جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج7 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 7 ص : 354
على هذا أيضا كان و يجوز أن يكون العامل فيه ما في الكلام من الدلالة على الفعل لأن قوله « أنا دمرناهم » بما دله تدميرنا و تدميرنا يدل على دمرنا فيصير العامل فيه هذا المعنى الذي دل عليه ما في الكلام من معنى الفعل و زعموا أن في حرف أبي أن دمرناهم فهذا يقوي الفتح في أنا .

المعنى

ثم عطف سبحانه على قصة سليمان قصة صالح فقال « و لقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم » في النسب « صالحا أن اعبدوا الله » أي أرسلناه بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له « فإذا هم فريقان يختصمون » أي مؤمنون و كافرون يقول كل فريق الحق معي « قال » صالح للفريق المكذب « يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة » أي بالعذاب قبل الرحمة أي لم قلتم إن كان ما أتينا به حقا فأتنا بالعذاب و سمي العذاب سيئة لما فيه من الآلام و لأنه جزاء على السيئة لأن السيئة هي الخصلة التي تسوء صاحبها « لو لا » أي هلا « تستغفرون الله » أي تطلبون مغفرته من الشرك بأن تؤمنوا « لعلكم ترحمون » فلا تعذبون في الدنيا « قالوا اطيرنا بك و بمن معك » أي تشأمنا بك و بمن على دينك و ذلك أنهم قحط المطر عنهم و جاعوا فقالوا أصابنا هذا الشر من شؤمك و شؤم أصحابك « قال » لهم صالح « طائركم عند الله » أي الشؤم أتاكم من عند الله بكفركم و هذا كقوله يطيروا بموسى و من معه إلا إنما طائرهم عند الله « بل أنتم قوم تفتنون » أي تختبرون بالخير و الشر عن ابن عباس و قيل تعذبون بسوء أعمالكم عن محمد بن كعب و قيل تبتلون و تمتحنون بطاعة الله و معصيته « و كان في المدينة » يعني التي بها صالح و هي الحجر « تسعة رهط يفسدون في الأرض » كانت هذه التسعة النفر من أشرافهم و هم غواة قوم صالح و هم الذين سعوا في عقر الناقة « و لا يصلحون » أي لا يطيعون الله تعالى و ذكر ابن عباس أسماءهم و قال هم قدار بن سالف و مصدع و دهمي و دهيم و دعمي و دعيم و أسلم و قتال و صداف « قالوا تقاسموا بالله » أي قالوا فيما بينهم احلفوا بالله « لنبيتنه » أي لنقتلن صالحا « و أهله » بياتا و من قرأ بالنون فكأنهم قالوا أقسموا لنفعلن و الأمر بالقسم في القراءتين داخل في الفعل منهم « ثم لنقولن لوليه » أي لذي رحم صالح أن سألنا عنه « ما شهدنا مهلك أهله » أي ما قتلناه و ما ندري من قتله و أهلكه و قد ذكرنا اختلاف القراء فيه في سورة الكهف « و إنا لصادقون » في هذا القول قال الزجاج كان هؤلاء النفر تحالفوا أن يبيتوا صالحا و أهله ثم ينكروا عند أوليائه أن يكونوا فعلوا ذلك أو رأوه و كان هذا مكرا عزموا عليه قال الله تعالى « و مكروا مكرا و مكرنا مكرا » أي جازيناهم جزاء مكرهم بتعجيل عقوبتهم « و هم لا يشعرون » بمكر الله بهم فإنهم دخلوا على صالح ليقتلوه فأنزل الله سبحانه الملائكة فرموا كل واحد منهم بحجر
مجمع البيان ج : 7 ص : 355
حتى قتلوهم و سلم صالح من مكرهم عن ابن عباس و قيل إن الله أمر صالحا بالخروج من بينهم ثم استأصلهم بالعذاب و قيل نزلوا في سفح جبل ينظر بعضهم بعضا ليأتوا صالحا فخر عليهم الجبل عن مقاتل « فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم » أي أهلكناهم بما ذكرناه من العذاب « و قومهم أجمعين » بصيحة جبرائيل « فتلك بيوتهم » أشار إلى بيوتهم و المعنى فانظر إليها « خاوية » نصب على الحال أي فارغة خالية « بما ظلموا » أي بظلمهم و شركهم بالله تعالى « إن في ذلك » أي في إهلاكهم « لآية لقوم يعلمون » أي لعبرة لمن نظر إليها و اعتبر بها و في هذه الآية دلالة على أن الظلم يعقب خراب الدور و روي عن ابن عباس أنه قال أجد في كتاب الله أن الظلم يخرب البيوت و تلا هذه الآية و قيل إن هذه البيوت بوادي القرى بين المدينة و الشام « و أنجينا الذين آمنوا » به « و كانوا يتقون » قالوا أنهم أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضرموت و سمي حضرموت لأن صالحا لما دخلها مات .
وَ لُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَ تَأْتُونَ الْفَحِشةَ وَ أَنتُمْ تُبْصِرُونَ(54) أَ ئنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شهْوَةً مِّن دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تجْهَلُونَ(55) * فَمَا كانَ جَوَاب قَوْمِهِ إِلا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا ءَالَ لُوط مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطهَّرُونَ(56) فَأَنجَيْنَهُ وَ أَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَهَا مِنَ الْغَبرِينَ(57) وَ أَمْطرْنَا عَلَيْهِم مَّطراً فَساءَ مَطرُ الْمُنذَرِينَ(58) قُلِ الحَْمْدُ للَّهِ وَ سلَمٌ عَلى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصطفَى ءَاللَّهُ خَيرٌ أَمَّا يُشرِكُونَ(59)

القراءة

قرأ أهل البصرة و عاصم « يشركون » بالياء و الباقون بالتاء على الخطاب و في الشواذ قراءة الحسن فما كان جواب قومه بالرفع .

الحجة

الأولى أن يكون « جواب قومه » خبر كان و الاسم قوله « إن قالوا » لشبه إن
مجمع البيان ج : 7 ص : 356
بالمضمر من حيث كانت لا توصف و المضمر أعرف من المظهر و قد تقدم القول في هذا .

المعنى

ثم ذكر سبحانه قصة لوط عاطفا بها على ما تقدم فقال « و لوطا » أي و أرسلنا لوطا « إذ قال لقومه » منكرا عليهم أفعالهم « أ تأتون الفاحشة » يعني الخصلة القبيحة الشنيعة الظاهرة القبح و هي إتيان الذكران في أدبارهم « و أنتم تبصرون » أي تعلمون أنها فاحشة و قيل معناه و أنتم يرى بعضكم ذلك من بعض ثم بين سبحانه الفاحشة التي يأتونها فقال « إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء » اللاتي خلقهن الله لكم « بل أنتم قوم تجهلون » أي تفعلون أفعال الجهال قال ابن عباس تجهلون القيامة و عاقبة العصيان « فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم أنهم أناس يتطهرون » عن إتيان الرجال في أدبارهم « فأنجيناه و أهله إلا امرأته قدرناها » أي جعلناها « من الغابرين » أي الباقين في العذاب « و أمطرنا عليهم مطرا » و هو الحجارة « فساء مطر المنذرين » الذين أبلغهم لوط النذارة و أعلمهم بموضع المخافة ليتقوها فخالفوا ذلك ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « قل » يا محمد « الحمد لله » شكرا على نعمه بأن وفقنا للإيمان و قيل الحمد لله على هلاك الأمم الكافرة « و سلام على عباده الذين اصطفى » أي اصطفاهم الله و اجتباهم و اختارهم على بريته و هم الأنبياء عن مقاتل و قيل هم أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس و الحسن و قيل هم أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و معنى السلام عليهم أنهم سلموا مما عذب الله به الكفار عن الكلبي و قيل هم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن علي بن إبراهيم ثم قال سبحانه مخاطبا للمشركين « آلله خير أما يشركون » يا أهل مكة يعني الله خير لمن عبده أم الأصنام لعابديها و هذا إلزام للحجة على المشركين بعد ذكر هلاك الكفار و المعنى أن الله تعالى نجى من عبده من الهلاك و الأصنام لم تغن شيئا عن عابديها عند نزول العذاب و إنما قال ذلك لأنهم توهموا في عبادة الأصنام خيرا .

