جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج9 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مع البيان ج : 9 ص : 28
أي بطل عنهم و ذهب ما كانوا أملوه من أصنامهم « و ظنوا » أي أيقنوا « ما لهم من محيص » أي من مهرب و ملجأ دخل الظن على ما التي للنفي كما تدخل على لام الابتداء و كلاهما له صدر الكلام و المعنى أنهم علموا أن لا مخلص لهم من عذاب الله و قد يعبر بالظن عن اليقين فيما طريقه الخبر دون العيان ثم بين سبحانه طريقتهم في الدنيا فقال « لا يسأم الإنسان من دعاء الخير » قال الكلبي الإنسان هاهنا يراد به الكافر أي لا يمل الكافر من دعائه الخير و لا يزال يسأل ربه الخير الذي هو المال و الغنى و الصحة و الولد « و إن مسه الشر » أي البلاء و الشدة و الفقر « فيؤوس » أي فهو يؤوس شديد اليأس من الخير « قنوط » من الرحمة و قيل يؤوس من إجابة الدعاء قنوط سيء الظن بربه « و لئن أذقناه رحمة منا » أي خيرا و عافية و غنى « من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي » أي هذا بعملي و أنا محقوق به عن مجاهد قال و كل هذا من أخلاق الكافر و قيل معناه هذا لي دائما أبدا « و ما أظن الساعة قائمة » أي كائنة على ما يقوله المسلمون « و لئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى » أي لست على يقين من البعث فإن كان الأمر على ذلك و رددت إلى ربي إن لي عنده الحالة الحسنى و المنزلة الحسنى و هي الجنة سيعطيني في الآخرة مثل ما أعطاني في الدنيا ثم هدد سبحانه من هذه صفته بأن قال « فلننبئن الذين كفروا بما عملوا » أي لنقفنهم يوم القيامة على مساوىء أعمالهم عن ابن عباس « و لنذيقنهم من عذاب غليظ » أي شديد متراكم .
وَ إِذَا أَنْعَمْنَا عَلى الانسنِ أَعْرَض وَ نَئَا بجَانِبِهِ وَ إِذَا مَسهُ الشرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيض(51) قُلْ أَ رَءَيْتُمْ إِن كانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كفَرْتم بِهِ مَنْ أَضلُّ مِمَّنْ هُوَ فى شِقَاقِ بَعِيد(52) سنرِيهِمْ ءَايَتِنَا فى الاَفَاقِ وَ فى أَنفُسِهِمْ حَتى يَتَبَينَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَْقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّك أَنَّهُ عَلى كلِّ شىْء شهِيدٌ(53) أَلا إِنهُمْ فى مِرْيَة مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكلِّ شىْء محِيط(54)

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن جهل الإنسان الذي تقدم وصفه بمواقع نعم الله
مجمع البيان ج : 9 ص : 29
سبحانه فقال « و إذا أنعمنا على الإنسان أعرض » عن الشكر « و نأى بجانبه » أي بعد بجانبه تكبرا و تجبرا عن الاعتراف بنعم الله تعالى و من قرأ ناء فإنه مقلوب من نأى كما في قول الشاعر :
أقول و قد ناءت بها غربة النوى
نوى خيتعور : لا تشط ديارك « و إذا مسه الشر » أي الضر أو الفقر أو المرض « فذو دعاء عريض » أي فهو ذو دعاء كثير عند ذلك عن السدي و إنما قال « فذو دعاء عريض » و لم يقل طويل لأنه أبلغ فإن العرض يدل على الطول و الطول لا يدل على العرض إذ قد يصح طويل و لا عرض له و لا يصح عريض و لا طول له فإن العرض الانبساط في خلاف جهة الطول و الطول الامتداد في أي جهة كان و في الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر القائلين بأنه ليس لله على الكافر نعمة فإن الله سبحانه أخبر بأنه ينعم على الكافر و أنه يعرض عن موجبها من الشكر و المراد بالآية أن الكافر يسأل ربه بالتضرع و الدعاء أن يكشف ما به من الضر و البلاء و يعرض عن الدعاء في الرخاء « قل » يا محمد « أ رأيتم إن كان » القرآن « من عند الله » و قيل إن كان هذا الإنعام من عند الله « ثم كفرتم به » و جحدتموه « من أضل ممن هو في شقاق بعيد » أي في خلاف للحق بعيد عنه و هو أنتم و الشقاق و المشاقة الميل إلى شق العداوة أي فلا أحد أضل منكم « سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم » اختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أن المعنى سنريهم حججنا و دلائلنا على التوحيد في آفاق العالم و أقطار السماء و الأرض من الشمس و القمر و النجوم و النبات و الأشجار و البحار و الجبال و في أنفسهم و ما فيها من لطائف الصنعة و بدائع الحكمة « حتى يتبين لهم » أي يظهر لهم « أنه الحق » أي أن الله هو الحق عن عطاء و ابن زيد ( و ثانيها ) إن معناه سنريهم آياتنا و دلائلنا على صدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و صحة نبوته في الآفاق أي بما يفتح من القرى عليه و على المسلمين في أقطار الأرض و في أنفسهم يعني فتح مكة عن السدي و الحسن و مجاهد و قالوا هو ظهور محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الآفاق و على مكة حتى يعرفوا أن ما أتى به من القرآن حق و من عند الله لأنهم بذلك يعرفون أنه مؤيد من قبل الله تعالى بعد أن كان واحدا لا ناصر له ( و ثالثها ) أن المراد بقوله « في الآفاق » وقائع الله في الأمم « و في أنفسهم » وقعة يوم بدر عن قتادة ( و رابعها ) أن معناه سنريهم آياتنا في
مجمع البيان ج : 9 ص : 30
الآفاق بصدق ما كان يخبرهم به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الحوادث فيها و في أنفسهم يعني ما كان بمكة من انشقاق القمر حتى يعلموا أن خبره حق من قبل الله سبحانه ( و خامسها ) أن المراد سنريهم آثار من مضى من قبلهم ممن كذب الرسل من الأمم و آثار خلق الله في كل البلاد و في أنفسهم من أنهم كانوا نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم كسيت لحما ثم نقلوا إلى التمييز و العقل و ذلك كله دليل على أن الذي فعله واحد ليس كمثله شيء عن الزجاج « أ و لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد » موضع قوله « بربك » رفع و المعنى أ و لم يكف ربك و « أنه على كل شهيد » في موضع رفع أيضا على البدل و إن حملته على اللفظ فهو في موضع جر و المفعول محذوف و تقديره أ و لم يكف شهادة ربك على كل شيء و معنى الكفاية هنا أنه سبحانه بين للناس ما فيه كفاية من الدلالة على توحيده و تصحيح نبوة رسله قال مقاتل معناه أ و لم يكف ربك شاهدا أن القرآن من عند الله و قيل معناه أ و لم يكف ربك لأنه على كل شيء شهيد أي عليم بالأشياء شاهد لجميعها لا يغيب عنه شيء « ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم » ألا كلمة تنبيه و تأكيد أن الكفار في شك من لقاء ثواب ربهم و عقابه أي في شك من مجازاة ربهم و في هذا تسفيه لهم في إضافة العبث إلى الله « ألا إنه بكل شيء محيط » أي أحاط علمه بكل شيء فلا يخفى عليه شيء .

