جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج7 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 

مجمع البيان ج : 7 ص : 307

القراءة

قرأ يعقوب و أتباعك و هو قراءة ابن مسعود و الضحاك و ابن السميفع و الفراء و الباقون « و اتبعك » .

الحجة

يحتمل قوله و أتباعك وجهين ( أحدهما ) أن يكون مبتدأ و « الأرذلون » خبره و المعنى لما ذا نؤمن لك و إنما أتباعك الأرذلون ( و الآخر ) أن يكون معطوفا على الضمير في « أ نؤمن » أي أ نؤمن نحن و أتباعك و « الأرذلون » صفة للأتباع و جاز العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير توكيد لما وقع هناك من الفصل و هو قوله « لك » فصار طول الكلام به كالعرض من توكيد الضمير بقوله نحن و المعنى أ نؤمن لك و أتباعك الأرذلون فنعد في عدادهم .

اللغة

الأرذلون و الأراذل السفلة و أوضاع الناس و الرذل الوضيع و الرذيلة نقيض الفضيلة و الطرد إبعاد الشيء على وجه التنفير طرده يطرده و أطرده جعله طريدا و أطرد في الباب استمر في الذهاب كالطريد و الرجم الرمي بالحجارة و لا يقال للرمي بالقوس رجم و يسمى المشتوم مرجوما لأنه يرمى بما يذم و الانتهاء بلوغ الحد من غير مجاوزة إلى ما وقع عنه النهي و أصل النهاية بلوغ الحد و النهي الغدير لانتهاء الماء إليه و الفتح الحكم و الفتاح الحاكم لأنه يفتح على وجه الأمر بالحكم الفصل قال الشاعر :
أ لا أبلغ بني أعيا رسولا
فإني عن فتاحتكم غني و الفلك السفن يقع على الواحد و الجمع و المشحون من شحنه يشحنه شحنا إذا ملأه بما يسد خلله و شحن الثغر بالرجال و منه الشحنة .

الإعراب

« ما علمي » ما حرف نفي و « علمي » مبتدأ و تقديره ما علمي ثبت أو حصل بما كانوا يعملون .

المعنى

ثم ذكر سبحانه حديث نوح (عليه السلام) فقال « كذبت قوم نوح المرسلين » دخلت التاء في كذبت و القوم مذكر لأن المراد بالقوم الجماعة أي كذبت جماعة نوح المرسلين لأن من كذب رسولا واحدا من رسل الله فقد كذب الجماعة لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل و قال أبو جعفر (عليه السلام) يعني بالمرسلين نوحا و الأنبياء الذين كانوا بينه و بين آدم (عليه السلام) « إذ قال لهم أخوهم نوح » أي في النسب لا في الدين « أ لا تتقون » عذاب الله تعالى في تكذيبي و مخالفتي « إني لكم رسول أمين » على الرسالة فيما بيني و بين ربكم « فاتقوا الله » بطاعته و عبادته « و أطيعون » فيما أمركم به من الإيمان و التوحيد « و ما أسألكم عليه » أي على الدعاء إلى التوحيد « من أجر » من مزيدة « إن أجري » ما
مجمع البيان ج : 7 ص : 308
جزائي و ثوابي « إلا على رب العالمين » و خالق الخلائق أجمعين ثم كرر عليهم قوله « فاتقوا الله و أطيعون » لاختلاف المعنى لأن التقدير فاتقوا الله و أطيعوني لأني رسول أمين و اتقوا الله و أطيعوني لأني لا أسألكم عليه أجرا فتخافوا تلف أموالكم به و كل واحد من هذين المعنيين يقوي الداعي إلى قبول قول الغير و يبعد عن التهمة « قالوا أ نؤمن لك » أي نصدقك فيما تقول « و اتبعك الأرذلون » أي و قد اتبعك سفلة الناس و أراذلهم و خساسهم عن قتادة و قيل يعنون المساكين الذين ليس لهم مال و لا عز عن عطا و قيل يعنون الحاكة و الأساكفة عن الضحاك و علقمة و المعنى إن أتباعك أراذلنا و فقراؤنا و أصحاب الأعمال الدنية و المهن الخسيسة فلو اتبعناك لصرنا مثلهم و معدودين في جملتهم و هذا جهل منهم لأنه ليس في إيمان الأرذلين به ما يوجب تكذيبه فإن الرذل إذا أطاع سلطانه استحق التقرب عنده دون الشريف العاصي « قال و ما علمي بما كانوا يعملون » أي ما أعلم أعمالهم و صنائعهم و لم أكلف ذلك و إنما كلفت أن أدعوهم إلى الله و قد أجابوني إليه « إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون » أي ليس حسابهم إلا على ربي الذي خلقني و خلقهم لو تعلمون ذلك ما عبتموهم بصنائعهم « و ما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين » أي ما أنا بالذي لا يقبل الإيمان من الذين تزعمون أنهم الأرذلون لأني لست إلا نذيرا مخوفا من معصية الله داعيا إلى طاعته مبينا لها « قالوا » له عند ذلك « لئن لم تنته يا نوح » أي إن لم ترجع عما تقوله و تدعو إليه « لتكونن من المرجومين » بالحجارة عن قتادة و قيل من المرجومين بالشتم عن الضحاك « قال » نوح « رب إن قومي كذبون فافتح بيني و بينهم فتحا » أي فاقض بيننا قضاء بالعذاب لأنه قال « و نجني و من معي من المؤمنين » أي من ذلك العذاب « فأنجيناه و من معه في الفلك المشحون » أي فخلصناه و من معه من المؤمنين في السفينة المملوءة من الناس و غيرهم من الحيوانات « ثم أغرقنا بعد » أي بعد نجاة نوح و من معه « الباقين » أي الخارجين عن السفينة الكافرين به « إن في ذلك لآية » واضحة على توحيد الله « و ما كان أكثرهم مؤمنين » و ليس هذا بتكرار و إنما كل واحد في قصة على حدة فهذا ذكر آية في قصة نوح و ما كان من شأنه بعد ذكر آية مما كان في قصة إبراهيم و ذكر آية أخرى في قصة موسى و فرعون فبين أنه ذكر كلا من ذلك لما فيه من الآية الباهرة « و إن ربك لهو العزيز » في إهلاك قوم نوح بالغرق « الرحيم » في إنجائه نوحا و من معه في الفلك .

مجمع البيان ج : 7 ص : 309
كَذَّبَت عَادٌ الْمُرْسلِينَ(123) إِذْ قَالَ لهَُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ(124) إِنى لَكمْ رَسولٌ أَمِينٌ(125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ(126) وَ مَا أَسئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِنْ أَجْرِى إِلا عَلى رَب الْعَلَمِينَ(127) أَ تَبْنُونَ بِكلِّ رِيع ءَايَةً تَعْبَثُونَ(128) وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تخْلُدُونَ(129) وَ إِذَا بَطشتُم بَطشتُمْ جَبَّارِينَ(130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ(131) وَ اتَّقُوا الَّذِى أَمَدَّكم بِمَا تَعْلَمُونَ(132) أَمَدَّكم بِأَنْعَم وَ بَنِينَ(133) وَ جَنَّت وَ عُيُون(134) إِنى أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم(135) قَالُوا سوَاءٌ عَلَيْنَا أَ وَعَظت أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَعِظِينَ(136) إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ(137) وَ مَا نحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَهُمْ إِنَّ فى ذَلِك لاَيَةً وَ مَا كانَ أَكْثرُهُم مُّؤْمِنِينَ(139) وَ إِنَّ رَبَّك لهَُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(140)

القراءة

قرأ ابن كثير و أهل البصرة و أبو جعفر و الكسائي خلق الأولين بفتح الخاء و الباقون بضم الخاء و اللام و في الشواذ قراءة قتادة تخلدون بضم التاء و كسر اللام .

الحجة

قال أبو علي خلق الأولين عادتهم و خلق الأولين اختلافهم و كذبهم مثل قوله و تخلقون إفكا و إن هذا إلا اختلاق و خلد الشيء إذا بقي و أخلدته و خلدته و أخلد إلى كذا إذا أقام عليه و لزمه و قيل أخلد الرجل إذا أبطأ عنه الشيب .

