جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج7 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان جلد 7

مجمع البيان ج : 7 ص : 3

( 20 ) سورة طه مكية و آياتها خمس و ثلاثون و مائة ( 135 )

عدد آيها

مائة و أربعون آية شامي و خمس و ثلاثون كوفي و أربع حجازي و آيتان بصري .

اختلافها

إحدى و عشرون آية « طه » « ما غشيهم » « رأيتهم ضلوا » ثلاثهن كوفي « نسبحك كثيرا » « و نذكرك كثيرا » كلاهما غير البصري « محبة مني » حجازي شامي « فتونا » بصري شامي « لنفسي » كوفي شامي « و لا تحزن » « و أهل مدين » « و معنا بني إسرائيل و أوحينا إلى موسى » أربعهن شامي « غضبان أسفا » « و إله موسى » كلتاهما مكي و المدني الأول « وعدا حسنا » « ألا يرجع إليهم قولا » كلتاهما المدني الأخير « ألقى السامري » غير المدني الأخير « فنسي » عراقي شامي و الأخير « صفصفا » عراقي شامي « مني هدى » « و زهرة الحياة الدنيا » غير الكوفي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين و الأنصار ، أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال الله تعالى قرأ طه و يس قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا طوبى لأمة نزل هذا عليها و طوبى لأجواف تحمل هذا و طوبى لألسن تتكلم بهذا و عن الحسن قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يقرأ أهل الجنة من القرآن إلا يس و طه و روى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تدعوا
مجمع البيان ج : 7 ص : 4
قراءة طه فإن الله سبحانه يحبها و يحب من قرأها و أدمن قراءتها و أعطاه يوم القيامة كتابه بيمينه و لم يحاسبه لما عمل في الإسلام و أعطي من الأجر حتى يرضى .

تفسيرها

ختم الله سبحانه سورة مريم بذكر إنزال القرآن و أنه بشارة للمتقين و إنذار للكافرين و افتتح هذه السورة بالقرآن و أنه أنزله لسعادته لا لشقاوته فقال : .
سورة طه
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ طه(1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْءَانَ لِتَشقَى(2) إِلا تَذْكرَةً لِّمَن يخْشى(3) تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْض وَ السمَوَتِ الْعُلى(4) الرَّحْمَنُ عَلى الْعَرْشِ استَوَى(5) لَهُ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ وَ مَا بَيْنهُمَا وَ مَا تحْت الثرَى(6) وَ إِن تجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السرَّ وَ أَخْفَى(7) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسمَاءُ الحُْسنى(8)

القراءة

قرأ أبو عمرو طه بفتح الطاء و كسر الهاء كسرا لطيفا من غير إفراط و قرأ أهل الكوفة غير عاصم إلا يحيى عن أبي بكر بكسر الطاء و الهاء و كذلك عياش عن أبي عمرو و الباقون بفتح الطاء و الهاء و روي عن أبي جعفر و نافع كهيعص و طه و طس و حم و الر كله بين الفتح و الكسر و هو إلى الفتح أقرب .

الحجة

قد مر القول في الإمالة و التفخيم في الحروف فيما تقدم و التفخيم لغة أهل الحجاز و لغة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

اللغة

الشقاء استمرار ما يشق على النفس و نقيضه السعادة و العلى جمع العليا و منه الدنيا و الدنا و القصوى و الثرى التراب الندي و الجهر رفع الصوت يقال جهر يجهر جهرا فهو جاهر و الصوت مجهور و ضده المهموس .

الإعراب

روي عن الحسن أنه قرأ طه بفتح الطاء و سكون الهاء فإن صح ذلك عنه فأصله طإ فأبدل من الهمزة هاء و معناه طاء الأرض بقدميك جميعا و قد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه فأنزل الله « طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى » فوضعها
مجمع البيان ج : 7 ص : 5
و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الزجاج و يجوز أن يكون طه أمر من وطأ يطأ على قول من لم يهمز ثم حذفت الألف فصار ط ثم زيدت الهاء في الوقف و يجوز أن يكون « طه » جاريا مجرى القسم فيكون « ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى » جواب القسم و قوله « تذكرة » مفعول له .
« لمن يخشى » الجار و المجرور في موضع الصفة « لتذكرة » و الأولى أن يكون مصدر فعل محذوف و يكون الاستثناء منقطعا و التقدير لكن « تذكرة » و كذلك قوله « تنزيلا » مصدر لفعل محذوف تقديره نزلناه تنزيلا أو نزل تنزيلا و يدل عليه قوله « أنزلنا » .

المعنى

« طه » قد بينا في أول البقرة تفسير حروف المعجم في أوائل السور و الاختلاف فيه و قد قيل إن معنى طه يا رجل عن ابن عباس و سعيد بن جبير و الحسن و مجاهد و الكلبي غير أن بعضهم يقول هو بلسان الحبشية أو النبطية و قال الكلبي هي بلغة عك و أنشد لتميم بن نويرة :
هتفت بطة في القتال فلم يجب
فخفت لعمري أن يكون موائلا قال الآخر :
إن السفاهة طه من خلائقكم
لا بارك الله في القوم الملاعين .
و قال الحسن هو جواب للمشركين حين قالوا إنه شقي فقال سبحانه يا رجل « ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى » لكن لتستعد به و تنال الكرامة به في الدنيا و الآخرة قال قتادة و كان يصلي الليل كله و يعلق صدره بحبل حتى لا يغلبه النوم فأمره الله سبحانه بأن يخفف على نفسه و ذكر أنه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل هذا التعب « إلا تذكرة لمن يخشى » قال المبرد معناه لكن أنزلناه تذكرة أي لتذكرة من يخشى الله و التذكرة مصدر كالتذكير « تنزيلا » أي أنزلناه تنزيلا « ممن خلق الأرض » بدأ بالأرض ليستقيم رءوس الآي « و السماوات العلى » أي الرفيعة العالية نبه بذلك على عظم حال خالقهما ثم أكد ذلك بقوله « الرحمن على العرش استوى » أي هو الرحمن لأنه لما قال ممن خلق بينه بعد ذلك فقال هو الرحمن قال أحمد بن يحيى الاستواء الإقبال على الشيء فكأنه أقبل على خلق العرش و قصد إلى ذلك و قد سبق القول في معنى الاستواء في سورة البقرة و الأعراف « له ما في السماوات و ما في الأرض » أي له ملك ما في السماوات و ما في الأرض و تدبيرهما و علمهما يعني أنه مالك كل شيء و مدبره « و ما بينهما » يعني الهواء « و ما تحت الثرى » و الثرى التراب الندي يعني و ما وارى
مجمع البيان ج : 7 ص : 6
الثرى من كل شيء عن الضحاك و قيل يعني ما في ضمن الأرض من الكنوز و الأموات « و إن تجهر بالقول » أي إن ترفع صوتك به « فإنه يعلم السر و أخفى » أي فلا تجهد نفسك برفع الصوت فإنك و إن لم تجهر علم الله السر و أخفى من السر و لم يقل و أخفى منه لدلالة الكلام عليه كما يقول القائل فلان كالفيل أو أعظم و قيل تقديره و إن تجهر بالقول أو لا تجهر فإنه يعلم السر و أخفى منه ثم اختلفوا فيما هو أخفى من السر فقيل ما حدث به العبد غيره في خفية و أخفى منه ما أضمره في نفسه ما لم يحدث به غيره عن ابن عباس و قيل السر ما أضمره العبد في نفسه و أخفى منه ما لم يكن و لا أضمره أحد عن قتادة و سعيد بن جبير و ابن زيد و قيل السر ما تحدث به نفسك و أخفى منه ما تريد أن تحدث به نفسك في ثاني الحال و قيل العمل الذي تستره عن الناس و أخفى منه الوسوسة عن مجاهد و قيل معناه يعلم السر أي أسرار الخلق و أخفى أي سر نفسه عن زيد بن أسلم جعله فعلا ماضيا و روي عن السيدين الباقر و الصادق (عليهماالسلام) السر ما أخفيته في نفسك و أخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته « الله لا إله إلا هو » لا معبود تحق له العبادة غيره « له الأسماء الحسنى » أي الأسماء الدالة على توحيده و على إنعامه على العباد و على المعاني الحسنة فأيها دعوت جاز و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إنه لله تعالى تسعة و تسعين اسما من أحصاها دخل الجنة قال الزجاج تأويله من وحد الله تعالى و ذكر هذه الأسماء الحسنى يريد بها توحيد الله و إعظامه دخل الجنة و قد جاء في الحديث من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة فهذا لمن ذكر اسم الله موحدا له به فكيف بمن ذكر أسماءه كلها يريد بها توحيده و الثناء عليه و إنما قال الحسنى بلفظ التوحيد و لم يقل الأحاسن لأن الأسماء مؤنثة تقع عليها هذه كما تقع على الجماعة هذه كأنه اسم واحد للجمع قال الأعشى :
و سوف يعقبنيه إن ظفرت به
رب كريم و بيض ذات أطهار و في التنزيل حدائق ذات بهجة و م آرب أخرى :
مجمع البيان ج : 7 ص : 7
وَ هَلْ أَتَاك حَدِيث مُوسى(9) إِذْ رَءَا نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنى ءَانَست نَاراً لَّعَلى ءَاتِيكم مِّنهَا بِقَبَس أَوْ أَجِدُ عَلى النَّارِ هُدًى(10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِى يَمُوسى(11) إِنى أَنَا رَبُّك فَاخْلَعْ نَعْلَيْك إِنَّك بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طوًى(12) وَ أَنَا اخْترْتُك فَاستَمِعْ لِمَا يُوحَى(13) إِنَّنى أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنى وَ أَقِمِ الصلَوةَ لِذِكرِى(14) إِنَّ الساعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كلُّ نَفْسِ بِمَا تَسعَى(15) فَلا يَصدَّنَّك عَنهَا مَن لا يُؤْمِنُ بهَا وَ اتَّبَعَ هَوَاهُ فَترْدَى(16)