مجمع البيان ج : 9 ص : 31
( 42 ) سورة الشورى مكية و آياتها ثلاث و خمسون ( 53 )
و تسمى سورة حم عسق أيضا و هي مكية عن الحسن إلا قوله « و الذين استجابوا » « و الذين إذا أصابهم » إلى قوله « لا يحب الظالمين » و عن ابن عباس و قتادة إلا أربع آيات منها نزلن بالمدينة « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » قال ابن عباس و لما نزلت هذه الآية قال رجل و الله ما أنزل الله هذه الآية فأنزل الله « أم يقولون افترى على الله كذبا » ثم أن الرجل تاب و ندم فنزل « و هو الذي يقبل التوبة عن عباده » إلى قوله « لهم عذاب شديد » .

عدد آيها

ثلاث و خمسون آية كوفي و خمسون في الباقي .

اختلافها

ثلاث آيات « حم عسق » « كالأعلام » ثلثهن كوفي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأ سورة حم عسق كان ممن يصلي عليه الملائكة و يستغفرون له و يسترحمون و روى سيف بن عميرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ حم عسق بعثه الله يوم القيامة و وجهه كالقمر ليلة البدر حتى يقف بين يدي الله عز و جل فيقول عبدي أدمنت قراءة حم عسق و لم تدر ما ثوابها أما لو دريت ما هي و ما ثوابها لما مللت من قراءتها و لكن سأجزيك جزاءك أدخلوه الجنة و له فيها قصر من ياقوتة حمراء أبوابها و شرفها و درجها منها يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها و له فيها حوراوان من الحور العين و ألف جارية و ألف غلام من الولدان المخلدين الذين وصفهم الله .


تفسيرها


ختم الله سورة حم السجدة بذكر القرآن و افتتح هذه السورة بذكره أيضا فقال :
مجمع البيان ج : 9 ص : 32

سورة الشورى
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم(1) عسق(2) كَذَلِك يُوحِى إِلَيْك وَ إِلى الَّذِينَ مِن قَبْلِك اللَّهُ الْعَزِيزُ الحَْكِيمُ(3) لَهُ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ وَ هُوَ الْعَلىُّ الْعَظِيمُ(4) تَكادُ السمَوت يَتَفَطرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَ الْمَلَئكَةُ يُسبِّحُونَ بحَمْدِ رَبهِمْ وَ يَستَغْفِرُونَ لِمَن فى الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(5)

القراءة

قرأ ابن كثير كذلك يوحى إليك بفتح الحاء و الباقون « يوحي » بكسر الحاء و في الشواذ رواية الأعمش عن ابن مسعود حم سق بغير عين .

الحجة

قال أبو علي من قرأ يوحى فبنى الفعل للمفعول به احتمل أمرين ( أحدهما ) أن المعنى يوحي إليك السورة كما أوحى إلى الذين من قبلك زعموا أن هذه السورة قد أوحى إلى الأنبياء قبل ( و الآخر ) أن يكون الجار و المجرور يقومان مقام الفاعل و يجوز أن يكون قوله تعالى « الله العزيز الحكيم » تبيينا للفاعل كقوله يسبح له فيها ثم قال رجال كأنه قيل من يسبح فقال رجال و من قرأ « يوحي إليك » على بناء الفعل للفاعل فإن اسم الله يرتفع بفعله و أما اختلاف القراء في « يتفطرن » و ينفطرن و الوجه في ذلك قد مر ذكره في سورة مريم و قال ابن جني قراءة ابن مسعود حم سق مما يؤكدان الغرض في هذه الفواتح إنما هو لكونها فواصل بين السور و لو كان في أسماء الله سبحانه لما جاز تحريف شيء منها بل كانت مؤداة بأعيانها و قد كان ابن عباس قد قرأها بلا عين أيضا و كان يقول السين كل فرقة تكون و القاف كل جماعة تكون .

المعنى


« حم » قد مضى تفسيره « عسق » قيل إنما فضلت هذه السورة من بين سائر الحواميم بعسق لأن جميعها استفتح بذكر الكتاب على التصريح به إلا هذه فذكر عسق ليكون دلالة على الكتاب دلالة التضمين و إن لم يدل عليه دلالة التصريح و هو معنى قول قتادة فإنه قال هو اسم من أسماء القرآن و قيل لأن هذه السورة انفردت بأن معانيها أوحيت إلى سائر الأنبياء فلذلك خصت بهذه التسمية و قال عطا : هي حروف مقطعة من حوادث آتية فالحاء من حرب و الميم من تحويل ملك و العين من عدو مقهور و السين من الاستئصال بسنين كسني يوسف و القاف من قدرة الله في ملوك الأرض و سائر الأقوال في ذلك مذكورة في أول البقرة « كذلك يوحي إليك و إلى الذين من قبلك » أي كالوحي الذي تقدم يوحي إليك أخبار الغيب
مجمع البيان ج : 9 ص : 33
و ما يكون قبل أن يكون و إلى الذين من قبلك من الأنبياء عن عطا عن ابن عباس قال و ما من نبي أنزل الله عليه الكتاب إلا أنزل عليه معاني هذه السورة بلغاتهم و قيل معناه كهذا الوحي الذي يأتي في هذه السورة يوحي إليك لأن ما لم يكن حاضرا تراه صلح فيه هذا لقرب وقته و ذلك لبعده في نفسه و معنى التشبيه في كذلك أن بعضه كبعض في أنه حكمة و صواب بما تضمنه من الحجج و المواعظ و الفوائد « الله » الذي تحق له العبادة « العزيز » القادر الذي لا يغالب « الحكيم » المحكم لأفعاله « له ما في السماوات و ما في الأرض و هو العلي » المستعلي على كل قادر « العظيم » شأنه « تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن » أي تكاد كل واحدة من السماوات تنشق من فوق التي تليها من قول المشركين اتخذ الله ولدا استعظاما لذلك عن ابن عباس و الحسن و قيل معناه تكاد السماوات يتشققن فرقا من عظمة الله و جلاله من فوقهن تقديره ممن فوقهن أي من عظمة من فوقهن عن الضحاك و قتادة و الزجاج و قيل من فوقهن أي من فوق الأرضين و هذا على طريق التمثيل و المعنى لو كانت السماوات تنفطر لشيء لانفطرت لهذا « و الملائكة يسبحون بحمد ربهم » أي ينزهونه عما لا يجوز عليه في صفاته و يعظمونه عما لا يليق به في ذاته و أفعاله و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و الملائكة و من حول العرش يسبحون بحمد ربهم لا يفترون « و يستغفرون لمن في الأرض » من المؤمنين « ألا إن الله هو الغفور الرحيم » و المعنى ظاهر .

