جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج7 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 7 ص : 119
الآية لأنها لا تقع موقع مفرد و يكون اللام في قوله « لبئس المولى و لبئس العشير » في موضع رفع لوقوعه خبر المبتدأ و تكون هذه اللام لليمين فهذا ما يجب أن تحمل الآية عليه و أقول إن إعرابه على الوجه الأول أن يكون « ما لا يضره » مفعول « يدعو » و « ما لا ينفعه » معطوفا عليه و « ذلك » مبتدأ و « هو الضلال البعيد » خبره و يدعو تكرارا للفعل الأول و على الوجه الثاني يكون يدعو حالا من معنى الإشارة في ذلك و على الوجه الثالث يكون ذلك اسما موصولا بمعنى الذي و الجملة صلته و الموصول و الصلة في موضع نصب بأنه المفعول ليدعو و اللام في « لمن ضره » لام الابتداء و الموصول و الصلة في موضع رفع بالابتداء و « لبئس المولى » جواب القسم و القسم و المقسم في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ و العائد إلى المبتدأ هو الضمير المحذوف من الجملة لأن التقدير لبئس المولى هو و لبئس العشير هو قال الزجاج و فيه وجه آخر و هو أن يكون يدعو في معنى يقول و يكون من في موضع رفع و خبره محذوف و يكون المعنى لمن ضره أقرب من نفعه هو مولاي و مثله قول عنترة :
يدعون عنتر و الرماح كأنها
أشطان بئر في لبان الأدهم أي يقولون يا عنتر و يجوز أن يكون يدعو في معنى يسمي كما قال ابن أحمر :
أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها
و كنت أدعو قذاها الإثمد الفرد و أقول إنما قال خبر المبتدأ هنا محذوف لأن من يعبد الصنم لا يقول لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى فلذلك قدر الخبر محذوفا .

النزول

قيل نزلت هذه الآية و من الناس من يعبد الله على حرف في جماعة كانوا يقدمون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) المدينة فكان أحدهم إذا صح جسمه و نتجت فرسه و ولدت امرأته غلاما و كثرت ماشيته رضي به و اطمأن إليه و إن أصابه وجع في المدينة و ولدت امرأته جارية قال ما أصبت في هذا الدين إلا شرا عن ابن عباس .

المعنى

لما تقدم ذكر الكفار و ما تعاطوه من الجدال ذكر سبحانه بعده حال مقلدة الضلال و الدعاة إلى الضلال فقال « و من الناس من يعبد الله على حرف » أي على ضعف في العبادة كضعف القائم على حرف أي طرف حبل أو نحوه عن علي بن عيسى قال و ذلك
مجمع البيان ج : 7 ص : 120
من اضطرابه في طريق العلم إذا لم يتمكن من الدلائل المؤدية إلى الحق فينقاد لأدنى شبهة لا يمكنه حلها و قيل على حرف أي على شك عن مجاهد و قيل معناه أنه يعبد الله بلسانه دون قلبه عن الحسن قال الدين حرفان أحدهما اللسان و الثاني القلب فمن اعترف بلسانه و لم يساعده قلبه فهو على حرف « فإن أصابه خير اطمأن به » أي أصابه رخاء و عافية و خصب و كثرة مال اطمأن على عبادة الله بذلك الخير « و إن أصابته فتنة » أي اختبار بجدب و قلة مال « انقلب على وجهه » أي رجع عن دينه إلى الكفر و المعنى انصرف إلى وجهه الذي توجه منه و هو الكفر « خسر الدنيا و الآخرة » أي خسر الدنيا بفراقه و خسر الآخرة بنفاقه « ذلك هو الخسران المبين » أي الضرر الظاهر لفساد عاجله و آجله و قيل خسر في الدنيا العز و الغنيمة و في الآخرة الثواب و الجنة « يدعو من دون الله ما لا يضره و ما لا ينفعه » أي يدعو هذا المريد بعبادته سوى الله ما لا يضره إن لم يعبده و ما لا ينفعه إن عبده « ذلك » الذي فعل « هو الضلال البعيد » عن الحق و الرشد يدعوه على الوجه الآخر معناه « يدعو » الذي هو الضلال البعيد « لمن ضره أقرب من نفعه » قال السدي يعني الذي ضره في الآخرة بعبادته إياه أقرب من النفع و إن كان لا نفع عنده و لكن العرب تقول لما لا يكون هذا بعيد و نفع الصنم بعيد لأنه لا يكون فلما كان نفعه بعيدا قيل لضره أنه أقرب من نفعه على معنى أنه كائن « لبئس المولى » أي لبئس الناصر هو « و لبئس العشير » أي الصاحب المعاشر المخالط هو يعني الصنم يخالطه العابد و يصاحبه و لما ذكر الشاك في الدين بالخسران ذكر ثواب المؤمنين على الإيمان فقال « إن الله يدخل الذين آمنوا » بالله و صدقوا رسله « و عملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد » بأوليائه و أهل طاعته من الكرامة و بأعدائه و أهل معصيته من الإهانة لا يدفعه دافع و لا يمنعه مانع ثم قال « من كان يظن أن لن ينصره الله » الهاء في ينصره عائدة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس و قتادة و المعنى من كان يظن أن الله لن ينصر نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لا يعينه على عدوه « في الدنيا و الآخرة فليمدد بسبب إلى السماء » أي فليشدد حبلا في سقفه « ثم ليقطع » أي ليمدد ذلك الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا و المعنى فليختنق غيظا حتى يموت فإن الله ناصره و لا ينفعه غيظه و هو قوله « فلينظر هل يذهبن كيده » أي صنعه و حيلته « ما يغيظ » ما بمعنى المصدر أي هل يذهبن كيده غيظه عن قتادة و أكثر المفسرين و قيل فليمدد بسبب إلى السماء معناه فليطلب شيئا يصل به إلى السماء المعروفة ثم ليقطع نصر الله و وحي الله عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ليزل بكيده ما يغيظه من نصر الله له و نزول الوحي عليه أي لا يتهيأ له ذلك و لا سبيل له إليه فليتجرع ما يغيظه و إنما قال سبحانه ذلك على وجه التبعيد أي كما لا يتهيأ لهم الوصول إلى السماء كذلك لا يتهيأ لهم إزالة ما يغيظهم من أمر رسول الله و نصره على أعدائه دائما و إنما ذكر السماء لأن النصر يأتيه من قبل السماء و من
مجمع البيان ج : 7 ص : 121
الملائكة عن أبي علي الجبائي و قيل إن الهاء في « ينصره » عائدة إلى من عن مجاهد و الضحاك و أبي مسلم ثم اختلف في معناه فقيل من كان يظن من الناس أن الله لا ينصره فليجهد جهده و ليصعد السماء ثم ليقطع المسافة فلينظر هل ينفعه كيده في إزالة غيظه لما يدعى إليه من دين الله فإن الذي حكم الله به لا يبطل بكيد الكائد عن أبي مسلم و قيل المراد بالنصر الرزق و يقال أرض منصورة أي ممطورة و المعنى من ظن أن الله لا يرزقه في الدنيا و الآخرة فليختنق نفسه أي لا يمكنه تكثير رزقه أي كما لا يقدر أن يزيد فيما رزقه الله بهذا النوع من الكيد كذلك لا يقدر عليه بسائر أنواع الكيد و هذا مثل ضربه الله لهذا الجاهل الذي يسخط لما أعطاه الله أي مثله مثل من فعل بنفسه هذا .
وَ كذَلِك أَنزَلْنَهُ ءَايَتِ بَيِّنَت وَ أَنَّ اللَّهَ يهْدِى مَن يُرِيدُ(16) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ الَّذِينَ هَادُوا وَ الصبِئِينَ وَ النَّصرَى وَ الْمَجُوس وَ الَّذِينَ أَشرَكوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كلِّ شىْء شهِيدٌ(17) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسجُدُ لَهُ مَن فى السمَوَتِ وَ مَن فى الأَرْضِ وَ الشمْس وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الجِْبَالُ وَ الشجَرُ وَ الدَّوَاب وَ كثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب وَ مَن يهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِم إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ (18)

الإعراب

خبر إن الأولى جملة الكلام مع أن الثانية و زعم الفراء أن قولك إن زيدا أنه لقائم و روي أن هذه الآية إنما صلحت في الذي قال الزجاج لا فرق بين الذي و غيره في باب أن إن قلت إن زيدا أنه قائم كان جيدا قال جرير
إن الخليفة إن الله سربله
سربال ملك به ترجى الخواتيم .

