جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج7 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 

مجمع البيان ج : 7 ص : 97
معجزة له « فاستجبنا له و نجيناه من الغم » أي من بطن الحوت « و كذلك ننجي المؤمنين » أي ننجيهم إذا دعونا به كما أنجينا ذا النون ثم قال سبحانه « و زكريا » أي و اذكر زكريا « إذ نادى ربه » و دعاه يا « رب لا تذرني فردا » بغير وارث و لا ولد يعينني على أمر الدين و الدنيا في حياتي و يرثني بعد وفاتي « و أنت خير الوارثين » هذا ثناء على الله سبحانه بأنه الباقي بعد فناء خلقه و أنه خير من بقي حيا بعد ميت و إن الخلق كلهم يموتون و يبقى هو سبحانه « فاستجبنا له و وهبنا له يحيى » روى الحرث بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ) إني من أهل بيت قد انقرضوا و ليس لي ولد فقال ادع و أنت ساجد رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء « رب لا تذرني فردا و أنت خير الوارثين » قال ففعلت فولد لي علي و الحسين « و أصلحنا له زوجه » بأن كانت عقيمة فجعلناها ولودا عن قتادة و قيل كانت هرمة فرددنا عليها شبابها عن أبي مسلم و قيل كانت سيئة الخلق فجعلناها حسنة الخلق « إنهم » يعني زكريا و يحيى و قيل معناه أن الأنبياء الذين تقدم ذكرهم « كانوا يسارعون في الخيرات » أي يبادرون إلى الطاعات و العبادات « و يدعوننا رغبا و رهبا » أي للرغبة و الرهبة رغبة في الثواب و رهبة من العقاب و قيل راغبين و راهبين عن الضحاك و قيل رغبا ببطون الأكف و رهبا بظهور الأكف « و كانوا لنا خاشعين » أي متواضعين عن ابن عباس و قيل الخشوع المخافة الثابتة في القلب عن الحسن و قيل معناه أنهم قالوا حال النعمة اللهم لا تجعلها استدراجا و حال السيئة اللهم لا تجعلها عقوبة بذنب سلف منا و في قوله سبحانه « يسارعون في الخيرات » دلالة على أن المسارعة إلى كل طاعة مرغب فيها و على أن الصلاة في أول الوقت أفضل .
وَ الَّتى أَحْصنَت فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَ جَعَلْنَهَا وَ ابْنَهَا ءَايَةً لِّلْعَلَمِينَ(91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكمْ فَاعْبُدُونِ(92) وَ تَقَطعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كلُّ إِلَيْنَا رَجِعُونَ(93) فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصلِحَتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كفْرَانَ لِسعْيِهِ وَ إِنَّا لَهُ كتِبُونَ(94) وَ حَرَمٌ عَلى قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ(95)

مجمع البيان ج : 7 ص : 98

القراءة

قرأ حمزة و الكسائي و أبو بكر و حرم بكسر الحاء بغير ألف و الباقون « و حرام » و هو قراءة الصادق (عليه السلام) و في الشواذ قراءة الحسن و ابن أبي إسحاق أمة واحدة بالرفع و قرأ ابن عباس و قتادة و حرم و في رواية أخرى عن ابن عباس و حرم و هي قراءة عكرمة و أبي العالية .

الحجة

قال أبو علي حرم و حرام لغتان و كذلك حل و حلال و كل واحد من حرم و حرام إن شئت رفعته بالابتداء لاختصاصه بما جاء بعده من الكلام و خبره محذوف و تقديره و حرام على قرية أهلكناها بأنهم لا يرجعون مقضي أو ثابت أو محكوم عليه و إن شئت جعلته خبر مبتدإ محذوف و جعلت لا زائدة و المعنى حرام على قرية أهلكناها رجوعهم كما قال فلا يستطيعون توصية و لا إلى أهلهم يرجعون و إن شئت جعلته خبر مبتدإ و أضمرت مبتدأ كما ذكرت و يكون المعنى حرام على قرية أهلكناها بالاستئصال رجوعهم لأنهم لا يرجعون و تكون لا غير زائدة و المعنى حرام عليهم أنهم ممنوعون من ذلك و قال الزجاج تقديره و حرام على قرية أهلكناها أن يتقبل منهم عمل لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون أبدا كما قال سبحانه « ختم الله على قلوبهم » الآية فعلى هذا يكون حرام خبر مبتدإ محذوف و هو قوله أن يتقبل منهم عمل و « أنهم لا يرجعون » في موضع نصب لأنه مفعول له فأما من قرأ حرم على قرية فإنه من حرم فهو حرم أي قمر ماله قال زهير :
و إن أتاه خليل يوم مسغبة
يقول لا غائب مالي و لا حرم و أما حرم فمعناه ظاهر و من قرأ أمة بالرفع جعله بدلا من « أمتكم » و يجوز أن يكون خبرا بعد خبر و أمة منصوبة على الحال و العامل فيها معنى الإشارة و ذو الحال الأمة الأولى و في الحقيقة الحال الأولى قوله « واحدة » التي هي صفة الأمة كقوله تعالى « قرآنا عربيا » و التقدير « إن هذه أمتكم أمة واحدة » ) أي مجتمعة غير متفرقة .

