جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج7 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


يتساءلون » أي لا يسأل بعضهم بعضا عن حاله و خبره كما كانوا يسألون في الدنيا لشغل كل واحد بنفسه عن

مجمع البيان ج : 7 ص : 190
الجبائي و قيل لا يسأل بعضهم بعضا أن يحمل عنه ذنبه و لا تنافي بين هذه الآية و بين قوله فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون لأن للقيامة أحوالا و مواطن فمنها حال يشغلهم عظم الأمر فيها عن المسألة و منها حال يلتفتون فيها فيتساءلون و هذا معنى قول ابن عباس لما سئل عن الآيتين فقال هذه تارات يوم القيامة و قيل إنما يتساءلون عند دخول الجنة و إنما يسأل بعض أهل الجنة بعضا فإنهم لا يفزعون من أهوال القيامة عن السدي « فمن ثقلت موازينه » بالطاعات « فأولئك هم المفلحون » الناجون « و من خفت موازينه » عن الطاعات « فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون » و قد تقدم تفسير الآيتين و اختلاف المفسرين في كيفية الميزان و الوزن في سورة الأعراف « تلفح وجوههم النار » أي يصيب وجوههم لفح النار و لهبها « و هم فيها كالحون » أي عابسون عن ابن عباس و قيل هو أن تتقلص شفاههم و تبدو أسنانهم كالرءوس المشوية عن الحسن « أ لم تكن آياتي تتلى عليكم » أي و يقال لهم أ و لم يكن القرآن يقرأ عليكم و قيل أ لم تكن حججي و بيناتي و أدلتي تقرأ عليكم في دار الدنيا « فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا » أي شقاوتنا و معناهما واحد و هو المضرة اللاحقة في العافية و السعادة المنفعة اللاحقة في العافية و يقال لمن حصل في الدنيا على مضرة فادحة شقي و المعنى استعلت علينا سيئاتنا التي أوجبت لنا الشقاء « و كنا قوما ضالين » أي ذاهبين عن الحق و لما كانت سيئاتهم التي شقوا بها سبب شقاوتهم سميت شقاوة توسعا و من أكبر الشقاوة أن تترك عبادة الله تعالى إلى عبادة غيره و تترك الأدلة و يتبع الهوى « ربنا أخرجنا منها » أي من النار « فإن عدنا » لما تكره من الكفر و التكذيب و المعاصي « فإنا ظالمون » لأنفسنا قال الحسن هذا آخر كلام يتكلم به أهل النار ثم بعد ذلك يكون لهم شهيق كشهيق الحمار « قال اخسئوا فيها » أي ابعدوا بعد الكلب في النار و هذه اللفظة زجر للكلاب و إذا قيل ذلك للإنسان يكون للإهانة المستحقة للعقوبة « و لا تكلمون » و هذه مبالغة للإذلال و الإهانة و إظهار الغضب عليهم لأن من لا يكلم إهانة له فقد بلغ به الغاية في الإذلال و قيل معناه و لا تكلمون في رفع العذاب فإني لا أرفعه عنكم و هي على صيغة النهي و ليست بنهي لأن الأمر و النهي مرتفعان في الآخرة لارتفاع التكليف « إنه كان فريق من عبادي » أي طائفة من عبادي و هم الأنبياء و المؤمنون « يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الراحمين » أي يدعون بهذه الدعوات في الدنيا طلبا لما عندي من الثواب « فاتخذتموهم » أنتم يا معشر الكفار « سخريا » أي كنتم تهزئون و تسخرون منهم و قيل معناه تستعبدونهم و تصرفونهم في أعمالكم و حوائجكم كرها بغير أجر و قيل إنهم كانوا إذا آذوا المؤمنين قالوا انظروا إلى هؤلاء رضوا من الدنيا بالعيش الدني طمعا في ثواب الآخرة و ليس وراءهم آخرة
مجمع البيان ج : 7 ص : 191
و لا ثواب فهو مثل قوله و إذا مروا بهم يتغامزون « حتى أنسوكم ذكري » أي نسيتم ذكري لاشتغالكم بالسخرية منهم فنسب الإنساء إلى عبادة المؤمنين و إن لم يفعلوه لما كانوا السبب في ذلك « و كنتم منهم تضحكون » ظاهر المعنى .
إِنى جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صبرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائزُونَ(111) قَلَ كَمْ لَبِثْتُمْ فى الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ(112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْض يَوْم فَسئَلِ الْعَادِّينَ(113) قَلَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(114) أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ(115) فَتَعَلى اللَّهُ الْمَلِك الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَب الْعَرْشِ الْكرِيمِ(116) وَ مَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ لا بُرْهَنَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَفِرُونَ(117) وَ قُل رَّب اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنت خَيرُ الرَّحِمِينَ(118)

القراءة

قرأ حمزة و الكسائي إنهم بكسر الألف و قل كم لبثتم و قل إن لبثتم على الأمر و قرأ ابن كثير « قال كم لبثتم » فقط و قرأ الباقون « أنهم » بفتح الألف و « قال » في الموضعين و قرأ أهل الكوفة غير عاصم و يعقوب لا ترجعون بفتح التاء و الباقون بضم التاء و فتح الجيم .

الحجة

قال أبو علي من فتح أن فالمعنى لأنهم هم الفائزون و يجوز أن يكون إنهم في موضع المفعول الثاني لأن جزيت يتعدى إلى مفعولين قال سبحانه و جزاهم بما صبروا جنة و حريرا و تقديره جزيتهم اليوم بصبرهم الفوز و فاز الرجل إذا نال ما أراد و قالوا فوز الرجل إذا مات و يشبه أن يكون ذلك على التفاؤل له أي صار إلى ما أحب و المفازة المهلكة على وجه التفاؤل أيضا و من كسر إن استأنف فقطعه عما قبله و مثله لبيك إن الحمد و النعمة لك و إن
مجمع البيان ج : 7 ص : 192
الحمد بالكسر و الفتح و من قرأ قل كم لبثتم كان على قل أيها السائل عن لبثهم و قال على الإخبار عنه و زعموا أن في مصاحف أهل الكوفة قل في الموضعين و حجة من قال ترجعون إنا إليه راجعون و قد تقدم ذكر هذا النحو .