المعنى

ثم بين سبحانه أنه نزل الآيات حجة على الخلق فقال « و كذلك » أي و مثل
مجمع البيان ج : 7 ص : 122
ما تقدم من آيات القرآن « أنزلناه » يعني القرآن « آيات بينات » أي حججا واضحات على التوحيد و العدل و الشرائع « و إن الله يهدي من يريد » أي و أنزلنا إليك أن الله يهدي إلى الدين من يريد و قيل إلى النبوة و قيل إلى الثواب و قيل يهدي من يهتدي بهداه « إن الذين آمنوا » بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و الذين هادوا » و هم اليهود « و الصابئين و النصارى و المجوس و الذين أشركوا » ظاهر المعنى « إن الله يفصل بينهم يوم القيامة » أي يبين المحق من المبطل بما يضطر إلى العلم بصحة الصحيح فيبيض وجه المحق و يسود وجه المبطل و الفصل التمييز بين الحق و الباطل « إن الله على كل شيء شهيد » أي عليم مطلع على ما من شأنه أن يشاهد بعلمه قبل أن يكون لأنه علام الغيوب ثم خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد به جميع المكلفين فقال « أ لم تر » أي أ لم تعلم « إن الله يسجد له من في السماوات و من في الأرض » من العقلاء « و الشمس » أي و يسجد الشمس « و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدواب » وصف سبحانه هذه الأشياء بالسجود و هو الخضوع و الذل و الانقياد لخالقها فيما يريد منها « و كثير من الناس » يعني المؤمنين الذين يسجدون لله تعالى و انقطع ذكر الساجدين ثم ابتدأ فقال « و كثير حق عليه العذاب » أي ممن أبى السجود لأنه لا يحق عليه العذاب إلا بتركه السجود « و من يهن الله فما له من مكرم » معناه من يهنه الله بأن يشقيه و يدخله جهنم « فما له من مكرم » بالسعادة أي بإدخاله الجنة لأنه لا يملك العقوبة و المثوبة سواه « إن الله يفعل ما يشاء » من الإنعام و الانتقام بالفريقين من المؤمنين و الكافرين .

مجمع البيان ج : 7 ص : 123
* هَذَانِ خَصمَانِ اخْتَصمُوا فى رَبهِمْ فَالَّذِينَ كفَرُوا قُطعَت لهَُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّار يُصب مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَْمِيمُ(19) يُصهَرُ بِهِ مَا فى بُطونهِمْ وَ الجُْلُودُ(20) وَ لهَُم مَّقَمِعُ مِنْ حَدِيد(21) كلَّمَا أَرَادُوا أَن يخْرُجُوا مِنهَا مِنْ غَم أُعِيدُوا فِيهَا وَ ذُوقُوا عَذَاب الحَْرِيقِ(22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ جَنَّت تجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنْهَرُ يحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَساوِرَ مِن ذَهَب وَ لُؤْلُؤاً وَ لِبَاسهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ(23) وَ هُدُوا إِلى الطيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى صرَطِ الحَْمِيدِ(24)

القراءة

قرأ أهل المدينة و عاصم « و لؤلؤا » بالنصب و في سورة فاطر مثله و الباقون بالجر في الموضعين إلا يعقوب فإنه قرأ هاهنا بالنصب و في فاطر بالجر و ترك أبو جعفر و أبو بكر و شجاع الهمزة الأولى منه في جميع القرآن و في الشواذ قراءة ابن عباس يحلون بفتح الياء و تخفيف اللام .

الحجة

قال أبو علي وجه الجر في لؤلؤ أنهم يحلون فيها من أساور من ذهب و من لؤلؤ و وجه النصب أنه على و يحلون لؤلؤا و يجوز أن يكون عطفا على موضع الجار و المجرور لأن المعنى في يحلون فيها من أساور يحلون أساور و قال ابن جني يحلون من حلي يحلى يقال لم أحل منه بطائل أي لم أظفر و يجوز أن يكون من قولهم امرأة حالية أي ذات حلي .

اللغة

الخصم يستوي فيه الواحد و الجمع و الذكر و الأنثى يقال رجل خصم و رجلان خصم و رجال خصم و نساء خصم و قد يجوز في الكلام هذان خصمان اختصموا و هؤلاء خصم اختصموا قال الله تعالى « و هل أتيك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب » و هكذا حكم المصادر إذا وصف بها أو أخبر بها نحو عدل و رضى و صوم و فطر و زور و حري و قمن و ما أشبه ذلك و إنما قال في الآية خصمان لأنهما جمعان و ليسا برجلين و مثله و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا و الحميم الماء المغلى و الصهر الإذابة يقال صهرته فانصهر قال
تروي لقي ألقي في صفصف
تصهره الشمس فما ينصهر يعني ولدها و المقامع جمع مقمعة و هي مدقة الرأس من قمعه قمعا إذا ردعه و الحريق بمعنى المحرق كالأليم و الأساور جمع أسوار و فيه ثلاث لغات أسوار بالألف و سوار و سوار بالكسر و الضم و الجمع أسورة .

النزول

قيل نزلت الآية « هذان خصمان اختصموا » في ستة نفر من المؤمنين و الكفار تبارزوا يوم بدر و هم حمزة بن عبد المطلب قتل عتبة بن ربيعة و علي بن أبي طالب (عليه السلام) قتل
مجمع البيان ج : 7 ص : 124
الوليد بن عتبة و عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب قتل شيبة بن ربيعة عن أبي ذر الغفاري و عطا و كان أبو ذر يقسم بالله تعالى أنها نزلت فيهم و رواه البخاري في الصحيح و قيل نزلت في أهل القرآن و أهل الكتاب عن ابن عباس و قيل في المؤمنين و الكافرين عن الحسن و مجاهد و الكلبي و هذا قول أبي ذر إلا أن هؤلاء لم يذكروا يوم بدر .

