جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج7 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 7 ص : 331
عرضا يحتاج إلى محل أو يكون ممن يتكلم ب آلة ثم أخبر سبحانه موسى عن نفسه و تعرف إليه بصفاته فقال « يا موسى أنه أنا الله العزيز الحكيم » أي إن الذي يكلمك هو الله العزيز أي القادر الذي لا يغالب و لا يمتنع عليه شيء الحكيم في أفعاله المحكم لتدابيره ثم أراه سبحانه آية يعلم بها صحة النداء فقال « و ألق عصاك » و في الكلام حذف تقديره فألقاها فصارت حية « فلما رآها تهتز كأنها جان » أي تتحرك كما يتحرك الجان و هو الحية التي ليست بعظيمة و إنما شبهها بالجان في خفة حركتها و اهتزازها مع أنها ثعبان في عظمها و لذلك هاله ذلك حتى ولى مدبرا و قيل إن الحالتين مختلفتان لأن الحال التي صارت ثعبانا هي الحال التي لقي فيها فرعون و الحال التي صارت جانا هي الحال التي خاطبه الله في أول ما بعثه نبيا « ولى مدبرا » أي رجع إلى ورائه « و لم يعقب » أي لم يرجع و كل راجع معقب و المفسرون يقولون لم يلتفت و لم يقف فقال الله سبحانه « يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون » و هذا تسكين من الله سبحانه لموسى و نهي له عن الخوف يقول له إنك مرسل و المرسل لا يخاف لأنه لا يفعل قبيحا و لا يخل بواجب فيخاف عقابي على ذلك .
إِلا مَن ظلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسنَا بَعْدَ سوء فَإِنى غَفُورٌ رَّحِيمٌ(11) وَ أَدْخِلْ يَدَك فى جَيْبِك تخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيرِ سوء فى تِسع ءَايَت إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ إِنهُمْ كانُوا قَوْماً فَسِقِينَ(12) فَلَمَّا جَاءَتهُمْ ءَايَتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ(13) وَ جَحَدُوا بهَا وَ استَيْقَنَتْهَا أَنفُسهُمْ ظلْماً وَ عُلُوًّا فَانظرْ كَيْف كانَ عَقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(14)

القراءة

في الشواذ قراءة زيد بن أسلم و أبي جعفر القارىء إلا من ظلم بفتح الهمزة خفيفة اللام و قرأ علي بن الحسين (عليهماالسلام) و قتادة مبصرة بفتح الميم و الصاد .

الحجة

قال ابن جني من عدل إلى هذه القراءة فكأنه خفي عليه انقطاع الاستثناء في القراءة الفاشية فإن من هذه القراءة في موضع رفع بالابتداء أو يكون للشرط كقولك من
مجمع البيان ج : 7 ص : 332
يقم أضرب و من هناك منصوبة على الاستثناء و هو استثناء منقطع بمعنى لكن و قوله « مبصرة » كقولك هدى و نورا و قد كثرت المفعلة بمعنى الشياع و الكثرة في الجواهر و الأحداث جميعا كقولهم أرض مضبة كثيرة الضباب و مفعاة كثيرة الأفاعي و محياة و محواة كثيرة الحيات هذا في الجواهر و أما الأحداث فكقولك البطنة موسنة و أكل الرطب موردة و محمة و منه المسعاة و المعلاة و الحق مجدرة بك و مخلقة و في كله معنى الكثرة من موضعين ( أحدهما ) المصدرية التي فيه و المصدر إلى الشياع و العموم ( و الآخر ) التاء و هي لمثل ذلك .

الإعراب

« بيضاء » منصوبة على الحال و « من غير سوء » يتعلق ببيضاء و « في تسع آيات » يتعلق بألق و « أدخل يدك » و معناه إلقاء العصا و إدخال اليد في جيبك من جملة الآيات التسع التي يظهرها له « إلى فرعون » يتعلق بمحذوف و التقدير مرسلا إلى فرعون فهو في موضع الحال « ظلما و علوا » مفعول له و كيف في موضع نصب بأنه خبر كان .

المعنى

ثم قال سبحانه « إلا من ظلم » المعنى لكن من ظلم نفسه بفعل القبيح من غير المرسلين لأن الأنبياء لا يقع منهم ظلم لكونهم معصومين من الذنوب و القبائح فيكون هذا استثناء منقطعا و إنما حسن ذلك لاجتماع الأنبياء و غيرهم في معنى شملهم و هو التكليف « ثم بدل حسنا بعد سوء » أي بدل توبة و ندما على ما فعله من القبيح و عزما أن لا يعود إليه في المستقبل « فإني غفور رحيم » أي ساتر لذنبه قابل لتوبته « و أدخل يدك إلى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء » أعطاه آية أخرى و قد سبق بيانها « في تسع آيات » أي مع تسع آيات أخر أنت مرسل بها « إلى فرعون و قومه » فحذف أو يكون تقديره مرسلا بها إلى فرعون و مبعوثا إليه و مثله قول الشاعر :
رأتني بحبليها فصدت مخافة
و في الحبل روعاء الفؤاد فروق و التقدير رأتني مقبلا بحبليها و قال الزجاج في تسع آيات معناه من تسع آيات أي أظهر هاتين الآيتين من جملة تسع آيات كقولهم خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان و المعنى منها فحلان و الآيات التسع مفسرة في سورة بني إسرائيل « إنهم كانوا قوما فاسقين » أي خارجين عن طاعة الله إلى أقبح وجوه الكفر « فلما جاءتهم آياتنا » أي حججنا و معجزاتنا
مجمع البيان ج : 7 ص : 333
« مبصرة » أي واضحة بينة على من أبصر أنها خارجة عن قدرة البشر و هو مثل قوله و آتينا ثمود الناقة مبصرة و قد مر بيانه « قالوا هذا سحر مبين » أي ظاهر بين « و جحدوا بها » و أنكروها و لم يقروا بأنها من عند الله تعالى قال أبو عبيدة الباء زائدة و المعنى جحدوها كما قال العجاج
نضرب بالسيف و نرجو بالفرج « و استيقنتها أنفسهم » أي عرفوها و علموها يقينا بقلوبهم و إنما جحدوها بألسنتهم « ظلما » على بني إسرائيل و قيل ظلما على أنفسهم « و علوا » أي طلبا للعلو و الرفعة و تكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى (عليه السلام) « فانظر » يا محمد أو أيها السامع « كيف كان عاقبة المفسدين » في الأرض بالمعاصي .
وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ وَ سلَيْمَنَ عِلْماً وَ قَالا الحَْمْدُ للَّهِ الَّذِى فَضلَنَا عَلى كَثِير مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ(15) وَ وَرِث سلَيْمَنُ دَاوُدَ وَ قَالَ يَأَيُّهَا النَّاس عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطيرِ وَ أُوتِينَا مِن كلِّ شىْء إِنَّ هَذَا لهَُوَ الْفَضلُ الْمُبِينُ(16) وَ حُشِرَ لِسلَيْمَنَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الانسِ وَ الطيرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(17) حَتى إِذَا أَتَوْا عَلى وَادِ النَّمْلِ قَالَت نَمْلَةٌ يَأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسكِنَكمْ لا يحْطِمَنَّكُمْ سلَيْمَنُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشعُرُونَ(18) فَتَبَسمَ ضاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَ قَالَ رَب أَوْزِعْنى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَك الَّتى أَنْعَمْت عَلىَّ وَ عَلى وَلِدَى وَ أَنْ أَعْمَلَ صلِحاً تَرْضاهُ وَ أَدْخِلْنى بِرَحْمَتِك فى عِبَادِك الصلِحِينَ(19)

اللغة

الوزع أصله المنع و الكف يقال وزعه عن الظلم قال النابغة :
مجمع البيان ج : 7 ص : 334

على حين عاتبت المشيب على الصبا
و قلت ألما تصح و الشيب وازع و قال آخر :
أ لم تزع الهوى إذ لم تواتي
بلى و سلوت عن طلب الفتاة و الحطم الكسر و منه الحطمة من أسماء جهنم و الحطام ما تحطم و الإيزاع الإلهام و فلان موزع بكذا أي مولع به قال الزجاج أوزعني تأويله في اللغة كفني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك و كفني عما يباعد منك .