الإعراب

« كم لبثتم » كم في محل النصب لأنه ظرف زمان و العامل فيه لبث و « عدد » منصوب على التمييز و العامل فيه كم و لا يمنع كم من العمل الفصل الكثير لأن كم الخبرية تجر المميز فإذا فصل بينها و بين معمولها نصبت كالاستفهامية فلأن تنصب الاستفهامية مع الفصل أولى و قليلا صفة مصدر محذوف تقديره إن لبثتم إلا قليلا عبثا و يجوز أن يكون مصدرا وضع موضع الحال و تقديره أ فحسبتم إنما خلقناكم عابثين و يجوز أن يكون مفعولا له أي للعبث « لا إله إلا هو » في موضع النصب على الحال على تقدير فتعالى الله عديم المثل و الأولى أن يكون جملة مستأنفة .
و « رب العرش » خبر مبتدإ محذوف فهي جملة أخرى مستأنفة بدلالة حسن الوقف على المواضع الثلاثة على « الحق » و على « هو » و على « الكريم » « لا برهان له » به جملة منصوبة الموضع بأنه صفة لقوله « إلها » فهي صفة بعد صفة .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن المؤمنين الذين سخر الكافرون منهم في دار الدنيا فقال « إني جزيتهم اليوم بما صبروا » أي بصبرهم على أذاكم و سخريتكم و استهزائكم بهم « إنهم هم الفائزون » أي الظافرون بما أرادوا الناجون في الآخرة و المراد بقوله « اليوم » أيام الجزاء لا يوم بعينه « قال » أي قال الله تعالى للكفار يوم البعث و هو سؤال توبيخ و تبكيت لمنكري البعث « كم لبثتم في الأرض » أي القبور « عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم » لأنهم لم يشعروا بطول لبثهم و مكثهم لكونهم أمواتا و قيل إنه سؤال لهم عن مدة حياتهم في الدنيا قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم استقلوا حياتهم في الدنيا لطول لبثهم و مكثهم في النار عن الحسن قال و لم يكن ذلك كذبا منهم لأنهم أخبروا بما عندهم و قيل إن المراد به يوما أو بعض يوم من أيام الآخرة قال ابن عباس أنساهم الله قدر لبثهم فيرون أنهم لم يلبثوا إلا يوما أو بعض يوم لعظم ما هم بصدده من العذاب « فسئل العادين » يعني الملائكة لأنهم يحصون أعمال العباد عن مجاهد و قيل يعني الحساب لأنهم يعدون الشهور و السنين عن قتادة « قال » الله تعالى « إن لبثتم » أي ما مكثتم « إلا قليلا » لأن مكثهم في الدنيا أو في القبور و إن طال فإنه متناه قليل بالإضافة إلى طول مكثهم في عذاب جهنم « لو أنكم كنتم تعلمون » صحة ما أخبرناكم به و قيل معناه لو كنتم تعلمون قصر أعماركم في الدنيا و طول مكثكم في الآخرة في العذاب لما اشتغلتم بالكفر و المعاصي و آثرتم الفاني على الباقي ثم قال سبحانه لهم
مجمع البيان ج : 7 ص : 193
« أ فحسبتم » معاشر الجاحدين للبعث و النشور الظانين دوام الدنيا « أنما خلقناكم عبثا » أي لعبا و باطلا لا لغرض و حكمة و مثله أ يحسب الإنسان أن يترك سدى و المعنى أ فظننتم أنا خلقناكم لتفعلوا ما تريدون ثم إنكم لا تحشرون و لا تسألون عما كنتم تعملون هذا عبث فإن من خلق الأشياء لا لينتفع به نفسه أو غيره كان عابثا و الله سبحانه غني لا يلحقه منفعة فلا بد من أن يكون خلق الخلق لينفعهم و يعرضهم للثواب بأن يتعبدهم و إذا تعبدهم فلا بد من الفرق بين المطيع و العاصي و ذلك إنما يكون بعد البعث « و أنكم إلينا لا ترجعون » أي و حسبتم أنكم لا ترجعون إلى حكمنا و الموضع الذي لا يملك الحكم فيه غيرنا « فتعالى الله الملك الحق » أي تعالى عما يصفه به الجهال من الشريك و الولد و قيل معناه تعالى الله من أن يفعل شيئا عبثا و الملك الحق الذي يحق له الملك بأنه ملك غير مملوك و كل ملك غيره فملكه مستعار و لأنه يملك جميع الأشياء من جميع الوجوه و كل ملك سواه يملك بعض الأشياء من بعض الوجوه و الحق هو الشيء الذي من اعتقد كان على ما اعتقده فالله هو الحق لأن من اعتقد أنه « لا إله إلا هو » فقد اعتقد الشيء على ما هو به « رب العرش الكريم » أي خالق السرير الحسن و الكريم في صفة الجماد بمعنى الحسن و قيل الكريم الكثير الخير وصف العرش به لكثرة ما فيه من الخير لمن حوله و لإتيان الخير من جهته و خص العرش بالذكر مع كونه سبحانه رب كل شيء تشريفا و تعظيما كقوله رب هذا البيت « و من يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به » أي لا حجة له فيما يدعيه يعني أن من صفته أنه لا حجة له به « فإنما حسابه عند ربه » معناه فإنما معرفة مقدار ما يستحقه من الجزاء عند ربه فيجازيه على قدر ما يستحقه و قيل معناه فإنما مكافاته عند الله تعالى و المكافاة و المحاسبة بمعنى « أنه لا يفلح الكافرون » أي لا يظفر و لا يسعد الجاحدون لنعم الله و المنكرون لتوحيده و الدافعون للبعث و النشور و لما حكى سبحانه أقوال الكفار أمر نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بالتبري منهم و الانقطاع إليه سبحانه فقال « و قل » يا محمد « رب اغفر » الذنوب « و ارحم » و أنعم على خلقك « و أنت خير الراحمين » أي أفضل المنعمين و أكثرهم نعمة و أوسعهم فضلا .

مجمع البيان ج : 7 ص : 194
( 24 ) سورة النور مدنية و آياتها أربع و ستون ( 64 )
مدنية بلا خلاف .

عدد آيها

أربع و ستون آية عراقي شامي آيتان حجازي :

اختلافها

آيتان بالغدو و الآصال و يذهب بالأبصار كلاهما عراقي شامي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ سورة النور أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل مؤمن و مؤمنة فيما مضى و فيما بقي و روى الحاكم أبو عبد الله في الصحيح بالإسناد عن عائشة قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا تنزلوهن الغرف و لا تعلموهن الكتابة و علموهن المغزل و سورة النور يعني النساء و روى عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال حصنوا أموالكم و فروجكم بتلاوة سورة النور و حصنوا بها نساءكم فإن من أدمن قراءتها في كل ليلة أو في كل يوم لم يزن أحد من أهل بيته أبدا حتى يموت فإذا مات شيعه إلى قبره سبعون ألف ملك يدعون و يستغفرون الله له حتى يدخل إلى قبره .

تفسيرها

ختم الله سبحانه سورة المؤمنين بأنه لم يخلق الخلق للعبث بل للأمر و النهي و ابتدأ هذه السورة بذكر الأمر و النهي و بيان الشرائع فقال :
مجمع البيان ج : 7 ص : 195
سورة النور
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سورَةٌ أَنزَلْنَهَا وَ فَرَضنَهَا وَ أَنزَلْنَا فِيهَا ءَايَتِ بَيِّنَت لَّعَلَّكمْ تَذَكَّرُونَ(1) الزَّانِيَةُ وَ الزَّانى فَاجْلِدُوا كلَّ وَحِد مِّنهُمَا مِائَةَ جَلْدَة وَ لا تَأْخُذْكم بهِمَا رَأْفَةٌ فى دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ لْيَشهَدْ عَذَابهُمَا طائفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ(2) الزَّانى لا يَنكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَان أَوْ مُشرِكٌ وَ حُرِّمَ ذَلِك عَلى الْمُؤْمِنِينَ(3)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو و فرضناها بالتشديد و الباقون بالتخفيف و قرأ ابن كثير غير ابن فليح رأفة بفتح الهمزة و الباقون بسكون الهمزة و في الشواذ قراءة عيسى الثقفي سورة بالنصب و الزانية و الزاني بالنصب و روي عن عمر بن عبد العزيز و عيسى الهمداني سورة أيضا بالنصب .

الحجة

قال أبو علي التثقيل في فرضناها لكثرة ما فيها من الفرض و التخفيف يصلح للقليل و الكثير و من حجة التخفيف إن الذي فرض عليك القرآن لرادك قال و لعل رأفة التي قرأها ابن كثير لغة و أما قراءة « سورة » بالرفع على أنها خبر مبتدإ محذوف أي هذه سورة و لا يجوز أن يكون مبتدأ لأنها نكرة و لا يبتدأ بالنكرة حتى توصف و إن جعلت « أنزلناها و فرضناها » صفة لها بقي المبتدأ بلا خبر فإن جعلت تقديره يتلى عليكم سورة أنزلناها جاز و من قرأ سورة بالنصب فعلى إضمار فعل يفسره « أنزلناها » و التقدير أنزلنا سورة أنزلناه إلا أن هذا الفعل لا يظهر لأن التفسير يغني عنه و مثله قول الشاعر :
أصبحت لا أحمل السلاح و لا
أملك رأس البعير إن نفرا
و الذئب أخشاه إن مررت به
وحدي و أخشى الرياح و المطرا أي و أخشى الذئب فلما أضمره فسره بقوله أخشاه و يجوز أن يكون الفعل الناصب لسورة من غير لفظ الفعل بعدها على معنى التخصيص أي اقرءوا سورة و تأملوا سورة أنزلناها كقوله سبحانه ناقة الله و سقياها أي احفظوا ناقة الله و كذلك قوله « الزانية و الزاني » انتصب بفعل مضمر أي اجلدوا الزانية و الزاني فلما أضمر الفعل الناصب فسره بقوله « فاجلدوا كل واحد منهما » و جاز دخول الفاء في هذا الوجه لأنه موضع أمر و لا يجوز زيدا فضربته لأنه خبر و إنما
مجمع البيان ج : 7 ص : 196
جاز في الأمر لمضارعته الشرط أ لا تراه دالا على الشرط و لذلك انجزم جوابه في قولك زرني أكرمك لأن معناه فإنك إن تزرني أكرمك فلما آل معناه إلى الشرط جاز دخول الفاء في الفعل المفسر للمضمر و تقول على هذا بزيد فامرر و على عمرو فأغضب .