اللغة

الريع الارتفاع من الأرض و جمعه أرياع و ريعة قال ذو الرمة :
طراق الخوافي مشرف فوق ريعة
ندى ليلة في ريشه يترقرق
مجمع البيان ج : 7 ص : 310
و منه الريع في الطعام و هو ارتفاعه بالزيادة و النماء و قال أبو عبيدة الريع الطريق بين الجبلين في الارتفاع و قيل هو الفج الواسع و المصانع مأخذ الماء جمع مصنع قال أبو عبيدة كل بناء مصنعة و قال قتادة و مجاهد المصانع هي القصور و الحصون و البطش العسف قتلا بالسيف و ضربا بالسوط و الجبار العالي على غيره بعظيم سلطانه و هو في صفة الله سبحانه مدح و في صفة غيره ذم لأن معناه في العبد أنه يتكلف الجبرية .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن عاد فقال « كذبت عاد المرسلين » و التأنيث لمعنى القبيلة لأنه أراد بعاد القبيلة « إذ قال لهم أخوهم » في النسب « هود أ لا تتقون » الله باجتناب معاصيه « إني لكم رسول أمين » إلى قوله « رب العالمين » مر تفسيره « أ تبنون بكل ريع » أي بكل مكان مرتفع و قيل بكل شرف عن ابن عباس و قيل بكل طريق عن الكلبي و الضحاك « آية تعبثون » أي بناء لا تحتاجون إليه لسكناكم و إنما تريدون العبث بذلك و اللعب و اللهو كأنه جعل بناهم ما يستغنون عنه عبثا منعم عن ابن عباس في رواية عطا و يؤيده الخبر المأثور عن أنس بن مالك إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خرج فرأى قبة مشرفة فقال ما هذه قال له أصحابه هذا لرجل من الأنصار فمكث حتى إذا جاء صاحبها فسلم في الناس أعرض عنه و صنع ذلك به مرارا حتى عرف الرجل الغضب و الإعراض عنه فشكا ذلك إلى أصحابه و قال و الله إني لأنكر نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما أدري ما حدث في و ما صنعت قالوا خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فرأى قبتك فقال لمن هذه فأخبرناه فرجع إلى قبته فسواها بالأرض فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذات يوم فلم ير القبة فقال ما فعلت القبة التي كانت هاهنا قالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها فقال إن لكل بناء يبني وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما لا بد منه و قيل معناه أنهم كانوا يبنون بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة و السائلة فيسخروا منهم و يبعثوا بهم عن الكلبي و الضحاك و قيل إن هذا في بنيان الحمام أنكر هود عليهم اتخاذهم بروجا للحمام عبثا عن سعيد بن جبير و مجاهد « و تتخذون مصانع » أي حصونا و قصورا مشيدة عن مجاهد و قيل مأخذا للماء تحت الأرض عن قتادة « لعلكم تخلدون » كأنكم تخلدون فيها فلا تموتون فإن هذه الأبنية بناء من يطمع في الخلود قال الزجاج معناه تتخذون مباني للخلود لا تتفكرون في الموت « و إذا بطشتم بطشتم جبارين » البطش الأخذ باليد أي إذا بطشتم بأحد تريدون إنزال عقوبة به عاقبتموه عقوبة من يريد التجبر بارتكاب العظائم كما قال إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض و قيل معناه و إذا عاقبتم قتلتم فمعنى الجبار القتال على الغضب بغير حق « فاتقوا الله و أطيعون » مر معناه « و اتقوا الذي أمدكم بما تعلمون » أي
مجمع البيان ج : 7 ص : 311
أعطاكم ما تعلمون من الخير .
و الأمداد اتباع الثاني ما قبله شيئا بعد شيء على انتظام و هؤلاء أمدوا بأنواع من النعم و هو قوله « أمدكم بأنعام و بنين و جنات و عيون » فأعطاهم رزقهم على إدرار « إني أخاف عليكم » إن عصيتموني « عذاب يوم عظيم » يريد يوم القيامة وصفه بالعظم لما فيه من الأهوال العظيمة « قالوا سواء علينا أ وعظت أم لم تكن من الواعظين » أي أ نهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا عن الكلبي و المعنى أنا لا نقبل ما تدعونا إليه على كل حال أ وعظت أم سكت أي حصول الوعظ منك و ارتفاعه مستويان عندنا ثم قالوا « إن هذا إلا خلق الأولين » أي ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين الذين ادعوا النبوة و لم يكونوا أنبياء و أنت مثلهم و من قرأ خلق الأولين بضم الخاء فالمعنى ما هذا الذي نحن عليه من تشييد الأبنية و اتخاذ المصانع و البطش الشديد إلا عادة الأولين من قبلنا و قيل معناه ما هذا الذي نحن فيه إلا عادة الأولين في أنهم كانوا يحيون و يموتون و لا بعث و لا حساب و قيل معناه ما الذي تدعيه من النبوة و الرسالة إلا عادة الأولين « و ما نحن بمعذبين » على ما تدعيه لا في الدنيا و لا بعد الموت « فكذبوه فأهلكناهم » بعذاب الاستئصال « إن في ذلك لآية و ما كان أكثرهم مؤمنين و إن ربك لهو العزيز الرحيم » قد مر تفسيره .

مجمع البيان ج : 7 ص : 312
كَذَّبَت ثَمُودُ الْمُرْسلِينَ(141) إِذْ قَالَ لهَُمْ أَخُوهُمْ صلِحٌ أَ لا تَتَّقُونَ(142) إِنى لَكُمْ رَسولٌ أَمِينٌ(143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ(144) وَ مَا أَسئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِنْ أَجْرِى إِلا عَلى رَب الْعَلَمِينَ(145) أَ تُترَكُونَ فى مَا هَهُنَا ءَامِنِينَ(146) فى جَنَّت وَ عُيُون(147) وَ زُرُوع وَ نخْل طلْعُهَا هَضِيمٌ(148) وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَرِهِينَ(149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ(150) وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسرِفِينَ(151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فى الأَرْضِ وَ لا يُصلِحُونَ(152) قَالُوا إِنَّمَا أَنت مِنَ الْمُسحَّرِينَ(153) مَا أَنت إِلا بَشرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِئَايَة إِن كُنت مِنَ الصدِقِينَ(154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لهََّا شِرْبٌ وَ لَكمْ شِرْب يَوْم مَّعْلُوم(155) وَ لا تَمَسوهَا بِسوء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم(156) فَعَقَرُوهَا فَأَصبَحُوا نَدِمِينَ(157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَاب إِنَّ فى ذَلِك لاَيَةً وَ مَا كانَ أَكثرُهُم مُّؤْمِنِينَ(158) وَ إِنَّ رَبَّك لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(159)

القراءة

قرأ أهل الكوفة و الشام فارهين بالألف و الباقون « فرهين » بغير الألف .

الحجة

قال الزجاج فرهين أشرين مرحين و فارهين حاذقين أبو عبيدة قال قد جاء فارهين في معنى فرهين و أنشد :
لا أستكين إذا ما أزمة أزمتت
لن تراني بخير فاره اللبب أي مرح اللبب .