الإعراب

لا يحطمنكم في موضع جزم لأنه جواب الأمر قال الزجاج ضاحكا حال مؤكدة لأن تبسم في معنى ضحك و قال بعض المتأخرين يجوز أن يكون حالا بعد الفراغ من الفعل لأن التبسم دون الضحك فكأنه تبسم أولا ثم آل أمره إلى الضحك .

المعنى

ثم عطف سبحانه على قصة موسى (عليه السلام) قصة داود و سليمان (عليهماالسلام) فقال سبحانه « و لقد آتينا داود و سليمان علما » أي علما بالقضاء بين الخلق و بكلام الطير و الدواب عن ابن عباس « و قالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين » أي اختارنا من بين الخلق بأن جعلنا أنبياء و بالمعجزة و الملك و العلم الذي أتاناه و بإلانة الحديد و تسخير الشياطين و الجن و الإنس و إنما نكر قوله « علما » ليدل على أنه أراد علما احتاجا إليه مما ينبىء عن صدقهما في دعوى الرسالة « و ورث سليمان داود » في هذا دلالة على أن الأنبياء يورثون المال كتوريث غيرهم و هو قول الحسن و قيل معناه أنه ورثه علمه و نبوته و ملكه دون سائر أولاده و معنى الميراث هنا أنه قام مقامه في ذلك فأطلق عليه اسم الإرث كما أطلق على الجنة اسم الإرث عن الجبائي و هذا خلاف للظاهر و الصحيح عند أهل البيت (عليهم السلام) هو الأول « و قال » سليمان مظهرا لنعمة الله و شاكرا إياها « يا أيها الناس علمنا منطق الطير » أهل العربية يقولون أنه لا يطلق النطق على غير بني آدم و إنما يقال الصوت لأن النطق عبارة عن الكلام و لا كلام للطير إلا أنه لما فهم سليمان معنى صوت الطير سماه منطقا مجازا و قيل أنه أراد حقيقة المنطق لأن من الطير ما له كلام مهجى كالطيطوى قال المبرد العرب تسمي كل مبين عن نفسه ناطقا و متكلما قال رؤبة :
مجمع البيان ج : 7 ص : 335

لو أنني أعطيت علم الحكل
علم سليمان كلام النمل و الحكل ما لا يسمع له صوت و قال علي بن عيسى أن الطير كانت تكلم سليمان معجزة له كما أخبر عن الهدهد و منطق الطير صوت يتفاهم به معانيها على صيغة واحدة بخلاف منطق الناس الذي يتفاهمون به المعاني على صيغ مختلفة و لذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها و لم تفهم هي عنا لأن أفهامها مقصورة على تلك الأمور المخصوصة و لما جعل سليمان يفهم عنها كان قد علم منطقها « و أوتينا من كل شيء » أي من كل شيء يؤتى الأنبياء و الملوك و قيل من كل ما يطلبه طالب لحاجته إليه و انتفاعه به و قيل من كل شيء علما و تسخيرا في كل ما يصلح أن يكون معلوما لنا أو مسخرا لنا غير أن مخرجه مخرج العموم فيكون أبلغ و أحسن و روى الواحدي بالإسناد عن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الأرض و مغاربها فملك سبعمائة سنة و ستة أشهر ملك أهل الدنيا كلهم من الجن و الإنس و الشياطين و الدواب و الطير و السباع و أعطي علم كل شيء و منطق كل شيء و في زمانه صنعت الصنائع المعجبة التي سمع بها الناس و ذلك قوله « علمنا منطق الطير و أوتينا من كل شيء » « إن هذا لهو الفضل المبين » أي هذا فضل الله الظاهر الذي لا يخفى على أحد و هذا قول سليمان على وجه الاعتراف بنعم الله عليه و يحتمل أن يكون من قول الله سبحانه على وجه الأخبار بأن ما ذكره هو الفضل المبين « و حشر لسليمان جنوده » أي جمع له جموعه و كل صنف من الخلق جند على حدة بدلالة قوله « من الجن و الإنس و الطير » قال المفسرون كان سليمان إذا أراد سفرا أمر فجمع له طوائف من هؤلاء الجنود على بساط ثم يأمر الريح فتحملهم بين السماء و الأرض و المعنى و حشر لسليمان جنوده أي جمع له جموعه في مسير له و قال محمد بن كعب بلغنا أن سليمان بن داود كان معسكره مائة فرسخ خمسة و عشرون منها للإنس و خمسة و عشرون للجن و خمسة و عشرون للوحش و خمسة و عشرون للطير و كان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة صريحة و سبعمائة سرية فيأمر الريح العاصف فترفعه و يأمر الرخاء فتسير به فأوحى الله تعالى إليه و هو يسير بين السماء و الأرض أني قد زدت في ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح فأخبرتك و قال مقاتل نسجت الشياطين لسليمان بساطا فرسخا في فرسخ ذهبا في إبريسم و كان يوضع فيه منبر من الذهب في وسط البساط فيقعد عليه و حوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب و فضة فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب و العلماء على كراسي الفضة و حولهم الناس و حول الناس الجن و الشياطين و تظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس و ترفع الريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح و من
مجمع البيان ج : 7 ص : 336
الرواح إلى الصباح « فهم يوزعون » أي يمنع أولهم على آخرهم عن ابن عباس و معنى ذلك أن على كل صنف من جنوده وزعة ترد أولهم على آخرهم ليتلاحقوا و لا يتفرقوا كما تقوم الجيوش إذا كثرت بمثل ذلك و هو أن تدفع أخراهم و توقف أولاهم و قيل معناه يحبسون عن ابن زيد و هو مثل الأول في أنه يحبس أولاهم على أخراهم « حتى إذا أتوا على واد النمل » أي فسار سليمان و جنوده حتى إذا أشرفوا على واد و هو بالطائف عن كعب و قيل هو بالشام عن قتادة و مقاتل « قالت نملة » أي صاحت بصوت خلق الله لها و لما كان الصوت مفهوما لسليمان عبر عنه بالقول و قيل كانت رئيسة النمل « يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم » أي لا يكسرنكم « سليمان و جنوده و هم لا يشعرون » بحطمكم و وطئكم فإنهم لو علموا بمكانكم لم يطؤوكم و هذا يدل على أن سليمان و جنوده كانوا ركبانا و مشاة على الأرض و لم تحملهم الريح لأن الريح لو حملتهم بين السماء و الأرض لما خافت النمل أن يطئوها بأرجلهم و لعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان فإن قيل كيف عرفت النملة سليمان و جنوده حتى قالت هذه المقالة قلنا إذا كانت مأمورة بطاعته فلا بد أن يخلق لها من الفهم ما تعرف به أمور طاعته و لا يمتنع أن يكون لها من الفهم ما يستدرك به ذلك و قد علمنا أنه تشق ما تجمع من الحبوب بنصفين مخافة أن يصيبها الندى فتنبت إلا الكزبرة فإنها تكسرها بأربع قطع لأنها تنبت إذا شقت بنصفين فمن هداها إلى هذا فإنه جل جلاله يهديها إلى تمييز ما يحطمها مما لا يحطمها و قيل إن ذلك كان منها على سبيل المعجز الخارق للعادة لسليمان (عليه السلام) قال ابن عباس فوقف سليمان بجنوده حتى دخل النمل مساكنه « فتبسم » سليمان « ضاحكا من قولها » و سبب ضحك سليمان التعجب و ذلك إن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب و ضحك و قيل أنه تبسم بظهور عدله حيث بلغ عدله في الظهور مبلغا عرفه النمل و قيل إن الريح أطارت كلامها إليه من ثلاثة أميال حتى سمع ذلك فانتهى إليها و هي تأمر النمل بالمبادرة فتبسم من حذرها « و قال رب أوزعني » أي ألهمني « أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي » بأن علمتني منطق النمل و أسمعتني قولها من بعيد حتى أمكنني الكف و أكرمتني بالنبوة و الملك « و على والدي » أي أنعمت على والدي بأن أكرمته بالنبوة و فصل الخطاب و ألنت له الحديد و على والدتي بأن زوجتها نبيك و جعل النعمة عليها نعمة لله سبحانه عليه يلزمه شكرها « و أن أعمل صالحا ترضاه » أي وفقني لأن أعمل صالحا في المستقبل ترضاه « و أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين » قال ابن عباس يعني إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و من بعدهم من النبيين أي أدخلني في جملتهم و أثبت اسمي مع أسمائهم و احشرني في زمرتهم و قال ابن زيد في عبادك معناه مع
مجمع البيان ج : 7 ص : 337
عبادك قال الزجاج جاء لفظ ادخلوا كلفظ ما يعقل لأن النمل هاهنا أجري مجرى الآدميين حتى نطق كما ينطق الآدميون و إنما يقال لما لا يعقل ادخلي و في الخبر دخلت أو دخلن و روي أن نمل سليمان هذا كان كأمثال الذئاب و الكلاب .
وَ تَفَقَّدَ الطيرَ فَقَالَ مَا لىَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغَائبِينَ(20) لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شدِيداً أَوْ لأَاذْبحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنى بِسلْطن مُّبِين(21) فَمَكَث غَيرَ بَعِيد فَقَالَ أَحَطت بِمَا لَمْ تحِط بِهِ وَ جِئْتُك مِن سبَإِ بِنَبَإ يَقِين(22) إِنى وَجَدت امْرَأَةً تَمْلِكهُمْ وَ أُوتِيَت مِن كلِّ شىْء وَ لهََا عَرْشٌ عَظِيمٌ(23) وَجَدتُّهَا وَ قَوْمَهَا يَسجُدُونَ لِلشمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشيْطنُ أَعْمَلَهُمْ فَصدَّهُمْ عَنِ السبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ(24) أَلا يَسجُدُوا للَّهِ الَّذِى يخْرِجُ الْخَبءَ فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ يَعْلَمُ مَا تخْفُونَ وَ مَا تُعْلِنُونَ(25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَب الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)