اللغة

السورة مأخوذة من سور البناء و هو ارتفاعه و قيل هو ساق من أسواقه فعلى القول الأول يكون تسميتها بذلك لارتفاعها في النفوس و على القول الثاني يكون تسميتها بذلك لأنها قطعة من القرآن و قيل إن السورة المنزلة الشريفة و الجلالة قال النابغة :
أ لم تر أن الله أعطاك سورة
ترى كل ملك دونها يتذبذب
لأنك شمس و الملوك كواكب
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب و قيل أصله الهمز و قيل اشتقاقها من أسأرت إذا أبقيت في الإناء بقية و منه الحديث إذا شربتم فأساروا إلا أنه أجمع على تخفيفها كما أجمع على تخفيف برية و روية و أصلها من برأ الله الخلق و روأت في الأمر و أصل الفرض من فرض القوس و هو الحز الذي فيه الوتر ثم اتسع فيه فجعل في موضع الإيجاب و فصل بين الفرض و الواجب فإن الفرض واجب بجعل جاعل لأنه فرضه على صاحبه كما أنه أوجبه عليه و الواجب قد يكون واجبا من غير جعل جاعل كوجوب شكر المنعم فجرى دلالة الفعل على الفاعل في أنه يدل من غير جعل جاعل و الزنا هو وطء المرأة في الفرج من غير عقد شرعي و لا شبهة عقد مع العلم بذلك أو غلبة الظن و ليس كل وطء حرام زنا لأن الوطء في الحيض و النفاس حرام و لا يكون زنا و الجلد ضرب الجلد يقال جلده كما يقال ظهره و رأسه و فاده و هذا قياس و الرأفة التحنن و التعطف و فيه ثلاث لغات سكون الهمزة و فتحها و مدها و قال الأخفش الرأفة رحمة في توجع .

المعنى

« « سورة أنزلناها » أي هذه سورة قطعة من القرآن لها أول و آخر أنزلها جبرائيل (عليه السلام) بأمرنا « و فرضناها » أي و أوجبنا عليكم العمل بها و على من بعدكم إلى يوم القيامة و قيل معناه و فرضنا فيها إباحة الحلال و حظر الحرام عن مجاهد و هذا يعود إلى معنى أوجبناها و قيل معناه و قدرنا فيها الحدود عن عكرمة و هو من قوله فنصف ما فرضتم و فسر أبو عمرو معنى القراءة بالتشديد بأن قال معناها فصلناها و بيناها بفرائض مختلفة « و أنزلنا فيها آيات بينات » أي دلالات واضحات على وحدانيتنا و كمال قدرتنا و قيل أراد بها الحدود
مجمع البيان ج : 7 ص : 197
و الأحكام التي شرع فيها « لعلكم تذكرون » أي لكي تتذكروا فتعلموا بما فيها ثم ذكر سبحانه تلك الآيات و ابتدأ بحكم الزنا فقال « الزانية و الزاني » معناه التي تزني و الذي يزني أي من زنى من النساء و من زنى من الرجال فيفيد العموم في الجنس « فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة » يعني إذا كانا حرين بالغين بكرين غير محصنين فأما إذا كانا محصنين أو كان أحدهما محصنا كان عليه الرجم بلا خلاف و الإحصان هو أن يكون له فرج يغدو إليه و يروح على وجه الدوام أو يكون حرا فأما العبد فلا يكون محصنا و كذلك الأمة لا تكون محصنة و إنما عليهما نصف الحد خمسون جلدة لقوله سبحانه فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب و قيل إنما قدم ذكر الزانية على الزاني لأن الزنى منهن أشنع و أعير و هو لأجل الحبل أضر لأن الشهوة فيهن أكثر و عليهن أغلب و قوله « فاجلدوا » هذا خطاب للأئمة و من يكون منصوبا للأمر من جهتهم لأنه ليس لأحد أن يقيم الحدود إلا للأئمة و ولاتهم بلا خلاف « و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر » معناه إن كنتم تصدقون بالله و تقرون بالبعث و النشور فلا تأخذكم بهما رحمة تمنعكم من إقامة الحدود عليهما فتعطلوا الحدود عن عطا و مجاهد و قيل معناه لا تأخذكم بهما رأفة تمنع من الجلد الشديد بل أوجعوهما ضربا و لا تخففوا كما يخفف في حد الشارب عن الحسن و قتادة و سعيد بن المسيب و النخعي و الزهري و قوله « في دين الله » أي في طاعة الله و قيل في حكم الله عن ابن عباس كقوله ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك أي في حكمه « و ليشهد عذابهما » أي و ليحضر حال إقامة الحد عليهما « طائفة » أي جماعة « من المؤمنين » و هم ثلاثة فصاعدا عن قتادة و الزهري و قيل الطائفة رجلان فصاعدا عن عكرمة و قيل أقله رجل واحد عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و إبراهيم و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و يدل على ذلك قوله و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا و هذا الحكم يثبت للواحد كما يثبت للجمع و قيل أقلها أربعة لأن أقل ما يثبت به الزنا شهادة أربعة عن ابن زيد و قيل ليس لهم عدد محصور بل هو موكول إلى رأي الإمام و المقصود أن يحضر جماعة يقع بهم إذاعة الحد ليحصل الاعتبار و قوله « الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك » اختلف في تفسيره على وجوه ( أحدها ) أن المراد بالنكاح العقد و نزلت الآية على سبب و هو أن رجلا من المسلمين استأذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أن يتزوج أم مهزول و هي امرأة كانت تسافح و لها راية على بابها تعرف بها فنزلت الآية عن عبد الله بن عباس و ابن عمر و مجاهد و قتادة و الزهري و المراد بالآية النهي و إن كان ظاهره الخبر و يؤيده ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا هم رجال و نساء كانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مشهورين
مجمع البيان ج : 7 ص : 198
بالزنا فنهى الله عن أولئك الرجال و النساء على تلك المنزلة فمن شهر بشيء من ذلك و أقيم عليه الحد فلا تزوجوه حتى تعرف توبته ( و ثانيها ) أن النكاح هنا الجماع و المعنى أنهما اشتركا في الزنا فهي مثله عن الضحاك و ابن زيد و سعيد بن جبير و في إحدى الروايتين عن ابن عباس فيكون نظير قوله الخبيثات للخبيثين في أنه خرج مخرج الأغلب الأعم ( و ثالثها ) أن هذا الحكم كان في كل زان و زانية ثم نسخ بقوله و أنكحوا الأيامى منكم الآية عن سعيد بن المسيب و جماعة ( و رابعها ) أن المراد به العقد و ذلك الحكم ثابت فيمن زنا بامرأة فإنه لا يجوز له أن يتزوج بها روي ذلك عن جماعة من الصحابة و إنما قرن الله سبحانه بين الزاني و المشرك تعظيما لأمر الزنا و تفخيما لشأنه و لا يجوز أن تكون هذه الآية خبرا لأنا نجد الزاني يتزوج غير الزانية و لكن المراد هنا الحكم أو النهي سواء كان المراد بالنكاح العقد أو الوطء و حقيقة النكاح في اللغة الوطء « و حرم ذلك على المؤمنين » أي حرم نكاح الزانيات أو حرم الزنا على المؤمنين فلا يتزوج بهن أو لا يطأهن إلا زان أو مشرك .
وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصنَتِ ثمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَنِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لهَُمْ شهَدَةً أَبَداً وَ أُولَئك هُمُ الْفَسِقُونَ(4) إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِك وَ أَصلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5)

القراءة

في الشواذ قراءة عبد الله بن مسلم بن يسار و أبي زرعة بأربعة بالتنوين .

الحجة

من قرأ « بأربعة شهداء » بغير تنوين أضاف العدد إلى « شهداء » و إن كان الشهداء من الصفات و ساغ ذلك لأنهم استعملوها استعمال الأسماء كقولهم إذا دفن الشهيد صلت عليه الملائكة و نحو ذلك فحسن إضافة اسم العدد إليها كما يضاف إلى الاسم الصريح و من قرأ بالتنوين جعل شهداء صفة لأربعة في موضع جر و يجوز أن يكون في موضع نصب من جهتين ( أحدهما ) أن يكون على معنى ثم لم يحضروا أربعة شهداء و على الحال من النكرة أي لم يأتوا بأربعة في حال الشهادة قاله الزجاج .