المعنى

ثم عطف سبحانه على ما تقدم بقصة عيسى (عليه السلام) فقال « و التي أحصنت فرجها » يعني مريم ابنة عمران أي و اذكر مريم التي حفظت فرجها و حصنته و عفت و امتنعت من الفساد « فنفخنا فيها من روحنا » أي أجرينا فيها روح المسيح كما يجري الهواء بالنفخ فأضاف الروح إلى نفسه على وجه الملك تشريفا له في الاختصاص بالذكر و قيل إن معناه أمرنا جبرائيل فنفخ في جيب درعها فخلقنا المسيح في رحمها « و جعلناها و ابنها آية
مجمع البيان ج : 7 ص : 99
للعالمين » إنما قال آية و لم يقل آيتين لأنه في موضع دلالة فلا يحتاج إلى أن تثنى الآية فيهما أنها جاءت به من غير فحل فتكلم في المهد بما يوجب براءة ساحتها من العيب « إن هذه أمتكم أمة واحدة » أي هذا دينكم دين واحد عن ابن عباس و مجاهد و الحسن و أصل الأمة الجماعة التي على مقصد واحد فجعلت الشريعة أمة واحدة لاجتماعهم بها على مقصد واحد و قيل معناه جماعة واحدة في أنها مخلوقة مملوكة لله تعالى أي فلا تكونوا إلا على دين واحد و قيل معناه هؤلاء الذين تقدم ذكرهم من الأنبياء فريقكم الذي يلزمكم الاقتداء بهم في حال اجتماعهم على الحق كما يقال هؤلاء أمتنا أي فريقنا و موافقونا على مذهبنا « و أنا ربكم » الذي خلقكم « فاعبدوني » و لا تشركوا بي شيئا ثم ذكر اليهود و النصارى بالاختلاف فقال « و تقطعوا أمرهم بينهم » أي فرقوا دينهم فيما بينهم يلعن بعضهم بعضا و يتبرأ بعضهم من بعض عن الكلبي و ابن زيد و التقطع هذا بمنزلة التقطيع ثم قال مهددا لهم « كل إلينا راجعون » أي كل ممن اجتمع و افترق راجع إلى حكمنا في الوقت الذي لا يقدر على الحكم سوانا فنجازيهم بأعمالهم « فمن يعمل من الصالحات » التقدير فمن يعمل من الصالحات شيئا مثل صلة الرحم و معونة الضعيف و نصر المظلوم و التنفيس عن المكروب و غير ذلك من أنواع الطاعات « و هو مؤمن » شرط الإيمان لأن هذه الأشياء لو فعلها الكافر لم ينتفع بها عند الله تعالى « فلا كفران لسعيه » أي فلا جحود لإحسانه في عمله بل يشكر و يثاب عليه « و إنا له كاتبون » أي نأمر ملائكتنا أن يكتبوا ذلك و يثبتوه فلا يضيع منه شيء و قيل كاتبون أي ضامنون جزاءه حتى نوفر على عاملها مجموعة و منه الكتيبة لأنه ضم رجال إلى رجال « و حرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون » اختلف في معناه على وجوه ( أحدها ) أن لا مزيدة و المعنى حرام على قرية مهلكة بالعقوبة أن يرجعوا إلى دار الدنيا عن الجبائي و قيل إن معناه واجب عليها إنها إذا أهلكت لا ترجع إلى دنياها عن قتادة و عكرمة و الكلبي قال عطا يريد حتم مني و المراد إن الله تعالى كتب على من أهلك أن لا يرجع إلى الدنيا قضاء منه حتما و في ذلك تخويف لكفار مكة بأنهم إن عذبوا و أهلكوا لم يرجعوا إلى الدنيا كغيرهم من الأمم المهلكة و قد جاء الحرام بمعنى الواجب في شعر الخنساء :
و إن حراما لا أرى الدهر باكيا
على شجوة إلا بكيت على صخر ( و ثانيها ) إن معناه حرام على قرية وجدناها هالكة بالذنوب أن يتقبل منهم عمل لأنهم
مجمع البيان ج : 7 ص : 100
لا يرجعون إلى التوبة ( و ثالثها ) إن معناه حرام أن لا يرجعوا بعد الممات بل يرجعون أحياء للمجازاة عن أبي مسلم و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال كل قرية أهلكها الله بعذاب فإنهم لا يرجعون .
حَتى إِذَا فُتِحَت يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُم مِّن كلِّ حَدَب يَنسِلُونَ(96) وَ اقْترَب الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شخِصةٌ أَبْصرُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَوَيْلَنَا قَدْ كنَّا فى غَفْلَة مِّنْ هَذَا بَلْ كنَّا ظلِمِينَ(97) إِنَّكمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصب جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَرِدُونَ(98) لَوْ كانَ هَؤُلاءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَ كلُّ فِيهَا خَلِدُونَ(99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَ هُمْ فِيهَا لا يَسمَعُونَ(100) إِنَّ الَّذِينَ سبَقَت لَهُم مِّنَّا الْحُسنى أُولَئك عَنهَا مُبْعَدُونَ(101) لا يَسمَعُونَ حَسِيسهَا وَ هُمْ فى مَا اشتَهَت أَنفُسهُمْ خَلِدُونَ(102) لا يحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكبرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَئكةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِى كنتُمْ تُوعَدُونَ(103)

القراءة

قرأ أبو جعفر و ابن عامر و يعقوب فتحت بالتشديد و الباقون بالتخفيف و قد ذكرنا اختلافهم في يأجوج و مأجوج في سورة الكهف و في الشواذ قراءة ابن مسعود من كل حدث و قراءة ابن السميفع حصب جهنم ساكنة الصاد و قراءة ابن عباس حضب بالضاد مفتوحة و قراءة علي (عليه السلام) و عائشة و ابن الزبير و أبي بن كعب و عكرمة حطب بالطاء .

الحجة

من « خفف » فتحت فلأن الفعل في الظاهر مسند لي هذين الاسمين و أراد فتح سد يأجوج و مأجوج و من شدد حمله على الكثرة فهو مثل مفتحة لهم الأبواب و الجدث القبر بلغة الحجاز و الجدف بالفاء بلغة تميم و في الحطب لغات و حطب و حصب بالصاد و خضب
مجمع البيان ج : 7 ص : 101
بالضاد و لا يقال حصب بالصاد إلا إذا ألقي في التنور أو في الموقد و قال أحمد بن يحيى أصل الحصب الرمي حطبا كان أو غيره قال الأعشى :
فلا تك في حربنا محصبا
لتجعل قومك شتى شعوبا فأما الحصب ساكنا بالصاد و الضاد فالطرح فهو مصدر وقع موقع اسم المفعول كالخلق و الصيد بمعنى المخلوق و المصيد .

اللغة

الحدب الارتفاع من الأرض بين الانخفاض و الحدبة خروج الظهر و رجل أحدب و النسول الخروج عن الشيء الملابس يقال نسل ينسل و ينسل قال امرؤ القيس :
فإن يك قد ساءتك مني خليقة
فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي و نسل ريش الطائر إذا سقط و قيل النسول الخروج بإسراع نحو نسلان الذئب قال :
نسلان الذئب أمسى قاربا
برد الليل عليه فنسل و شخص المسافر شخوصا إذا خرج من منزله و شخص من بلد إلى بلد و شخص بصره إذا نظر إليه كأنه خرج إليه و الحسيس و الحس الحركة .

الإعراب

« و اقترب الوعد » قال الفراء معنى الواو الطرح و المعنى إذا فتحت يأجوج و مأجوج اقترب الوعد الحق قال الزجاج الواو لا يجوز أن يطرح عند البصريين و جواب إذا عندهم قوله « يا ويلنا » و هاهنا قول محذوف أي قالوا يا ويلنا و قوله « فإذا هي شاخصة » إذا ظرف مكان و العامل فيه شاخصة و هي ضمير القصة في محل رفع بالابتداء و « أبصار الذين كفروا » مبتدأ آخر و « شاخصة » خبر مقدم و الجملة خبر هي و قيل أن تمام الكلام عند قوله « هي » و تقديره فإذا هي بارزة واقعة يعني أنها من قربها كأنها وقعت ثم ابتدأ فقال « شاخصة أبصار الذين كفروا » على تقديم الخبر على المبتدأ .