القراءة

قرأ ابن كثير أو ليأتينني بنونين أولاهما مشددة مفتوحة و الباقون بنون واحدة مشددة و قرأ عاصم و يعقوب « فمكث » بفتح الكاف و الباقون بضم الكاف و قرأ أبو عمرو و ابن كثير في رواية البزي من سباء بفتح الهمزة و قرأ ابن كثير في رواية القواس و ابن فليح من سبإ بغير همزة و قرأ الباقون « من سبإ » مجرورة منونة و مثله سواء في سورة سبإ لقد كان لسبإ و قرأ أبو جعفر و الكسائي و رويس عن يعقوب ألا يسجدوا خفيفة اللام و قرأ الباقون « ألا يسجدوا » مثل قوله ألا يقولوا و من خفف وقف على ألا يا و ابتدأ اسجدوا و قرأ الكسائي و حفص عن عاصم « ما تخفون و ما تعلنون » بالتاء و الباقون بالياء .

مجمع البيان ج : 7 ص : 338

الحجة

من قرأ « ليأتيني » حذف النون الثالثة التي هي قبل ياء المتكلم لاجتماع النونات و من قرأ ليأتينني فهو على الأصل و مكث و مكث لغتان و مما يقوي الفتح و قوله إنكم ماكثون و قوله ماكثين فيه أبدا و قال سيبويه ثمود و سبأ مرة للقبيلتين و مرة للحيين قال أبو علي يريد أن هذه الأسماء منها ما جاء على أنه اسم الحي نحو معد و قريش و ثقيف و منها ما يستوي فيه الأمران كثمود و سبإ و قال أبو الحسن في سبإ إن شئت صرفت فجعلته اسم أبيهم أو اسم الحي و إن شئت لم تصرف فجعلته اسم القبيلة قال و الصرف أحب إلي لأنه قد عرف أنه اسم أبيهم و إن كان اسم الأب يصير كالقبيلة إلا أني أحمله على الأصل و قال غيره هو اسم رجل و اليمانية كلها تنسب إليه يقولون سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان قال الزجاج من قال إن سبأ اسم رجل فغلط لأن سبأ هي مدينة تعرف بمأرب من اليمن بينها و بين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام قال الشاعر
من سبي الحامرين مأرب إذ
يبنون من دون سيله العرما فمن لم يصرف فلأنه اسم مدينة و من صرفه فلأن يكون اسما للبلد قال جرير :
الواردون و تيم في ذري سبإ
قد عض أعناقهم جلد الجواميس و من قرأ ألا يسجدوا فالتقدير فصدهم عن السبيل لأن لا يسجدوا على أنه مفعول له قال أبو علي و هذا هو الوجه لتجري القصة على سننها و لا يفصل بين بعضها و بعض ما ليس منها و إن كان الفصل بهذا النحو غير ممتنع لأنه يجري مجرى الاعتراض و كأنه لما قيل « و زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون » فدل هذا الكلام على أنهم لا يسجدون لله قال ألا يا قوم اسجدوا لله خلافا عليهم و وجه دخول حرف التنبيه على الأمر أنه موضع يحتاج فيه إلى استعطاف المأمور لتأكيد ما يؤمر به عليه كما أن النداء موضع يحتاج فيه إلى استعطاف المنادى لما ينادي له من إخبار أو أمر أو نهي و نحو ذلك مما يخاطب به و إذا كان كذلك فيجوز أن لا تريد منادى في نحو قولك ألا يسجدوا كما لا تريد المنادى في نحو قوله :
يا لعنة الله و الأقوام كلهم
و الصالحين على سمعان من جار و كذلك ما حكي عن أبي عمرو من قوله يا ويل له و يجوز أن يراد بعد يا مأمورون فحذفوا كما حذف في قوله يا لعنة الله فكما أن يا هاهنا لا يجوز أن يكون إلا لغير اللعنة
مجمع البيان ج : 7 ص : 339
كذلك يجوز أن يكون المأمورون مرادين و حذفوا من اللفظ و قد جاء هذا في مواضع من الشعر فمن ذلك ما أنشده أبو زيد
فقالت ألا يا اسمع نعظك بخطة
فقلت سميعا فانطقي و أصيبي و أنشد الزجاج لذي الرمة
ألا يا أسلمي يا دار مي على البلى
و لا زال منهلا بجرعائك القتر و للأخطل
ألا يا أسلمي يا هند هند بني بدر
و لا زال حيانا عدى آخر الدهر و مما يؤكد قراءة من قرأ « ألا يسجدوا » بالتشديد أنها لو كانت مخففة لما كانت في يسجدوا ياء لأنها اسجدوا ففي ثبات الياء في المصحف دلالة على التشديد و من قرأ يخفون و يعلنون بالياء فلأن الكلام على الغيبة و قراءة الكسائي فيهما بالتاء لأن الكلام قد دخله خطاب على قراءة اسجدوا لله و من قرأ ألا يا اسجدوا فيجوز أن يكون الخطاب للمؤمنين و الكافرين الذين جرى ذكرهم على لفظ الغيبة .

