جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 6 ص : 791
دمعة السرور باردة و دمعة الحزن حارة و قيل معناه لتسكن عينك سكون سرور برؤيتك ما تحبين « فإما ترين من البشر أحدا » فسألك عن ولدك « فقولي إني نذرت للرحمن صوما » أي صمتا عن ابن عباس و المعنى أوجبت على نفسي لله أن لا أتكلم و قيل صوما أي إمساكا عن الطعام و الشراب و الكلام عن قتادة و إنما أمرت بالصمت ليكفيها الكلام ولدها بما يبريء به ساحتها عن ابن مسعود و ابن زيد و وهب و قيل كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم الصائم حتى يمسي يدل على هذا قوله « فلن أكلم اليوم إنسيا » أي إني صائم فلن أكلم اليوم أحدا و كان قد أذن لها أن تتكلم بهذا القدر ثم تسكت و لا تتكلم بشيء آخر عن السدي و قيل كان الله تعالى أمرها بأن تنذر لله الصمت و إذا كلمها أحد تومىء بأنها نذرت لله صمتا لأنه لا يجوز أن يأمرها بأن تخبر بأنها نذرت و لم تنذر لأن ذلك كذب عن أبي علي الجبائي « فأتت به قومها تحمله » أي فأتت مريم بعيسى حاملة له و ذلك أنها لفته في خرقة و حملته إلى قومها « قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا » أي أمرا عظيما بديعا إذ لم تلد أنثى قبلك من غير رجل عن مجاهد و قتادة و السدي و قيل أمرا قبيحا منكرا من الافتراء و هو الكذب عن الجبائي « يا أخت هارون » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن هارون هذا كان رجلا صالحا في بني إسرائيل ينسب إليه كل من عرف بالصلاح عن ابن عباس و قتادة و كعب و ابن زيد و المغيرة بن شعبة يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل إنه لما مات شيع جنازته أربعون ألفا كلهم يسمى هارون فقولهم يا أخت هارون معناه يا شبيهة هارون في الصلاح ما كان هذا معروفا منك ( و ثانيها ) أن هارون كان أخاها لأبيها ليس من أمها و كان معروفا بحسن الطريقة عن الكلبي ( و ثالثها ) أن هارون أخو موسى (عليه السلام) فنسبت إليه لأنها من ولده كما يقال يا أخا تميم عن السدي ( و رابعها ) أنه كان رجلا فاسقا مشهورا بالعهر و الفساد فنسبت إليه و قيل لها يا شبيهته في قبح فعله عن سعيد بن جبير « ما كان أبوك امرأ سوء و ما كانت أمك بغيا » أي كان أبواك صالحين فمن أين جئت بهذا الولد « فأشارت إليه » أي فأومت إلى عيسى (عليه السلام) بأن كلموه و استشهدوه على براءة ساحتي فتعجبوا من ذلك ثم « قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا » معناه كيف نكلم صبيا في المهد و قيل صبيا في الحجر رضيعا و كان المهد حجر أمه الذي تربيه فيه إذ لم تكن هيأت له مهدا عن قتادة و قيل إنهم غضبوا عند إشارتها إليه و قالوا لسخريتها بنا أشد علينا من زناها فلما تكلم عيسى (عليه السلام) قالوا إن هذا الأمر عظيم عن السدي « قال » عيسى (عليه السلام) « إني عبد الله » قدم إقراره بالعبودية ليبطل به قول من يدعي له الربوبية و كان الله سبحانه أنطقه بذلك لعلمه بما يقوله الغالون فيه ثم قال « آتاني الكتاب و جعلني نبيا » أي حكم لي بإتيان الكتاب و النبوة و قيل إن الله تعالى أكمل عقله في صغره و أرسله إلى عباده و كان نبيا مبعوثا إلى الناس في ذلك الوقت مكلفا عاقلا و لذلك كانت له
مجمع البيان ج : 6 ص : 792
تلك المعجزة عن الحسن و الجبائي و قيل إنه كلمهم و هو ابن أربعين يوما عن وهب و قيل يوم ولد عن ابن عباس و أكثر المفسرين هو الظاهر و قيل إن معناه أني عبد الله سيؤتيني الكتاب و سيجعلني نبيا و كان ذلك معجزة لمريم (عليهاالسلام) على براءة ساحتها .
وَ جَعَلَنى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كنت وَ أَوْصنى بِالصلَوةِ وَ الزَّكوةِ مَا دُمْت حَيًّا(31) وَ بَرَّا بِوَلِدَتى وَ لَمْ يجْعَلْنى جَبَّاراً شقِيًّا(32) وَ السلَمُ عَلىَّ يَوْمَ وُلِدت وَ يَوْمَ أَمُوت وَ يَوْمَ أُبْعَث حَيًّا(33) ذَلِك عِيسى ابْنُ مَرْيمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِى فِيهِ يَمْترُونَ(34) مَا كانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَد سبْحَنَهُ إِذَا قَضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ(35)

القراءة

قرأ عاصم و ابن عامر و يعقوب « قول الحق » بالنصب و الباقون بالرفع و في الشواذ قراءة أبي مجلز و أبي نهيك و برا بوالدتي بكسر الباء .

الحجة

قال أبو علي : قول الحق الرفع فيه على أن قوله « ذلك عيسى بن مريم » كلام و المبتدأ المضمر ما دل عليه هذا الكلام أي هذا الكلام قول الحق و يجوز أن يضمر هو و يجعله كناية عن عيسى (عليه السلام) أي هو قول الحق لأنه قد قيل فيه روح الله و كلمته و الكلمة قول و أما النصب فعلى أن قوله « ذلك عيسى بن مريم » يدل على أحق قول الحق و تقول هذا زيد الحق لا الباطل لأن قولك هذا زيد عندك بمنزلة أحق فكأنك قلت أحق الحق و أحق قول الحق و من قال و برا بوالدتي فكأنه قال و ألزمني برا بوالدتي و يكون معطوفا على موضع الجار و المجرور من قوله « و أوصاني بالصلاة و الزكاة » و عليه بيت الكتاب :
يذهبن في نجد و غورا غائرا أي و يسلكن غورا و إن شئت حملته على حذف المضاف بمعنى و جعلني ذا بر و إن شئت جعلته إياه على المبالغة كقول الخنساء :
فإنما هي إقبال و إدبار .

