جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج7 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 7 ص : 166
قَالَ رَب انصرْنى بِمَا كذَّبُونِ(26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصنَع الْفُلْك بِأَعْيُنِنَا وَ وَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَ فَارَ التَّنُّورُ فَاسلُك فِيهَا مِن كلّ زَوْجَينِ اثْنَينِ وَ أَهْلَك إِلا مَن سبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَ لا تخَطِبْنى فى الَّذِينَ ظلَمُوا إِنهُم مُّغْرَقُونَ(27) فَإِذَا استَوَيْت أَنت وَ مَن مَّعَك عَلى الْفُلْكِ فَقُلِ الحَْمْدُ للَّهِ الَّذِى نجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظلِمِينَ(28) وَ قُل رَّب أَنزِلْنى مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَ أَنت خَيرُ الْمُنزِلِينَ(29) إِنَّ فى ذَلِك لاَيَات وَ إِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ(30)

القراءة

قرأ أبو بكر عن عاصم منزلا بفتح الميم و كسر الزاي و الباقون « منزلا » بضم الميم و فتح الزاي .

الحجة

قال أبو علي من قرأ « منزلا » بالضم جاز أن يكون مصدرا و أن يكون موضعا للإنزال فعلى الوجه الأول جاز أن يعدى الفعل إلى مفعول آخر و على الوجه الثاني قد تعدى إلى مفعولين و من قرأ منزلا أمكن أن يكون مصدرا و أن يكون موضع نزول و دل أنزلني على نزلت .

المعنى

ثم ذكر سبحانه أن نوحا لما نسبه قومه إلى الجنون و لم يقبلوا منه « قال رب انصرني بما كذبوني » أي بتكذيبهم إياي و المعنى انصرني بإهلاكهم « فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا » أي بحيث نراها كما يراها الرائي من عبادنا بعينه و قيل معناه بأعين أوليائنا من الملائكة و المؤمنين فإنهم يحرسونك من كل من يمنعك منه « و وحينا » أي بأمرنا و إعلامنا إياك كيفية فعلها « فإذا جاء أمرنا و فار التنور فاسلك فيها » أي فأدخل في السفينة « من كل زوجين اثنين و أهلك إلا من سبق عليه القول منهم » مفسر في سورة هود « و لا تخاطبني في الذين ظلموا » أي لا تكلمني في شأنهم « إنهم مغرقون » أي هالكون « فإذا استويت أنت » يا نوح « و من معك على الفلك » أي السفينة « فقل الحمد لله الذي نجانا » أي خلصنا « من القوم الظالمين » لنفوسهم بجحدهم توحيد الله « و قل رب أنزلني منزلا مباركا » أي إنزالا مباركا أو نزولا مباركا بعد الخروج من السفينة و ذلك تمام النجاة عن مجاهد و قيل المنزل المبارك هو السفينة عن الجبائي قيل لأنه سبب النجاة و قيل معناه أنزلني
مجمع البيان ج : 7 ص : 167
مكانا مباركا بالماء و الشجر عن الكلبي و قيل معنى البركة أنهم توالدوا و كثروا عن مقاتل « و أنت خير المنزلين » لأنه لا يقدر أحد على أن يصون غيره من الآفات إذا أنزله منزلا و يكفيه جميع ما يحتاج إليه إلا أنت قال الحسن كان في السفينة سبعة أنفس من المؤمنين و نوح ثامنهم و قيل ثمانون « إن في ذلك » أي في أمر نوح و السفينة و هلاك أعداء الله « لآيات » أي دلالات للعقلاء يستدلون بها على التوحيد « و إن كنا لمبتلين » معناه و إن كنا مختبرين إياهم بإرسال نوح و وعظه و تذكيره و متعبدين عبادنا بالاستدلال بتلك الآيات على قدرتنا و معرفتنا .
ثُمَّ أَنشأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ(31) فَأَرْسلْنَا فِيهِمْ رَسولاً مِّنهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكم مِّنْ إِلَه غَيرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ(32) وَ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ الاَخِرَةِ وَ أَتْرَفْنَهُمْ فى الحَْيَوةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلا بَشرٌ مِّثْلُكمْ يَأْكلُ مِمَّا تَأْكلُونَ مِنْهُ وَ يَشرَب مِمَّا تَشرَبُونَ(33) وَ لَئنْ أَطعْتُم بَشراً مِّثْلَكمْ إِنَّكمْ إِذاً لَّخَسِرُونَ(34) أَ يَعِدُكمْ أَنَّكمْ إِذَا مِتُّمْ وَ كُنتُمْ تُرَاباً وَ عِظماً أَنَّكم مخْرَجُونَ(35) * هَيهَات هَيهَات لِمَا تُوعَدُونَ(36) إِنْ هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوت وَ نحْيَا وَ مَا نحْنُ بِمَبْعُوثِينَ(37) إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ افْترَى عَلى اللَّهِ كذِباً وَ مَا نحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ(38) قَالَ رَب انصرْنى بِمَا كَذَّبُونِ(39) قَالَ عَمَّا قَلِيل لَّيُصبِحُنَّ نَدِمِينَ(40)

القراءة

قرأ أبو جعفر هيهات هيهات بالكسر و الباقون بالفتح و في الشواذ قراءة
مجمع البيان ج : 7 ص : 168
عيسى بن عمر هيهات هيهات بالتنوين و الكسر و قراءة أبي حيوة هيهات هيهات بالرفع و التنوين و قراءة عيسى الهمداني هيهات هيهات مرسلة التاء .

الحجة

قال ابن جني أما الفتح و هو قراءة العامة فعلى أنه واحد و هو اسم سمي به الفعل في الخبر و هو اسم بعد كما أن شتان اسم افترق و أف اسم أتضجر و من كسر فقال هيهات منونا أو غير منون فهو جمع هيهاة و أصلها هيهيات فحذف الألف لأنه في آخر اسم غير متمكن كما حذفت ياء الذي و ألف ذا في التثنية إذا قلت اللذان و ذان و من نون ذهب إلى التنكير أي بعدا بعدا و من لم ينون ذهب إلى التعريف أراد البعد البعد و من فتح وقف بالهاء لأنها كهاء أرطاة و من كسر كتبها بالتاء لأنها جماعة و من قال هيهات بالتنوين و الرفع فإنه يكتبها بالهاء و يكون اسما معربا فيه معنى البعد و قوله « لما توعدون » خبر عنه فكأنه قال البعد لوعدكم و أما هيهات ساكنة التاء فينبغي أن تكون جماعة و تكتب بالتاء و أجريت في الوقف مجراها في الوصل و تقول العرب هيهات لما تبغي و هيهات منزلك قال جرير
فهيهات هيهات العقيق و من به
و هيهات خل بالعقيق نواصله و يروى أيهات و اختار الفراء الوقف على هيهات بالتاء لأن قبلها ساكنا فصارت كتأنيث أخت و قال أبو علي إنما كرر هيهات في الآية و في البيت للتأكيد و أما اللتان في الآية ففي كل واحدة منهما ضمير مرتفع يعود إلى إلى الإخراج إذ لا يجوز خلوه من الفاعل و التقدير هيهات إخراجكم لأن قوله « إنكم مخرجون » بمعنى الإخراج أي بعد إخراجكم للوعد إذ كان الوعد إخراجكم بعد موتكم استبعد أعداء الله إخراجهم لما كانت العدة به بعد الموت ففاعل هيهات هو الضمير العائد إلى « إنكم مخرجون » الذي هو بمعنى الإخراج و أما في البيت ففي هيهات الأول ضمير العقيق و فسر ذلك ظهوره مع الثاني .

