً(91) وَ مَا يَنبَغِى لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً(92)

القراءة

في الشواذ رواية قتادة عن الحسن يحشر المتقون و يساق المجرمون قال فقلت إنها بالنون يا أبا سعيد قال و هي للمتقين إذا و قراءة السلمي شيئا أدا بفتح الهمزة و قرأ أبو جعفر و ابن كثير و حفص « تكاد » بالتاء « يتفطرن » بالتاء و فتح الطاء مشددة و في عسق و مثله و قرأ نافع و الكسائي « يكاد » بالياء « يتفطرن » في السورتين و قرأ أبو عمرو و أبو بكر و هبيرة عن حفص و يعقوب « تكاد » بالتاء ينفطرن بالياء و النون و كسر الطاء في السورتين و قرأ ابن عامر و حمزة و خلف هاهنا « تكاد » بالتاء ينفطرن بالنون مثل أبي عمرو و في عسق تكاد بالتاء يتفطرن بالتاء أيضا .

الحجة

حجة من قرأ يحشر و يساق قوله تعالى « و سيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا » و الأد بالفتح القوة قال :
نضوت عني شرة و أدا فعلى هذا يمكن أن يكون المعنى لقد جئتم شيئا أد أي ذا قوة و إن شئت وصفته بالمصدر كقولهم رجل عدل و ضيف و الانفطار مطاوعة الفطر يقال فطرة فانفطر و التفطر مطاوعة التفطير يقال فطرته فتفطر و كأنه أليق بهذا الموضع لما فيه من معنى المبالغة و تكرير الفعل و ذهب أبو الحسن في معنى قوله « تكاد السماوات » إلى أن معنى تكاد تريد و كذلك قال في قوله كذلك كدنا ليوسف أي أردنا له و أنشد :
كادت و كدت و تلك خير إرادة
لو عاد من ذكر الصبابة ما مضى و كذلك قوله في أكاد أخفيها أي أريد أخفيها و على هذا فسر غيره قول الأفوه :
فإن تجمع أوتاد و أعمدة
و ساكن بلغوا الأمر الذي كادوا أي أرادوا قال : المعنى يردن لا أنهن ينفطرن و لا يدنون من ذلك و لكن من هممن به إعظاما لقول المشركين و لا يكون على من هم بالشيء أن يدنو منه أ لا ترى أن رجلا لو أراد أن ينال السماء لم يدن من ذلك و قد كانت منه إرادة و قد قال بعض المتأولين في قوله تكاد السماوات يتفطرن منه هدا مثل كانت العرب إذا سمعت كذبا أو منكرا تعاظمته و عظمته بالمثل الذي عندها عظيما فقالت : كادت الأرض تنشق و أظلم علي ما بين السماء و الأرض فلما افتروا على الله الكذب ضرب مثل كذبهم بأهول الأشياء و أعظمها قال أبو علي : و مما يقرب من هذا قول الشاعر :
أ لم تر صدعا في السماء مبينا
على ابن لبينى الحارث بن هشام
مجمع البيان ج : 6 ص : 819
و قول الآخر :
و أصبح بطن مكة مقشعرا
كان الأرض ليس بها هشام و قال الآخر :
لما أتى خبر الزبير تواضعت
سور المدينة و الجبال الخشع .

اللغة

الأز الإزعاج إلى الأمر يقال أزه يأزه أزا و أزيزا إذا هزه بالإزعاج إلى أمر من الأمور و أزت القدر أزيزا إذا غلت و منه الحديث أنه كان يصلي و أزيز جوفه كأزيز المرجل من البكاء و أززت الشيء إلى الشيء ضممته إليه و الوفد جمع وافد و قد يجمع وفودا أيضا وفد يفد وفدا و أوفد على الشيء أشرف عليه و السوق الحث على السير ساقه يسوقه سوقا و منه الساق لاستمرار السير بها أو لأن القدم يسوقها و منه السوق لأنه يساق بها البيع و الشري شيئا بعد شيء و الورد الجماعة التي ترد الماء يقال ورد الماء يرد وردا و الإد الأمر العظيم قال الراجز :
قد لقي الأعداء مني نكرا
داهية دهياء إدا إمرا و الانفطار الانشقاق و التفطر التشقق و الهد الهدم بشدة صوت .