المعنى

لما تقدم ذكر المؤمنين و الكافرين بين سبحانه ما أعده لكل واحد من الفريقين فقال « هذان خصمان » أي جمعان فالفرق الخمسة الكافرة خصم و المؤمنون خصم و قد ذكروا في قوله « إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئين » الآية « اختصموا في ربهم » أي في دين ربهم فقالت اليهود و النصارى للمسلمين نحن أولى بالله منكم لأن نبينا قبل نبيكم و ديننا قبل دينكم و قال المسلمون بل نحن أحق بالله منكم آمنا بكتابنا و كتابكم و نبينا و نبيكم و كفرتم أنتم بنبينا حسدا فكان هذا خصومتهم و قيل إن معنى اختصموا اقتتلوا يوم بدر « فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار » قال ابن عباس حين صاروا إلى جهنم لبسوا مقطعات النيران و هي الثياب القصار و قيل يجعل لهم ثياب نحاس من نار و هي أشد ما تكون حرا عن سعيد بن جبير و قيل أن النار تحيط بهم كإحاطة اللثياب التي يلبسونها بهم « يصب من فوق رءوسهم الحميم » أي الماء المغلى فيذيب في ما بطونهم من الشحوم و تساقط الجلود و في خبر مرفوع أنه يصب على رءوسهم الحميم فينفذ إلى أجوافهم فيسلت ما فيها « يصهر به ما في بطونهم و الجلود » أي يذاب و ينضج بذلك الحميم ما فيها من الأمعاء و تذاب به الجلود « و لهم مقامع من حديد » قال الليث المقمعة شبه الجرز من الحديد يضرب بها الرأس و روى أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في قوله « و لهم مقامع من حديد » لو وضع مقمع من حديد في الأرض ثم اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض و قال الحسن إن النار ترميهم بلهبها حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع فهووا فيها سبعين خريفا فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربهم زفير لهبها فلا يستقرون ساعة فذلك قوله « كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها » أي كلما حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم و الكرب الذي يأخذ بأنفسهم حين ليس لها مخرج ردوا إليها بالمقامع « و ذوقوا عذاب الحريق » أي و يقال لهم ذوقوا و الذوق طلب إدراك الطعم و الحريق الاسم من الاحتراق قال الزجاج هذا لأحد الخصمين و قال في الخصم الذين هم المؤمنون « إن الله يدخل الذين آمنوا » بالله و أقروا بوحدانيته « و عملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار » أي من تحت أبنيتها و أشجارها « يحلون فيها » أي يلبسون الحلي فيها « من أساور » و هي حلي اليد « من ذهب و لؤلؤا » أي و من لؤلؤ « و لباسهم فيها حرير » أي ديباج حرم الله سبحانه لبس
مجمع البيان ج : 7 ص : 125
الحرير على الرجال في الدنيا و شوقهم إليه في الآخرة فأخبر أن لباسهم في الجنة حرير « و هدوا إلى الطيب من القول » أي أرشدوا في الجنة إلى التحيات الحسنة يحيي بعضهم بعضا و يحييهم الله و ملائكته بها و قيل معناه أرشدوا إلى شهادة أن لا إله إلا الله و الحمد لله عن ابن عباس و زاد ابن زيد و الله أكبر و قيل أرشدوا إلى القرآن عن السدي و قيل إلى القول الذي يتلذونه و يشتهونه و تطيب به نفوسهم و قيل إلى ذكر الله فهم به يتنعمون « و هدوا إلى صراط الحميد » و الحميد هو الله المستحق للحمد المستحمد إلى عباده بنعمه عن الحسن أي الطالب منهم أن يحمدوه و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال ما أحد أحب إليه الحمد من الله عز ذكره و صراط الحميد هو طريق الإسلام و طريق الجنة .

مجمع البيان ج : 7 ص : 126
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصدُّونَ عَن سبِيلِ اللَّهِ وَ الْمَسجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَهُ لِلنَّاسِ سوَاءً الْعَكِف فِيهِ وَ الْبَادِ وَ مَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادِ بِظلْم نُّذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم(25) وَ إِذْ بَوَّأْنَا لابْرَهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَن لا تُشرِك بى شيْئاً وَ طهِّرْ بَيْتىَ لِلطائفِينَ وَ الْقَائمِينَ وَ الرُّكع السجُودِ(26) وَ أَذِّن فى النَّاسِ بِالحَْجّ يَأْتُوك رِجَالاً وَ عَلى كلِّ ضامِر يَأْتِينَ مِن كلِّ فَج عَمِيق(27) لِّيَشهَدُوا مَنَفِعَ لَهُمْ وَ يَذْكرُوا اسمَ اللَّهِ فى أَيَّام مَّعْلُومَت عَلى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَمِ فَكلُوا مِنهَا وَ أَطعِمُوا الْبَائس الْفَقِيرَ(28) ثُمَّ لْيَقْضوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ(29) ذَلِك وَ مَن يُعَظمْ حُرُمَتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَ أُحِلَّت لَكمُ الأَنْعَمُ إِلا مَا يُتْلى عَلَيْكمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الأَوْثَنِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(30)

القراءة

قرأ حفص عن عاصم و روح و زيد عن يعقوب « سواء » بالنصب و الباقون بالرفع و في الشواذ قراءة ابن عباس و أبي مجلز و مجاهد و عكرمة و الحسن رجالا بالتشديد و الضم و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قراءة ابن أبي إسحاق و الزهري و الحسن بخلاف رجالا بالضم و التخفيف .

الحجة

قال أبو علي وجه الرفع في سواء أنه خبر مبتدإ مقدم و المعنى العاكف فيه و البادي سواء ليس أحدهما بأحق به من صاحبه و هذا يدل على أن أرض الحرم لا تملك و لو ملكت لم يستويا فيها و صار العاكف فيها أولى بها من البادي لحق ملكه و لكن سبيلها سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بها و من نصب سواء أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فرفع العاكف به كما يرفع بمستوي لو قال جعلناه مستويا العاكف فيه و البادي و وجه إعماله أن المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة في نحو قولهم رجل عدل فيصير عدل كعادل و يجوز في نصب سواء وجه آخر و هو أن تنصبه على الحال فإذا نصبته عليها و جعلت قوله للناس مستقرا جاز أن يكون حالا يعمل فيها معنى الفعل و ذو الحال الذكر الذي في المستقر و يجوز أن يكون حالا من الفعل الذي هو جعلناه فإن جعلتها حالا من الضمير المتصل بالفعل كان الضمير ذا الحال و العامل فيها الفعل و جواز كون للناس مستقرا على أن يكون المعنى أنه جعل للناس و نصب لهم منسكا و متعبدا كما قال إن أول بيت وضع للناس و أما رجالا فهو جمع راجل مثل طالب و طلاب و كاتب و كتاب و أما رجالا بتخفيف الجيم فهو غريب في الجمع فهو نحو ظؤار و عراق و رخال في جمع ظئر و عرق و رخل .

اللغة

العاكف المقيم الملازم للمكان و البادي أصله من بدا يبدو إذا ظهر و البدو خلاف الحضر سمي بذلك لظهوره و البادي في الآية الطارىء و المكان ما يتمكن عليه الشيء قيل هو اسم لما أحاط بالشيء و المكان و الموضع و المستقر نظائر و الرجال جمع راجل مثل صحاب و قيام و في جمع صاحب و قائم و الضامر المهزول أضمره السير و العميق البعيد قال الراجز
يقطعن بعد النازح العميق و البائس الذي به ضر الجوع و الفقير الذي لا شيء له يقال بؤس فهو بائس أي صار ذا بؤس و هو الشدة قال الأزهري لا يعرف التفث في لغة العرب إلا من قول ابن عباس و أهل التفسير و قال النضر بن شميل هو إذهاب الشعث .

الإعراب

خبر « إن الذين كفروا » محذوف يدل عليه « و من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من
مجمع البيان ج : 7 ص : 127
عذاب أليم » فالمعنى إن الذين كفروا نذيقهم العذاب الأليم « و من يرد فيه بإلحاد » الباء فيه زائدة تقديره و من يرد فيه إلحادا و الباء في قوله « بظلم » للتعدية و ما جاءت الباء فيه مزيدة قول الشاعر
بواد يمان ينبت الشث صدره
و أسفله بالمرخ و الشبهان و قول الأعشى
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا
ملء المراجل و الصريح الأجردا و قول امرىء القيس
أ لا هل أتاها و الحوادث جمة
بأن امرء القيس بن تملك بيقرا و قال الزجاج و الذي يذهب إليه أصحابنا أن الباء ليست بملغاة و المعنى عندهم و من إرادته فيه بأن يلحد بظلم و هو مثل قوله
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل و المعنى أريد و إرادتي لهذا « على كل ضامر » في موضع نصب على الحال أي يأتوك رجالا و ركبانا و يأتين في موضع جر لأن المعنى في قوله « و على كل ضامر » على إبل ضامرة آتية من كل فج عميق و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قرأ يأتون فعلى هذا يعود الضمير في يأتون إلى الناس .