مجمع البيان ج : 9 ص : 34
وَ الَّذِينَ اتخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيهِمْ وَ مَا أَنت عَلَيهِم بِوَكِيل(6) وَ كَذَلِك أَوْحَيْنَا إِلَيْك قُرْءَاناً عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَ مَنْ حَوْلهََا وَ تُنذِرَ يَوْمَ الجَْمْع لا رَيْب فِيهِ فَرِيقٌ فى الجَْنَّةِ وَ فَرِيقٌ فى السعِيرِ(7) وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لجََعَلَهُمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَ لَكِن يُدْخِلُ مَن يَشاءُ فى رَحْمَتِهِ وَ الظلِمُونَ مَا لهَُم مِّن وَلىّ وَ لا نَصِير(8) أَمِ اتخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلىُّ وَ هُوَ يحْىِ الْمَوْتى وَ هُوَ عَلى كلِّ شىْء قَدِيرٌ(9) وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شىْء فَحُكْمُهُ إِلى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبى عَلَيْهِ تَوَكلْت وَ إِلَيْهِ أُنِيب(10)

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن إمهاله الكفار بعد تقديم الإنذار فقال « و الذين اتخذوا من دونه أولياء » أي آلهة عبدوها من دون الله يعني كفار مكة « الله حفيظ عليهم » أي حافظ عليهم أعمالهم لا يعزب شيء منها عنه ليجازيهم على ذلك كله « و ما أنت » يا محمد « عليهم بوكيل » أي و ما أنت بمسلط عليهم لتدخلهم في الإيمان قهرا و قيل معناه إنك لم توكل بحفظ أعمالهم و إنما بعثت نذيرا لهم داعيا إلى الله مبينا سبيل الرشد أي فلا يضيقن صدرك بتكذيبهم إياك و فيه تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و كذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا » أي و مثل ما أوحينا إلى من تقدمك من الأنبياء بالكتب التي أنزلناها عليهم بلغة قومهم أوحينا إليك قرآنا بلغة العرب ليفقهوا ما فيه « لتنذر أم القرى و من حولها » أي لتنذر أهل أم القرى و هي مكة و من حولها من سائر الناس و قرى الأرض كلها « و تنذر يوم الجمع » أي و تنذرهم يوم الجمع و هو يوم القيامة يجمع الله فيه الأولين و الآخرين و أهل السماوات و الأرضين فيوم الجمع مفعول ثان لتنذر و ليس بظرف « لا ريب فيه » أي لا شك في كونه ثم قسم سبحانه أهل يوم الجمع فقال « فريق في الجنة و فريق في السعير » أي فريق منهم في الجنة بطاعتهم و فريق منهم في النار بمعصيتهم « و لو شاء الله لجعلهم أمة واحدة » أي و لو شاء الله أن يحملهم على دين واحد و هو الإسلام بأن يلجئهم إليه لفعله و لكنه لم يفعله لأنه يؤدي إلى إبطال التكليف و التكليف إنما يثبت مع الاختيار عن الجبائي و قيل إن معناه و لو شاء الله لسوى بين الناس في المنزلة بأن يخلقهم في الجنة و لكنه اختار لهم أعلى الدرجتين و هو استحقاق الثواب « و لكن يدخل من يشاء في رحمته » و هم المؤمنون « و الظالمون ما لهم من ولي » يواليهم « و لا نصير » يمنع عنهم عذاب الله « أم اتخذوا من دونه أولياء » أي بل اتخذ الكافرون من دون الله أولياء من الأصنام و الأوثان يوالونهم « فالله هو الولي » معناه أن المستحق للولاية في الحقيقة هو الله تعالى دون غيره لأنه المالك للنفع و الضر « و هو يحيي الموتى » أي يبعثهم للجزاء « و هو على كل شيء قدير » من الإحياء و الإماتة و غير ذلك « و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله » معناه أن الذي تختلفون فيه من أمور دينكم و دنياكم و تتنازعون فيه فحكمه إلى الله فإنه الفاصل بين المحق و المبطل فيه فيحكم للمحق بالثواب و المدح و للمبطل بالعقاب و الذم و قيل معناه فبيان الصواب إلى الله بنصب الأدلة و قيل فحكمه إلى الله يوم القيامة فيجازي كل أحد بما يستحقه « ذلكم الله » الذي يحكم بين المختلفين « ربي »
مجمع البيان ج : 9 ص : 35
أي هو ربي « عليه توكلت » في مهماتي « و إليه أنيب » أي إليه أرجع في جميع أموري .

مجمع البيان ج : 9 ص : 36
فَاطِرُ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ جَعَلَ لَكم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَجاً وَ مِنَ الأَنْعَمِ أَزْوَجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْس كَمِثْلِهِ شىْءٌ وَ هُوَ السمِيعُ البَصِيرُ(11) لَهُ مَقَالِيدُ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ يَبْسط الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّهُ بِكلِّ شىْء عَلِيمٌ(12) * شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْك وَ مَا وَصيْنَا بِهِ إِبْرَهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبرَ عَلى الْمُشرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يجْتَبى إِلَيْهِ مَن يَشاءُ وَ يهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيب(13) وَ مَا تَفَرَّقُوا إِلا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنهُمْ وَ لَوْ لا كلِمَةٌ سبَقَت مِن رَّبِّك إِلى أَجَل مُّسمًّى لَّقُضىَ بَيْنهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَب مِن بَعْدِهِمْ لَفِى شك مِّنْهُ مُرِيب(14) فَلِذَلِك فَادْعُ وَ استَقِمْ كمَا أُمِرْت وَ لا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَ قُلْ ءَامَنت بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كتَب وَ أُمِرْت لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَ مْ ُّكُمْ لَنَا أَعْمَلُنَا وَ لَكُمْ أَعْمَلُكمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ يجْمَعُ بَيْنَنَا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ(15)

اللغة

الذرأ إظهار الخلق بإيجاده يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم و منه ملح ذرآني لظهور بياضه و يقال أنمى الله ذراك و ذروك أي ذريتك عن الأزهري و شرع الله الدين أي بين و أظهر و منه المشرعة و الشريعة لأنهما في مكان معلوم ظاهر من الأنهار فالشريعة و الشرعة الظاهر المستقيم من المذاهب التي شرعها الله .