الإعراب

« تؤزهم » جملة في موضع الحال و مفعول « نعد لهم » محذوف و التقدير نعد أعمالهم عدا و يوم نحشر ظرف قوله « نعد لهم » و يجوز أن ينتصب بقوله « لا يملكون الشفاعة » أي لا يملكون في ذلك اليوم وفدا منصوب على الحال من المتقين أي وافدين و وردا كذلك أي واردين « إلا من اتخذ » هو موصول و صلة في موضع رفع لأنه بدل من الواو في يملكون و يجوز أن يكون في محل النصب لأنه استثناء منقطع فإن من اتخذ عند الرحمن عهدا لا يكون من المجرمين و قوله « تنشق الأرض » جملة معطوفة على الجملة التي قبلها و تقديره و تكاد الأرض تنشق و الجبال تخر و هذا منصوب على المصدر في المعنى تقديره تخر خرورا و تهد هدا و يجوز أن يكون في موضع الحال و أن دعوا مفعول له و التقدير لأن دعوا أي لأجل ذلك .

المعنى

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « أ لم تر » يا محمد « أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين » أي خلينا بينهم و بين الشياطين إذا وسوسوا إليهم و دعوهم إلى الضلال حتى أغووهم و لم نحل بينهم و بينهم بالإلجاء و لا بالمنع و عبر عن ذلك بالإرسال على سبيل المجاز و التوسع كما يقال لمن خلى بين الكلب و غيره أرسل كلبه عليه عن الجبائي و قيل معناه سلطناهم عليهم و يكون في معنى التخلية أيضا على ما ذكرناه « تؤزهم أزا » أي
مجمع البيان ج : 6 ص : 820
تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية عن ابن عباس و قيل تغريهم إغراء بالشر تقول امض امض في هذا الأمر حتى توقعهم في النار عن سعيد بن جبير « فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا » معناه فلتطب نفسك يا محمد و لا تستعجل لهم العذاب فإن مدة بقائهم قليلة فإنا نعد لهم الأيام و السنين و ما دخل تحت العد فكان قد نفد و قيل معناه نعد أنفاسهم في الدنيا فهي معدودة إلى الأجل الذي أجلناه لعذابهم عن ابن عباس و هذا من أبلغ الوعيد و قيل معناه نعد أعمالهم على ما ذكرناه قبل « يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا » أي اذكر لهم يا محمد اليوم الذي نجمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته و اجتنب معاصيه إلى الرحمن أي إلى جنته و دار كرامته وفودا و جماعات عن الأخفش و قيل ركبانا يؤتون بنوق لم ير مثلها عليها رحائل الذهب و أزمتها الزبرجد فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و ابن عباس « و نسوق المجرمين إلى جهنم وردا » أي و نحث المجرمين على المسير إلى جهنم عطاشا كالإبل التي ترد عطاشا مشاة على أرجلهم عن ابن عباس و الحسن و قتادة و سمي العطاش وردا لأنهم يردون لطلب الماء و قيل الورد النصيب أي هم نصيب جهنم من الفريقين و المؤمنون نصيب الجنة عن أبي مسلم « لا يملكون الشفاعة » أي لا يقدرون على الشفاعة فلا يشفعون و لا يشفع لهم حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض لأن ملك الشفاعة على وجهين ( أحدهما ) أن يشفع للغير ( و الآخر ) أن يستدعي الشفاعة من غيره لنفسه فبين سبحانه أن هؤلاء الكفار لا تنفذ شفاعة غيرهم فيهم و لا شفاعة لهم لغيرهم ثم استثنى سبحانه فقال « إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا » أي لا يملكون الشفاعة إلا هؤلاء و قيل لا يشفع إلا لهؤلاء و العهد هو الإيمان و الإقرار بوحدانية الله تعالى و تصديق أنبيائه و قيل هو شهادة أن لا إله إلا الله و أن يتبرأ إلى الله من الحول و القوة و لا يرجو إلا الله عن ابن عباس و قيل معناه لا يشفع إلا من وعد له الرحمن بإطلاق الشفاعة كالأنبياء و الشهداء و العلماء و المؤمنين على ما ورد به الأخبار و قال علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن سليمان بن جعفر عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروءته قيل يا رسول الله و كيف يوصي الميت قال إذا حضرته وفاته و اجتمع الناس إليه قال اللهم فاطر السماوات و الأرض عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم إني أعهد إليك في دار الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك و أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) عبدك و رسولك و أن الجنة حق و أن النار حق و أن البعث حق و الحساب حق و القدر و الميزان حق و أن الدين كما وصفت و أن الإسلام كما شرعت و أن القول كما حدثت و أن القرآن كما أنزلت و أنك أنت الله الحق المبين جزى الله محمدا عنا خير
مجمع البيان ج : 6 ص : 821
الجزاء و حيا الله محمدا و آله بالسلام اللهم باعدني عند كربتي و يا صاحبي عند شدتي و يا ولي نعمتي و إلهي و إله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فإنك إن تكلني إلى نفسي أقرب من الشر و أبعد من الخير و آنس في القبر وحشتي و اجعل له عهدا يوم ألقاك منشورا ثم يوصي بحاجته و تصديق هذه الوصية في سورة مريم في قوله « لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا » فهذا عهد الميت و الوصية حق على كل مسلم و حق عليه أن يحفظ هذه الوصية و يعلمها و قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) علمنيها رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قال علمنيها جبرائيل (عليه السلام) « و قالوا اتخذ الرحمن ولدا » هذا إخبار عن اليهود و النصارى و مشركي العرب فإن اليهود قالوا : عزير ابن الله و قالت النصارى : المسيح ابن الله و قال مشركو العرب : الملائكة بنات الله « لقد جئتم شيئا إدا » هاهنا حذف تقديره قل لهم يا محمد لقد جئتم بشيء منكر عظيم شنيع فظيع فلما حذف الباء وصل الفعل إليه فنصبه « تكاد السماوات يتفطرن منه » أي أرادت السماوات أن تنشق لعظم فريتهم إعظاما لقولهم و معناه لو انشقت السماوات بشيء عظيم لكانت تنشق من هذا « و تنشق الأرض » أي و كادت الأرض تنشق « و تخر الجبال » أي كادت الجبال تسقط « هدا » أي كسرا شديدا عن ابن عباس و قيل هدما عن عطاء « أن دعوا للرحمن ولدا » أي لأن دعوا للرحمن ولدا أو من دعوا للرحمن ولدا أي بسبب دعوتهم أو تسميتهم له ولدا « و ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا » أي ما يصلح للرحمن و لا يليق به اتخاذ الولد و ليس من صفته ذلك لأن إثبات الولد له يقتضي حدوثه و خروجه من صفة الإلهية و اتخاذ الولد يدل على الحاجة تعالى عن ذلك و تقدس .