مجمع البيان ج : 7 ص : 357
أَمَّنْ خَلَقَ السمَوَتِ وَ الأَرْض وَ أَنزَلَ لَكم مِّنَ السمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائقَ ذَات بَهْجَة مَّا كانَ لَكمْ أَن تُنبِتُوا شجَرَهَا أَ ءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ(60) أَمَّن جَعَلَ الأَرْض قَرَاراً وَ جَعَلَ خِلَلَهَا أَنْهَراً وَ جَعَلَ لهََا رَوَسىَ وَ جَعَلَ بَينَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَ ءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكثرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ(61) أَمَّن يجِيب الْمُضطرَّ إِذَا دَعَاهُ وَ يَكْشِف السوءَ وَ يَجْعَلُكمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَ ءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكرُونَ(62) أَمَّن يَهْدِيكمْ فى ظلُمَتِ الْبرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَن يُرْسِلُ الرِّيَحَ بُشرَا بَينَ يَدَى رَحْمَتِهِ أَ ءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَلى اللَّهُ عَمَّا يُشرِكونَ(63) أَمَّن يَبْدَؤُا الخَْلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ مَن يَرْزُقُكم مِّنَ السمَاءِ وَ الأَرْضِ أَ ءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَنَكُمْ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ(64) قُل لا يَعْلَمُ مَن فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ الْغَيْب إِلا اللَّهُ وَ مَا يَشعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(65)

القراءة

قرأ أبو عمرو و هشام ما يذكرون بالياء و الباقون بالتاء و الوجه فيهما ظاهر .

اللغة

الحديقة البستان الذي عليه حائط و كل ما أحاط به البناء فهو حديقة و قيل الحديقة البستان الذي فيه النخل و القرار المكان المطمئن الذي يستقر فيه الماء و يقال للروضة المنخفضة قرارة و منه حديث ابن عباس قال علمي في علم علي (عليه السلام) كالقرارة في المثعنجر أي كالغدير في البحر و البرهان البيان بحجة .

الإعراب

« أ من » استفهام في محل الرفع على الابتداء و خبره « خلق » و « قرارا » نصب على الحال لأن جعل بمعنى خلق و إن كان بمعنى صير فهو مفعول ثان له « أ إله مع الله » مبتدأ و خبر تقديره أ إله ثبت مع الله و إنما جاز أن تكون النكرة مبتدأ لأنه استفهام و يجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوفا أو يكون تقديره أ إله في الوجود مع الله « قليلا ما تذكرون » صفة مصدر محذوف تقديره تذكرون تذكرا قليلا و ما مزيدة و « بشرا » نصب على الحال و « بين يدي رحمته » ظرف منه
مجمع البيان ج : 7 ص : 358
أيان في محل نصب لأنه ظرف زمان و العامل فيه « يبعثون » .

المعنى

ثم عدد سبحانه الدلائل على توحيده و نعمه الشاملة لعبيدة فقال « أ من خلق السموات و الأرض » و تقديره أ ما تشركون خير أم من خلق السموات و الأرض أي أنشأهما و اخترعهما « و أنزل لكم من السماء ماء » أي غيثا و مطرا لكم أي لمنافعكم و لأجل معاشكم عرفهم سبحانه أن غيره لا يقدر على ذلك « فأنبتنا به حدائق » أي رياضا و بساتين و ما لم يكن عليه حائط لا يقال له حديقة « ذات بهجة » أي ذات منظر حسن يبتهج به من رآه و لم يقل ذوات بهجة لأنه أراد تأنيث الجماعة و لو أراد تأنيث الأعيان لقال ذوات و قال الشاعر :
و سوف يعقبنيه إن ظفرت به
رب كريم و بيض ذات أطهار « ما كان لكم أن تنبتوا شجرها » ما هنا للنفي أي لم يكونوا يقدرون على إنبات شجرها « أ إله مع الله » و هذا استفهام إنكار معناه هل معه معبود سواه أعانه على صنعه « بل » ليس معه إله « هم قوم يعدلون » يشركون بالله غيره يعني كفار مكة « أ من جعل الأرض قرارا » أي مستقرة لا تميل و لا تميد بأهلها « و جعل خلالها أنهارا » أي و جعل وسط الأرض و في مسالكها و نواحيها أنهارا جارية ينبت بها الزرع و يحيا بها الخلق « و جعل لها رواسي » أي جبالا ثوابت أثبت بها الأرض « و جعل بين البحرين حاجزا » أي مانعا من قدرته بين العذاب و الملح فلا يختلط أحدهما بالآخر « أ إله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون » توحيد ربهم و كمال قدرته و سلطانه « أ من يجيب المضطر إذا دعاه » أي يجيب المكروب المجهود فيكشف ضره و كربه و إجابة دعاء المضطر هي فعل ما يدعو به و هذا لا يكون إلا من قادر على الإجابة مختار لها و رأس المضطرين المذنب الذي يدعوه و يسأله المغفرة و منهم الخائف الذي يسأله الأمن و المريض الذي يطلب العافية و المحبوس الذي يطلب الخلاص فإن الكل إذا ضاق بهم الأمر فزعوا إلى رب العالمين و أكرم الأكرمين و إنما خص المضطر و إن كان قد يجيب غير المضطر لأن رغبته أقوى و سؤاله أخضع « و يكشف السوء » أي يدفع الشدة و كل ما يسوء « و يجعلكم خلفاء الأرض » يخلف كل قرن منكم القرن الذي قبله فيهلك قرنا و ينشىء قرنا و قيل يجعلكم خلفاء من الكفار بنزول بلادهم و طاعة الله تعالى بعد شركهم
مجمع البيان ج : 7 ص : 359
و عنادهم « أ إله مع الله قليلا ما تذكرون » أي قليلا ما تتعظون عن ابن عباس و من قرأ بالياء فالمعنى قليلا ما يتذكر هؤلاء المشركون « أ من يهديكم في ظلمات البر و البحر » أي أ ما تشركون خير أم من يرشدكم إلى القصد و السمت في البر و البحر بما نصب لكم من الدلالات من الكواكب و القمر و إذا ظللتم و هو كقوله و هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر و البحر « و من يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته » قد مضى تفسيره و وجوه القراءات فيه « أ إله مع الله تعالى الله عما يشركون » أي جل و تنزه عن الشريك كما يزعمه المشركون « أ من يبدأ الخلق » بأن يخترعه و يوجده و ينشئه على غير مثال و احتذاء ثم يميته و يفنيه « ثم يعيده » بعد الإفناء و إنما قال ذلك لأنهم أقروا بأنه الخالق فيلزمهم الإقرار بالبعث من حيث إن من قدر على الإنشاء قدر على الإعادة « و من يرزقكم من السماء و الأرض » بإنزال المطر و بإخراج الثمار و النبات « أ إله مع الله » يقدر على ذلك « قل » لهم يا محمد « هاتوا برهانكم » أي حجتكم « إن كنتم صادقين » إن لي شريكا صنع شيئا من هذه الأشياء فإذا لم يقدروا على إقامة البرهان على ذلك فاعلموا أنه لا إله معي و لا يستحق العبادة سواي « قل » يا محمد « لا يعلم من في السموات و الأرض » من الملائكة و الإنس و الجن « الغيب » و هو ما غاب علمه عن الخلق مما يكون في المستقبل « إلا الله » وحده أو من أعلمه الله تعالى « و ما يشعرون أيان يبعثون » أي متى يحشرون يوم القيامة دل سبحانه بهذه الآية كما دل بما تقدمها على قدرته .