الإعراب

اختلفوا في أن الثانية من قوله سبحانه « أ يعدكم أنكم إذا متم و كنتم ترابا و عظاما إنكم مخرجون » و كذلك قوله أ لم يعلموا أنه من يحادد الله و رسوله فإن له نار جهنم و قوله كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعده و أصلح فإنه غفور رحيم فقال سيبويه إن الثانية في هذه المواضع الثلاث بدل من الأولى و قال أبو عمرو الجرمي و أبو العباس المبرد أنها مكررة للتأكيد و طول الكلام و قال أبو الحسن إنها مرتفع بالظرف و اختاره أبو علي الفارسي و زيف القولين الأولين و أقول إن أن الأولى في
مجمع البيان ج : 7 ص : 169
قوله « أ يعدكم أنكم » مع اسمها و خبرها في موضع نصب على أنه المفعول الثاني من الوعد و يكون تقديره على مذهب سيبويه أ يعدكم أنكم مخرجون إذا متم و كنتم ترابا و عظاما أي أ يعدكم كونكم مخرجين بعد موتكم و كونكم ترابا و عظاما و أما على مذهب من جعله للتكرير فتقديره أ يعدكم أنكم بعد موتكم مخرجون و أما على مذهب أبي الحسن و أبي علي فتقديره أ يعدكم أنكم إذا متم إخراجكم و اتقوا أنكم وقت موتكم أو بعد موتكم إخراجكم فقوله « إنكم مخرجون » في موضع رفع بالظرف الذي هو قوله « إذا متم » و قوله « إذا متم » مع ما بعده رفع لكونه جملة واقعة موقع خبر إن الأولى و موضع إذا نصب كما انتصب يوم في قولك يوم الجمعة القتال و العامل في الظرف في الأصل الفعل المحذوف أو معنى الفعل مثل قولك يحدث أو حادث أو يكون أو كائن و لا يجوز أن يكون العامل فيه الإخراج نفسه إذ لو كان كذلك لكان الكلام غير تام و لا يكون له خبر ثم يحذف هذا المضمر لدلالة الظرف عليه و قيامه مقامه و يصير الذكر الذي كان في المضمر من المحدث عنه في الظرف و ذلك الذكر مرتفع بالظرف كما كان يرتفع بالفعل كما في نحو قولك زيد ذهب و زيد ذاهب فلما قام الظرف مقام الفعل متأخرا عن الاسم قام مقامه أيضا مبتدأ فرفع الاسم الظاهر كما رفعه الفعل فكذلك إذا في الآية تقديره في الأصل إذا متم إخراجكم كائن أو حادث أو يكون أو يحدث ثم اختزل الفعل أو معنى الفعل على ما قاله أبو علي فانتصب إذا بذلك كما ينتصب غدا في قولك غدا الرحيل و حذف الخبر كما حذف من غد ثم قام إذا مقام الفعل فرفع قوله « إنكم مخرجون » كما رفع قولك غدا الرحيل و على هذا فيجوز أن نقول هنا أن موضع إذا نصب بحادث أو يحدث المضمر في قولك إذا متم إخراجكم يحدث أو حادث و يجوز أن نقول إن الاسم الذي هو « إنكم مخرجون » واقع موقع جواب شرط إذا و يرفع بفعل مضمر تقديره أ يعدكم إذا متم يعاد إخراجكم أو يحدث إخراجكم و يكون موضع إذا نصب بذلك الفعل فأما تقدير ارتفاع أن الثانية بالظرف في الآيتين الأخيرتين فقد تقدم بيانه في موضعيهما من هذا الكتاب فلا معنى لإعادته فقد أجاز أبو عثمان و غيره إضمار الظرف و إعماله كما قالوا في انتصاب مثلهم في بيت الفرزدق
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم
إذ هم قريش و إذ ما مثلهم بشر أنه على ظرف مضمر .

المعنى

ثم عطف سبحانه على قصة قوم نوح فقال « ثم أنشأنا من بعدهم » أي
مجمع البيان ج : 7 ص : 170
أحدثنا و خلقنا من بعد قوم نوح « قرنا آخرين » أي جماعة آخرين من الناس و القرن أهل العصر على مقارنة بعضهم لبعض قيل يعني عاد أقوم هود لأنه المبعوث بعد نوح و قيل يعني ثمود لأنهم أهلكوا بالصيحة عن الجبائي « فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أ فلا تتقون » سبق تفسيره « و قال الملأ من قومه الذين كفروا و كذبوا بلقاء الآخرة » أي بالبعث و الجزاء « و أترفناهم في الحياة الدنيا » أي نعمناهم فيها بضروب الملاذ « ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه و يشرب مما تشربون » من الأشربة فليس هو أولى بالرسالة منا « و لئن أطعتم بشرا مثلكم » فيما يدعوكم إليه « إنكم إذا لخاسرون » باتباعه « أ يعدكم » هذا الرسول « إنكم إذا متم و كنتم ترابا و عظاما » و صرتم بعد الموت رميما « إنكم مخرجون » من قبوركم أحياء « هيهات » فيه ضمير مرتفع عائد إلى قوله « إنكم مخرجون » و المعنى هيهات هو أي بعد إخراجكم جدا حتى امتنع « هيهات لما توعدون » قال ابن عباس بعدا بعدا لما توعدون و قال الكلبي بعيد بعيد ما يعدكم ليوم البعث « إن هي إلا حياتنا الدنيا » أي ليس الحياة إلا الحياة التي نحن فيها القريبة منا « نموت و نحيا » أي يموت قوم منا و يحيا قوم و لا نبعث و قيل يموت الآباء و يحيا الأبناء عن الكلبي و قيل يموت قوم و يولد قوم « و ما نحن بمبعوثين » بعد ذلك « إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا » أي اختلق كذبا « و ما نحن له بمؤمنين » أي بمصدقين فيما يقول « قال رب انصرني بما كذبون » تقدم بيانه « قال » أي قال الله سبحانه « عما قليل » أي عن قليل من الزمان و الوقت يعني عند الموت لو عند نزول العذاب و ما هاهنا مزيدة « ليصبحن نادمين » هذا وعيد لهم و اللام للقسم .

مجمع البيان ج : 7 ص : 171
فَأَخَذَتهُمُ الصيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظلِمِينَ(41) ثُمَّ أَنشأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً ءَاخَرِينَ(42) مَا تَسبِقُ مِنْ أُمَّة أَجَلَهَا وَ مَا يَستَئْخِرُونَ(43) ثمَّ أَرْسلْنَا رُسلَنَا تَترَا كلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسولهَُا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضهُم بَعْضاً وَ جَعَلْنَهُمْ أَحَادِيث فَبُعْداً لِّقَوْم لا يُؤْمِنُونَ(44) ثمَّ أَرْسلْنَا مُوسى وَ أَخَاهُ هَرُونَ بِئَايَتِنَا وَ سلْطن مُّبِين(45) إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلايهِ فَاستَكْبرُوا وَ كانُوا قَوْماً عَالِينَ(46) فَقَالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشرَيْنِ مِثْلِنَا وَ قَوْمُهُمَا لَنَا عَبِدُونَ(47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ(48) وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسى الْكِتَب لَعَلَّهُمْ يهْتَدُونَ(49) وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيمَ وَ أُمَّهُ ءَايَةً وَ ءَاوَيْنَهُمَا إِلى رَبْوَة ذَاتِ قَرَار وَ مَعِين(50)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو و أبو جعفر تترى بالتنوين و الباقون بغير تنوين و من نون وقف بالألف لا غير و من لم ينون و مذهبه الإمالة وقف بالياء و هي ألف ممالة و الباقون بالألف و قد ذكرنا اختلافهم في « ربوة » في سورة البقرة .

الحجة

قال أبو علي « تترى » فعلى من المواترة أن يتبع الخبر الخبر و الكتاب الكتاب فلا يكون بينهما فصل كثير و الأقيس أن لا يصرف لأن المصادر قد يلحق أواخرها ألف التأنيث كالدعوى و العدوي و الذكرى و الشورى و لم نعلم شيئا من المصادر لحق آخرها الياء للإلحاق فمن قال « تترى » أمكن أن يريد به فعلى من المواترة فيكون الألف بدلا من التنوين و إن كان في الخط بالياء كان للإلحاق و الإلحاق في غير المصادر ليس بالقليل نحو أرطى و معزى و لزم أن يحمل على فعل دون فعلى و من قال « تترى » و أراد به فعلى فحكمه أن يقف بالألف مفخمة و لا يمليها و من جعل للإلحاق أو للتأنيث أمال الألف إذا وقف عليها .