الإعراب


« أن أقيموا الدين » يجوز أن يكون موضعه رفعا و نصبا و جرا فالرفع على معنى هو أن أقيموا الدين و النصب على معنى شرع لكم أن أقيموا الدين و الجر على البدل من الهاء في به و جائز أيضا أن يكون أن أقيموا الدين تفسيرا لما وصى به نوحا و لقوله « و الذي أوحينا إليك » و لقوله « و ما وصينا به إبراهيم » فيكون المعنى شرع لكم و لمن قبلكم إقامة الدين و ترك الفرقة فيه .


المعنى


ثم وصف سبحانه نفسه بما يوجب أن لا يعبد غيره فقال : « فاطر السماوات و الأرض » أي خالقهما و مبدعهما ابتداء « جعل لكم من أنفسكم أزواجا » أي أشكالا مع كل ذكر أنثى يسكن إليها و يألفها « و من الأنعام أزواجا » أي ذكورا و إناثا لتكمل منافعكم بها كما قال ثمانية أزواج من الضأن اثنين إلى آخره « يذرؤكم فيه » أي يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعل الأزواج فالهاء في فيه يعود إلى الجعل المراد بقوله « جعل لكم » و قيل معناه يذرؤكم في التزاوج لتكثروا به لدلالة الكلام عليه و هو ذكر الأزواج و مثله قول ذي الرمة :
و مية أحسن الثقلين جيدا
و سالفة و أحسنه قذالا أي و أحسن من ذكر يعني الثقلين و قال الزجاج و الفراء معناه يذرؤكم به أي يكثركم بأن جعل من أنفسكم أزواجا و من الأنعام أزواجا و أنشد الأزهري في ذلك :
و أرغب فيها عن لقيط و أهله
و لكنني عن سنبس لست أرغب أي أرغب بها عن لقيط « ليس كمثله شيء » أي ليس مثله شيء و الكاف زائدة مؤكدة لمعنى النفي قال أوس بن حجر :
و قتلي كمثل جذوع النخيل
يغشاهم سبل منهمر
مجمع البيان ج : 9 ص : 37
و قال آخر :
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم
ما إن كمثلهم في الناس من أحد و قيل معناه إنه لو قدر الله تعالى مثل لم يكن لذلك المثل مثل لما تقرر في العقول أن الله تعالى متفرد بصفات لا يشاركه فيها غيره فلو كان له مثل لتفرد بصفات لا يشاركه فيها غيره فكان هو الله و قد دل الدليل على أنه ليس مع الله إله آخر و قيل : فيه حذف مضاف و مثل بمعنى الصفة تقديره ليس كصاحب صفته شيء و صاحب صفته هو أي ليس كهو شيء و الوجه هو الأول « و هو السميع البصير » لما نفي أن يكون له نظير و شبيه على وجه من الوجوه بين أنه مع ذلك سميع بصير فإنما المدحة في أنه لا مثل له مع كونه سميعا بصيرا لجميع المسموعات و المبصرات « له مقاليد السماوات و الأرض » أي مفاتيح أرزاق السماوات و الأرض و أسبابها فتمطر السماء بأمره و تنبت الأرض بإذنه عن مجاهد و قيل معناه خزائن السماوات و الأرض عن السدي « يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر » أي يوسع الرزق لمن يشاء و يضيق على من يشاء على ما يعلمه من المصالح للعباد « إنه بكل شيء عليم » فيفعل ذلك بحسب المصالح ثم خاطب سبحانه خلقه فقال « شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا » أي بين لكم و نهج و أوضح من الدين و التوحيد و البراءة من الشرك ما وصى به نوحا « و الذي أوحينا إليك » أي و هو الذي أوحينا إليك يا محمد « و » و هو « ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى » ثم بين ذلك بقوله « أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه » و إقامة الدين التمسك به و العمل بموجبه و الدوام عليه و الدعاء إليه و لا تتفرقوا أي و لا تختلفوا فيه و ائتلفوا فيه و اتفقوا و كونوا عباد الله إخوانا « كبر على المشركين ما تدعوهم إليه » من توحيد الله و الإخلاص له و رفض الأوثان و ترك دين الآباء لأنهم قالوا أ جعل الآلهة إلها واحدا و معناه ثقل عليهم و عظم اختيارنا لك بما تدعوهم إليه و تخصيصك بالوحي و النبوة دونهم « الله يجتبي إليه من يشاء » أي ليس إليهم الاختيار لأن الله يصطفي لرسالته من يشاء على حسب ما يعلم من قيامه بأعباء الرسالة و تحمله لها فاجتباك الله لها كما اجتبى من قبلك من الأنبياء و قيل معناه الله يصطفي من عباده لدينه من يشاء « و يهدي إليه من ينيب » أي و يرشد إلى دينه من يقبل إلى طاعته و هذا كقوله و الذين اهتدوا زادهم هدى و قيل يهدي إلى جنته و ثوابه من يرجع إليه بالنية و الإخلاص ثم قال « و ما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم » معناه و إن هؤلاء الكفار لم يختلفوا عليك
مجمع البيان ج : 9 ص : 38
إلا بعد أن أتاهم طريق العلم بصحة نبوتك فعدلوا عن النظر فيه « بغيا بينهم » أي فعلوا ذلك للظلم و الحسد و العداوة و الحرص على طلب الدنيا و قيل معناه و ما تفرقوا عنه أي عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا بعد أن علموا أنه حق و لكنهم تفرقوا عنه حسدا له و خوفا أن تذهب رئاستهم « و لو لا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم » معناه و لو لا وعد الله تعالى و إخباره بتبقيتهم إلى وقت معلوم و تأخر العذاب عنهم في الحال لفصل بينهم الحكم و أنزل عليهم العذاب الذي استحقوه عاجلا و قيل معناه و لو لا وعد الله بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة و هو الأجل المسمى لقضي بينهم بإهلاك المبطل و إثابة المحق « و إن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب » معناه و إن اليهود و النصارى الذين أورثوا الكتاب من بعد قوم نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و من بعد أحبارهم لفي شك من القرآن أو من محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) مؤد إلى الريبة عن السدي بين بذلك أن أحبارهم أنكروا الحق عن معرفته و إن عوامهم كانوا شاكين فيه يدل عليه قوله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه و قيل معناه و إن الذين أورثوا الكتاب أي القرآن و هم العرب من بعدهم أي من بعد اليهود و النصارى لفي شك منه بليغ و لو استقصوا في النظر أدى بهم إلى اليقين و الرشد « فلذلك فادع » أي فإلى ذلك فادع عن الفراء و الزجاج يقال دعوت لفلان و إلى فلان و ذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد و معناه فإلى الدين الذي شرعه الله تعالى و وصى به أنبياءه فادع الخلق يا محمد و قيل إن اللام للتعليل أي فلأجل الشك الذي هم فيه فادعهم إلى الحق حتى تزيل شكهم « و استقم كما أمرت » أي فاثبت على أمر الله و تمسك به و اعمل بموجبه و قيل و استقم على تبليغ الرسالة « و لا تتبع أهواءهم » يعني أهواء المشركين في ترك التبليغ « و قل آمنت بما أنزل الله من كتاب » أي آمنت بكتب الله التي أنزلها على الأنبياء قبلي كلها « و أمرت لأعدل بينكم » أي كي أعدل بينكم أي أسوي بينكم في الدين و الدعاء إلى الحق و لا أحابي أحدا و قيل معناه أمرت بالعدل بينكم في جميع الأشياء و في الحديث ثلاث منجيات و ثلاث مهلكات فالمنجيات العدل في الرضاء و الغضب و القصد في الغنى و الفقر و خشية الله في السر و العلانية و المهلكات شح مطاع و هوى متبع و إعجاب المرء بنفسه « الله ربنا و ربكم » أي و قل لهم أيضا الله مدبرنا و مدبركم و مصرفنا و مصرفكم و المنعم علينا و عليكم و إنما قال ذلك لأن المشركين قد اعترفوا بأن الله هو الخالق « لنا أعمالنا و لكم أعمالكم » أي لا يضرنا إصراركم على الكفر فإن جزاء أعمالنا لنا و جزاء أعمالكم لكم لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره « لا حجة بيننا و بينكم » أي لا خصومة بيننا و بينكم عن مجاهد و ابن زيد و المعنى أن الحق قد ظهر فسقط الجدال و الخصومة و كنى بالحجة عن الخصومة لاحتجاج أحد الخصمين على الآخر و هذا قبل أن يؤمر بالقتال و إذا لم يؤمر بالقتال
مجمع البيان ج : 9 ص : 39
و أمر بالدعوة لم تكن بينه و بين من لا يجيب خصومة و قيل معناه لا حجة بيننا و بينكم لظهور أمركم في البغي علينا و العداوة لنا و المعاندة لا على طريق الشبهة و ليس ذلك تحريما لإقامة الحجة لأنه لا يلزم قبول الدعوة إلا بالحجة التي يظهر بها المحق من المبطل فإذا صار الإنسان إلى البغي و العداوة سقط الحجاج بينه و بين أهل الحق « الله يجمع بيننا » يوم القيامة لفصل القضاء « و إليه المصير » يحكم بيننا بالحق و في هذا غاية التهديد .
وَ الَّذِينَ يحَاجُّونَ فى اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا استُجِيب لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضةٌ عِندَ رَبهِمْ وَ عَلَيهِمْ غَضبٌ وَ لَهُمْ عَذَابٌ شدِيدٌ(16) اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَب بِالحَْقِّ وَ الْمِيزَانَ وَ مَا يُدْرِيك لَعَلَّ الساعَةَ قَرِيبٌ(17) يَستَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مُشفِقُونَ مِنهَا وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحَْقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فى الساعَةِ لَفِى ضلَلِ بَعِيد(18) اللَّهُ لَطِيف بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ وَ هُوَ الْقَوِى الْعَزِيزُ(19) مَن كانَ يُرِيدُ حَرْث الاَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فى حَرْثِهِ وَ مَن كانَ يُرِيدُ حَرْث الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنهَا وَ مَا لَهُ فى الاَخِرَةِ مِن نَّصِيب(20)