مجمع البيان ج : 7 ص : 360
بَلِ ادَّرَك عِلْمُهُمْ فى الاَخِرَةِ بَلْ هُمْ فى شك مِّنهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ(66) وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَ ءِذَا كُنَّا تُرَباً وَ ءَابَاؤُنَا أَ ئنَّا لَمُخْرَجُونَ(67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نحْنُ وَ ءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسطِيرُ الأَوَّلِينَ(68) قُلْ سِيرُوا فى الأَرْضِ فَانظرُوا كيْف كانَ عَقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ(69) وَ لا تحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُن فى ضيْق مِّمَّا يَمْكُرُونَ(70) وَ يَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ(71) قُلْ عَسى أَن يَكُونَ رَدِف لَكُم بَعْض الَّذِى تَستَعْجِلُونَ(72) وَ إِنَّ رَبَّك لَذُو فَضل عَلى النَّاسِ وَ لَكِنَّ أَكثرَهُمْ لا يَشكُرُونَ(73) وَ إِنَّ رَبَّك لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صدُورُهُمْ وَ مَا يُعْلِنُونَ(74) وَ مَا مِنْ غَائبَة فى السمَاءِ وَ الأَرْضِ إِلا فى كِتَب مُّبِين(75)

القراءة

قرأ أهل البصرة و أبو جعفر و ابن كثير بل أدرك بقطع الألف و سكون اللام و الدال و قرأ الشموني عن أبي بكر بل ادرك موصولة الألف مشددة الدال بلا ألف بعدها و الباقون « بل ادارك » و في الشواذ قراءة سليمان بن يسار و عطاء بن يسار بل درك بفتح اللام و لا همزة و لا ألف و قراءة الحسن و أبي رجاء و ابن محيصن و قتادة بل آدرك و قراءة ابن عباس بلي بياء أدرك و قراءة أبي بل تدارك و قرأ أهل المدينة إذا كنا ترابا بكسر الألف آنا لمخرجون بالاستفهام بهمزة واحدة ممدودة عن أبي جعفر و قالون و غيره ممدودة عن ورش و إسماعيل و قرأ ابن عامر و الكسائي « أ إذا » بهمزتين إننا بنونين و قرأ ابن كثير و يعقوب أذا أنا بالاستفهام فيهما جميعا بهمزة واحدة غير ممدودة و قرأ أبو عمرو آذا آنا بالاستفهام فيهما جميعا بهمزة واحدة ممدودة و قرأ عاصم و حمزة و خلف « أ إذا أ إنا » بالاستفهام فيهما جميعا بهمزتين همزتين و قرأ ابن كثير في ضيق بكسر الضاد و الباقون بفتحها .

الحجة

قال أبو علي إن علم قد يصل بالجار كقوله تعالى أ لم يعلم بأن الله يرى و قولهم علمي بزيد يوم الجمعة و معنى أدرك بلغ و لحق يقال فلان أدرك الحسن أي لحق أيامه و هذا ما أدركه علمي أي بلغة فالمعنى أنهم لم يدركوا علم الآخرة أي لم يعلموا حدوثها و كونها و دل على ذلك قوله « بل هم في شك منها بل هم منها عمون » أي بل هم من علمها عمون و إذا كان كذلك كان معنى قوله « في الآخرة » معنى الباء أي لم يدركوا علمها و لم ينظروا في حقيقتها فيدركوا و لهذا قرأ من قرأ أدرك كأنه أراد لم يدركوه كما تقول أ جئتني أمس أي لم تجئني و المعنى لم يدرك علمهم بحدوث الآخرة بل هم في شك منها بل هم من علمها عمون و العمى عن علم الشيء أبعد منه من الشاك فيه لأن الشك قد يعرض عن ضرب من النظر و العمى عن الشيء الذي لم يدرك منه شيئا و أما من قال « ادارك » فإنه أراد تدارك فأدغم التاء في الدال لمقاربتها لها
مجمع البيان ج : 7 ص : 361
و كونها من حيزها فلما سكتت التاء للإدغام اجتلبت لها همزة الوصل كما اجتلبتها في نحو ادارأتم و في التنزيل حتى إذا اداركوا فيها كان معناها تلاحقوا قال
تداركتم الأحلاف قد ثل عرشها ) و ما روي عن أبي بكر بل ادرك معناه افتعل من ادركت و افتعل و تفاعل يجيئان بمعنى و من ثم صح قولهم ازدوجوا و إن كان الحرف على صورة يجب فيها الانقلاب و لكنه صح لما كان بمعنى تفاعلوا و تفاعلوا يلزم فيه تصحيح حروف العلة لسكون الحرف الذي قبل حرف العلة فصار تصحيح هذا كتصحيح عور و حول لما كان بمعنى أعور و أحول و من قرأ بل درك فإنه خفف الهمزة بحذفها و إلقاء حركتها على اللام الساكنة قبلها نحو قد فلح في قد أفلح و أما قوله بل ادرك فإن بل استئناف و ما بعدها استفهام كما تقول أ زيد عندك بل أ عمرو عندك تركا للأول إلى غيره و أما بلى فكأنه جواب و ذلك لأنه لما قال قل لا يعلم من في السموات و الأرض الغيب إلا الله فكان قائلا قال ما الأمر كذلك فقيل له بلى ثم استؤنف فقيل أدرك علمهم في الآخرة و قد سبق ذكر الاستفهامين فيما تقدم و كذلك ذكر الضيق و الضيق و الأولى أن يحمل على أنهما لغتان .

اللغة

قال ابن الأعرابي ردفت و أردفت و لحقت و ألحقت بمعنى و ترادفوا تلاحقوا قال المبرد اللام في « ردف لكم » و قيل إنه إنما أتي باللام لأن معنى ردف دنا فكأنه قال دنا لكم كما قال الشاعر :
فقلت لها الحاجات يطرحن بالفتى
و هم تعناني معنى ركائبه قال يطرحن بالفتى لما كان معنى يطرحن يرمين و كننت الشيء في نفسي و أكننته إذا سترته في نفسك فهو مكن و مكنون قال الرماني الأكنان جعل الشيء بحيث الشيء لا يلحقه أذى بمانع يصده عنه .

الإعراب

العامل في إذا معنى قوله « مخرجون » لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبل أن فالتقدير أ إذا كنا ترابا أخرجنا و هذا في محل نصب لأنه مفعول ثان لوعد « عسى أن يكون
مجمع البيان ج : 7 ص : 362
ردف لكم » يكون اسمه ضمير الأمر و الشأن و ما بعده خبره و أن يكون و ما يتعلق به في محل رفع بأنه فاعل عسى .

المعنى

لما أخبر سبحانه عن الكفار أنهم لا يشعرون متى يبعثون و أنهم شاكون عقبه بأنهم يعلمون حقيقة ذلك يوم القيامة فقال « بل ادارك علمهم في الآخرة » أي تتابع منهم العلم و تلاحق حتى كمل علمهم في الآخرة بما أخبروا به في الدنيا فهو على لفظ الماضي و المراد به الاستقبال أي يتدارك و من قرأ أدرك فمعناه سيدرك علمهم هذه الأشياء في الآخرة حين لا ينفعهم اليقين « بل هم في شك منها » في الدنيا عن ابن عباس و المعنى أن ما جهلوه في الدنيا و سقط علمه عنهم علموه في الآخرة و قيل معناه اجتمع علمهم يوم القيامة فلم يشكوا و لم يختلفوا عن السدي و قال مقاتل يقول بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا و عموا عنه في الدنيا و قيل أن هذا على وجه الاستفهام فحذف الألف و المراد به النفي بمعنى أنه لم يدرك علمهم بالآخرة و لم يبلغها علمهم و قيل معناه أدرك هذا العلم جميع العقلاء لو تفكروا و نظروا لأن العقل يقتضي أن الإهمال قبيح فلا بد من تكليف و التكليف يقتضي الجزاء و إذا لم يكن ذلك في الدنيا فلا بد من دار للجزاء و قيل إن الآية إخبار عن ثلاث طوائف طائفة أقرت بالبعث و طائفة شكت فيه و طائفة نفته كما قال بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج و قوله « بل هم منها عمون » أي عن معرفتها و هو جمع عمي و هو الأعمى القلب لتركه التدبر و النظر « و قال الذين كفروا » بإنكارهم البعث « أ إذا كنا ترابا و آباؤنا أ إنا لمخرجون » من القبور مبعوثون يقولون ذلك على طريق الاستبعاد و الاستنكار « لقد وعدنا هذا » البعث « نحن » فيما مضى « و آباؤنا من قبل » أي و وعد آباؤنا ذلك من قبلنا فلم يكن مما قالوه شيء « إن هذا إلا أساطير الأولين » أي أحاديثهم و أكاذيبهم التي كتبوها « قل » يا محمد « سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين » الذين كفروا بالله و عصوه أي كيف أهلكهم الله و خرب ديارهم « و لا تحزن عليهم » أي على تكذيبهم و تركهم الإيمان « و لا تكن في ضيق » و هو ما يضيق به الصدر « مما يمكرون » أي يدبرون في أمرك فإن الله تعالى يحفظك و ينصرك عليهم « و يقولون متى هذا الوعد » الذي تعدنا يا محمد من العذاب « إن كنتم صادقين » بأنه يكون « قل » يا محمد « عسى أن يكون ردف لكم » أي قرب لكم عن ابن عباس و قيل أقرب لكم عن السدي و قيل أردف لكم عن قتادة « بعض الذي تستعجلون » من العذاب و عسى من الله واجب فمعناه أنه قرب منكم و سيأتيكم و هذا البعض
مجمع البيان ج : 7 ص : 363
الذي دنا لهم القتل و الأسر يوم بدر و سائر العذاب لهم فيما بعد الموت و قيل هو الإنذار عند الموت و شدته و عذاب القبر عن الجبائي « و إن ربك لذو فضل على الناس » بضروب النعم الدينية و الدنيوية و قيل بإمهالهم ليتوبوا و الفضل هو الزيادة من الله تعالى للعبد على ما يستحقه بشكره و العدل حق للعبد و الفضل فيه واقع من الله تعالى إلا أنه على ما يصح و تقتضيه الحكمة « و لكن أكثرهم لا يشكرون » نعمه « و إن ربك ليعلم ما تكن صدورهم » أي تخفيه و تستره « و ما يعلنون » أي و يعلم ما يظهرونه أيضا « و ما من غائبة » أي من خصلة غائبة « في السماء و الأرض » يعني جميع ما أخفاه عن خلقه و غيبه عنهم « إلا في كتاب مبين » أي إلا و هو مبين في اللوح المحفوظ و قيل أراد أن جميع أفعالهم محفوظة عنده غير منسية كما يقول القائل أفعالك عندي مكتوبة أي محفوظة عن أبي مسلم و الجبائي .