اللغة

الهضيم اللطيف في جسمه و منه هضيمة الحشا أي لطيفة الحشا و منه هضمه حقه أي نقصه لأنه لطف جسمه بنقصه و منه هضم الطعام إذا لطف و استحال إلى مشاكلة البدن و المسحر الذي قد سحر مرة بعد أخرى و هو أن يكون ممن له سحر أي رئة و منه قولهم انتفخ سحره قال لبيد
فإن تسألينا فيم نحن فإننا
عصافير من هذا الأنام المسحر أي المعلل بالطعام و الشراب على أمر يخفى كخفاء السحر و الشرب الحظ من الماء قال
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت
حمامة في غصون ذات أو قال أي لم يمنع حظها من الماء و السوء الضر الذي يشعر به صاحبه لأنه يسؤوه وقوعه
مجمع البيان ج : 7 ص : 313
و العقر قطع شيء من بدن الحي فإذا كثر انتفت معه الحياة و إذا قل لم ينتف .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن ثمود فقال « كذبت ثمود المرسلين » و هو مفسر في هذه السورة إلى قوله « أ تتركون فيما هاهنا آمنين » معناه أ تظنون أنكم تتركون فيما أعطاكم الله من الخير في هذه الدنيا آمنين من الموت و العذاب و هذا إخبار بأن ما هم فيه من النعم لا يبقى عليهم و أنها ستزول عنهم ثم عدد نعمهم التي كانوا فيها فقال « في جنات » أي بساتين يسترها الشجر « و عيون » جارية « و زروع و نخل طلعها هضيم » الطلع الكفري مشتق من الطلوع لأنه يطلع من النخل و الهضيم اليانع النضيج عن ابن عباس و قيل هو الرطب اللين عن عكرمة و قيل هو الضامر بدخول بعضه في بعض عن الضحاك و قيل هو الذي إذا مس تفتت عن مجاهد و قيل هو الذي ليس فيه نوى عن الحسن « و تنحتون من الجبال بيوتا فارهين » أي حاذقين بنحتها من فره الرجل فراهة فهو فاره و فرهين أشرين بطرين عن ابن عباس « فاتقوا الله » في مخالفته « و أطيعون » فيما أمركم به « و لا تطيعوا أمر المسرفين » يعني الرؤساء منهم و هم تسعة رهط من ثمود الذين عقروا الناقة ثم وصفهم فقال « الذين يفسدون في الأرض و لا يصلحون قالوا » في جوابه « إنما أنت من المسحرين » قد أصبت بسحر ففسد عقلك فصرت لا تدري ما تقول و هو بمعنى المسحورين و المراد سحرت مرة بعد أخرى و قيل معناه من المخدوعين و قيل من المخلوقين المعللين بالطعام و الشراب عن ابن عباس و قيل معناه أنت مخلوق مثلنا لك سحر أي رئة تأكل و تشرب فلم صرت أولى منا بالنبوة « ما أنت إلا بشر مثلنا » أي آدمي مثلنا « فأت ب آية » أي بمعجزة تدل على صدقك « إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة » و هي الناقة التي أخرجها الله تعالى من الصخرة عشراء ترغو على ما اقترحوه « لها شرب و لكم شرب يوم معلوم » أي لها حظ من الماء لا تزاحموها فيه و لكم حظ لا تزاحمكم فيه و روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال إن أول عين نبعت في الأرض هي التي فجرها الله لصالح فقال لها شرب و لكم شرب يوم معلوم « و لا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم » هذا مع ما بعده مفسر في سورة الأعراف و القصة مشروحة هناك .

مجمع البيان ج : 7 ص : 314
كَذَّبَت قَوْمُ لُوط الْمُرْسلِينَ(160) إِذْ قَالَ لهَُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَ لا تَتَّقُونَ(161) إِنى لَكُمْ رَسولٌ أَمِينٌ(162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ(163) وَ مَا أَسئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِنْ أَجْرِى إِلا عَلى رَب الْعَلَمِينَ(164) أَ تَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَلَمِينَ(165) وَ تَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ(166) قَالُوا لَئن لَّمْ تَنتَهِ يَلُوط لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ(167) قَالَ إِنى لِعَمَلِكم مِّنَ الْقَالِينَ(168) رَب نجِّنى وَ أَهْلى مِمَّا يَعْمَلُونَ(169) فَنَجَّيْنَهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ(170) إِلا عَجُوزاً فى الْغَبرِينَ(171) ثمَّ دَمَّرْنَا الاَخَرِينَ(172) وَ أَمْطرْنَا عَلَيْهِم مَّطراً فَساءَ مَطرُ الْمُنذَرِينَ(173) إِنَّ فى ذَلِك لاَيَةً وَ مَا كانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ(174) وَ إِنَّ رَبَّك لهَُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(175)

اللغة

العادي و الظالم و الجائر نظائر و هو من العدوان و أصله من العدو و الذي هو الإسراع في السعي و القالي المبغض يقال قلاه يقليه قلى أبغضه الغابر الباقي في قلة كالتراب الذي يذهب بالكنس و يبقى غباره و الغبر البقية من اللبن في الأخلاف قال الحرث بن حلزة :
لا تكسع الشول بأغبارها
إنك لا تدري من الناتج و التدمير الإهلاك بأهول الأمور .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن قوم لوط فقال « كذبت قوم لوط المرسلين » و قد فسرناه إلى قوله « أ تأتون الذكران من العالمين » أي تصيبون الذكور من جملة الخلائق « و تذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم » أي و تتركون ما خلقه الله لكم من الأزواج و النساء و الزوجة هي التي وقع عليه العقد بالنكاح الصحيح يقال لها زوجة و زوج قال سبحانه
مجمع البيان ج : 7 ص : 315
أسكن أنت و زوجك الجنة « بل أنتم قوم عادون » أي ظالمون معتدون الحلال إلى الحرام و الطاعة إلى المعصية « قالوا لئن لم تنته يا لوط » و ترجع عما تقوله و لم تمتنع عن دعوتنا و تقبيح أفعالنا « لتكونن من المخرجين » عن بلدنا « قال » لوط لهم عند ذلك « إني لعملكم من القالين » أي من المبغضين الكارهين ثم دعا ربه فقال « رب نجني و أهلي مما يعملون » أي من عاقبة ما يعملونه و هو العذاب النازل بهم و أجاب الله سبحانه دعاءه قال « فنجيناه و أهله أجمعين » يعني من العذاب الذي وقع بهم و يجوز أن يكون أراد نجيناه و أهله من نفس عملهم و تكون النجاة من العذاب النازل بهم تبعا لذلك و الأول أوضح و يدل عليه قوله « إلا عجوزا في الغابرين » و أراد بالعجوز امرأته لأنها كانت تدل أهل الفساد على أضيافه فكانت من الباقين في العذاب و هلكت فيما بعده مع من خرج من القرية بما أمطره الله من الحجارة « ثم دمرنا الآخرين » أهلكناهم بالخسف و قيل بالائتفاك و هو الانقلاب ثم أمطر على من كان غائبا منهم عن القرية الحجارة من السماء و هو قوله « و أمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين » أي بئس و اشتد مطر الكافرين مطرهم و ما بعده مفسر قبل .

مجمع البيان ج : 7 ص : 316
كَذَّب أَصحَب لْئَيْكَةِ الْمُرْسلِينَ(176) إِذْ قَالَ لهَُمْ شعَيْبٌ أَ لا تَتَّقُونَ(177) إِنى لَكُمْ رَسولٌ أَمِينٌ(178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ(179) وَ مَا أَسئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِنْ أَجْرِى إِلا عَلى رَب الْعَلَمِينَ(180) * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ(181) وَ زِنُوا بِالْقِسطاسِ الْمُستَقِيمِ(182) وَ لا تَبْخَسوا النَّاس أَشيَاءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(183) وَ اتَّقُوا الَّذِى خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ(184) قَالُوا إِنَّمَا أَنت مِنَ الْمُسحَّرِينَ(185) وَ مَا أَنت إِلا بَشرٌ مِّثْلُنَا وَ إِن نَّظنُّك لَمِنَ الْكَذِبِينَ(186) فَأَسقِط عَلَيْنَا كِسفاً مِّنَ السمَاءِ إِن كُنت مِنَ الصدِقِينَ(187) قَالَ رَبى أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ(188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْمِ الظلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم(189) إِنَّ فى ذَلِك لاَيَةً وَ مَا كانَ أَكْثرُهُم مُّؤْمِنِينَ(190) وَ إِنَّ رَبَّك لهَُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(191)

القراءة

قرأ أهل الحجاز و الشام ليكة بالنصب غير مهموز هاهنا و في ص و الباقون « الأيكة » بإثبات الهمزة و الجر في الموضعين .