القراءة

قرأ أبو جعفر و ابن كثير و أبو عمرو أني أنا ربك بفتح الألف و الباقون « إني » بالكسر و قرأ حمزة لأهله امكثوا و في القصص أيضا بضم الهاء و أنا مشدد مفتوح الهمزة اخترناك على الجمع و الباقون « لأهله » بكسر الهاء و « أنا اخترتك » على التوحيد و قرأ ابن عامر و أهل الكوفة طوى بالتنوين و الباقون بغير تنوين و في الشواذ قراءة الحسن و مجاهد و سعيد بن جبير أخفيها بفتح الألف .

الحجة

قال أبو علي من كسر إني فلأن الكلام حكاية كأنه نودي فقيل يا موسى إني أنا ربك و من فتح فكان المعنى نودي بكذا و نادى قد يوصل بحرف الجر قال :
ناديت باسم ربيعة بن مكرم
إن المنوة باسمه الموثوق و من الناس من يعمل هذه الأشياء التي هي في المعنى قول كما يعمل القول و لا يضمر القول معها و ينبغي أن يكون في نودي ضمير يقوم مقام الفاعل لأنه لا يجوز أن يقوم واحد من قوله « يا موسى » و لا « إني أنا ربك » مقام الفاعل لأنها جمل و الجمل لا تقوم مقام الفاعل فإن جعلت الاسم الذي يقوم مقام الفاعل موسى لأن ذكره قد جرى كان مستقيما و قوله « طوى » يصرف و لا يصرف فمن صرفه فعلى وجهين ( أحدهما ) أن يجعله اسم الوادي فيصرفه لأنه سمي مذكرا بمذكر ( و الآخر ) أن يجعله صفة و ذلك في قول من قال إنه قدس مرتين فيكون طوى كقولك ثنى و يكون صفة كقوله مكانا سوى و قوم عدى و جاء في طوى الضم و الكسر كما جاء في مكان سوى الضم و الكسر قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 7 ص : 8

أ في جنب بكر قطعتني ملامة
لعمري لقد كانت ملامتها ثني أي ليس هذا بأول ملامتها و من لم يصرف احتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون اسما لبقعة أو أرض فهو مذكر فيكون بمنزلة امرأة سميتها بحجر و يجوز أن يكون معدولا كعمر و لا يمتنع أن تقدر العدل فيما لم يخرج إلى الاستعمال أ لا ترى أن جمع و كتع معدولتان عما لم يستعملا فكذلك يكون طوى و أما ضم الهاء في قوله « لأهله امكثوا » فقد مضى القول في مثله و أما قوله « و أنا اخترتك » فالإفراد أكثر في القراءة و هو أشبه بما قبله من قوله « إني أنا ربك » و وجه الجمع أن يكون ذلك قد جاء في نحو قوله تعالى سبحان الذي أسرى ثم قال و آتينا موسى الكتاب و يمكن أن يكون الوجه في قراءة حمزة و إنا اخترناك مع أنه قرأ إني أنا ربك بالكسر أن يكون التقدير و لأنا اخترناك فاستمع فيكون الجار و المجرور في موضع نصب بقوله « فاستمع » و لم يذكر الشيخ أبو علي و قوله « أخفيها » فإنهم قالوا معناه أظهرها قال أبو علي الغرض فيه أزيل عنها خفاءها و هو ما يلف فيه القربة و نحوها من كساء و ما يجري مجراه و عليه قول الشاعر :
لقد علم الأيقاظ أخفية الكرى
تزججها من حالك فاكتحالها قال أراد بالأيقاظ عيونا فجعل العين كالخفاء للنوم كأنها تستره و هو من ألفاظ السلب فأخفيته سلبت عنه خفاه كما تقول أشكيت الرجل أزلت عنه ما يشكوه و أما أخفيها بفتح الألف فإنه أظهرها قال امرؤ القيس .

خفاهن من أنفاقهن كأنما
خفاهن ودق من سحاب مركب و قوله :
فإن تدفنوا الداء لا نخفه
و إن تبعثوا الحرب لا نقعد رواية أبي عبيدة بضم النون من نخفه و رواية الفراء بفتح النون .

اللغة

الإيناس وجدان الشيء الذي يؤنس به و القبس الشعلة من النار في طرف عود أو قصبة و الخلع نزع الملبوس يقال خلع ثوبه و خلع نعله و الوادي سفح الجبل و يقال للمجرى العظيم من مجاري الماء واد و أصله عظم الأمر و منها الدية لأنها العطية في الأمر العظيم و هو
مجمع البيان ج : 7 ص : 9
القتل و المقدس المطهر قال امرؤ القيس
كما شبرق الولدان ثوب المقدس ) يريد العابد من النصارى كالقسيس و نحوه و سمي الوادي طوى لأنه طوي بالبركة مرتين عن الحسن فعلى هذا يكون مصدر قولك طويت طوى قال عدي بن زيد :
أ عاذل إن اللوم في غير كنهه
علي طوى من غيك المتردد و يقال أخفيت الشيء كتمته و أظهرته جميعا و خفيته بلا ألف أظهرته لا غير و الردى الهلاك و ردي يردى ردى إذا هلك و تردى بمعناه .

الإعراب

قوله « إذ رءا » الظرف يتعلق بمحذوف فهو في موضع النصب على الحال من حديث موسى و « أكاد أخفيها » جملة في موضع رفع بأنها خبر إن فهي خبر بعد خبر .
اللام في « لتجزى » يتعلق ب آتية و يجوز أن يتعلق بقوله « و أقم الصلاة » فتردي منصوب بإضمار أن في جواب النهي .