مجمع البيان ج : 7 ص : 364
إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَقُص عَلى بَنى إِسرءِيلَ أَكثرَ الَّذِى هُمْ فِيهِ يخْتَلِفُونَ(76) وَ إِنَّهُ لهَُدًى وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ(77) إِنَّ رَبَّك يَقْضى بَيْنهُم بحُكْمِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ(78) فَتَوَكلْ عَلى اللَّهِ إِنَّك عَلى الْحَقِّ الْمُبِينِ(79) إِنَّك لا تُسمِعُ الْمَوْتى وَ لا تُسمِعُ الصمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ(80) وَ مَا أَنت بهَدِى الْعُمْىِ عَن ضلَلَتِهِمْ إِن تُسمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِئَايَتِنَا فَهُم مُّسلِمُونَ(81) * وَ إِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيهِمْ أَخْرَجْنَا لهَُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاس كانُوا بِئَايَتِنَا لا يُوقِنُونَ(82) وَ يَوْمَ نحْشرُ مِن كلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّب بِئَايَتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ(83) حَتى إِذَا جَاءُو قَالَ أَ كذَّبْتُم بِئَايَتى وَ لَمْ تحِيطوا بهَا عِلْماً أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(84) وَ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ(85)

القراءة

قرأ و لا يسمع بالياء الصم بالرفع هاهنا و في الروم ابن كثير و ابن عباس و الباقون « لا تسمع » بضم التاء الصم « بالنصب » و قرأ و ما أنت تهدي العمي حمزة هاهنا و في الروم و قرأ الباقون « و ما أنت بهادي العمي » و في الشواذ قراءة ابن عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و الجحدري و ابن ذرعة تكلمهم بفتح التاء و التخفيف و قرأ أهل العراق غير أبي عمرو و سهل « أن الناس » بفتح الهمزة و الباقون بكسرها .

الحجة

حجة من قال « تسمع » إنه أشبه بما قبل من قوله « إنك لا تسمع الموتى » و يؤكد ذلك قوله و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و من قرأ و لا يسمع الصم الدعاء فالمعنى لا ينقادون للحق لعنادهم كما لا يسمع الأصم ما يقال له و من قرأ تهدي العمي فالتقدير إنك لا تهديهم لشدة عنادهم و إعراضهم و أنت مرفوع بما على قول أهل الحجاز و « تهدي » في موضع نصب بأنه خبر و على قول تميم يرتفع بفعل مضمر يفسره الظاهر الذي هو تهدي تقديره إذا أظهرت ذلك المضمر ما تهدي تهدي لأنك إذا أظهرت أفعل المضمر اتصل به الضمير و لم ينفصل كما ينفصل إذا لم تظهر و من قرأ « بهادي العمي » مضافا في السورتين فاسم الفاعل للحال أو للآتي فإذا كان كذلك كانت الإضافة في نية الانفصال و قوله « أن الناس » بالفتح فالوجه فيه تكلمهم بأن الناس و زعموا أنه في قراءة أبي تنبئهم و عن قتادة أنه في بعض الحروف تحدثهم و هذا يدل على أن تكلمهم من الكلام الذي هو النطق و ليس هو من الكلم الذي هو الجراحة .
و من كسر فقال إن الناس فالمعنى تكلمهم فتقول لهم أن الناس و إضمار القول في الكلام كثير و حسن ذلك لأن الكلام قول فكان القول أظهر و من قرأ تكلمهم فمعناه تجرحهم بأكلها إياهم .