المعنى

لما تقدم أنهم لا يرجعون إلى الدنيا وعدهم بالرجوع إلى الآخرة و بين علامة ذلك فقال « حتى إذا فتحت يأجوج و مأجوج » أي فتحت جهتهم و المعنى انفرج سد يأجوج و مأجوج بسقوط أو هدم أو كسر و ذلك من أشراط الساعة « و هم من كل حدب
مجمع البيان ج : 7 ص : 102
ينسلون » أي و هم يريد يأجوج و مأجوج من كل نشز من الأرض يسرعون عن قتادة و ابن مسعود و الجبائي و أبي مسلم يعني أنهم يتفرقون في الأرض فلا ترى أكمة إلا و قوم منهم يهبطون منها مسرعين و قيل إن قوله هم كناية عن الخلق يخرجون من قبورهم إلى الحشر عن مجاهد و كان يقرأ من كل جدث يعني القبر و يدل عليه قوله فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون « و اقترب الوعد الحق » أي الموعود الصدق و معناه اقترب قيام الساعة « فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا » معناه فإذا القصة أن أبصار الذين كفروا تشخص في ذلك اليوم أي لا تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم و هو له ينظرون إلى تلك الأهوال عن الكلبي « يا ويلنا » أي يقولون يا ويلنا « قد كنا في غفلة من هذا » اشتغلنا بأمور الدنيا و غفلنا عن هذا اليوم فلم نتفكر فيه « بل كنا ظالمين » بأن عصينا الله تعالى و عبدنا غيره ثم قال سبحانه « إنكم و ما تعبدون من دون الله » يعني الأصنام « حصب جهنم » أي وقودها عن ابن عباس و قيل حطبها عن مجاهد و قتادة و عكرمة و أصل الحصب الرمي فالمراد أنهم يرمون فيها كما يرمى بالحصباء عن الضحاك و أبي مسلم و يسأل على هذا فيقال أن عيسى (عليه السلام) قد عبد و الملائكة قد عبدوا و الجواب أنهم لا يدخلون في الآية لأن ما لما لا يعقل و لأن الخطاب لأهل مكة و إنما كانوا يعبدون الأصنام فإن قيل فأي فائدة في إدخال الأصنام النار و قيل يعذب بها المشركون الذين عبدوها فتكون زيادة في حسرتهم و غمهم و يجوز أن يرمى بها في النار توبيخا للكفار حيث عبدوها و هي جماد لا تضر و لا تنفع و قيل إن المراد بقوله و ما يعبدون من دون الله الشياطين دعوهم إلى عبادة غير الله فأطاعوهم كما قال يا أبت لا تعبد الشيطان « أنتم لها واردون » خطاب للكفار أي أنتم في جهنم داخلون و قيل إن معنى لها إليها لقوله بأن ربك أوحى لها أي إليها « لو كان هؤلاء » الأصنام و الشياطين « ءالهة » كما تزعمون « ما وردوها » أي ما دخلوا النار و لامتنعوا منها « و كل » من العابد و المعبود « فيها » أي في النار « خالدون » دائمون « لهم فيها زفير » أي صوت كصوت الحمار و هو شدة تنفسهم في النار عند إحراقها لهم « و هم فيها لا يسمعون » أي لا يسمعون ما يسرهم و لا ما ينتفعون به و إنما يسمعون صوت المعذبين و صوت الملائكة الذين يعذبونهم و يسمعون ما يسوءهم عن الجبائي و قيل يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون شيئا و لا يرى أحد منهم إن في النار أحدا يعذب غيره عن عبد الله بن مسعود قالوا و لما نزلت هذه الآية أتى عبد الله بن الزبعري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يا محمد أ لست تزعم أن عزيرا رجل صالح و إن عيسى (عليه السلام) رجل صالح و إن مريم امرأة صالحة قال بلى قال فإن هؤلاء يعبدون من دون الله فهم في النار فأنزل الله هذه الآية « إن الذين سبقت لهم منا الحسنى »
مجمع البيان ج : 7 ص : 103
أي الموعدة بالجنة و قيل الحسنى السعادة عن ابن زيد و كأنه يذهب إلى الكلمة بأنه سيسعد أو إلى العدة لهم على طاعتهم فأنث الحسنى « أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها » أي يكونون بحيث لا يسمعون صوتها الذي يحس « و هم فيما اشتهت أنفسهم » من نعيم الجنة و ملاذها « خالدون » أي دائمون و الشهوة طلب النفس اللذة يقال اشتهى شهوة و قيل إن الذين سبقت لهم منا الحسنى عيسى و عزير و مريم و الملائكة الذين عبدوا من دون الله و هم كارهون استثناهم من جملة ما يعبدون من دون الله عن الحسن و مجاهد و قيل إن الآية عامة في كل من سبقت له الموعدة بالسعادة « لا يحزنهم الفزع الأكبر » أي الخوف الأعظم و هو عذاب النار إذا أطبقت على أهلها عن سعيد بن جبير و ابن جريج و قيل هو النفخة الأخيرة لقوله و نفخ في الصور ففزع من في السماوات و من في الأرض إلا من شاء الله عن ابن عباس و قيل هو حين يؤمر بالعبد إلى النار عن الحسن و قيل هو حين يذبح الموت على صورة كبش أملح و ينادي يا أهل الجنة خلود و لا موت و يا أهل النار خلود و لا موت و روى أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ثلاثة على كثبان من مسك لا يحزنهم الفزع الأكبر و لا يكترثون للحساب رجل قرأ القرآن محتسبا ثم أم به قوما محتسبا و رجل أذن محتسبا و مملوك أدى حق الله عز و جل و حق مواليه « و تتلقاهم الملائكة » أي تستقبلهم الملائكة بالتهنئة يقولون لهم « هذا يومكم الذي كنتم توعدون » في الدنيا فأبشروا بالأمن و الفوز .

مجمع البيان ج : 7 ص : 104
يَوْمَ نَطوِى السمَاءَ كَطىِّ السجِلِّ لِلْكتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْق نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَعِلِينَ(104) وَ لَقَدْ كتَبْنَا فى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْض يَرِثُهَا عِبَادِى الصلِحُونَ(105) إِنَّ فى هَذَا لَبَلَغاً لِّقَوْم عَبِدِينَ(106) وَ مَا أَرْسلْنَك إِلا رَحْمَةً لِّلْعَلَمِينَ(107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلىَّ أَنَّمَا إِلَهُكمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسلِمُونَ(108) فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ ءَاذَنتُكمْ عَلى سوَاء وَ إِنْ أَدْرِى أَ قَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ(109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَ يَعْلَمُ مَا تَكتُمُونَ(110) وَ إِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكمْ وَ مَتَعٌ إِلى حِين(111) قَلَ رَب احْكم بِالحَْقِّ وَ رَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُستَعَانُ عَلى مَا تَصِفُونَ(112)

القراءة

قرأ أبو جعفر تطوى بالتاء و الضم السماء بالرفع و الباقون « نطوي » بالنون « السماء » بالنصب و قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « للكتب » على الجمع و الباقون للكتاب و قرأ حفص « قال رب » و الباقون قل ربي و قرأ أبو جعفر رب احكم بضم الباء و قرأ زيد عن يعقوب ربي احكم و هو قراءة ابن عباس و عكرمة الجحدري و ابن محيصن و الباقون « رب احكم » و في الشواذ قراءة الحسن كطي السجل بسكون الجيم و قراءة أبي زرعة بن عمر و السجل بضم السين و الجيم و تشديد اللام و قراءة أبي السماك السجل بفتح السين و سكون الجيم .

الحجة

من قرأ يوم تطوى السماء فبنى الفعل للمفعول به و من « قرأ يوم نطوي السماء » فالفاعل هو الله سبحانه و المعنى واحد و في إن انتصاب يوم وجهان عند أبي علي ( أحدهما ) أن يكون بدلا من الهاء المحذوفة من الصلة أ لا ترى إن المعنى هذا يومكم الذي توعدونه و الآخر أن يكون منتصبا بنعيده و المعنى نعيد الخلق إعادة كابتدائه أي كابتداء الخلق و مثله في المعنى كما بدأكم تعودون و تقديره كما بدأ خلقكم يعود خلقكم فحذف المضاف في الموضعين و أقام المضاف إليه مقامه و المعنى يعود خلقكم عودا كبدئه و مثله في المعنى « كما بدأنا أول خلق نعيده » و من أفرد الكتاب و لم يجمع فإنه واحد يراد به الكثرة و من قرأ « للكتب » فإن المراد به الجمع و من قرأ « قال رب » أراد قال الرسول و من قرأ قل فهو على قل أنت يا محمد و قراءة أبي جعفر رب احكم معناه يا رب احكم و هي ضعيفة عند النحويين البصريين و قد جاء مثله في المثل و هو قولهم : أصبح ليل و أطرق كرا و افتد مخنوق أي يا ليل و يا كروان و يا مخنوق و قد جاء في الشعر و هو :
عجبت لعطار أتانا يسومنا
بدسكرة المران دهن البنفسج
فقلت له عطار هلا أتيتنا
بنور الخزامي أو بخوصة عرفج
مجمع البيان ج : 7 ص : 105
أراد يا عطار و من قرأ « رب احكم » فالمعنى ظاهر .