المعنى

ثم بين سبحانه حال الكفار فقال « إن الذين كفروا و يصدون عن سبيل الله » عطف بالمضارع على الماضي لأن المراد بالمضارع أيضا الماضي و يقويه قوله الذين كفروا و صدوا عن سبيل الله و يجوز أن يكون المعنى أن الذين كفروا فيما مضى و هم الآن يصدون الناس عن طاعة الله « و المسجد الحرام الذي جعلناه للناس » أي مستقرا و منسكا و متعبدا و قيل معناه خلقناه للناس كلهم لم يخص به بعض دون بعض قال الزجاج جعلناه للناس وقف تام ثم قال « سواء العاكف فيه و الباد » أي العاكف المقيم فيه و الباد الذي ينتابه من غير أهله مستويان في سكناه و النزول به فليس أحدهما أحق بالمنزل يكون فيه من
مجمع البيان ج : 7 ص : 128
الآخر غير أنه لا يخرج أحد من بيته عن ابن عباس و قتادة و سعيد بن جبير قالوا إن كراء دور مكة و بيعها حرام و المراد بالمسجد الحرام على هذا الحرم كله كقوله أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام و قيل المراد بالمسجد الحرام عين المسجد الذي يصلي فيه عن الحسن و مجاهد و الجبائي و الظاهر يدل عليه و على هذا يكون المعنى في قوله « جعلناه للناس » أي قبلة لصلاتهم و منسكا لحجهم فالعاكف و الباد سواء في حكم النسك و كان المشركون يمنعون المسلمين عن الصلاة في المسجد الحرام و الطواف به و يدعون أنهم أربابه و ولاته « و من يرد فيه بإلحاد بظلم » و الإلحاد العدول عن القصد و اختلف في معناه هاهنا فقيل هو الشرك و عبادة غير الله تعالى عن قتادة فكأنه قال و من يرد فيه ميلا عن الحق بأن يعبد غير الله ظلما و عدوانا و قيل هو الاستحلال للحرام و الركوب للآثام عن ابن عباس و الضحاك و مجاهد و ابن زيد و قيل هو كل شيء نهي عنه حتى شتم الخادم لأن الذنوب هناك أعظم و قيل هو دخول مكة بغير إحرام عن عطاء « نذقه من عذاب أليم » أي نعذبه عذابا وجيعا و قيل إن الآية نزلت في الذين صدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن مكة عام الحديبية « و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت » معناه و اذكر يا محمد إذ وطأنا لإبراهيم مكان البيت و عرفناه ذلك بما جعلنا له من العلامة قال السدي إن الله تعالى لما أمره ببناء الكعبة لم يدر أين يبني فبعث الله ريحا خجوجا فكنست له ما حول الكعبة عن الأساس الأول الذي كان البيت عليه قبل أن رفع أيام الطوفان و قال الكلبي بعث الله سبحانه على قدر البيت فيها رأس تتكلم فقامت بحيال الكعبة و قالت يا إبراهيم ابن على قدري و قيل إن المعنى جعلنا البيت مثوبة و مسكنة عن ابن الأنباري « أن لا تشرك بي شيئا » أي و أوحينا إليه أن لا تعبد غيري قال المبرد كأنه قال وحدني في هذا البيت لأن معنى لا تشرك بي شيئا وحدني « و طهر بيتي » من الشرك و عبادة الأوثان عن قتادة « للطائفين و القائمين و الركع السجود » مفسر بسورة البقرة و المراد بالقائمين المقيمين بمكة و قيل القائمين في الصلاة عن عطا « و أذن في الناس بالحج » أي ناد في الناس و أعلمهم بوجوب الحج و اختلف في المخاطب به على قولين ( أحدهما ) أنه إبراهيم عن علي و ابن عباس و اختاره أبو مسلم قال ابن عباس قام في المقام فنادى يا أيها الناس إن الله دعاكم إلى الحج فأجابوا بلبيك اللهم لبيك ( و الثاني ) أن المخاطب به نبينا محمد عليه أفضل الصلوات أي و أذن يا محمد في الناس بالحج فأذن صلوات الله عليه في حجة الوداع أي أعلمهم بوجوب الحج عن الحسن و الجبائي و جمهور المفسرين على القول الأول و قالوا أسمع الله
مجمع البيان ج : 7 ص : 129
تعالى صوت إبراهيم كل من سبق علمه بأنه يحج إلى يوم القيامة كما أسمع سليمان مع ارتفاع منزلته و كثرة جنوده حوله صوت النملة مع خفضة و سكونه و في رواية عطا عن ابن عباس قال لما أمر الله سبحانه إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج صعد أبا قبيس و وضع إصبعه في أذنيه و قال يا أيها الناس أجيبوا ربكم فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال و أول من أجابه أهل اليمن « يأتوك رجالا » أي مشاة على أرجلهم « و على كل ضامر » أي ركبانا قال ابن عباس يريد الإبل و لا يدخل بعير و لا غيره الحرم إلا و قد هزل و روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لبنيه يا بني حجوا من مكة مشاة حتى ترجعوا إليها مشاة فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة و للحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم قيل و ما حسنات الحرم قال الحسنة بمائة ألف حسنة « يأتين من كل فج عميق » أي طريق بعيد و روي مرفوعا عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة يقول يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم و شفعت رغبتهم و وهبت مسياهم لمحسنهم و أعطيت محسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم فإذا أفاض القوم إلى جمع و وقفوا و عادوا في الرغبة و الطلب إلى الله يقول يا ملائكتي عبادي وقفوا و عادوا من الرغبة و الطلب فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم و شفعت رغبتهم و وهبت مسياهم لمحسنهم و أعطيت محسنهم جميع ما سألني و كفلت عنهم بالتبعات التي بينهم و قوله « ليشهدوا منافع لهم » قيل يعني بالمنافع التجارات عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قيل التجارة في الدنيا و الأجر و الثواب في الآخرة عن مجاهد و قيل هي منافع الآخرة و هي العفو و المغفرة عن سعيد بن المسيب و عطية العوفي و هو المروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) و يكون المعنى ليحضروا ما ندبهم الله إليه مما فيه النفع لهم في الآخرة « و يذكروا اسم الله في أيام معلومات » اختلف في هذه الأيام و في الذكر فيها فقيل هي أيام العشر و قيل لها معلومات للحرص على علمها من أجل وقت الحج في آخرها و المعدودات أيام التشريق عن الحسن و مجاهد و قيل هي أيام التشريق يوم النحر و ثلاثة بعده و المعدودات أيام العشر عن ابن عباس و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و اختاره الزجاج قال لأن الذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله « على ما رزقهم من بهيمة الأنعام » أي على ذبح و نحر ما رزقهم من الإبل و البقر و الغنم و هذه الأيام تختص بذلك و قيل إن الذكر فيها كناية عن الذبح لأن صحة الذبح لما كان بالتسمية سمي باسمه توسعا و قيل هو التكبير قال أبو عبد الله التكبير بمنى عقيب خمس عشرة صلاة أولها صلاة الظهر من يوم النحر يقول الله أكبر الله أكبر لا إله
مجمع البيان ج : 7 ص : 130
إلا الله و الله أكبر الله أكبر و لله الحمد الله أكبر على ما هدانا و الحمد لله على ما أبلانا و الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام و البهيمة أصلها من الإبهام و ذلك أنها لا تفصح كما يفصح الحيوان الناطق و الأنعام الإبل و اشتقاقها من النعمة و هي اللين سميت بذلك للين أخفافها و قد يجتمع معها البقر و الغنم فيسمى الجميع أنعاما اتساعا و إن انفردا لم يسميا أنعاما « فكلوا منها » أي من بهيمة الأنعام و هذا إباحة و ندب و ليس بواجب « و أطعموا البائس الفقير » فالبائس الذي ظهر عليه أثر البؤس من الجوع و العري و قيل البائس الذي يمد يده بالسؤال و يتكفف للطلب أمر سبحانه أن يعطي هؤلاء من الهدي « ثم ليقضوا تفثهم » أي ليزيلوا أشعث الإحرام من تقليم ظفر و أخذ شعر و غسل و استعمال طيب عن الحسن و قيل معناه ليقضوا مناسك الحج كلها عن ابن عباس و ابن عمر قال الزجاج قضاء التفث كناية عن الخروج من الإحرام إلى الإحلال « و ليوفوا نذورهم » أي و ليتموا نذورهم بقضائها و لم يقل بنذورهم لأن المراد بالإيفاء الإتمام قال ابن عباس هو نحر ما نذروا من البدن و قيل هو ما نذروا من أعمال البر في أيام الحج و ربما نذر الإنسان أن يتصدق أن رزقه الله الحج و إن كان على الرجل نذور مطلقة فالأفضل أن يفي بها هناك « و ليطوفوا بالبيت العتيق » هذا أمر و ظاهره يقتضي الوجوب و قيل أراد به طواف الزيارة لأنه من أركان أفعال الحج بلا خلاف و قيل إنه طواف الصدر لأنه سبحانه أمر به عقيب المناسك كلها و روى أصحابنا أن المراد به طواف النساء الذي يستباح به وصل النساء و ذلك بعد طواف الزيارة فإنه إذا طاف طواف الزيارة حل له كل شيء إلا النساء فإذا طاف طواف النساء حلت له النساء و البيت العتيق هو الكعبة و إنما سمي عتيقا لأنه أعتق من أن يملكه العبيد عن مجاهد و سفيان بن عينية و أبي مسلم و قيل إنما سمي عتيقا لأنه أعتق من أن تصل الجبابرة إلى تخريبه و ما قصده جبار قبل نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا أهلكه الله تعالى و إنما لم يهلك الحجاج حين نقضه و بناه ثانيا ببركة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإن الله سبحانه أمن ببركته هذه الأمة من عذاب الاستئصال عن مجاهد و قيل سمي به لأنه أعتق من الطوفان فغرقت الأرض كلها إلا موضع البيت و قيل سمي به لأنه قديم فهو أول بيت وضع للناس بناه آدم (عليه السلام) ثم جدده إبراهيم (عليه السلام) عن ابن زيد « ذلك » قيل هاهنا وقف و معناه الأمر ذلك أي هكذا أمر الحج و المناسك « و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه » أي فالتعظيم خير له عند ربه أي في الآخرة و الحرمة ما لا يحل انتهاكه و قال الزجاج الحرمة ما وجب القيام به و حرم التفريط فيه و هي في هذه الآية ما نهي عنها و منع من الوقوع فيها
مجمع البيان ج : 7 ص : 131
و تعظيمها ترك ملامستها و اختار أكثر المفسرين في معنى الحرمات هنا أنها المناسك لدلالة ما يتصل بها من الآيات على ذلك و قيل معناها هاهنا البيت الحرام و البلد الحرام و الشهر الحرام و المسجد الحرام عن ابن زيد قال و يدل عليه قوله و الحرمات قصاص « و أحلت لكم الأنعام » أي الإبل و البقر و الغنم « إلا ما يتلى عليكم » يعني في سورة المائدة من الميتة و المنخنقة و الموقوذة و نحوها « فاجتنبوا الرجس من الأوثان » من هنا للتبيين و التقدير فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان و روى أصحابنا أن اللعب بالشطرنج و النرد و سائر أنواع القمار من ذلك و قيل إنهم كانوا يلطخون الأوثان بدماء قرابينهم فسمي ذلك رجسا « و اجتنبوا قول الزور » يعني الكذب و قيل هو تلبية المشركين لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه و ما ملك و روى أصحابنا أنه يدخل فيه الغناء و سائر الأقوال الملهية و روى أيمن بن خريم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قام خطيبا فقال أيها الناس عدلت شهادة الزور بالشرك بالله ثم قرأ « فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور » يريد أنه قد جمع في النهي بين عبادة الوثن و شهادة الزور .
حُنَفَاءَ للَّهِ غَيرَ مُشرِكِينَ بِهِ وَ مَن يُشرِك بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السمَاءِ فَتَخْطفُهُ الطيرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فى مَكان سحِيق(31) ذَلِك وَ مَن يُعَظمْ شعَئرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ(32) لَكمْ فِيهَا مَنَفِعُ إِلى أَجَل مُّسمًّى ثُمَّ محِلُّهَا إِلى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ(33) وَ لِكلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسكاً لِّيَذْكُرُوا اسمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَمِ فَإِلَهُكمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسلِمُوا وَ بَشرِ الْمُخْبِتِينَ(34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلُوبُهُمْ وَ الصبرِينَ عَلى مَا أَصابهُمْ وَ الْمُقِيمِى الصلَوةِ وَ ممَّا رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ(35)