المعنى

ثم ذكر سبحانه من الحجج ما يقوي قلب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل » أي يخبرهم بالصدق « أكثر الذي هم فيه يختلفون » من حديث مريم و عيسى و النبي المبشر به في التوراة حيث قال بعضهم هو يوشع و قال بعضهم لا بل هو و منتظر لم يأت بعد و غير ذلك من الأحكام و كان ذلك معجزة لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا كان لا يدرس كتبهم و لا يقرؤها ثم أخبرهم بما فيها « و إنه » يعني القرآن « لهدى » أي دلالة على الحق « و رحمة للمؤمنين » أي نعمة لهم « إن ربك يقضي بينهم بحكمه » يريد بين المختلفين في
مجمع البيان ج : 7 ص : 365
الدين يوم القيامة و أشار بذلك إلى شيئين ( أحدهما ) أن الحكم له فلا ينفذ حكم غيره فيوصل إلى كل ذي حق حقه ( و الآخر ) أنه وعد المظلوم بالانتصاف من الظالم « و هو العزيز » القادر على ما يشاء لا يمتنع عليه شيء « العليم » بالمحق و المبطل فيجازي كلا بحسب عمله و في هذه الآية تسلية للمحقين من الذين خولفوا في أمور الدين و أن أمرهم يؤول إلى أن يحكم بينهم رب العالمين ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « فتوكل على الله » يا محمد « إنك على الحق المبين » أي الواضح البين الظاهر و المحق أولى بالتوكل من المبطل المدغل و المراد بهذا الخطاب سائر المؤمنين و إن كان في الظاهر لسيد المرسلين ثم شبه الكفار بالموتى فقال « إنك لا تسمع الموتى » يقول كما لا تسمع الميت الذي ليس له آلة السمع النداء كذلك لا تسمع الكافر النداء لأنه لا يسمع و لا يقبل الموعظة و لا يتدبر فيها « و لا يسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين » إنما قال ذلك لأن الأصم إذا كان قريبا فالإنسان يطمع في إسماعه فإذا أعرض و أدبر و تباعد انقطع الطمع في إسماعه فجعل سبحانه المصمم على الجهل كالميت في أنه لا يقبل الهدى و كالأصم في أنه لا يسمع الدعاء « و ما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم » في الدين بالآيات الدالة على الهدى إذا أعرضوا عنها كما لا يمكنك أن تهدي الأعمى إلى قصد الطريق جعل سبحانه الجهل بمنزلة العمى لأنه يمنع عن إدراك الحق كما يمنع العمى من إدراك المبصرات « أن تسمع إلا من يؤمن ب آياتنا » أي ما يسمع إلا من يطلب الحق بالنظر في آياتنا « فهم مسلمون » أي مستسلمون منقادون جعل سبحانه استماعهم و قبولهم الحق سماعا و تركهم للقبول تركا للسماع و قيل مسلمون أي موحدون مخلصون « و إذا وقع القول عليهم » أي وجب العذاب و الوعيد عليهم و قيل معناه إذا صاروا بحيث لا يفلح أحد منهم و لا أحد بسببهم عن مجاهد و قيل معناه إذا غضب الله عليهم من قتادة و قيل معناه إذا أنزل العذاب بهم عند اقتراب الساعة فسمي المقول قولا كما يقال جاء الخبر الذي قلت و يراد به المخبر قال أبو سعيد الخدري و ابن عمر إذا لم يأمروا بالمعروف و لم ينهوا عن المنكر وجب السخط عليهم و أخذوا بمبادىء العقاب منها قوله « أخرجنا لهم دابة من الأرض » تخرج بين الصفا و المروة فتخبر المؤمن بأنه مؤمن و الكافر بأنه كافر و عند ذلك يرتفع التكليف و لا تقبل التوبة و هو علم من أعلام الساعة و قيل لا يبقى مؤمن إلا مسحته و لا يبقى منافق إلا خطمته تخرج ليلة جمع و الناس يسيرون إلى منى عن ابن عمر و روى محمد بن كعب القرظي قال سئل علي صلوات الرحمن عليه من الدابة فقال أما و الله ما لها ذنب و إن لها للحية و في هذا إشارة إلى أنها من الإنس و روي عن ابن عباس أنها دابة من دواب الأرض لها زغب و ريش و لها ربع قوائم و عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال دابة الأرض طولها ستون ذراعا
مجمع البيان ج : 7 ص : 366
لا يدركها طالب و لا يفوتها هارب فتسم المؤمن بين عينيه و تكتب بين عينيه مؤمن و تسم الكافر بين عينيه و تكتب بين عينيه كافر و معها عصا موسى و خاتم سليمان فتجلو وجه المؤمن بالعصا و تختم أنف الكافر بالخاتم حتى يقال يا مؤمن و يا كافر و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر فتخرج خروجا بأقصى المدينة فيفشو ذكرها في البادية و لا يدخل ذكرها القرية يعني مكة ثم تمكث زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى قريبا من مكة فيفشو ذكرها في البادية و يدخل ذكرها القرية يعني مكة ثم سار الناس يوما في أعظم المساجد على الله عز و جل حرمة و أكرمها على الله يعني المسجد الحرام لم ترعهم إلا و هي في ناحية المسجد تدنو و تدنو كذا ما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من ذلك فيرفض الناس عنها و يثبت لها عصابة عرفوا أنهم لن يعجزوا الله فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت عن وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب و لا يعجزها هارب حتى أن الرجل ليقوم فيتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول يا فلان الآن تصلي فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه فيتجاور الناس في ديارهم و يصطحبون في أسفارهم و يشتركون في الأموال يعرف الكافر من المؤمن فيقال للمؤمن يا مؤمن و للكافر يا كافر و روي عن وهب أنه قال و وجهها وجه رجل و سائر خلقها خلق الطير و مثل هذا لا يعرف إلا من النبوات الإلهية و قد روي عن علي (عليه السلام) أنه قال إنه صاحب العصا و الميسم و روى علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رجل لعمار بن ياسر يا أبا اليقظان آية في كتاب الله أفسدت قلبي قال عمار و أية آية هي فقال هذه الآية ف آية دابة الأرض هذه قال عمار و الله ما أجلس و لا آكل و لا أشرب حتى أريكها فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو يأكل تمرا و زبدا فقال يا أبا اليقظان هلم فجلس عمار يأكل معه فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل سبحانه الله حلفت أنك لا تأكل و لا تشرب حتى ترينيها قال عمار أريتكها إن كنت تعقل و روى العياشي هذه القصة بعينها عن أبي ذر رحمه الله أيضا و قوله « تكلمهم » أي تكلمهم بما يسؤهم و هو أنهم يصيرون إلى النار بلسان يفهمونه و قيل تحدثهم بأن هذا مؤمن و هذا كافر و قيل تكلمهم بأن تقول لهم « إن الناس كانوا ب آياتنا لا يوقنون » و هو الظاهر و قيل ب آياتنا معناه بكلامها و خروجها « و يوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب ب آياتنا فهم يوزعون » أي يدفعون عن ابن عباس و قيل يحبس أولهم على آخرهم و استدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية بأن قال إن دخول من في الكلام يوجب التبعيض فدل ذلك على أن اليوم المشار إليه في الآية يحشر فيه قوم دون قوم و ليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه
مجمع البيان ج : 7 ص : 367
و حشرناهم فلم نغادر منهم أحدا و قد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أن الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي قوما ممن تقدم موتهم من أوليائه و شيعته ليفوزوا بثواب نصرته و معونته و يبتهجوا بظهور دولته و يعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم و ينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب في القتل على أيدي شيعته و الذل و الخزي بما يشاهدون من علو كلمته و لا يشك عاقل أن هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه و قد فعل الله ذلك في الأمم الخالية و نطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير و غيره على ما فسرناه في موضعه و صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قوله سيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه على أن جماعة من الإمامية تأولوا ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة و الأمر و النهي دون رجوع الأشخاص و إحياء الأموات و أولوا الأخبار الواردة في ذلك لما ظنوا أن الرجعة تنافي التكليف و ليس كذلك لأنه ليس فيها ما يلجىء إلى فعل الواجب و الامتناع من القبيح و التكليف يصح معها كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة و الآيات القاهرة كفلق البحر و قلب العصا ثعبانا و ما أشبه ذلك و لأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق التأويل عليها و إنما المعول في ذلك على إجماع الشيعة الإمامية و إن كانت الأخبار تعضده و تؤيده و من قال إن قوله « و يوم يحشر من كل أمة فوجا » المراد به يوم القيامة قال المراد بالفوج الجماعة من الرؤساء و المتبوعين في الكفر حشروا و جمعوا لإقامة الحجة عليهم « حتى إذا جاءوا » إلى موقف الحساب « قال » الله تعالى لهم « أ كذبتم ب آياتي » أي كذبتم بأنبيائي و دلالاتي الدالة على ديني « و لم تحيطوا بها علما » أي لم تطلبوا معرفتها و لم تبينوا ما أوجب الله عليكم فيها « أما ذا كنتم تعملون » حين لم تبحثوا عنها و لم تتفكروا في صحتها يقول ذلك تبكيتا لهم و تجهيلا أي هذا كان الواجب عليكم فتركتموها و لم تعرفوها حق معرفتها فبما ذا اشتغلتم و من قال بالأول قال المراد بالآيات الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) « و وقع القول عليهم » أي وجب العذاب عليهم « بما ظلموا » أي بظلمهم إذ صاروا بحيث لا يفلح جحد منهم بسببهم « فهم لا ينطقون » إذ ذاك بكلام ينتفعون به و يجوز أن يكون المراد أنهم لا ينطقون أصلا لعظم ما يشاهدونه و هول ما يرونه .

مجمع البيان ج : 7 ص : 368
أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا الَّيْلَ لِيَسكُنُوا فِيهِ وَ النَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ(86) وَ يَوْمَ يُنفَخُ فى الصورِ فَفَزِعَ مَن فى السمَوَتِ وَ مَن فى الأَرْضِ إِلا مَن شاءَ اللَّهُ وَ كلُّ أَتَوْهُ دَخِرِينَ(87) وَ تَرَى الجِْبَالَ تحْسبهَا جَامِدَةً وَ هِىَ تَمُرُّ مَرَّ السحَابِ صنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كلَّ شىْء إِنَّهُ خَبِيرُ بِمَا تَفْعَلُونَ(88) مَن جَاءَ بِالْحَسنَةِ فَلَهُ خَيرٌ مِّنهَا وَ هُم مِّن فَزَع يَوْمَئذ ءَامِنُونَ(89) وَ مَن جَاءَ بِالسيِّئَةِ فَكُبَّت وُجُوهُهُمْ فى النَّارِ هَلْ تجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(90) إِنَّمَا أُمِرْت أَنْ أَعْبُدَ رَب هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِى حَرَّمَهَا وَ لَهُ كلُّ شىْء وَ أُمِرْت أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسلِمِينَ(91) وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْءَانَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَ مَن ضلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ(92) وَ قُلِ الحَْمْدُ للَّهِ سيرِيكمْ ءَايَتِهِ فَتَعْرِفُونهَا وَ مَا رَبُّك بِغَفِل عَمَّا تَعْمَلُونَ(93)

القراءة

قرأ حمزة و حفص و خلف « أتوه » مقصورة الألف غير ممدودة بفتح التاء و قرأ الباقون آتوه بمد الألف و ضم التاء و قرأ أهل البصرة غير سهل و ابن كثير و حماد و الأعشى و البرجمي عن أبي بكر بما يفعلون بالياء و الباقون بالتاء و قرأ أهل الكوفة « من فزع » منونا « يومئذ » بفتح الميم و قرأ أهل المدينة غير إسماعيل من فزع بغير تنوين « يومئذ » بفتح الميم و قرأ ابن كثير و ابن عامر و أبو عمرو و نافع برواية إسماعيل و يعقوب من فزع بغير تنوين يومئذ بكسر الميم و قرأ أهل المدينة و ابن عامر و حفص و يعقوب « عما تعملون » بالتاء و الباقون بالياء .