الحجة

قال أبو علي الأيكة تعريف أيكة فإذا خففت الهمزة حذفتها و ألقيت حركتها على اللام فقلت اليكة كما قالوا الحمر و من قال لحمر قال ليكة و قول من قال أصحاب ليكة بفتح التاء مشكل لأنه فتح مع لحاق لام المعرفة الكلمة و هذا في الامتناع كقول من قال بلحمر فيفتح و إنما يخرج هذا على أن المعنى قد سمي بكلمة تكون اللام فيها فاء و لم أسمع بها و قال الزجاج جاء في التفسير أن اسم المدينة التي أرسل إليها شعيب كان ليكة .

اللغة

الأيكة الغيضة ذات الشجر الملتف و الجمع الأيك قال
تجلو بقادمتي حمامة أيكة
بردا أسف لثاثه بالإثمد المخسر المعرض للخسران في رأس المال بالنقصان أخسر يخسر إخسارا إذا جعله يخسر في ماله و نقيضه أربحه و الجبلة الخليقة التي طبع عليها الشيء بكسر الجيم و الباء و قيل أيضا بضمها و يسقطون الهاء أيضا قال أبو ذؤيب
منايا يقربن الحتوف لأهلها
جهارا و يستمتعن بالأنس الجبل و قال آخر
و الموت أعظم حادث
مما يمر على الجبلة .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن شعيب فقال « كذب أصحاب لئيكة المرسلين » و هم
مجمع البيان ج : 7 ص : 317
أهل مدين عن ابن عباس و قيل أنهم غيرهم عن قتادة و قال إن الله سبحانه أرسل شعيبا إلى أمتين « إذ قال لهم شعيب » و لم يقل أخوهم لأنه لم يكن من نسبهم و كان من أهل مدين فلذلك قال في ذلك الموضع و إلى مدين أخاهم شعيبا « أ لا تتقون إني لكم رسول أمين » مفسر فيما قبل إلى قوله « رب العالمين » و إنما حكى الله سبحانه دعوة كل نبي بصيغة واحدة و لفظ واحد إشعارا بأن الحق الذي تأتي به الرسل و يدعون إليه واحد من اتقاء الله تعالى و اجتناب معاصيه و الإخلاص في عبادته و طاعة رسله و أن أنبياء الله تعالى لا يكونون إلا أمناء الله في عباده فإنه لا يجوز على واحد منهم أن يأخذ الأجرة على رسالته لما في ذلك من التنفير عن قبولهم ثم قال « أوفوا الكيل » أي أعطوا الكيل وافيا غير ناقص و يدخل الوفاء في الكيل و الوزن و الذرع و العدد « و لا تكونوا من المخسرين » أي من الناقصين للكيل و الوزن « و زنوا بالقسطاس المستقيم » أي بالعدل الذي لا حيف فيه يعني زنوا وزنا يجمع الإيفاء و الاستيفاء و ذكرنا الأقوال في القسطاس في سورة بني إسرائيل « و لا تبخسوا الناس أشياءهم » أي و لا تنقصوا الناس حقوقهم و لا تمنعوها « و لا تعثوا في الأرض مفسدين » أي و لا تسعوا في الأرض بالفساد و العثي أشد الفساد و الخراب عن أبي عبيدة « و اتقوا الذي خلقكم » أي أوجدكم بعد العدم « و الجبلة » أي الخليقة « الأولين » يعني و خلق الأمم المتقدمين « قالوا إنما أنت من المسحرين و ما أنت إلا بشر مثلنا » مر معناه « و إن نظنك لمن الكاذبين » أي و إنا نظنك كاذبا من جملة الكاذبين و إن هذه مخففة من الثقيلة و لذلك لزمها اللام في الخبر « فأسقط علينا كسفا من السماء » أي قطعا من السماء جمع كسفة عن ابن عباس « إن كنت من الصادقين » في دعواك « قال » شعيب « ربي أعلم بما تعملون » و معناه أنه إن كان في معلومه أنه إن بقاكم تبتم أو تاب بعضكم لم يقتطعكم بالعذاب و إن كان في معلومه أنه لا يفلح واحد منكم فسيأتيكم عذاب الاستئصال ثم قال « فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة » أصابهم حر شديد سبعة أيام و حبس عنهم الريح ثم غشيتهم سحابة فلما خرجوا إليها طلبا للبرد من شدة الحر الذي أصابهم أمطرت عليهم نارا فأحرقتهم فكان من أعظم الأيام في الدنيا عذابا و ذلك قوله « إنه كان عذاب يوم عظيم » و معنى الظلة هاهنا السحابة التي قد أظلتهم « إن في ذلك لآية » مفسر إلى آخره .

مجمع البيان ج : 7 ص : 318
وَ إِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَب الْعَلَمِينَ(192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ(193) عَلى قَلْبِك لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ(194) بِلِسان عَرَبىّ مُّبِين(195) وَ إِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الأَوَّلِينَ(196) أَ وَ لَمْ يَكُن لهَُّمْ ءَايَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَؤُا بَنى إِسرءِيلَ(197) وَ لَوْ نَزَّلْنَهُ عَلى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ(198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ(199) كَذَلِك سلَكْنَهُ فى قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ(200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتى يَرَوُا الْعَذَاب الأَلِيمَ(201) فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشعُرُونَ(202) فَيَقُولُوا هَلْ نحْنُ مُنظرُونَ(203) أَ فَبِعَذَابِنَا يَستَعْجِلُونَ(204) أَ فَرَءَيْت إِن مَّتَّعْنَهُمْ سِنِينَ(205) ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كانُوا يُوعَدُونَ(206) مَا أَغْنى عَنهُم مَّا كانُوا يُمَتَّعُونَ(207) وَ مَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَة إِلا لهََا مُنذِرُونَ(208) ذِكْرَى وَ مَا كنَّا ظلِمِينَ(209) وَ مَا تَنزَّلَت بِهِ الشيَطِينُ(210) وَ مَا يَنبَغِى لهَُمْ وَ مَا يَستَطِيعُونَ(211) إِنَّهُمْ عَنِ السمْع لَمَعْزُولُونَ(212)

القراءة

قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو و حفص و زيد « نزل » بالتخفيف « الروح الأمين » بالرفع و الباقون نزل بالتشديد الروح الأمين بالنصب و قرأ ابن عامر أ و لم تكن بالتاء آية بالرفع و الباقون « لم يكن » بالياء « آية » بالنصب و في الشواذ قراءة الحسن الأعجميين و قراءته أيضا فتأتيهم بغتة بالتاء ما تنزلت به الشياطون .