القراءة

قرأ أهل المدينة فتخطفه بفتح الخاء مشددا و الباقون « فتخطفه » بسكون الخاء
مجمع البيان ج : 7 ص : 132
و التخفيف و قرأ منسكا بالكسر أهل الكوفة غير عاصم و الباقون « منسكا » بالفتح و في الشواذ قراءة الحسن و ابن أبي إسحاق و المقيمي الصلاة بالنصب .

الحجة

تخطف تتخطف فحذف تاء التفعل و هما في كلا القراءتين حكاية حال تكون و المعنى في ذلك أنه في مقابلة قوله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها فالمشرك بعكس هذا الوصف فلم يستمسك لكفره بما فيه أمان من الخرور و نجاة من الهوى و اختطاف الطير فصار كمن خر من السماء فهوت به الريح فلم يكن له معتصم و الأصل في المنسك الفتح لأنه لا يخلو من أن يكون مصدرا أو مكانا و كلاهما مفتوح العين من باب يفعل إلا أنه قد جاء اسم المكان منه في كلمات على المفعل نحو المطلع و المسجد شاذا عن القياس و من قرأ « و المقيمي الصلاة » فإنه حذف النون تخفيفا لا لتعاقبها الإضافة و شبه ذلك بالذين و اللذان في قول الشاعر
و إن الذي حانت بفلج دماءهم
هم القوم كل القوم يا أم خالد و قول الأخطل
أ بني كليب إن عمي اللذا
قتلا الملوك و فككا الأغلالا و نحوه بيت الكتاب
و الحافظو عورة العشيرة لا
يأتيهم من ورائهم وكف و قال آخر
قتلنا ناجيا بقتيل عمرو
و خير الطالبي الترة الغشوم .

اللغة

الخطف و الإخطاف الاستلاب و السحيق البعيد و السحوق النخلة الطويلة و الشعائر علامات مناسك الحج التي تشعر بما جعلت له و أشعرت البدن أعلمتها بما يشعر أنها هدي و المنسك موضع العبادة و النسك العبادة يقال نسك ينسك و ينسك أي تعبد و قيل هو عبادة الذبح و النسيكة الذبيحة يقال نسكت الشاة ذبحتها و الإخبات الخضوع و الطمأنينة و أصله من الخبت و هو المكان المطمئن و قيل المنخفض .