الإعراب

الكاف في قوله « كطي السجل » في محل النصب لأنه صفة مصدر محذوف تقديره نطوي السماء طيا مثل طي السجل فإن كان السجل اسما للصحيفة فالمصدر الذي هو طي مضاف إلى المفعول في المعنى و إن كان اسم ملك أو كاتب فهو مضاف إلى الفاعل في المعنى فإن كان مفعولا كان اللام بمعنى من أجل و إن كان فاعلا كان اللام للاختصاص « وعدا علينا » منصوب على المصدر قال الزجاج لأن قوله « نعيده » بمعنى قد وعدنا ذلك و الأجود أن يقدر عاملا محذوفا لأن القراء يقفون على قوله « نعيده » قال جامع العلوم الكاف في « كما بدأنا » من صلة نعيده و إن كان متقدما و مثله كما علمه الله فليكتب « رحمة للعالمين » نصب على الحال أو على أنه مفعول له و « إنما إلهكم إله واحد » في محل رفع بإسناد « يوحى إليه » و قيامه مقام الفاعل و « على سواء » في موضع نصب على الحال من الفاعلين و المفعولين و التقدير أذنتكم و استوينا نحن و أنتم فيكون الحال من الفريقين « ما توعدون » في موضع رفع بأنه فاعل قريب لأنه اعتمد على همزة الاستفهام فهو كقولهم أ قائم أخوك و يجوز أن يكون مبتدأ و قريب خبره و على الوجهين فهما مفعولا أدري أي أعلم علقتهما همزة الاستفهام و التقدير أ قريب ما توعدون أم بعيد فبعيد عطف على قريب و النية فيه التأخير .
« و أن أدري لعله فتنة لكم » مفعول أدري محذوف و التقدير ما أدري كيف يكون الحال .

المعنى

« يوم نطوي السماء » المراد بالطي هنا هو الطي المعروف و أن الله سبحانه يطوي السماء بقدرته و قيل إن طي السماء ذهابها عن الحس « كطي السجل للكتب » و السجل صحيفة فيها الكتب عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الكلبي و على هذا فمعناه نطويها كما تطوى الصحيفة المجعولة للكتاب و يجوز أن يكون المراد بالكتاب المكتوب و قيل أن السجل ملك يكتب أعمال العباد عن أبي عمرو و السدي و قيل هو ملك يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه عن عطا و قيل هو اسم كاتب كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس في رواية « كما بدأنا أول خلق نعيده » أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا كذلك نعيدهم روي ذلك مرفوعا و قيل معناه نبعث الخلق كما ابتدأناه أي قدرتنا إلى الإعادة كقدرتنا على الابتداء عن الحسن و الزجاج و قيل معناه نهلك كل شيء كما كان أول مرة عن ابن عباس « وعدا علينا » أي وعدناكم ذلك وعدا « إنا كنا فاعلين » ما وعدناكم من ذلك « و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن الزبور كتب الأنبياء و معناه كتبنا
مجمع البيان ج : 7 ص : 106
في الكتب التي أنزلناها على الأنبياء من بعد كتابته في الذكر أي أم الكتاب الذي في السماء و هو اللوح المحفوظ عن سعيد بن جبير و مجاهد و ابن زيد و هو اختيار الزجاج قال لأن الزبور و الكتاب بمعنى واحد و زبرت كتبت ( و ثانيها ) أن الزبور الكتب المنزلة بعد التوراة و الذكر هو التوراة عن ابن عباس و الضحاك ( و ثالثها ) أن الزبور زبور داود و الذكر توراة موسى عن الشعبي و روي عنه أيضا أن الذكر القرآن و بعد بمعنى قبل « أن الأرض يرثها عبادي الصالحون » قيل يعني أرض الجنة يرثها عبادي المطيعون عن ابن عباس و سعيد بن جبير و ابن زيد فهو مثل قوله و أورثنا الأرض و قوله الذين يرثون الفردوس و قيل هي الأرض المعروفة يرثها أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالفتوح بعد إجلاء الكفار كما قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) زويت لي الأرض فأريت مشارقها و مغاربها و سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها عن ابن عباس في رواية أخرى و قال أبو جعفر (عليه السلام) هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان و يدل على ذلك ما رواه الخاص و العام عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا صالحا من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما قد ملئت ظلما و جورا و قد أورد الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في كتاب البعث و النشور أخبارا كثيرة في هذا المعنى حدثنا بجميعها عنه حافده أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن أحمد في شهور سنة ثماني عشرة و خمسمائة ثم قال في آخر الباب فأما الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بالإسناد عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لا يزداد الأمر إلا شدة و لا الناس إلا شحا و لا الدنيا إلا إدبارا و لا تقوم الساعة إلا على أشرار الناس و لا مهدي إلا عيسى بن مريم فهذا حديث تفرد به محمد بن خالد الجندي قال أبو عبد الله الحافظ و محمد بن خالد رجل مجهول و اختلف عليه في إسناده فرواه مرة عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و مرة عن أبان بن أبي عياش و هو متروك عن الحسن عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو منقطع و الأحاديث في التنصيص على خروج المهدي (عليه السلام) أصح إسنادا و فيها بيان كونه من عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذا لفظه و من جملتها ما حدثنا أبو الحسن حافده عنه قال أخبرنا أبو علي الروذباري قال أخبرنا أبو بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود السجستاني في كتاب السنن عن طرق كثيرة ذكرها ثم قال كلهم عن عاصم المقري عن زيد عن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي و في بعضها يواطىء اسمه اسمي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما
مجمع البيان ج : 7 ص : 107
ملئت ظلما و جورا و بالإسناد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم قال حدثني عبد الله بن جعفر الرقي قال حدثني أبو المليح الحسن بن عمر عن زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة (عليهاالسلام) « إن في هذا » يعني إن في الذي أخبرناكم به مما توعدنا به الكفار من النار و الخلود فيها و ما وعدنا به المؤمنين من الجنة و الكون فيها و قيل معناه إن في هذا القرآن و دلائله « لبلاغا » أي كفاية و وصلة إلى البغية و البلاغ سبب الوصول إلى الحق « لقوم عابدين » لله مخلصين له قال كعب هم أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذين يصلون الصلوات الخمس و يصومون شهر رمضان سماهم عابدين « و ما أرسلناك » يا محمد « إلا رحمة للعالمين » أي نعمة عليهم قال ابن عباس رحمة للبر و الفاجر و المؤمن و الكافر فهو رحمة للمؤمن في الدنيا و الآخرة و رحمة للكافر بأن عوفي مما أصاب الأمم من الخسف و المسخ و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لجبرائيل لما نزلت هذه الآية هل أصابك من هذه الرحمة شيء قال نعم إني كنت أخشى عاقبة الأمر ف آمنت بك لما أثنى الله علي بقوله ذي قوة عند ذي العرش مكين و قد قال إنما أنا رحمة مهداة و قيل إن الوجه في أنه نعمة على الكافر أنه عرضه للإيمان و الثواب الدائم و هداه و إن لم يهتد كمن قدم الطعام إلى جائع فلم يأكل فإنه منعم عليه و إن لم يقبل و في الآية دلالة على بطلان قول أهل الجبر في أنه ليس لله على الكافر نعمة لأنه سبحانه بين أن في إرسال محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) نعمة على العالمين و على كل من أرسل إليهم ثم قال له (عليه السلام) « قل إنما يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون » أي مستسلمون منقادون لذلك بأن تتركوا عبادة غير الله و قيل معناه الأمر أي أسلموا كقوله « فهل أنتم منتهون » أي انتهوا « فإن تولوا » أي أعرضوا و لم يسلموا « فقل آذنتكم » أي أعلمتكم بالحرب « على سواء » أي إيذانا على سواء إعلاما نستوي نحن و أنتم في علمه لا استيذانا به دونكم لتتأهبوا لما يراد بكم و مثله قوله فانبذ إليهم على سواء و قيل معناه أعلمتكم بما يجب الإعلام به على سواء في الإيذان لم أبين الحق لقوم دون قوم و لم أكتمه لقوم دون قوم و في هذا دلالة على بطلان قول أصحاب الرموز و إن للقرآن بواطن خص بالعلم بها أقوام « و أن أدري » أي و ما أدري « أ قريب أم بعيد ما توعدون » يعني أجل يوم القيامة فإن الله تعالى هو العالم بذلك و قيل معناه أذنتكم بالحرب و لا أدري متى أوذن فيه « إنه يعلم الجهر من القول و يعلم ما تكتمون » أي إن الله يعلم السر و العلانية « و إن أدري » أي و ما أدري « لعله » كناية عن غير مذكور « فتنة لكم » أي لعل ما أذنتكم به اختيار لكم و شدة تكليف ليظهر صنيعكم عن الزجاج و قيل لعل
مجمع البيان ج : 7 ص : 108
هذه الدنيا فتنة لكم عن الحسن و قيل لعل تأخير العذاب محنة و اختبار لكم لترجعوا عما أنتم عليه « و متاع إلى حين » أي تتمتعون به إلى وقت انقضاء آجالكم « قل رب احكم بالحق » أي فوض أمورك يا محمد إلى الله و قل يا رب احكم بيني و بين من كذبني بالحق قال قتادة كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا شهد قتالا قال رب احكم بالحق أي افصل بيني و بين المشركين بما يظهر به الحق للجميع و قيل معناه أحكم بحكمك الحق و هو إظهار الحق على الباطل « و ربنا الرحمن » الذي يرحم عباده « المستعان » الذي يعينهم في أمورهم فجمع بين الرحمة و المعونة اللتين تضمنتا أصول النعم « على ما تصفون » من كذبكم و باطلكم في قولكم هل هذا إلا بشر مثلكم و قولكم اتخذ الرحمن ولدا و قيل معناه و ربنا الرحمن المستعان على دفع ما تصفون .