الإعراب

كان أبو عمرو يسكن الياء في قوله ما لي لا أرى الهدهد و يفتح في قوله و ما لي لا أعبد الذي فطرني لئلا يقف الواقف على ما لي و يبتدىء بلا أعبد و « لا أرى » في موضع نصب على الحال .
« أم كان من الغائبين » أم منقطعة التقدير بل أ هو من الغائبين و كان بمعنى يكون و اللام في « لأعذبنه » جواب قسم مقدر أي و الله لأعذبنه « غير بعيد » منصوب لأنه صفة ظرف أو صفة مصدر تقديره فمكث وقتا غير بعيد أو مكثا غير بعيد و « يسجدون » في موضع نصب على الحال من وجدت .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن سليمان فقال « و تفقد الطير » أي طلبه عند غيبته « فقال ما لي لا أرى الهدهد » أي ما للهدهد لا أراه تقول العرب ما لي أراك كئيبا و معناه ما لك
مجمع البيان ج : 7 ص : 340
و لكنه من القلب الذي يوضح المعنى و اختلف في سبب تفقده الهدهد فقيل إنه احتاج إليه في سفره ليدله على الماء لأنه يقال إنه يرى الماء في بطن الأرض كما يراه في القارورة عن ابن عباس و روى العياشي بالإسناد قال قال أبو حنيفة لأبي عبد الله (عليه السلام) كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير قال لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه و ضحك قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما يضحكك قال ظفرت بك جعلت فداك قال و كيف ذلك قال الذي يرى الماء في بطن الأرض لا يرى الفخ في التراب حتى يؤخذ بعنقه قال أبو عبد الله (عليه السلام) يا نعمان أ ما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر و قيل إنما تفقده لإخلاله بنوبته عن وهب و قيل كانت الطيور تظله من الشمس فلما أخل الهدهد بمكانه بان بطلوع الشمس عليه « أم كان من الغائبين » معناه أ تأخر عصيانا أم غاب لعذر و حاجة قال المبرد لما تفقد سليمان الطير و لم ير الهدهد قال ما لي لا أرى الهدهد على تقدير أنه مع جنوده و هو لا يراه ثم أدركه الشك فشك في غيبته عن ذلك الجمع بحيث لم يره فقال أم كان من الغائبين أي بل أ كان من الغائبين كأنه ترك الكلام الأول و استفهم عن حاله و غيبته ثم أوعده على غيبته فقال « لأعذبنه عذابا شديدا » معناه لأعذبنه بنتف ريشه و إلقائه في الشمس عن ابن عباس و قتادة و مجاهد و قيل بأن أجعله بين أضداده و كما صح نطق الطير و تكليفه في زمانه معجزة له جازت معاتبته على ما وقع منه من تقصير فإنه كان مأمورا بطاعته فاستحق العقاب على غيبته « أو لأذبحنه » أي لأقطعن حلقه عقوبة على عصيانه « أو ليأتيني بسلطان مبين » أي بحجة واضحة تكون له عذرا في الغيبة « فمكث غير بعيد » أي فلم يلبث سليمان إلا زمانا يسيرا حتى جاء الهدهد و قيل معناه فلبث الهدهد في غيبته قليلا ثم رجع و على هذا فيجوز أن يكون التقدير فمكث في مكان غير بعيد قال ابن عباس فأتاه الهدهد بحجة « فقال أحطت بما لم تحط به » أي اطلعت على ما لم تطلع عليه و جئتك بأمر لم يخبرك به و لم يعلم به الإنس و بلغت ما لم تبلغه أنت و لا جنودك و هو قوله « و جئتك من سبإ بنبأ يقين » أي بخبر صادق و علم الإحاطة و هو أن يعلم الشيء من جميع جهاته التي يمكن أن يعلم عليها تشبيها بالسور المحيط بما فيه و في الكلام حذف تقديره ثم جاء الهدهد فسأله سليمان عن سبب غيبته فقال أحطت بما لم تحط به و في هذا دلالة على أنه يجوز أن يكون في زمن الأنبياء من يعرف ما لا يعرفونه و سبأ مدينة بأرض اليمن عن قتادة و قيل إن الله تعالى بعث إلى سبإ اثني عشر نبيا عن السدي و روى علقمة بن وعلة عن ابن عباس قال سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن سبإ فقال هو رجل ولد له عشرة من العرب تيامن منهم ستة و تشأم أربعة فالذين تشأموا لخم و جذام و غسان و عاملة و الذين تيامنوا كندة و الأشعرون و الأزد و مذحج و حمير
مجمع البيان ج : 7 ص : 341
و أنمار و من الأنمار خثعم و بجيلة « إني وجدت امرأة تملكهم » أي تتصرف فيهم بحيث لا يعترض عليها أحد « و أوتيت من كل شيء » و هذا اختار عن سعة ملكها أي من كل شيء من الأموال و ما يحتاج إليه الملوك من زينة الدنيا و قال الحسن و هي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبإ و قيل شرحبيل ولدها أربعون ملكا آخرهم أبوها ] شرحبيل [ قال قتادة و كان أولوا مشورتها ثلاثمائة و اثني عشر قيلا كل قيل منهم تحت رايته ألف مقاتل « و لها عرش عظيم » أي سرير أعظم من سريرك و كان مقدمه من ذهب مرصع بالياقوت الأحمر و الزمرد الأخضر و مؤخرة من فضة مكلل بألوان الجواهر و عليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق و عن ابن عباس قال كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا و طوله في الهواء ثلاثون ذراعا و قال أبو مسلم المراد بالعرش الملك « وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و زين لهم الشيطان أعمالهم » أي عبادتهم للشمس من دون الله « فصدهم عن السبيل » أي صرفهم عن سبيل الحق « فهم لا يهتدون » قال الجبائي لم يكن الهدهد عارفا بالله تعالى و إنما أخبر بذلك كما يخبر مراهقو صبياننا لأنه لا تكليف إلا على الملائكة و الإنس و الجن فيرانا الصبي على عبادة الله فيتصوران ما خالفها باطل فكذلك الهدهد تصور له أن ما خالف فعل سليمان باطل و هذا الذي ذكره خلاف ظاهر القرآن لأنه لا يجوز أن يفرق بين الحق الذي هو السجود لله و بين الباطل الذي هو السجود للشمس و أن أحدها حسن و الآخر قبيح إلا العارف بالله سبحانه و بما يجوز عليه و ما لا يجوز أن يفرق بين الحق الذي هو السجود لله و بين الباطل الذي هو السجود للشمس و أن أحدها حسن و الآخر قبيح إلا العارف بالله سبحانه و بما يجوز عليه و ما لا يجوز هذا مع نسبة تزين أعمالهم و صدهم عن طريق الحق إلى الشيطان و هذا مقالة من يعرف العدل و أن القبيح غير جائز على الله سبحانه « ألا يسجدوا لله » قد بينا أن التخفيف إنما هو على معنى الأمر بالسجود و دخلت الياء للتنبيه أو على تقدير ألا يا قوم اسجدوا لله و قيل إنه أمر من الله تعالى لجميع خلقه بالسجود له اعترض في الكلام و قيل إنه من كلام الهدهد قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله و قاله لسليمان عند عوده إليه استنكارا لما وجدهم عليه و القراءة بالتشديد على معنى زين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لله و ذكر الفراء أن القراءة بالتشديد لا توجب سجدة التلاوة و هذا غير صحيح لأن الكلام قد تضمن الذم على ترك السجود فيه دلالة على وجوب السجود و هو كقوله و إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا و ما الرحمن الآية « الذي يخرج الخبء في السموات و الأرض »
مجمع البيان ج : 7 ص : 342
الخبء المخبوء و هو ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه و هو مصدر وصف به يقال خبأته أخبؤه خبأ و ما يوجده الله تعالى فيخرجه من العدم إلى الوجود يكون بهذه المنزلة و قيل الخبء الغيب و هو كل ما غاب عن الإدراك فالمعنى يعلم غيب السماوات و الأرض عن عكرمة و مجاهد و قيل إن خبء السماوات المطر و خبء الأرض النبات و الأشجار عن ابن زيد « و يعلم ما تخفون و ما تعلنون » أي يعلم السر و العلانية « الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم » إلى هاهنا تمام الحكاية لما قاله الهدهد و يحتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله تعالى و العرش سرير الملك الذي عظمه الله و رفعه فوق السماوات السبع و جعل الملائكة تحف به و ترفع أعمال العباد إليه و تنشأ البركات من جهته فهو عظيم الشأن كما وصفه الله تعالى و هو أعظم خلق الله تعالى .
* قَالَ سنَنظرُ أَ صدَقْت أَمْ كُنت مِنَ الْكَذِبِينَ(27) اذْهَب بِّكِتَبى هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنهُمْ فَانظرْ مَا ذَا يَرْجِعُونَ(28) قَالَت يَأَيهَا الْمَلَؤُا إِنى أُلْقِىَ إِلىَّ كِتَبٌ كَرِيمٌ(29) إِنَّهُ مِن سلَيْمَنَ وَ إِنَّهُ بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(30) أَلا تَعْلُوا عَلىَّ وَ أْتُونى مُسلِمِينَ(31)

القراءة

في الشواذ ما رواه وهب عن ابن عباس ألا تغلوا بالغين المعجمة من الغلو .