المعنى

ثم خاطب الله سبحانه نبيه تسلية له مما ناله من أذى قومه و تثبيتا له بالصبر على أمر ربه كما صبر موسى (عليه السلام) حتى نال الفوز في الدنيا و الآخرة فقال « و هل أتاك حديث موسى » هذا ابتداء إخبار من الله تعالى على وجه التحقيق إذ لم يبلغه حديث موسى فهو كما يخبر الإنسان غيره بخبر على وجه التحقيق فيقول هل سمعت بخبر فلان و قيل إنه استفهام تقرير بمعنى الخبر أي و قد أتاك حديث موسى « إذ رءا نارا » عن ابن عباس قال و كان موسى رجلا غيورا لا يصحب الرفقة لئلا ترى امرأته فلما قضى الأجل و فارق مدين خرج و معه غنم له و كان أهله على أتان و على ظهرها جوالق فيها أثاث البيت فأضل الطريق في ليلة مظلمة و تفرقت ماشيته و لم ينقدح زنده و امرأته في الطلق فرأى نارا من بعيد كانت عند الله نورا و عند موسى نارا « فقال » عند ذلك « لأهله » و هي بنت شعيب كان تزوجها بمدين « امكثوا » أي الزموا مكانكم قال مقاتل و كانت ليلة الجمعة في الشتاء و الفرق بين المكث و الإقامة أن الإقامة تدوم و المكث لا يدوم « إني آنست نارا » أي أبصرت نارا « لعلي آتيكم منها بقبس » أي بشعلة أقتبسها من معظم النار تصطلون بها « أو أجد على النار هدى » أي أجد على النار هاديا يدلني على الطريق و قيل علامة استدل بها على الطريق و الهدى ما يهتدي به فهو اسم
مجمع البيان ج : 7 ص : 10
و مصدر قال السدي لأن النار لا تخلو من أهل لها و ناس عندها « فلما أتاها » قال ابن عباس لما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب فوقف متعجبا من حسن ضوء تلك النار و شدة خضرة تلك الشجرة فسمع النداء من الشجرة و هو قوله « نودي يا موسى إني أنا ربك » و النداء الدعاء على طريقة يا فلان فمن فتح الألف من إني فالمعنى نودي بأني و من كسر فالمعنى نودي فقيل إني أنا ربك الذي خلقك و دبرك قال وهب نودي من الشجرة فقيل يا موسى فأجاب سريعا ما يدري من دعاه فقال إني أسمع صوتك و لا أرى مكانك فأين أنت أنا فوقك و معك و أمامك و خلفك و أقرب إليك من نفسك فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لربه عز و جل و أيقن به و إنما علم موسى (عليه السلام) أن ذلك النداء من قبل الله تعالى لمعجز أظهره الله سبحانه كما قال في موضع آخر إني أنا الله رب العالمين و أن ألق عصاك إلى آخره و قيل أنه لما رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها تتوقد فيها نار بيضاء و سمع تسبيح الملائكة و رأى نورا عظيما لم تكن الخضرة تطفىء النار و لا النار تحرق الخضرة تحير و علم أنه معجز خارق للعادة و أنه لأمر عظيم فألقيت عليه السكينة ثم نودي إني أنا ربك و إنما كرر الكناية لتأكيد الدلالة و إزالة الشبهة و تحقيق المعرفة « فاخلع نعليك » أي انزعهما و قيل في السبب الذي أمر بخلع النعلين أقوال ( أحدها ) أنهما كانتا من جلد حمار ميت عن كعب و عكرمة و روي ذلك عن الصادق (عليه السلام) ( و ثانيها ) كانتا من جلد بقرة ذكية و لكنه أمر بخلعهما ليباشر بقدميه الأرض فتصيبه بركة الواد المقدس عن الحسن و مجاهد و سعيد بن جبير و ابن جريج ( و ثالثها ) أن الحفاء من علامة التواضع و لذلك كانت السلف تطوف حفاة عن الأصم ( و رابعها ) أن موسى (عليه السلام) إنما لبس النعل اتقاء من الأنجاس و خوفا من الحشرات ف آمنه الله مما يخاف و أعلمه بطهارة الموضع عن أبي مسلم « إنك بالواد المقدس » أي المبارك عن ابن عباس بورك فيه بسعة الرزق و الخصب و قيل المطهر « طوى » هو اسم الوادي عن ابن عباس و مجاهد و الجبائي و قيل سمي به لأن الوادي قدس مرتين فكأنه طوي بالبركة مرتين عن الحسن « و أنا اخترتك » أي اصطفيتك بالرسالة « فاستمع لما يوحى » إليك من كلامي و أصغ إليه و تثبت ، لما بشره الله سبحانه بالنبوة أمره باستماع الوحي ثم ابتدأ بالتوحيد فقال « إنني أنا الله لا إله إلا أنا » أي لا إله يستحق العبادة غيري « فاعبدني » خالصا و لا تشرك في عبادتي أحدا ، أمره سبحانه بأن يبلغ ذلك قومه « و أقم الصلاة لذكري » أي لأن تذكرني فيها بالتسبيح و التعظيم لأن الصلاة لا تكون إلا بذكر الله عن الحسن و مجاهد و قيل معناه لأن أذكرك بالمدح و الثناء ، و قيل إن معناه صل لي و لا تصل لغيري كما يفعله المشركون عن أبي مسلم و قيل معناه أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة كنت في وقتها أم لم تكن عن أكثر المفسرين
مجمع البيان ج : 7 ص : 11
و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و يعضده ما رواه أنس عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها غير ذلك و قرأ « أقم الصلاة لذكري » رواه مسلم في الصحيح ثم أخبره سبحانه بمجيء الساعة فقال « إن الساعة آتية » يعني أن القيامة جائية قائمة لا محالة « أكاد أخفيها » أي أريد أن أخفيها عن عبادي لئلا تأتيهم إلا بغتة قال تغلب هذا أجود الأقوال و هو قول الأخفش و فائدة الإخفاء التهويل و التخويف فإن الناس إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت و روي ابن عباس أكاد أخفيها من نفسي و هي كذلك في قراءة أبي و روي ذلك عن الصادق (عليه السلام) و المعنى أكاد لا أظهر عليها أحدا و هو قول الحسن و قتادة و المقصود من ذلك تبعيد الوصول إلى علمها و تقديره إذا كدت أخفيها من نفسي فكيف أظهرها لك قال المبرد هذا على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء قال كتمته حتى من نفسي أي لم أطلع عليه أحدا فبالغ سبحانه في إخفاء الساعة و ذكره بأبلغ ما تعرفه العرب و قال أبو عبيدة معنى أخفيها أظهرها و دخلت أكاد تأكيدا و المعنى يوشك أن أقيمها « لتجزى كل نفس بما تسعى » أي بما تعمل من خير و شر و لينتصف من الظالم للمظلوم « فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها » أي لا يصرفنك عن الصلاة من لا يؤمن بالساعة و قيل معناه لا يمنعك عن الإيمان بالساعة من لا يؤمن بها و قيل عن العبادة و دعاء الناس إليها و قيل عن هذه الخصال « و اتبع هواه » و الهوى ميل النفس إلى الشيء و معناه و من بنى الأمر على هوى النفس دون الحق و ذلك أن الدلالة قد قامت على قيام الساعة « فتردى » أي فتهلك كما هلك أي إن صددت عن الساعة بترك التأهب لها هلكت و الخطاب و إن كان لموسى (عليه السلام) فهو في الحقيقة لسائر المكلفين و في هذه الآيات دلالة على أن الله تعالى كلم موسى و أن كلامه محدث لأنه حل الشجرة و هي حروف منظومة .
وَ مَا تِلْك بِيَمِينِك يَمُوسى(17) قَالَ هِىَ عَصاى أَتَوَكؤُا عَلَيهَا وَ أَهُش بهَا عَلى غَنَمِى وَ لىَ فِيهَا مَئَارِب أُخْرَى(18) قَالَ أَلْقِهَا يَمُوسى(19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تَسعَى(20) قَالَ خُذْهَا وَ لا تخَف سنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولى(21) وَ اضمُمْ يَدَك إِلى جَنَاحِك تخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيرِ سوء ءَايَةً أُخْرَى(22) لِنرِيَك مِنْ ءَايَتِنَا الْكُبرَى(23) اذْهَب إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغَى(24) قَالَ رَب اشرَحْ لى صدْرِى(25) وَ يَسرْ لى أَمْرِى(26) وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسانى(27) يَفْقَهُوا قَوْلى(28) وَ اجْعَل لى وَزِيراً مِّنْ أَهْلى(29) هَرُونَ أَخِى(30) اشدُدْ بِهِ أَزْرِى(31) وَ أَشرِكْهُ فى أَمْرِى(32) كىْ نُسبِّحَك كَثِيراً(33) وَ نَذْكُرَك كَثِيراً(34) إِنَّك كُنت بِنَا بَصِيراً(35) قَالَ قَدْ أُوتِيت سؤْلَك يَمُوسى(36)