مجمع البيان ج : 7 ص : 109
( 22 ) سورة الحج مدنية و آياتها ثمان و سبعون ( 78 )
مكية عن ابن عباس و عطا إلا آيات قال الحسن هي مدنية غير آيات نزلت في السفر و قال بعضهم غير ست آيات و قال بعضهم غير أربع .

عدد آيها

ثمان و سبعون آية كوفي سبع مكي و ست مدني خمس بصري أربع شامي .

اختلافها

خمس آيات الحميم و الجلود كلاهما كوفي و عاد و ثمود غير الشامي و قوم لوط حجازي كوفي سماكم المسلمين مكي .

فضلها

أبي بن كعب قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها و عمرة اعتمرها بعدد من حج و اعتمر فيما مضى و فيما بقي و قال أبو عبد الله (عليه السلام) من قرأها في كل ثلاثة أيام لم يخرج من سنته حتى يخرج إلى بيت الله الحرام و إن مات في سفره دخل الجنة .

تفسيرها

لما ختم الله سورة الأنبياء بالدعاء إلى التوحيد و الإعلام بأن نبيه رحمة للعالمين افتتح هذه السورة بخطاب المكلفين ليتقوا الشرك و مخالفة الدين فقال :
مجمع البيان ج : 7 ص : 110
سورة الحج
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَأَيُّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعَةِ شىْءٌ عَظِيمٌ(1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كلُّ مُرْضِعَة عَمَّا أَرْضعَت وَ تَضعُ كلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَ تَرَى النَّاس سكَرَى وَ مَا هُم بِسكَرَى وَ لَكِنَّ عَذَاب اللَّهِ شدِيدٌ(2) وَ مِنَ النَّاسِ مَن يجَدِلُ فى اللَّهِ بِغَيرِ عِلْم وَ يَتَّبِعُ كلَّ شيْطن مَّرِيد(3) كُتِب عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَ يهْدِيهِ إِلى عَذَابِ السعِيرِ(4) يَأَيُّهَا النَّاس إِن كُنتُمْ فى رَيْب مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَكم مِّن تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِن مُّضغَة مخَلَّقَة وَ غَيرِ مخَلَّقَة لِّنُبَينَ لَكُمْ وَ نُقِرُّ فى الأَرْحَامِ مَا نَشاءُ إِلى أَجَل مُّسمًّى ثمَّ نخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشدَّكمْ وَ مِنكم مَّن يُتَوَفى وَ مِنكم مَّن يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْم شيْئاً وَ تَرَى الأَرْض هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتزَّت وَ رَبَت وَ أَنبَتَت مِن كلِّ زَوْج ِيج(5) 5)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم سكرى و ما هم بسكرى و الباقون « سكارى » في الموضعين و في الشواذ قراءة الأعرج و الحسن بخلاف سكرى بضم السين و قرأ أبو جعفر و ربات بالهمزة هاهنا و في حم و الباقون « و ربت » .

الحجة

قالوا رجل سكران و امرأة سكرى و الجمع سكارى و سكارى بضم السين و فتحها إلا أن القراءة بالضم و أما سكرى في الجمع فهو مثل صرعى و جرحى و ذلك لأن السكر كأنه علة لحقت عقولهم كما أن الصرع و الجرح علة لحقت أجسامهم و فعلى مختص في الجمع بالمبتلين كالمرضى و السقمي و الهلكى و أما سكرى بالضم فيجوز أن يكون اسما مفردا على فعلى بمعنى الجمع و أما قوله « ربت » فهو من ربا يربو إذا زاد و أما الهمز فيمن ربات القوم إذا أشرفت عليهم عاليا لتحفظهم و هذا كأنه ذهب إلى علو الأرض لما فيها من إفراط الربو فإذا وصف علوها دل على أن الزيادة شاعت فيها .

مجمع البيان ج : 7 ص : 111

اللغة

الزلزلة و الزلزال شدة الحركة على الحال الهائلة و قيل إن أصله زل فضوعف للمبالغة و أثبته البصريون قالوا إن زل ثلاثي و زلزل رباعي و إن اتفق بعض الحروف في الكلمتين لأنه لا يمتنع مثل هذا أ لا ترى أنهم يقولون دمث و دمثر و سبط و سبطر و ليس أحدهما مأخوذا من الآخر و إن كان معناهما واحدا لأن الزاي ليست من حروف الزيادة و الزلزال بالفتح الاسم قال الشاعر :
يعرف الجاهل المضلل أن الدهر
فيه النكراء و الزلزال و الذهول الذهاب عن الشيء دهشا و حيرة يقال ذهب عنه يذهل ذهولا و ذهلا بمعنى و الذهل السلو قال
صحا قلبه يا عز أو كاد يذهل و الحمل بفتح الحاء ما كان في بطن أو على رأس شجرة و الحمل بكسر الحاء ما كان على ظهر أو على رأس و المريد المتجرد للفساد و قيل إن أصله الملاسة فكأنه متملس من الخير و منه صخرة مرداء أي ملساء و منه الأمرد و الممرد من البناء المتطاول المتجاوز و المضغة مقدار ما يمضغ من اللحم و الهمود الدروس و الدثور قال الأعشى :
قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا
و أرى ثيابك باليات همدا و البهيج الحسن الصورة .