المعنى

و لما سمع سليمان ما اعتذر به الهدهد في تأخره « قال » عند ذلك « سننظر أ صدقت » في قولك الذي أخبرتنا به « أم كنت من الكاذبين » و هذا ألطف و ألين في الخطاب من أن يقول أم كذبت لأنه قد يكون من الكاذبين بالميل إليهم و قد يكون منهم بالقرابة تكون بينه و بينهم و قد يكون منهم بأن يكذب كما كذبوا ثم كتب سليمان كتابا و ختمه بخاتمه و دفعه إليه فذلك قوله « اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم » يعني إلى أهل سبإ « ثم تول عنهم » أي استتر منهم قريبا بعد إلقاء الكتاب إليهم فانظر ما ذا يرجعون عن وهب بن منبه و غيره و قيل إنه على التقديم و التأخير « فانظر ما ذا يرجعون » أي ما ذا يردون من الجواب ثم تول عنهم لأن
مجمع البيان ج : 7 ص : 343
التولي عنهم بعد الجواب عن مقاتل و ابن زيد و الجبائي و أبي مسلم و الأول أوجه لأن الكلام إذا صح من غير تقديم و تأخير كان أولى و في الكلام حذف تقديره فمضى الهدهد بالكتاب و ألقاه إليهم فلما رأته بلقيس « قالت » لقومها « يا أيها الملأ » أي الأشراف « إني ألقي إلي كتاب كريم » قال قتادة أتاها الهدهد و هي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها فقرأت الكتاب و قيل كانت لها كوة مستقبلة للشمس تقع الشمس عند ما تطلع فيها فإذا نظرت إليها سجدت فجاء الهدهد إلى الكوة فسدها بجناحه فارتفعت الشمس و لم تعلم فقامت تنظر فرمى الكتاب إليها عن وهب و ابن زيد فلما أخذت الكتاب جمعت الأشراف و هم يومئذ ثلاثمائة و اثنا عشر قيلا ثم قالت لهم إني ألقي إلي كتاب كريم سمته كريما لأنه كان مختوما عن ابن عباس و يؤيده الحديث إكرام الكتاب ختمه و قيل وصفته بالكريم لأنه صدره ببسم الله الرحمن الرحيم و قيل لحسن خطه و جودة لفظه و بيانه و قيل لأنه كان ممن يملك الإنس و الجن و الطير و قد كانت سمعت بخبر سليمان فسمته كريما لأنه من كريم رفيع الملك عظيم الجاه « إنه من سليمان و إنه بسم الله الرحمن الرحيم » معناه أن الكتاب من سليمان و أن المكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم سليمان (عليه السلام) و لم تعرفه هي و لا قومها و قيل إن هذا حكاية ما قالته على المعنى باللغة العربية و إن لم تقل هي بهذا اللفظ و الحكاية على ثلاثة أوجه حكاية على المعنى فقط و حكاية على اللفظ فقط ممن حكاه من غير أن يعلم معناه و حكاية على اللفظ و المعنى و هو الأصل في الحكاية التي لا يجوز العدول عنها إلا بقرينة و موضع « ألا تعلوا » يجوز أن يكون رفعا بالبدل من « كتاب » و يجوز أن يكون نصبا على معنى بأن لا تعلوا و الصحيح أن أن في مثل هذا الموضع بمعنى أي على ما قاله سيبويه في نحو قوله و انطلق الملأ منهم أن امشوا أي امشوا و معناه لا تترفعوا و لا تتكبروا « علي و أتوني مسلمين » أي منقادين طائعين لأمري فيما أدعوكم و قيل مسلمين مؤمنين بالله تعالى و رسوله مخلصين في التوحيد قال قتادة و كذا كانت الأنبياء تكتب كتبها موجزة مقصورة على الدعاء إلى الطاعة من غير بسط .

مجمع البيان ج : 7 ص : 344
قَالَت يَأَيهَا الْمَلَؤُا أَفْتُونى فى أَمْرِى مَا كنت قَاطِعَةً أَمْراً حَتى تَشهَدُونِ(32) قَالُوا نحْنُ أُولُوا قُوَّة وَ أُولُوا بَأْس شدِيد وَ الأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظرِى مَا ذَا تَأْمُرِينَ(33) قَالَت إِنَّ الْمُلُوك إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسدُوهَا وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَ كَذَلِك يَفْعَلُونَ(34) وَ إِنى مُرْسِلَةٌ إِلَيهِم بِهَدِيَّة فَنَاظِرَةُ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسلُونَ(35) فَلَمَّا جَاءَ سلَيْمَنَ قَالَ أَ تُمِدُّونَنِ بِمَال فَمَا ءَاتَانَِ اللَّهُ خَيرٌ مِّمَّا ءَاتَاكُم بَلْ أَنتُم بهَدِيَّتِكمْ تَفْرَحُونَ(36) ارْجِعْ إِلَيهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بجُنُود لا قِبَلَ لهَُم بهَا وَ لَنُخْرِجَنهُم مِّنهَا أَذِلَّةً وَ هُمْ صغِرُونَ(37)

القراءة

قرأ حمزة و يعقوب أ تمدوني بنون واحدة مشددة على الإدغام و الباقون بنونين مظهرين .

الإعراب

« حتى تشهدون » انتصب « تشهدون » بإضمار أن و النون فيه نون عماد « فلما جاء سليمان » فاعل جاء الضمير المستكن فيه الراجع إلى مفعول مرسلة المحذوف لأن تقديره إني مرسلة رسولا « أذلة » نصب على الحال « و هم صاغرون » جملة في موضع الحال معطوفة على أذلة .