المعنى

لما قال سبحانه إن هؤلاء الكفار يصبحون نادمين على ما فعلوه عقبه بالإخبار عن إهلاكهم فقال « فأخذتهم الصيحة » صاح بهم جبرائيل صيحة واحدة ماتوا عن آخرهم « بالحق » أي باستحقاقهم العقاب بكفرهم « فجعلناهم غثاء » و هو ما جاء به السيل من نبات قد يبس و كل ما يحمله السيل على رأس الماء من قصب و عيدان شجرة فهو غثاء و المعنى فجعلناهم هلكى قد يبسوا كما يبس الغثاء و همدوا « فبعدا » أي ألزم الله بعدا من الرحمة « للقوم الظالمين » المشركين المكذبين « ثم أنشأنا من بعدهم » أي من بعد هؤلاء « قرونا آخرين » أي أمما و أهل أعصار آخرين « ما تسبق من أمة أجلها و ما يستأخرون » هذا وعيد للمشركين معناه ما تموت أمة قبل أجلها المضروب لها و لا تتأخر عنه و قيل عنى بالعذاب الموعود لهم على التكذيب أنه لا يتقدم على الوقت المضروب لهم لذلك و لا يتأخر
مجمع البيان ج : 7 ص : 172
عنه و الأجل هو الوقت المضروب لحدوث أمر من الأمور و الأجل المحتوم لا يتأخر و لا يتقدم و الأجل المشروط بحسب الشرط و المراد بالأجل المذكور في الآية الأجل المحتوم « ثم أرسلنا رسلنا تترى » أي متواترة يتبع بعضهم بعضا عن ابن عباس و مجاهد و قيل متقاربة الأوقات و أصله الاتصال لاتصاله بمكانه من القوس و منه الوتر و هو الفرد عن الجمع المتصل قال الأصمعي يقال واترت الخبر اتبعت بعضه بعضا و بين الخبرين هنيهة « كلما جاء أمة رسولها كذبوه » و لم يقروا بنبوته « فأتبعنا بعضهم بعضا » يعني في الإهلاك أي أهلكنا بعضهم في إثر بعض « و جعلناهم أحاديث » أي يتحدث بهم على طريق المثل في الشر و هو جمع أحدوثة و لا يقال هذا في الخير و المعنى إنا صيرناهم بحيث لم يبق بين الناس منهم إلا حديثهم « فبعدا لقوم لا يؤمنون » ظاهر المعنى « ثم أرسلنا موسى و أخاه هارون ب آياتنا » أي بدلائلنا الواضحة « و سلطان مبين » أي و برهان ظاهر بين « إلى فرعون و ملإيه » خص الملأ و هم الأشراف بالذكر لأن الآخرين كانوا أتباعا لهم « فاستكبروا » أي تجبروا و تعظموا عن قبول الحق « و كانوا قوما عالين » أي متكبرين قاهرين قهروا أهل أرضهم و اتخذوهم خولا « فقالوا أ نؤمن لبشرين مثلنا » أي أ نصدق لإنسانين خلقهم مثل خلقنا و يسمى الإنسان بشرا لانكشاف بشرته و هي جلدته الظاهرة حتى احتاج إلى لباس يكنه و غيره من الحيوان مغطى البشرة بصوف أو ريش أو غيره لطفا من الله سبحانه بخلقه إذ لم يكن هناك عقل يدبر أمره مع حاجته إلى ما يكنه و الإنسان يهتدي إلى ما يستعين به في هذا الباب « و قومهما لنا عابدون » أي مطيعون طاعة العبد لمولاه قال الحسن كان بنو إسرائيل يعبدون فرعون و فرعون يعبد الأوثان « فكذبوهما فكانوا من المهلكين » أي فكذبوا موسى و هارون فكان عاقبة تكذيبهم أن أهلكهم الله و غرقهم « و لقد آتينا موسى الكتاب » أي التوراة « لعلهم يهتدون » أي لكي يهتدوا إلى طريق الحق و الصواب « و جعلنا ابن مريم و أمه آية » و هذا مثل قوله و جعلناها و ابنها آية للعالمين أي حجة على قدرتنا على الاختراع و آية عيسى أنه خلق من غير ذكر و آية مريم أنها حملت من غير فحل « و آويناهما إلى ربوة » أي جعلنا مأواهما مكانا مرتفعا مستويا واسعا يقال أوى إليه يأوي أويا و أواه غيره يؤويه إيواء أي جعله مأوى له و الربوة التي أويا إليها هي الرملة من فلسطين عن أبي هريرة و قيل دمشق عن سعيد بن المسيب و قيل مصر عن ابن زيد و قيل بيت المقدس عن قتادة و كعب قال كعب و هي أقرب الأرض إلى السماء و قيل هي حيرة الكوفة و سوادها و القرار مسجد الكوفة و المعين الفرات عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل « ذات قرار و معين » معناه أي ذات موضع قرار أي هي أرض مستوية يستقر عليها ساكنوها عن الضحاك و سعيد و قيل ذات ثمار عن قتادة ذهب إلى أنه لأجل الثمار
مجمع البيان ج : 7 ص : 173
يستقر فيها ساكنوها و معين ماء جار ظاهر العيون مفعول من عنته أعينه و يجوز أن يكون فعيلا من معن يمعن معانة و الماعون الشيء القليل في قول الزجاج قال الراعي
قوم على الإسلام لما يمنعوا
ماعونهم و يبدلوا التنزيلا قالوا معناه رفدهم و قيل زكائهم و قال عبيد بن الأبرص
واهية أو معين ممعن
أو هضبة دونها لهوب و اللهب شق في الجبل ممعن مار و المعن الشيء السهل الذي ينقاد و لا يعتاص و أمعن بحقه و أذعن أي أقر قال ابن الأعرابي سألت معانه أي مسائله و مجاريه .
يَأَيهَا الرُّسلُ كلُوا مِنَ الطيِّبَتِ وَ اعْمَلُوا صلِحاً إِنى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(51) وَ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكمْ فَاتَّقُونِ(52) فَتَقَطعُوا أَمْرَهُم بَيْنهُمْ زُبُراً كلُّ حِزْبِ بِمَا لَدَيهِمْ فَرِحُونَ(53) فَذَرْهُمْ فى غَمْرَتِهِمْ حَتى حِين(54) أَ يحْسبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّال وَ بَنِينَ(55) نُسارِعُ لهَُمْ فى الخَْيرَتِ بَل لا يَشعُرُونَ(56)

القراءة

قرأ أهل الكوفة « و إن هذه » بالكسر و قرأ ابن عامر و أن بالفتح و التخفيف و الباقون و أن هذه بالفتح .

الحجة

قال أبو علي من قرأ و أن هذه بالفتح فالمعنى على قول الخليل و سيبويه أنه محمول على الجار و التقدير لأن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاتقون أي اتقوني لهذا و مثل ذلك عندهم قوله و أن المساجد أي و لأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا و كذلك عندهما لإيلاف قريش فكأنه قال فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف قريش أي ليقابلوا هذه النعمة
مجمع البيان ج : 7 ص : 174
بالشكر و العبادة للمنعم بها و على هذا التقدير يحمل قراءة ابن عامر أ لا ترى أن إذا خففت اقتضت ما يتعلق بها اقتضاءها و هي غير مخففة و قال بعض النحويين موضع أن المفتوحة جر عطفا على قوله « بما تعملون » و « أمة واحدة » نصب على الحال و الكوفيون يسمونه قطعا و من كسر لم يحملها على الفعل كما يحملها من فتح و لكن يجعلها كلاما مستأنف .