اللغة

السلام مصدر سلمت و السلام جمع سلامة و السلام اسم من أسماء الله تعالى و سلام مما يبتدأ به في النكرة لأنه اسم يكثر استعماله يقال سلام عليك و السلام عليك
مجمع البيان ج : 6 ص : 793
و أسماء الأجناس يكثر الابتداء بها و فائدة نكرتها قريب من فائدة معرفتها تقول لبيك و خير بين يديك و إن شئت قلت و الخير بين يديك إلا أنه لما جرى ذكر سلام قبل هذا الموضع بغير ألف و لام كان الأحسن أن يرد ثانية بالألف و اللام .

المعنى

ثم بين سبحانه تمام كلام عيسى (عليه السلام) فقال « و جعلني مباركا أين ما كنت » أي و جعلني معلما للخير عن مجاهد و قيل نفاعا حيث ما توجهت و البركة نماء الخير و المبارك الذي ينتمي الخير به و قيل ثابتا دائما على الإيمان و الطاعة و أصل البركة الثبوت عن الجبائي « و أوصاني بالصلاة و الزكاة » أي بإقامة الصلاة و أداء الزكاة « ما دمت » أي ما بقيت « حيا » مكلفا « و برا بوالدتي » أي و اجعلني بارا بها أؤدي شكرها فيما قاسته بسبي « و لم يجعلني جبارا » أي متجبرا « شقيا » و المعنى أني بلطفه و توفيقه كنت محسنا إلى والدتي متواضعا في نفسي حتى لم أكن من الجبابرة الأشقياء « و السلام علي » أي و السلامة علي من الله « يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيا » أي في هذه الأحوال الثلاث و قد مر تفسيرها قبل في قصة يحيى و في هذه الآيات دلالة على أنه يجوز أن يصف الإنسان نفسه بصفات المدح إذا أراد تعريفها إلى غيره لا على وجه الافتخار قيل و لما كلمهم عيسى (عليه السلام) بهذا علموا براءة مريم ثم سكت عيسى (عليه السلام) فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان « ذلك عيسى بن مريم » معناه ذلك الذي قال إني عبد الله عيسى بن مريم لا ما يقوله النصارى من أنه ابن الله و أنه إله « قول الحق » مر معناه في الحجة « الذي فيه يمترون » أي يشكون يعني اليهود و النصارى فزعمت اليهود أنه ساحر كذاب و زعمت النصارى أنه ابن الله و ثالث ثلاثة و قيل و هو افتراء النصارى و اختلافهم فبعضهم قالوا هو الله و قال بعضهم ابن الله و قال بعضهم ثالث ثلاثة ثم كذبهم الله تعالى فقال « ما كان لله أن يتخذ من ولد » معناه ما كان ينبغي لله أن يتخذ من ولد أي ما يصلح له و لا يستقيم عن ابن الأنباري قال فنابت اللام عن الفعل و ذلك أن من اتخذ ولدا فإنما يتخذه من جنسه لأن الولد مجانس للوالد و الله تعالى ليس كمثله شيء فلا يكون له سبحانه ولد و لا يتخذ ولدا و قوله « من ولد » من هذه هي الذي تدل على نفي الواحد و الجماعة فالمعنى أنه لا يجوز أن يتخذ ولدا واحدا و لا أكثر ثم نزه سبحانه نفسه عن ذلك فقال « سبحانه » ثم بين السبب في كون عيسى من غير أب فقال « إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون » و قد مر تفسيره فيما مضى و المعنى أنه لا يتعذر عليه إيجاد شيء على الوجه الذي أراده .

مجمع البيان ج : 6 ص : 794
وَ إِنَّ اللَّهَ رَبى وَ رَبُّكمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَطٌ مُّستَقِيمٌ(36) فَاخْتَلَف الأَحْزَاب مِن بَيْنهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشهَدِ يَوْم عَظِيم(37) أَسمِعْ بهِمْ وَ أَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظلِمُونَ الْيَوْمَ فى ضلَل مُّبِين(38) وَ أَنذِرْهُمْ يَوْمَ الحَْسرَةِ إِذْ قُضىَ الأَمْرُ وَ هُمْ فى غَفْلَة وَ هُمْ لا يُؤْمِنُونَ(39) إِنَّا نحْنُ نَرِث الأَرْض وَ مَنْ عَلَيهَا وَ إِلَيْنَا يُرْجَعُونَ(40)

القراءة

قرأ أهل الكوفة و ابن عامر و روح و زيد عن يعقوب « و إن الله » بكسر الهمزة و الباقون بالفتح .

الحجة

قال أبو علي : حجة من كسر أنه جعله مستأنفا كما أن المعطوف عليه مستأنف و حجة من فتح أنه حمله على قوله و أوصاني بالصلاة و الزكاة و بأن الله ربي و ربكم .