المعنى

و لما وقفت بلقيس على كتاب سليمان « قالت » لأشراف قومها « يا أيها الملأ أفتوني في أمري » أي أشيروا علي بالصواب و الفتيا و الفتوى الحكم بما فيه صواب بدلا من الخطإ و هو الحكم بما يعمل عليه فجعلت المشورة هنا فتيا « ما كنت قاطعة أمرا » أي ما كنت ممضية أمرا « حتى تشهدون » أي تحضروني تريد إلا بحضرتكم و مشورتكم و هذا ملاطفة منها لقومها في الاستشارة منهم لما تعمل عليه « قالوا » لها في الجواب عن ذلك « نحن أولوا قوة » أي أصحاب قوة و قدرة و أهل عدد « و أولوا بأس شديد » أي و أصحاب شجاعة شديدة « و الأمر إليك » أي أن الأمر مفوض إليك في القتال و تركه « فانظري ما ذا تأمرين » أي ما الذي تأمريننا به لنمتثله فإن أمرت بالصلح صالحنا و إن أمرت بالقتال قاتلنا « قالت » مجيبة لهم عن التعريض بالقتال « إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها » أي إذا دخلوها عنوة عن قتال و غلبة أهلكوها و خربوها « و جعلوا أعزة أهلها أذلة » أي أهانوا أشرافها و كبراءها كي يستقيم لهم الأمر و المعنى أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم و دخوله بلادهم و انتهى الخبر عنها و صدقها الله فيما قالت فقال « و كذلك » أي و كما قالت
مجمع البيان ج : 7 ص : 345
هي « يفعلون » و قيل إن الكلام متصل بعضه ببعض و كذلك يفعلون من قولها « و إني مرسلة إليهم » أي إلى سليمان و قومه « بهدية » أصانعه بذلك عن ملكي « فناظرة » أي فمنتظرة « بم يرجع المرسلون » بقبول أم رد و إنما فعلت ذلك لأنها عرفت عادة الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم و كان غرضها أن يتبين لها بذلك أنه ملك أو نبي فإن قبل الهدية تبين أنه ملك و عندها ما يرضيه و إن ردها تبين أنه نبي و اختلف في الهدية فقيل أهدت إليه وصفاء و وصايف ألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف ذكر من أنثى عن ابن عباس و قيل أهدت مائتي غلام و مائتي جارية ألبست الغلمان لباس الجواري و ألبست الجواري ألبسة الغلمان عن مجاهد و قيل أهدت له صفائح الذهب في أوعية من الديباج فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق فلما جاءوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان فلما رأوا ذلك صغر في أعينهم ما جاءوا به عن ثابت اليماني و قيل إنها عمدت إلى خمسمائة غلام و خمسمائة جارية فألبست الجواري الأقبية و المناطق و ألبست الغلمان في سواعدهم أساور من ذهب و في أعناقهم أطواقا من ذهب و في آذانهم أقراطا و شنوفا مرصعات بأنواع الجواهر و حملت الجواري على خمسمائة رمكة و الغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس لجام من ذهب مرصع بالجواهر و بعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب و خمسمائة لبنة من فضة و تاجا مكللا بالدر و الياقوت المرتفع و عمدت إلى حقة فجعلت فيها درة يتيمة غير مثقوبة و خرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب و دعت رجلا من أشراف قومها اسمه المنذر بن عمرو و ضمت إليه رجالا من قومها أصحاب رأي و عقل و كتبت إليه كتابا بنسخة الهدية قالت فيها أن كنت نبيا فميز بين الوصفاء و الوصائف و أخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها و اثقب الدرة ثقبا مستويا و أدخل الخرزة خيطا من غير علاج إنس و لا جن و قالت للرسول أنظر إليه إن دخلت عليه فإن نظر إليك نظرة غضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك أمره فأنا أعز منه و إن نظر إليك نظر لطف فاعلم أنه نبي مرسل فانطلق الرسول بالهدايا و أقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب و لبنات الفضة ففعلوا ثم أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى بضع فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب و الفضة و أن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب و الفضة ففعلوا ثم قال للجن علي بأولادكم فاجتمع خلق كثير فأقامهم على يمين الميدان و يساره ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره و وضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه و مثلها عن يساره و أمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ و أمر الإنس فاصطفوا فراسخ و أمر الوحش و السباع و الهوام و الطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه و يساره فلما دنا القوم من الميدان و نظروا إلى ملك سليمان
مجمع البيان ج : 7 ص : 346
تقاصرت إليهم أنفسهم و رموا بما معهم من الهدايا فلما وقفوا بين يدي سليمان نظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق و قال ما وراءكم فأخبره رئيس القوم بما جاءوا له و أعطاه كتاب الملكة فنظر فيه و قال أين الحقة فأتي بها و حركها و جاءه جبرائيل (عليه السلام) فأخبره بما في الحقة فقال إن فيها درة يتيمة غير مثقوبة و خرزة مثقوبة معوجة الثقب فقال الرسول صدقت فاثقب الدرة و أدخل الخيط في الخرزة فأرسل سليمان إلى الأرضة فجاءت فأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر ثم قال من لهذه الخرزة يسلكها الخيط فقالت دودة بيضاء أنا لها يا رسول الله فأخذت الدودة الخيط في فيها و دخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر ثم ميز بين الجواري و الغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم و أيديهم فكانت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الأخرى ثم تضرب به الوجه و الغلام كان يأخذ من الآنية يضرب به وجهه و كانت الجارية تصب على باطن ساعدها و الغلام على ظهر الساعد و كانت الجارية تصب الماء صبا و الغلام يحدر الماء على يده حدرا فميز بينهما بذلك هذا كله مروي عن وهب و غيره و قيل إنها أنفذت مع هداياها عصا كان يتوارثها ملوك حمير و قالت أريد أن تعرفني رأسها من أسفلها و بقدح ماء و قالت تملؤها ماء رواء ليس من الأرض و لا من السماء فأرسل سليمان العصا إلى الهواء و قال أي الرأسين سبق إلى الأرض فهو أسفلها و أمر الخيل فأجريت حتى عرقت و ملأ القدح من عرقها و قال ليس هذا من ماء الأرض و لا من ماء السماء « فلما جاء سليمان » أي فلما جاء الرسول سليمان « قال أ تمدونني بمال » أي تزيدونني مالا و هذا استفهام إنكار يعني أنه لا يحتاج إلى مالهم « فما آتاني الله خير مما آتاكم » أي ما أعطاني الله من الملك و النبوة و الحكمة خير مما أعطاكم من الدنيا و أموالها « بل أنتم بهديتكم تفرحون » إذا هدى بعضكم إلى بعض و أما أنا فلا أفرح بها أشار إلى قلة اكتراثه بأموال الدنيا ثم قال (عليه السلام) للرسول « ارجع إليهم » بما جئت من الهدايا « فلناتينهم بجنود لا قبل لهم بها » أي لا طاقة لهم بها و لا قدرة لهم على دفعها « و لنخرجنهم منها أذلة » أي من تلك القرية و من تلك المملكة و قيل من أرضها و ملكها « و هم صاغرون » أي ذليلون صغير و القدر إن لم يأتوني مسلمين فلما رد سليمان الهدية و ميز بين الغلمان و الجواري إلى غير ذلك علموا أنه نبي مرسل و أنه ليس كالملوك الذين يغترون بالمال .

مجمع البيان ج : 7 ص : 347
قَالَ يَأَيهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينى بِعَرْشهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونى مُسلِمِينَ(38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الجِْنِّ أَنَا ءَاتِيك بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِك وَ إِنى عَلَيْهِ لَقَوِىُّ أَمِينٌ(39) قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَبِ أَنَا ءَاتِيك بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْك طرْفُك فَلَمَّا رَءَاهُ مُستَقِراًّ عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضلِ رَبى لِيَبْلُوَنى ءَ أَشكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَن شكَرَ فَإِنَّمَا يَشكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبى غَنىُّ كَرِيمٌ(40) قَالَ نَكِّرُوا لهََا عَرْشهَا نَنظرْ أَ تهْتَدِى أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يهْتَدُونَ(41) فَلَمَّا جَاءَت قِيلَ أَ هَكَذَا عَرْشكِ قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ وَ أُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَ كُنَّا مُسلِمِينَ(42) وَ صدَّهَا مَا كانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنهَا كانَت مِن قَوْم كَفِرِينَ(43) قِيلَ لهََا ادْخُلى الصرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَ كَشفَت عَن ساقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَت رَب إِنى ظلَمْت نَفْسى وَ أَسلَمْت مَعَ َيْمَنَ َ للَّهِ رَب الْعَلَمِينَ(44)

القراءة

في الشواذ قراءة أبي رجاء و عيسى الثقفي عفرية .

الحجة

و المعنى معنى العفريت يقال رجل عفرية نفرية أي خبيث داه قال ذو الرمة
كأنه كوكب في إثر عفرية
مسوم في سواد الليل منقضب و أصل العفريت و العفرية من العفر و هو التراب لأنه يصرع قرنه في العفر و منه قيل للأسد عفرني و للناقة الشديدة عفرناة قال الأعشى :
مجمع البيان ج : 7 ص : 348

بذات لوث عفرناة إذا عثرت
فالتعس أدنى لها من أن يقال لعا .

اللغة

التنكير تغيير الشيء من حال إلى حال ينكرها صاحبها إذا رآه و الصرح القصر و كل بناء مشرف صرح و صرحة الدار و ساحتها و قارعتها و صحنها و أصله من الوضوح يقال صرح بالأمر أي كشفه و أوضحه و صرح بالتشديد لازم و متعد و اللجة معظم الماء و الجمع لجج و لج البحر خلاف الساحل و منه لج بالأمر إذا بالغ بالدخول فيه و الممرد المملس و منه الأمرد و شجرة مرداء أي ملساء لا ورق عليها و المارد المتملس عن الحق الخارج منه .