الحجة

قال أبو علي حجة من قال نزل به بالتشديد قوله فإنه نزله على قلبك و تنزل الملائكة بالروح فإنه مطاوع نزل و قوله نزله روح القدس من ربك بالحق و من أسند الفعل إلى الروح فقال نزل به الروح الأمين فإنه ينزل بأمر الله تعالى فمعناه معنى المثقلة و الوجه في قراءة ابن عامر أ و لم تكن لهم آية إن في تكن ضمير القصة و الحديث لأن ما يقع تفسيرا للقصة و الحديث من الجملة إذا كان فيها اسم مؤنث جاز تأنيث المضمر على شريطة التفسير كقوله فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا و قوله فإنها لا تعمى الأبصار و كذلك « أن يعلمه
مجمع البيان ج : 7 ص : 319
علماء بني إسرائيل » لما كان فيه مؤنث جاز أن يؤنث تكن ف آية مرتفعة بأنها خبر المبتدأ الذي هو « أن يعلمه علماء بني إسرائيل » و لا يمتنع أن لا يضمر القصة و الحديث و لكن يرفع « أن يعلمه » بقوله تكن و إن كان في تكن علامة التأنيث لأن « أن يعلمه » في المعنى هو الآية فيحمل الكلام على المعنى كما حمل على المعنى في قوله فله عشر أمثالها فأنث لما كان المراد بالأمثال الحسنات و كذلك قراءة من قرأ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا و قال ابن جني في قراءة الحسن الأعجميين إنها تفسير للغرض في القراءة المجمع عليها و هي قوله بعض الأعجميين و ذلك أن ما كان من الصفات على أفعل و مؤنثه فعلى لا يجمع بالواو و النون و لا بالألف و التاء فكان قياسه أن لا يجوز فيه الأعجمون لأن مؤنثه عجمى لكن سببه أنه أريد به الأعجميون ثم حذف ياء النسب و جعل جمعه بالواو و النون دليلا عليها و أمارة لإرادتها كما جعلت صحة الواو في عواور أمارة لإرادة الياء في عواوير و قوله فتأتيهم بغتة بالتاء معناه فتأتيهم الساعة فأضمر الساعة لدلالة العذاب الواقع فيها عليها و لكثرة ما يرد في القرآن من ذكر إتيانها و أما قوله الشياطون فقد قال الفراء فيه غلط الشيخ يعني الحسن فقيل ذلك للنضر بن شميل فقال إذا جاز أن يحتج بقول العجاج و رؤبة فهلا جاز أن يحتج بقول الحسن مع أنا نعلم أنه لم يقرأ به إلا و قد سمعه قال ابن جني هذا مما يعرض مثله للفصيح لتداخل الجمعين عليه و تشابهما عنده و نحو منه قولهم مسيل فيمن أخذه من السيل ثم قالوا في جمعه مسلان و أمسلة و في معين معنان و أمعنة مع أن الأقوى أن يكون معنان من العين فالشياطون غلط لكن يشبهه كما أن من همز مصائب كذلك عندهم و قال الزمخشري الوجه فيه أنه رأى آخره ك آخر يبرين و فلسطين فتخير بين أن يجري الإعراب على النون و بين أن يجريه على ما قبله فيقول الشياطين و الشياطون كما تخيرت العرب بين أن تقول هذه يبرون و يبرين و فلسطون و فلسطين و حقه أن يشق من الشيطوطة و هي الهلاك كما قيل له الباطل

اللغة

الأعجم الذي يمتنع لسانه عن العربية و العجمي نقيض العربي و الأعجمي نقيض الفصيح .

الإعراب

« لا يؤمنون به » في موضع النصب على الحال و « بغتة » مصدر وضع موضع الحال .
« سنين » ظرف زمان لمتعناهم .
« ما أغنى » ما نافية و مفعول أغنى محذوف و تقديره ما أغنى عنهم تمتعهم شيئا .
« ذكرى » في محل النصب لأنه مفعول له .
« و ما ينبغي » فاعل ينبغي مستكن فيه عائد إلى مصدر تنزل تقديره و ما ينبغي لهم أن يتنزلوا به .

المعنى

ثم بين سبحانه أمر القرآن بعد أن قص أخبار الأنبياء (عليهم السلام) ليتصل بها
مجمع البيان ج : 7 ص : 320
حديث نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « و إنه لتنزيل رب العالمين نزل به » أي نزل الله بالقرآن « الروح الأمين » يعني جبرائيل (عليه السلام) و هو أمين الله لا يغيره و لا يبدله و سماه روحا لأنه يحيي به الدين و قيل لأنه يحيي به الأرواح بما ينزل من البركات و قيل لأنه جسم روحاني « على قلبك » يا محمد و هذا على سبيل التوسع لأن الله تعالى يسمعه جبرائيل (عليه السلام) فيحفظه و ينزل به على الرسول و يقرأه عليه فيعيه و يحفظه بقلبه فكأنه نزل به على قلبه و قيل معناه لقنك الله حتى تلقنته و ثبته على قلبك و جعل قلبك وعاء له « لتكون من المنذرين » أي لتخوف به الناس و تنذرهم ب آيات الله « بلسان عربي مبين » أي بلغة العرب مبين للناس ما بهم إليه الحاجة في دينهم و قيل أراد به لسان قريش ليفهموا ما فيه و لا يقولوا ما نفهم ما قال محمد عن مجاهد و قيل لسان جرهم و إنما جعله عربيا لأن المنزل عليه عربي و المخاطبون به عرب و لأنه تحدى بفصاحته فصحاء العرب و قد تضمنت هذه الآية تشريف هذه اللغة لأنه سماها مبينا و لذلك اختارها لأهل الجنة « و أنه » أي و إن ذكر القرآن و خبره « لفي زبر الأولين » أي في كتب الأولين على وجه البشارة به و بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا بمعنى أن الله أنزله على غير محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و واحد الزبر زبور و قيل معناه أنه أنزل على سائر الأنبياء من الدعاء إلى التوحيد و العدل و الاعتراف بالبعث و أقاصيص الأمم مثل الذي نزل في القرآن « أ و لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل » معناه أ و لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل بمجيئه على ما تقدمت البشارة دلالة لهم على صحة نبوته لأن العلماء الذين آمنوا من بني إسرائيل كانوا يخبرون بوجود ذكره في كتبهم و كانت اليهود تبشر به و تستفتح على العرب به و كان ذلك سبب إسلام الأوس و الخزرج على ما مر بيانه و علماء بني إسرائيل عبد الله بن سلام و أصحابه عن ابن عباس و قيل هم خمسة عبد الله بن سلام و ابن يامين و ثعلبة و أسد و أسيد عن عطية « و لو نزلناه على بعض الأعجمين » ) أي و لو نزلنا القرآن على رجل ليس من العرب و على من لا يفصح « فقرأه عليهم » أي على العرب « ما كانوا به مؤمنين » أي لم يؤمنوا به و أنفوا من اتباعه لكنا أنزلناه بلسان العرب على أفصح رجل منهم من أشرف بيت ليتدبروا فيه و ليكون أدعى إلى اتباعه و تصديقه و قيل معناه لو نزلناه على أعجم من البهائم أو غيرها لما آمنوا به و إن كان فيه زيادة أعجوبة عن عبد الله بن مطيع و روي عن عبد الله بن مسعود أنه سئل عن هذه الآية و هو على بعير فأشار إليه و قال هذا من الأعجمين « كذلك سلكناه في قلوب المجرمين » أي كما أنزلنا القرآن عربيا مبينا أمررناه و أدخلناه و أوقناه في قلوب الكافرين بأن أمرنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى قرأه عليهم و بينه لهم ثم بين أنهم مع ذلك « لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم » فيلجئهم إلى الإيمان به و هذا خبر عن الكفار الذين علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا « فيأتيهم » أي العذاب
مجمع البيان ج : 7 ص : 321
الذي يتوقعونه و يستعجلونه « بغتة » أي فجاة « و هم لا يشعرون » بمجيئه « فيقولوا هل نحن منظرون » أي مؤخرون لنؤمن و لنصدق قال مقاتل لما أوعدهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالعذاب استعجلوا العذاب تكذيبا له فقال الله « أ فبعذابنا يستعجلون » توبيخا لهم ثم قال « أ فرأيت أن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون » أي أ رأيت إن أنظرناهم و أخرناهم سنين و متعناهم بشيء من الدنيا ثم أتاهم العذاب لم يغن عنهم ما متعوا في تلك السنين من النعيم لازديادهم في الآثام و اكتسابهم من الأجرام و هو استفهام في معنى التقرير « و ما أهلكنا من قرية » أي و ما أهلكنا قرية « إلا لها منذرون » أي إلا بعد إقامة الحجج عليهم بتقديم الإنذار و إرسال الرسل « ذكرى » أي تذكيرا و موعظة لهم ليتعظوا و يصلحوا فإذا لم يصلحوا مع التخويف و التحذير و استحقوا عذاب الاستئصال بإصرارهم على الكفر و العناد أهلكناهم « و ما كنا ظالمين » أي و ما ظلمناهم بالإهلاك لأنا لا نظلم أحدا ، نفى سبحانه عن نفسه الظلم و في هذا تكذيب لمن زعم أن كل ظلم و كفر في الدنيا هو من خلقه و إرادته و غاية الظلم أن يعاقب عباده على ما خلقه فيهم و أراده منهم تعالى الله عن ذلك و تقدس « و ما تنزلت به » أي بالقرآن « الشياطين » كما يزعمه بعض المشركين « و ما ينبغي لهم » إنزال ذلك أي الشياطين « و ما يستطيعون » ذلك و لا يقدرون عليه لأن الله تعالى يحرس المعجزة عن أن يموه بها المبطل فإنه إذا أراد أن يدل بها على صدق الصادق أخلصها بمثل هذه الحراسة حتى تصح الدلالة بها و معنى قول العرب ينبغي لك أن تفعل كذا أنه يطلب منك فعله في مقتضى العقل من البغية التي هي الطلب « إنهم عن السمع لمعزولون » أي مصروفون عن استماع القرآن أي عن المكان الذي يستمعون ذلك فيه ممنوعون عنه بالشهب الثاقبة و قيل معناه أن الشياطين عن سمع القرآن منحون عن قتادة فإن العزل تنحية الشيء عن موضع إلى خلافه و إزالته عن أمر إلى نقيضه قال مقاتل قالت قريش إنما تجيء بالقرآن الشياطين فتلقيه على لسان محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأكذبهم لله تعالى بأن قال إنهم لا يقدرون بأن يأتوا بالقرآن من السماء قد حيل بينهم و بين السمع بالملائكة و الشهب .

