جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج7 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 

مجمع البيان ج : 7 ص : 25
أن هذين و قرأ ابن كثير و حفص « أن هذان » خفيف و قرأ الباقون أن هذان و ابن كثير وحده يشدد النون من هذان و قرأ أبو عمرو فاجمعوا بوصل الهمزة و فتح الميم و الباقون « فأجمعوا » بقطع الهمزة و كسر الميم و قرأ ابن عامر و روح و زيد تخيل إليه بالتاء و هو قراءة الحسن و الثقفي و الباقون « يخيل » بالياء .

الحجة و الإعراب

فأما قوله لا نخلفه بالجزم فإنه يكون على جواب الأمر و القراءة المشهورة بالرفع على أن يكون « لا نخلفه » في موضع النصب بكونه صفة لقوله « موعدا » و هو الظاهر و أما قوله « سوى » فإنه المكان النصف فيما بين الفريقين قال موسى بن جابر :
وجدنا أبانا كان حل ببلدة
سوى بين قيس قيس عيلان و الفزر قال أبو علي قوله « سوى » فعل من التسوية فكان المعنى مكانا مستويا مسافته على الفريقين فيكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق الآخر و هذا بناء يقل في الصفات و مثله قوم عدى فأما فعل فهو في الصفات أكثر قالوا دليل ختع و مال لبد و رجل حطم و أما انتصاب قوله « مكانا » فلا يخلو من أن يكون مفعولا للموعد أما على أنه مفعول به أو على أنه ظرف له أو يكون منتصبا بأنه المفعول الثاني و لا يجوز الأول و لا الثاني لأن الموعد قد وصف بالجملة التي هي لا نخلفه نحن و إذا وصف لم يجز أن يعمل عمل الفعل لاختصاصه بالصفة و لأنه إذا عطف عليه لم يجز أن يتعلق به بعد العطف عليه شيء منه و كذلك إذا أخبر عنه لم يجز أن يقع بعد الخبر عنه شيء يتعلق بالمخبر عنه لم يجز سيبويه هذا ضارب ظريف زيدا و لا هذا ضويرب زيدا إذا حقر اسم الفاعل لأن التحقير في تخصيصه الاسم بمنزلة إجراء الوصف عليه و قد جاء من ذلك شيء في الشعر قال بشر بن أبي حازم :
إذا فاقد خطباء فرخين رجعت
ذكرت سليمى في الخليط المباين و يحتمل ذلك على إضمار فعل آخر كما ذهبوا إليه في نحو قول الشاعر :
مجمع البيان ج : 7 ص : 26

إن العرارة و النبوح لدارم

و المستخف أخوهم الأثقالا فإذا لم يجز ذلك كان مفعولا ثانيا لقوله « فاجعل » فيكون بمنزلة قوله « جعلوا القرآن عضين » و نحوه و أما يوم الزينة فمن نصبه فعلى الظرف كما تقول قيامك يوم الجمعة فالموعد إذا هنا مصدر و الظرف بعده خبر عنه قال ابن جني و هو عندي على حذف المضاف أي إن إنجاز موعدنا إياكم في ذلك اليوم أ لا ترى أنه لا يراد أنه في ذلك اليوم يعدكم لأن الموعد قد وقع الآن و إنما يتوقع إنجازه في ذلك اليوم لكن في قوله « و أن يحشر الناس ضحى » نظر و ظاهر حاله أن يكون مجرور الموضع حتى كأنه قال انتظروا موعدكم يوم الزينة و حشر الناس ضحى أي يوم هذا و لهذا فيكون أن يحشر معطوفا على الزينة و قد يجوز أن يكون مرفوع الموضع عطفا على الموعد فكأنه قال إنجاز موعدكم و حشر الناس ضحى في يوم الزينة أي هذان الفعلان في يوم الزينة و أما من رفع « يوم الزينة » فإن الموعد عنده ينبغي أن يكون زمانا فكأنه قال وقت وعدكم يوم الزينة كقولنا مبعث الجيوش شهر كذا أي وقت بعثها حينئذ و العطف عليه بقوله « و أن يحشر الناس ضحى » يؤكد الرفع لأن أن لا يكون ظرفا بل هو حرف موصول في معنى المصدر و ينبغي أن يكون على حذف المضاف أي وقت وعدكم يوم الزينة و وقت حشر الناس ضحى كما أن قولك ورودك مقدم الحاج إنما هو على حذف المضاف أي وقت قدوم الحاج و أما قوله « فيسحتكم » فإن سحت و أسحت بمعنى قال الفرزدق :
و عض زمان يا ابن مروان لم يدع
من المال إلا مسحتا أو مجلف و فسر لم يدع على أنه بمعنى لم يبق و أما قوله إن هذان لساحران فمن قرأ بتشديد النون من إن و الألف من هذان فقد قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن إن بمعنى نعم و أنشدوا شعرا :
بكر العواذل في الضحى
يلحينني و ألومهنه
و يقلن شيب قد علاك
و قد كبرت فقلت إنه فعلى هذا يكون تقديره نعم هذان لساحران و هذا لا يصح لأن إن إذا كانت بمعنى نعم
مجمع البيان ج : 7 ص : 27
ارتفع ما بعدها بالابتداء و الخبر و اللام لا يدخل على خبر مبتدإ جاء على أصله و أما ما أنشد في ذلك من قوله :
خالي لأنت و من جرير خاله
ينل العلاء و يكرم الأخوالا و قوله :
أم الحليس لعجوز شهربة
ترضى من اللحم بعظم الرقبة فمحمول على الشذوذ و الضرورة و أيضا فإن أبا علي قال ما قيل إن في الآية لا يقتضي أن يكون جوابه نعم لأنك إن جعلته جوابا لقول موسى (عليه السلام) ويلكم لا تفتروا على الله كذبا قالوا نعم هذان ساحران كان محالا و إن جعلته على تقدير فتنازعوا أمرهم بينهم و أسروا النجوى قالوا نعم هذان لساحران كان محالا أيضا ( و ثانيها ) ما قاله الزجاج أن تقديره نعم هذان لهما ساحران فاللام دخل على مبتدإ محذوف و هذا أيضا مثل الأول لما قلناه و لأن سيبويه قال نعم عدة و تصديق و أن يصرف إلى الناصبة للاسم أولى و هو قراءة أبي عمرو و عيسى بن عمرو قال أبو علي هذا الذي قاله الزجاج لا يتجه لأمرين ( أحدهما ) أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع أن يستمر هذا التأويل فيه و لم يحمله مع ذلك عليه ( و الآخر ) أن التأكيد باللام لا يتعلق به الحذف أ لا ترى أن الأوجه في الزينة أن تم الكلام و لا يحذف ثم يؤكد فليس باللائق في التدبر ( و ثالثها ) ما قاله المتقدمون من النحويين إن التقدير أنه هذان لساحران فحذف ضمير القصة و هذا أيضا فيه نظر من أجل دخول اللام في الخبر و لأن إضمار الهاء بعد إن إنما يأتي في ضرورة الشعر نحو قوله :
إن من لام في بني بنت حسان
ألمه و أعصه في الخطوب و قوله :
إن من يدخل الكنيسة يوما
يلق فيها جاذرا و ظباء ( و رابعها ) ما قاله علي بن عيسى و هو أن إن لما كانت مشبهة بالفعل و ليست بأصل في العمل ألغيت هاهنا كما تلغى إذا خففت و هذا غير مستقيم أيضا لأن الإلغاء في إن ما رأيناه في غير هذا الموضع و أيضا فإنها قد أعملت مخففة في قوله تعالى « و إن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم » فكيف يجوز إلغاؤها في غير التخفيف و أيضا فقد أعمل اسم الفاعل و المصدر
مجمع البيان ج : 7 ص : 28
لشبههما بالفعل و لا يجوز إلغاؤهما و أيضا فإن اللام يمنع من هذا التأويل لأن أن إذا ألغيت ارتفع ما بعدها بالابتداء و اللام لا يدخل على خبر المبتدأ على ما بيناه ( و خامسها ) إن هذه الألف ليست بألف التثنية و إنما هي ألف هذا زيدت عليها النون و هذا قول الفراء و هو غير صحيح فإنه لا يجوز أن يكون تثنية إلا و يكون لها علم و لو كان على ما زعم لم تنقلب هذه الألف ياء في حال الجر و النصب و يدل على أن هذه الألف للتثنية أن الألف التي كانت في الواحد قد حذفت كما حذفت الياء من الذي و التي إذا قلت اللذان و اللتان ( و سادسها ) و هو أجود ما قيل فيه أن يكون هذان اسم أن بلغة كنانة يقولون أتاني الزيدان و رأيت الزيدان و مررت بالزيدان قال بعض شعرائهم :
واها لريا ثم واها واها
يا ليت عيناها لنا و فاها
و موضع الخلخال من رجلاها
بثمن نعطي به أباها
إن أباها و أبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها و قال آخر :
تزود منا بين أذناه طعنة
دعته إلى هابي التراب عقيم و قال آخر :
فأطرق إطراق الشجاع و لو يرى
مساغا لناباه الشجاع لصما و يقولون ضربته بين أذناه و من يشتري الخفان و قيل أنها لغة لبني الحرث بن كعب و هذا القول اختيار أبي الحسن و أبي علي الفارسي و من قرأ أن هذين لساحران فهو صحيح مستقيم و زيف الزجاج هذه القراءة مخالفتها المصحف و قيل أنه احتج في مخالفته المصحف بما روي أنه من غلط الكاتب و يروون عن عثمان و عائشة أن في هذا القرآن غلطا تستقيمه العرب بالسنتها و هذا غير صحيح عند أهل النظر فإن أبا عمرو و من ذهب من القراء مذهبه لا يقرأ إلا بما أخذه من الثقات من السلف و لا يظن به مع علو رتبته أن يتصرف في كتاب الله من قبل نفسه فيغيره و من قرأ إن هذان بسكون النون من أن و الألف فقد قال الزجاج يقوي هذه القراءة قراءة أبي ما هذان إلا ساحران و روي عنه أيضا أن هذان إلا ساحران و هذا يدل على أنه جعل اللام بمنزلة إلا و العجب أنه بصري المذهب و البصريون ينكرون مجيء اللام بمعنى إلا قالوا
مجمع البيان ج : 7 ص : 29
لو كان كذلك لجاز أن تقول جاءني القوم لزيدا بمعنى إلا زيدا فالوجه الصحيح فيه أنه جعل أن هذه مخففة من الثقيلة و أضمر فيها اسمها و رفع ما بعدها على الابتداء و الخبر و جعل الجملة خبر إن و إذا كانت إن مخففة من الثقيلة لزمتها اللام ليكون فرقا بينها و بين أن النافية و أما تشديد النون في قول ابن كثير ففيه وجهان ( أحدهما ) أن يكون عوضا من ألف هذا التي سقطت من أجل حرف التثنية ( و الآخر ) أن يكون للفرق بين النون التي تدخل على المبهم و النون التي تدخل على المتمكن و ذلك أن هذه إنما وجدت مشددة مع المبهم و أما قوله « فاجمعوا كيدكم » قال أبو الحسن إنما يقولون بالقطع إذا قالوا أجمعوا على كذا فأما إذا قالوا أجمعوا أمركم و أجمعوا كيدكم فلا يقولون إلا بالوصل قال و بالقطع أكثر القراء قال فأما أن يكون لغة في هذا المعنى لأن باب فعلت و أفعلت كثير و أن يكون أجمعوا على كذا ثم قال كيدكم على أمر مستأنف قال أبو علي فإن قيل فقد تقدم ذكر قوله « فجمع كيده » فإذا قيل فاجمعوا كيدكم كان تكريرا قيل لا يكون كذلك لأن ذلك في قصة و هذا في أخرى ذاك إخبار عن فرعون في جمعه كيده و سحره و هذا فيما يتواصى به السحرة في جمع كيدهم و يشبه أن يكون ذلك على لغتين كما ظنه أبو الحسن قال الشاعر :
و أنتم معشر زيدوا على مائة
فاجمعوا أمركم طرا فكيدوني فقوله « فاجمعوا أمركم » بمنزلة فاجمعوا كيدكم لأن كيدهم من أمرهم و أما قوله « يخيل إليه » فمن قرأ بالياء فإنه فعل فارغ و فاعله قوله « إنها تسعى » و من قرأ بالتاء فعلى هذا يكون فاعله الضمير المستكن فيه العائد إلى الحبال و العصي و أنها تسعى في محل الرفع لأنه بدل من ذلك الضمير و هو بدل الاشتمال و يجوز أن يكون موضعه على هذه القراءة نصبا أيضا على معنى يخيل إليه كونها ذات سعي .