المعنى

لما أخبر الله سبحانه عن إيتائه الكتاب للاهتداء ثم عما أولاه من سايغ النعماء خاطب الرسل بعد ذلك فقال « يا أيها الرسل كلوا من الطيبات » قيل هو خطاب للرسل كلهم و أمر لهم أن يأكلوا من الحلال عن السدي و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا و أنه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال « يا أيها الرسل كلوا من الطيبات » و قال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم و قيل أراد به محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد مخاطبة الجمع عن الحسن و مجاهد و قتادة و الكلبي و يتضمن هذا أن الرسل جميعا كذا أمروا قال الحسن أما و الله ما عنى به أصفركم و لا أحمركم و لا حلوكم و لا حامضكم و لكنه قال انتهوا إلى الحلال منه « و اعملوا صالحا » أي ما أمركم الله به و قيل إنه خطاب عيسى (عليه السلام) خاصة « إني بما تعملون عليم » هذا بيان السبب الداعي إلى إصلاح العمل فإن العاقل إذا عمل لمن يعلم عمله و يجازيه على حسب ما يعمل من عمله و بقدر استحقاقه أصلح العمل « و إن هذه أمتكم أمة واحدة » أي دينكم دين واحد عن الحسن و ابن جريج و يعضده قوله إنا وجدنا آبائنا على أمة أي على دين قال النابغة
حلفت فلم أترك لنفسي ريبة
و هل يأثمن ذو أمة و هو طائع و قيل هذه جماعتكم و جماعة من قبلكم واحدة كلكم عباد الله تعالى عن الجبائي « و أنا ربكم فاتقون » أي لهذا فاتقوا « فتقطعوا أمرهم بينهم » تفسير الآيتين قد تقدم في سورة الأنبياء « زبرا » أي كتبا و هو جمع زبور عن الحسن و قتادة و مجاهد و المعنى تفرقوا في دينهم و جعلوه كتبا دانوا بها و كفروا بما سواها كاليهود و كفروا بالإنجيل و القرآن و النصارى كفروا بالقرآن و قيل معناه أحدثوا كتبا يحتجون بها لمذهبهم عن ابن زيد و من قرأ زبرا و هو ابن عامر فمعناه جماعات مختلفة فهي جمع زبرة أي تفرقوا أحزابا و انتصب « زبرا » على الحال من « أمرهم » و العامل فيه تقطع و قال الزجاج معناه جعلوا دينهم كتبا مختلفة على قراءة من قرأ زبرا فعلى هذا يكون زبرا مفعولا ثانيا « كل حزب بما لديهم فرحون » أي كل فريق بما عندهم من الدين راضون يرون أنهم على الحق ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « فذرهم » يا محمد « في غمرتهم » أي جهلهم و ضلالتهم و قيل في حيرتهم و قيل في غفلتهم و هي متقاربة « حتى
مجمع البيان ج : 7 ص : 175
حين » أي وقت الموت و قيل وقت العذاب ثم قال « أ يحسبون أنما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات » معناه أ يظن هؤلاء الكفار أن ما نعطيهم و نزيدهم من أموال و أولاد أنما نعطيهم ثوابا و مجازاة لهم على أعمالهم أو لرضانا عنهم و لكرامتهم علينا ليس الأمر كما يظنون بل ذلك إملاء لهم و استدراج لهوانهم علينا و للابتلاء في التعذيب لهم و نظيره قوله فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول ربي أكرمن و روى السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الله تعالى يقول يحزن عبدي المؤمن إذا أقترت عليه شيئا من الدنيا و ذلك أقرب له مني و يفرح إذا بسطت له الدنيا و ذلك أبعد له مني ثم تلا هذه الآية إلى قوله « بل لا يشعرون » ثم قال إن ذلك فتنة لهم و معنى نسارع نسرع و نتعجل و تقديره نسارع لهم به في الخيرات فحذف به للعلم بذلك كما حذف الضمير من قولهم السمن منوان بدرهم أي منوان منه بدرهم و الخيرات المنافع التي يعظم شأنها و نقيضها الشرور و هي المضار التي يشتد أمرها و الشعور العلم الذي يدق معلومه و فهمه على صاحبه كدقة الشعر و قيل هو العلم من جهة المشاعر و هن الحواس و لهذا لا يوصف القديم سبحانه به .
إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشيَةِ رَبهِم مُّشفِقُونَ(57) وَ الَّذِينَ هُم بِئَايَتِ رَبهِمْ يُؤْمِنُونَ(58) وَ الَّذِينَ هُم بِرَبهِمْ لا يُشرِكُونَ(59) وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوا وَّ قُلُوبهُمْ وَجِلَةٌ أَنهُمْ إِلى رَبهِمْ رَجِعُونَ(60) أُولَئك يُسرِعُونَ فى الخَْيرَتِ وَ هُمْ لهََا سبِقُونَ(61)

القراءة

في الشواذ قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و عائشة و ابن عباس و قتادة و الأعمش يأتون ما أتوا مقصورا .

الحجة

معنى قوله « يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة » أنهم يعطون الشيء و يشفقون أن لا يقبل منهم و معنى « يأتون ما آتوا » أنهم يعملون العمل و هم يخافونه و يخافون لقاء الله .

المعنى

ثم بين سبحانه حال الأخيار الأبرار بعد بيانه أحوال الكفار الفجار فقال « إن
مجمع البيان ج : 7 ص : 176
الذين هم من خشية ربهم مشفقون » أي من خشية عذاب ربهم خائفون فيفعلون ما أمرهم به و ينتهون عما نهاهم عنه و الخشية انزعاج النفس يتوهم المضرة « و الذين هم ب آيات ربهم يؤمنون » أي ب آيات الله و حججه من القرآن و غيرها يصدقون « و الذين هم بربهم لا يشركون » أي لا يشركون بعبادة الله تعالى غيره من الأصنام و الأوثان لأن خصال الإيمان لا تتم إلا بترك الإشراك « و الذين يؤتون ما آتوا » أي يعطون ما أعطوا من الزكاة و الصدقة و قيل أعمال البر كلها « و قلوبهم وجلة » أي خائفة عن قتادة و قال الحسن المؤمن جمع إحسانا و شفقة و المنافق جمع إساءة و أمنا و قال أبو عبد الله معناه خائفة أن لا يقبل منهم و في رواية أخرى يؤتى ما آتى و هو خائف راج و قيل أن في الكلام حذفا و إضمارا و تأويله قلوبهم وجلة أن لا يقبل منهم لعلمهم « أنهم إلى ربهم راجعون » أي لأنهم يوقنون بأنهم يرجعون إلى الله تعالى يخافون أن لا يقبل منهم و إنما يخافون ذلك لأنهم لا يأمنون التفريط « أولئك يسارعون في الخيرات » معناه الذين جمعوا هذه الصفات و كملت فيهم هم الذين يبادرون إلى الطاعات و يسابقون إليها رغبة منهم فيها و علما بما ينالون بها من حسن الجزاء « و هم لها سابقون » أي و هم لأجل تلك الخيرات سابقون إلى الجنة و قيل معناه و هم إليها سابقون و قال الكلبي سبقوا الأمم إلى الخيرات قال ابن عباس يسابقون فيها أمثالهم من أهل البر و التقوى .

مجمع البيان ج : 7 ص : 177
وَ لا نُكلِّف نَفْساً إِلا وُسعَهَا وَ لَدَيْنَا كِتَبٌ يَنطِقُ بِالحَْقِّ وَ هُمْ لا يُظلَمُونَ(62) بَلْ قُلُوبهُمْ فى غَمْرَة مِّنْ هَذَا وَ لهَُمْ أَعْمَلٌ مِّن دُونِ ذَلِك هُمْ لَهَا عَمِلُونَ(63) حَتى إِذَا أَخَذْنَا مُترَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يجْئَرُونَ(64) لا تجْئَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكم مِّنَّا لا تُنصرُونَ(65) قَدْ كانَت ءَايَتى تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلى أَعْقَبِكمْ تَنكِصونَ(66) مُستَكْبرِينَ بِهِ سمِراً تَهْجُرُونَ(67) أَ فَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ(68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسولهَُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةُ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَ أَكثرُهُمْ لِلْحَقِّ كَرِهُونَ(70) وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسدَتِ السمَوَت وَ الأَرْض وَ مَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَهُم بِذِكرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضونَ(71)

القراءة

قرأ نافع تهجرون بضم التاء و كسر الجيم و الباقون « تهجرون » بفتح التاء و ضم الجيم و في الشواذ قراءة ابن مسعود و ابن عباس و عكرمة سمرا تهجرون و قراءة ابن محيصن سمرا و قراءة يحيى و لو اتبع بضم الواو .

الحجة

قال أبو علي من قال « تهجرون » فالمعنى أنكم كنتم تهجرون آياتي و ما يتلى عليكم من كتابي فلا تنقادون له و تكذبون به و تهجرون تأتون بالهجر و الهذيان و ما لا خير فيه من الكلام و قال ابن جني قوله « تهجرون » معناه تكثرون من الهجر أو هجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو كتابه أو تكثرون من الإهجار و هو الإفحاش في القول لأن فعل للتكثير و السمر جمع سامر و السامر القوم يسمرون أي يتحدثون ليلا قال ذو الرمة :
و كم عرست بعد السري من معرس
به من عزيف الجن أصوات سامر قال قطرب السامر قد يكون واحدا أو جماعة و قيل أنه أخذ من السمرة و هي اللون الذي بين السواد و البياض فقيل لحديث الليل السمر لأنهم كانوا يقعدون في ظل القمر يتحدثون و قيل إن السمر ظل القمر .

اللغة

الوسع الحال التي يتسع بها السبيل إلى الفعل و الوسع دون الطاقة و التكليف تحميل ما فيه المشقة بالأمر و النهي و الإعلام مأخوذ من الكلفة في الفعل و الله سبحانه يكلف عباده تعريضا إياهم للنفع الذي لا يحسن الابتداء بمثله و هو الثواب و أصل الغمرة الستر و التغطية يقال غمرت الشيء إذا سترته و غمرات الموت شدائده و كل شدة غمرة قال الغمرات ثم ينجلينا ثم يذهبن فلا يجينا و الجؤار الاستغاثة و رفع الصوت بها و النكوص رجوع القهقرى و هو المشي على الأعقاب إلى خلف و هو أقبح مشية مثل بها أقبح حال و هي الإعراض عن الداعي إلى الحق .

مجمع البيان ج : 7 ص : 178

الإعراب

« وسعها » مفعول ثان لنكلف « بالحق » إن جعلت الحق مصدرا فالباء مزيدة و التقدير ينطق الحق و إن جعلته صفة محذوفا فالتقدير ينطق بالحكم الحق و مفعول « ينطق » محذوف ، « هم لها عاملون » جملة في موضع رفع لأنها صفة لأعمال « مستكبرين » منصوب على الحال من قوله « تنكصون » و ذو الحال و « تنكصون » خبر كان و « سامرا » اسم للجمع منصوب لأنه حال .