المعنى

فلما رجع إليها الرسول و عرفت أنه نبي و أنها لا تقاومه فتجهزت للمسير إليه و أخبر جبرائيل سليمان (عليه السلام) إنها خرجت من اليمن مقبلة إليه ف « قال » سليمان لأماثل جنده و أشراف عسكره « يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين » و اختلف في السبب الذي خص به العرش بالطلب على أقوال ( أحدها ) أنه أعجبته صفته فأراد أن يراه و ظهر له آثار إسلامها فأحب أن يملك عرشها قبل أن تسلم فيحرم عليه أخذ مالها عن قتادة ( و ثانيها ) أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها و فطنتها و يختبر هل تعرفه أو تنكره عن ابن زيد و قيل أراد أن يجعل ذلك دليلا و معجزة على صدقه و نبوته لأنها خلفته في دارها و أوثقته و وكلت به ثقات قومها يحرسونه و يحفظونه عن وهب و قال ابن عباس كان سليمان رجلا مهيبا لا يبتدىء بالكلام حتى يكون هو الذي يسأل عنه فخرج يوما فجلس على سريره فرأى رهجا قريبا منه فقال ما هذا فقالوا بلقيس يا رسول الله و قد نزلت منا بهذا المكان و كان ما بين الكوفة و الحيرة على قدر فرسخ فقال « أيكم يأتيني بعرشها » .
و قوله « مسلمين » فيه وجهان ( أحدهما ) أنه أراد مؤمنين موحدين ( و الآخر ) مستسلمين منقادين على ما مر بيانه « قال عفريت من الجن » أي مارد قوي داهية عن ابن عباس « أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك » أي من مجلسك الذي تقضي فيه عن قتادة « و إني عليه لقوي أمين » أي و إني على حمله لقوي و على الإتيان به في هذه المدة قادر و على ما فيه من الذهب و الجواهر أمين و في هذا دلالة على أن القدرة قبل الفعل لأنه أخبر بأنه قوي عليه قبل أن يجيء به و كان سليمان يجلس في مجلسه للقضاء غدوة إلى نصف النهار فقال سليمان أريد أسرع من ذلك فعند ذلك « قال الذي عنده علم
مجمع البيان ج : 7 ص : 349
من الكتاب » و هو آصف بن برخيا و كان وزير سليمان و ابن أخته و كان صديقا يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب عن ابن عباس و قيل إن ذلك الاسم الله و الذي يليه الرحمن و قيل هو يا حي يا قيوم و بالعبرانية أهيا شراهيا و قيل هو يا ذا الجلال و الإكرام عن مجاهد و قيل أنه قال يا إلهنا و إله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت عن الزهري و قيل إن الذي عنده علم من الكتاب كان رجلا من الإنس يعلم اسم الله الأعظم اسمه بلخيا عن مجاهد و قيل اسمه أسطوم عن قتادة و قيل الخضر (عليه السلام) عن أبي لهيعة و قيل إن الذي عنده علم من الكتاب هو جبرائيل (عليه السلام) أذن الله له في طاعة سليمان (عليه السلام) بأن يأتيه بالعرش الذي طلبه و قال الجبائي هو سليمان قال ذلك للعفريت ليريه نعمة الله عليه و هذا قول بعيد لم يؤثر عن أهل التفسير و أما الكتاب المعرف في الآية بالألف و اللام فقيل إنه اللوح المحفوظ و قيل أراد به جنس كتب الله المنزلة على أنبيائه و ليس المراد به كتابا بعينه و الجنس قد يعرف بالألف و اللام و قيل إن المراد به كتاب سليمان إلى بلقيس « إنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك » اختلف في معناه فقيل يريد قبل أن يصل إليك من كان منك على قدر مد البصر عن قتادة و قيل معناه قبل أن يبلغ طرفك مداه و غايته و يرجع إليك قال سعيد بن جبير قال لسليمان أنظر إلى السماء فما طرف حتى جاء به فوضعه بين يديه و المعنى حتى يرتد إليك طرفك بعد مدة إلى السماء و قيل ارتداد الطرف إدامة النظر حتى يرتد طرفه خاسئا عن مجاهد فعلى هذا معناه أن سليمان مد بصره إلى أقصاه و هو يديم النظر فقبل أن ينقلب بصره إليه حسيرا يكون قد أتى بالعرش قال الكلبي خر آصف ساجدا و دعا باسم الله الأعظم فغار عرشها تحت الأرض حتى نبع عند كرسي سليمان و ذكر العلماء في ذلك وجوها ( أحدها ) أن الملائكة حملته بأمر الله تعالى ( و الثاني ) أن الريح حملته ( و الثالث ) أن الله تعالى خلق فيه حركات متوالية ( و الرابع ) أنه انخرق مكانه حيث هو هناك ثم نبع بين يدي سليمان ( و الخامس ) إن الأرض طويت له و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( و السادس ) أنه أعدمه الله في موضعه و أعاده في مجلس سليمان و هذا لا يصح على مذهب أبي هاشم و يصح على مذهب أبي علي الجبائي فإنه يجوز فناء بعض الأجسام دون بعض و في الكلام حذف كثير لأن التقدير قال سليمان له افعل فسأل الله تعالى في ذلك فحضر العرش فرآه سليمان مستقرا عنده « فلما رآه مستقرا عنده » أي فلما رأى سليمان العرش محمولا إليه موضوعا بين يديه في مقدار رجع البصر « قال هذا
مجمع البيان ج : 7 ص : 350
من فضل ربي » أي من نعمته علي و إحسانه لدي لأن تيسير ذلك و تسخيره مع صعوبته و تعذره معجزة له و دلالة على علو قدره و جلالته و شرف منزلته عند الله تعالى « ليبلوني أ أشكر أم أكفر » أي ليختبرني هل أقوم بشكر هذه النعمة أم أكفر بها « و من شكر فإنما يشكر لنفسه » لأن عائدة شكره و منفعته ترجعان إليه و تخصانه دون غيره و هذا مثل قوله إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم « و من كفر فإن ربي غني » عن شكر العباد غير محتاج إليه بل هم المحتاجون إليه لما لهم فيه من الثواب و الأجر « كريم » أي متفضل على عباده شاكرهم و كافرهم عاصيهم و مطيعهم لا يمنعه كفرهم و عصيانهم من الإفضال عليهم و الإحسان إليهم « قال » سليمان « نكروا لها عرشها » أي غيروا سريرها إلى حال تنكرها إذا رأته و أراد بذلك اعتبار عقلها على ما قيل « ننظر أ تهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون » أي أ تهتدي إلى معرفة عرشها بفطنتها بعد التغيير أم لا تهتدي إلى ذلك عن سعيد بن جبير و قتادة و قيل أ تهتدي أي أ تستدل بعرشها على قدرة الله و صحة نبوتي و تهتدي بذلك إلى طريق الإيمان و التوحيد أم لا عن الجبائي قال ابن عباس فنزع ما كان على العرش من الفصوص و الجواهر و قال مجاهد غير ما كان أحمر فجعله أخضر و ما كان أخضر فجعله أحمر و قال عكرمة زيد فيه شيء و نقص منه شيء « فلما جاءت قيل أ هكذا عرشك قالت كأنه هو » فلم تثبته و لم تنكره و دل ذلك على كمال عقلها حيث لم تقل لا إذ كان يشبه سريرها لأنها وجدت فيه ما تعرفه و لم تقل نعم إذ وجدت فيه ما غير و بدل و لأنها خلفته في بيتها و حمله في تلك المدة إلى ذلك الموضع غير داخل في قدرة البشر قال مقاتل عرفته و لكن شبهوا عليها حين قالوا لها أ هكذا عرشك فشبهت حين قالت كأنه هو و لو قيل لها هذا عرشك لقالت نعم قال عكرمة كانت حكيمة قالت إن قلت هو هو خشيت أن أكذب و إن قلت لا خشيت أن أكذب فقالت كأنه هو شبهته به فقيل لها فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب و كانت قد خلفته وراء سبعة أبواب لما خرجت فقالت « و أوتينا العلم » بصحة نبوة سليمان « من قبلها » أي من قبل الآية في العرش « و كنا مسلمين » طائعين لأمر سليمان و قيل إنه من كلام سليمان عن مجاهد و معناه و أوتينا العلم بالله و قدرته على ما يشاء من قبل هذه المرة و كنا مخلصين لله بالتوحيد و قيل معناه و أوتينا العلم بإسلامها و مجيئها طائعة قبل مجيئها و قيل إنه من كلام قوم سليمان عن الجبائي « و صدها ما كانت تعبد من دون الله » أي منعها عبادة الشمس عن الإيمان بالله تعالى بعد رؤية تلك المعجزة عن مجاهد فعلى هذا تكون ما موصولة مرفوعة الموضع بأنها فاعلة صد و قيل معناه و صدها سليمان عما كانت تعبده من دون الله و حال بينها و بينه و منعها عنه فعلى هذا يكون ما في موضع النصب و قيل معناه منعها الإيمان و التوحيد الذي كانت تعبده من دون
مجمع البيان ج : 7 ص : 351
الله و هو الشمس ثم استأنف فقال « إنها كانت من قوم كافرين » أي من قوم يعبدون الشمس قد نشأت فيما بينهم فلم تعرف إلا عبادة الشمس « قيل لها ادخلي الصرح » و الصرح هو الموضع المنبسط المنكشف من غير سقف و ذكر إن سليمان لما أقبلت صاحبة سبإ أمر الشياطين ببناء الصرح و هو كهيئة السطح المنبسط من قوارير أجري تحته الماء و جمع في الماء الحيتان و الضفادع و دواب البحر ثم وضع له فيه سرير فجلس عليه و قيل إنه قصر من زجاج كأنه الماء بياضا و قال أبو عبيدة كل بناء من زجاج أو صخر أو غير ذلك موثق فهو صرح و إنما أمر سليمان (عليه السلام) بالصرح لأنه أراد أن يختبر عقلها و ينظر هل تستدل على معرفة الله تعالى بما ترى من هذه الآية العظيمة و قيل إن الجن و الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فلا ينفكون من تسخير سليمان و ذريته بعده لو تزوجها و ذلك أن أمها كانت جنية فأساءوا الثناء عليها ليزهدوه فيها و قالوا إن في عقلها شيئا و إن رجلها كحافر الحمار فلما امتحن ذلك وجدها على خلاف ما قيل و قيل أنه ذكر له أن على رجليها شعرا فلما كشفته بأن الشعر فساءه ذلك فاستشار الجن في ذلك فعملوا الحمامات و طبخوا له النورة و الزرنيخ و كان أول ما صنعت النورة « فلما رأته » أي رأت بلقيس الصرح « حسبته لجة » و هي معظم الماء « و كشفت عن ساقيها » لدخول الماء و قيل إنها لما رأت الصرح قالت ما وجد ابن داود عذابا يقتلني به إلا الغرق و أنفت أن تجبن فلا تدخل و لم يكن من عادتهم لبس الخفاف فلما كشفت عن ساقيها « قال » لها سليمان « إنه صرح ممرد » أي مملس « من قوارير » و ليس بماء و لما رأت سرير سليمان و الصرح « قالت ربي إني ظلمت نفسي » بالكفر الذي كنت عليه « و أسلمت مع سليمان لله رب العالمين » فحسن إسلامها و قيل إنها لما جلست دعاها سليمان إلى الإسلام و كانت قد رأت الآيات و المعجزات فأجابته و أسلمت و قيل إنها لما ظنت أن سليمان يغرقها ثم عرفت حقيقة الأمر قالت ظلمت نفسي إذ توهمت على سليمان ما توهمت و اختلف في أمرها بعد ذلك فقيل إنه تزوجها سليمان و أقرها على ملكها و قيل إنه زوجها من ملك يقال له تبع و ردها إلى أرضها و أمر زوبعة أمير الجن باليمن أن يعمل له و يطيع فصنع له المصانع باليمن قال عون بن عبد الله جاء رجل إلى عبد الله بن عتبة فسأله هل تزوجها سليمان قال عهدي بها إن قالت و أسلمت مع سليمان لله رب العالمين يعني أنه لا يعلم ذلك و إن آخر ما سمع من حديثها هذا القول و روى العياشي في تفسيره بالإسناد قال التقى موسى بن محمد بن علي بن موسى (عليهماالسلام) و يحيى بن أكثم فسأله عن مسائل قال فدخلت على أخي علي بن محمد (عليهماالسلام) بعد أن دار بيني و بينه من المواعظ حتى انتهيت إلى طاعته فقلت له جعلت فداك أن ابن أكثم سألني عن مسائل أفتيه فيها فضحك ثم قال فهل
مجمع البيان ج : 7 ص : 352
أفتيته فيها قلت لا قال و لم قلت لم أعرفها قال و ما هي قلت أخبرني عن سليمان أ كان محتاجا إلى علم آصف بن برخيا ثم ذكر المسائل الأخر قال اكتب يا أخي بسم الله الرحمن الرحيم سألت عن قول الله تعالى في كتابه « قال الذي عنده علم من الكتاب » فهو آصف بن برخيا و لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف لكنه (عليه السلام) أحب أن تعرف أمته من الإنس و الجن أنه الحجة من بعده و ذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله تعالى ففهمه الله ذلك لئلا يختلف في إمامته و دلالته كما فهم سليمان في حياة داود ليعرف إمامته و نبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق .
وَ لَقَدْ أَرْسلْنَا إِلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صلِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يخْتَصِمُونَ(45) قَالَ يَقَوْمِ لِمَ تَستَعْجِلُونَ بِالسيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسنَةِ لَوْ لا تَستَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكمْ تُرْحَمُونَ(46) قَالُوا اطيرْنَا بِك وَ بِمَن مَّعَك قَالَ طئرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ(47) وَ كانَ فى الْمَدِينَةِ تِسعَةُ رَهْط يُفْسِدُونَ فى الأَرْضِ وَ لا يُصلِحُونَ(48) قَالُوا تَقَاسمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شهِدْنَا مَهْلِك أَهْلِهِ وَ إِنَّا لَصدِقُونَ(49) وَ مَكَرُوا مَكراً وَ مَكَرْنَا مَكراً وَ هُمْ لا يَشعُرُونَ(50) فَانظرْ كَيْف كانَ عَقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ(51) فَتِلْك بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةَ بِمَا ظلَمُوا إِنَّ فى ذَلِك لاَيَةً لِّقَوْم يَعْلَمُونَ(52) وَ أَنجَيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ(53)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم لتبيتنه بالتاء و ضم التاء الثانية ثم لتقولن بالتاء
مجمع البيان ج : 7 ص : 353
أيضا و ضم اللام و الباقون « لنبيتنه » بالنون و فتح التاء « ثم لنقولن » أيضا بالنون و فتح اللام و قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو و سهل و ابن عامر إنا دمرناهم بكسر الألف و الباقون بفتح الألف و روي عن روح و زيد عن يعقوب بكسر الألف أيضا .