الإعراب

العامل في « يوم ترونها » قوله « تذهل » أي تذهل كل مرضعة في هذا اليوم عما أرضعته و يجوز أن يكون ما مصدرية فيكون التقدير تذهل كل مرضعة في هذا اليوم عن إرضاعها ولدها و مفعول أرضعت محذوف على الوجهين و مرضعة جار على الفعل يقال امرأة مرضع أي ذات إرضاع أرضعت ولدها أو أرضعته غيرها و مرضعة ترضع قال امرؤ القيس :
و مثلك حبلى قد طرقت و مرضع
فألهيتها عن ذي تمائم محول و « سكارى » نصب على الحال و إن جعلت « ترى » بمعنى الظن فهو المفعول الثاني له « كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله » الهاء في عليه يعود إلى الشيطان و الهاء في أنه يحتمل وجهين أن يكون ضمير الأمر و الشأن و أن يكون عائدا إلى الشيطان و إنما فتحت أن في قوله « فإنه
مجمع البيان ج : 7 ص : 112
يضله » على أحد وجهين أن يكون عطفا على الأولى للتأكيد و المعنى كتب عليه أنه من تولاه يضله و تأويله كتب على الشيطان إضلال متوليه و هدايتهم إلى عذاب السعير و هذا قول الزجاج و فيه نظر لأن الأصل في التوكيد أن لا يدخل حرف العطف بين المؤكد و المؤكد فالقول الصحيح فيه أن يكون على معنى فالشأن أنه يضله فيكون مبنيا على مبتدإ مضمر و « نقر » مرفوع بالعطف على « خلقناكم » أو للاستئناف و يكون خبر مبتدإ محذوف أي و نحن نقر .
و « ما نشاء » يجوز أن يكون مفعول نقر و يجوز أن يكون ظرف زمان و يكون مفعول نقر محذوفا و تقديره و نقر في الأرحام الولد مدة مشيئتنا و « طفلا » منصوب على الحال « ثم لتبلغوا » أي لأن تبلغوا و الجار و المجرور معطوف على محذوف تقديره لترضعوا و تشبوا ثم لتبلغوا أشدكم « لكيلا يعلم » إذا اجتمع اللام بمعنى كي مع كي فالحكم للأم و كي يكون بمعنى أن و اللام يتعلق بيرد .

النزول

قال عمران بن الحصين و أبو سعيد الخدري نزلت الآيتان من أول السورة ليلا في غزاة بني المصطلق و هم حي من خزاعة و الناس يسيرون فنادى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فحثوا المطي حتى كانوا حول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقرأها عليهم فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة فلما أصبحوا لم يحطوا السرج عن الدواب و لم يضربوا الخيام و الناس من بين باك أو جالس حزين متفكر فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أ تدرون أي يوم ذاك قالوا الله و رسوله أعلم قال ذاك يوم يقول الله تعالى لآدم أبعث بعث النار من ولدك فيقول آدم من كم و كم فيقول الله عز و جل من كل ألف تسعمائة و تسعة و تسعين إلى النار و واحد إلى الجنة فكبر ذلك على المسلمين و بكوا و قالوا فمن ينجو يا رسول الله فقال أبشروا فإن معكم خليقتين يأجوج و مأجوج ما كانتا في شيء إلا كثرتاه ما أنتم في الناس إلا كشعرة بيضاء في الثور الأسود أو كرقم في ذراع البكر أو كشأمة في جنب البعير ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة و إن أهل الجنة مائة و عشرون صفا ثمانون منها أمتي ثم قال و يدخل من أمتي سبعون ألفا الجنة بغير حساب و في بعض الروايات أن عمر بن الخطاب قال يا رسول الله سبعون ألفا قال نعم و مع كل واحد سبعون ألفا فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال اللهم اجعله منهم فقام رجل من الأنصار فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) سبقك بها عكاشة قال ابن عباس كان الأنصاري منافقا فلذلك لم يدع له .

المعنى

خاطب الله سبحانه جميع المكلفين فقال « يا أيها الناس اتقوا ربكم »
مجمع البيان ج : 7 ص : 113
معناه يا أيها العقلاء المكلفون اتقوا عذاب ربكم و اخشوا معصية ربكم كما يقال احذر الأسد و المراد احذر افتراسه لا عينه « إن زلزلة الساعة » أي زلزلة الأرض يوم القيامة عن ابن عباس و الحسن و السدي و المعنى أنها تقارن قيام الساعة و تكون معها و قيل إن هذه الزلزلة قبل قيام الساعة و إنما أضافها إلى الساعة لأنها من أشراط ظهورها و آيات مجيئها عن علقمة و الشعبي « شيء عظيم » أي أمر عظيم هائل لا يطاق و قيل معناه أن شدة يوم القيامة أمر صعب و في هذا دلالة على أن المعدوم يسمى شيئا فإن الله سبحانه سماها شيئا و هي معدومة « يوم ترونها » معناه يوم ترون الزلزلة أو الساعة « تذهل كل مرضعة عما أرضعت » أي تشغل كل مرضعة عن ولدها و تنساه و قيل تسلو عن ولدها « و تضع كل ذات حمل حملها » أي تضع الحبالى ما في بطونها و في هذا دلالة على أن الزلزلة تكون في الدنيا فإن الرضاع و وضع الحمل إنما يتصور في الدنيا قال الحسن تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام و تضع الحامل ما في بطنها لغير تمام و من قال إن المراد به يوم القيامة قال أنه تهويل لأمر القيامة و تعظيم لما يكون فيه من الشدائد أي لو كان ثم مرضعة لذهلت أو حامل لوضعت و إن لم يكن هناك حامل و لا مرضعة « و ترى الناس سكارى » من شدة الخوف و الفزع « و ما هم بسكارى » من الشراب و قيل معناه كأنهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما يمر بهم لأنهم يضطربون اضطراب السكران ثم علل سبحانه ذلك فقال « و لكن عذاب الله شديد » فمن شدته يصيبهم ما يصيبهم « و من الناس من يجادل في الله بغير علم » هذا إخبار عن المشركين الذين يخاصمون في توحيد الله سبحانه و نفي الشرك عنه بغير علم منهم بل للجهل المحض و قيل إن المراد به النضر بن الحرث فإنه كان كثير الجدال و كان يقول الملائكة بنات الله و القرآن أساطير الأولين و ينكر البعث « و يتبع كل شيطان مريد » يغويه عن الهدى و يدعوه إلى الضلال و إن كان المراد بالآية النضر بن الحرث فالمراد بالشيطان المريد شيطان الإنس لأنه كان يأخذ من الأعجام و اليهود ما يطعن به على المسلمين « كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله » معناه أنه يتبع كل شيطان كتب الله على ذلك الشيطان في اللوح المحفوظ أنه يضل من تولاه فكيف يتبع مثله و يعدل بقوله عمن دعاه إلى الرحمة و قيل معناه كتب على الشيطان أنه من تولاه أضله الله تعالى و قيل معناه كتب على المجادل بالباطل إن من اتبعه و ولاه يضله عن الدين « و يهديه إلى عذاب السعير » ثم ذكر سبحانه الحجة في البعث لأن أكثر الجدال كان فيه فقال « يا أيها الناس إن كنتم في ريب » أي في شك « من البعث » و النشور و الريب أقبح الشك « فإنا خلقناكم من تراب » معناه فالدليل على صحته أنا خلقنا أصلكم و هو آدم (عليه السلام) من تراب فمن قدر على أن يصير التراب بشرا سويا حيا في الابتداء
مجمع البيان ج : 7 ص : 114
قدر على أن يحيي العظام و يعيد الأموات « ثم من نطفة » معناه ثم خلقنا أولاده و نسله من نطفة في أرحام الأمهات و هي الماء القليل يكون من الذكر و الأنثى و كل ماء صاف فهو نطفة قل أم كثر « ثم من علقة » بأن تصير النطفة علقة و هي القطعة من الدم الجامد « ثم من مضغة » أي شبه قطعة من اللحم ممضوغة فإن معنى المضغة مقدار ما يمضغ من اللحم « مخلقة و غير مخلقة » أي تامة الخلق و غير تامة عن ابن عباس و قتادة و قيل مصورة و غير مصورة و هي ما كان سقطا لا تخطيط فيه و لا تصوير عن مجاهد « لنبين لكم » معناه لندلكم على مقدورنا بتصريفكم في ضروب الخلق أو لنبين لكم أن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة أو لنبين لكم ما يزيل ريبكم فحذف المفعول « و نقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى » معناه و نبقي في أرحام الأمهات ما نشاء إلى وقت تمامه عن مجاهد و قيل و نقر من قدرنا له أجلا مسمى في رحم أمه إلى أجله « ثم نخرجكم طفلا » أي نخرجكم من بطون أمهاتكم و أنتم أطفال و الطفل الصغير من الناس و إنما وحد و المراد به الجمع لأنه بمعنى المصدر كقولهم رجل عدل و رجال عدل و قيل أراد ثم نخرج كل واحد منكم طفلا « ثم لتبلغوا أشدكم » و هو حال اجتماع العقل و القوة و تمام الخلق و قيل هو وقت الاحتلام و البلوغ و قد سبق تفسير الأشد و اختلاف العلماء في معناه « و منكم من يتوفى » أي قبل بلوغ الأشد أي يقبض روحه فيموت في حال صغره أو شبابه « و منكم من يرد إلى أرذل العمر » أي أسوأ العمر و أخبثه عند أهله و قيل أحقره و أهونه و هي حال الخوف و إنما صار أرذل العمر لأن الإنسان لا يرجو بعده صحة و قوة و إنما يرتقب الموت و الفناء بخلاف حال الطفولية و الضعف الذي يرجى له الكمال و التمام بعدها « لكيلا يعلم من بعد علم شيئا » أي لكيلا يستفيد علما و ينسى ما كان به عالما و قيل معناه لكي يصير إلى حال ينعدم عقله أو يذهب عنه علومه هرما فلا يعلم شيئا مما كان علمه و إذا ذهب أكثر علومه جاز أن يطلق عليه ذهاب الجميع قال عكرمة من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة و احتج بقوله « ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات » أي قرءوا القرآن ثم ذكر سبحانه دلالة أخرى على البعث فقال « و ترى الأرض هامدة » يعني هالكة عن مجاهد أي يابسة دارسة من أثر النبات « فإذا أنزلنا عليها الماء » و هو المطر « اهتزت » أي تحركت بالنبات و الاهتزاز شدة الحركة في الجهات « و ربت » أي زادت أي أضعفت نباتها و قيل انتفخت لظهور نباتها عن الحسن « و أنبتت » يعني الأرض « من كل زوج » أي من كل صنف « بهيج » مؤنق للعين حسن الصورة و اللون .