المعنى

ثم حكى سبحانه عن فرعون أنه نسب موسى إلى السحر تلبيسا على قومه بأن قال « أ جئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى » أي من أرض مصر « فلناتينك بسحر مثله » أي مثل ما أتيت به « فاجعل بيننا و بينك موعدا لا نخلفه نحن و لا أنت مكانا سوى » أي اضرب بيننا و بينك موعدا مكانا يعد لحضورنا ذلك المكان لا يقع منا في حضوره خلاف ثم وصف المكان بأنه تستوي مسافته على الفريقين و مكانا بدل عن موعد و قيل مكانا سوى أي عدلا بيننا و بينك عن قتادة و قيل منصفا بكون النصف بيننا و بينك عن مجاهد « قال » موسى « موعدكم يوم الزينة » و كان يوم لهم فسمي يوم الزينة لأن الناس يتزينون فيه و يزينون به الأسواق عن مجاهد و قتادة و السدي « و أن يحشر الناس ضحى » يعني ضحى ذلك اليوم و يريد بالناس أهل مصر بقول يحشرون إلى العيد ضحى فينظرون إلى أمري و أمرك فيكون
مجمع البيان ج : 7 ص : 30
ذلك أبلغ في الحجة و أبعد من الشبهة قال الفراء يقول إذ رأيت الناس يحشرون من كل ناحية ضحى فذلك الموعد قال و جرت عادتهم بحشر الناس في ذلك اليوم « فتولي فرعون » أي انصرف و فارق موسى على هذا الوعد « فجمع كيده » أي حيلته و مكره و ذلك جمع السحرة « ثم أتى » أي حضر الموعد « قال لهم موسى » أي قال للسحرة لأنهم أحضروا ما عملوا من السحر ليقابلوا بمعجزة موسى فوعظهم فقال « ويلكم » و هي كلمة وعيد و تهديد معناه ألزمكم الله الويل و العذاب و يجوز أن يكون على النداء نحو يا ويلتا فيكون الدعاء بالويل عليهم و قيل إن ويلكم كلمتان تقديرهما وي لكم فيكون مبتدأ و خبرا أو يكون ويلكم بمنزلة أتعجب لكم « لا تفتروا على الله كذبا » أي لا تشركوا مع الله أحدا عن ابن عباس و قيل لا تكذبوا على الله بأن تنسبوا معجزاتي إلى السحر و سحركم إلى أنه حق و بأن تنسبوا فرعون إلى أنه إله معبود « فيسحتكم » أي يستأصلكم « بعذاب » عن قتادة و السدي و قيل يهلككم عن ابن عباس و الكلبي و مقاتل و الجبائي و أصل السحت استقصاء الخلق يقال سحت شعره إذا استأصله و سحته الله و أسحته إذا استأصله و أهلكه « و قد خاب من افترى » أي خسر من كذب على الله و نسب إليه باطلا عن قتادة انقطع رجاء من كذب على الله عن ثوابه و جنته « فتنازعوا أمرهم بينهم » أي تشاور القوم و تفاوضوا في حديث موسى و هارون و فرعون و جعل كل واحد منهم ينازع لكلام صاحبه و قيل تشاورت السحرة فيما هيئوه من الحبال و العصي و فيمن يبتدىء بالإلقاء « و أسروا النجوى » يعني أن السحرة أخفوا كلامهم و تناجوا فيما بينهم سرا من فرعون فقالوا إن غلبنا موسى اتبعناه عن الفراء و الزجاج و قيل إن موسى لما قال لهم « ويلكم لا تفتروا على الله كذبا » قال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر و أسر بعضهم إلى بعض يتناجون عن محمد بن إسحاق و قيل أسروا النجوى بأن « قالوا » إن كان هذا ساحرا فسنغلبه و إن كان من السماء فله أمره عن قتادة و قيل تناجوا مع فرعون و أسروا عن موسى و هارون قولهم « إن هذان » لساحران عن الجبائي و أبي مسلم إن هذان يعني موسى و هارون « لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما » قاله فرعون و جنوده للسحرة و يريدون بالأرض أرض مصر « و يذهبا بطريقتكم المثلى » هي تأنيث الأمثل و هو الأفضل و هو الأشبه بالحق يقال فلان أمثل قومه أي أشرفهم و أفضلهم و المعنى يريدان أن يصرفا وجوه الناس إليهما عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) و قيل إن طريقتهم المثلى بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عددا و أموالا أي يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهم عن قتادة و أكثر المفسرين و قيل يذهبا بطريقتكم التي أنتم عليها في السيرة و الدين عن الجبائي و أبي مسلم و ابن زيد « فاجمعوا كيدكم » أي لا تدعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به « ثم ائتوا صفا »
مجمع البيان ج : 7 ص : 31
أي مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأموركم و أشد لهيبتكم عن ابن عباس و أكثر المفسرين و قيل ثم ائتوا موضع الجمع و يسمى المصلى الصف عن أبي عبيدة و المعنى ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم و صلاتكم « و قد أفلح اليوم من استعلى » أي و قد سعد اليوم من غلب و علا عن ابن عباس قال بعضهم إن هذا من قول فرعون للسحرة و قال آخرون بل هو قول بعض السحرة لبعض « قالوا يا موسى إما أن تلقي و أما أن نكون أول من ألقى » هذا قول السحرة خيروه بين أن يلقوا أولا ما معهم أو يلقي موسى عصاه ثم يلقون ما معهم « قال » موسى « بل ألقوا » أنتم ما معكم أمرهم بالإلقاء أولا ليكون معجزة أظهر إذا ألقوا ما معهم ثم يلقي هو عصاه فتبتلع ذلك و هاهنا حذف أي فألقوا ما معهم « فإذا حبالهم و عصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى » الضمير في إليه راجع إلى موسى و قيل إلى فرعون أي يرى الحبال من سحرهم أنها تسير و تعدو مثل سير الحيات و إنما قال يخيل إليه لأنها لم تكن تسعى حقيقة و إنما تحركت لأنهم جعلوا داخلها الزئبق فلما حميت الشمس طلب الزئبق الصعود فحركت الشمس ذلك فظن أنها تسعى .
فَأَوْجَس فى نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسى(67) قُلْنَا لا تخَف إِنَّك أَنت الأَعْلى(68) وَ أَلْقِ مَا فى يَمِينِك تَلْقَف مَا صنَعُوا إِنَّمَا صنَعُوا كَيْدُ سحِر وَ لا يُفْلِحُ الساحِرُ حَيْث أَتى(69) فَأُلْقِىَ السحَرَةُ سجَّداً قَالُوا ءَامَنَّا بِرَب هَرُونَ وَ مُوسى(70) قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى عَلَّمَكُمُ السحْرَ فَلأُقَطعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكم مِّنْ خِلَف وَ لأُصلِّبَنَّكُمْ فى جُذُوع النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشدُّ عَذَاباً وَ أَبْقَى(71) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَك عَلى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَتِ وَ الَّذِى فَطرَنَا فَاقْضِ مَا أَنت قَاض إِنَّمَا تَقْضى هَذِهِ الحَْيَوةَ الدُّنْيَا(72) إِنَّا ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطيَنَا وَ مَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحْرِ وَ اللَّهُ خَيرٌ وَ أَبْقَى(73) إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوت فِيهَا وَ لا يحْيى(74) وَ مَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصلِحَتِ فَأُولَئك لهَُمُ الدَّرَجَت الْعُلى(75) جَنَّت عَدْن تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَ ذَلِك جَزَاءُ مَن تَزَكى(76)