المعنى

ثم بين سبحانه أنه لا يكلف أحدا إلا دون الطاقة بعد أن أخبر عن حال الكافرين و المؤمنين فقال « و لا نكلف نفسا » أي لا نكلفها أمرا و لا نأمرها « إلا وسعها » أي دون طاقتها « و لدينا كتاب ينطق بالحق » معناه و عند ملائكتنا المقربين كتاب ينطق بالحق أي يشهد لكم و عليكم بالحق كتبته الملائكة بأمرنا يريد صحائف الأعمال « و هم لا يظلمون » أي يوفون جزاء أعمالهم فلا ينقص من ثوابهم و لا يزاد في عقابهم و لا يؤاخذون بذنب غيرهم « بل قلوبهم في غمرة من هذا » بل رد لما سبق و ابتداء الكلام و المعنى أن قلوب الكفار في غفلة شديدة من هذا الكتاب المشتمل على الوعد و الوعيد و هو القرآن و قيل في جهل و حيرة عن الحسن و الجبائي « و لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون » أي و لهم أعمال ردية سوى هذا الجهل يعملون تلك الأعمال فيستحقون بها و بالكفر العقوبة من الله تعالى و قيل و لهم أعمال أي خطايا من دون الحق عن قتادة و أبي العالية و مجاهد و قيل و لهم أعمال من دون الأجل الذي أجلت لهم في موتهم لا بد أن يعملوها عن الحسن و مجاهد في رواية أخرى و ابن زيد و قيل أعمال أصغر من ذلك أي دون الكفر كما يقال هذا دون هذا في القدر هم عاملون إلى أن يفنى آجالهم فهم مشتغلون بها « حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب » أي يكون هذا دأبهم حتى إذا أخذنا متنعميهم و رؤساءهم بعذاب الآخرة و يقال عذاب الدنيا و هو عذاب السيف في يوم بدر عن ابن عباس و قيل هو الجوع حين دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر و اجعلها سنين كسني يوسف فابتلاهم الله سبحانه بالقحط حتى أكلوا الجيف و الكلاب عن الضحاك « إذا هم يجأرون » أي يضجون لشدة العذاب و يجزعون و قيل يستغيثون عن ابن عباس و قيل يصرخون إلى الله بالتوبة فلا يقبل منهم « لا تجأروا اليوم » أي يقال لهم لا تتضرعوا اليوم « إنكم منا لا تنصرون » هذا إيناس لهم من دفع العذاب عنهم « قد كانت آياتي تتلى عليكم » أي تقرأ « فكنتم » أيها الكافرون المعذبون « على أعقابكم تنكصون » أي تدبرون و تستأخرون و ترجعون القهقرى مكذبين « مستكبرين به » أي متكبرين على سائر الناس بالحرم أو بالبلد يعني مكة أن لا يظهر عليكم فيه أحد عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قيل مستكبرين بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن تطيعوه و بالقرآن أن تقبلوه فإنها
مجمع البيان ج : 7 ص : 179
كناية عن غير مذكور في الجميع « سامرا » أي تسمرون بالليل أي تتحدثون في معائب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « تهجرون » الحق بالإعراض عنه و تهجرون أي تفحشون في المنطق ثم قال سبحانه « أ فلم يدبروا القول » أي أ لم يتدبروا القرآن فيعرفوا ما فيه من العبر و الدلالات على صدق نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) « أم جاءهم ما لم يأت آبائهم الأولين » قال ابن عباس يريد أ ليس قد أرسلنا نوحا و إبراهيم و النبيين إلى قومهم و كذلك أرسلنا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) « أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون » قال ابن عباس أ ليس هو محمدا الذي قد عرفوه صغيرا و كبيرا صادق اللسان أمينا وافيا بالعهد و في هذا توبيخ لهم بالإعراض عنه بعد ما عرفوا صدقه و أمانته مع شرف نسبه قبل الدعوة « أم يقولون به جنة » قال ابن عباس يريد و أي جنون ترون به و في هذا دلالة على جهلهم حيث أقروا له بالعقل و الصدق أولا ثم نسبوه إلى الجنون و إنما نسبوه إلى الجنون لينفروا الناس عنه أو لأنه يطمع في إيمانهم فهو يطمع في غير مطمع « بل جاءهم بالحق » المعنى بل جاءهم بالقرآن و الدين الحق و ليس به جنة « و أكثرهم للحق كارهون » لأنه لم يوافق مرادهم « و لو اتبع الحق أهواءهم » الحق هو الله تعالى عن أبي صالح و ابن جريج و السدي و المعنى و لو جعل الله لنفسه شريكا كما يهوون « لفسدت السماوات و الأرض و من فيهن » و وجه الفساد ما تقدم ذكره عند قوله لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا و قيل الحق ما يدعو إلى المصالح و المحاسن و الأهواء ما تدعو إلى المفاسد و المقابح و لو اتبع الحق داعي الهوى لدعا إلى المقابح و لفسد التدبير في السماوات و الأرض لأنها مدبرة بالحق لا بالهوى و قيل معناه لفسدت أحوال السماوات و الأرض لأنها جارية على الحكمة لا على الهوى و من فيهن أي و لفسد من فيهن و هو إشارة إلى العقلاء من الملائكة و الإنس و الجن و قال الكلبي و ما بينهما من خلق فيكون عاما و وجه فساد العالم بذلك أنه يوجب بطلان الأدلة و امتناع الثقة بالمدلول عليه و أن لا يوثق بوعد و لا وعيد و لا يؤمن انقلاب عدل الحكيم « بل آتيناهم بذكرهم » أي بما فيه شرفهم و فخرهم لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) منهم و القرآن نزل بلسانهم « فهم عن ذكرهم » أي شرفهم « معرضون » و بالذل راضون و قيل الذكر البيان للحق عن ابن عباس .

مجمع البيان ج : 7 ص : 180
أَمْ تَسئَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّك خَيرٌ وَ هُوَ خَيرُ الرَّزِقِينَ(72) وَ إِنَّك لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِرَط مُّستَقِيم(73) وَ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ عَنِ الصرَطِ لَنَكِبُونَ(74) * وَ لَوْ رَحِمْنَهُمْ وَ كَشفْنَا مَا بِهِم مِّن ضرّ لَّلَجُّوا فى طغْيَنِهِمْ يَعْمَهُونَ(75) وَ لَقَدْ أَخَذْنَهُم بِالْعَذَابِ فَمَا استَكانُوا لِرَبهِمْ وَ مَا يَتَضرَّعُونَ(76) حَتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيهِم بَاباً ذَا عَذَاب شدِيد إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسونَ(77) وَ هُوَ الَّذِى أَنشأَ لَكمُ السمْعَ وَ الأَبْصرَ وَ الأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشكُرُونَ(78) وَ هُوَ الَّذِى ذَرَأَكمْ فى الأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تحْشرُونَ(79) وَ هُوَ الَّذِى يحْىِ وَ يُمِيت وَ لَهُ اخْتِلَف الَّيْلِ وَ النَّهَارِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ(80)

اللغة

أصل الخراج و الخرج واحد و هو الغلة التي تخرج على سبيل الوظيفة و منه خراج الأرض و هما مصدران يجمعان و قد سبق اختلاف القراء فيه في سورة الكهف و الاستكانة الخضوع و هو استفعل من الكون و المعنى ما طلبوا الكون على صفة الخضوع قال الأزهري أكانه الله يكينه أي أخضعه حتى ذل و مات فلان بكينة سوء أي بحال سوء و قيل إن استكان من السكينة و السكون إلا أن الفتحة أشبعت فنشأت منها ألف فصار استكانوا الأصل استكنوا على افتعلوا قال عنترة في إشباع الفتحة
ينباع من ذفري غضوب جسرة
زيافة مثل الفنيق المكدم يريد ينبع فأشبع الفتحة و قال آخر
و أنت من الغوائل حين ترمي
و من ذم الرجال بمنتزاح أي بمنتزح يقال استكن و استكان و تمسكن بمعنى .