المعنى

قال سبحانه « حنفاء لله » أي مستقيمي الطريقة على أمر الله مائلين عن سائر الأديان و هي نصب على الحال « غير مشركين به » أي حجاجا مخلصين و هم
مجمع البيان ج : 7 ص : 133
مسلمون موحدون لا يشركون في تلبية الحج به أحدا ثم ضرب سبحانه مثلا لمن أشرك فقال « و من يشرك بالله فكأنما خر من السماء » أي سقط من السماء « فتخطفه الطير » أي تأخذه بسرعة قال ابن عباس يريد تخطف لحمه « أو تهوي به الريح » أي تسقطه « في مكان سحيق » أي بعيد مفرط في البعد قال الزجاج أعلم الله سبحانه أن بعد من أشرك به من الحق كبعد من خر من السماء فذهب به الطير أو هوت به الريح في مكان بعيد و قال غيره شبه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة فهو هالك لا محالة « ذلك » أي الأمر ذلك الذي ذكرنا « و من يعظم شعائر الله » أي معالم دين الله و الأعلام التي نصبها لطاعته ثم اختلف في ذلك فقيل هي مناسك الحج كلها عن ابن زيد و قيل هي البدن و تعظيمها استسمانها و استحسانها عن مجاهد و عن ابن عباس في رواية مقسم و الشعائر جمع شعيرة و هي البدن إذا أشرعت أي أعلمت عليها بأن يشق سنامها من الجانب الأيمن ليعلم أنها هدي فالذي يهدي مندوب إلى طلب الأسمن و الأعظم و قيل شعائر الله دين الله كله و تعظيمها التزامها عن الحسن « فإنها » أي فإن تعظيمها لدلالة تعظيم عليه ثم حذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه فقال فإنها « من تقوى القلوب » أضاف التقوى إلى القلوب لأن حقيقة التقوى تقوى القلوب و قيل أراد صدق النية « لكم فيها » أي في الشعائر « منافع » فمن تأول أن الشعائر الهدي قال إن منافعها ركوب ظهورها و شرب ألبانها إذا احتيج إليها و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و هو قول عطاء بن أبي رباح و مذهب الشافعي و على هذا فقوله « إلى أجل مسمى » معناه إلى أن ينحر و قيل إن المنافع من رسلها و نسلها و ركوب ظهورها و أصوافها و أوبارها « إلى أجل مسمى » أي إلى أن يسمي هديا و بعد ذلك تنقطع المنافع عن مجاهد و قتادة و الضحاك و القول الأول أصح لأن قبل أن تسمى هديا لا تسمى شعائر و من قال إن الشعائر مناسك الحج قال المراد بالمنافع التجارة إلى أجل مسمى إلى أن يعود من مكة و من قال إن الشعائر دين الله قال لكم فيها منافع أي الأجر و الثواب و الأجل المسمى القيامة « ثم محلها إلى البيت العتيق » و من قال إن شعائر الله هي البدن قال معناه أن محل الهدي و البدن الكعبة و قيل محله الحرم كله و قال أصحابنا إن كان الهدي للحج فمحله منى و إن كان للعمرة المفردة فمحله مكة قبالة الكعبة بالجزورة و محلها حيث يحل نحرها و من قال إن الشعائر مناسك الحج قال معناه ثم محل الحج و العمرة و الطواف بالبيت العتيق و إن منتهاها إلى البيت العتيق لأن التحلل يقع بالطواف و الطواف يختص بالبيت و من قال إن الشعائر هي الدين كله فيحتمل أن يكون معناه أن محل ما اختص منها بالإحرام هو البيت العتيق و ذلك الحج و العمرة في القصد له و الصلاة في التوجه إليه و يحتمل أن يكون معناه أن
مجمع البيان ج : 7 ص : 134
أجرها على رب البيت العتيق « و لكل أمة جعلنا منسكا » أي لكل جماعة مؤمنة من الذين سلفوا جعلنا عبادة في الذبح عن مجاهد و قيل قربانا أحل لهم ذبحه و قيل متعبدا و موضع نسك يقصده الناس و قيل منهاجا و شريعة عن الحسن « ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام » أي تعبدناهم بذلك ليذكروا اسم الله على ما رزقناهم من بهيمة الأنعام و بهيمة غير الأنعام لا يحل ذبحها و لا التقرب بها و في هذا دلالة على أن الذبائح غير مختصة بهذه الأمة و أن التسمية على الذبح كانت مشروعة قبلنا « فإلهكم إله واحد » أي معبودكم الذي توجهون إليه العبادة واحد لا شريك له و المعنى فلا تذكروا على ذبائحكم إلا الله وحده « فله أسلموا » أي انقادوا و أطيعوا « و بشر المخبتين » أي المتواضعين المطمئنين إلى الله عن مجاهد و قيل الذين لا يظلمون و إذا ظلموا لا ينتصرون كأنهم اطمأنوا إلى يوم الجزاء ثم وصفهم فقال « الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم » أي إذا خوفوا بالله خافوا « و الصابرين على ما أصابهم » من البلايا و المصائب في طاعة الله « و المقيمي الصلاة » في أوقاتها يؤدونها كما أمرهم الله « و مما رزقناهم ينفقون » أي يتصدقون من الواجب و غيره عن ابن عباس .

مجمع البيان ج : 7 ص : 135
وَ الْبُدْنَ جَعَلْنَهَا لَكم مِّن شعَئرِ اللَّهِ لَكمْ فِيهَا خَيرٌ فَاذْكُرُوا اسمَ اللَّهِ عَلَيهَا صوَاف فَإِذَا وَجَبَت جُنُوبهَا فَكلُوا مِنهَا وَ أَطعِمُوا الْقَانِعَ وَ الْمُعْترَّ كَذَلِك سخَّرْنَهَا لَكمْ لَعَلَّكُمْ تَشكُرُونَ(36) لَن يَنَالَ اللَّهَ لحُُومُهَا وَ لا دِمَاؤُهَا وَ لَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِك سخَّرَهَا لَكمْ لِتُكَبرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَدَاشْ وَ بَشرِ الْمُحْسِنِينَ(37) * إِنَّ اللَّهَ يُدَفِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يحِب كلَّ خَوَّان كَفُور(38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَرِهِم بِغَيرِ حَق إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاس بَعْضهُم بِبَعْض لهَُّدِّمَت صوَمِعُ وَ بِيَعٌ وَ صلَوَتٌ وَ مَسجِدُ يُذْكرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كثِيراً وَ لَيَنصرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىُّ عَزِيزٌ(40)

القراءة

قرأ لن تنال الله و لكن تناله بالتاء يعقوب و قرأ الأول بالتاء أبو جعفر و قرأ الباقون بالياء فيهما و قرأ ابن كثير و أهل البصرة أن الله يدفع بغير ألف و الباقون « يدافع » بالألف و قرأ أهل المدينة و يعقوب و لو لا دفاع الله بالألف و الباقون « دفع الله » بغير ألف و قرأ أهل المدينة و حفص « أذن » بضم الألف يقاتلون بفتح التاء و قرأ أبو بكر و أبو عمرو و يعقوب « أذن » بضم الألف يقاتلون بكسر التاء و قرأ ابن عامر أذن بفتح الألف « يقاتلون » بفتح التاء و الباقون أذن فتح الألف يقاتلون بكسر التاء و قرأ أهل الحجاز لهدمت خفيفة الدال و الباقون بالتشديد و أظهر التاء عاصم و يعقوب و أدغمه الآخرون و قرأ ابن مسعود و ابن عباس و ابن عمرو و أبو جعفر الباقر (عليه السلام) و قتادة و عطاء و الضحاك صوافن بالنون و قرأ الحسن و شقيق و أبو موسى الأشعري و سليمان التيمي صوافي و قرأ جعفر بن محمد (عليهماالسلام) و صلوات بضم الصاد و اللام و قرأ الجحدري و الكلبي و صلوات بضم الصاد و فتح اللام .