مجمع البيان ج : 7 ص : 32

القراءة

قرأ ابن ذكوان تلقف بالرفع و الباقون بالجزم إلا أن حفصا يقرؤها خفيفة و الآخرون مشددة و ابن كثير برواية البزي و ابن فليح يشدد التاء أيضا و قرأ كيد سحر بغير ألف أهل الكوفة غير عاصم و الباقون ساحر بالألف .

الحجة

من قرأ تلقف بالرفع فإنه يرتفع لأنه في موضع الحال و الحال يجوز أن يكون من الفاعل الملقي أو المفعول الملقى فإن جعلته من الفاعل جعلته من المتلقف و إن كان التلقف في الحقيقة للعصا لأن التلقف كان بإلقائه فجاز أن ينسب إليه و إن جعلته من المفعول فإنه أنث على المعنى لأن الذي في يمينه عصا و مثل ذلك في أن يكون مرة للخطاب و مرة للمؤنث قوله « يومئذ تحدث أخبارها » فهذا يكون على تحدث أنت أيها الإنسان و على أن الأرض تحدث و أما تلقف بالجزم فعلى أن يكون جوابا كأنه قال إن تلقه تلقف و تلقف و من شدد التاء فإنما أراد تتلقف و هذا يكون على تتلقف أنت أيها المخاطب و على تتلقف هي إلا أنه أدغم التاء الأولى في التاء الثانية و الإدغام في هذا ينبغي أن لا يكون جائزا لأن المدغم يسكن و إذا سكن لزم أن يجلب له همزة الوصل كما جلبت في أمثلة الماضي نحو ادرأتم و ازينت و اطيروا و همزة الوصل لا تدخل على المضارع قال و سألت أحمد بن موسى كيف يبتدىء من أدغم فقال كلاما معناه أنه يصير بالابتداء إلى قول من خفف و يدع الإدغام و من قرأ كيد ساحر فلأن الكيد للساحر في الحقيقة و ليس للسحر إلا أن يريد كيد ذي سحر فيكون في المعنى مثل كيد ساحر و الاختلاف بين القراء في آمنتم و الوجه في ذلك ذكرناه في سورة الأعراف .

اللغة

يقال لقفت الشيء و تلقفته و التقفته إذا أخذته بسرعة قال الكسائي الصبي في
مجمع البيان ج : 7 ص : 33
الحجاز إذا جاء من عند معلمه قال جئت من عند كبيري و الكبير في اللغة الرئيس و لهذا يقال للمعلم الكبير و الإيثار الاختيار و التزكي طلب الزكاء و الزكاء النماء في الخبر و منه الزكاة لأن المال ينمو بها .

الإعراب

إن مفصول من « ما صنعوا » لأن ما هاهنا موصولة و صنعوا صلته و يجوز أن يكون الموصول اسما بمعنى الذي و يكون العائد من الصلة إلى الموصول محذوفا و يجوز أن يكون حرفا فيكون تقديره أن صنعهم و الفرق بين آمنتم به و آمنتم له أن آمنتم به بالباء هو من الإيمان الذي هو ضد الكفر و آمنتم له بمعنى التصديق « من خلاف » يحتمل أن يكون من بمعنى عن أي عن خلاف و يحتمل أن يكون بمعنى على خلاف فيكون الجار و المجرور في موضع نصب على الحال « في جذوع النخل » في بمعنى على و إنما جاز ذلك لأن الجذع قد اشتمل عليهم و قد صاروا فيها قال الشاعر
هم صلبوا العبدي في جذع نخلة
فلا عطست شيبان إلا بأجدعا « أينا أشد عذابا و أبقى » تعليق و معنى التعليق أن عملت تعمل في المعنى و لا تعمل في اللفظ و « الذي فطرنا » موضعه جر عطف على ما جاءنا « فاقض ما أنت قاض » يجوز أن يكون ما مصدرية في تقدير الظرف أي فاقض القضاء مدة كونك قاضيا و يجوز أن يكون ما مفعوله أي فاقض ما أنت قاضيه فحذف الهاء « إنما تقضي هذه الحياة الدنيا » حذف المضاف و تقديره إنما تقضي أمور هذه الحياة الدنيا و يجوز أن يكون تقديره إنما تقضي مدة هذه الحياة الدنيا و هذه على القول الأول منصوبة مفعول بها و على الثاني منصوبة على الظرف و يجوز أن يكون الواو للقسم .
« جنات عدن » يجب أن يكون بدلا من الدرجات و لا يجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف لأن قوله « خالدين فيها » نصب على الحال من قوله لهم ذو الحال الضمير المجرور باللام فعلى هذا لا يجوز الوقف على « الدرجات العلى » و الدرجات مرتفع بالظرف بلا خلاف بينهم لأن الظرف جرى خبرا على المبتدأ و هو أولئك و اعتمد عليه فيرتفع ما بعده .