الحجة

قال أبو علي قوله « تقاسموا » لا يخلو من أن يراد به مثال الماضي أو مثال الآتي الذي يراد به الأمر فمن أراد به الأمر جعل « لنبيتنه » جوابا لتقاسموا فكأنه قال حلفوا لنبيتنه لأن هذه الألفاظ التي تكون من ألفاظ القسم تتلقى بما يتلقى به الإيمان كقوله تعالى « و أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن » « و أقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت » فكذلك « تقاسموا بالله لنبيتنه » ملقاة باللام و النون الثقيلة و أدخل المتكلمون أنفسهم مع المقسمين كما دخلوا في قوله « قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم » و من قال تقاسموا لنبيتنه أراد ليقسم بعضكم لبعض لنبيتنه فتقاسموا على هذا أمر كما كان فيمن قال لنبيتنه أمرا و من قال تقاسموا لتبيتنه بالتاء فتقاسموا على هذا مثال ماض و لا يجوز مع هذا إلا بالتاء لأن مثال الماضي للغيبة و لتبيتنه للخطاب و من كسر أنا دمرناهم جاز أن يكون كان في قوله « كيف كان عاقبة مكرهم » تامة و أن تكون ناقصة فإن جعلتها تامة بمعنى وقع كان قوله « كيف كان عاقبة » في موضع حال تقديره على أي حال وقع عاقبة مكرهم أي أحسنا وقع عاقبة مكرهم أو سيئا أو يكون في كيف ضمير من ذي الحال كما إنك إذا قلت في الدار حدث الأمر فجعلته في موضع الحال كان كذلك و حكم كيف على ذا أن يكون متعلقا بمحذوف كما أنك إذا قلت في الدار وقع زيد فتقديره وقع زيد مستقرا في هذه الحال فإن جعلته ظرفا للفعل تعلق بكان الذي بمعنى الحدث و قوله أنا دمرناهم فيمن كسر استئناف و هو تفسير للعاقبة كما أن قوله لهم مغفرة و أجر عظيم تفسير للموعد و من قرأ « أنا دمرناهم » جاز أن يكون كان على ضربيها و إذا حملته على وقع كان كيف في موضع حال و جاز في قوله « أنا دمرناهم » أمران ( أحدهما ) أن يكون بدلا من قوله « عاقبة مكرهم » و جاز أن يكون محمولا على مبتدإ مضمر كأنه قال هو أنا دمرناهم أو ذاك أنا دمرناهم فإذا حملتها على المقتضية للخبر جاز في قوله أنا دمرناهم قولان ( أحدهما ) أن يكون بدلا من اسم كان الذي هو العاقبة فإذا حملته على ذلك كان كيف في موضع خبر كان ( و الآخر ) أن يكون خبر كان و يكون موضعه نصبا بأنه خبر كان كأنه كان عاقبة أمرهم تدميرهم و يكون كيف في موضع حال و يجوز أن يكون العامل في كيف أحد شيئين إما أن يكون كان لأنه فعل كما كان العامل في الظرف في قوله « أ كان للناس عجبا أن أوحينا » أ لا ترى أنه لا يجوز أن يتصل قوله للناس بواحد من المصدرين إلا أن تجعله صفة لعجب فتقدمه فيصير في موضع حال فالعامل فيه
 

Back Index Next