الحجة

قال أبو علي من قرأ « أتوه » كان فعلوا من الإتيان و من قرأ آتوه فهو فاعلوه
مجمع البيان ج : 7 ص : 369
و كلاهما محمول على معنى كل و لو حمله على اللفظ جاز كما في قوله و كلهم آتيه و إن كل من في السموات و الأرض إلا آتي الرحمن عبدا و حجة من قال يفعلون بالياء أن ذكر الغيبة قد تقدم في قوله « و كل أتوه » و حجة التاء أنه خطاب للكافة و قد تدخل الغيبة في الخطاب و لا يدخل الخطاب في الغيبة و قوله « من فزع يومئذ » من نون كان في انتصاب يوم ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن يكون منتصبا بالمصدر كأنه قال و هم من أن يفزعوا يومئذ آمنون ( و الآخر ) أن يكون اليوم صفة لفزع لأن أسماء الأحداث توصف بأسماء الزمان كما يخبر عنها بها و فيه ذكر الموصوف و تقديره في هذا الوجه أن يتعلق بمحذوف كأنه من فزع بحدث يومئذ ( و الثالث ) أن يتعلق باسم الفاعل كأنه آمنون من فزع يومئذ و يجوز إذا نون الفزع أن يعني به فزعا واحدا و يجوز أن يعني به كثرة لأنه مصدر و المصادر تدل على الكثرة و إن كانت مفردة الألفاظ كقوله تعالى « إن أنكر الأصوات لصوت الحمير » و كذلك إذا أضاف فقال « من فزع يومئذ » أو يومئذ و يجوز أن يعني به مفردا و يجوز أن يعني به كثرة فأما القول في إعراب يوم و بنائه إذا أضيف إلى إذ فقد ذكر فيما تقدم و حجة من قرأ يعملون بالياء أنه وعيد للمشركين و حجة التاء أنه على معنى .
قل لهم ذلك .

الإعراب

وصف النهار بأنه مبصر فيه وجهان ( أحدهما ) أن معناه ذو إبصار كقوله عيشة راضية أي ذات رضى و كقول النابغة
كليني لهم يا أميمة ناصب أي ذي نصب ( و الثاني ) أنه يريك الأشياء كما يراها من يبصرها بالنور الذي تجلى عندها و فيه قول ثالث إنه مثل قول جرير
لقد لمتنا يا أم غيلان في السري
و نمت و ما ليل المطي بنائم أي بالذي ينام فيه فيكون مبصرا بمعنى ما يبصر فيه .

المعنى

ثم بين سبحانه قدرته على الإعادة و البعث بما احتج به على الكفار فقال « أ لم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه » عن التعب و الحركات « و النهار مبصرا » أي يبصر فيه و يمكن التصرف فيه لضيائه و يدرك بنوره جميع الأشخاص كما يدرك بنور البصر « إن في ذلك لآيات » أي دلالات « لقوم يؤمنون » لأن جعل الشيء لما يصلح له من الانتفاع إنما
مجمع البيان ج : 7 ص : 370
يكون بالاختيار و لا يكون بالطباع « و يوم ينفخ في الصور » منصوب بتقدير و اذكر يوم ينفخ إسرافيل بأمر الله تعالى في الصور و ذلك اليوم الذي يقع عليهم القول بما ظلموا و يجوز أن يكون على حذف في الكلام و التقدير و يوم ينفخ في الصور و تكون النشأة الثانية و اختلف في معنى الصور فقيل هو صور الخلق جمع صورة عن الحسن و قتادة و يكون معناه يوم ينفخ الروح في الصور فيبعثون و قيل هو قرن ينفخ فيه شبه البوق عن مجاهد و قد ورد ذلك في الحديث « ففزع من في السموات و من في الأرض » أي ماتوا لشدة الخوف و الفزع يدل عليه قوله في موضع آخر فصعق من في السموات الآية و قيل هي ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع و الثانية نفخة الصعق و الثالثة نفخة القيام لرب العالمين « إلا من شاء الله » من الملائكة الذين يثبت الله قلوبهم و هم جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل و قيل يعني الشهداء فإنهم لا يفزعون في ذلك اليوم و روي ذلك في خبر مرفوع « و كل » من الأحياء الذين ماتوا ثم أحيوا « أتوه » أي يأتونه في المحشر « داخرين » أي أذلاء صاغرين عن ابن عباس و قتادة « و ترى الجبال تحسبها جامدة » أي واقفة مكانها لا تسير و لا تتحرك في مرأى العين « و هي تمر مر السحاب » أي تسير سيرا حثيثا مثل سير السحاب عن ابن عباس و في مثل هذا المعنى قول النابغة الجعدي يصف جيشا
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم
وقوف لحاج و الركاب تهملج أي تحسب أنهم وقوف من أجل كثرتهم و التفافهم فكذلك المعنى في الجبال إنك لا ترى سيرها لبعد أطرافها كما لا ترى سير السحاب إذا انبسط لبعد أطرافه و ذلك إذا أزيلت الجبال عن أماكنها للتلاشي كما في قوله و تكون الجبال كالعهن المنفوش « صنع الله » أي صنع الله ذلك صنعا و انتصب بما دل عليه ما تقدمه من قوله « و هي تمر مر السحاب » و ذكر اسم الله لأنه لم يأت ذكره فيما قبل و إنما دل عليه « الذي أتقن كل شيء » أي خلق كل شيء على وجه الإتقان و الإحكام و الاتساق قال قتادة أي أحسن كل شيء خلقه و قيل الإتقان حسن في إيثاق « أنه خبير بما تفعلون » أي عليم بما يفعل أعداؤه من المعصية و بما يفعل أولياؤه من الطاعة ثم بين سبحانه كيفية الجزاء على أفعال الفريقين فقال « من جاء بالحسنة » أي بكلمة التوحيد و الإخلاص عن قتادة و قيل بالإيمان عن النخعي و كان يحلف و لا يستثني أن الحسنة لا إله إلا الله و المعنى من وافى يوم القيامة بالإيمان « فله خير منها » قال ابن عباس أي فمنها
مجمع البيان ج : 7 ص : 371
يصل الخير إليه و المعنى قوله فله من تلك الحسنة خير يوم القيامة و هو الثواب و الأمان من العقاب فخير هاهنا اسم و ليس بالذي هو بمعنى الأفضل و هو المروي عن الحسن و عكرمة و ابن جريج قال عكرمة فأما أن تكون خيرا من الإيمان فلا فليس شيء خيرا من لا إله إلا الله و قيل معناه فله أفضل منها في معظم النفع لأنه يعطي بالحسنة عشرا عن زيد بن أسلم و محمد بن كعب و ابن زيد و قيل لأن الثواب فعل الله تعالى و الطاعة فعل العبد و قيل هو رضوان الله و رضوان من الله أكبر « و هم من فزع يومئذ آمنون » قال الكلبي إذا أطبقت النار على أهلها فزعوا فزعة لم يفزعوا مثلها و أهل الجنة آمنون من ذلك الفزع « و من جاء بالسيئة » أي بالمعصية الكثيرة التي هي الكفر و الشرك عن ابن عباس و أكثر المفسرين « فكبت وجوههم في النار » أي ألقوا في النار منكوسين « هل تجزون إلا ما كنتم تعملون » يعني أن هذا الجزاء فعلكم و ليس بظلم حدثنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني قال حدثنا الحاكم أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد قال أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى بن أحمد قال حدثني محمد بن عبد الرحمن بن الفضل قال حدثني جعفر بن الحسين قال حدثني محمد بن زيد بن علي ( ع ) عن أبيه قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول دخل أبو عبد الله الجدلي على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له يا أبا عبد الله أ لا أخبرك بقول الله تعالى « من جاء بالحسنة » إلى قوله « تعلمون » قال بلى جعلت فداك قال الحسنة حبنا أهل البيت و السيئة بغضنا و حدثنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم أبو القاسم قال أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الحميري قال حدثنا جدي أحمد بن إسحاق الحميري قال حدثنا جعفر بن سهل قال حدثنا أبو زرعة عثمان بن عبد الله القرشي قال حدثنا ابن لهيعة عن ابن الزبير عن جابر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا علي لو أن أمتي صاموا حتى صاروا كالأوتاد و صلوا حتى صاروا كالحنايا ثم أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قل لهم « إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة » يعني مكة عن ابن عباس و قال أبو العالية هي مني « الذي حرمها » أي جعلها حرما آمنا يحرم فيها ما يحل في غيرها لا ينفر صيدها و لا يختلى خلاها و لا يقتص فيها « و له كل شيء » أي و هو مالك كل شيء مما أحله و حرمه فيحرم ما شاء و يحل ما شاء « و أمرت أن أكون من المسلمين » أي من المخلصين لله بالتوحيد « و أن أتلو القرآن » عليكم يا أهل مكة و أدعوكم إلى ما فيه « فمن اهتدى » إلى الحق و العمل بما فيه « فإنما يهتدي لنفسه » لأن ثواب ذلك و جزاءه يصل إليه دون غيره « و من ضل » عنه و حاد و لم يعمل بما فيه و لم يهتد إلى الحق « فقل » له يا محمد « إنما أنا من المنذرين » الذين يخوفون بعقاب الله من
مجمع البيان ج : 7 ص : 372
معاصيه و يدعون إلى طاعته و لا أقدر على إكراههم على الإيمان و الدين « و قل الحمد لله » اعترافا بنعمته إذا اختاروني لرسالته « سيريكم آياته » يوم القيامة « فتعرفونها » و تعرفون أنها على ما أخبرتم بها في الدنيا عن الحسن و قيل معنى آياته هي العذاب في الدنيا و القتل ببدر فتعرفونها أي تشاهدونها و رأوا ذلك ثم عجلهم الله إلى النار عن مقاتل « و ما ربك بغافل عما تعملون » بل هو عالم بجميع ذلك فيجازيكم عليها و إنما يؤخر عقابكم إلى وقت تقتضيه الحكمة .