مجمع البيان ج : 7 ص : 12

القراءة

قرأ ابن عامر أشدد بقطع الهمزة و فتحها و أشركه بضمها و الباقون « اشدد » بهمزة الوصل و « أشركه » بالفتح و في الشواذ قراءة عكرمة و أهس بالسين و قراءة أبي البرهسم و أهش بكسر الهاء .

الحجة

الوجه في قراءة أبي عامر أنه جعله خبرا و سائر القراء جعلوه دعاء و ضم الهمزة في أشركه ضعيف جدا لأنه ليس إلى موسى إشراك هارون في النبوة بل ذلك إلى الله تعالى فالوجه فتح الهمزة على الدعاء و من قرأ أهش بكسر الهاء فيمكن أن يكون أراد أهش بضم الهاء أي أكسر الكلاء بها للغنم فجاء بها على يغسل إن كان متعديا كما جاء هر الشيء يهر و يهره إذا كرهه و شد الحبل يشده و يشده و نم الحديث ينمه و أما أهس بالسين فمعناه أسوق و كان ينبغي أن يقول أهس بها غنمي و لكن لما دخل السوق معنى الانتحاء لها و الميل بها عليها استعمل على معها حملا على المعنى .

اللغة

التوكؤ و الاتكاء بمعنى مثل التوقي و الاتقاء و الهش ضرب ورق الشجر ليتساقط و الم آرب الحوائج واحدتها مأربة بضم الراء و فتحها و كسرها عن علي بن عيسى و السيرة و الطريقة من النظائر و معناه مرور الشيء في جهة و أصل الجناح من الجنوح و هو الميل لأن الطائر يميل به في طيرانه و عضد الإنسان جناحه لأن من جهته يميل اليد حيث شاء صاحبها
مجمع البيان ج : 7 ص : 13
و قيل يريد بالجناح الجلب لأن فيه جنوح الأضلاع و قال الراجز :
أضمها للصدر و الجناح قال أبو عبيدة الجناحان الناحيتان و الطغيان تجاوز الحد في العصيان و شرح الصدر توسعة و منه شرح المعنى و هو بسط القول فيه و العقدة جملة مجتمعة يصعب تفكيكها و الحل ضد العقد و نظيره الفصل و القطع و الوزير حامل الثقل عن الرئيس مشتق من الوزر الذي هو الثقل و الأزر الظهر يقال أزرني فلان على أمري أي كان لي ظهرا و منه المئزر لأنه يشد على الظهر و الإزار لأنه يسيل على الظهر و التأزير التقوية و يمكن أن يكون أزر و وزر مثل أرخ و ورخ و أكد و وكد قال امرؤ القيس :
بمحنية قد آزر الضال نبتها
مضم جيوش غانمين و خيب .

الإعراب

« و ما تلك بيمينك » قال الزجاج تلك اسم مبهم يجري مجرى التي و يوصل كما توصل التي و المعنى و ما التي بيمينك و أنشد الفراء :
عدس ما لعباد عليك إمارة
أمنت و هذا تحملين طليق أي و الذي تحملين قال بعض المتأخرين إن الصحيح الذي لا غبار عليه أن يكون تلك مبتدأ و ما خبره قدم عليه لما فيه من معنى الاستفهام و بيمينك الجار و المجرور في موضع نصب على الحال من معنى الفعل في تلك و هو الإشارة قال و إنما قلنا ذلك لأن أسماء الإشارة إنما تبين بصفاتها كما أن الأسماء الموصولة تبين بصلاتها و لا يجوز وصف المبهم بالجملة لأن الجمل نكرات و قوله « فإذا هي حية تسعى » إذا هذه ظرف المفاجاة و هي ظرف مكان تقديره فبالحضرة هي حية و العامل في الظرف تسعى و هذا يدل على إن إذا هاهنا غير مضاف إلى الجملة لأنه لو كان كذلك لم يعمل فيه مما في الجملة شيء لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف و سيرتها انتصب على تقدير سنعيدها إلى سيرتها فحذف الجار .
من غير سوء في موضع نصب على الحال و التقدير تبيض غير برصاء فيه فيكون حالا عن حال .
« آية أخرى » اسم في موضع الحال أيضا و المعنى تخرج بيضاء مبينة قال الزجاج و يجوز أن يكون منصوبة على آتيناك آية أخرى و نؤتيك آية أخرى لأن في قوله « تخرج بيضاء » دليلا على أنه يعطي آية أخرى .
« لنريك » اللام يتعلق بقوله « و اضمم » و المفعول الثاني من نري يجوز أن يكون محذوفا و تقديره لنريك من آياتنا الكبرى آيات و يجوز أن يكون الكبرى صفة محذوف
مجمع البيان ج : 7 ص : 14
و هو المفعول الثاني و التقدير لنريك الآية الكبرى من آياتنا .
« هارون » بدل من قوله « وزيرا » و يجوز أن يكون منصوبا بإضمار فعل كأنه قال أعني هارون أخي أو أستوزر لي هارون لأن وزيرا يدل عليه و أخي صفة لهارون و يجوز أن يكون بدلا منه قال الزجاج يجوز أن يكون هارون مفعولا أول لأجعل و وزيرا مفعولا ثانيا له و على هذا فيكون مثل قوله تعالى « و جعلوا لله شركاء الجن » في أن المفعول الثاني من هذا الباب قد تقدم على المفعول الأول و لو قرأ بالرفع هارون لكان خبر مبتدإ محذوف كأنه قيل من هذا الوزير فقيل هو هارون و كثيرا نعت مصدر محذوف في الموضعين أي تسبيحا كثيرا و ذكرا كثيرا و يجوز أن يكون نعتا لظرف محذوف تقديره نسبحك وقتا كثيرا و نذكرك وقتا كثيرا .