الإعراب و المعنى

قوله « و إن الله ربي و ربكم » من فتح الهمزة ففيه أربعة أوجه ( أحدها ) أن المعنى و قضى أن الله ربي و ربكم عن أبي عمرو بن العلاء ( و الثاني ) أنه معطوف على كلام عيسى أي و أوصاني بأن الله ربي و ربكم ( و الثالث ) ذلك عيسى بن مريم و ذلك أن الله ربي و ربكم عن الفراء ( و الرابع ) أن العامل فيه فاعبدوه و التقدير و لأن الله ربي و ربكم « فاعبدوه » فحذف الجار و من كسر الهمزة جاز أن يكون معطوفا على قوله قال إني عبد الله أي و قال إن الله ربي و ربكم و جاز أن يكون ابتداء كلام من الله تعالى أو أمر من الله لرسوله أن يقول ذاك و قوله « هذا صراط مستقيم » معناه هذا طريق واضح فالزموه و قيل إن المعنى هذا الذي أخبرتكم إن الله أمرني به هو الدين المستقيم الذي لا اعوجاج فيه « فاختلف الأحزاب من بينهم » الاختلاف في المذهب أن يعتقد كل قوم خلاف ما يعتقده الآخرون و الأحزاب جمع حزب و هو الجمع المنقطع في رأيه عن غيره و تحزبوا أي صاروا أحزابا فالمعنى أن الأحزاب من أهل الكتاب اختلفوا في عيسى (عليه السلام) فقال قوم منهم هو الله و هم اليعقوبية و قال آخرون هو ابن الله و هم النسطورية و قال آخرون هو ثالث ثلاثة و هم الإسرائيلية و قال المسلمون هو عبد الله عن قتادة و مجاهد و إنما قال من بينهم لأن منهم
مجمع البيان ج : 6 ص : 795
من ثبت على الحق و قيل إن من زائدة و المعنى اختلفوا بينهم « فويل » أي فشدة عذاب و هي كلمة وعيد « للذين كفروا » بالله بقولهم في المسيح « من مشهد يوم عظيم » المشهد بمعنى الشهود و الحضور أي من حضورهم ذلك اليوم و هو يوم القيامة و سمي عظيما لعظم أهواله و قيل ويل لهم من مجمع يوم أي من الفضيحة على رءوس الجمع يومئذ « أسمع بهم و أبصر يوم يأتوننا » قيل فيه وجهان ( أحدهما ) أن التقدير صاروا ذوي سمع و بصر و الجار و المجرور في موضع رفع لأنه فاعل أسمع و المعنى ما أسمعهم و أبصرهم يوم القيامة و إن كانوا في الدنيا صما و بكما عن الحق عن الحسن و معناه الإخبار عن قوة علومهم بالله تعالى في تلك الحال و مثله قوله فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد « لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين » يعني أن الكافرين في الدنيا آثروا الهوى على الهدى فهم في ذهاب عن الدين و عدول عن الحق و المراد أنهم في الدنيا جاهلون و في الآخرة عارفون حيث لا تنفعهم المعرفة و قال أبو مسلم : و هذا يدل على أن قوله سبحانه صم بكم عمي ليس معناه الآفة في الأذن و اللسان و العين بل هو أنهم لا يتدبرون ما يسمعون و يرون و لا يعتبرون أ لا ترى أنه جعل قوله « لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين » في مقابلته فأقام السمع و البصر مقام الهدى إذ جعله في مقابلة الضلال المبين ( و الثاني ) أن معناه أسمعهم و أبصرهم أي بصرهم و بين لهم أنهم إذا أتوا مع الناس إلى موضع الجزاء سيكونون في ضلال مبين عن الجنة و الثواب عن الجبائي قال و يجوز أن يكون المعنى أسمع الناس بهؤلاء الأنبياء و أبصرهم بهم ليعرفوهم و يعرفوا خبرهم فيؤمنوا بهم لكن من كفر بهم من الظالمين اليوم يعني يوم القيامة في ضلال عن الجنة و هذا بعيد و قد استدرك على الجبائي في قوله و الأولى و الأظهر في الآية الوجه الأول « و أنذرهم يوم الحسرة » الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المعنى خوف يا محمد كفار مكة يوم يتحسر المسيء هلا أحسن العمل و المحسن هلا ازداد من العمل و هو يوم القيامة و قيل إنما يتحسر المستحق للعقاب فأما المؤمن فلا يتحسر و روى مسلم في الصحيح بالإسناد عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار قيل يا أهل الجنة فيشرئبون و ينظرون و قيل يا أهل النار فيشرئبون و ينظرون فيجاء بالموت كأنه كبش أملح فيقال لهم تعرفون الموت فيقولون هذا هذا و كل قد عرفه قال فيقدم فيذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت و يا أهل النار خلود فلا موت و قال و ذلك قوله « و أنذرهم يوم الحسرة » الآية و رواه أصحابنا عن أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) ثم جاء في آخره فيفرح أهل الجنة فرحا لو كان أحد يومئذ ميتا لماتوا فرحا و يشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتا لماتوا « إذ قضي الأمر » أي فرغ من الأمر و انقطعت الآمال و أدخل قوم النار و قوم الجنة و قيل معناه
مجمع البيان ج : 6 ص : 796
انقضى أمر الدنيا فلا يرجع إليها الاستدراك الفائت و قيل معناه حكم بين الخلائق بالعدل و قيل قضي على أهل الجنة بالخلود و قضي على أهل النار بالخلود « و هم في غفلة » في الدنيا عن ذلك و معناه إنهم مشغولون اليوم بما لا يعنيهم غافلون عن أحوال الآخرة « و هم لا يؤمنون » أي لا يصدقون بذلك ثم أخبر سبحانه عن نفسه فقال « إنا نحن نرث الأرض و من عليها » أي نميت سكانها فنرثها و من عليها من العقلاء لأنا نميتهم و نهلكهم فلا يبقى فيها مالك و متصرف « و إلينا يرجعون » أي إلينا يردون بعد الموت أي إلى حيث لا يملك الأمر و النهي غيرنا .

مجمع البيان ج : 6 ص : 797
وَ اذْكُرْ فى الْكِتَبِ إِبْرَهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَّبِياًّ(41) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنى عَنك شيْئاً(42) يَأَبَتِ إِنى قَدْ جَاءَنى مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِك فَاتَّبِعْنى أَهْدِك صِرَطاً سوِيًّا(43) يَأَبَتِ لا تَعْبُدِ الشيْطنَ إِنَّ الشيْطنَ كانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا(44) يَأَبَتِ إِنى أَخَاف أَن يَمَسك عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشيْطنِ وَلِيًّا(45) قَالَ أَ رَاغِبٌ أَنت عَنْ ءَالِهَتى يَإِبْرَهِيمُ لَئن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّك وَ اهْجُرْنى مَلِيًّا(46) قَالَ سلَمٌ عَلَيْك سأَستَغْفِرُ لَك رَبى إِنَّهُ كانَ بى حَفِيًّا(47) وَ أَعْتزِلُكُمْ وَ مَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَ أَدْعُوا رَبى عَسى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبى شقِيًّا(48) فَلَمَّا اعْتزَلهَُمْ وَ مَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسحَقَ وَ يَعْقُوب وَ ُكلاً جَعَلْنَا نَبِيًّا(49) وَ وَهَبْنَا لهَُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَ جَعَلْنَا لهَُمْ لِسانَ صِدْق عَلِيًّا(50)

القراءة

قد ذكرنا الاختلاف بين القراء في قوله « يا أبت » و الوجه في ذلك في سورة يوسف (عليه السلام) .

اللغة

الصديق هو كثير التصديق بالحق حتى يصير علما فيه و الرغبة عن الشيء نقيض الرغبة فيه و الترغيب الدعاء إلى الرغبة في الشيء و الانتهاء الامتناع من الفعل المنهي عنه يقال نهاه عن الأمر فانتهى و أصله النهاية و النهي زجر عن الخروج من النهاية المذكورة و التناهي بلوغ نهاية الحد و الرجم الرمي بالحجارة و الرجم الشتم و أصله من الرجم و الرجام و هو الحجارة و الملي الدهر الطويل قال الفراء : يقال كنت عندنا ملوة و ملوة و ملوة و ملاوة و ملاوة و كله من طول المقام و الحفي المستقصي في السؤال و الخفي اللطيف بعموم النعمة و أصل الباب الاستقصاء تقول تحفيت به أي بالغت في إكرامه و حفوته من كل خير بالغت في منعه و أحفيت شاربي بالغت في أخذه حتى استأصلته و أحفيت في السؤال بالغت و كل شيء استوصل فقد احتفى و تقول العرب جاءني لسان فلان أي مدحه و ذمه قال عامر بن الحرث :
إني أتتني لسان لا أسر بها
من علو لا عجب منها و لا سخر
جاءت مرجمة قد كنت أحذرها
لو كان ينفعني الإشفاق و الحذر .