الإعراب

موضع « الذين يرمون » رفع بالابتداء و من قرأ الزانية و الزاني بالنصب فيكون على ذلك موضع « و الذين يرمون » نصبا على معنى اجلدوا الذين يرمون المحصنات و المحصنات هنا اللاتي أحصن فروجهن بالعفة و « الذين تابوا » في محل النصب على الاستثناء
مجمع البيان ج : 7 ص : 199
من قوله « و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا » عند من قال إن شهادتهم مقبولة و يكون قوله « و أولئك هم الفاسقون » صفة لهم و يجوز أن يكون في موضع جر على البدل من هم في لهم و من قال إن شهادة القاذف غير مقبولة فعنده يكون في موضع النصب على الاستثناء من قوله « و أولئك هم الفاسقون » .

المعنى

لما تقدم ذكر حد الزنا عقبه سبحانه بذكر حد القاذف بالزنا فقال سبحانه « و الذين يرمون المحصنات » أي يقذفون العفائف من النساء بالفجور و الزنا و حذف لدلالة الكلام عليه « ثم لم يأتوا بأربعة شهداء » أي ثم لم يأتوا على صحة ما رموهن به من الزنا بأربعة شهداء عدول يشهدون أنهم رأوهن يفعلن ذلك « فاجلدوهم » أي فاجلدوا الذين يرمونهن بالزنا « ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا » نهى سبحانه عن قبول شهادة القاذف على التأبيد و حكم عليهم بالفسق ثم استثنى من ذلك فقال « إلا الذين تابوا من بعد ذلك و أصلحوا » أعمالهم « فإن الله غفور رحيم » و اختلف في هذا الاستثناء إلى ما ذا يرجع على قولين ( أحدهما ) أنه يرجع إلى الفسق خاصة دون قوله « و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا » فيزول عنه اسم الفسق بالتوبة و لا تقبل شهادته إذا تاب بعد إقامة الحد عليه عن الحسن و قتادة و شريح و إبراهيم و هو قول أبي حنيفة و أصحابه ( و الآخر ) أن الاستثناء يرجع إلى الأمرين فإذا تاب قبلت شهادته حد أو لم يحد عن ابن عباس في رواية الوالبي و مجاهد و الزهري و مسروق و عطا و طاووس و سعيد بن جبير و الشعبي و هو اختيار الشافعي و أصحابه و قول أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز فأشهد لأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة لما شهد على المغيرة بن شعبة تب تقبل شهادتك أو إن تبت تقبل شهادتك فأبى أبو بكرة أن يكذب نفسه و قال الزجاج ليس القاذف بأشد جرما من الكافر و الكافر إذا أسلم قبلت شهادته فالقاذف أيضا حقه إذا تاب أن تقبل شهادته يعضد هذا القول أن المتكلم بالفاحشة لا ينبغي أن يكون أعظم جرما من مرتكبها و لا خلاف في العاهر أنه إذا تاب قبلت شهادته فالقاذف إذا تاب و نزع مع أنه أيسر جرما يجب أن تقبل شهادته و قال الحسن يجلد القاذف و عليه ثيابه و يجلد الرجل قائما و المرأة قاعدة و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و من شرط توبة القاذف أن يكذب نفسه فيما قاله فإن لم يفعل ذلك لم يجز قبول شهادته و به قال الشافعي و قيل أنه لا يحتاج إلى ذلك و هو قول مالك و الآية وردت في النساء و حكم الرجال حكمهن ذلك في الإجماع و إذا كان القاذف عبدا أو أمة فالحد أربعون جلدة عند أكثر الفقهاء و روى أصحابنا أن الحد ثمانون في الحر و العبد سواء و ظاهر الآية يقتضي ذلك و به قال عمر بن عبد العزيز
مجمع البيان ج : 7 ص : 200
و القاسم بن عبد الرحمن .
وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَجَهُمْ وَ لَمْ يَكُن لهَُّمْ شهَدَاءُ إِلا أَنفُسهُمْ فَشهَدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شهَدَتِ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصدِقِينَ(6) وَ الخَْمِسةُ أَنَّ لَعْنَت اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كانَ مِنَ الْكَذِبِينَ(7) وَ يَدْرَؤُا عَنهَا الْعَذَاب أَن تَشهَدَ أَرْبَعَ شهَدَتِ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَذِبِينَ(8) وَ الخَْمِسةَ أَنَّ غَضب اللَّهِ عَلَيهَا إِن كانَ مِنَ الصدِقِينَ(9) وَ لَوْ لا فَضلُ اللَّهِ عَلَيْكمْ وَ رَحْمَتُهُ وَ أَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكيمٌ(10)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « فشهادة أحدهم أربع شهادات » بالرفع و الباقون أربع شهادات بالنصب و قرأ حفص و الخامسة الثانية بالنصب و الباقون بالرفع و قرأ نافع أن ساكنة النون لعنة الله بالرفع و أن غضب الله عليها بكسر الضاد و رفع الله و قرأ يعقوب أن لعنة الله و أن غضب الله برفع لعنة و غضب جميعا و الباقون « أن لعنة الله » و « أن غضب الله » بالتشديد و النصب في الموضعين .

الحجة

قال أبو علي من نصب أربع شهادات نصبه بالشهادة و ينبغي أن يكون قوله « شهادة أحدهم » مبنيا على ما يكون مبتدأ تقديره فالحكم أو فالفرض أن تشهد أربع شهادات أو فعليهم أن يشهدوا و إن شئت حملته على المعنى لأن المعنى يشهد أحدهم و قوله « بالله » يجوز أن يكون من صلة الشهادة لأنك أوصلتها بالشهادة و من صلة شهادات إذا نصبت الأربع و قياس من أعمل الثاني أن يكون قوله « بالله » من صلة شهادات و حذف من الأول لدلالة الثاني عليه كما تقول ضربت و ضربني زيد و من رفع فقال « شهادة أحدهم أربع شهادات بالله » فإن الجار و المجرور من صلة شهادات و لا يجوز أن يكون من صلة شهادة لأنك إن وصلتها بالشهادة فقد فصلت بين الصلة و الموصول أ لا ترى أن الخبر الذي هو « أربع شهادات » يفصل
مجمع البيان ج : 7 ص : 201
قوله « إنه لمن الصادقين » في قول من نصب أربع شهادات يجوز أن يكون من صلة شهادة أحدهم فتكون الجملة التي هي « إنه لمن الصادقين » في موضع نصب لأن الشهادة كالعلم فيتعلق بها أن كما يتعلق بالعلم و الجملة في موضع نصب بأنه مفعول به و « أربع شهادات » ينتصب انتصاب المصدر و من رفع « أربع شهادات » لم يكن « إنه لمن الصادقين » إلا من صلة شهادات دون صلة شهادة لأنك إن جعلته من صلة شهادة فصلت بين الصلة و الموصول و من قرأ أن لعنة الله عليه و أن غضب الله عليها فمعناه أنه لعنة الله عليه و أنه غضب الله عليها خففت الثقيلة المفتوحة على إضمار القصة و الحديث و لا تكون في ذلك كالمكسورة لأن الثقيلة المفتوحة موصولة و الموصول يتشبث بصلته أكثر من تشبث غير الموصول بما يتصل به و أهل العربية يستقبحون أن تلي الفعل حتى يفصل بينها و بين الفعل بشيء و يقولون استقبحوا أن تحذف و يحذف ما تعمل فيه و إن تلي ما لم تكن تليه من الفعل بلا حاجز بينهما فتجتمع هذه الاتساعات فيها فإن فصل بينها و بين الفعل بشيء لم يستقبحوا ذلك كقوله تعالى علم أن سيكون منكم مرضى و قوله أ فلا يرون ألا يرجع إليهم قولا و علمت أن قد قام فإن قلت فقد جاء و أن ليس للإنسان إلا ما سعى و جاء نودي أن بورك من في النار و من حولها فالجواب فإن ليس يجري مجرى ما و نحوها مما ليس بفعل و أما قوله نودي أن بورك فإن قوله بورك على معنى الدعاء فلم يجز دخول لا و لا قد و لا السين و لا شيء مما يصح دخوله الكلام فيصح به الفصل و وجه قراءة نافع أن ذلك قد جاء في الدعاء و لفظه لفظ الخبر و قد يجيء في الشعر و إن لم يكن شيء يفصل بين أن و بين ما تدخل عليه من الفعل فإن قلت فلم لا تكون أن في قوله أن غضب الله أن الناصبة للفعل وصل بالماضي فيكون كقراءة من قرأ و امرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي فإن ذلك لا يسهل أ لا ترى أنها متعلقة بالشهادة و الشهادة بمنزلة العلم لا تقع بعدها الناصبة .