المعنى

ثم بين سبحانه ما أعطي موسى من المعجزات فقال « و ما تلك بيمينك يا موسى » سأله عما في يده من العصا تنبيها له عليها ليقع المعجز بها بعد التثبت فيها و التأمل لها « قال » موسى « هي عصاي أتوكأ عليها » أي أعتمد عليها إذا مشيت و التوكؤ التحامل على العصا في المشي « و أهش بها على غنمي » أي و أخبط بها ورق الشجر لترعاه غنمي « و لي فيها م آرب أخرى » و لم يقل أخر ليوافق رءوس الآي أي حاجات أخرى فنص على اللازم و كنى عن العارض قال ابن عباس كان يحمل عليها زاده و يركزها فيخرج منه الماء و يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل و كان يطرد بها السباع و إذا ظهر عدو حاربت و إذا أراد الاستسقاء من بئر طالت و صارت شعبتاها كالدلو و كان يظهر عليها كالشمعة فتضيء له الليل و كانت تحدثه و تؤنسه و إذا طالت شجرة حناها بمحجنها « قال » الله سبحانه « ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى » أي تمشي بسرعة و قيل صارت حية صفراء لها عرف كعرف الفرس و جعلت تتورم حتى صارت ثعبانا و هي أكبر من الحيات عن ابن عباس و قيل أنه ألقاها و حانت منه نظرة فإذا بأعظم ثعبان نظر إله الناظرون و يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلقمها و تطعن أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فتجثها و عيناه تتوقدان نارا و قد عاد المحجن عنقا فيه شعر مثل النيازك فلما عاين ذلك ولى مدبرا و لم يعقب ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي يا موسى ارجع إلى حيث كنت فرجع و هو شديد الخوف « فقال خذها » بيمينك « و لا تخف سنعيدها سيرتها الأولى » أي سنعيدها إلى الحالة الأولى عصا و على موسى يومئذ مدرعة من صوف قد خلها بخلال فلما أمره سبحانه بأخذها أدلى طرف المدرعة على يده فقال ما لك يا موسى أ رأيت لو أذن الله بما تحاذر أ كانت المدرعة تغني
مجمع البيان ج : 7 ص : 15
عنك شيئا قال لا و لكني ضعيف و من ضعف خلقت و كشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فإذا يده في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ عليها بين الشعبتين عن وهب و قيل كانت العصا من آس الجنة أخرجها آدم (عليه السلام) و توارثها الأنبياء إلى أن بلغ شعيبا فدفعها إلى موسى قال وهب كانت من عوسج و كان طولها عشرة أذرع على مقدار قامة موسى « و أضمم يدك إلى جناحك » معناه و أجمع يدك إلى ما تحت عضدك عن مجاهد و الكلبي و قيل إلى جنبك و قيل أدخلها في جيبك و كنى عن الجنب بالجناح « تخرج بيضاء » لها نور ساطع يضيء بالليل و النهار كضوء الشمس و القمر و أشد ضوءا عن ابن عباس « من غير سوء » من غير برص في قول الجميع قالوا و كان موسى أدم اللون ففعل فخرجت يده كما قال الله ثم ردها فعادت إلى لونها الذي كانت عليه « آية أخرى » أي فنزيدك بها آية أخرى أو تخرج مبينة آية أخرى « لنريك من آياتنا » و حججنا « الكبرى » منها و لو قال الكبر على الجمع وصفا لجميع الآيات لكان جائزا و قيل معناه لنريك من دلالاتنا الكبرى سوى هاتين الدلالتين و قيل إنها هلاك فرعون و قومه فلما حمله سبحانه الرسالة و أراه المعجزات أمره بالتبليغ فقال « اذهب إلى فرعون » فادعه إلي « إنه طغى » أي تجبر و تكبر في كفره « قال » موسى عند ذلك « رب اشرح لي صدري » أي وسع لي صدري حتى لا أضجر و لا أخاف و لا أغتم « و يسر لي أمري » أي سهل علي أداء ما كلفتني من الرسالة و الدخول على الطاغي و دعائه إلى الحق « و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي » أي و أطلق عن لساني العقدة التي فيه حتى يفقهوا كلامي و كان في لسان موسى (عليه السلام) رتة لا يفصح معها بالحروف شبه التمتمة و قيل إن سبب تلك العقدة في لسانه جمرة طرحها في فيه و ذلك لما أراد فرعون قتله لأنه أخذ بلحية فرعون و نتفها و هو طفل فقالت آسية بنت مزاحم لا تفعل فإنه صبي لا يعقل و علامة جهله أنه لا يميز بين الدرة و الجمرة فأمر فرعون حتى أحضر الدرة و الجمرة بين يديه فأراد موسى أن يأخذ الدرة فصرف جبرائيل يده إلى الجمرة فأخذها و وضعها في فيه فاحترق لسانه عن سعيد بن جبير و مجاهد و السدي و قيل إنه انحل ما كان بلسانه إلا بقية منه بدلالة قوله « و لا يكاد يبين » عن الجبائي و قيل استجاب الله تعالى دعاءه فأحل العقدة عن لسانه عن الحسن و هو الصحيح لقوله سبحانه « أوتيت سؤلك يا موسى » و معنى قوله « و لا يكاد يبين » أي لا يأتي ببيان و حجة و إنما قالوا ذلك تمويها ليصرفوا الوجوه عنه « و اجعل لي وزيرا » يؤازرني على المضي إلى فرعون و يعاضدني عليه و قيل اجعل لي معاونا أتقوى به
مجمع البيان ج : 7 ص : 16
و برأيه و مشاورته و قال « من أهلي » لأنه إذا كان الوزير من أهله كان أولى ببذل النصح له ثم بين الوزير و فسره فقال « هارون أخي » و كان أخاه لأبيه و أمه و كان بمصر « اشدد به أزري » أي قو به ظهري و أعني به « و أشركه في أمري » أي أجمع بيني و بينه في النبوة ليكون أحرص على مؤازرتي لم يقتصر على سؤال الوزارة حتى سأل أن يكون شريكه في النبوة و لو لا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة و إنما سمي الوزير وزيرا لأنه يعين الأمير على ما هو بصدده من الأمور أخذ من المؤازرة التي هي المعاونة و قيل إنما سمي وزيرا لأنه يتحمل الثقل عن الأمير من الوزر الذي هو الثقل و قيل لأنه يلتجىء الأمير إليه فيما يعرض له من الأمور من الوزر الذي هو الملجأ قالوا إن هارون كان أكبر من موسى بثلاث سنين و أتم طولا و أبيض جسما و أكثر لحما و أفصح لسانا و مات قبل موسى بثلاث سنين « كي نسبحك كثيرا » أي ننزهك عما لا يليق بك بين (عليه السلام) أنه إنما سأل هذه الحاجات ليتوصل بها إلى طاعة ربه و عبادته و تأدية رسالته لا للرياسة « و نذكرك كثيرا » أي نحمدك و نثني عليك بما أوليتنا من نعمك و مننت به علينا من تحميل رسالتك « إنك كنت بنا بصيرا » أي بأحوالنا و أمورنا عالما و قيل بصيرا باحتياجنا في النبوة إلى هذه الأشياء « قال » الله سبحانه إجابة له « قد أوتيت سؤلك » أي قد أعطيت مناك و طلبتك « يا موسى » فيما سألته و السؤال المنى و المراد فيما يسأله الإنسان و قال الصادق حدثني أبي عن جدي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى بن عمران خرج يقتبس لأهله نارا فكلمه الله عز و جل فرجع نبيا و خرجت ملكة سبإ كافرة فأسلمت مع سليمان و خرج سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون فرجعوا مؤمنين .
وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْك مَرَّةً أُخْرَى(37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلى أُمِّك مَا يُوحَى(38) أَنِ اقْذِفِيهِ فى التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالساحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوُّ لى وَ عَدُوُّ لَّهُ وَ أَلْقَيْت عَلَيْك محَبَّةً مِّنى وَ لِتُصنَعَ عَلى عَيْنى(39) إِذْ تَمْشى أُخْتُك فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَك إِلى أُمِّك كىْ تَقَرَّ عَيْنهَا وَ لا تحْزَنَ وَ قَتَلْت نَفْساً فَنَجَّيْنَك مِنَ الْغَمِّ وَ فَتَنَّك فُتُوناً فَلَبِثْت سِنِينَ فى أَهْلِ مَدْيَنَ ثمَّ جِئْت عَلى قَدَر يَمُوسى(40) وَ اصطنَعْتُك لِنَفْسى(41) اذْهَب أَنت وَ أَخُوك بِئَايَتى وَ لا تَنِيَا فى ذِكْرِى(42) اذْهَبَا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغَى(43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخْشى(44)

مجمع البيان ج : 7 ص : 17

القراءة

قرأ أبو جعفر و لتصنع بالجزم و الباقون بكسر اللام و النصب و في الشواذ قراءة أبي نهيك و لتصنع بكسر اللام و فتح التاء .