الإعراب

قال الزجاج : العرب تقول في النداء يا أبت و يا أمت و لا يقال قال أبتي كذا و قالت أمتي كذا و زعم الخليل و سيبويه أنهما بمنزلة قولهم يا عمة و يا خالة و زعم أنه بمنزلة قولهم رجل ربعة و غلام يفعة و أن الهاء عوض من ياء الإضافة في يا أبي و يا أمي و قوله « مليا » منصوب على الظرف و كلا مفعول جعلنا .

المعنى

ثم ذكر سبحانه قصة إبراهيم (عليه السلام) فقال « و اذكر » يا محمد « في الكتاب » أي القرآن « إبراهيم إنه كان صديقا » أي كثير التصديق في أمور الدين عن الجبائي و قيل صادقا مبالغا في الصدق فيما يخبر عن الله تعالى عن أبي مسلم « نبيا » أي عليا رفيع الشأن برسالة الله تعالى « إذ قال لأبيه » آزر « يا أبت » أي يا أبي و دخلت التاء للمبالغة في تحقيق الإضافة « لم تعبد ما لا يسمع » دعاء من يدعوه « و لا يبصر » من يتقرب إليه و يعبده « و لا يغني عنك شيئا » من أمور الدنيا أي لا يكفيك شيئا فلا ينفعك و لا يضرك « يا أبت إني قد جاءني من العلم » بالله و المعرفة « ما لم يأتك فاتبعني » على ذلك و اقتد بي فيه « أهدك صراطا سويا » أي أوضح لك طريقا مستقيما معتدلا غير جائر بك عن الحق إلى الضلال « يا أبت لا تعبد الشيطان » أي لا تطعه فيما يدعوك إليه فتكون بمنزلة من عبده و لا شبهة أن الكافر لا يعبد الشيطان و لكن من أطاع شيئا فقد عبده « إن الشيطان كان للرحمن
مجمع البيان ج : 6 ص : 798
عصيا » أي عاصيا « يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن » أي يصبك عذاب من جهة الله سبحانه لإصرارك على الكفر « فتكون للشيطان وليا » أي فتكون موكولا إلى الشيطان و هو لا يغني عنك شيئا عن الجبائي و قيل معناه فتكون لا حقا بالشيطان باللعن و الخذلان و اللاحق يسمى التالي و الذي يتلو الشيء و الذي يليه سواء عن أبي مسلم و قيل فتكون له قرينا في النار و قيل معناه فيكون الشيطان ولي نصرتك و لم يقل فيكون الشيطان وليك لأنه أبلغ في الفضيحة و إنما أراد زجره عن موالاة الشيطان لا تحقيق النصرة يعني إذا لم يكن لك إلا نصرته فأنت مخذول لا ناصر لك و قد بينا فيما مضى أن الذي يقوله أصحابنا أن هذا الخطاب من إبراهيم (عليه السلام) إنما توجه إلى من سماه الله أبا له لأنه كان جدا لإبراهيم (عليه السلام) لأمه و أن أباه الذي ولده كان اسمه تارخ لإجماع الطائفة على أن آباء نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى آدم (عليه السلام) كلهم مسلمون موحدون و لما روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لم يزل ينقلني الله تعالى من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا و الكافر غير موصوف بالطهارة لقوله تعالى « إنما المشركون نجس » « قال » آزر مجيبا لإبراهيم (عليه السلام) حين دعاه إلى الإيمان « أ راغب أنت عن آلهتي » أي أ معرض أنت عن عبادة آلهتي التي هي الأصنام « يا إبراهيم » و تارك لها و زاهد فيها « لئن لم تنته » أي لئن لم تمتنع عن هذا « لأرجمنك » بالحجارة عن الحسن و الجبائي و قيل لأرمينك بالذنب و العيب و أشتمنك عن السدي و ابن جريج و قيل معناه لأقتلنك « و اهجرني مليا » أي فارقني دهرا طويلا عن الحسن و مجاهد و سعيد بن جبير و السدي و قيل مليا سويا سليما عن عقوبتي عن ابن عباس و قتادة و عطاء و الضحاك من قولهم فلان ملي بهذا الأمر إذا كان كاملا فيه مضطلعا به « قال » إبراهيم « سلام عليك » سلام توديع و هجر على ألطف الوجوه و هو سلام متاركة و مباعدة منه عن الجبائي و أبي مسلم و قيل هذا سلام إكرام و بر فقابل جفوة أبيه بالبر تأدية لحق الأبوة أي هجرتك على وجه جميل من غير عقوق « سأستغفر لك ربي » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أنه إنما وعده بالاستغفار على مقتضى العقل و لم يكن بعد قد استقر قبح الاستغفار للمشركين ( و ثانيها ) أنه قال سأستغفر لك ربي على ما يصح و يجوز من تركك عبادة الأوثان و إخلاص العبادة لله تعالى عن الجبائي ( و ثالثها ) أن معناه سادعو الله أن لا يعذبك في الدنيا عن الأصم « إنه كان بي حفيا » أي بارا لطيفا رحيما عن ابن عباس و مقاتل و قيل إن الله عودني إحسانه و كان لي مكرما و قيل كان عالما بي و بما أبتغيه من مجالدتك لعله يهديك « و أعتزلكم و ما تدعون من دون الله » أي و أتنحى منكم جانبا و اعتزل عبادة ما تدعون من دونه من الأصنام « و أدعوا » أي و أعبد « ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا » كما شقيتم بدعاء الأصنام و إنما ذكر عسى على وجه
مجمع البيان ج : 6 ص : 799
الخضوع و قيل معناه لعله يقبل طاعتي و عبادتي و لا أشقى بالرد فإن المؤمن بين الرجاء و الخوف « فلما اعتزلهم و ما يعبدون من دون الله » أي فارقهم و هاجرهم إلى الأرض المقدسة « وهبنا له إسحاق » ولدا « و يعقوب » ولد ولد « و كلا جعلنا نبيا » أي آنسنا وحشته من فراقهم بأولاد كرام على الله و كلا من هذين جعلناه نبيا يقتدى به في الدين « و وهبنا لهم من رحمتنا » أي نعمتنا سوى الأولاد النبوة من نعم الدين و الدنيا « و جعلنا لهم لسان صدق عليا » أي ثناء حسنا في الناس عليا مرتفعا سائرا في الناس و كل أهل الأديان يتولون إبراهيم و ذريته و يثنون عليهم و يدعون أنهم على دينهم و قيل معناه و أعلينا ذكرهم بأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أمته يذكرونهم بالجميل إلى قيام القيامة و قيل هو ما يتلى في التشهد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم .
وَ اذْكُرْ فى الْكِتَبِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مخْلَصاً وَ كانَ رَسولاً نَّبِيًّا(51) وَ نَدَيْنَهُ مِن جَانِبِ الطورِ الأَيْمَنِ وَ قَرَّبْنَهُ نجِيًّا(52) وَ وَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَرُونَ نَبِيًّا(53) وَ اذْكُرْ فى الْكِتَبِ إِسمَعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسولاً نَّبِيًّا(54) وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصلَوةِ وَ الزَّكَوةِ وَ كانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا(55)