مجمع البيان ج : 6 ص : 822
إِن كلُّ مَن فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ إِلا ءَاتى الرَّحْمَنِ عَبْداً(93) لَّقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا(94) وَ كلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فَرْداً(95) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ سيَجْعَلُ لهَُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا(96) فَإِنَّمَا يَسرْنَهُ بِلِسانِك لِتُبَشرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدًّا(97) وَ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْن هَلْ تحِس مِنهُم مِّنْ أَحَد أَوْ تَسمَعُ لَهُمْ رِكْزَا(98)

اللغة

اللدد شدة الخصومة و في التنزيل ألد الخصام أي أشد الخصام خصومة و جمع الألد لد قال الشاعر :
إن تحت الأشجار حزما و عزما
و خصيما ألد ذا معلاق أي شديد الخصومة و الركز الصوت الخفي و أصل الركز الحس و منه الركاز لأنه يحس به مال من تقدم بالكشف عنه قال ذو الرمة :
و قد توجس ركزا من سنابكها
أو كان صاحب أرض أو به الموم الأرض الرعدة و الموم البرسام و أصل الإحساس الإدراك بالحاسة .

الإعراب

كل مبتدأ و من في موضع خبر و الجار و المجرور من صلته و « أتى الرحمن » في موضع رفع خبر كل و هو مضاف إلى المفعول و وحد كلا على اللفظ و عبدا في موضع الحال من الضمير من أتى و « هل تحس منهم من أحد » من الأولى يتعلق بتحس و الثانية مزيدة و يجوز أن يكون تقديره هل تحس أحدا منهم و يكون منهم في موضع الصفة لأحد فلما قدم على الموصوف انتصب على الحال .