الحجة

قوله « و لتصنع » بالجزم مثل قولهم و لتعن بحاجتي فالمأمور غائب غير مخاطب لأن العاني بالحاجة غير المخاطب و ليس ذلك مثل قوله « فليفرحوا » فإن المأمور هناك مخاطب به « و لتصنع على عيني » قال أحمد بن يحيى معناه لتكون حركتك و تصرفك على عين مني و قراءة الفراء « و لتصنع على عيني » بضم التاء و فتح العين معناه لتربى و تغذى بمرأى مني .

اللغة

أصل المن القطع و منه أجر غير ممنون و حبل منين أي منقطع فالمن نعمة تقطع لصاحبها من غيره و المرة الكرة الواحدة من المر و القذف الطرح و اليم البحر و الاصطناع افتعال من الصنع و الصنع اتخاذ الخير لصاحبه و ونى في الأمر يني ونيا و ونى ذا افتر فهو وان و متوان فيه قال العجاج :
فما ونى محمد مذ أن غفر
له الإله ما مضى و ما غبر .

الإعراب

مرة و يحتمل أن يكون مصدرا و يحتمل أن يكون ظرفا و يكون التقدير مرة أخرى أو وقتا آخر .
« ما يوحى » ما مصدرية و تقديره و أوحينا إلى أمك إيحاء و « إن اقذفيه » في موضع نصب بأنه مفعول أوحينا و لتصنع اللام يتعلق بالقيت أي لتربى « و لتصنع » و قوله « على قدر » في موضع النصب على الحال و تقديره جئت مقدرا ما قدر لك .

المعنى

لما أخبر سبحانه موسى بأنه آتاه طلبته و أعطاه سؤله عدد عقيبه ما تقدم ذلك من نعمه عليه و مننه لديه فقال « و لقد مننا عليك مرة أخرى » أي أنعمنا عليك من صغرك إلى كبرك جارية نعمتنا عليك متوالية فإجابتنا الآن دعاك تلوها ثم فسر سبحانه تلك النعمة فقال « إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى » أي حين أوحينا إلى أمك أي ألهمناها ما يلهم و هو ما
مجمع البيان ج : 7 ص : 18
كان فيه سبب نجاتك من القتل حتى عنيت بأمرك و قيل كانت رأت في المنام عن الجبائي ثم فسر ذلك الإيحاء فقال « أن اقذفيه في التابوت » أي اجعليه فيه بأن ترميه فيه « فاقذفيه في اليم » يريد النيل « فليلقه اليم بالساحل » و هو شط البحر لفظه أمر فكأنه أمر البحر كما أمر أم موسى و المراد به الخبر و المعنى حتى يلقيه البحر بالشط « يأخذه عدو لي و عدو له » يعني فرعون كان عدوا لله و لأنبيائه و عدوا لموسى خاصة لتصوره إن ملكه ينقرض على يده و كانت هذه المنة من الله سبحانه على موسى أن فرعون كان يقتل غلمان بني إسرائيل ثم خشي أن يفنى نسلهم فكان يقتل بعد ذلك في سنة و لا يقتل في سنة فولد موسى في السنة التي كان يقتل الغلمان فيها فنجاه الله تعالى منه « و ألقيت عليك محبة مني » أي جعلتك بحيث يحبك من يراك حتى أحبك فرعون فسلمت من شره و أحبتك امرأته آسية بنت مزاحم فتبنتك و ربتك في حجرها عن عكرمة و قيل معناه حببتك إلى عبادي فلا يلقاك أحد مؤمن و لا كافر إلا أحبك عن ابن عباس و هذا كما يقال ألبسه الله جمالا و ألقى عليه جمالا و قال قتادة ملاحة كانت في عين موسى فما رآه أحد إلا عشقه « و لتصنع على عيني » أي لتربى و تغذى بمرأى مني أي يجري أمرك على ما أريد بك من الرفاهة في غذائك عن قتادة و ذلك أن من صنع لإنسان شيئا و هو ينظر إليه صنعه كما يحب و لا يتهيأ له خلافه و قيل لتربى و يطلب لك الرضاع على علم مني و معرفة لتصل إلى أمك عن الجبائي و قيل لتربى و تغذى بحياطتي و كلاءتي و حفظي كما يقال في الدعاء بالحفظ و الحياطة عين الله عليك عن أبي مسلم « إذ تمشي أختك فتقول » الظرف يتعلق بتصنع و المعنى و لتصنع على عيني قدرنا مشي أختك و قولها « هل أدلكم على من يكفله » لأن هذا كان من أسباب تربية موسى على ما أراده الله و هو قوله « إذ تمشي أختك » يعني حين قالت لها أم موسى قصيه فاتبعت موسى على إثر الماء و ذلك أن أم موسى اتخذت تابوتا و جعلت فيه قطنا و وضعته فيه و ألقته في النيل و كان يشرع من النيل نهر كبير في باغ فرعون فبينا هو جالس على رأس البركة مع امرأته آسية إذ التابوت يجيء على رأس الماء فأمر بإخراجه فلما فتحوا رأسه إذا صبي به من أحسن الناس وجها فأحبه فرعون بحيث لا يتمالك و جعل موسى يبكي و يطلب اللبن فأمر فرعون حتى أتته النساء اللاتي كن حول داره فلم يأخذ موسى من لبن واحدة منهن و كانت أخت موسى واقفة هناك إذا أمرتها أمها أن تتبع التابوت فقالت إني آتي بامرأة ترضعه و ذلك قوله « فتقول هل أدلكم على من يكفله » أي أدلكم على امرأة تربيه و ترضعه و هي ناصحة له فقالوا نعم فجاءت بالأم فقبل ثديها فذلك قوله « فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها » برؤيتك و بقائك « و لا تحزن » من خوف قتله أو غرقه و ذلك أنها حملته إلى بيتها آمنة مطمئنة قد جعل لها
مجمع البيان ج : 7 ص : 19
فرعون أجرة على الرضاع « و قتلت نفسا » كان قتل قبطيا كافرا عن ابن عباس و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال رحم الله أخي موسى قتل رجلا خطأ و كان ابن اثنتي عشرة سنة « فنجيناك من الغم » أي من غم القتل و كربه لأنه خاف أن يقتصوا منه بالقبطي فالمعنى خلصناك من غم القصاص و آمناك من الخوف « و فتناك فتونا » أي اختبرناك اختبارا و معناه أنا عاملناك معاملة المختبر حتى خلصت للاصطفاء بالرسالة و كان هذا من أكبر نعمه سبحانه عليه و قيل معناه و خلصناك من محنة بعد محنة منها أنه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح الأطفال فيها ثم إلقاؤه في اليم ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه ثم جره لحية فرعون حتى هم بقتله ثم تناوله الجمرة بدل الدرة فدرأ ذلك عنه قتل فرعون ثم مجيء رجل من شيعته يسعى ليخبره بما عزموا عليه من قتله عن ابن عباس فعلى هذا يكون المعنى و خلصناك من المحن تخليصا و قيل معناه و شددنا عليك التعمد في أمر المعاش حتى رعيت لشعيب عشر سنين ثم بين ذلك فقال « فلبثت سنين في أهل مدين » أي لبثت فيهم حين كنت راعيا لشعيب « ثم جئت على قدر يا موسى » أي في الوقت الذي قدر لإرسالك نبيا قال الشاعر :
نال الخلافة أو كانت له قدرا
كما أتى ربه موسى على قدر و قيل معناه جئت على الوقت الذي يوحى فيه إلى الأنبياء و هو على رأس أربعين سنة و قيل على المقدار الذي قدره الله لمجيئك و كتبه في اللوح المحفوظ و المعنى جئت في الوقت الذي قدره الله لكلامك و نبوتك و الوحي إليك « و اصطنعتك لنفسي » أي لوحيي و رسالتي عن ابن عباس و المعنى اخترتك و اتخذتك صنيعتي و أخلصتك لتنصرف على إرادتي و محبتي و إنما قال لنفسي لأن المحبة أخص شيء بالنفس و تبليغه الرسالة و قيامه بأدائها تصرف على إرادة الله و محبته و قيل معناه اخترتك لإقامة حجتي و جعلتك بيني و بين خلقي حتى صرت في التبليغ عني بالمنزلة التي أنا أكون بها لو خاطبتهم و احتججت عليهم عن الزجاج « اذهب أنت و أخوك ب آياتي » أي بحججي و دلالاتي و قيل بالآيات التسع عن ابن عباس « و لا تنيا في ذكري » أي و لا تضعفا في رسالتي عن ابن عباس و قيل و لا تفترا في أمري عن السدي و قيل و لا تقصرا عن محمد بن كعب أي لا يحملنكما خوف فرعون على أن تقصرا في أمري « اذهبا إلى فرعون » كرر الأمر بالذهاب للتأكيد و قيل إن في الأول خص موسى بالأمر و في الثاني أمرهما ليصيرا نبيين و شريكين في الأمر ثم بين من يذهبان إليه « أنه
مجمع البيان ج : 7 ص : 20
طغى » أي جاوز الحد في الطغيان « فقولا له قولا لينا » أي ارفقا به في الدعاء و القول و لا تغلظا له في ذلك عن ابن عباس و قيل معناه كنياه عن السدي و عكرمة و كنيته أبو الوليد و قيل أبو العباس و قيل أبو مرة و قيل إن القول اللين هو هل لك إلى أن تزكى و أهديك إلى ربك فتخشى عن مقاتل و قيل هو أن موسى أتاه فقال له تسلم و تؤمن برب العالمين على أن لك شبابك فلا تهرم و تكون ملكا لا ينزع الملك منك حتى تموت و لا تنزع منك لذة الطعام و الشراب و الجماع حتى تموت فإذا مت دخلت الجنة فأعجبه ذلك و كان لا يقطع أمرا دون هامان و كان غائبا فلما قدم هامان أخبره بالذي دعاه إليه و أنه يريد أن يقبل منه فقال هامان قد كنت أرى أن لك عقلا و إن لك رأيا بينا أنت رب و تريد أن تكون مربوبا و بينا أنت تعبد و تريد أن تعبد فقلبه عن رأيه و كان يحيى بن معاذ يقول هذا رفقك بمن يدعي الربوبية فكيف رفقك بمن يدعي العبودية « لعله يتذكر أو يخشى » أي ادعواه على الرجاء و الطمع لا على اليأس من فلاحه فوقع التعبد لهما على هذا الوجه لأنه أبلغ لهما في دعائه إلى الحق قال الزجاج و المعنى في هذا عند سيبويه اذهبا على رجائكما و طمعكما و العلم من الله قد أتى من وراء ما يكون و إنما يبعث الرسل و هم يرجون و يطمعون أن يقبل منهم و المراد بيان الغرض بالبعثة أي ليتذكر ما أغفل عنه من ربوبية الله تعالى و عبودية نفسه و يخشى العقاب و الوعيد في قوله سبحانه « فقولا له قولا لينا » على دلالة و جواب يرفق في الدعاء إلى الله و في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ليكون أسرع إلى القبول و أبعد من النفور و قيل إن هارون كان بمصر فلما أوحى الله تعالى إلى موسى أن يأتي مصر أوحى إلى هارون أن يتلقى موسى فتلقاه على مرحلة ثم ائتمرا و ذهبا إلى فرعون .
قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نخَاف أَن يَفْرُط عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطغَى(45) قَالَ لا تخَافَا إِنَّنى مَعَكمَا أَسمَعُ وَ أَرَى(46) فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسولا رَبِّك فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنى إِسرءِيلَ وَ لا تُعَذِّبهُمْ قَدْ جِئْنَك بِئَايَة مِّن رَّبِّك وَ السلَمُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُْدَى(47) إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَاب عَلى مَن كَذَّب وَ تَوَلى(48) قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَمُوسى(49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِى أَعْطى كلَّ شىْء خَلْقَهُ ثمَّ هَدَى(50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولى(51) قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبى فى كِتَب لا يَضِلُّ رَبى وَ لا يَنسى(52) الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض مَهْداً وَ سلَك لَكُمْ فِيهَا سبُلاً وَ أَنزَلَ مِنَ السمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَجاً مِّن نَّبَات شتى(53) كلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعَمَكُمْ إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت لأُولى النُّهَى(54) * مِنهَا خَلَقْنَكُمْ وَ فِيهَا نُعِيدُكُمْ وَ مِنهَا نخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى(55) وَ لَقَدْ أَرَيْنَهُ ءَايَتِنَا كلَّهَا فَكَذَّب وَ أَبى(56)