المعنى

لما تقدم ظهور الحجة و انقطاع المحاجة عقبه بذكر من يحاج بالباطل فقال سبحانه « و الذين يحاجون في الله » أي يخاصمون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المسلمين في دين الله و توحيده و هم اليهود و النصارى قالوا كتابنا قبل كتابكم و نبينا قبل نبيكم و نحن خير منكم و أولى بالحق عن مجاهد و قتادة و إنما قصدوا بما قالوا ليدفعوا ما أتى به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « من بعد ما استجيب له » أي من بعد ما دخل الناس في الإسلام و أجابوه إلى ما دعاهم إليه « حجتهم داحضة عند ربهم » أي خصومتهم باطلة حيث زعموا أن دينهم أفضل من الإسلام و لأن ما ذكروه لا يمنع
مجمع البيان ج : 9 ص : 40
من صحة نبوة نبينا بأن ينسخ الله كتابهم و شريعة نبيهم و قيل معناه و الذين يجادلون في الله بنصرة مذهبهم من بعد ما استجيب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) دعاؤه في كفار بدر حتى قتلهم الله بأيدي المؤمنين و استجيب دعاؤه على أهل مكة و على مضر حتى قحطوا و دعاؤه للمستضعفين حتى خلصهم الله من أيدي قريش و غير ذلك مما يطول تعداده عن الجبائي و قيل من بعد ما استجيب لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) دعاؤه في إظهار المعجزات و إقامتها و قيل من بعد ما استجيب له بأن أقروا به قبل مبعثه فلما بعث جحدوه كما قال و كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا و إنما سمى سبحانه شبهتهم حجة على اعتقادهم و لشبهها بالحجة أجري عليها اسمها من غير إطلاق الصفة بها « و عليهم غضب » أي غضب الله عليهم لأجل كفرهم « و لهم عذاب شديد » دائم يوم القيامة « الله الذي أنزل الكتاب » أي القرآن « بالحق » أي بالصدق فيما أخبر به من ماض و مستقبل و قيل بالحق أي بالأمر و النهي و الفرائض و الأحكام و كله حق من الله « و الميزان » أي و أنزل الله العدل و الميزان عبارة عن العدل كنى به عنه عن ابن عباس و قتادة و مجاهد و مقاتل و إنما سمي العدل ميزانا لأن الميزان آلة الإنصاف و التسوية بين الخلق و قيل أراد به الميزان المعروف و أنزله الله من السماء و عرفهم كيف يعملون به بالحق و كيف يزنون به عن الجبائي و قيل الميزان محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقضي بينهم بالكتاب عن علقمة و يكون على التوسع و التشبيه و لما ذكر العدل أتبعه بذكر الساعة فقال « و ما يدريك لعل الساعة قريب » أي و ما يدريك يا محمد و لا غيرك لعل مجيء الساعة قريب و إنما أخفى الله الساعة و وقت مجيئها على العباد ليكونوا على خوف و ليبادروا إلى التوبة و لو عرفهم مجيئها لكانوا مغرين بالقبائح قبل ذلك تعويلا على التلافي بالتوبة « يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها » لجهلهم بأحوالها و أهوالها فلا يخافون ما فيها إذ لم يؤمنوا بها فهم يطلبون قيامها إبعادا لكونها « و الذين آمنوا مشفقون منها » أي خائفون من مجيئها و هم غير متأهبين لها « و يعلمون أنها الحق » أي أن مجيئها الحق الذي لا خلف فيه « ألا إن الذين يمارون » أي تدخلهم المرية و الشك « في الساعة » فيخاصمون في مجيئها على وجه الإنكار لها « لفي ضلال » عن الصواب « بعيد » حين لم يذكروا فيعلموا أن الذي خلقهم أولا قادر على بعثهم ثم قال : « الله لطيف بعباده » أي حفي بار بهم رفيق عن ابن عباس و عكرمة و السدي و قيل اللطيف العالم بخفيات الأمور و الغيوب و المراد به هنا الموصل المنافع إلى العباد من وجه يدق إدراكه و ذلك في الأرزاق التي قسمها الله لعباده و صرف الآفات عنهم و إيصال السرور و الملاذ إليهم و تمكينهم بالقدر و الآلات إلى غير ذلك من ألطافه التي لا يوقف على كنهها لغموضها ثم قال سبحانه « يرزق من يشاء » أي يوسع الرزق على من يشاء يقال فلان مرزوق إذا وصف بسعة
مجمع البيان ج : 9 ص : 41
الرزق و قيل معناه يرزق من يشاء في خفض و دعة و من يشاء في كد و مشقة و متعبة و كل من رزقه الله من ذي روح فهو ممن شاء الله أن يرزقه « و هو القوي » القادر الذي لا يعجز « العزيز » الغالب الذي لا يغالب « من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه » معنى الحرث في اللغة الكسب و فلان يحرث لعياله و يحترث أي يكتسب أي من كان يريد بعمله نفع الآخرة و يعمل لها نجازه بعمله و نضاعف له ثواب عمله فنعطيه على الواحد عشرة و نزيد على ذلك ما نشاء « و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها و ما له في الآخرة من نصيب » أي و من كان يريد بعمله نفع الدنيا نعطه نصيبا من الدنيا لا جميع ما يريده بل على حسب ما تقتضيه الحكمة كما قال سبحانه عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد « و ما له في الآخرة من نصيب » و قيل معناه من قصد بالجهاد وجه الله فله سهم الغانمين و الثواب في الآخرة و من قصد به الغنيمة لم يحرم ذلك و حصل له سهمه من الغنيمة و لكن لا نصيب له من الثواب في الآخرة و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من كانت نيته الدنيا فرق الله عليه أمره و جعل الفقر بين عينيه و لم يأته من الدنيا إلا ما كتب له و من كانت نيته الآخرة جمع الله شمله و جعل غناه في قلبه و أتته الدنيا و هي راغمة و قيل من كان يعمل للآخرة نال الدنيا و الآخرة و من عمل للدنيا فلا حظ له في ثواب الآخرة لأن الأعلى لا يجعل تبعا للأدون عن الحسن .