مجمع البيان ج : 7 ص : 115
ذَلِك بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَْقُّ وَ أَنَّهُ يحْىِ الْمَوْتى وَ أَنَّهُ عَلى كلِّ شىْء قَدِيرٌ(6) وَ أَنَّ الساعَةَ ءَاتِيَةٌ لا رَيْب فِيهَا وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَث مَن فى الْقُبُورِ(7) وَ مِنَ النَّاسِ مَن يجَدِلُ فى اللَّهِ بِغَيرِ عِلْم وَ لا هُدًى وَ لا كِتَب مُّنِير(8) ثَانىَ عِطفِهِ لِيُضِلَّ عَن سبِيلِ اللَّهِ لَهُ فى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ عَذَاب الحَْرِيقِ(9) ذَلِك بِمَا قَدَّمَت يَدَاك وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْس بِظلَّم لِّلْعَبِيدِ(10)

الإعراب

« ثاني عطفه » منصوب على الحال تقديره ثانيا عطفه « له في الدنيا خزي » له خزي مبتدأ و خبر و في يتعلق بما يتعلق به اللام و المبتدأ و خبره في محل الرفع بأنه خبر .
« من يجادل » خبر بعد خبر .
« ذلك بأن الله هو الحق » و « ذلك بما قدمت يداك » يجوز أن يكون ذلك مبتدأ و الجار و المجرور في موضع الخبر و يجوز أن يكون التقدير الأمر ذلك فيكون ذلك خبر مبتدإ محذوف .

المعنى

لما قدم سبحانه ذكر الأدلة عقبه بما يتصل به فقال « ذلك بأن الله هو الحق » معناه ذلك الذي سبق ذكره من تصريف الخلق على هذه الأحوال و إخراج النبات بسبب أن الله هو الحق أي ليعلموا أنه الذي يحق له العبادة دون غيره و قيل هو الذي يستحق صفات التعظيم « و أنه يحيي الموتى » لأن من قدر على إنشاء الخلق فإنه يقدر على إعادته « و أنه على كل شيء قدير » أما المعدومات فيقدر على إيجادها و أما الموجودات فيقدر على إفنائها و إعادتها و يقدر على جميع الأجناس و من كل جنس على ما لا نهاية له « و أن الساعة آتية لا ريب فيها » أي و ليعلموا أن القيامة آتية لا شك فيها « و أن الله يبعث من في القبور » أي يحييهم للجزاء لأن ما ذكرناه يدل على البعث على الوجه الذي بيناه « و من الناس من يجادل في الله بغير علم » سبق تفسيره « و لا هدى » أي لا يرجع فيما يقوله إلى علم و لا دلالة « و لا كتاب منير » أي مضيء له نور يؤدي من تمسك به إلى الحق و المعنى أنه لا يتبع أدلة العقل و لا أدلة السمع و إنما يتبع الهوى و التقليد و في هذا دلالة على أن الجدال بالعلم صواب و بغير العلم خطأ لأن الجدال بالعلم يدعو إلى اعتقاد الحق و بغير العلم يدعو إلى
مجمع البيان ج : 7 ص : 116
اعتقاد الباطل « ثاني عطفه » أي متكبرا في نفسه عن ابن عباس يقول العرب ثنى فلان عطفه إذا تكبر و تجبر و عطفا الرجل جانباه من عن يمين أو شمال و هو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي يلويه و يميله عند الإعراض عن الشيء و قيل معناه لاوي عنقه إعراضا و تكبرا عن الله و رسوله عن قتادة و مجاهد « ليضل عن سبيل الله » أي ليضل الناس عن الدين و من فتح الياء أراد ليضل هو عن طريق الحق المؤدي إلى توحيد الله « له في الدنيا خزي » أي هوان و ذل و فضيحة بما يجري له على ألسنة المؤمنين من الذم و بالقتل و غير ذلك « و نذيقه يوم القيامة عذاب الحريق » أي النار التي تحرقهم « ذلك » أي يقال له ذلك العذاب « بما قدمت يداك » أي بما كسبت يداك « و أن الله ليس بظلام للعبيد » في تعذيبه لأن الله لا يظلم و لا يعاقب ابتداء و لا يزيد على الجزاء و في هذا دلالة واضحة على بطلان مذهب المجبرة الذين ينسبون كل ظلم في العالم إلى الله تعالى .
وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْف فَإِنْ أَصابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَب عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةَ ذَلِك هُوَ الخُْسرَانُ الْمُبِينُ(11) يَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضرُّهُ وَ مَا لا يَنفَعُهُ ذَلِك هُوَ الضلَلُ الْبَعِيدُ(12) يَدْعُوا لَمَن ضرُّهُ أَقْرَب مِن نَّفْعِهِ لَبِئْس الْمَوْلى وَ لَبِئْس الْعَشِيرُ(13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ جَنَّت تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنْهَرُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ(14) مَن كانَ يَظنُّ أَن لَّن يَنصرَهُ اللَّهُ فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسبَب إِلى السمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطعْ فَلْيَنظرْ هَلْ يُذْهِبنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظ(15)