المعنى

ثم قال سبحانه « إن كل من في السماوات و الأرض إلا أتى الرحمن عبدا » أي ما كل من في السماوات و الأرض من الملائكة و الإنس و الجن إلا و يأتي الله سبحانه عبدا مملوكا خاضعا ذليلا و مثله قوله و كل أتوه داخرين و المعنى أن الخلق عبيده خلقهم و رباهم و جرى عليهم حكمه و أن عيسى و عزيرا و الملائكة من جملة العبيد و في هذا دلالة على أن البنوة و العبودية لا يجتمعان و أنه إذا ملك الإنسان ابنه عتق عليه « لقد أحصاهم و عدهم عدا » أي علم تفاصيلهم و أعدادهم فكأنه سبحانه عدهم إذ لا يخفى عليه شيء من أحوالهم « و كلهم آتيه يوم القيامة فردا » أي كل واحد منهم يأتي المحشر و الموضع الذي لا يملك الأمر فيه إلا الله فردا وحيدا مفردا ليس له مال و لا ولد و لا ناصر مشغولا بنفسه لا يهمه هم غيره ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال « إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أنها خاصة في علي بن أبي طالب (عليه السلام) فما من مؤمن إلا و في قلبه محبة لعلي (عليه السلام) عن ابن عباس و في تفسير أبي حمزة الثمالي حدثني أبو جعفر الباقر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه السلام) قل اللهم اجعل لي عندك عهدا و اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا فقالهما علي (عليه السلام) فنزلت هذه الآية و روي
مجمع البيان ج : 6 ص : 823
نحوه عن جابر بن عبد الله الأنصاري ( و الثاني ) أنها عامة في جميع المؤمنين يجعل الله لهم المحبة و الألفة و المقة في قلوب الصالحين قال هرم بن حبان : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقهم مودتهم و رحمتهم و محبتهم و قال الربيع بن أنس : إن الله إذا أحب مؤمنا قال لجبرائيل إني أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبرائيل ثم ينادي في السماء ألا إن الله أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له قبول في أهل الأرض فعلى هذا يكون المعنى يحبهم الله و يحببهم إلى الناس ( و الثالث ) أن معناه يجعل الله لهم محبة في قلوب أعدائهم و مخالفيهم ليدخلوا في دينهم و يعتزوا بهم ( الرابع ) يجعل بعضهم يحب بعضا فيكون كل واحد منهم عضدا لأخيه المؤمن و يكونون يدا واحدة على من خالفهم ( و الخامس ) أن معناه سيجعل لهم ودا في الآخرة فيحب بعضهم بعضا كمحبة الوالد لولده و في ذلك أعظم السرور و أتم النعمة عن الجبائي و يؤيد القول الأول ما صح عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني و لو صببت الدنيا بجملتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني و ذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبي الأمي أنه قال لا يبغضك مؤمن و لا يحبك منافق ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « فإنما يسرناه بلسانك » أي يسرنا القرآن بأن أنزلناه بلسانك و هي لغة العرب ليسهل عليهم معرفته و لو كان بلسان آخر ما عرفوه عن أبي مسلم و قيل معناه يسرناه قراءة القرآن على لسانك و مكناك من قراءته عن الجبائي « لتبشر به المتقين » أي لتبشر بالقرآن الذين يتقون الشرك و الكبائر أي تخبرهم بما تسرهم مما أعده الله لهم « و تنذر به قوما لدا » أي شدادا في الخصومة عن ابن عباس يعني قريشا و قيل قوما ذوي جدل مخاصمين عن قتادة ثم أنذرهم سبحانه و خوفهم بقوله « و كم أهلكنا قبلهم من قرن » أي قبل هؤلاء من قرن مكذبين للرسل و فيه تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المعنى لا يهمنك كفرهم و شقاقهم فإن وبال ذلك راجع إليهم و قد أهلكنا قبلهم من كان مثلهم « هل تحس منهم من أحد » أي هل تبصر منهم أحدا « أو تسمع له ركزا » أي صوتا عن ابن عباس و قتادة و قيل حسا عن ابن زيد و المعنى أنهم ذهبوا فلا يرى لهم عين و لا يسمع لهم صوت و كانوا أكثر أموالا و أعظم أجساما و أشد خصاما من هؤلاء فلم يغنهم ذلك لما أردنا إهلاكهم فحكم هؤلاء الكفار حكم أولئك في أنه لا يبقى منهم عين و لا أثر و الحمد لله رب العالمين .


 

 
Back Index