القراءة

قرأ أهل الكوفة « مخلصا » بفتح اللام و الباقون مخلصا بكسرها .

الحجة

من كسر اللام فحجته و أخلصوا دينهم لله و من فتحها فحجته إنا أخلصناهم .

اللغة

يقال ناجاه يناجيه إذا اختصه بكلام ألقاه إليه و أصل النجاة الارتفاع من الأرض و منه النجاة أيضا و هو الارتفاع عن الهلكة و النجاة السرعة لأنه ارتفاع في السير و منه المناجاة لأنه ارتفاع الحديث إلى المحدث و النجي بمعنى المناجي كالجليس و الضجيع و قيل نجي مصدر بمعنى ارتفاع لأن معنى قربناه رفعناه و يجوز أن يكون التقدير و قربناه مكانا رفيعا .

المعنى

ثم ذكر سبحانه حديث موسى (عليه السلام) فقال « و اذكر » يا محمد « في
مجمع البيان ج : 6 ص : 800
الكتاب » الذي هو القرآن « موسى إنه كان مخلصا » أخلص العبادة لله تعالى و أخلص نفسه لأداء الرسالة و بفتح اللام يكون معناه أخلصه الله بالنبوة و اختاره للرسالة « و كان رسولا » إلى فرعون و قومه « نبيا » رفيع الشأن عالي القدر « و ناديناه من جانب الطور الأيمن » الطور جبل بالشام ناداه الله تعالى من جانبه اليمين و هي يمين موسى و قيل من جانب اليمين من الطور يريد حيث أقبل من مدين و رأى النار في الشجرة و هو قوله « يا موسى إني أنا الله رب العالمين » « و قربناه نجيا » أي مناجيا كليما قال ابن عباس : قربه الله و كلمه و معنى هذا التقريب أنه أسمعه كلامه و قيل قربه حتى سمع صرير القلم الذي كتبت به التوراة و قيل قربناه أي و رفعنا منزلته و أعلينا محله حتى صار محله منا في الكرامة و المنزلة محل من قربه مولاه في مجلس كرامته فهو تقريب كرامة و اصطفاء لا تقريب مسافة و إدناء إذ هو سبحانه لا يوصف بالحلول في مكان فيقرب من بعد أو يبعد من قرب أو يكون أحد أقرب إليه من غيره « و وهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا » أي أنعمنا عليه بأخيه هارون حيث قال و اجعل لي وزيرا من أهلي هارون و جعلناه نبيا أشركناه في أمره و شددنا به أزره « و اذكر في الكتاب » الذي هو القرآن « إسماعيل » بن إبراهيم أيضا « إنه كان صادق الوعد » إذا وعد بشيء وفى به و لم يخلف « و كان » مع ذلك « رسولا نبيا » إلى جرهم و قد مضى معناه قال ابن عباس أنه واعد رجلا أن ينتظره في مكان و نسي الرجل فانتظره سنة حتى أتاه الرجل و ذلك مروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل أقام ينتظره ثلاثة أيام عن مقاتل و قيل أن إسماعيل بن إبراهيم (عليهماالسلام) مات قبل أبيه إبراهيم (عليه السلام) و إن هذا هو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله إلى قومه فسلخوا جلدة وجهه و فروة رأسه فخيره الله فيما شاء من عذابهم فاستعفاه و رضي بثوابه و فوض أمرهم إلى الله تعالى في عفوه و عقابه و رواه أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) ثم قال في آخره أتاه ملك من ربه يقرئه السلام و يقول قد رأيت ما صنع بك و قد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت فقال يكون لي بالحسين (عليه السلام) أسوة « و كان يأمر أهله » أي قومه و عترته و عشيرته و قيل أمته عن الحسن « بالصلاة و الزكاة » و قيل أنه كان يأمر أهله بصلاة الليل و صدقة النهار « و كان » مع ذلك « عند ربه مرضيا » قد رضي أعماله لأنها كلها طاعات لم تكن فيها قبائح و قيل مرضيا معناه صالحا زكيا رضيا فحصل له عنده المنزلة العظيمة .

مجمع البيان ج : 6 ص : 801
وَ اذْكُرْ فى الْكِتَبِ إِدْرِيس إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَّبِيًّا(56) وَ رَفَعْنَهُ مَكاناً عَلِياًّ(57) أُولَئك الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح وَ مِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَهِيمَ وَ إِسرءِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنَا وَ اجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلى عَلَيْهِمْ ءَايَت الرَّحْمَنِ خَرُّوا سجَّداً وَ بُكِيًّا (58) * فخَلَف مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصلَوةَ وَ اتَّبَعُوا الشهَوَتِ فَسوْف يَلْقَوْنَ غَياًّ(59) إِلا مَن تَاب وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صلِحاً فَأُولَئك يَدْخُلُونَ الجَْنَّةَ وَ لا يُظلَمُونَ شيْئاً(60)

اللغة

العلي العظيم العلو و العلي العظيم فيما يقدر به على الأمور و منه يوصف الله تعالى بأنه علي و الفرق بين العلي و الرفيع أن العلي قد يكون بمعنى الاقتدار و بمعنى علو المكان و الرفيع من رفع المكان لا غير و لذلك لا يوصف الله تعالى بأنه رفيع و أما رفيع الدرجات فإنه وصف للدرجات بالرفعة و بكي وزنه فعول و هو جمع باك و يجوز أن يكون مصدرا بمعنى البكاء و الخلف بفتح اللام يستعمل في الصالح و بسكون اللام في الطالح و قد يستعمل كل واحد في الآخر قال لبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
و بقيت في خلف كجلد الأجرب .