مجمع البيان ج : 9 ص : 42
أَمْ لَهُمْ شرَكؤُا شرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَ لَوْ لا كلِمَةُ الْفَصلِ لَقُضىَ بَيْنهُمْ وَ إِنَّ الظلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(21) تَرَى الظلِمِينَ مُشفِقِينَ مِمَّا كسبُوا وَ هُوَ وَاقِعُ بِهِمْ وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ فى رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لهَُم مَّا يَشاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِك هُوَ الْفَضلُ الْكَبِيرُ(22) ذَلِك الَّذِى يُبَشرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ قُل لا أَسئَلُكمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فى الْقُرْبى وَ مَن يَقْترِف حَسنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شكُورٌ(23) أَمْ يَقُولُونَ افْترَى عَلى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشإِ اللَّهُ يخْتِمْ عَلى قَلْبِك وَ يَمْحُ اللَّهُ الْبَطِلَ وَ يحِقُّ الحَْقَّ بِكلِمَتِهِ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصدُورِ(24) وَ هُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السيِّئَاتِ وَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ(25)

القراءة

قرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائي و خلف يبشر الله بفتح الياء و سكون الباء و ضم الشين و الباقون « يبشر الله » بضم الياء و فتح الباء و كسر الشين مشددة و قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « و يعلم ما تفعلون » بالتاء على الخطاب و الباقون بالياء .

الإعراب


« ذلك الذي يبشر الله عباده » تقديره الذي يبشر الله به عباده فحذف الباء ثم حذف الهاء و يجوز أن يكون الذي حكمه حكم ما التي تكون مصدرية أي ذلك تبشير الله عباده و « يمح الله الباطل » ليس بمعطوف على يختم لأن محو الباطل واجب فلا يكون معلقا بالشرط .