المعنى

« فأوجس في نفسه خيفة موسى » معناه فأحس موسى و وجد في نفسه ما يجده الخائف و يقال أوجس القلب فزعا أي أضمر و السبب في ذلك أنه خاف أن يلتبس على الناس أمرهم فيتوهموا أنهم فعلوا مثل فعله و يظنوا المساواة فيشكوا و لا يتبعونه عن الجبائي
مجمع البيان ج : 7 ص : 34
و قيل إنه خوف الطباع إذا رأى الإنسان أمرا فظيعا فإنه يحذره و يخافه في أول وهلة و قيل إنه خاف أن يتفرق الناس قبل إلقائه العصا و قبل أن يعلموا ببطلان السحرة فيبقوا في شبهة و قيل إنه خاف لأنه لم يدر أن العصا إذا انقلبت حية هل تظهر المزية لأنه لا يعلم أنها تتلقفها فكان ذلك موضع خوف لأنها لو انقلبت حية و لم تتلقف ما يأفكون ربما ادعوا المساواة لا سيما و الأهواء معهم و الدولة لهم فلما تلقفت زالت الشبهة و تحقق عند الجميع صحة أمر موسى و بطلان سحره « قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى » عليهم بالظفر و الغلبة « و ألق ما في يمينك » يعني العصا « تلقف ما صنعوا » أي تبتلع ما صنعوا فيه من الحبال و العصي لأن الحبال و العصي أجسام ليست من صنعهم قالوا و لما ألقى عصاه صارت حية و طافت حول الصفوف حتى رآها الناس كلهم ثم قصدت الحبال و العصي فابتلعتها كلها على كثرتها ثم أخذها موسى فعادت عصا كما كانت « إنما صنعوا كيد ساحر » أي إن الذي صنعوه أو أن صنيعهم كيد ساحر أي مكره و حيلته « و لا يفلح الساحر » أي لا يظفر الساحر ببغيته إذ لا حقيقة للسحر « حيث أتى » أي حيث كان من الأرض و قيل لا يفوز الساحر حيث أتى بسحره لأن الحق يبطله « فألقي السحرة سجدا » هاهنا محذوف و هو فألقى عصاه و تلقف ما صنعوا فألقي السحرة سجدا أي سجدوا « و قالوا آمنا برب هارون و موسى » أضافوه سبحانه إليهما لدعائهما إليه و كونهما رسولين له « قال » فرعون للسحرة « آمنتم له » أي لموسى و المعنى قد صدقتم له « قبل أن آذن لكم » أي من غير إذني لأنه بلغ من جهله أنه لا يعتقد دين إلا بإذنه و الفرق بين الإذن و الأمر أن في الأمر دلالة على إرادة الآمر الفعل المأمور به و ليس في الإذن ذلك و قوله « فإذا حللتم فاصطادوا » إذن و قوله « أقيموا الصلاة » أمر « إنه لكبيركم الذي علمكم السحر » معناه أنه لأستاذكم و أنتم تلامذته و قد يعجز التلميذ عما يفعله الأستاذ و قيل إنه لرئيسكم و متقدمكم و أنتم أشياعه و أتباعه ما عجزتم عن معارضته و لكنكم تركتم معارضته احتشاما له و احتراما و إنما قال ذلك ليوهم العوام أن ما أتوا به إنما هو لتواطؤ من جهتهم ليصرفوا وجوه الناس إليهم « فلأقطعن أيديكم و أرجلكم من خلاف » أي أيديكم اليمني و أرجلكم اليسرى « و لأصلبنكم في جذوع النخل » أي على جذوع النخل « و لتعلمن » أيها الحسرة « أينا أشد عذابا » لكم « و أبقى » و أدوم أنا على إيمانكم أم رب موسى على ترككم الإيمان به « قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات » أي لن نفضلك و لن نختارك على ما أتانا من الأدلة الدالة على صدق موسى و صحة نبوته و المعجزات التي تعجز عنها قوى البشر « و الذي فطرنا » أي و على الذي فطرنا أي خلقنا و قيل معناه لن نؤثرك و الله الذي فطرنا على ما جاءنا من البينات و ما ظهر لنا من الحق « فاقض ما أنت قاض » أي فاصنع ما أنت صانعه
مجمع البيان ج : 7 ص : 35
على إتمام و إحكام و قيل معناه فاحكم ما أنت حاكم و ليس هذا بأمر منهم و لكن معناه أي شيء صنعت فإنا لا نرجع عن الإيمان « إنما تقضي هذه الحياة الدنيا » أي إنما تصنع بسلطانك أو تحكم في هذه الحياة الدنيا دون الآخرة فلا سلطان لك فيها و لا حكم و قيل معناه إنما تقضي و تذهب هذه الحياة الدنيا دون الحياة الآخرة « إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا » من الشرك و المعاصي « و ما أكرهتنا عليه من السحر » إنما قالوا ذلك لأن الملوك كانوا يجبرونهم على تعليم السحر كيلا يخرج السحر من أيديهم و قيل إن السحرة قالوا لفرعون أرنا موسى إذا نام فأراهم إياه فإذا هو نائم و عصاه تحرسه فقالوا ليس هذا بسحر إن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى عليهم إلا أن يعملوا فذلك إكراههم عن عبد العزيز بن أبان « و الله خير و أبقى » أي و الله خير لنا منك و ثوابه أبقى لنا من ثوابك و قيل معناه و الله خير ثوابا للمؤمنين و أبقى عقابا للعاصين منك و هذا جواب لقوله « و لتعلمن أينا أشد عذابا و أبقى » و هاهنا انتهى الإخبار عن السحرة ثم قال الله سبحانه « إنه من يأت ربه مجرما » و قيل إنه من قول السحرة قال ابن عباس في رواية الضحاك المجرم الكافر و في رواية عطاء يعني الذي أجرم و فعل مثل ما فعل فرعون « فإن له جهنم لا يموت فيها » فيستريح من العذاب « و لا يحيي » حياة فيها راحة بل هو معاقب بأنواع العقاب « و من يأته مؤمنا » مصدقا بالله و بأنبيائه « قد عمل الصالحات » أي أدى الفرائض عن ابن عباس « فأولئك لهم الدرجات العلى » يعني درجات الجنة و بعضها أعلى من بعض و العلى جمع العليا و هي تأنيث الأعلى « جنات عدن » أي إقامة « تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و ذلك جزاء من تزكى » معناه أن الثواب الذي تقدم ذكره جزاء من تطهر بالإيمان و الطاعة عن دنس الكفر و المعصية و قيل تزكى طلب الزكاء بإرادة الطاعة و العمل بها .

مجمع البيان ج : 7 ص : 36
وَ لَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلى مُوسى أَنْ أَسرِ بِعِبَادِى فَاضرِب لهَُمْ طرِيقاً فى الْبَحْرِ يَبَساً لا تخَف دَرَكاً وَ لا تخْشى(77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بجُنُودِهِ فَغَشِيهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيهُمْ(78) وَ أَضلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ مَا هَدَى(79) يَبَنى إِسرءِيلَ قَدْ أَنجَيْنَكم مِّنْ عَدُوِّكمْ وَ وَعَدْنَكمْ جَانِب الطورِ الأَيْمَنَ وَ نَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السلْوَى(80) كلُوا مِن طيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَ لا تَطغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكمْ غَضبى وَ مَن يحْلِلْ عَلَيْهِ غَضبى فَقَدْ هَوَى(81) وَ إِنى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَاب وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صلِحاً ثمَّ اهْتَدَى(82) * وَ مَا أَعْجَلَك عَن قَوْمِك يَمُوسى(83) قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِى وَ عَجِلْت إِلَيْك رَب لِترْضى(84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَك مِن بَعْدِك وَ أَضلَّهُمُ السامِرِى(85) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضبَنَ أَسِفاً قَالَ يَقَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسناً أَ فَطالَ عَلَيْكمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضبٌ مِّن رَّبِّكُمْ تُم خْلَفْتُم مَّوْعِدِى(86)

القراءة

قرأ حمزة لا تخف جزما و الباقون « لا تخاف » و قرأ أهل الكوفة غير عاصم قد أنجيتكم و واعدتكم و رزقتكم و قرأ الباقون « قد أنجيناكم » و « واعدناكم » و « رزقناكم » بالنون و قرأ أبو جعفر و أبو عمرو و يعقوب و سهل و وعدناكم بغير الألف و الباقون بالألف و قرأ الكسائي فيحل بضم الحاء و من يحلل بضم اللام و الباقون بالكسر في الموضعين .