مجمع البيان ج : 7 ص : 181

المعنى

ثم قال سبحانه « أم تسئلهم » يا محمد على ما جئتهم به من القرآن و الإيمان « خرجا » أي أجرا و مالا يعطونك فيورث ذلك تهمة في حالك أو يثقل عليهم قبول قولك لأجله « فخراج ربك خير » أي فرزق ربك في الدنيا خير منه عن الكلبي و قيل فأجر ربك في الآخرة خير منه عن الحسن « و هو خير الرازقين » أي أفضل من أعطى و آجر و في هذا دلالة على أن في العباد من يرزق غيره بإذن الله « و إنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم » من التوحيد و إخلاص العبادة و العمل بالشريعة « و إن الذين لا يؤمنون بالآخرة » أي لا يصدقون بالنشأة الآخرة « عن الصراط لناكبون » أي عن الدين الحق عادلون و مائلون و قيل معناه أنهم في الآخرة ناكبون عن طريق الجنة يؤخذ بهم يمنة و يسرة إلى النار عن الجبائي « و لو رحمناهم » في الآخرة « و كشفنا ما بهم من ضر » و رددناهم إلى دار التكليف « للجوا في طغيانهم يعمهون » مثل قوله و لو ردوا لعادوا عن الجبائي و أبي مسلم و قيل أنه في الدنيا أي و لو أنا رحمناهم و كشفنا ما بهم من جوع و نحوه لتمادوا في ضلالتهم و غوايتهم يترددون عن ابن جريج « و لقد أخذناهم بالعذاب » معناه إنا قد أخذنا هؤلاء الكفار بالجدب و ضيق الرزق و القتل بالسيف « فما استكانوا لربهم » أي ما تواضعوا و لا انقادوا « و ما يتضرعون » أي و ما يرغبون إلى الله في الدعاء و قال أبو عبد الله (عليه السلام) ) الاستكانة الدعاء و التضرع رفع اليد في الصلاة « حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد » أي هذا دأبهم حتى إذا فتحنا عليهم نوعا آخر من العذاب و ذاك حين دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليهم فقال اللهم سنين كسني يوسف فجاعوا حتى أكلوا العلهز و هو الوبر بالدم عن مجاهد و قيل هو القتل يوم بدر عن ابن عباس و قيل فتحنا عليهم بابا من عذاب جهنم في الآخرة عن الجبائي و قيل ذلك حين فتح مكة و قال أبو جعفر (عليه السلام) هو في الرجعة « إذا هم فيه مبلسون » أي آيسون من كل خير متحيرون ثم بين سبحانه أنه المنعم على خلقه بأنواع النعم فقال « و هو الذي أنشأ لكم السمع و الأبصار و الأفئدة » أي خلق هذه الحواس ابتداء لا من شيء و خص هذه الثلاثة لأن الدلائل مبنية عليها ينظر العاقل و يسمع و يتفكر فيعلم « قليلا ما تشكرون » أي يقل شكركم لها و « قليلا » منصوب على المصدر و تقديره تشكرون قليلا لهذه النعم التي أنعم الله بها عليكم و قيل معناه إنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه عن مقاتل « و هو الذي ذرأكم » أي خلقكم و أوجدكم « في الأرض و إليه تحشرون » يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم « و هو الذي يحيي و يميت » أي يحييكم في أرحام أمهاتكم و يميتكم عند انقضاء آجالكم « و له اختلاف الليل و النهار » أي و له تدبيرها بالزيادة و النقصان و قيل و له ملك اختلافهما و هو ذهاب أحدهما و مجيء الآخر « أ فلا تعقلون » أي أ فلا تعلمون بأن تفكروا فتعلموا أن لذلك صانعا قادرا
مجمع البيان ج : 7 ص : 182
عالما حيا حكيما لا يستحق الإلهية سواه و لا تحسن العبادة إلا له .
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ(81) قَالُوا أَ ءِذَا مِتْنَا وَ كنَّا تُرَاباً وَ عِظماً أَ ءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(82) لَقَدْ وُعِدْنَا نحْنُ وَ ءَابَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسطِيرُ الأَوَّلِينَ(83) قُل لِّمَنِ الأَرْض وَ مَن فِيهَا إِن كنتُمْ تَعْلَمُونَ(84) سيَقُولُونَ للَّهِ قُلْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ(85) قُلْ مَن رَّب السمَوَتِ السبْع وَ رَب الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(86) سيَقُولُونَ للَّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ(87) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوت كلِّ شىْء وَ هُوَ يجِيرُ وَ لا يجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(88) سيَقُولُونَ للَّهِ قُلْ فَأَنى تُسحَرُونَ(89) بَلْ أَتَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ(90)

القراءة

قرأ أهل البصرة سيقولون الله في الآيتين و الباقون « لله » و لم يختلفوا في الأولى .

الحجة

أما قراءة أهل البصرة فجواب على ما يوجبه اللفظ و من قرأ « لله » فعلى المعنى و ذلك أنه إذا قيل من مالك هذه الدار فأجيب لزيد فإن الجواب على المعنى دون ما يقتضيه اللفظ فإن الذي يقتضيه اللفظ أن يقال زيد و إنما استقام ذلك لأن معنى من مالك هذه الدار و لمن هذه الدار واحد فلذلك أجيب تارة على اللفظ و تارة على المعنى .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن الكفار المكذبين بالبعث فقال « بل قالوا مثل ما قال الأولون » المنكرون للبعث بعد الموت ثم حكى مقالتهم فقال « قالوا أ إذا متنا و كنا ترابا و عظاما أ إنا لمبعوثون » و هذا جهل منهم لأنهم لو تفكروا في أن النشأة الأولى أعظم منه لما استعظموه و قد أقروا بأن الله خالقهم « لقد وعدنا نحن و آباؤنا » أي وعد آباؤنا هذا الذي تعدنا
مجمع البيان ج : 7 ص : 183
من البعث « من قبل » أي من قبل مجيئك فما صدق وعدهم « إن هذا إلا أساطير الأولين » أي ما هذا إلا أكاذيب الأولين قد سطروا ما لا حقيقة له و إنما يجري مجرى حديث السمر الذي يكتب للأطراف به ثم احتج على هؤلاء المنكرين للبعث و النشور فقال « قل » يا محمد لهم « لمن الأرض و من فيها » أي لمن خلق الأرض و ملكها و من فيها من العقلاء « إن كنتم تعلمون سيقولون » في الجواب « لله » و إنما قال ذلك لأنهم كانوا يقرون بأن الله هو الخالق « قل أ فلا تذكرون » أي فقل لهم عند ذلك أ فلا تتفكرون فتعلمون أنه تعالى قادر على ذلك و من قدر عليه قدر على إحياء الموتى لأنه ليس ذلك بأعظم منه ثم زاد في الحجة فقال « قل » يا محمد لهم أيضا « من رب السماوات السبع » أي من مالكها و المتصرف فيها « و رب العرش العظيم » أي و من مالك العرش و مدبره لأنهم كانوا يقرون بأن الله خالق السماوات و أن الملائكة سكان السماوات و العرش عندهم عبارة عن الملك إلا أن يكون أتاهم خلق العرش من قبل النقل ثم أخبر أنهم سيقولون الله في الجواب عن ذلك أي إن رب السماوات و رب العرش هو الله و من قرأ « لله » فالمعنى أنها لله « قل أ فلا تتقون » أي فعند ذلك يلزمهم الحجة فقل لهم أ فلا تتقون عذابه على جحد توحيده و الإشراك في عبادته و في إنكار البعث ثم زاد في الحجة فقال « قل » يا محمد لهم أيضا « من بيده ملكوت كل شيء » و الملكوت من صفات المبالغة في الملك كالجبروت و الرهبوت و قال مجاهد ملكوت كل شيء خزائن كل شيء « و هو يجير و لا يجار عليه » أي يمنع من السوء من يشاء و لا يمتنع منه من أراده بسوء يقال أجرت فلانا إذا استغاث بك فحميته و أجرت عليه إذا حميت عنه و يحتمل أن يكون أراد في الدنيا أي من قصد عبدا من عباده بسوء قدر على منعه و من أراد الله بسوء لم يقدر على منعه أحد و يحتمل أن يكون أراد في الآخرة أي يجير من العذاب و لا يجار عليه منه « إن كنتم تعلمون » أي إن كنتم تعلمون ذلك فأجيبوا « سيقولون » في الجواب « لله قل فأنى تسحرون » أي فكيف يخيل إليكم الحق باطلا و الصحيح فاسدا مع وضوح الحق و تمييزه من الباطل و قيل معناه فكيف تعمون عن هذا و تصدون عنه من قولهم سحرت أعيننا فلم نبصر و قيل معناه فكيف تخدعون و يموه عليكم كقول امرىء القيس
و نسحر بالطعام و بالشراب أي و نخدع « بل آتيناهم بالحق و إنهم لكاذبون » معناه إنا جئناهم بالحق و بينا لهم الحق الذي فيه بيان كذبهم و لكنهم أصروا على باطلهم و كذبهم .