المعنى

لما أخبر الله سبحانه أن من يطلب الدنيا بأعماله فلا حظ له في خير الآخرة قال « أم لهم شركاء » أي بل لهؤلاء الكفار شركاء فيما كانوا يفعلونه « شرعوا لهم » أي بينوا لهم و نهجوا لهم « من الدين ما لم يأذن به الله » أي ما لم يأمر به الله و لا أذن فيه أي شرعوا لهم دينا غير دين الإسلام عن ابن عباس « و لو لا كلمة الفصل لقضي بينهم » أي لو لا أن الله حكم في كلمة الفصل بين الخلق بتأخير العذاب لهذه الأمة إلى الآخرة لفرغ من عذاب الذين يكذبونك في الدنيا « و إن الظالمين » الذين يكذبونك « لهم عذاب أليم » في الآخرة « ترى الظالمين مشفقين » أي خائفين « مما كسبوا » أي من جزاء ما كسبوا من المعاصي و هو العقاب الذي استحقوه « و هو واقع بهم » لا محالة لا ينفعهم منه خوفهم من وقوعه و الإشفاق الخوف من جهة الرقة على المخوف عليه من وقوع الأمر « و الذين آمنوا و عملوا الصالحات في روضات الجنات » فالروضة الأرض الخضرة بحسن النبات و الجنة و الأرض التي يحفها الشجر « لهم فيها ما يشاءون عند ربهم » أي لهم ما يتمنون و يشتهون يوم القيامة الذي لا يملك فيه الأمر و النهي غير ربهم و لا يريد بعند قرب المسافة لأن ذلك من صفات الأجسام و قيل عند ربهم أي في حكم ربهم « ذلك هو الفضل الكبير » أي ذلك الثواب هو الفضل العظيم من الله إذ نالوا نعيما لا ينقطع بعمل قليل منقطع ثم قال « ذلك » الفضل
مجمع البيان ج : 9 ص : 43
الكبير « الذي يبشر الله به عباده الذين آمنوا و عملوا الصالحات » ليستعجلوا بذلك السرور في الدنيا من شدد الشين أراد به التكثير و من خفف فلأنه يدل على القليل و الكثير ثم قال سبحانه « قل » لهم يا محمد « لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » اختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) لا أسألكم على تبليغ الرسالة و تعليم الشريعة أجرا إلا التواد و التحاب فيما يقرب إلى الله تعالى من العمل الصالح عن الحسن و الجبائي و أبي مسلم قالوا هو التقرب إلى الله تعالى و التودد إليه بالطاعة ( و ثانيها ) أن معناه إلا أن تودوني في قرابتي منكم و تحفظوني لها عن ابن عباس و قتادة و مجاهد و جماعة قالوا و كل قريش كانت بينه و بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قرابة و هذا لقريش خاصة و المعنى أن لم تودوني لأجل النبوة فودوني لأجل القرابة التي بيني و بينكم ( و ثالثها ) أن معناه إلا أن تودوا قربتي و عترتي و تحفظوني فيهم عن علي بن الحسين (عليهماالسلام) و سعيد بن جبير و عمرو بن شعيب و جماعة و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و أخبرنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني قال أخبرنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثني القاضي أبو بكر الحميري قال أخبرنا أبو العباس الضبعي قال أخبرنا الحسن بن علي بن زياد السري قال أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال حدثنا حسين الأشتر قال أخبرنا قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت « قل لا أسألكم عليه أجرا » الآية قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم قال علي و فاطمة و ولدهما و أخبرنا السيد أبو الحمد قال أخبرنا الحاكم أبو القاسم بالإسناد المذكور في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفصيل مرفوعا إلى أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى و خلقت أنا و علي من شجرة واحدة فأنا أصلها و علي فرعها و فاطمة لقاحها و الحسن و الحسين ثمارها و أشياعنا أوراقها فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا و من زاغ عنها هوى و لو أن عبدا عبد الله بين الصفا و المروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالي ثم لم يدرك محبتنا كبه الله على منخريه في النار ثم تلا « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » و روى زاذان عن علي (عليه السلام) قال فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن قم قرأ هذه الآية و إلى هذا أشار الكميت في قوله :
وجدنا لكم في آل حم آية
تأولها منا تقي و معرب و على الأقوال الثلاثة فقد قيل في « إلا المودة » قولان : ( أحدهما ) أنه استثناء منقطع لأن
مجمع البيان ج : 9 ص : 44
هذا مما يجب بالإسلام فلا يكون أجرا للنبوة ( و الآخر ) أنه استثناء متصل و المعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا هذا فقد رضيت به أجرا كما أنك تسأل غيرك حاجة فيعرض المسئول عليك برا فتقول له اجعل بري قضاء حاجتي و على هذا يجوز أن يكون المعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا هذا و نفعه أيضا عائد عليكم فكأني لم أسألكم أجرا كما مر بيانه في قوله قل ما سألتكم من أجر فهو لكم و ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني عثمان بن عمير عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين قدم المدينة و استحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها نأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فنقول له إن تعرك أمور فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج و لا محظور عليك فأتوه في ذلك فنزلت « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » فقرأها عليهم و قال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا من عنده مسلمين لقوله فقال المنافقون إن هذا لشيء افتراء في مجلسه أراد بذلك أن يذللنا لقرابته من بعده فنزلت أم يقولون افترى على الله كذبا فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا و اشتد عليهم فأنزل الله و هو الذي يقبل التوبة عن عباده الآية فأرسل في إثرهم فبشرهم و قال و يستجيب الذين آمنوا و هم الذين سلموا لقوله ثم قال سبحانه « و من يقترف حسنة نزد له فيها حسنا » أي و من فعل طاعة نزد له في تلك الطاعة حسنا بأن نوجب له الثواب و ذكر أبو حمزة الثمالي عن السدي قال إن اقتراف الحسنة المودة لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و صح عن الحسن بن علي (عليهماالسلام) أنه خطب الناس فقال في خطبته إنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى و من يقترف حسنة نزد له فيها حسنا » فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت و روي إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إنها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء « إن الله غفور شكور » أي غفور للسيئات شكور للطاعات يعامل عباده معاملة الشاكر في توفية الحق حتى كأنه ممن وصل إليه النفع فشكره « أم يقولون افترى على الله كذبا » أي بل يقولون افترى محمد على الله كذبا في ادعائه الرسالة عن الله « فإن يشأ الله يختم على قلبك » أي لو حدثت نفسك بأن تفتري على الله كذبا لطبع الله على قلبك و لأنساك القرآن فكيف تقدر أن تفتري على الله و هذا كقوله لئن أشركت ليحبطن عملك و قيل معناه فإن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتى لا يشق عليك قولهم إنه مفتر و ساحر عن مجاهد و مقاتل فعلى هذا لا يحتاج إلى إضمار و حذف ثم أخبر سبحانه أنه يذهب ما يقولونه باطلا فقال « و يمح الله الباطل » أي يزيله و يرفعه بإقامة الدلائل على بطلانه و حذف الواو من يمحو في المصاحف
مجمع البيان ج : 9 ص : 45
كما حذف من قوله سندع الزبانية على اللفظ في ذهابها لالتقاء الساكنين و ليس بعطف على قوله « يختم » لأنه مرفوع يدل عليه قوله « و يحق الحق بكلماته » أي و يثبت الحق بأقواله التي ينزلها على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو هذا القرآن المعجز « إنه عليم بذات الصدور » أي بضمائر القلوب « و هو الذي يقبل التوبة عن عباده » و إن جلت معاصيهم فكأنه قال من نسب محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى الافتراء ثم تاب قبلت توبته و إن جلت معصيته « و يعفوا عن السيئات و يعلم ما تفعلون » من خير و شر فيجازيهم على ذلك .
وَ يَستَجِيب الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ وَ يَزِيدُهُم مِّن فَضلِهِ وَ الْكَفِرُونَ لهَُمْ عَذَابٌ شدِيدٌ(26) * وَ لَوْ بَسط اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فى الأَرْضِ وَ لَكِن يُنزِّلُ بِقَدَر مَّا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ(27) وَ هُوَ الَّذِى يُنزِّلُ الْغَيْث مِن بَعْدِ مَا قَنَطوا وَ يَنشرُ رَحْمَتَهُ وَ هُوَ الْوَلىُّ الْحَمِيدُ(28) وَ مِنْ ءَايَتِهِ خَلْقُ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ مَا بَث فِيهِمَا مِن دَابَّة وَ هُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشاءُ قَدِيرٌ(29) وَ مَا أَصبَكم مِّن مُّصِيبَة فَبِمَا كَسبَت أَيْدِيكمْ وَ يَعْفُوا عَن كَثِير(30)

القراءة

قرأ أهل المدينة و ابن عامر و ما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم بغير فاء و الباقون بالفاء .

الحجة

قال أبو علي القول في ذلك أن أصاب في قوله « و ما أصابكم » يحتمل أمرين يجوز أن يكون صلة ما و يجوز أن يكون شرطا في موضع جزم فمن قدره شرطا لم يجز حذف الفاء منه على قول سيبويه و قد تأول أبو الحسن بعض الآي على حذف الفاء في جواب الشرط و قال بعض البغداديين حذف الفاء من الجواب جائز و استدل على ذلك بقوله و إن أطعتموهم
مجمع البيان ج : 9 ص : 46
إنكم لمشركون و إذا كان صلة فالإثبات و الحذف جائزان على معنيين مختلفين أما إذا ثبت الفاء ففيه دليل على أن الأمر الثاني وجب بالأول و إذا لم يذكر الفاء جاز أن يكون الثاني وجب للأول و جاز أن يكون لغيره .