النزول

الضحاك عن ابن عباس قال لما نزلت الآية و الذين يرمون المحصنات قال عاصم بن عدي يا رسول الله إن رأى رجل منا مع امرأته رجلا فأخبر بما رأى جلد ثمانين و إن التمس أربعة شهداء كان الرجل قد قضى حاجته ثم مضى قال كذلك أنزلت الآية يا عاصم قال فخرج سامعا مطيعا فلم يصل إلى منزله حتى استقبله هلال بن أمية يسترجع فقال ما وراءك قال شر وجدت شريك بن سحما على بطن امرأتي خولة فرجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره هلال بالذي كان فبعث إليها فقال ما يقول زوجك فقالت يا رسول الله إن ابن سحما كان يأتينا فينزل بنا فيتعلم الشيء من القرآن فربما تركه عندي و خرج زوجي فلا أدري أدركته الغيرة أم بخل علي بالطعام فأنزل الله آية اللعان « و الذين يرمون أزواجهم » الآيات و عن الحسن قال لما
مجمع البيان ج : 7 ص : 202
نزلت و الذين يرمون المحصنات الآية قال سعد بن عبادة يا رسول الله أ رأيت إن رأى رجل مع امرأته رجلا فقتله تقتلونه و إن أخبر بما رأى جلد ثمانين أ فلا يضربه بالسيف فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كفى بالسيف شاة أراد أن يقول شاهدا ثم أمسك و قال لو لا أن يتابع فيه السكران و الغيران و في رواية عكرمة عن ابن عباس قال سعد بن عبادة لو أتيت لكاع و قد يفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء فو الله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته و يذهب و إن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا معشر الأنصار ما تسمعون إلى ما قال سيدكم فقالوا لا تلمه فإنه رجل غيور ما تزوج امرأة قط إلا بكرا و لا طلق امرأة له فاجترى رجل منا إن يتزوجها فقال سعد بن عبادة يا رسول الله بأبي أنت و أمي و الله إني لأعرف أنها من الله و أنها حق و لكن عجبت من ذلك لما أخبرتك فقال فإن الله يأبى إلا ذاك فقال صدق الله و رسوله فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى جاء ابن عم له يقال له هلال بن أمية من حديقة له قد رأى رجلا مع امرأته فلما أصبح غدا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال إني جئت أهلي عشاء فوجدت معها رجلا رأيته بعيني و سمعته بإذني فكره ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى رأى الكراهة في وجهه فقال هلال إني لأرى الكراهة في وجهك و الله يعلم إني لصادق و إني لأرجو أن يجعل الله فرجا فهم رسول الله بضربه و قال و اجتمعت الأنصار و قالوا ابتلينا بما قال سعد أ يجلد هلال و تبطل شهادته فنزل الوحي و أمسكوا عن الكلام حين عرفوا أن الوحي قد نزل فأنزل الله تعالى « و الذين يرمون أزواجهم » الآيات فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) أبشر يا هلال فإن الله تعالى قد جعل فرجا فقال قد كنت أرجو ذاك من الله تعالى فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أرسلوا إليها فجاءت فلاعن بينهما فلما انقضى اللعان فرق بينهما و قضى أن الولد لها و لا يدعى لأب و لا يرمى ولدها ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن جاءت به كذا و كذا فهو لزوجها و إن جاءت به كذا و كذا فهو للذي قيل فيه .

المعنى

لما تقدم حكم القذف للأجنبيات عقبه بحكم القذف للزوجات فقال « و الذين يرمون أزواجهم » بالزنا « و لم يكن لهم شهداء » يشهدون لهم على صحة ما قالوا « إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات » قال الزجاج معناه فشهادة أحدهم التي تدرأ حد القاذف أربع شهادات و من نصب فمعناه فالذي يدرأ عنهم العذاب أن يشهد أحدهم أربع شهادات « بالله أنه لمن الصادقين » فيما رماها به من الزنا « و الخامسة » أي و الشهادة الخامسة « أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين » فيما رماها به من الزنا و المعنى أن الرجل يقول أربع مرات مرة بعد مرة أخرى أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما ذكرت عن هذه المرأة من الفجور فإن هذا حكم خص الله به الأزواج في قذف نسائهم فتقوم الشهادات الأربع مقام الشهود الأربعة في دفع حد القذف عنهم ثم يقول في المرة الخامسة لعنة الله علي إن كنت
مجمع البيان ج : 7 ص : 203
من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا « و يدرأ عنها العذاب » و يدفع عن المرأة حد الزنا « أن تشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين » معناه أن تقول المرأة أربع مرات مرة بعد أخرى أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما قذفني به من الزنا « و الخامسة أن غضب الله عليها » أي و تقول في الخامسة غضب الله علي « إن كان من الصادقين » فيما قذفني به من الزنا ثم يفرق الحاكم بينهما و لا تحل له أبدا و كان عليها العدة من وقت لعانها « و لو لا فضل الله عليكم و رحمته و أن الله تواب حكيم » جواب لو لا محذوف تقديره و لو لا فضل الله عليكم بالنهي عن الزنا و الفواحش و إقامة الحدود لتهالك الناس و لفسد النسل و انقطع الأنساب عن أبي مسلم و قيل معناه لو لا إفضال الله و إنعامه عليكم و أن الله عواد على من يرجع عن المعاصي بالرحمة حكيم فيما فرضه من الحدود لنال الكاذب منهما عذاب عظيم أي لبين الكاذب منهما فيقام عليه الحد و قيل لعاجلكم بالعقوبة و لفضحكم بما تركبون من الفاحشة و مثله قوله لو رأيت فلانا و في يده السيف و المعنى لرأيت شجاعا أو لرأيت أمرا هائلا و قال جرير :
كذب العواذل لو رأين مناخنا
بحزيز رامة و المطي سوام و جاء في المثل لو ذات سوار لطمتني .
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُو بِالافْكِ عُصبَةٌ مِّنكمْ لا تحْسبُوهُ شرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيرٌ لَّكمْ لِكلِّ امْرِى مِّنهُم مَّا اكْتَسب مِنَ الاثْمِ وَ الَّذِى تَوَلى كِبرَهُ مِنهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ(11) لَّوْ لا إِذْ سمِعْتُمُوهُ ظنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنَت بِأَنفُسِهِمْ خَيراً وَ قَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ(12) لَّوْ لا جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشهَدَاءِ فَأُولَئك عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَذِبُونَ(13) وَ لَوْ لا فَضلُ اللَّهِ عَلَيْكمْ وَ رَحْمَتُهُ فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ لَمَسكمْ فى مَا أَفَضتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكم مَّا لَيْس لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَ تحْسبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ(15)

مجمع البيان ج : 7 ص : 204

القراءة

قرأ يعقوب كبره بضم الكاف و هو قراءة أبي رجا و حميد الأعرج و قراءة القراء « كبره » بكسر الكاف و في الشواذ قراءة عائشة و ابن عباس و ابن معمر إذ تلقونه و قراءة ابن السميفع تلقونه و القراءة المشهورة « تلقونه » .