الحجة

قال أبو علي من رفع قوله « لا تخاف » فإنه حال من الفاعل في أضرب أي غير خائف و لا خاش و يجوز أن يقطعه من الأول أي أنت لا تخاف و من قرأ لا تخف جعله جواب الشرط أي إن تضرب لا تخف دركا ممن خلقك و لا تخش غرقا بين يديك فأما من قال لا تخف دركا ثم لا تخشى فيجوز أن يعطيه من الأول أي إن تضرب لا تخف و أنت لا تخشى و لا يحمله على قول الشاعر
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا و لا على نحو
إذا العجوز غضبت فطلق و لا ترضيها و لا تملق لأن ذلك إنما يجيء في ضرورة الشعر كما أن قوله
مجمع البيان ج : 7 ص : 37

أ لم يأتيك و الأنباء تنمي
بما لاقت لبون بني زياد كذلك و لكنك تقدر إنك حذفت الألف المنقلبة عن اللام ثم أشبعت الفتحة لأنها في فاصلة فأثبت الألف الناشئة عن إشباع الفتحة و مثل هذا مما ثبت في الفاصلة قوله فأضلونا السبيلا و قد جاء إشباع هذه الفتحة في كلامهم قال و
أنت عن الغوائل حين ترمي
و من ذم الرجال بمنتزاح أي بمنتزح و حجة من قرأ وعدناكم إن ذلك يكون من الله سبحانه قال أبو الحسن زعموا أن واعدناكم لغة في وعدناكم فإذا كان كذلك فاللفظ لا يدل على أن الفعل من اثنين فيكون القراءة بوعد أحسن لأن واعد بمعنى وعد و يعلم من وعد أنه فعل واحد لا محالة و ليس واعد كذلك فالأخذ بالأبين أولى و من قرأ « أنجيناكم » و « واعدناكم » فحجته قوله « و نزلنا عليكم المن و السلوى » و حجة من قرأ « يحل » بكسر الحاء أنه روي في زمزم إنه لشارب حل أي مباح له غير محظور عليه و لا ممنوع عنه فالحل و الحلال في المعنى مثل المباح فهو خلاف الحظر و الحجر و الحرام و الحرم فهذه الألفاظ معناها المنع و المباح من قولهم باح بالسر و الأمر يبوح به إذا لم يجعل دونه حظرا فمعنى يحل عليكم ينزل بكم و ينالكم بعد ما كان ذا حظر و حجر و منع عنكم و وجه قراءة من قرأ « يحل عليكم غضبي » أن الغضب لما كان تتبعه العقوبة و العذاب جعله بمنزلة العذاب فقال يحل أي ينزل فجعله بمنزلة قولهم حل بالمكان يحل و على هذا جاء تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم فكما أن هذا عذاب قد أخبر عنه بأنه يحل كذلك أخبر عن الغضب بمثله و جعله بمنزلته لأنه يتبعه و يتصل به .

اللغة

اليبس اليابس و جمعه أيباس و جمع اليبس بسكون الباء يبوس قال الكميت
فما زدته إلا يبوسا و ما أرى
لهم رحما و الحمد لله توصل قال أبو زيد حل عليه أمر الله يحل حلولا و حل الدار يحلها و لا و حل العقدة يحلها حلا و حل له الصوم يحل حلا و أحله الله إحلالا و حل عليه حقي يحل محلا و أحل الرجل من إحرامه إحلالا و حل يحل حلا و الأسف أشد الغضب و يكون أيضا بمعنى الحزن .

الإعراب

« هم أولاء » مبتدأ و خبر و يجوز أن يكون أولاء بدلا من هم و يكون « على أثري » في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ و على الوجه الأول يجوز أن يكون « على أثري » في موضع نصب على الحال و العامل فيه معنى الإشارة في أولاء و يجوز أن يكون خبرا بعد خبر .

مجمع البيان ج : 7 ص : 38

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن حال بني إسرائيل فقال « و لقد أوحينا إلى موسى » بعد ما رأى فرعون من الآيات فلم يؤمن هو و لا قومه « أن أسر بعبادي » أي سر بهم ليلا من أرض مصر « فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا » أي اجعل لهم طريقا في البحر يابسا بضربك العصا لينفلق البحر فعدي الضرب إلى الطريق لما دخله هذا المعنى فكأنه قد ضرب الطريق كما يضرب الدينار « لا تخف دركا و لا تخشى » أي لا تخاف أن يدركك فرعون من خلفك و لا تخشى من البحر غرقا و من قرأ لا تخف بالجزم فمعناه لا تخف أن يدركك فرعون و أنت لا تخشى شيئا من أمر البحر مثل قوله يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون و يجوز أن يكون في موضع الجزم على نحو ما ذكرناه في الحجة « فأتبعهم فرعون بجنوده » معناه ألحق جنوده بهم و بعث بجنوده خلفهم و في أثرهم و في الكلام حذف الهم فعلوا ذلك فدخل موسى و قومه البحر ثم اتبعهم فرعون بجنوده « فغشيهم من اليم ما غشيهم » أي جاءهم من البحر ما جاءهم و لحقهم منه ما لحقهم و فيه تعظيم للأمر و معناه غشيهم الذي عرفتموه و سمعتم به و مثله قول أبي النجم
أنا أبو النجم و شعري شعري أي شعري الذي سمعت به و علمته أي هلك فرعون و نجي موسى هذا كان عاقبة أمرهم فليعتبر المعتبرون بهم « و أضل فرعون قومه و ما هدى » أي صرفهم عن الهدى و الحق و ما هداهم إلى الخير و الرشد و طريق النجاة و إنما قال « و ما هدى » بعد قوله « أضل » ليتبين أنه استمر على ذلك و ما زال يضلهم و لا يهديهم و حسن حذف المفعول لمكان رأس الآية و إنما قال سبحانه تكذيبا لقول فرعون لقومه و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد ثم خاطب سبحانه بني إسرائيل و عدد نعمه عليهم فقال « يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم » فرعون بمرأى منكم « و واعدناكم جانب الطور الأيمن » و هو أن الله تعالى وعد موسى بعد أن أغرق فرعون ليأتي جانب الطور الأيمن فيؤتيه التوراة فيها بيان الشرائع و الأحكام و ما يحتاجون إليه « و نزلنا عليكم المن و السلوى » يعني في التيه و قد مر بيان ذلك في سورة البقرة « كلوا من طيبات ما رزقناكم » صورته صورة الأمر و المراد به الإباحة « و لا تطغوا فيه » أي فلا تتعدوا فيه فتأكلوه على الوجه المحرم عليكم و قيل إن المعنى لا تتجاوزوا عن الحلال إلى الحرام و قيل معناه لا تتناولوا من الحلال للاستعانة به على المعصية « فيحل عليكم غضبي » أي فيجب عليكم عقوبتي و من ضم الحاء فالمعنى فينزل عليكم عقوبتي « و من يحلل عليه غضبي فقد هوى » أي هلك لأن من هوى من علو إلى سفل فقد هلك و قيل فقد هوى إلى النار قال الزجاج فقد صار إلى الهاوية « و إني لغفار » و هو فعال من المغفرة « لمن تاب » من الشرك « و آمن » بالله و رسوله « و عمل صالحا » أي
مجمع البيان ج : 7 ص : 39
أدى الفرائض « ثم اهتدى » أي ثم لزم الإيمان إلى أن يموت و استمر عليه و قيل ثم لم يشك في إيمانه عن ابن عباس و قيل ثم أخذ بسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لم يسلك سبيل البدعة عن ابن عباس أيضا و الربيع بن أنس و قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت (عليهم السلام) فو الله لو أن رجلا عبد الله عمره ما بين الركن و المقام ثم مات و لم يجيء بولايتنا لأكبه الله في النار على وجهه رواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده و أورده العياشي في تفسيره من عدة طرق « و ما أعجلك عن قومك يا موسى » قال ابن إسحاق كانت المواعدة أن يوافي الميعاد هو و قومه و قيل مع جماعته من وجوه قومه و هو متصل بقوله « واعدناكم جانب الطور الأيمن » فتعجل موسى من بينهم شوقا إلى ربه و خلفهم ليلحقوا به فقيل له ما أعجلك عن قومك يا موسى أي بأي سبب خلفت قومك و سبقتهم و جئت وحدك « قال » موسى في الجواب « هم أولاء على أثري » أي هؤلاء من ورائي يدركونني عن قريب و قيل معناه هم على ديني و منهاجي عن الحسن و روي عنه أيضا أنه قال هم ينتظرون من بعدي ما الذي آتيهم به و ليس يريد أنهم يتبعونه « و عجلت إليك رب لترضى » أي سبقتهم إليك حرصا على تعجيل رضاك أي لازداد رضا إلى رضاك « قال » الله تعالى « فإنا قد فتنا قومك » أي امتحناهم و شددنا عليهم التكليف بما حدث فيهم من أمر العجل فألزمناهم عند ذلك النظر ليعلموا أنه ليس بإله كما قال سبحانه « ألم أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون » « من بعدك » أي من بعد انطلاقك « و أضلهم السامري » أي دعاهم إلى الضلال فقبلوا منه و ضلوا عند دعائه فأضاف الضلال إلى السامري و الفتنة إلى نفسه ليدل سبحانه على أن الفتنة غير الضلال و قيل إن معنى فتنا قومك عاملناهم معاملة المختبر المبتلي ليظهر لغيرنا المخلص منهم من المنافق فيوالي المخلص و يعادي المنافق « فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا » أي رجع موسى من الميقات إلى بني إسرائيل شديد الغضب حزينا عن ابن عباس و قيل جزعا عن مجاهد و قيل متحسرا متلهفا على ما فاته لأنه خشي أن لا يمكنه تدارك أمر قومه عن الجبائي « قال يا قوم أ لم يعدكم ربكم وعدا حسنا » أي صدقا لإيتاء الكتاب و هو التوراة لتعلموا ما فيه و تعلموا به فتستحقوا الثواب عن الجبائي و قيل الوعد الحسن هو ما وعدهم به من النجاة من فرعون و مجيئهم إلى جانب الطور و وعده بالمغفرة لمن تاب و قيل هو ما وعدهم به في الآخرة على التمسك بدينه في الدنيا عن الحسن « أ فطال عليكم العهد » أي مدة مفارقتي إياكم « أم أردتم أن يحل عليكم » أي يجب عليكم « غضب من ربكم » بعبادتكم العجل و المعنى أم أردتم أن تصنعوا صنعا يكون سببا لغضب ربكم « فأخلفتم موعدي » أي ما وعدتموه لي من حسن الخلافة بعدي و يبين ذلك قوله بئسما خلفتموني من بعدي و قيل إن إخلافهم موعده أنه
مجمع البيان ج : 7 ص : 40
أمرهم اللحاق به فتركوا المسير على إثره للميقات و قيل هو أنه أمرهم أن يتمسكوا بطريقة هارون و طاعته و يعملوا بأمره إلى أن يرجع فخالفوه .
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَك بِمَلْكِنَا وَ لَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَهَا فَكَذَلِك أَلْقَى السامِرِى(87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكمْ وَ إِلَهُ مُوسى فَنَسىَ(88) أَ فَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَ لا يَمْلِك لهَُمْ ضرًّا وَ لا نَفْعاً(89) وَ لَقَدْ قَالَ لهَُمْ هَرُونُ مِن قَبْلُ يَقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونى وَ أَطِيعُوا أَمْرِى(90) قَالُوا لَن نَّبرَحَ عَلَيْهِ عَكِفِينَ حَتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسى(91) قَالَ يَهَرُونُ مَا مَنَعَك إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلُّوا(92) أَلا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصيْت أَمْرِى(93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتى وَ لا بِرَأْسى إِنى خَشِيت أَن تَقُولَ فَرَّقْت بَينَ بَنى إِسرءِيلَ وَ لَمْ تَرْقُب قَوْلى(94) قَالَ فَمَا خَطبُك يَسمِرِى(95) قَالَ بَصرْت بِمَا لَمْ يَبْصرُوا بِهِ فَقَبَضت قَبْضةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسولِ فَنَبَذْتُهَا وَ كذَلِك سوَّلَت لى نَفْسى(96)