النظم

وجه اتصال قوله « إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة » بما قبله أنه سبحانه لما بين أن الأمن من أهوال القيامة للمؤمن المحسن فكان قائلا قال و ما الحسنة و كيف العبادة فقال إنما أمرت .

مجمع البيان ج : 7 ص : 373
( 28 ) سورة القصص مكية و آياتها ثمان و ثمانون ( 88 )

عدد آيها

و هي ثمان و ثمانون آية

اختلافها

آيتان طسم كوفي « يسقون » غير الكوفي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ طسم القصص أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بموسى و كذب به و لم يبق ملك في السموات و الأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه كان صادقا إن كل شيء هالك إلا وجهه .

تفسيرها

لما أمر سبحانه في خاتمة تلك السورة بتلاوة القرآن بين في هذه السورة أن القرآن من طسم و أنه يتلو عليهم من نبأ موسى و فرعون فقال
مجمع البيان ج : 7 ص : 374
سورة القصص
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ طسم(1) تِلْك ءَايَت الْكِتَبِ الْمُبِينِ(2) نَتْلُوا عَلَيْك مِن نَّبَإِ مُوسى وَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْم يُؤْمِنُونَ(3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فى الأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَستَضعِف طائفَةً مِّنهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَ يَستَحْىِ نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(4) وَ نُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلى الَّذِينَ استُضعِفُوا فى الأَرْضِ وَ نجْعَلَهُمْ أَئمَّةً وَ نجْعَلَهُمُ الْوَرِثِينَ(5) وَ نُمَكِّنَ لهَُمْ فى الأَرْضِ وَ نُرِى فِرْعَوْنَ وَ هَمَنَ وَ جُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كانُوا يحْذَرُونَ(6)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم و يرى فرعون بالياء و ما بعده بالرفع و قرأ الباقون « و نري » بالنون و ضمه و كسر الراء و نصب الياء و ما بعده بالنصب .

الحجة

قال أبو علي حجة من قرأ بالنون أن ما قبله للمتكلم فينبغي أن يكون ما بعده أيضا كذلك ليكون الكلام من وجه واحد و حجة من قرأ بالياء أن فرعون و جنوده أروه ذلك و المعلوم أنهم يرونه إذا رأوه و هو قراءة الأعمش .

اللغة

النبأ الخبر عما هو عظيم الشأن و الشيع الفرق و كل فرقة شيعة و سموا بذلك لأن بعضهم يتابع بعضا و العرب تقول شاعكم السلام أي تبعكم و شيعه اتبعه و التمكين تكميل ما يتم به الفعل .

الإعراب

قوله « بالحق » في موضع نصب على الحال و يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف تقديره تلاوة كائنة بالحق و يجوز أن يكون الحق صفة محذوف تقديره بالأمر الحق و الجار و المجرور يتعلق بنتلو و « يستضعف » في موضع نصب على الحال و « يذبح » حال بعد حال و يجوز أن يكون حالا عن الحال .

المعنى

« طسم تلك آيات الكتاب المبين » أي المبين الرشد من الغي عن قتادة و قيل هو البين الظاهر و الآية مفسرة فيما مضى « نتلو عليك » يا محمد « من نبأ موسى و فرعون » أي طرفا من أخبارهما « بالحق » أي بالصدق و الحقيقة لا ريب فيه « لقوم يؤمنون » أي يصدقون بالله و بما أنزله إليك « أن فرعون علا في الأرض » أي بغى و تجبر و تعظم و استكبر في أرض مصر يقال علا علو إذا تجبر و منه قوله لا يريدون علوا في الأرض « و جعل أهلها شيعا » أي فرقا قال قتادة فرق بين بني إسرائيل و القبط و المعنى يكرم قوما و يذل آخرين بالاستعباد و الاستعمال في الأعمال الشاقة و قيل معناه جعل بني إسرائيل أصنافا في الخدمة و التسخير « يستضعف طائفة منهم » يعني من بني إسرائيل ثم فسر ذلك فقال
مجمع البيان ج : 7 ص : 375
« يذبح أبناءهم و يستحيي نساءهم » يقتل الأبناء و يستبقي البنات فلا يقتلن و ذلك أن بعض الكهنة قال له إن مولودا يولد في بني إسرائيل يكون سبب ذهاب ملكك و قال السدي رأى فرعون في منامه أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط و تركت بني إسرائيل فسأل علماء قومه فقالوا له يخرج من هذا البلد رجل يكون هلاك مصر على يده « إنه كان من المفسدين » بالقتل و العمل بالمعاصي « و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض » المعنى أن فرعون كان يريد إهلاك بني إسرائيل و إفناءهم و نحن نريد أن نمن عليهم « و نجعلهم أئمة » أي قادة و رؤساء في الخير يقتدى بهم عن ابن عباس و قيل نجعلهم ولاة و ملوكا عن قتادة و هذا القول مثل الأول لأن الذين جعلهم الله ملوكا فهم أئمة و لا يضاف إلى الله سبحانه ملك من يملك الناس عدوانا و ظلما و قد قال سبحانه « فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكمة و آتيناهم ملكا عظيما » و الملك من الله تعالى هو الذي يجب أن يطاع فالأئمة على هذا ملوك مقدمون في الدين و الدنيا يطأ الناس أعقابهم « و نجعلهم الوارثين » لديار فرعون و قومه و أموالهم و قد صحت الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها و تلا عقيب ذلك « و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض » الآية و روى العياشي بالإسناد عن أبي الصباح الكناني قال نظر أبو جعفر (عليه السلام) إلى عبد الله (عليه السلام) فقال هذا و الله من الذين قال الله تعالى « و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض » الآية و قال سيد العابدين علي بن الحسين (عليهماالسلام) و الذي بعث محمدا بالحق بشيرا و نذيرا إن الأبرار منا أهل البيت و شيعتهم بمنزلة موسى و شيعته و إن عدونا و أشياعهم بمنزلة فرعون و أشياعه « و نمكن لهم في الأرض » أي و نريد أن نمكن لبني إسرائيل في أرض مصر و التمكين هو فعل جميع ما لا يصح الفعل إلا معه مع القدرة و الآلة و اللطف و غير ذلك و قال علي بن عيسى اللطف لا يدخل في التمكين لأنه لو دخل فيه لكان من لا لطف له لم يكن ممكنا و لكنه من باب إزاحة العلة « و نري فرعون و هامان و جنودهما منهم » أي من بني إسرائيل « ما كانوا يحذرون » من ذهاب الملك على يد رجل منهم قال الضحاك عاش فرعون أربعمائة سنة و كان قصيرا دميما و هو أول من خضب بالسواد و عاش موسى (عليه السلام) مائة و عشرين سنة .