الحجة

من ضم كبره أراد عظمه و من كسر أراد وزره و إثمه قال قيس بن الخطيم :
تنام عن كبر شأنها فإذا
قامت رويدا تكاد تتغرف أي عن معظم شأنها و أما قوله « تلقونه » فمعناه تسرعون فيه و تخفون إليه قال الراجز
جاءت به عنس من الشام تلق أي تخف و أصله تلقون فيه أو إليه فحذف حرف الجر فوصل الفعل إلى المفعول و قيل إن الولق الكذب فكان الكاذب يستمر في الكذب و يسرع فيه و جاء في حديث علي (عليه السلام) كذبت و ولقت و أما تلقونه فمعناه تلقونه بأفواهكم و أما تلقونه فهو من تلقيت الحديث من فلان أي أخذته منه قبلته .

النزول

روى الزهري عن عروة بن الزبير و سعيد بن المسيب و غيرهما عن عائشة أنها قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيهن خرج سهمها خرج بها فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي و ذلك بعد ما أنزل الحجاب فخرجت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى فرغ من غزوة و قفل و روي أنها كانت غزوة بني المصطلق من خزاعة قالت و دنونا من المدينة فقمت حين أذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدرتي فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست
مجمع البيان ج : 7 ص : 205
عقدي فحبسني ابتغاؤه و أقبل الرهط الذي كانوا يرحلونني فحملوا هودجي على بعيري الذي كنت أركب و هم يحسبون أني فيه و كانت النساء إذا ذاك خفافا لم يهبلهن اللحم ( و لم يغشهن اللحم خ ل ) إنما يأكلن العلقة من الطعام فبعثوا الجمل و ساروا و وجدت عقدي و جئت منازلهم و ليس بها داع و لا مجيب فسموت منزلي الذي كنت فيه و ظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة إذ غلبتني عيناي فنمت و كان صفوان بن المعطل السلمي قد عرس من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني فخمرت وجهي بجلبابي و و الله ما كلمني بكلمة حتى أناخ راحلته فركبتها فانطلق يقود الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في حر الظهيرة فهلك من هلك في و كان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهرا و الناس يفيضون في قول أهل الإفك و لا أشعر بشيء من ذلك و هو يرثيني في وجعي غير أني لا أعرف من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اللطف الذي كنت أرى منه حين اشتكى إنما يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم فذلك يحزنني و لا أشعر بالسر حتى خرجت بعد ما نقهت و خرجت معي أم مسطح قبل المصانع و هو متبرزنا و لا نخرج إلا ليلا إلى ليل و ذلك قبل أن نتخذ الكنف و أمرنا أمر العرب الأول في التنزه و كنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا و انطلقت أنا و أم مسطح و أمها بنت ضخرة بن عامر خالة أبي فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أ تسبين رجلا قد شهد بدرا فقالت أي بنتاه أ لم تسمعي ما قال قلت و ما ذا قال فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ثم قال كيف تيكم قلت تأذن لي أن آتي أبوي قالت و أنا أريد أن أتيقن الخبر من قبله فأذن لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجئت أبوي و قلت لأمي يا أماه ما ذا يتحدث الناس فقالت أي بنية هوني عليك فو الله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها و لها ضرائر إلا أكثرن عليها قلت سبحان الله أ و قد يحدث الناس بهذا قالت نعم فمكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع و لا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي و دعا رسول الله أسامة بن زيد و علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة فأشار على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالذي علم من براءة أهله و بالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال يا رسول الله هم أهلك و لا نعلم إلا خيرا فأما علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلوات فقال لم يضيق الله عليك و النساء سواها كثيرة و إن تسأل الجارية تصدقك فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بريرة فقال يا بريرة هل رأيت شيئا يريبك من عائشة قالت بريرة و الذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط
مجمع البيان ج : 7 ص : 206
أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها قالت و أنا و الله أعلم أني بريئة و ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى و لكني كنت أرجو أن يرى رسول الله رؤيا يبرئني الله بها فأنزل الله تعالى على نبيه و أخذه ما كان يأخذه من برحاء الوحي حتى أنه لينحدر عنه مثل الجمان من العرق في اليوم الثاني من ثقل القول الذي أنزل عليه فلما سرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك فقالت لي أمي قومي إليه فقلت و الله لا أقوم إليه و لا أحمد إلا الله فهو الذي أنزل براءتي فأنزل الله تعالى « إن الذين جاءوا بالإفك » الآيات العشر .

المعنى

« إن الذين جاءوا بالإفك » أي بالكذب العظيم الذي قلب فيه الأمر عن وجهه « عصبة منكم » أيها المسلمون قال ابن عباس و عائشة منهم عبد الله بن أبي سلول و هو الذي تولى كبره و مسطح بن أثاثة و حسان بن ثابت و حمنة بنت جحش « لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم » هذا خطاب لعائشة و صفوان لأنهما قصدا بالإفك و لمن اغتم بسبب ذلك و خطاب لكل من رمى بسبب عن ابن عباس أي لا تحسبوا غم الإفك شرا لكم بل هو خير لكم لأن الله تعالى يبريء عائشة و يأجرها بصبرها و احتسابها و يلزم أصحاب الإفك ما استحقوه بالإثم الذي ارتكبوه في أمرها و قال الحسن هذا خطاب للقاذفين من المؤمنين و المعنى لا تحسبوا أيها القذفة هذا التأديب شرا لكم بل هو خير لكم فإنه يدعوكم إلى التوبة و يمنعكم عن المعاودة إلى مثله « لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم » أي لكل امرىء من القذفة جزاء ما اكتسبه من الإثم بقدر ما خاض و أفاض فيه و قيل معناه على كل امرىء منهم عقاب ما اكتسب كقوله « و إن أسأتم فلها » أي فعليها « و الذي تولى كبره » أي تحمل معظمه « منهم له عذاب عظيم » المراد به عبد الله بن أبي سلول أي فإنه كان رأس أصحاب الإفك كان يجتمع الناس عنده و يحدثهم بحديث الإفك و يشيع ذلك بين الناس و يقول قال امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها و الله ما نجت منه و لا نجا منها و العذاب العظيم عذاب جهنم في الآخرة و قيل المراد به مسطح بن أثاثة و قيل حسان بن ثابت فإنه روي أنه دخل على عائشة بعد ما كف بصره فقيل لها أنه يدخل عليك و قد قال فيك ما قال و قد قال الله تعالى و الذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقالت عائشة أ ليس قد كف بصره فأنشد حسان قوله فيها :
حصان رزان ما تزن بريبة
و تصبح غرثى من لحوم الغوافل
مجمع البيان ج : 7 ص : 207
فقالت عائشة لكنك لست كذلك « لو لا إذ سمعتموه ظن المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خيرا » معناه هلا حين سمعتم هذا الإفك من القائلين له ظن المؤمنون و المؤمنات بالذين هم كأنفسهم خيرا لأن المؤمنين كلهم كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور فإذا جرى على أحدهم محنة فكأنها جرت على جماعتهم فهو كقوله « فسلموا على أنفسكم » عن مجاهد و على هذا يكون خطابا لمن سمعه فسكت و لم يصدق و لم يكذب و قيل هو خطاب لمن أشاعه و المعنى هلا إذا سمعتم هذا الحديث ظننتم بها ما تظنونه بأنفسكم لو خلوتم بها و ذلك لأنها كانت أم المؤمنين و من خلا بأمه فإنه لا يطمع فيها و هي لا تطمع فيه « و قالوا هذا إفك مبين » أي و هلا قالوا هذا القول كذب ظاهر « لو لا جاءوا عليه بأربعة شهداء » أي هلا جاءوا على ما قالوه ببينة و هي أربعة شهداء يشهدون بما قالوه « فإذا لم يأتوا بالشهداء » أي فحين لم يأتوا بالشهداء « فأولئك » الذين قالوا هذا الإفك « عند الله » أي في حكمه « هم الكاذبون و لو لا فضل الله عليكم و رحمته في الدنيا و الآخرة » بأن أمهلكم لتتوبوا و لم يعاجلكم بالعقوبة « لمسكم » أي أصابكم « فيما أفضتم » أي خضتم « فيه » من الإفك « عذاب عظيم » أي عذاب لا انقطاع له عن ابن عباس ثم ذكر الوقت الذي كان يصيبهم العذاب فيه لو لا فضله فقال « إذ تلقونه بألسنتكم » أي يرويه بعضكم عن بعض عن مجاهد و مقاتل و قيل معناه تقبلونه من غير دليل و لذلك إضافة إلى اللسان و قيل معناه يلقيه بعضكم إلى بعض عن الزجاج « و تقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم و تحسبونه هينا » أي تظنون أن ذلك سهل لا إثم فيه « و هو عند الله عظيم » في الوزر لأنه كذب و افتراء .