النظم

و إنما اتصلت الآية الأولى بما قبلها بمعنى أنهم لو تفكروا لعلموا و لكن
مجمع البيان ج : 7 ص : 184
عولوا على التقليد فقالوا مثل ما قال الأولون فعلى هذا تكون متصلة بقوله أ فلا تعقلون و قيل إنه جواب الاستفهام في قوله أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين و الآية الأخيرة معطوفة على ما تقدم من أدلة التوحيد و هي رد على المشركين و تكذيب لهم في قولهم إن الأصنام آلهة و إن الله سبحانه له ولد و إن الملائكة بنات الله .
مَا اتخَذَ اللَّهُ مِن وَلَد وَ مَا كانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه إِذاً لَّذَهَب كلُّ إِلَهِ بِمَا خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضهُمْ عَلى بَعْض سبْحَنَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ(91) عَلِمِ الْغَيْبِ وَ الشهَدَةِ فَتَعَلى عَمَّا يُشرِكونَ(92) قُل رَّب إِمَّا تُرِيَنى مَا يُوعَدُونَ(93) رَب فَلا تجْعَلْنى فى الْقَوْمِ الظلِمِينَ(94) وَ إِنَّا عَلى أَن نُّرِيَك مَا نَعِدُهُمْ لَقَدِرُونَ(95) ادْفَعْ بِالَّتى هِىَ أَحْسنُ السيِّئَةَ نحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ(96) وَ قُل رَّب أَعُوذُ بِك مِنْ هَمَزَتِ الشيَطِينِ(97) وَ أَعُوذُ بِك رَب أَن يحْضرُونِ(98) حَتى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْت قَالَ رَب ارْجِعُونِ(99) لَعَلى أَعْمَلُ صلِحاً فِيمَا تَرَكْت َكلا إِنَّهَا كلِمَةٌ هُوَ قَائلُهَا وَ مِن وَرَائهِم بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)

القراءة

قرأ أهل المدينة و أهل الكوفة غير حفص عالم الغيب بالرفع و الباقون بالجر إلا أن رويسا إذا وصل جر و إذا ابتدأ رفع .

الحجة

وجه الرفع أن يكون خبر مبتدإ محذوف و تقديره هو عالم الغيب و وجه الجر أن يكون صفة الله تعالى و يكون إضافة عالم حقيقية بمعنى اللام و يجوز أن يكون بدلا فتكون الإضافة غير حقيقية و الغيب في تقدير النصب الأول يكون بمعنى الماضي و الثاني بمعنى
مجمع البيان ج : 7 ص : 185
الحاضر و لا يكون بمعنى المستقبل .

اللغة

الهمزة شدة الدفع و منه الهمزة للحرف الذي يخرج من أقصى الحلق باعتماد شديد و دفع و همزة الشيطان دفعه بالإغواء إلى المعاصي و قوس همزى شديدة الدفع للسهم و البرزخ الحاجز بين الشيئين و كل فصل بين شيئين برزخ و معنى من ورائهم هنا من أمامهم و قدامهم قال الشاعر :
أ يرجو بنو مروان سمعي و طاعتي
و قومي تميم و الفلاة ورائيا .

الإعراب

قوله « إذا لذهب كل إله بما خلق » جواب لو مقدر و التقدير و لو كان معه إله إذا لذهب و إذا هنا حشو بين لو و جوابه فهي لغو غير عامل « إما تريني » إن للشرط ضمت إليها ما مسلطة و المعنى أنها سلطت نون التأكيد على دخولها الفعل المضارع و لو لم تكن هي لم يجز أن تريني و جواب الشرط « فلا تجعلني » و رب معترض بين الشرط و الجزاء و « بالتي هي أحسن » الموصولة و الصلة في موضع جر بأنهما صفة محذوف مجرور التقدير ادفع بالخصلة التي هي أحسن و « رب ارجعوني » جاء الخطاب على لفظ الجميع لأنه سبحانه يقول إنا نحن نزلنا الذكر و إنا نحن نحيي و هذا اللفظ يعرفه العرب للجليل الشأن يخبر به الجماعة فكذلك جاء الخطاب في « ارجعوني » و قال المازني أنه جمع الضمير ليدل على التكرار فكأنه قال رب أرجعني أرجعني أرجعني و « إلى يوم يبعثون » إلى تتعلق بما يتعلق به من في قوله « و من ورائهم برزخ » و يوم مضاف إلى « يبعثون » لأن أسماء الزمان تضاف إلى الأفعال .

المعنى

ثم أكد سبحانه ما قدمه من أدلة التوحيد بقوله « ما اتخذ الله من ولد » أي لم يجعل ولد غيره ولد نفسه لاستحالة ذلك عليه فمن المحال أن يكون له ولد فلا يجوز عليه التشبيه بما هو مستحيل ممتنع إلا على النفي و التبعيد و اتخاذ الولد هو أن يجعل الجاعل ولد غيره يقوم مقام ولده لو كان له و كذلك التبني إنما هو جعل الجاعل ابن غيره و من يصح أن يكون ابنا له مقام ابنه و لذلك لا يقال تبنى شاب شيخا و لا تبني الإنسان بهيمة لما استحال أن يكون ذلك ولدا له « و ما كان معه من إله » من هاهنا و في قوله « من ولد » مؤكدة فهو آكد من أن يقول ما اتخذ الله ولدا و ما كان معه إله نفى عن نفسه الولد و الشريك على آكد الوجوه « إذا لذهب كل إله بما خلق » و التقدير إذ لو كان معه إله آخر لذهب كل إله بما خلق أي لميز كل إله خلقه عن خلق غيره و منعه من الاستيلاء على ما خلقه أو نصب دليلا يميز به بين خلقه و خلق غيره فإنه كان لا يرضى أن يضاف خلقه و إنعامه إلى غيره « و لعلا بعضهم على بعض » أي و لطلب بعضهم قهر بعض و مغالبته و هذا معنى قول المفسرين و لقاتل بعضهم بعضا كما
مجمع البيان ج : 7 ص : 186
يفعل الملوك في الدنيا و قيل معناه و لمنع بعضهم بعضا عن مراده و هو مثل قوله لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا و في هذا دلالة عجيبة في التوحيد و هو أن كل واحد من الآلهة من حيث يكون إلها يكون قادرا لذاته فيؤدي إلى أن يكون قادرا على كل ما يقدر عليه غيره من الآلهة فيكون غالبا و مغلوبا من حيث إنه قادر لذاته و أيضا فإن من ضرورة كل قادرين صحة التمانع بينهما فلو صح وجود إلهين صح التمانع بينهما من حيث أنهما قادران و امتنع التمانع بينهما من حيث أنهما قادران للذات و هذا محال و في هذا دلالة على إعجاز القرآن لأنه لا يوجد في كلام العرب كلمة وجيزة تضمنت ما تضمنته هذه فإنها قد تضمنت دليلين باهرين على وحدانية الله و كمال قدرته ثم نزه نفسه عما وصفوه به فقال « سبحان الله عما يصفون » أي عما يصفه به المشركون من اتخاذه الولد و الشريك « عالم الغيب و الشهادة » أي يعلم ما غاب و ما حضر فلا يخفى عليه شيء « فتعالى الله عما يشركون » و المعنى أنه عالم بما كان و بما سيكون و بما لم يكن أن لو كان كيف يكون و من كان بهذه الصفة لا يكون له شريك لأنه الأعلى من كل شيء في صفته ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « قل » يا محمد « رب إما تريني ما يوعدون » أي إن أريتني ما يوعدون من العذاب و النقمة يعني القتل يوم بدر « رب فلا تجعلني في القوم الظالمين » أي مع القوم الظالمين و المعنى فأخرجني من بينهم عند ما تريد إحلال العذاب بهم لئلا يصيبني ما يصيبهم و في هذا دلالة على جواز أن يدعو الإنسان بما يعلم أن الله يفعله لا محالة لأن من المعلوم أن الله تعالى لا يعذب أنبياءه مع المعذبين و يكون الفائدة في ذلك إظهار الرغبة إلى الله « و إنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون » هذا ابتداء كلام من الله تعالى معناه إنا لا نعاجلهم بالعقوبة مع قدرتنا على ذلك و لكن ننظرهم و نمهلهم لمصلحة توجب ذلك قال الكلبي هذا أمر شهده أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد موته و روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس و جابر بن عبد الله أنهما سمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول في حجة الوداع و هو بمنى لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض و أيم الله لئن فعلتموها لتعرفني في كتيبة يضاربونكم قال فغمز من خلف منكبه الأيسر فالتفت فقال أ و علي فنزل « قل رب أما تريني » الآيات ثم أمره (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالصبر إلى أن ينقضي الأجل المضروب للعذاب فقال « ادفع بالتي هي أحسن السيئة » أي ادفع بالإغضاء و الصفح إساءة المسيء عن مجاهد و الحسن و هذا قبل الأمر بالقتال و قيل معناه ادفع باطلهم ببيان الحجج على ألطف الوجوه و أوضحها و أقربها إلى الإجابة و القبول « نحن أعلم بما يصفون » أي بما يكذبون و يقولون من الشرك و المعنى إنا نجازيهم بما يستحقونه ثم أمره (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « قل » يا محمد « رب أعوذ بك » أي أعتصم بك « من همزات الشياطين » أي من
مجمع البيان ج : 7 ص : 187
نزعاتهم و وساوسهم عن ابن عباس و الحسن و المعنى من دعائهم إلى الباطل و العصيان و من شرورهم في كل شيء يخاف فيه من ذلك « و أعوذ بك رب إن يحضرون » أي يشهدوني و يقاربوني و يصدوني عن طاعتك و قيل معناه أن يحضروني في الصلاة عند تلاوة القرآن و قيل في الأحوال كلها ثم عاد سبحانه إلى قوله أ إذا متنا و كنا ترابا و عظاما فقال « حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون » يعني أن هؤلاء الكفار إذا أشرفوا على الموت سألوا الله تعالى عند ذلك الرجعة إلى دار التكليف فيقول أحدهم رب أرجعون على لفظ الجمع و في معناه قولان ( أحدهما ) أنهم استغاثوا أولا بالله ثم رجعوا إلى مسائلة الملائكة فقالوا لهم ارجعون أي ردوني إلى الدنيا عن ابن جرير ( و الآخر ) أنه على عادة العرب في تعظيم المخاطب كما قال قرة عين لي و لك لا تقتلوه و روى النضر بن شميل قال سألوا الخليل عن هذا ففكر ثم قال سألتموني عن شيء لا أحسنه و لا أعرف معناه فاستحسن الناس منه ذلك « لعلي أعمل صالحا فيما تركت » أي في تركتي و المعنى أؤدي عنها حق الله تعالى و قيل معناه في دنياي فإنه ترك الدنيا و صار إلى الآخرة و قيل معناه أعمل صالحا فيما فرطت و ضيعت أي في صلاتي و صيامي و طاعاتي و قال الصادق (عليه السلام) أنه في مانع الزكاة يسأل الرجعة عند الموت ثم قال سبحانه في الجواب عن سؤالهم « كلا » أي لا يرجع إلى الدنيا « إنها » أي مسألة الرجعة « كلمة هو قائلها » أي كلام يقوله و لا فائدة له في ذلك و قيل معناه و هي كلمة يقولها بلسانه و ليس لها حقيقة مثل قوله و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و روى العياشي بإسناده عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) جعلت فداك يعرف القديم سبحانه الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون قال ويحك إن مسألتك لصعبة أ ما قرأت قوله عز و جل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا « و لعلا بعضهم على بعض » لقد عرف الشيء الذي لم يكن و لا يكون إن لو كان كيف كان يكون و قال و يحكي قول الأشقياء « رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها » و قال و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و إنهم لكاذبون فقد علم الشيء الذي لم يكن لو كان كيف كان يكون و هو السميع البصير الخبير العليم « من ورائهم » أي و من بين أيديهم « برزخ إلى يوم يبعثون » أي حاجز بين الموت و البعث في يوم القيامة من القبور عن ابن زيد و قيل حاجز بينهم و بين الرجوع إلى الدنيا و هم فيه إلى يوم يبعثون عن ابن عباس و مجاهد و قيل البرزخ الإمهال إلى يوم القيامة و هو القبر و كل فصل بين شيئين هو برزخ عن علي بن عيسى و في الآية دلالة على أن أحدا لا يموت حتى يعرف منزلته عند الله تعالى اضطرارا و أنه من أهل الثواب أو العقاب عن الجبائي .