الحجة

التأنيث في تنال للجماعة و للفظ التقوى و التذكير لمعنى الجمع لأن التقوى بمعنى الاتقاء و الدفع مصدر دفع و الدفاع مصدر دافع و قد يكون فاعل بمعنى فعل نحو طارقت النعل و عاقبت اللص و أما قوله « أذن للذين يقاتلون » فالقراءات فيها متقاربة و المأذون لهم في القتال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ما ظلموا به أن المشركين أخرجوهم من ديارهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة ثم هاجروا إلى المدينة فمن قرأ أذن على بناء الفعل للفاعل فلما تقدم من ذكر الله سبحانه و قوله « للذين يقاتلون » في موضع نصب و من قرأ « يقاتلون » فالمعنى أنهم يقاتلون عدوهم الظالمين لهم و من قرأ « أذن » على بناء الفعل للمفعول به فالمعنى على أن الله سبحانه أذن لهم في القتال و الجار و المجرور في موضع رفع و قوله لهدمت بالتخفيف و إنما جاز لأن ذلك قد يكون للقليل و الكثير تقول ضربت زيدا ضربة و ضربته ألف ضربة فاللفظ في القلة و الكثرة على حالة واحدة و « هدمت » بالتشديد يختص بالكثرة قال الشاعر
ما زلت أفتح أبوابا و أغلقها
حتى أتيت أبا عمرو بن عمار فأما من قال صوافن فمثل الصافنات و هي الجياد من الخيل إلا أنه استعمل هنا في
مجمع البيان ج : 7 ص : 136
الإبل و الصافن الرافع إحدى رجليه معتمدا منها على سنبكها قال عمرو بن كلثوم
تركنا الخيل عاكفة عليه
مقلدة أعنتها صفونا و الصوافي الخوالص لوجه الله و إما صلوات و صلوات فيمكن أن يكون جمع صلاة و إن كانت غير مستعملة فيكون مثل حجرة و حجرات و حجرات .

اللغة

البدن جمع بدنة و هي الإبل المبدنة بالسمن قال الزجاج تقول بدنت الإبل أي سمنتها و قيل أصل البدن الضخم و كل ضخم بدن و بدن بدنا و بدنا إذا ضخم و بدن تبدينا إذا أسن و ثقل لحمه بالاسترخاء و في الحديث إني قد بدنت فلا تبادروني بالركوع و السجود و قال
و كنت خلت الشيب و التبدينا ) و الوجوب الوقوع يقال وجبت الشمس إذا وقعت في المغيب للغروب و وجب الحائط وقع و وجب القلب اضطرب بأن وقع ما يوجب اضطرابه و وجب الفعل إذا وقع ما يلزم به و وجب البيع إذا وقع وجوبا و الصواف المصطفة الأزهري عن ابن الأعرابي قال قنعت بما رزقت بالكسر و قنعت إلى فلان خضعت له بالفتح و المعتر و المعتري واحد و روي عن الحسن و أبي رجاء و عمرو بن عبيد أنهم قرءوا المعتري يقال عراه و اعتراه و عره و اعتره كله بمعنى أتاه و قصده قال طرفة
في جفان نعتري نادينا
و سديف حين هاج الصنبر و يقال قنع الرجل إلى فلان قنوعا إذا سأل قال الشماخ :
لمال المرء يصلحه فيغني
مفاقرة أعف من القنوع و الصومعة أصلها من الانضمام و منه الأصمع للاصق الأذنين و كل منضم فهو متصمع قال أبو ذؤيب يصف صائدا
فرمى فأنفذ من نحوص عائط
سهما فخر و ريشه متصمع و البيع كنائس اليهود .

مجمع البيان ج : 7 ص : 137

الإعراب

و « البدن » منصوب بإضمار فعل تقديره و جعلنا البدن جعلناها « صواف » منصوب على الحال « الذين أخرجوا من ديارهم » في محل الجر بأنه من الذين يقاتلون و يجوز أن يكون في موضع الرفع على تقديرهم الذين أخرجوا و في محل النصب على المدح على تقدير أعني الذين أخرجوا « بغير حق » في موضع نصب على الحال و يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف و تقديره أخرجوا إخراجا بهذه الصفة « إلا أن يقولوا ربنا الله » إلا هاهنا لنقض النفي و تقديره إلا بأن يقولوا أي بقولهم و « بعضهم » منصوب على البدل من الناس و هو بدل البعض من الكل و التقدير دفع الله بعض الناس ببعض .

المعنى

ثم عاد إلى ذكر الشعائر فقال « و البدن » و هي الإبل العظام و قيل الناقة و البقرة مما يجوز في الهدي و الأضاحي عن عطاء و السدي « جعلناها لكم من شعائر الله » أي من أعلام دينه و قيل من علامات مناسك الحج و المعنى جعلناها لكم فيها عبادة الله من سوقها إلى البيت و إشعارها و تقليدها و نحرها و الإطعام منها « لكم فيها خير » أي نفع في الدنيا و الآخرة و قيل أراد بالخير ثواب الآخرة و هو الوجه لأنه الغرض المطلوب « فاذكروا اسم الله عليها » أي في حال نحرها و عبر به عن النحر قال ابن عباس هو أن يقول الله أكبر لا إله إلا الله و الله أكبر اللهم منك و لك « صواف » أي قياما مقيدة على سنة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس و قيل هو أن تعقل إحدى يديها و تقوم على ثلاثة تنحر كذلك فيسوي بين أوظفتها لئلا يتقدم بعضها على بعض عن مجاهد و قيل هو أن تنحر و هي صافة أي قائمة ربطت يديها ما بين الرسغ و الخف إلى الركبة عن أبي عبد الله (عليه السلام) هذا في الإبل فأما البقر فإنه يشد يداها و رجلاها و يطلق ذنبها و الغنم يشد ثلاث قوائم منها و يطلق فرد رجل منها « فإذا وجبت جنوبها » أي سقطت إلى الأرض و عبر بذلك عن تمام خروج الروح منها « فكلوا منها » و هذا إذن و ليس بأمر لأن أهل الجاهلية كانوا يحرمونها على نفوسهم و قيل إن الأكل منها واجب إذا تطوع بها « و أطعموا القانع و المعتر » اختلف في معناهما فقيل إن القانع الذي يقنع بما أعطي أو بما عنده و لا يسأل و المعتر الذي يتعرض لك أن تطعمه من اللحم و يسأل عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و عكرمة و إبراهيم و قيل القانع الذي يسأل و المعتر الذي يتعرض و لا يسأل عن الحسن و سعيد بن جبير و قال أبو جعفر (عليه السلام) و أبو عبد الله (عليه السلام) القانع الذي يقنع بما أعطيته و لا يسخط و لا يكلح و لا يلوي شدقه غضبا و المعتر الماد يده لتطعمه و في رواية الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال القانع الذي يسأل فيرضى بما أعطي و المعتر الذي يعتري رجاءه ممن لا يسأل و روي عن ابن عباس أنه قال في جواب نافع بن الأزرق لما سأله عن ذلك القانع الذي يقنع بما أعطي و المعتر الذي يعتري الأبواب أ ما سمعت قول زهير
مجمع البيان ج : 7 ص : 138