القراءة

قرأ روح و زيد عن يعقوب خاسر الدنيا و الآخرة بالجر و هو قراءة مجاهد و حميد بن قيس و الباقون « خسر » بغير ألف و « الآخرة » بالنصب و قرأ أهل البصرة و ابن عامر و ورش
مجمع البيان ج : 7 ص : 117
ثم ليقطع بكسر اللام و الباقون بسكونها و كذلك ثم ليقضوا و زاد ابن عامر و ليوفوا و ليطوفوا بالكسر فيهما أيضا و قرأ أبو بكر و ليوفوا بتشديد الفاء و الأعشى عنه بكسر اللام أيضا و الباقون و ليوفوا ساكنة الواو خفيفة الفاء .

الحجة

من قرأ « خسر الدنيا و الآخرة » فإن هذه الجملة تكون بدلا من قوله « انقلب على وجهه » فكأنه قال و إن أصابته فتنة خسر الدنيا و الآخرة و مثله قول الشاعر :
إن يجبنوا أو يغدروا أو يبخلوا لا يحفلوا
يغدوا عليك مرجلين كأنهم لم يفعلوا فقوله يغدوا عليك بدل من لا يحفلوا و من قرأ خاسر الدنيا و الآخرة فإنه منصوب على الحال و أما قوله « ثم ليقطع » فإن أصل هذه اللام الكسر فإذا دخلها الواو و الفاء أو ثم فمن أسكنها مع الفاء و الواو فإن الفاء و الواو يصيران كشيء واحد في نفس الكلمة لأن كل واحد منهما لا ينفرد بنفسه فصار بمنزلة كتف و فخذ فأما ثم فهو منفصل عن الكلمة و ليست كالواو و الفاء فمن أسكن اللام معها شبه الميم في ثم بالفاء و الواو و جعله كقولهم أراك منتفخا كقول العجاج
أراك منتصبا و ما تكردسا ) و مثل ذلك قولهم و هي فهي .

اللغة

الحرف و الطرف و الجانب نظائر و الاطمئنان التمكن و الفتنة هاهنا المحنة و الانقلاب الرجوع و العشير الصاحب المعاشر أي المخالط و النصرة المعونة و قيل إن النصرة هاهنا الرزق تقول العرب من ينصرني نصره الله أي من أعطاني أعطاه الله قال الفقعسي .

و إنك لا تعطي امرءا فوق حظه
و لا تملك الشق الذي الغيث ناصره أي معطيه و جائده و يقال نصر الله أرض فلان أي جاد عليها بالمطر و السبب كل ما يتوصل به إلى الشيء و منه قيل للحبل سبب و للطريق سبب و للباب سبب .

الإعراب

« يدعو لمن ضره أقرب من نفعه » قال الزجاج اختلف الناس في تفسير هذه اللام فقال البصريون و الكوفيون معنى هذه اللام التأخير و التقدير يدعو من لضره أقرب من نفعه و لم يشرحوه قال و شرحه أن اللام لليمين و التوكيد فحقها أن تكون في أول الكلام فقدمت لتجعل في حقها و إن كان أصلها أن يكون في آخره كما أن لام أن حقها أن تكون في الابتداء فلما لم يجز أن تلي إن جعلت في الخبر مثل قولك أن زيدا لقائم فهذا قول و قالوا أيضا أن يدعو معه هاء مضمرة و إن ذلك في موضع رفع و يدعو في موضع الحال المعنى ذلك
مجمع البيان ج : 7 ص : 118
هو الضلال البعيد يدعوه أي في حال دعائه إياه و يكون « لمن ضره أقرب » مستأنفا مرفوعا بالابتداء و خبره « لبئس المولى و لبئس العشير » و فيه وجه آخر أغفله الناس و هو أن يكون ذلك في تأويل الذي و هو في موضع نصب لوقوع « يدعو » عليه و يكون « لمن ضره » مستأنفا و هو مثل قوله و ما تلك بيمينك يا موسى و معناه و ما التي بيمينك و قال أبو علي إن اللامات التي هي حروف دالة على معان سوى الجارة و التي للأمر على أربعة أضرب ( أحدها ) تدخل على خبر إن إذا خففت أو على غير خبرها ليفصل بين أن النافية و المؤكدة مثل قوله و إن كانوا ليقولون و إن كاد ليضلنا ( و الثاني ) يختص بالدخول على الفعل المضارع و الماضي و يكون جوابا للقسم نحو قوله « لأملئن جهنم و قول امرىء القيس
لناموا فما إن من حديث و لا صال ( و الثالث ) يدخل في الشرط إذا كان جزاؤه معتمدا على قسم نحو قوله « و لئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا » ( و الرابع ) يختص بالدخول على الأسماء المبتدأة و هي التي تدخل على خبر أن و يدخل على الفعل المضارع إذا كان للحال و كان خبرا لأن و هو أحد جهتي مضارعة الفعل المضارع للاسم و قد تدخل هذه اللام في ضرورة الشعر على خبر المبتدأ في غير أن و ذلك كقوله
أم الحليس لعجوز شهربة و كما حكى أبو الحسن في حكاية نادرة أن زيدا وجهه لحسن فإذا كان هذه اللام حقها أن تدخل على المبتدأ أو على اسم أن أو خبرها من حيث أدخلها على المبتدأ و كان دخولها على خبر المبتدأ ضرورة مع أنه المبتدأ في المعنى فدخوله في الموصول و المراد به الصلة ينبغي أن لا يجوز لأن الصلة ليست بالموصول كما أن خبر المبتدأ المبتدأ فمن زعم أن اللام في « لمن ضره » حكمها أن تكون في المبتدأ الذي في الصلة ثم قدم على الموصول كان مخطئا و أيضا فإن اللام إذا كان حكمه أنه يكون في الصلة ثم قدم على الموصول فذلك غير سائغ كما أن سائر ما يكون في الصلة لا يتقدم على الموصول قال و الوجه في ذلك أن يجعل قوله « يدعو » تكرارا للفعل الأول على جهة تكثير هذا الفعل الذي هو الدعاء من فاعله و لا تجعلها متعدية إذ قد تعدت مرة و يجوز أن تجعل مع يدعو هاء مضمرة و يكون في موضع نصب على الحال من ذلك فكأنه قال ذلك هو الضلال البعيد مدعوا و يجوز أن تجعل ذلك هو الضلال البعيد مفعول يدعو على أن يكون ذلك في معنى الذي يكون هو الضلال البعيد صلته كما قال أبو إسحاق أيضا فتكون اللام في هذه الوجوه داخلة على اسم مبتدإ موصول و لا موضع للجملة التي هي « لمن ضره أقرب من نفعه »
 

Back Index Next