مجمع البيان ج : 7 ص : 188
فَإِذَا نُفِخَ فى الصورِ فَلا أَنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئذ وَ لا يَتَساءَلُونَ(101) فَمَن ثَقُلَت مَوَزِينُهُ فَأُولَئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ(102) وَ مَنْ خَفَّت مَوَزِينُهُ فَأُولَئك الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسهُمْ فى جَهَنَّمَ خَلِدُونَ(103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِيهَا كَلِحُونَ(104) أَ لَمْ تَكُنْ ءَايَتى تُتْلى عَلَيْكمْ فَكُنتُم بهَا تُكَذِّبُونَ(105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَت عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَ كنَّا قَوْماً ضالِّينَ(106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظلِمُونَ(107) قَالَ اخْسئُوا فِيهَا وَ لا تُكلِّمُونِ(108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَ ارْحمْنَا وَ أَنت خَيرُ الرَّحِمِينَ(109) فَاتخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِياًّ حَتى أَنسوْكُمْ ذِكْرِى وَ كُنتُم مِّنهُمْ تَضحَكُونَ(110)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم شقاوتنا بالألف و فتح الشين و الباقون « شقوتنا » بكسر الشين من غير ألف و قرأ أهل المدينة و أهل الكوفة غير عاصم سخريا بضم السين و الباقون بكسرها و كذلك في سورة ص .

الحجة

قال أبو علي الشقوة مصدر كالرقة و الفطنة و الشقاوة كالسعادة فالقراءة بهما جميعا سائغة و قال أبو زيد اتخذت فلانا سخريا و سخريا إذا هزئت منه و قد سخرت منه أسخر سخريا و سخر قال أبو عبيدة اتخذتموهم سخريا تسخرون منهم و سخريا تسخرونهم و يقال أيضا أن من الهزء سخري و سخري و من السخرية مضمومة لا غير و حكي عن الحسن و قتادة أن ما كان من العبودة فهو سخري بالضم و ما كان من الهزء فبالكسر قال أبو علي الأكثر في الهزء كسر السين فيما حكوه و يروى أنه إنما كان أكثر لأن السخر مصدر سخرت و فعل و فعل قد
مجمع البيان ج : 7 ص : 189
يكونان بمعنى نحو المثل و المثل و الشبه و الشبه في حرف آخر فكذلك السخر و السخر إلا أن المكسورة ألزمت ياء النسب دون المفتوحة مما اتفقوا في القسم على الفتح في لعمر الله و لم يعتد بياء النسب كما لم يعتد بها في نحو أحمر و أحمري و دوار و دواري و الوجه في الضم على ما حكي عن يونس أن السخري قد يقال بالضم بمعنى الهزء و اتفق القراء على الضم في الزخرف لأنه من السخرة و انقياد بعضهم لبعض في الأمور و ذلك لا يكون إلا بالضم .

اللغة

اللفح و النفح : بمعنى إلا أن اللفح أشد تأثيرا و أعظم من النفح و هو ضرب من السموم للوجه و النفح ضرب الريح الوجه و الكلوح تقلص الشفتين عن الأسنان حتى تبدو الأسنان قال الأعشى
و له المقدم لا مثل له
ساعة الشدق عن الناب كلح و خسأت فلانا أخسأه خسأ إذا زجرته ليتباعد فخسأ و هو خاسىء و معنى اخسأ أي تباعد تباعد سخط .

الإعراب

العامل في إذا نفخ و بينهم و يومئذ خبر لا المحذوف تقديره فلا أنساب تثبت بينهم « تلفح وجوههم النار » في موضع النصب على الحال و العامل فيه « خالدون » .

المعنى

ثم بين سبحانه حال الفريقين يوم البعث فقال « فإذا نفخ في الصور » قيل أن المراد به نفخة الصعق عن ابن عباس و قيل نفخة البعث عن ابن مسعود و الصور جمع صورة أي إذا نفخ فيه الأرواح و أعيدت أحياء عن الحسن و قيل إن الصور قرن ينفخ فيه إسرافيل (عليه السلام) بالصوت العظيم الهائل على ما وصفه الله تعالى علامة لوقت إعادة الخلق عن أكثر المفسرين « فلا أنساب بينهم يومئذ » أي لا يتواصلون بالأنساب و لا يتعاطفون بها مع معرفة بعضهم بعضا عن الحسن و المعنى أنه لا يرحم قريب قريبه لشغله عنه فإن المقصود بالأنساب دفع ضر أو جر نفع فإذا ذهب هذا المقصود فكان الأنساب قد ذهبت و مثله يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه و قيل معناه لا يتفاخرون بالأنساب كما كانوا يفعلونه في الدنيا عن ابن عباس و الجبائي و لا بد من تقدير محذوف في الآية على تأويل فلا أنساب بينهم يومئذ يتفاخرون بها أو يتعاطفون بها و المعنى أنه لا يفضل بعضهم بعضا يومئذ بنسب و إنما يتفاضلون بأعمالهم و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كل حسب و نسب منقطع يوم القيامة إلا حسبي و نسبي « و لا
 

Back Index Next