القراءة

قرأ أهل المدينة و الكوفة و عاصم « بملكنا » بالفتح و قرأ حمزة و الكسائي و خلف بملكنا بضم الميم و الباقون بملكنا بكسر الميم و قرأ ابن عامر و حفص و رويس « حملنا » بالضم و التشديد و الباقون حملنا بفتح الحاء و التخفيف و قرأ أهل الكوفة غير عاصم لم تبصروا بالتاء و الباقون بالياء و في الشواذ قراءة ابن مسعود و أبي و الحسن و قتادة و أبي رجاء و نصر بن عاصم
مجمع البيان ج : 7 ص : 41
فقبصت قبصة بالصاد و روي عن الحسن أيضا قبضة بضم القاف .

الحجة

قال أبو علي في قوله بملكنا هذه ثلاث لغات و الكسر أكثر و الفتح لغة فيه و المعنى ما أخلفنا موعدك بملكنا الصواب و لكن لخطئنا فأضيف المصدر إلى الفاعل و حذف المفعول فأما من ضم الميم فإنه لا يخلو من أن يريد به مصدرا لملك أو يكون لغة في مصدر المالك فإن أريد الأول فالمعنى لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك لمكان ملكنا و يكون على هذا التقدير كقوله لا يسألون الناس إلحافا أي ليس منهم مسألة فيكون منهم إلحاف فيها ليس أنه أثبت ملكا ما لم يثبت في قوله لا يسئلون الناس إلحافا مسألة منهم و مثل ذلك قول ابن أبي أحمر .

لا تفزع الأرنب أهوالها
و لا ترى الضب بها ينجحر أي ليس بها أرنب فيفزع لهولها و مثله قول ذي الرمة :
لا تشتكي سقطة منها و قد رقصت
بها المفاوز حتى ظهرها حدب أي ليس منها سقطة فتشتكي و قوله « حملنا » من حمل الإنسان الشيء و حملته إياه فمن قرأ « حملنا » فالمعنى جعلونا نحمل أوزار القوم و من قرأ حملنا أراد أنهم فعلوا ذلك و من قرأ « بما لم يبصروا » به بالياء فالمعنى بما لم يبصر به بنو إسرائيل و من قرأ بالتاء صرف الخطاب إلى الجميع و القبض بالضاد باليد كلها و بالصاد بأطراف الأصابع و القبضة بالضم القدر المقبوض و القبضة فعلك أنت و قد ذكرنا الاختلاف في قوله « يا ابن أم » و الوجه في ذلك في سورة الأعراف .

اللغة

الوزر أصله الثقل و منه الوزر الذنب لأن صاحبه قد حمل به ثقلا و الوزر الحمل و الأوزار الأحمال و الأثقال و منه الأوزار للسلاح لأنها تثقل على لابسها و الخوار الصوت المتردد الشديد التردد كصوت البقر و نحوه و العكوف الإقامة و ملازمة الشيء و منه الاعتكاف في المسجد و رقب يرقب رقبانا و رقبة انتظر و المرقب المكان العالي الذي يقف عليه الرقيب و أرقبت فلانا داري و أعمرته و الاسم الرقبى و العمرى و بصر بالشيء يبصر إذا صار عليما به و أبصر يبصر إذا رأى .

الإعراب

« فكذلك ألقى السامري » الكاف صفة مصدر محذوف لألقى تقديره ألقى
مجمع البيان ج : 7 ص : 42
السامري إلقاء مثل إلقائنا ، جسدا بدل من عجل .
« أن لا يرجع » تقديره أ فلا يرون أن لا يرجع و يجوز أن ينصب يرجع بأن فيكون الناصبة للفعل و لا يكون أن المخففة من أن ضلوا جملة في موضع نصب على الحال و قد مضمرة « أ لا تتبعني » في موضع جر بمن المحذوف أو في موضع نصب على الخلاف فيه تقديره ما منعك من اتباعي و لا زائدة كما في قوله ما منعك أن لا تسجد .