على مكثريهم حق من يعتريهم
و عند المقلين السماحة و البذل و روي عنهم (عليهم السلام) أنه ينبغي أن يطعم ثلثه و يعطي القانع و المعتر ثلثه و يهدي لأصدقائه الثلث الباقي « كذلك » أي مثل ما وصفناه « سخرناها لكم » أي ذللناها لكم حتى لا تمنع عما تريدون منها من النحر و الذبح بخلاف السباع الممتنعة و لتنتفعوا بركوبها و حملها و نتاجها نعمة منا عليكم « لعلكم تشكرون » ذلك « لن ينال الله لحومها و لا دماؤها و لكن يناله التقوى منكم » أي لن تصعد إلى الله لحومها و لا دماؤها و إنما يصعد إليه التقوى عن الحسن و هذا كناية عن القبول و ذلك إنما يقبله الإنسان يقال قد ناله و وصل إليه فخاطب الله سبحانه عباده بما اعتادوه في مخاطباتهم و كانوا في الجاهلية إذا ذبحوا الهدي استقبلوا الكعبة بالدماء فنضحوها حول البيت قربة إلى الله و قيل معناه لن تبلغوا رضا الله بذلك و إنما تبلغونه بالتقوى « كذلك سخرها لكم » تقدم تفسيره « لتكبروا الله على ما هداكم » أي على ما بين لكم و أرشدكم لمعالم دينه و مناسك حجه و قيل هو أن يقول الله أكبر على ما هدانا « و بشر المحسنين » أي الموحدين عن ابن عباس و قيل الذين يعملون أعمالا حسنة و لا يسيئون إلى غيرهم ثم بين سبحانه دفعه عن المؤمنين بشارة لهم بالنصر فقال « إن الله يدافع عن الذين آمنوا » غائلة المشركين بأن يمنعهم منهم و ينصرهم عليهم « إن الله لا يحب كل خوان كفور » و هم الذين خانوا الله بأن جعلوا معه شريكا و كفروا نعمه عن ابن عباس و قيل من ذكر اسم غير الله و تقرب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوان كفور عن الزجاج ثم بين سبحانه إذنه لهم في قتال الكفار بعد تقدم بشارتهم بالنصرة فقال « أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا » أي بسبب أنهم ظلموا و قد سبق معناه في الحجة و كان المشركون يؤذون المسلمين و لا يزال يجيء مشجوج و مضروب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و يشكون ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيقول لهم (عليهم السلام) اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزل الله عليه هذه الآية بالمدينة و هي أول آية نزلت في القتال و في الآية محذوف و تقديره أذن للمؤمنين أن يقاتلوا أو بالقتال من أجل أنهم ظلموا بأن أخرجوا من ديارهم و قصدوا بالإيذاء و الإهانة « و إن الله على نصرهم لقدير » و هذا وعد لهم بالنصر معناه أنه سينصرهم ثم بين سبحانه حالهم فقال « الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله » يحتمل معناه أن يكون أراد أخرجوا إلى المدينة فتكون الآية مدنية و يحتمل إلى الحبشة فتكون الآية مكية و ذلك بأنهم تعرضوا لهم بالأذى حتى اضطروا إلى الخروج و قوله « بغير حق » معناه من غير أن استحقوا ذلك عن الجبائي أي لم يخرجوا من ديارهم إلا لقولهم ربنا الله وحده و قال أبو جعفر (عليه السلام) نزلت في المهاجرين و جرت في آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذين أخرجوا من ديارهم و أخيفوا « و لو لا
مجمع البيان ج : 7 ص : 139
دفع الله الناس بعضهم ببعض » قد تقدم الكلام في هذا « لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد » أي صوامع في أيام شريعة عيسى و بيع في أيام شريعة موسى و مساجد في أيام شريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الزجاج و المعنى و لو لا أن دفع الله بعض الناس ببعض لهدم في كل شريعة بناء المكان الذي يصلي فيه و قيل البيع للنصارى في القرى و الصوامع في الجبال و البراري و يشترك فيها الفرق الثلاث و المساجد للمسلمين و الصلوات كنيسة اليهود عن أبي مسلم و قال ابن عباس و الضحاك و قتادة الصلوات كنائس اليهود يسمونها صلوة فعربت و قال الحسن أراد بذلك عين الصلاة و هدم الصلاة بقتل فاعليها و منعهم من إقامتها و قيل أراد بالصلوات المصليات كما قال لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى و أراد المساجد « يذكر فيها اسم الله كثيرا » الهاء تعود إلى المساجد و قيل إلى جميع المواضع الذي تقدمت لأن الغالب فيها ذكر الله « و لينصرن الله من ينصره » ) هذا وعد من الله بأنه سينصر من ينصر دينه و شريعته « إن الله لقوي عزيز » أي قادر قاهر .
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّهُمْ فى الأَرْضِ أَقَامُوا الصلَوةَ وَ ءَاتَوُا الزَّكوةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَ للَّهِ عَقِبَةُ الأُمُورِ(41) وَ إِن يُكَذِّبُوك فَقَدْ كذَّبَت قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَ عَادٌ وَ ثَمُودُ(42) وَ قَوْمُ إِبْرَهِيمَ وَ قَوْمُ لُوط(43) وَ أَصحَب مَدْيَنَ وَ كُذِّب مُوسى فَأَمْلَيْت لِلْكفِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْف كانَ نَكِيرِ(44) فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا وَ هِىَ ظالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا وَ بِئر مُّعَطلَة وَ قَصر مَّشِيد(45)

القراءة

قرأ أهل البصرة أهلكتها بالتاء و الباقون « أهلكناها » و المعنى واحد .

اللغة

يقال خوت الدار خواء ممدودا فهي خاوية و خوى جوف الإنسان من الطعام خوى مقصورا فهو خوي و التعطيل إبطال العمل بالشيء و لهذا يقال للدهري معطل لأنه أبطل
مجمع البيان ج : 7 ص : 140
العمل بالعلم على مقتضى الحكمة و المشيد المرتفع من الأبنية شاد الرجل بناه يشيده و شيده و يشيده قال عدي بن زيد :
شاده مرمرا و جلله كلسا
فللطير في ذرأه وكور و قال امرؤ القيس :
و تيماء لم يترك بها جذع نخلة
و لا أطمأ إلا مشيدا بجندل و قيل المشيد المجصص و المبني بالشيد و الشيد الجص و الجيار و الجيار الصاروج .

المعنى

ثم وصف سبحانه من ذكرهم من المهاجرين فقال « الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة » و التمكين إعطاء ما يصح معه الفعل فإن كان الفعل لا يصح إلا ب آلة فالتمكين إعطاء تلك الآلة لمن فيه القدرة و كذلك إن كان لا يصح الفعل إلا بعلم و نصب و دلالة واضحة و سلامة و لطف و غير ذلك فالتمكين إعطاء جميع ذلك و إن كان الفعل يكفي في صحة وجوده مجرد القدرة فخلق القدرة التمكين فالمعنى الذين أعطيناهم ما به يصح الفعل منهم و سلطناهم في الأرض أدوا الصلاة بحقوقها و أعطوا ما افترض الله عليهم من الزكاة « و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر » و هذا يدل على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و المعروف هو الحق لأنه يعرف صحته و المنكر هو الباطل لأنه لا يمكن معرفة صحته قال الزجاج هذه صفة من في قوله من ينصره و قال الحسن و عكرمة هم هذه الأمة و قال أبو جعفر (عليه السلام) ) نحن هم و الله « و لله عاقبة الأمور » هو كقوله و إلى الله ترجع الأمور و معناه أنه يبطل كل ملك سوى ملكه فتصير الأمور إليه بلا مانع و لا منازع ثم عزى سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن تكذيبهم إياه و خوف مكذبيه بذكر من كذبوا أنبيائهم فأهلكوا فقال « و إن يكذبوك » يا محمد « فقد كذبت قبلهم قوم نوح و عاد و ثمود و قوم إبراهيم و قوم لوط و أصحاب مدين » كل أمة من هؤلاء الأمم فقد كذبت نبيها ثم قال « و كذب موسى » و لم يقل و قوم موسى لأن قومه بنو إسرائيل و كانوا آمنوا به و إنما كذبه فرعون و قومه « فأمليت للكافرين » أي أخرت عقوبتهم و أمهلتهم يقال أملى الله لفلان في العمر إذا أخر عنه أجله
 

Back Index Next