مجمع البيان ج : 7 ص : 322
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ(213) وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَك الأَقْرَبِينَ(214) وَ اخْفِض جَنَاحَك لِمَنِ اتَّبَعَك مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(215) فَإِنْ عَصوْك فَقُلْ إِنى بَرِىءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ(216) وَ تَوَكلْ عَلى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ(217) الَّذِى يَرَاك حِينَ تَقُومُ(218) وَ تَقَلُّبَك فى السجِدِينَ(219) إِنَّهُ هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ(220)

القراءة

قرأ أهل المدينة و ابن عامر فتوكل بالفاء و الباقون بالواو .

الحجة

هو في مصاحف أهل المدينة و الشام بالفاء و في مصاحف مكة و العراق بالواو و الوجهان حسنان .

اللغة

عشيرة الرجل قرابته سموا بذلك لأنه يعاشرهم و هم يعاشرونه .

المعنى

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد به سائر المكلفين فقال « فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين » بسبب ذلك و إنما أفرده بالخطاب ليعلم أن العظيم الشأن إذا أوعد فمن دونه كيف حاله و إذا حذر هو فغيره أولى بالتحذير « و أنذر عشيرتك الأقربين » أي رهطك الأدنين أي أنذرهم بالإفصاح من غير تليين بالقول كما تدعو إليه مقاربة العشيرة و إنما خصهم بالذكر تنبيها على أنه ينذر غيرهم و أنه لا يداهنهم لأجل القرابة ليقطع طمع الأجانب عن مداهنته في الدين و قيل إنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمر بأن يبدأ بهم في الإنذار و الدعاء إلى الله ثم بالذين يلونهم كما قال قاتلوا الذين يلونكم من الكفار لأن ذلك هو الذي يقتضيه حسن الترتيب و قيل إنه إنما خصهم لأنه يمكنه أن يجمعهم ثم ينذرهم و قد فعل ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و اشتهرت القصة بذلك عند الخاص و العام و في الخبر المأثور عن البراء بن عازب أنه قال لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بني عبد المطلب و هم يومئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة و يشرب العس فأمر عليا (عليه السلام) برجل شاة فأدمها ثم قال ادنوا بسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم اشربوا بسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال هذا ما سحركم به الرجل فسكت (صلى الله عليه وآله وسلّم) يومئذ و لم يتكلم ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام و الشراب ثم أنذرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله عز و جل و البشير فأسلموا و أطيعوني تهتدوا ثم
مجمع البيان ج : 7 ص : 323
قال من يؤاخيني و يوآزرني و يكون وليي و وصيي بعدي و خليفتي في أهلي و يقضي ديني فسكت القوم فأعادها ثلاثا كل ذلك يسكت القوم و يقول علي (عليه السلام) أنا فقال في المرة الثالثة أنت فقام القوم و هم يقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمر عليك أورده الثعلبي في تفسيره و روي عن أبي رافع هذه القصة و أنه جمعهم في الشعب فصنع لهم رجل شاة فأكلوا حتى تضلعوا و سقاهم عسا فشربوا كلهم حتى رووا ثم قال إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين و أنتم عشيرتي و رهطي و إن الله لم يبعث نبيا إلا جعل من أهله أخا و وزيرا و وارثا و وصيا و خليفة في أهله فأيكم يقوم فيبايعني علي أنه أخي و وارثي و وزيري و وصيي و يكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فسكت القوم فقال ليقومن قائمكم أو ليكونن في غيركم ثم لتندمن ثم أعاد الكلام ثلاث مرات فقام علي (عليه السلام) فبايعه و أجابه ثم قال ادن مني فدنا منه ففتح فاه و مج في فيه من ريقه و تفل بين كتفيه و ثدييه فقال أبو لهب فبئس ما حبوت به ابن عمك أن أجابك فملأت فاه و وجهه بزاقا فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ملأته حكمة و علما و عن ابن عباس قال لما نزلت الآية صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الصفا فقال يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا ما لك فقال أ رأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال أبو لهب تبا لك أ لهذا دعوتنا جميعا فأنزل الله تعالى تبت يدا أبي لهب و تب إلى آخر السورة و في قراءة عبد الله بن مسعود و أنذر عشيرتك الأقربين و رهطك منهم المخلصين و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) « و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين » أي ألن جانبك و تواضع لهم و حسن أخلاقك معهم عن أبي زيد و غيره « فإن عصوك » يعني أقاربك إنذارك إياهم و خالفوك فيما تدعوهم إليه « فقل » لهم « إني بريء مما تعملون » أي من أعمالكم القبيحة و عبادتكم الأصنام « و توكل على العزيز الرحيم » أي فوض أمرك إلى العزيز المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه ليكفيك كيد أعدائك الذين عصوك فيما أمرتهم به « الذي يريك حين تقوم » أي الذي يبصرك حين تقوم من مجلسك أو فراشك إلى الصلاة وحدك و في الجماعة و قيل معناه يراك حين تقوم في صلاتك عن ابن عباس و قيل حين تقوم بالليل لأنه لا يطلع عليه أحد غيره و قيل حين تقوم للإنذار و أداء الرسالة « و تقلبك في الساجدين » أي و يرى تصرفك في المصلين بالركوع و السجود و القيام و القعود عن ابن عباس و قتادة و المعنى يراك حين تقم إلى الصلاة مفردا و تقلبك في الساجدين إذا صليت في جماعة و قيل معناه و تقلبك في أصلاب الموحدين
مجمع البيان ج : 7 ص : 324
من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيا عن ابن عباس في رواية عطا و عكرمة و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله صلوات الله عليهما قالا في أصلاب النبيين نبي بعد نبي حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم (عليه السلام) و روي جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا ترفعوا قبلي و لا تضعوا قبلي فإني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي ثم تلا هذه الآية « أنه هو السميع العليم » يسمع ما تتلو في صلاتك و يعلم ما تضمر فيها .
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَن تَنزَّلُ الشيَطِينُ(221) تَنزَّلُ عَلى كلِّ أَفَّاك أَثِيم(222) يُلْقُونَ السمْعَ وَ أَكثرُهُمْ كَذِبُونَ(223) وَ الشعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُنَ(224) أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فى كلِّ وَاد يَهِيمُونَ(225) وَ أَنهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ(226) إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ وَ ذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَ انتَصرُوا مِن بَعْدِ مَا ظلِمُوا وَ سيَعْلَمُ الَّذِينَ ظلَمُوا أَى مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ(227)

القراءة

قرأ نافع يتبعهم ساكنة التاء و الباقون « يتبعهم » .

الحجة

الوجهان حسنان يقال تبعت القوم و اتبعتهم اتبعهم .