المعنى

« قالوا » أي قال الذين لم يعبدوا العجل « ما أخلفنا موعدك بملكنا » أي و نحن نملك من أمرنا شيئا و المعنى إنا لم نطق رد عبدة العجل عن عظيم ما ارتكبوه للرهبة لكثرتهم و قلتنا و جاء في الرواية أن الذين لم يعبدوا العجل كانوا اثني عشر ألفا و الذين عبدوه كانوا ستمائة ألف رجل و من قرأ بملكنا بضم الميم فمعناه بقدرتنا و سلطاننا أي لم نقدر على ردهم « و لكنا حملنا أوزارا من زينة القوم » معناه و لكنا حملنا أثقالا من حلي آل فرعون و هو ما استعادوه من حليهم حين أرادوا السير و قيل هو ما ألقاه البحر على الساحل من ذهبهم و فضتهم و حليهم بعد إغراقهم فأخذوه و قيل هو من أثقال الذنوب و الآثام أي حملنا آثاما من حلي القوم لأنهم استعاروا حليا من القبط ليتزينوا بها في عيد كان لهم ثم لم يردوها عليهم عند الخروج من مصر مخافة أن يعلموا بخروجهم فحملوهم و كان ذلك ذنبا منهم إذ كانوا مستأمنين فيما بينهم و قيل إنهم كانوا في حكم الإسراء فيما بينهم فكان يحل لهم أخذ أموالهم فعلى هذا لا يمكن حمله على الإثم « فقذفناها » أي ألقيناها في النار لتذوب « فكذلك ألقى السامري » أيضا ليوهم أنه منهم عن الجبائي و قيل معناه فمثل ما ألقينا نحن من هذا الحلي في النار ألقى السامري أيضا فاتبعناه و قيل إن هذا كلام مبتدأ من الله حكى عنهم أنهم ألقوا ثم قال و كذلك ألقى السامري عن أبي مسلم « فأخرج لهم عجلا جسدا » أي أخرج لهم من ذلك عجلا جسيما « له خوار » أي صوت و قد ذكرنا صفة العجل في سورة الأعراف « فقالوا هذا إلهكم و إله موسى » أي قال السامري و من تبعه من السفلة و العوام هذا العجل معبودكم و معبود موسى « فنسي » فيه قولان ( أحدهما ) أنه من قول السامري و من تبعه أي نسي موسى أنه إله و هو قول ابن عباس و قتادة و مجاهد و السدي و الضحاك و قيل معناه فنسي أي ضل و أخطأ الطريق و قيل معناه أنه تركه هنا و خرج يطلبه ( و الثاني ) أنه قول الله تعالى أي فنسي السامري أي ترك ما كان عليه من الإيمان الذي بعث الله به موسى عن ابن عباس أيضا و قيل معناه فنسي السامري الاستدلال على حدوث العجل و أنه لا يجوز أن يكون إلها و قيل فنسي السامري أي نافق و ترك الإسلام ثم احتج سبحانه عليهم فقال « أ فلا يرون ألا يرجع إليهم قولا » أي أ فلا يرى بنو إسرائيل أن العجل الذي عبدوه و اتخذوه إلها لا يرد عليهم جوابا « و لا
مجمع البيان ج : 7 ص : 43
يملك لهم ضرا و لا نفعا » و من كان بهذه الصفة فإنه لا يصلح للعبادة قال مقاتل لما مضى من موعد موسى خمسة و ثلاثون يوما أمر السامري بني إسرائيل أن يجمعوا ما استعاروه من حلي آل فرعون و صاغه عجلا في السادس و الثلاثين و السابع و الثامن و دعاهم إلى عبادته في التاسع فأجابوه و جاءهم موسى بعد استكمال الأربعين قال سعيد بن جبير كان السامري من أهل كرمان و كان مطاعا في بني إسرائيل و قيل كان من قرية يعبدون البقر فكان حب ذلك في قلبه و قيل كان من بني إسرائيل فلما جاوز البحر نافق فلما قالوا اجعل لنا إلها كما لهم آلهة اغتنمها و أخرج لهم العجل و دعاهم إليه عن قتادة « و لقد قال لهم هارون من قبل » أي من قبل عود موسى إليهم « يا قوم إنما فتنتم به » يعني أن الله تعالى شدد عليكم التعبد فاعلموا إلهكم و اعبدوه و لا تعبدوا العجل موعظة و نصحا و يحتمل أن يكون أراد فتنكم السامري به و أضلكم « و إن ربكم الرحمن فاتبعوني » أي اتبعوني فيما أدعوكم إليه « و أطيعوا أمري » في عبادة الله و لا تتبعوا السامري و لا تطيعوا أمره في عبادة العجل « قالوا لن نبرح عليه عاكفين » معناه لا نزال مقيمين على عبادته « حتى يرجع إلينا موسى » فننظر أ يعبده كما عبدناه أم لا فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا فلما رجع موسى (عليه السلام) و هو ممتلىء غيظا منهم و من عبادتهم العجل و سمع الصياح و الجلبة إذ كانوا يرقصون حول العجل و يضربون الدفوف و المزامير و استقبله هارون فألقى الألواح و أخذ يعاتب هارون « قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن » أي هلا تتبعني بمن أقام على إيمانه عن ابن عباس و قيل معناه هلا قاتلتهم إذ علمت أني لو كنت فيهم لقاتلتهم و قيل هلا لحقت بي حين رأيتهم ضلوا بعبادة العجل قبل استحكام الأمر و الأصل أن لا مزيدة و تقديره ما منعك أن تتبعني « أ فعصيت أمري » فيما أمرتك به يريد قوله اخلفني في قومي و أصلح و لا تتبع سبيل المفسدين فلما أقام معهم و لم يبالغ في منعهم نسبه إلى عصيانه و قيل إن صورته صورة الاستفهام و المراد به التقرير لأن موسى (عليه السلام) كان يعلم أن هارون لا يعصيه في أمره ( سؤال ) متى قيل إن الظاهر يقتضي أن موسى كان أمره باللحاق به فعصى هارون أمره قلنا يجوز أن يكون أمره بذلك بشرط المصلحة و رأى هارون الإقامة أصلح و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب و يجوز أن يكون لم يأمره بذلك و إنما أمره بمجاهدتهم و زجرهم عن القبيح و إنما عاتبه مع أن اللوم توجه على القوم لأن أمره بمفارقتهم لوم عليهم و قيل إن موقع الذنب ممن عظمت رتبته أعظم فلما كان هارون أجل من خلفه موسى خصه باللائمة و هذا إنما يتجه إذا ثبت لهارون ذنب فأما و هو نقي الجيب من جميع الذنوب بريء الساحة من العيوب فالقول الأول هو الوجه « قال » هارون « يا بن أمي لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي » قد فسرناه في سورة الأعراف و قيل كانت العادة جارية في القبض عليهما
مجمع البيان ج : 7 ص : 44
في ذلك الزمان كما أن العادة في زماننا هذا القبض على اليد و المعانقة و ذلك مما تختلف العادة فيه بالأزمنة و الأمكنة و قيل إنه أجراه مجرى نفسه إذا غضب في القبض على لحيته لأنه لم يكن يتهم عليه كما لا يتهم على نفسه ثم بين (عليه السلام) عذره في مقامه معهم فقال « إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل » يعني إني لو فارقتهم أو قاتلتهم لصاروا أحزابا و تفرقوا فرقا ففريق يلحقون بك معي و فريق يقيمون مع السامري على عبادة العجل و فريق يتوقفون شاكين في أمره مع أني لم آمن إن تركتهم أن يصيروا بالخلاف إلى تسافك الدماء و شدة التصميم و الثبات على اتباع السامري فإنهم كانوا يمتنعون بعض الامتناع بمكاني فيهم و كنت أوجه إليهم من الإنكار مقدار ما يتحمله الحال و ذلك قوله « يا قوم إنما فتنتم به » فاعتذر بما يقبل مثله لأنه وجه واضح من وجوه الرأي و قوله « و لم ترقب قولي » معناه و لم تحفظ وصيتي و لم تعمل به حين قلت اخلفني في قومي و أصلح و لما ظهرت براءة ساحة هارون أقبل على السامري « قال » له « فما خطبك يا سامري » أي ما شأنك و ما دعاك إلى ما صنعت فكأنه قال ما هذا الخطب و الأمر العظيم الذي أحدثت و ما حملك عليه « قال » السامري « بصرت بما لم يبصروا به » أي رأيت ما لم يروه و قيل معناه علمت ما لم يعلموا من البصيرة « فقبضت قبضة من أثر الرسول » أي قبضت قبضة تراب من أثر قدم جبرائيل « فنبذتها » في العجل « و كذلك » أي و كما حدثتك يا موسى « سولت لي نفسي » أي زينت لي نفسي من أخذ القبضة و إلقائها في صورة العجل و قيل معناه حدثتني نفسي فأما حديث العجل و ما الذي قبضه السامري و كيفية ذلك و اختلافهم فيه فقد سبق ذكره .