مجمع البيان ج : 7 ص : 208
وَ لَوْ لا إِذْ سمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكلَّمَ بهَذَا سبْحَنَك هَذَا بهْتَنٌ عَظِيمٌ(16) يَعِظكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(17) وَ يُبَينُ اللَّهُ لَكُمُ الاَيَتِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(18) إِنَّ الَّذِينَ يحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَحِشةُ فى الَّذِينَ ءَامَنُوا لهَُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ(19) وَ لَوْ لا فَضلُ اللَّهِ عَلَيْكمْ وَ رَحْمَتُهُ وَ أَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ(20)

المعنى

ثم زاد سبحانه في الإنكار عليهم فقال « و لو لا إذ سمعتموه قلتم » أي هلا قلتم حين سمعتم ذلك الحديث « ما يكون لنا أن نتكلم بهذا » أي لا يحل لنا أن نخوض في هذا الحديث و ما ينبغي لنا أن نتكلم به « سبحانك » يا ربنا « هذا » الذي قالوه « بهتان عظيم » أي كذب و زور عظيم عقابه أو نتحير من عظمه و قيل إن سبحانك هنا معناه التعجب كقول الأعشى
سبحان من علقمة الفاخر و قيل معناه ننزهك ربنا من أن نعصيك بهذه المعصية ثم وعظ سبحانه الذين خاضوا في الإفك فقال « يعظكم الله » أي ينهاكم الله عن مجاهد و قيل يحرم الله عليكم « أن تعودوا لمثله » عن ابن عباس و قيل معناه كراهة أن تعودوا أو لئلا تعودوا إلى مثله من الإفك « أبدا » أي طول أعماركم « إن كنتم مؤمنين » أي مصدقين بالله و نبيه قابلين موعظة الله « و يبين الله لكم الآيات » في الأمر و النهي « و الله عليم » بما يكون منكم « حكيم » فيما يفعله لا يضع الشيء إلا في موضعه ثم هدد القاذفين فقال « إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة » أي يفشوا و يظهروا الزنا و القبائح « في الذين آمنوا » بأن ينسبوها إليهم و يقذفوهم بها « لهم عذاب أليم في الدنيا » بإقامة الحد عليهم « و الآخرة » و هو عذاب النار « و الله يعلم » ما فيه من سخط الله و ما يستحق عليه من المعاقبة « و أنتم لا تعلمون » ذلك ثم ذكر فضله و منته عليهم فقال « و لو لا فضل الله عليكم و رحمته و أن الله رءوف رحيم » لعاجلكم بالعقوبة و لكنه برحمته أمهلكم لتتوبوا و تندموا على ما قلتم و جواب لو لا محذوف لدلالة الكلام عليه .

النظم

لما بين سبحانه أحكام قذف المحصنات و عظم أمره عقب ذلك بأحكام قذف الزوجات ثم عطف بعد ذلك قذف الأمهات فإن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمهات المؤمنين بدلالة قوله تعالى « النبي أولى بالمؤمنين » الآية .

مجمع البيان ج : 7 ص : 209
* يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطوَتِ الشيْطنِ وَ مَن يَتَّبِعْ خُطوَتِ الشيْطنِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنكَرِ وَ لَوْ لا فَضلُ اللَّهِ عَلَيْكمْ وَ رَحْمَتُهُ مَا زَكى مِنكم مِّنْ أَحَد أَبَداً وَ لَكِنَّ اللَّهَ يُزَكى مَن يَشاءُ وَ اللَّهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ(21) وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضلِ مِنكمْ وَ السعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولى الْقُرْبى وَ الْمَسكِينَ وَ الْمُهَجِرِينَ فى سبِيلِ اللَّهِ وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصفَحُوا أَ لا تحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصنَتِ الْغَفِلَتِ الْمُؤْمِنَتِ لُعِنُوا فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ وَ لهَُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(23) يَوْمَ تَشهَدُ عَلَيهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُم بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ(24) يَوْمَئذ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ(25)

القراءة

قرأ روح عن يعقوب ما زكى منكم بالتشديد و الباقون بالتخفيف و قرأ أبو جعفر و لا يتأل و هو قراءة زيد بن أسلم و أبي رجا و أبي مجلز و الباقون « لا يأتل » و روي عن علي (عليه السلام) و لتعفوا و لتصفحوا بالتاء كما يروى بالياء أيضا و قرأ أهل الكوفة غير عاصم يوم يشهد عليهم بالياء و الباقون « تشهد » و في الشواذ قراءة مجاهد و أبي روق يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق بالرفع .

الحجة

الوجه في قوله « ما زكى » بالتشديد أنه قال و الله يزكي و أما قوله « و لا يتأل » فإنه من تألى إذا حلف و في الحديث و من يتأل على الله يكذبه و هو الذي يحلف فيقول و الله لا يدخل فلان الجنة و فلان النار و أنشد الأصمعي :
عجاجة هجاجة تألى لأصبحن الأحقر الأذلاء و أما « لا يأتل » ففيه ثلاثة أقوال ( أحدها ) من الآلية التي هي اليمين أيضا يقال
مجمع البيان ج : 7 ص : 210
ايتلي و تألى و إلى بمعنى و الآخر أنه من قولهم ما ألوت في كذا أي ما قصرت و المعنى و لا يقصر و قال الأخفش أنه يحتمل الأمرين و قوله « و لتعفوا و لتصفحوا » بالتاء مثل ما روي فلتفرحوا بالتاء على الأصل و قد تقدم القول فيه و من قرأ يوم يشهد بالياء فلأن تأنيث الألسنة ليس بحقيقي و لأنه حصل بين الفعل و الفاعل فصل و من قرأ بالتاء فعلى أن الألسنة مؤنثة و من قرأ الحق بالرفع جعله وصفا لله تعالى أي يوفيهم الله الحق دينهم مثل قوله « إلى الله مولاهم الحق » .

النزول

قيل إن قوله « و لا يأتل أولوا الفضل منكم » الآية نزلت في أبي بكر و مسطح بن أثاثة و كان ابن خالة أبي بكر و كان من المهاجرين و من جملة البدريين و كان فقيرا و كان أبو بكر يجري عليه و يقوم بنفقته فلما خاض في الإفك قطعها و حلف أن لا ينفعه بنفع أبدا فلما نزلت الآية عاد أبو بكر إلى ما كان و قال و الله إني لأحب أن يغفر الله لي و الله لا أنزعها عنه أبدا عن ابن عباس و عائشة و ابن زيد و قيل نزلت في يتيم كان في حجر أبي بكر حلف لا ينفق عليه عن الحسن و مجاهد و قيل نزلت في جماعة من الصحابة أقسموا على أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من الإفك و لا يواسوهم عن ابن عباس و غيره .