اللغة

الأفاك الكذاب و أصل الإفك القلب و الأفاك الكثير القلب للخبر عن جهة الصدق إلى جهة الكذب و الأثيم الفاعل للقبيح يقال أثم يأثم إثما إذا ارتكب القبيح و تأثم إذا ترك الإثم و الهائم الذاهب على وجهه عن الكسائي و قيل هو المخالف للقصد عن أبي عبيدة .

الإعراب

انتصب قوله أي « منقلب » لأنه صفة مصدر محذوف و تقديره سيعلم الذين ظلموا انقلابا أي انقلاب ينقلبون و لا يجوز أن يكون معمول سيعلم لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله و إنما يعمل فيه ما بعده و العلة في ذلك الاستخبار قبل الخبر و رتبة الاستخبار
مجمع البيان ج : 7 ص : 325
التقديم فلا يجوز أن يعمل فيه الخبر لأن الخبر بعده و ذلك أنه موضوع على أنه جواب مستخبر .

المعنى

لما أخبر الله سبحانه أن القرآن ليس مما تتنزل به الشياطين و أنه وحي من الله عقبه بذكر من تنزل عليه الشياطين فقال « هل أنبئكم » أي هل أخبركم « على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم » أي إنما يتنزل الشياطين على كل كذاب فاجر عامل بالمعاصي و هم الكهنة و قيل طليحة و مسيلمة عن مقاتل و لست بكذاب و لا أثيم فلا يتنزل عليك الشياطين و إنما يتنزل عليك الملائكة « يلقون السمع » معناه أن الشياطين يلقون ما يسمعونه إلى الكهنة و الكذابين و يخلطون به كثيرا من الأكاذيب و يوحونه إليهم « و أكثرهم » أي و أكثر الشياطين « كاذبون » و قيل أكثر الكهنة كاذبون قال الحسن هم الذين يسترقون السمع من الملائكة فيلقون إلى الكهنة و هذا كان قبل أن أوحي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و بعد ذلك فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا « و الشعراء يتبعهم الغاوون » قال ابن عباس يريد شعراء المشركين و ذكر مقاتل أسماءهم فقال منهم عبد الله بن الزبعري السهمي و أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب و هبيرة بن أبي وهب المخزومي و مسافع بن عبد مناف الجمحي و أبو عزة عمرو بن عبد الله كلهم من قريش و أمية بن أبي الصلت الثقفي تكلموا بالكذب و الباطل و قالوا نحن نقول مثل ما قال محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قالوا الشعر و اجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم و يروون عنهم حين يهجون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أصحابه فذلك قوله « يتبعهم الغاوون » و قيل الغاوون الشياطين عن قتادة و مجاهد و قيل أراد بالشعراء الذين غلبت عليهم الأشعار حتى اشتغلوا بها عن القرآن و السنة و قيل هم الشعراء الذين إذا غضبوا سبوا و إذا قالوا كذبوا و إنما صار الأغلب عليهم الغي لأن الغالب عليهم الفسق فإن الشاعر يصدر كلامه بالتشبيب ثم يمدح للصلة و يهجو على حمية الجاهلية فيدعوه ذلك إلى الكذب و وصف الإنسان بما ليس فيه من الفضائل و الرذائل و قيل إنهم القصاص الذين يكذبون في قصصهم و يقولون ما يخطر ببالهم و في تفسير علي بن إبراهيم أنهم الذين يغيرون دين الله تعالى و يخالفون أمره قال و هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد إنما عنى بذلك الذين وضعوا دينا ب آرائهم فتبعهم الناس على ذلك و روى العياشي بالإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال هم قوم تعلموا و تفقهوا بغير علم فضلوا و أضلوا « أ لم تر أنهم في كل واد يهيمون » أي في كل فن من الكذب يتكلمون و في كل لغو يخوضون يمدحون و يذمون بالباطل عن ابن عباس و قتادة و المعنى أنهم لما يغلب عليهم من الهوى كالهائم على وجهه في كل واد يعني فيخوضون في كل فن من الكلام و المعاني التي تعن لهم و يريدونها فالوادي مثل لفنون الكلام و هيمانهم فيه
مجمع البيان ج : 7 ص : 326
قولهم على الجهل بما يقولون من لغو و باطل و غلو في مدح و ذم « و أنهم يقولون ما لا يفعلون » أي يحثون على أشياء لا يفعلونها و ينهون عن أشياء يرتكبونها ثم استثنى من جملتهم فقال « إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات » و هم شعراء المؤمنين مثل عبد الله بن رواحة و كعب بن مالك و حسان بن ثابت و سائر شعراء المؤمنين الذين مدحوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ردوا هجاء من هجاه و في الحديث عن الزهري قال حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال يا رسول الله ما ذا تقول في الشعر فقال إن المؤمن مجاهد بسيفه و لسانه و الذي نفسي بيده لكأنما ينضحونهم بالنبل و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لحسان بن ثابت اهجهم أو هاجهم و روح القدس معك رواه البخاري و مسلم في الصحيحين و قال الشعبي كان أبو بكر يقول الشعر و كان عمر يقول الشعر و كان (عليه السلام) أشعر من الثلاثة « و ذكروا الله كثيرا » لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله و لم يجعلوا الشعر همهم « و انتصروا » من المشركين للرسول و المؤمنين « من بعد ما ظلموا » قال الحسن انتصروا بما يحبون الانتصار به في الشريعة و هو نظير قوله لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم أي ردوا على المشركين ما كانوا يهجون به المؤمنين ثم هدد الظالمين فقال « و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون » أي سوف يعلم أي مرجع يرجعون و أي منصرف ينصرفون لأن منصرفهم إلى النار نعوذ بالله منها .

مجمع البيان ج : 7 ص : 327
( 27 ) سورة النمل مكية و آياتها ثلاث و تسعون ( 93 )

عدد آيها

خمس و تسعون آية حجازي أربع بصري شامي ثلاث كوفي .

اختلافها

آيتان و « أولوا بأس شديد » حجازي « من قوارير » غير الكوفي .

فضلها

أبي بن كعب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من قرأ طس سليمان كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بسليمان و كذب به و هود و شعيب و صالح و إبراهيم و يخرج من قبره و هو ينادي لا إله إلا الله .

تفسيرها

لما ختم الله سبحانه سورة الشعراء بذكر القرآن افتتح هذه السورة بذكره أيضا فقال :
مجمع البيان ج : 7 ص : 328
سورة النمل
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ طس تِلْك ءَايَت الْقُرْءَانِ وَ كتَاب مُّبِين(1) هُدًى وَ بُشرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكوةَ وَ هُم بِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ زَيَّنَّا لهَُمْ أَعْمَلَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ(4) أُولَئك الَّذِينَ لهَُمْ سوءُ الْعَذَابِ وَ هُمْ فى الاَخِرَةِ هُمُ الأَخْسرُونَ(5) وَ إِنَّك لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ مِن لَّدُنْ حَكِيم عَلِيم(6) إِذْ قَالَ مُوسى لأَهْلِهِ إِنى ءَانَست نَاراً سئَاتِيكم مِّنهَا بخَبر أَوْ ءَاتِيكُم بِشهَاب قَبَس لَّعَلَّكمْ تَصطلُونَ(7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِى أَن بُورِك مَن فى النَّارِ وَ مَنْ حَوْلَهَا وَ سبْحَنَ اللَّهِ رَب الْعَلَمِينَ(8) يَمُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الحَْكِيمُ(9) وَ أَلْقِ عَصاك فَلَمَّا رَءَاهَا تهْتزُّ كَأَنهَا جَانُّ وَلى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّب يَمُوسى لا تخَف إِنى لا يخَاف لَدَى الْمُرْسلُونَ(10)

القراءة

قرأ أهل الكوفة و رويس عن يعقوب بشهاب قبس منونا غير مضاف و قرأ الباقون « بشهاب قبس » مضافا .