الإعراب

« سجدا و بكيا » نصب على الحال و تقديره خروا ساجدين و باكين قال الزجاج : و هي حال مقدرة المعنى خروا مقدرين السجود لأن الإنسان في حال خروره لا يكون ساجدا « إلا من تاب » في موضع نصب أي فسوف يلقون العذاب إلا التائبين فيكون الاستثناء متصلا و يجوز أن يكون الاستثناء منقطعا من غير الأول و يكون المعنى لكن من تاب و آمن فأولئك يدخلون الجنة .

المعنى

ثم ذكر سبحانه حديث إدريس فقال « و اذكر » يا محمد « في الكتاب » الذي هو القرآن « إدريس » و هو جد أب نوح (عليه السلام) و اسمه في التوراة أخنوخ و قيل أنه سمي
مجمع البيان ج : 6 ص : 802
إدريس لكثرة درسه الكتب و هو أول من خط بالقلم و كان خياطا و أول من خاط الثياب و قيل إن الله تعالى علمه النجوم و الحساب و علم الهيأة و كان ذلك معجزة له « إنه كان صديقا نبيا » مر معناه « و رفعناه مكانا عليا » أي عاليا رفيعا و قيل إنه رفع إلى السماء الرابعة عن أنس و أبي سعيد الخدري و كعب و مجاهد و قيل إلى السماء السادسة عن ابن عباس و الضحاك قال مجاهد : رفع إدريس (عليه السلام) كما رفع عيسى (عليه السلام) و هو حي لم يمت و قال آخرون أنه قبض روحه بين السماء الرابعة و الخامسة و روي ذلك عن أبي جعفر و قيل إن معناه و رفعنا محله و مرتبته بالرسالة كقوله تعالى « و رفعنا لك ذكرك » و لم يرد به رفعة المكان عن الحسن و الجبائي و أبي مسلم و لما فصل سبحانه ذكر النبيين و وصف كلا منهم بصفة تخصه جمعهم في المدح و الثناء فقال « أولئك » تقدم ذكرهم « الذين أنعم الله عليهم » بالنبوة و قيل بالثواب و بسائر النعم الدينية و الدنيوية « من النبيين من ذرية آدم و ممن حملنا مع نوح و من ذرية إبراهيم و إسرائيل » إنما فرق سبحانه ذكر نسبهم مع أن كلهم كانوا من ذرية آدم (عليه السلام) لتبيان مراتبهم في شرف النسب فكان لإدريس شرف القرب لآدم لأنه جد نوح (عليه السلام) و كان إبراهيم من ذرية من حمل مع نوح لأنه من ولد سام بن نوح و كان إسماعيل و إسحاق و يعقوب من ذرية إبراهيم لما تباعدوا من آدم حصل لهم شرف إبراهيم و كان موسى و هارون و زكريا و يحيى و عيسى و من ذرية إسرائيل « و ممن هدينا و اجتبينا » قيل إنه تم الكلام عند قوله « إسرائيل » ثم ابتدأ فقال « و ممن هدينا و اجتبينا » من الأمم قوم « إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا و بكيا » فحذف لدلالة الكلام عليه عن أبي مسلم و روي عن علي بن الحسين (عليهماالسلام) أنه قال نحن عنينا بها و قيل بل المراد به الأنبياء الذين تقدم ذكرهم من ذرية آدم و ممن هديناهم و اجتبيناهم أي هديناهم إلى الحق فاهتدوا و اخترناهم من بين الخلق ثم وصفهم فقال « إذا تتلى عليهم » أي تقرأ عليهم « آيات الرحمن » و هو القرآن عن ابن عباس « خروا سجدا » أي ساجدين لله « و بكيا » أي باكين متضرعين إليه بين الله سبحانه أنهم مع جلالة قدرهم كانوا يبكون عند ذكر آيات الله و هؤلاء العصاة ساهون لاهون مع إحاطة السيئات بهم ثم أخبر سبحانه فقال « فخلف من بعدهم خلف » و الخلف البدل السيىء معناه من بعد النبيين المذكورين قوم سوء و قيل هم اليهود و من تبعهم لأنهم من ولد إسرائيل و قيل هم من هذه الأمة عند قيام الساعة عن مجاهد و قتادة « أضاعوا الصلاة » تركوها عن محمد بن كعب و قيل أضاعوها بتأخيرها عن مواقيتها من غير أن تركوها أصلا عن ابن مسعود و إبراهيم و عمر بن عبد العزيز و الضحاك و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) « و اتبعوا الشهوات » أي انفذوا الشهوات فيما حرم الله عليهم فقال وهب : فخلف من بعدهم خلف
مجمع البيان ج : 6 ص : 803
شرابون للقهوات لعابون بالكعبات ركابون للشهوات متبعون للذات تاركون للجمعات مضيعون للصلوات « فسوف يلقون غيا » أي يلقون مجازاة الغي عن الزجاج و هذا كقوله « و من يفعل ذلك يلق أثاما » أي مجازاة الآثام و قيل يلقون غيا أي شرا و خيبة عن ابن عباس و ابن زيد و منه قول الشاعر :
و من يغو لا يعدم على الغي لائما أي يخب و قيل الغي واد في جهنم عن ابن مسعود و عطاء و كعب « إلا من تاب » أي ندم على ما سلف « و آمن » في مستقبل عمره « و عمل صالحا » من الواجبات و المندوبات « فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون شيئا » و من قرأ يدخلون بضم الياء و فتح الخاء أراد أن الله سبحانه يدخلهم الجنة بأن يأمرهم بدخولها و هذا يطابق قوله « و لا يظلمون » و من قرأ « يدخلون » أراد أنهم يدخلونها بأمر الله و المعنيان واحد و لا يبخسون شيئا من ثوابهم بل يوفيه الله إليهم على التمام و الكمال و في هذا دلالة على أن الله لا يمنع أحدا ثواب عمله و لا يبطله لأنه سبحانه سمى ذلك ظلما .
جَنَّتِ عَدْن الَّتى وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا(61) لا يَسمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلا سلَماً وَ لهَُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا(62) تِلْك الجَْنَّةُ الَّتى نُورِث مِنْ عِبَادِنَا مَن كانَ تَقِيًّا(63) وَ مَا نَتَنزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّك لَهُ مَا بَينَ أَيْدِينَا وَ مَا خَلْفَنَا وَ مَا بَينَ ذَلِك وَ مَا كانَ رَبُّك نَسِيًّا(64) رَّب السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ مَا بَيْنهُمَا فَاعْبُدْهُ وَ اصطبرْ لِعِبَدَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سمِيًّا(65)

القراءة

قرأ رويس عن يعقوب نورث بالتشديد و الباقون « نورث » و في بعض الروايات عن أبي عمرو « هل تعلم » يدغم اللام في التاء و الأكثر الإظهار .