مجمع البيان ج : 7 ص : 21

القراءة

قرأ نصر عن الكسائي خلقه بفتح اللام و الباقون « خلقه » بسكون اللام و قرأ أهل الكوفة و روح و زيد عن يعقوب « مهدا » و الباقون مهادا بالألف .

الحجة

من قرأ « أعطى كل شيء خلقه » فالمعنى أعطى كل شيء صورته أي خلق كل حيوان على صورة أخرى ثم هداه و من قرأ خلقه بفتح اللام فإنه جملة من الفعل و الفاعل في موضع جر بأنه صفة شيء و المفعول الثاني لأعطى محذوف فكأنه أعطى كل شيء مخلوق ما أوجبه تدبيره ثم هداه السبيل و المهد مصدر كالفرش و المهاد كالفراش و البساط في قوله جعل لكم الأرض فراشا و في موضع آخر بساطا و يجوز أن يكون المهد استعمل استعمال الأسماء فجمع كما يجمع فعل على فعال و الأول أبين .

اللغة

الفرط التقدم و منه الفارط المتقدم إلى الماء قال قد فرط العجل علينا و عجل و منه الإفراط الإسراف لأنه تقدم بين يدي الحق و التفريط التقصير لأنه تأخر عما يجب فيه التقدم قال الزجاج القرن أهل كل عصر فيهم نبي أو إمام أو عالم يقتدى به فإن لم يكن واحد منهم لم يسم قرنا و النهي جمع نهية و إنما قيل لأولي العقول أولو النهى لأنهم ينهون الناس عن القبائح و قيل لأنه ينتهي إلى آرائهم .

الإعراب

« اسمع » جملة في موضع الرفع بكونها خبرا بعد خبر و يجوز أن يكون في موضع النصيب على الحال .
« علمها عند ربي في كتاب » .
علمها مبتدأ و في كتاب خبره و عند
مجمع البيان ج : 7 ص : 22
ربي معمول الخبر و تقديره علمها ثابت في كتاب عند ربي و يجوز أن يكون قوله « عند ربي » صفة لكتاب فلما تقدم انتصب على الحال تقديره في كتاب ثابت عند ربي و يجوز أن يكون عند ربي الخبر و في كتاب بدل منه و يجوز أن يكون خبرا بعد خبر و قوله « لا يضل ربي » تقدير لا يضل ربي عنه فحذف الجار و المجرور كما حذف من قوله « و اتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا » أي فيه .
« الذي جعل لكم الأرض » .
يجوز أن يكون في موضع جر بأنه صفة ربي و يجوز أن يكون في موضع رفع بأن يكون خبر مبتدإ محذوف .
« من نبات » في موضع نصب صفة لقوله « أزواجا » و « شتى » صفة له أيضا فهي صفة بعد صفة و تارة منصوبة على المصدر .