الحجة و اللغة

قال أبو عبيدة الشهاب النار و القبس ما اقتبست و أنشد :
في كفه صعدة مثقفة
فيها سنان كشعلة القبس و قال غيره كل ذي نور فهو شهاب قال أبو علي يجوز أن يكون قبس صفة و يجوز أن يكون اسما غير صفة فأما الصفة فإنهم يقولون قبسته أقبسه قبسا و القبس الشيء المقبوس فإذا كان القبس صفة فالأحسن أن يجري على شهاب كما جرى على الموصوف في قوله
كأنه ضرم بالكف مقبوس و إن كان مصدرا غير صفة حسنت فيه الإضافة و لا يحسن ذلك في الصفة لأن الموصوف لا يضاف إلى صفته و قال أبو الحسن الإضافة أجود و أكثر في القراءة كما تقول دار آجر و سوار ذهب و لو قلت سوار ذهب و دار آجر كان عربيا قال أبو علي جعل أبو الحسن القبس فيه غير وصف أ لا ترى أنه جعله بمنزلة الآجر و الذهب و ليس واحد منهما صفة .

الإعراب

« هدى و بشرى » في محل النصب أو الرفع فالنصب على الحال أي هادية
مجمع البيان ج : 7 ص : 329
و مبشرة و العامل فيهما معنى الإشارة و الرفع على ثلاثة أوجه على هي هدى و بشرى و على البدل من آيات و على أن يكون خبرا بعد خبر « أن بورك » أن هي المفسرة لأن النداء فيه معنى القول يعني قيل له بورك و لا يجوز أن يكون مخففة من الثقيلة على تقدير أنه بورك لأنه كان يكون لا بد من قد و الهاء في أنه ضمير الشأن و « أنا الله » مبتدأ و خبر « و ألق عصاك » عطف على بورك أي نودي أن بورك و إن ألق عصاك .

المعنى

« طس » سبق تفسيره « تلك » إشارة إلى ما وعدوا بمجيئه من القرآن « آيات القرآن و كتاب مبين » أضاف الآيات إلى القرآن و آيات القرآن هي القرآن فهو كقوله إنه لحق اليقين و القرآن و الكتاب معناهما واحد وصفه بالصفتين ليفيد أنه مما يظهر بالقراءة و يظهر بالكتابة و هو بمنزلة الناطق بما فيه من الأمرين جميعا و وصفه بأنه مبين تشبيه له بالناطق بكذا و معناه أن الله بين فيه أمره و نهيه و حلاله و حرامه و وعده و وعيده و إذا وصفه بأنه بيان فإنه يجري مجرى وصفه له بالنطق بهذه الأشياء في ظهور المعنى به للنفس و البيان هو الدلالة التي تبين بها الأشياء و المبين المظهر « هدى و بشرى للمؤمنين » أي هدى من الضلالة إلى الحق بالبيان الذي فيه و البرهان و باللطف فيه من جهة الإعجاز الدال على صحة أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و بشرى للمؤمنين بالجنة و الثواب و يجوز أن يكون في موضع نصب على أن يكون تقديره هاديا و مبشرا و يجوز أن يكون في موضع رفع و التقدير هو هدى و بشرى ثم وصف المؤمنين فقال « الذين يقيمون الصلاة » بحدودها و واجباتها و يداومون على أوقاتها « و يؤتون الزكاة » أي و يخرجون ما يجب عليهم من الزكاة في أموالهم إلى من يستحقها « و هم بالآخرة » أي بالنشأة الآخرة و البعث و الجزاء « هم يوقنون » لا يشكون فيه ثم وصف من خالفهم فقال « إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون » اختلف في معناه فقيل إن المعنى زينا لهم أعمالهم التي أمرناهم بها بأحسن وجوه التزيين و الترغيب فهم يتحيرون بالذهاب عنها عن الحسن و الجبائي و أبي مسلم و قيل زينا لهم أعمالهم بأن خلقنا فيهم شهوة القبيح الداعية لهم إلى فعل المعاصي ليجتنبوا المشتهى فهم يعمهون عن هذا المعنى و يترددون في الحيرة و قيل معناه حرمناهم التوفيق عقوبة لهم على كفرهم فتزينت أعمالهم في أعينهم و حليت في صدورهم « أولئك الذين لهم سوء العذاب » أي شدة العذاب و صعوبته « و هم في الآخرة هم الأخسرون » أي لا أحد أخسر صفقة منهم لأنهم يخسرون الثواب و يحصل لهم بدلا منه العقاب « و إنك » يا محمد « لتلقي القرآن » أي لتعطى « من لدن حكيم » في أمره « عليم » بخلقه أي من عند الله لأن الملك يلقيه من قبل الله سبحانه و قيل معناه لتلقن قال علي بن عيسى عليم
مجمع البيان ج : 7 ص : 330
بمعنى عالم إلا أن في عليم مبالغة فهو مثل سامع و سميع لأن في قولنا عالم يفيد أن له معلوما كما أن قولنا سامع يفيد أن له مسموعا و إذا وصفناه بأنه عليم أفاد أنه متى يصح معلوم فهو عالم به كما أن سميعا يفيد أنه متى وجد مسموع فلا بد أن يكون سامعا له « إذ قال موسى لأهله » قال الزجاج العامل في إذ اذكر أي اذكر في قصة موسى إذ قال لأهله أي امرأته و هي بنت شعيب « إني آنست » أي أبصرت و رأيت « نارا » و منه اشتقاق الإنس لأنهم مرئيون و قيل آنست أي أحسست بالشيء من جهة يؤنس بها و ما آنست به فقد أحسست به مع سكون نفسك إليه « س آتيكم منها بخبر » معناه فالزموا مكانكم لعلي آتيكم من هذه النار بخبر الطريق و أهتدي بها إلى الطريق لأنه كان أضل الطريق « أو آتيكم بشهاب قبس » أي بشعلة نار و الشهاب نور كالعمود من النار و كل نور يمتد مثل العمود يسمى شهابا و إنما قال لامرأته « آتيكم » على لفظ خطاب الجمع لأنه أقامه مقام الجماعة في الأنس بها و السكون إليها في الأمكنة الموحشة « لعلكم تصطلون » أي لكي تستدفئوا بها و ذلك لأنهم كانوا قد أصابهم البرد و كانوا شاتين عن الحسن و قتادة « فلما جاءها » أي جاء موسى إلى النار يعني التي ظن أنها نار و هي نور « نودي أن بورك من في النار و من حولها » قال وهب لما رأى موسى النار وقف قريبا منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة لا تزداد النار إلا اشتعالا و لا تزداد الشجرة إلا خضرة و حسنا فلم تكن النار بحرارتها تحرق الشجرة و لا الشجرة برطوبتها تطفىء النار فعجب منها و أهوى إليها بصغث في يده ليقتبس منها فمالت إليها فخافها فتأخر عنها ثم لم تزل تطمعه و يطمع فيها إلى أن نودي و المراد به نداء الوحي « أن بورك من في النار و من حولها » أي بورك فيمن في النار و هم الملائكة و فيمن حولها يعني موسى و ذلك أن النور الذي رأى موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس و التسبيح و من حولها هو موسى لأنه كان بالقرب منها و لم يكن فيها فكأنه قال بارك الله على من في النار و عليك يا موسى و مخرجه الدعاء و المراد الخبر قال الكسائي تقول العرب باركه الله و بارك عليه و بارك فيه و قيل بورك من في النار معناه من في النار سلطانه و قدرته و برهانه فالبركة ترجع إلى اسم الله و تأويله تبارك من نور هذا النور و من حولها يعني موسى و الملائكة و هذا معنى قول ابن عباس و الحسن و سعيد بن جبير و قيل معناه بورك من في طلب النار و هو موسى (عليه السلام) فحذف المضاف و من حولها الملائكة أي دامت البركة لموسى و الملائكة و هذا تحية من الله سبحانه لموسى (عليه السلام) بالبركة كما حيا إبراهيم (عليه السلام) بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت ثم نزه سبحانه نفسه فقال « سبحان الله رب العالمين » أي تنزيها له عما لا يليق بصفاته تعالى عن أن يكون جسما يحتاج إلى جهة أو
 

Back Index Next