الحجة

يقال أورثه و ورثه بمعنى قال أبو علي يرى سيبويه أن إدغام اللام في التاء و الدال و الطاء و الصاد و الزاي و السين جائز لأن مخرج اللام قريب من مخارجهن و هي حروف
مجمع البيان ج : 6 ص : 804
طرف اللسان و أنشد لمزاحم العقيلي :
فذر ذا و لكن هتعين متيما
على ضوء برق آخر الليل ناصب .

الإعراب

« جنات عدن » بالنصب على البدل من قوله الجنة و قوله « بالغيب » في موضع الحال أي كائنة بالغيب و ذو الحال جنات عدن و سلاما استثناء منقطع فكأنه قال لا يسمعون فيها كلاما يؤلمهم و لكن يسمعون سلاما « و ما نتنزل إلا بأمر ربك » تقديره قل ما نتنزل فأضمر القول .
« له ما بين أيدينا و ما خلفنا و ما بين ذلك » قال أبو علي هذه الآية تدل على أن الأزمنة ثلاثة ماض و هو قوله « ما بين أيدينا » و مستقبل و هو قوله « و ما خلفنا » و حال و هو قوله « و ما بين ذلك » « و ما كان ربك نسيا رب السماوات و الأرض » بدل من اسم كان و إن شئت كان خبر مبتدإ محذوف و إن شئت كان مبتدأ و قوله « فاعبده » خبره و هذا على قول الأخفش دون سيبويه .

النزول

قيل أن العاص بن وائل السهمي لم يعط أجرة أجير استعمله و قال لو كان ما يقوله محمد حقا فنحن أولى بالجنة و نعيمها فحينئذ أوفره أجره فنزل « تلك الجنة التي نورث » الآية و قيل احتبس الوحي أياما لما سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن قصة أصحاب الكهف و ذي القرنين و الروح فشق ذلك عليه فلما أتاه جبرائيل استبطأه فنزلت « و ما نتنزل إلا بأمر ربك » الآية عن عكرمة و الضحاك و قتادة و الكلبي و مقاتل .

المعنى

ثم وصف سبحانه الجنة فقال « جنات عدن » أي جنات إقامة يقال عدن بالمكان إذا أقام به و وحد في الآية المتقدمة و جمع هاهنا فكأنه جنة تشتمل على جنات و قيل لأن لكل واحد من المؤمنين جنة تجمعها الجنة العظماء « التي وعد الرحمن عباده بالغيب » المراد بالعباد المؤمنون كما قال فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي و قيل إنه يتناول المؤمن و الكافر و لكن بشرط رجوع الكافر عن كفره و قال « بالغيب » لأنهم غابوا عما فيها مما لا عين رأت و لا أذن سمعت عن ابن عباس و المعنى أنه وعدهم أمرا لم يكونوا يشاهدونه فصدقوه و هو غائب عنهم « إنه كان وعده » أي موعوده « مأتيا » أي آتيا لا محالة و المفعول هنا بمعنى الفاعل لأن ما آتيته فقد أتاك و ما أتاك فقد أتيته يقال أتيت على خمسين سنة و أتت علي خمسون سنة و قيل إن الموعود هو الجنة و الجنة مأتية يأتيها المؤمنون « لا يسمعون فيها لغوا » أي لا يسمعون في تلك الجنات القول الذي لا معنى له يستفاد و هو اللغو و قيل قد
مجمع البيان ج : 6 ص : 805
يكون اللغو الهزل و ما يلغى من الكلام مثل الفحش و الأباطيل « إلا سلاما » أي إلا سلام الملائكة عليهم و سلام بعضهم على بعض قال الزجاج : السلام اسم جامع لكل خير لأنه يتضمن السلامة أي يسمعون ما يسلمهم « و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيا » قال المفسرون ليس في الجنة شمس و لا قمر فيكون لهم بكرة و عشيا و المراد أنهم يؤتون برزقهم على ما يعرفونه من مقدار الغداء و العشاء و قيل كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء و العشاء لعجبت به و كانت تكره الوجبة و هي الأكلة الواحدة في اليوم فأخبر الله تعالى أن لهم في الجنة رزقهم بكرة و عشيا على قدر ذلك الوقت و ليس ثم ليل و إنما هو ضوء و نور عن قتادة و قيل إنهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب و إغلاق الأبواب و مقدار النهار برفع الحجب و فتح الأبواب « تلك الجنة التي » هي مذكورة في قوله « فأولئك يدخلون الجنة » التي « نورث من عبادنا من كان تقيا » أي إنما نملك تلك الجنة من كان تقيا في دار الدنيا بترك المعاصي و فعل الطاعات و إنما قال « نورث » مع أنه ليس بتمليك نقل من غيرهم إليهم لأنه شبه بالميراث من جهة أنه تمليك بحال استؤنفت عن حال قد انقضت من أمر الدنيا كما ينقضي حال الميت من أمر الدنيا عن الجبائي و قيل إنه تعالى أورثهم من الجنة المساكن و المنازل التي كانت لأهل النار لو أطاعوا الله تعالى و أضاف العباد إلى نفسه لأنه أراد المؤمنين « و ما نتنزل إلا بأمر ربك » قال ابن عباس إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لجبرائيل ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزل « و ما نتنزل إلا بأمر ربك » الآية أي إذا أمرنا نزلنا عليك و هو قول مجاهد و قتادة و الضحاك و قيل إنه قول أهل الجنة إنا لا نتنزل موضعا من الجنة إلا بأمر الله تعالى عن أبي مسلم « له ما بين أيدينا و ما خلفنا و ما بين ذلك » معناه له ما بين أيدينا من أمر الآخرة و ما خلفنا أي ما مضى من أمر الدنيا و ما بين ذلك أي ما بين النفختين عن ابن عباس و قتادة و الضحاك و الربيع قال مقاتل : و ما بين النفختين أربعون سنة و قيل معناه ابتداء خلقنا و منتهى آجالنا و مدة حياتنا و قيل ما بين أيدينا ما بقي من أمر الدنيا و ما خلفنا ما مضى من الدنيا و ما بين ذلك من حياتنا أي هو المدبر لنا في الأوقات الماضية و الآتية و الذاهبة و قيل ما بين أيدينا أي الأرض عند نزولنا و ما خلفنا السماوات إذ نزلنا منها و ما بين ذلك السماء و الأرض « و ما كان ربك نسيا » قيل هذا تمام حكاية قول الملائكة و قول أهل الجنة و قيل بل تم الكلام قبله ثم أخبر الله سبحانه عن نفسه و معناه أنه سبحانه ليس ممن ينسى و يخرج عن كونه عالما لأنه عالم لذاته و تقديره و ما نسيك يا محمد و إن أخر الوحي عنك و قيل ما كان ربك ناسيا لأحد حتى لا يبعثه يوم القيامة عن أبي مسلم « رب السماوات و الأرض » أي خالقهما و مدبرهما « و ما بينهما » من الخلائق و الأشياء « فاعبده » وحده لا شريك له « و اصطبر لعبادته »
مجمع البيان ج : 6 ص : 806
أي اصبر على تحمل مشقة عبادته ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « هل تعلم له سميا » أي مثلا و شبيها عن ابن عباس و مجاهد و ابن جريج و سعيد بن جبير و قيل هل تعلم أحدا يستحق أن يسمى إلها إلا هو عن الكلبي و قيل هل تعلم أحدا يسمى إلها خالقا رازقا محييا مميتا قادرا على الثواب و العقاب سواه حتى تعبده فإذا لم تعلم ذلك فالزم عبادته و هذا استفهام بمعنى النفي أي لا تعلم من يسمى بلفظة الله .
وَ يَقُولُ الانسنُ أَ ءِذَا مَا مِت لَسوْف أُخْرَجُ حَياًّ(66) أَ وَ لا يَذْكرُ الانسنُ أَنَّا خَلَقْنَهُ مِن قَبْلُ وَ لَمْ يَك شيْئاً(67) فَوَ رَبِّك لَنَحْشرَنَّهُمْ وَ الشيَطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا(68) ثمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كلِّ شِيعَة أَيهُمْ أَشدُّ عَلى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا(69) ثمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بهَا صِلِيًّا(70)