مجمع البيان ج : 7 ص : 376

وَ أَوْحَيْنَا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فى الْيَمِّ وَ لا تخَافى وَ لا تحْزَنى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسلِينَ(7) فَالْتَقَطهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هَمَنَ وَ جُنُودَهُمَا كانُوا خَطِئِينَ(8) وَ قَالَتِ امْرَأَت فِرْعَوْنَ قُرَّت عَين لى وَ لَك لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشعُرُونَ(9) وَ أَصبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسى فَرِغاً إِن كادَت لَتُبْدِى بِهِ لَوْ لا أَن رَّبَطنَا عَلى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(10)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم و حزنا بضم الحاء و سكون الزاي و الباقون « حزنا » بفتحها و في الشواذ قراءة الحسن و فضالة بن عبد الله فؤاد أم موسى فزعا و قراءة ابن عباس قراعا بالقاف و الراء و حكى قطرب عن بعضهم فرغا .

الحجة

الحزن و الحزن لغتان مثل البخل و البخل و العرب و العرب و العجم و العجم و أما قوله فزعا بالفاء و الزاي فمعناه قلقا يكاد يخرج من غلافه و أما قرعا فمعناه يرجع إلى معنى فارغ لأن رأس الأقرع يكون خاليا من الشعر و أما فرغا فمعناه هدرا و باطلا قال
فإن تك أذواد أصبن و نسوة
فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال و قوله « فارغا » معناه خاليا من الحزن لعلمها أنه لا يغرق .

الإعراب

مفعول خفت محذوف تقديره خفت عليه أحدا « قرة عين لي و لك » خبر مبتدإ محذوف أي هو قرة عين قال الزجاج و يجوز على بعد أن يكون « قرة عين » مبتدأ و يكون
مجمع البيان ج : 7 ص : 377
خبره « لا تقتلوه » « و هم لا يشعرون » في موضع نصب على الحال و العامل فيه ما يدل على هذه القصة و تقديره قالوا ما قالوه غير شاعرين .

المعنى

ثم بين سبحانه كيف دبر في إهلاك فرعون و قومه منبها بذلك على كمال قدرته و حكمته فقال « و أوحينا إلى أم موسى » أي ألهمناها و قذفنا في قلبها و ليس بوحي نبوة عن قتادة و غيره و قيل أتاها جبرائيل (عليه السلام) بذلك عن مقاتل و قيل كان هذا الوحي رؤيا منام عبر عنها من يثق به من علماء بني إسرائيل عن الجبائي « أن أرضعيه » ما لم تخافي عليه الطلب « فإذا خفت عليه » في القتل الذي أمر به فرعون في أبناء بني إسرائيل « فألقيه في اليم » أي في البحر و هو النيل « و لا تخافي » عليه الضيعة « و لا تحزني » من فراقه « إنا رادوه إليك » سالما عن قريب « و جاعلوه من المرسلين » و الأنبياء و في هذه الآية أمران و نهيان و خبران و بشارتان و حكي أن بعضهم سمع بدوية تنشد أبياتا فقال لها ما أفصحك فقالت الفصاحة لله تعالى و ذكرت هذه الآية و ما فيها قال وهب بن منبه لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها عن جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله و ذلك شيء ستره الله تعالى لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي يولد فيها موسى بعث فرعون القوابل و تقدم إليهن أن يفتشن النساء تفتيشا لم يفتشنه قبل ذلك رحلت أم موسى بموسى فلم ينت بطنها و لم يتغير لونها و لم يظهر لبنها فكانت القوابل لا يعرضن لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه و لا رقيب عليها و لا قابلة و لم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم فأوحى الله تعالى إليها « أن أرضعيه » الآية قال فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي و لا يتحرك فلما خافت عليه عملت له تابوتا مطبقا و مهدت له فيه ثم ألقته في البحر ليلا كما أمرها الله تعالى قال ابن عباس لما قربت ولادة أم موسى و كانت قابلة من النساء اللاتي و كلهن فرعون بحبالي بني إسرائيل مصافية لأم موسى فلما ضربها الطلق أرسلت إليها فجاءت فعالجتها فلما ولد موسى رأت نورا بين عينيه فارتعش كل مفصل منها و دخل حب موسى في قلبها ثم قالت يا هذه ما جئت إليك إلا و من ورائي قتل مولودك و لكن وجدت لابنك هذا حبا ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك فإني أراه هو عدونا فلما خرجت من عندها القابلة بصرتها العيون فجاؤوا ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب فلفت موسى في خرقة فوضعته في تنور مسجور فدخلوا فإذا التنور مسجور و رأوا أم موسى لم يتغير لها لون و لم يظهر لها لبن فخرجوا من عندها و انطلقت إلى الصبي و قد جعل الله النار عليه بردا
مجمع البيان ج : 7 ص : 378
و سلاما قال ثم لما رأت إلحاح فرعون في الطلب خافت على ابنها فانطلقت إلى نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتا فقال النجار ما تصنعين بهذا التابوت قالت إن لي ابنا أخبئه في التابوت و كرهت الكذب فلما اشترت التابوت و حملته انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى فلم يطق الكلام فرجع و أخذ في النجر فانطلق لسانه فرجع ثانيا فلما انتهى إليهم اعتقل لسانه هكذا ثلاث مرات فعلم أن ذلك أمر إلهي « فالتقطه آل فرعون » أي أصابوه و أخذوه من غير طلب « ليكون لهم عدوا و حزنا » أي ليكون لهم في عاقبة أمره كذلك لا أنهم أخذوه لهذا كما يقال لمن كسب مالا فأداه ذلك إلى الحتف و الهلاك إنما كسب فلان لحتفه و هو لم يطلب المال للحتف « إن فرعون و هامان و جنودهما كانوا خاطئين » أي عاصين ربهم في أفعالهم و كانت القصة في ذلك أن النيل جاء بالتابوت إلى موضع فيه فرعون و امرأته على شط النيل فأمر فرعون فأتي به و فتحت آسية بنت مزاحم بابه فلما نظرت إليه ألقى الله في قلبها محبة موسى و كانت آسية بنت مزاحم امرأة من بني إسرائيل استنكحها فرعون و هي من خيار النساء و من بنات الأنبياء و كانت أما للمؤمنين ترحمهم و تتصدق عليهم و يدخلون عليها فلما نظر فرعون إلى موسى غاظه ذلك و قال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح قالت آسية و هي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة و إنك أمرت أن يذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكن قرة عين لي و لك و ذلك قوله تعالى « و قالت امرأة فرعون قرة عين لي و لك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا » و إنما قالت ذلك لأنه لم يكن له ولد فأطمعته في ولد قال ابن عباس إن أصحاب فرعون لما علموا بموسى جاءوا ليقتلوه فمنعتهم و قالت لفرعون قرة عين لي و لك لا تقتلوه قال فرعون قرة عين لك و أما لي فلا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الذي يحلف به لو أقر فرعون بأن يكون له قرة عين كما أقرت امرأته لهداه الله به كما هداها و لكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه « و هم لا يشعرون » أي لا يشعرون أن هلاكهم على يديه و قيل لا يشعرون أن هذا هو المطلوب الذي يطلبونه « و أصبح فؤاد أم موسى فارغا » أي خاليا من كل شيء إلا من ذكر موسى أي صار فارغا له عن ابن عباس و قتادة و الضحاك و قيل فارغا من الحزن لعلمها أن ابنها ناج سكونا إلى ما وعدها الله تعالى به و قيل فارغا من الوحي الذي أوحي إليها بنسيانها فإنها نسيت ما وعدها الله تعالى به عن الحسن و ابن زيد « إن كادت لتبدي به » معناه أنها كادت تبدي بذكر موسى فتقول يا ابناه من شدة الغم و الوجد عن ابن عباس و قتادة و السدي و قيل معناه كادت تصيح على ابنها شفقة عليه من الغرق عن مقاتل و قيل معناه همت بأن تقول أنها أمه لما رأته عند دعاء فرعون إياها للإرضاع لشدة سرورها به عن جعفر بن حرب و قيل معناه أنها كادت تبدي بالوحي « لو لا أن ربطنا على قلبها » بالصبر و اليقين
 

Back Index Next