مجمع البيان ج : 7 ص : 45
قَالَ فَاذْهَب فَإِنَّ لَك فى الْحَيَوةِ أَن تَقُولَ لا مِساس وَ إِنَّ لَك مَوْعِداً لَّن تخْلَفَهُ وَ انظرْ إِلى إِلَهِك الَّذِى ظلْت عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فى الْيَمِّ نَسفاً(97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِى لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كلَّ شىْء عِلْماً(98) كَذَلِك نَقُص عَلَيْك مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سبَقَ وَ قَدْ ءَاتَيْنَك مِن لَّدُنَّا ذِكراً(99) مَّنْ أَعْرَض عَنْهُ فَإِنَّهُ يحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وِزْراً(100) خَلِدِينَ فِيهِ وَ ساءَ لهَُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ حِمْلاً(101) يَوْمَ يُنفَخُ فى الصورِ وَ نحْشرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئذ زُرْقاً(102) يَتَخَفَتُونَ بَيْنهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلا عَشراً(103) نحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلا يَوْماً(104) وَ يَسئَلُونَك عَنِ الجِْبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبى نَسفاً(105) فَيَذَرُهَا قَاعاً صفْصفاً(106) لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَ لا أَمْتاً(107)

القراءة

قرأ ابن كثير و أهل البصرة غير سهل لن تخلفه بكسر اللام و قرأ الضرير لن نخلفه بالنون و كسر اللام و هو قراءة الحسن و قرأ الباقون « لن تخلفه » بفتح اللام و قرأ أبو جعفر لنحرقنه بفتح النون و سكون الحاء و تخفيف الراء و هو قراءة علي (عليه السلام) و ابن عباس و قرأ أبو عمرو يوم ننفخ في الصور بالنون و الباقون « ينفخ » بالياء و فتح الفاء و في الشواذ قراءة أبي حيوة لا مساس و قرأ مجاهد و قتادة وسع كل شيء علما و قرأ ابن عياض في الصور بفتح الواو .

الحجة

قال أبو علي أخلفت يتعدى إلى مفعولين « لن تخلفه » مثل لن تعطاه لما أسندت الفعل إلى أحد المفعولين فأقمته مقام الفاعل بقي الفعل متعديا إلى مفعول واحد و فاعله الذي يخلف هو الله تعالى أو موسى و معناه سيأتيك به و لن يتأخر عنك و لن تخلفه أي سيأتيه و لا مذهب لك عنه و قال ابن جني معناه لن تصادفه مخلفا كقول الأعشى :
أثوى و قصر ليلة ليزودا
فمضى و أخلف من قتيلة موعدا و هو وعيد و المعنى في قراءة الأولى أبين و أما نخلفه بالنون فالمعنى لن نخلفك إياه أي لن ننقص منه ما عقدناه لك و قوله لنحرقنه من قولهم فلان يحرق علي الأرم أي سحك أسنانه بعضها ببعض غيظا علي قال زهير :
أبي الضيم و النعمان يحرق نابه
عليه فأفصى و السيوف معاقلة
مجمع البيان ج : 7 ص : 46
فكان لنحرقنه على هذا لنبردنه و لنحتنه حتا يقال حرقت الحديد أي بردته فتحات و تساقط و قوله مساس مثل نزال و حذار قال ابن جني و لا يدخل على هذا الضرب من الكلام ما النافية بالنكرة فلا إذا في قوله « لا مساس » نفي للفعل كقولك لا أمسك و لا أقرب منك فكأنه حكاية قول القائل مساس فكأنه قال لا أقول مساس قال الكميت
لا همام لي لا همام أي لا أقول همام و لا بد أن تكون الحكاية مقدرة أ لا ترى أنه لا يجوز أن تقول لا أضرب فتنفى بلا لفظ الأمر لتنافي اجتماع لفظ الأمر و النهي فالحكاية إذا معتقدة مقدرة و أما قوله « وسع كل شيء علما » فمعناه على ما قاله ابن جني أنه خرق كل مصمت بعلمه لأنه بطن كل مخفي فصار لعلمه فضاء متسعا بعد ما كان متلاقيا مجتمعا و منه قوله تعالى « إن السماوات و الأرض كانتا رتقا ففتقناهما » و هذا في العمل و ذاك في العلم و الوجه في قوله ننفخ في الصور فنفخنا فيه من روحنا و قوله فيما بعده « و نحشر » الوجه في الياء قوله « يوم ينفخ في الصور » و نفخ في الصور و أما قوله « في الصور » فإنه جمع صورة و قد يقال فيها صير و أصله صور قال
أشبهن من بقر الخلصاء أعينها
فهن أحسن من صيرانها صيرا و صورا أيضا قال أبو عبيدة الصور جمع صورة و يقال الصور القرن و يقال فيه ثقب بعدد نفوس البشر فإذا نفخ فيه قام الناس من الأرماس .

اللغة

ظلت أصله ظللت و للعرب فيها مذهبان فتح الظاء و كسرها فمن قال ظلت ترك الظاء على حالها و من قال ظلت بالكسر نقل حركة اللام إليها للإشعار بأصلها و مثله مست و مست في مسست و هل أحست في أحسست قال الشاعر
خلا إن العتاق من المطايا
أحسن به فهن إليه شوس لننسفنه يقال نسف فلان الطعام بالمنسف إذا ذرأه ليطير عنه قشوره و الصفصف الموضع المستوي الذي لا نبات به كأنه على صف واحد في استوائه و القاع الأرض الملساء و قيل مستنقع الماء و جمعه أقواع و قيعان و قيعة و الأمت الأكمة و يقال مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا و ملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا أي انثناء قال الشاعر
ما في انجذاب سيره من أمت .

مجمع البيان ج : 7 ص : 47

المعنى

ثم حكى سبحانه عن موسى (عليه السلام) « قال » للسامري « فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس » و اختلف في معناه فقيل أنه أمر الناس بأمر الله أن لا يخالطوه و لا يجالسوه و لا يؤاكلوه تضييقا عليه و المعنى لك أن تقول لا أمس و لا أمس ما دمت حيا قال ابن عباس لك و لولدك و المساس فعال من المماسة و معنى لا مساس لا يمس بعضنا بعضا فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش و السباع لا يمس أحدا و لا يمسه أحد عاقبه الله تعالى بذلك و كان إذا لقي أحدا يقول « لا مساس » أي لا تقربني و لا تمسني و صار ذلك عقوبة له و لولده حتى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك و إن مس واحد من غيرهم واحدا منهم حم كلاهما في الوقت و قيل إن السامري خاف و هرب فجعل يهيم في البرية لا يجد أحدا من الناس يمسه حتى صار لبعده عن الناس كالقائل لا مساس عن الجبائي « و إن لك موعدا لن تخلفه » أي وعدا لعذابك يعني يوم القيامة لن تخلف ذلك الوعد و لن يتأخر عنك قال الزجاج المعنى يكافيك الله على ما فعلت يوم القيامة « و أنظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا » معناه و أنظر إلى معبودك الذي ظلت على عبادته مقيما يعني العجل « لنحرقنه » بالنار « ثم لننسفنه في اليم نفسا » أي لنذرينه في البحر قال ابن عباس فحرقه ثم ذرأه في البحر و هذا يدل على أنه كان حيوانا لحما و دما و على القراءة الأخرى لنحرقنه أي لنبردنه بالمبرد يدل على أنه كان ذهبا و فضة و لم يصر حيوانا و نبه (عليه السلام) بذلك على أن ما يمكن سحقه أو إحراقه لا يصلح للعبادة و قال الصادق (عليه السلام) إن موسى (عليه السلام) هم بقتل السامري فأوحى الله سبحانه إليه لا تقتله يا موسى فإنه سخي ثم أقبل موسى على قومه فقال « إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو » أي هو الذي يستحق العبادة « وسع كل شيء علما » أي يعلم كل شيء علما تاما و هي لفظة عجيبة في الفصاحة و في ذلك دلالة على أن المعدوم يسمى شيئا لكونه معلوما ثم قال الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق » أي مثل ما قصصنا عليك يا محمد من نبأ موسى و قومه و نقص عليك من أخبار ما قد مضى و تقدم من الأمم و الأمور « و قد آتيناك من لدنا ذكرا » يعني القرآن لأن فيه ذكر كل ما يحتاج إليه من أمور الدين ثم أوعد سبحانه على الإعراض عنه و ترك الإيمان به فقال « من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا » أي حملا ثقيلا من الإثم يشق عليه حمله لما فيه من العقوبة كما يشق حمل الثقيل « خالدين فيه » أي في عذاب ذلك الوزر و جزائه و هو الخلود في النار « و ساء لهم يوم القيامة حملا » تقديره ساء الحمل حملا و الحمل بمعنى المحمول أي بئس الوزر هذا الوزر لهم يوم القيامة قال الكلبي بئس ما حملوا على أنفسهم من المأثم كفرهم بالقرآن « يوم ينفخ في الصور » هو بدل من يوم القيامة و قد سبق معناه « نحشر المجرمين يومئذ زرقا » قال ابن عباس يريد بالمجرمين الذين
 

Back Index Next