القراءة

قرأ نافع و عاصم و ابن عامر و روح و زيد عن يعقوب و سهل « أ و لا يذكر » خفيفا و الباقون أ و لا يذكر بالتشديد .

الحجة

قال أبو علي : التذكر يراد به التدبر و التفكر و ليس تذكرا عن نسيان و الثقيلة كأنه في هذا المعنى أكثر فمن ذلك قوله أ و لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و قال إنما يتذكر أولوا الألباب فإضافته إلى أولي الألباب يدل على أن المراد به النظر و التفكر و الخفيفة في هذا المعنى دون ذلك في الكثرة و قد قال الله تعالى إن هذه تذكرة فمن شاء ذكره و زعموا أنه في حرف أبي أ و لا يتذكر و أما قوله « و لم يك شيئا » فمعناه لم يك شيئا موجودا و ليس يراد أنه قبل الخلق لم يقع عليه اسم شيء و هذا كقوله تعالى هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا و قد قال إن زلزلة الساعة شيء عظيم .

اللغة

الجثي جمع الجاثي و هو الذي برك على ركبتيه و أصله جثو فعول من جثى يجثو و قد تقدم القول فيه في أوائل السورة و الشيعة الجماعة المتعاونون على أمر واحد من الأمور و منه تشايع القوم إذا تعاونوا و الصلي مصدر صلي يصلي صليا مثل لقي يلقى لقيا و صلى يصلي صليا مثل مضى يمضي مضيا .

مجمع البيان ج : 6 ص : 807

الإعراب

العامل في قوله « أ إذا ما مت » مضمر دل عليه قوله « سوف أخرج حيا » و التقدير أ إذا ما مت بعثت و لا يجوز أن يعمل فيه أخرج لأن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبله كما أن ما بعد أن كذلك و ما بعد الاستفهام و حرف النفي و قد ذكرنا ذلك في مواضع « و الشياطين » يحتمل أن يكون منصوبا بأنه مفعول به أي و نحشر الشياطين و يحتمل أن يكون مفعولا معه بمعنى لنحشرنهم مع الشياطين و جثيا منصوب على الحال و عتيا منصوب على التمييز و كذلك صليا فأما الرفع في « أيهم أشد » قال الزجاج : فيه ثلاثة أقوال ( أحدها ) قال سيبويه عن يونس أن لننزعن معلقة لم تعمل شيئا فكان قول يونس ثم لننزعن من كل شيعة ثم استأنف فقال أيهم ( و الثاني ) حكى سيبويه عن الخليل أنه بمعنى الذين يقال لهم أيهم أشد على الرحمن عتيا و مثله قول الشاعر :
و لقد أتيت من القناة بمنزل
فأبيت لا حرج و لا محروم و المعنى فأبيت بمنزلة الذي يقال لا هو حرج و لا محروم ( و الثالث ) قال سيبويه : أن أيهم مبنية على الضم لأنها خالفت أخواتها بأن استعمل معها حذف الابتداء تقول أضرب أيهم أفضل تريد أيهم هو أفضل فيحسن الاستعمال كذلك بحذف هو و لا يحسن أضرب من أفضل حتى تقول من هو أفضل و لا يحسن كل ما أطيب حتى تقول كل ما هو أطيب قال : فلما خالفت من و ما و الذي لا تقول فيه أيضا خذ الذي أفضل حتى تقول خذ الذي هو أفضل فلما خالفت الاختلاف بنيت على الضم في الإضافة و النصب حسن و إن كنت قد حذفت هو لأن هو قد يجوز حذفها و قد قرىء تماما على الذي أحسن على معنى الذي هو أحسن قال أبو علي : ينبغي أن يكون مراد يونس بقوله أن الفعل معلق أنه معمل في موضع من كل شيعة و ليس يريد به أنه غير معمل في شيء البتة بل يريد أنه معمل في موضع الجار و المجرور لأن لفظ التعليق إنما يستعمل فيما يعمل في الموضع دون اللفظ و لو أراد أنه لا عمل له في لفظ و لا موضع لقال ملغى و لم يقل معلق كما تقول في زيد ظننت منطلق أنه ملغى و إذا كان كذلك كان قول الكسائي في الآية مثل قول يونس لأن الكسائي قال : أن قوله « لننزعن من كل شيعة » كقولك أكلت من طعام فإن كان كذلك كان أيهم منقطعا من هذه الجملة و كانت جملة مستأنفة فإن قال قائل لم زعم سيبويه أنه إذا حذف العائد من الصلة وجب البناء على الضم فالجواب أن الصلة تبين الموصول و توضحه كما أن المضاف إليه يبين المضاف و يخصصه فكما أن المضاف إليه لما حذف بني المضاف فكذلك لما حذف العائد من الصلة إلى الموصول هنا بني فإن قال ما ينكر أن لا يكون حذف المبتدأ العائد من الصلة عوض
 

Back Index Next