المعنى

ثم نهى سبحانه عن اتباع الشيطان فقال « يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان » أي آثاره و طرقه التي تؤدي إلى مرضاته و قيل وساوسه « و من يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء و المنكر » هذا بيان سبب المنع من اتباعه « و لو لا فضل الله عليكم و رحمته » بأن لطف لكن و أمركم بما تصيرون به أزكياء و نهاكم عما تصبرون بتركه أزكياء « ما زكى منكم من أحد أبدا » أي ما صار منكم أحد زكيا و من في من أحد مزيدة و قيل معناه ما طهر منكم أحد من وسوسة الشيطان و ما صلح « و لكن الله يزكي من يشاء » أي يطهر بلطفه من يشاء و هو من له لطف يفعله سبحانه به ليزكو عنده « و الله سميع عليم » يفعل المصالح و الألطاف بالمكلفين لأنه يسمع أصواتهم و أقوالهم و يعلم أحوالهم و أفعالهم و في الآية دلالة على أن الله سبحانه يريد من خلقه خلاف ما يريده الشيطان لأنه إذا ذم سبحانه الأمر بالفحشاء و المنكر فخالق الفحشاء و المنكر و مريدهما أولى بالذم تعالى و تقدس عن ذلك و فيها دلالة على أن أحدا لا يصلح إلا بلطفه « و لا يأتل » أي و لا يحلف أولا يقصر و لا يترك « أولو الفضل منكم و السعة » أي أولو الغنى و السعة في المال « أن يؤتوا أولي القربى » قال الزجاج معناه أن لا يؤتوا فحذف لا أي لا يحلفوا أن لا يؤتوا و قيل لا يقصروا أن يؤتوا و لا يتركوا جهدا في الإنفاق على أقربائهم « و المساكين و المهاجرين في
مجمع البيان ج : 7 ص : 211
سبيل الله » و قد اجتمع في مسطح الصفات الثلاث كان قرينا لأبي بكر مسكينا مهاجرا قال الجبائي و في قصة مسطح دلالة على أنه قد يجوز أن تقع المعاصي ممن شهد بدرا بخلاف قول النوائب « و ليعفوا و ليصفحوا » هذا أمر من الله تعالى للمرادين بالآية بالعفو عمن أساء إليهم و الصفح عنهم و قال لهم « أ لا تحبون أن يغفر الله لكم » معاصيكم جزاء على عفوكم و صفحكم عمن أساء إليكم « و الله غفور رحيم إن الذين يرمون المحصنات » أي يقذفون العفائف من النساء « الغافلات » عن الفواحش « المؤمنات » بالله و رسوله و اليوم الآخر « لعنوا في الدنيا و الآخرة » أي أبعدوا من رحمة الله في الدارين و قيل استحقوا اللعنة فيهما و قيل عذبوا في الدنيا بالجلد و رد الشهادة و في الآخرة بعذاب النار « و لهم » مع ذلك « عذاب عظيم » و هذا الوعيد عام لجميع المكلفين عن ابن عباس و ابن زيد « يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون » بين الله سبحانه أن ذلك العذاب يكون في يوم تشهد ألسنتهم فيه عليهم بالقذف و سائر أعضائهم بمعاصيهم و في كيفية شهادة الجوارح أقوال ( أحدها ) أن الله تعالى يبنيها بنية يمكنها النطق و الكلام من جهتها فتكون ناطقة ( و الثاني ) إن الله تعالى يفعل فيها كلاما يتضمن الشهادة فيكون المتكلم هو الله دون الجوارح و أضيف الكلام إليها على التوسع لأنها محل الكلام ( و الثالث ) إن الله تعالى يجعل فيها علامة تقوم مقام النطق بالشهادة و أما شهادة الألسن فبأن يشهدوا بألسنتهم إذا رأوا أنه لا ينفعهم الجحود و أما قوله « اليوم نختم على أفواههم » فإنه يجوز أن تخرج الألسنة و يختم على الأفواه و يجوز أن يكون الختم على الأفواه في حال شهادة الأيدي و الأرجل « يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق » أي يتمم الله لهم جزاءهم الحق فالدين هنا بمعنى الجزاء و يجوز أن يكون المراد جزاء دينهم الحق فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه « و يعلمون أن الله هو الحق » أي يعلمون الله ضرورة في ذلك اليوم و يقرون أنه الحق لأنه يقضي بالحق و يعطي بالحق و يأخذ بالحق « المبين » أي الذي يظهر لهم حقائق الأمور و يبين جلائل الآيات .

النظم

بدأ سبحانه فبين حكم القاذف أولا و أوجب عليه الحد و رد شهادته و سماه فاسقا فعلم أن المراد به أهل الملة ثم عقبه بحديث الإفك لاتصاله به ثم ذكر صنفا آخر من القذفة و هم المنافقون بقوله « إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا » و بين ما لهم من الغضب و اللعنة ثم عم الجميع بالوعيد في قوله « إن الذين يرمون المحصنات » الآيات عن أبي مسلم .

مجمع البيان ج : 7 ص : 212
الخَْبِيثَت لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَتِ وَ الطيِّبَت لِلطيِّبِينَ وَ الطيِّبُونَ لِلطيِّبَتِ أُولَئك مُبرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كرِيمٌ(26) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيرَ بُيُوتِكمْ حَتى تَستَأْنِسوا وَ تُسلِّمُوا عَلى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27) فَإِن لَّمْ تجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتى يُؤْذَنَ لَكمْ وَ إِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(28) لَّيْس عَلَيْكمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيرَ مَسكُونَة فِيهَا مَتَعٌ لَّكمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَ مَا تَكْتُمُونَ(29)

اللغة

الاستيناس طلب الأنس بالعلم أو غيره تقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحدا و منه قوله « فإن آنستم منهم رشدا » أي علمتم و روي عن ابن عباس أنه قال إنما هي تستأذنوا يعني قوله « تستأنسوا » و كذلك يروى عن عبد الله و روي عن أبي حتى تسلموا و تستأنسوا و كذلك قرأ ابن عباس .

المعنى

قال سبحانه « الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات » قيل في معناه أقوال ( أحدها ) أن الخبيثات من الكلم للخبيثين من الرجال و الخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلم و الطيبات من الكلم للطيبين من الرجال و الطيبون من الرجال للطيبات من الكلم أ لا ترى أنك تسمع الخبيث من الرجل الصالح فتقول غفر الله لفلان ما هذا من خلقه و لا مما يقول عن ابن عباس و الضحاك و مجاهد و الحسن ( و الثاني ) إن معناه الخبيثات من السيئات للخبيثين من الرجال و الخبيثون من الرجال للخبيثات من السيئات و الطيبات من الحسنات
مجمع البيان ج : 7 ص : 213
للطيبين من الرجال و الطيبون من الرجال للطيبات من الحسنات عن ابن زيد ( و الثالث ) الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال و الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء و الطيبات من النساء للطيبين من الرجال و الطيبون من الرجال للطيبات من النساء عن أبي مسلم و الجبائي و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) قالا هي مثل قوله « الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة » الآية أن أناسا هموا أن يتزوجوا منهن فنهاهم الله عن ذلك و كره ذلك لهم « أولئك مبرءون مما يقولون » أي الطيبون مبرءون أي منزهون من الكلام الخبيث عن مجاهد و قال الفراء يعني به عائشة و صفوان بن المعطل و هو بمنزلة قوله تعالى « فإن كان له إخوة » و الأم تحجب بالأخوين فجاء على تغليب لفظ الجمع « لهم مغفرة » أي لهؤلاء الطيبين من الرجال و النساء مغفرة من الله لذنوبهم « و رزق كريم » أي عطية من الله كريمة في الجنة ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال « يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا » أي حتى تستأذنوا عن ابن مسعود و ابن عباس قال أخطأ الكاتب فيه و كان يقرأ حتى تستأذنوا و قيل تستأنسوا بالتنحنح و الكلام الذي يقوم مقام الاستيذان و قد بين الله تعالى ذلك في قوله « و إذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا » عن مجاهد و السدي و قيل معناه حتى تستعلموا و تتعرفوا عن أبي أيوب الأنصاري قال قلنا يا رسول الله ما الاستيناس قال يتكلم الرجل بالتسبيحة و التحميدة و التكبيرة و يتنحنح على أهل البيت و عن سهل بن سعد قال أطلع رجل في حجرة من حجر رسول الله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و معه مدرى يحك به رأسه لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينيك إنما الاستيذان من النظر و روي أن رجلا قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أستأذن على أمي فقال نعم قال أنها ليس لها خادم غيري أ فاستأذن عليها كلما دخلت قال أ تحب أن تراها عريانة قال الرجل لا قال فاستأذن عليها « و تسلموا على أهلها » قيل إن فيه تقديما و تأخيرا تقديره حتى تسلموا على أهلها و تستأنسوا و تستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا و قيل معناه حتى تستأنسوا بأن تسلموا فقد روي أن رجلا استأذن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فتنحنح فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لامرأة يقال لها روضة قومي إلى هذا فعلميه و قولي له قل السلام عليكم أ أدخل فسمعها الرجل فقالها فقال أدخل « ذلكم خير لكم » معناه ذلك الدخول بالاستيذان خير لكم « لعلكم تذكرون » مواعظ الله و أوامره و نواهيه فتتبعونها « فإن لم تجدوا » معناه فإن لم تعلموا « فيها أحدا » يأذن لكم في الدخول « فلا تدخلوها » لأنه ربما كان فيها ما
 

Back Index Next