المعنى

لما أمر الله سبحانه موسى و هارون أن يمضيا إلى فرعون و يدعواه إليه « قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا » أي نخشى أن يتقدم فينا بعذاب و يعجل علينا « أو أن يطغى » أي يجاوز الحد في الإساءة بنا و قيل معناه أنا نخاف أن يبادر إلى قتلنا قبل أن يتأمل حجتنا أو أن يزداد كفرا إلى كفره بردنا « قال لا تخافا إنني معكما » بالنصرة و الحفظ معناه إني ناصركما و حافظكما « أسمع » ما يسأله عنكما فألهمكما جوابه « و أرى » ما يقصدكما به فأدفعه عنكما فهو مثل قوله « فلا يصلون إليكما » ثم فسر سبحانه ما أجمله فقال « فأتياه » أي فأتيا فرعون « فقولا إنا رسولا ربك » أي أرسلنا إليك خالقك بما ندعوا إليه « فأرسل معنا بني إسرائيل » أي أطلقهم و أعتقهم عن الاستعباد « و لا تعذبهم » بالاستعمال في الأعمال الشاقة « قد جئناك ب آية من ربك » أي بدلالة واضحة و معجزة لائحة من ربك تشهد لنا بالنبوة « و السلام على من اتبع الهدى » قال الزجاج لم يرد بالسلام هنا التحية و إنما معناه إن من اتبع الهدى سلم من عذاب الله و يدل عليه قوله بعده « أنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب و تولى » أي إنما يعذب الله سبحانه من كذب بما جئنا به و أعرض عنه فأما من اتبعه فإنه يسلم من العذاب و هاهنا حذف و هو فأتياه فقالا له ما أمرهما الله تعالى به ثم « قال » لهما فرعون « فمن ربكما » أي فمن ربك و ربه « يا موسى » و إنما قال ربكما على تغليب الخطاب و قيل تقديره فمن ربكما يا موسى و هارون فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر اختصارا و لتسوي رءوس الآي و أراد به فمن أي جنس من الأجناس ربكما حتى أفهمه فبين موسى أنه تعالى ليس له جنس و إنما يعرف سبحانه بأفعاله « قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه » معناه أعطى كل شيء خلقته أي صورته التي قدرها له « ثم هدى » أي هداه إلى مطعمه و مشربه و منكحه و غير ذلك من ضروب هدايته عن مجاهد و عطية و مقاتل و قيل معناه أعطى كل شيء مثل خلقه أي زوجة من جنسه ثم هداه لنكاحه عن ابن عباس
مجمع البيان ج : 7 ص : 23
و السدي و قيل معناه أعطى خلقه كل شيء من النعم في الدنيا مما يأكلون و يشربون و ينتفعون به ثم هداهم إلى طرق معايشهم و إلى أمور دينهم ليتوصلوا بها إلى نعم الآخرة عن الجبائي « قال » فرعون « فما بال القرون الأولى » أي فما حال الأمم الماضية فإنها لم تقر بالله و ما تدعو إليه بل عبدت الأوثان و يعني بالقرون الأولى مثل قوم نوح و عاد و ثمود ف « قال » موسى « علمها عند ربي » أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازيهم بها و التقدير علم أعمالهم لها عند ربي « في كتاب » يعني اللوح المحفوظ و المعنى أن أعمالهم مكتوبة مثبتة عليهم و قيل المراد بالكتاب ما يكتبه الملائكة و قيل أيضا أن فرعون إنما قال فما بال القرون الأولى حين دعاه موسى إلى الإقرار بالبعث أي فما بالهم لم يبعثوا « لا يضل ربي » أي لا يذهب عليه شيء و قيل معناه لا يخطىء ربي « و لا ينسى » من النسيان عن أبي مسلم أي لا ينسى ما كان من أمرهم بل يجازيهم بأعمالهم و قيل معناه لا يغفل و لا يترك شيئا عن السدي ثم زاد في الأخبار عن الله تعالى فقال « الذي جعل لكم الأرض مهدا » أي فرشا و مهادا أي فراشا « و سلك لكم فيها سبلا » و السلك إدخال الشيء في الشيء و المعنى أدخل لكم أي لأجلكم في الأرض طرقا تسلكونها و قال ابن عباس سهل لكم فيها طرقا « و أنزل من السماء ماء » يعني المطر و تم الإخبار عن موسى ثم أخبر الله سبحانه عن نفسه فقال موصولا بما قبله من الكلام « فأخرجنا به » أي بذلك الماء « أزواجا » أي أصنافا « من نبات شتى » أي مختلفة الألوان أحمر و أبيض و أخضر و أصفر و كل لون منها زوج و قيل مختلفة الألوان و الطعوم و المنافع فمنها ما يصلح لطعام الإنسان و منها ما يصلح للتفكه و منها ما يصلح لغير الإنسان من أصناف الحيوان « كلوا » أي مما أخرجنا لكم بالمطر من النبات و الثمار « و ارعوا أنعامكم » أي و أسيموا مواشيكم فيما أنبتناه بالمطر و اللفظ للأمر و المراد الإباحة و التذكير بالنعمة « إن في ذلك » أي فيما ذكر « لآيات » أي دلالات « لأولي النهى » أي لذوي العقول الذين ينتهون عما حرم الله عليهم عن الضحاك و قيل لذوي الورع عن قتادة و قيل لذوي التقى عن ابن عباس « منها خلقناكم » أي من الأرض خلقنا أباكم آدم (عليه السلام) « و فيها نعيدكم » أي و في الأرض نعيدكم إذا أمتناكم « و منها نخرجكم تارة أخرى » أي دفعة أخرى إذا حشرناكم « و لقد أريناه » يعني فرعون « آياتنا كلها » يعني الآيات التسع أي معجزاتنا الدالة على نبوة موسى « فكذب » بجميع ذلك « و أبى » أن يؤمن به و قيل معناه فجحد الدليل و أبى القبول و لم يرد سبحانه بذلك جميع آياته التي يقدر عليها و لا كل آية خلقها و إنما أراد كل الآيات التي أعطاها موسى .

النظم

و وجه اتصال قوله فما بال القرون الأولى بما قبله من الدعاء إلى
مجمع البيان ج : 7 ص : 24
التوحيد أن فرعون لما ظهرت المعجزات و دلائل التوحيد على يد موسى تحير و خاف الفضيحة فأقبل على نوع آخر من السؤال تلبيسا و كثيرا ما يفعل ذلك أهل البدع عند ظهور الحجة و قيل لما دعاه موسى إلى الإقرار بالبعث قال فما بال أولئك القرون لم يبعثوا .
قَالَ أَ جِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِك يَمُوسى(57) فَلَنَأْتِيَنَّك بِسِحْر مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَك مَوْعِداً لا نخْلِفُهُ نحْنُ وَ لا أَنت مَكاناً سوًى(58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَ أَن يحْشرَ النَّاس ضحًى(59) فَتَوَلى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كيْدَهُ ثمَّ أَتى(60) قَالَ لَهُم مُّوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْترُوا عَلى اللَّهِ كذِباً فَيُسحِتَكم بِعَذَاب وَ قَدْ خَاب مَنِ افْترَى(61) فَتَنَزَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَ أَسرُّوا النَّجْوَى(62) قَالُوا إِنْ هَذَنِ لَسحِرَنِ يُرِيدَانِ أَن يخْرِجَاكم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَ يَذْهَبَا بِطرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى(63) فَأَجْمِعُوا كيْدَكُمْ ثمَّ ائْتُوا صفًّا وَ قَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ استَعْلى(64) قَالُوا يَمُوسى إِمَّا أَن تُلْقِىَ وَ إِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى(65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالهُُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنهَا تَسعَى(66)

القراءة

قرأ أبو جعفر لا نخلفه بالجزم و الباقون بالرفع و قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو و الكسائي سوى بكسر السين و الباقون بضمها و قرأ يوم الزينة بالنصب هبيرة عن حفص و هي قراءة الحسن و الأعمش و الثقفي و الباقون « يوم الزينة » بالرفع و قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر و رويس « فيسحتكم » بضم الياء و كسر الحاء و الباقون فيسحتكم بفتح الياء و الحاء و قرأ أبو عمرو
 

 
  Index Next