المعنى

لما تقدم وعيد أهل العصيان عقبه سبحانه بالوعد لأهل الطاعة فقال « و يستجيب الذين آمنوا و عملوا الصالحات » أي يجيبهم إلى ما يسألونه و قيل معناه يجيبهم في دعاء بعضهم لبعض عن معاذ بن جبل و قيل معناه يقبل طاعاتهم و عباداتهم و يزيدهم من فضله على ما يستحقونه من الثواب و قيل معناه و يستجيب الذين آمنوا بأن يشفعهم في إخوانهم « و يزيدهم من فضله » و يشفعهم في إخوان إخوانهم عن ابن عباس و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في قوله « و يزيدهم من فضله » الشفاعة لمن وجبت له النار ممن أحسن إليهم في الدنيا « و الكافرون لهم عذاب شديد » ظاهر المعنى و لما بين سبحانه أنه يزيد المؤمنين من فضله أخبر عقيبه أن الزيادة في الأرزاق في الدنيا تكون على حسب المصالح فقال « و لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض » أي لو وسع الرزق على عباده على حسب ما يطلبونه لبطروا النعمة و تنافسوا و تغالبوا و ظلموا في الأرض و تغلب بعضهم على بعض و خرجوا عن الطاعة قال ابن عباس بغيهم في الأرض طلبهم منزلة بعد منزلة و دابة بعد دابة و ملبسا بعد ملبس « و لكن ينزل بقدر ما يشاء » أي و لكنه ينزل من الرزق قدر صلاحهم ما يشاء نظرا منه لهم عن قتادة و المعنى أنه يوسع الرزق على من تكون مصلحته فيه و يضيق على من يكون مصلحته فيه و يؤيده الحديث الذي رواه أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن جبرائيل (عليه السلام) عن الله إن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم و لو صححته لأفسده و إن من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة و لو أسقمته لأفسده و إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى و لو أفقرته لأفسده و إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر و لو أغنيته لأفسده و ذلك أني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و متى قيل نحن نرى كثيرا ممن يوسع عليه الرزق يبغي في الأرض قلنا إنا إذا علمنا على الجملة أنه سبحانه يدبر أمور عباده بحسب ما يعلم من مصالحهم فلعل هؤلاء كان يستوي حالهم في البغي وسع عليهم أو لم يوسع أو لعلهم لو لم يوسع عليهم لكانوا أسوأ حالا في البغي فلذلك وسع عليهم و الله أعلم بتفاصيل أحوالهم « إنه بعباده خبير بصير » أي عليم بأحوالهم بصير بما يصلحهم و ما يفسدهم ثم بين سبحانه حسن نظره بعباده فقال « و هو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا » أي ينزله عليهم من بعد ما يئسوا من نزوله و الغيث ما كان نافعا في وقته و المطر قد يكون نافعا و قد يكون ضارا في وقته و غير وقته و وجه إنزاله بعد القنوط أنه أدعى إلى شكر الآتي به
مجمع البيان ج : 9 ص : 47
و تعظيمه و المعرفة بموقع إحسانه « و ينشر رحمته » أي و يفرق نعمته و يبسطها بإخراج النبات و الثمار التي يكون سببها المطر « و هو الولي » الذي يتولى تدبير عباده و تقدير أمورهم و مصالحهم المالك لهم .
« الحميد » المحمود على جميع أفعاله لكون جميعها إحسانا و منافع « و من آياته » الدالة على وحدانيته و صفاته التي باين بها خلقه « خلق السماوات و الأرض » لأنه لا يقدر على ذلك غيره لما فيهما من العجائب و الأجناس التي لا يقدر عليها القادر بقدرته « و ما بث فيهما من دابة » و الدابة ما تدب فيدخل فيه جميع الحيوانات « و هو على جمعهم إذا يشاء قدير » أي و هو على حشرهم إلى الموقف بعد إماتتهم قادر لا يتعذر عليه ذلك ثم قال سبحانه « و ما أصابكم » معاشر الخلق « من مصيبة » من بلوى في نفس أو مال « فبما كسبت أيديكم » من المعاصي « و يعفوا عن كثير » منها فلا يعاقب بها قال الحسن : الآية خاصة بالحدود التي تستحق على وجه العقوبة و قال قتادة هي عامة و روي عن علي (عليه السلام) أنه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خير آية في كتاب الله هذه الآية يا علي ما من خدش عود و لا نكبة قدم إلا بذنب و ما عفا الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه و ما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني على عبده و قال أهل التحقيق إن ذلك خاص و إن خرج مخرج العموم لما يلحق من مصائب الأطفال و المجانين و من لا ذنب له من المؤمنين و لأن الأنبياء و الأئمة يمتحنون بالمصائب و إن كانوا معصومين من الذنوب لما يحصل لهم على الصبر عليها من الثواب .

النظم


و الوجه في اتصال هذه الآية بما قبلها إن الله تعالى لما بين عظيم إنعامه على العباد بين بعده أن لا يعاقبهم إلا على معاصيهم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 48
وَ مَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فى الأَرْضِ وَ مَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلىّ وَ لا نَصِير(31) وَ مِنْ ءَايَتِهِ الجَْوَارِ فى الْبَحْرِ كالأَعْلَمِ(32) إِن يَشأْ يُسكِنِ الرِّيحَ فَيَظلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلى ظهْرِهِ إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت لِّكلِّ صبَّار شكُور(33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسبُوا وَ يَعْف عَن كَثِير(34) وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ يجَدِلُونَ فى ءَايَتِنَا مَا لهَُم مِّن محِيص(35)

القراءة

قرأ أهل الكوفة و ابن عامر « الجوار » بحذف الياء في الوصل و الوقف و قرأ الباقون الجواري بإثبات الياء في الوصل و ابن كثير و يعقوب في الوقف أيضا و قرأ أهل المدينة و ابن عامر يعلم الذين يجادلون بالرفع و الباقون و « يعلم » بالنصب .

الحجة

قال أبو علي القياس الجواري و من حذف فلان حذف هذه الياءات و إن كانت لاما قد كثر في كلامهم فصار كالقياس المستمر و من قرأ يعلم بالرفع استأنف لأنه موضع استئناف من حيث جاء من بعد الجماعة إن شئت جعلته خبر مبتدإ محذوف و من نصب فلان قبله شرط و جزاء و كل واحد منهما غير واجب تقول في الشرط إن تأتني و تعطيني أكرمك فتنصب تعطيني و تقديره إن يكن إتيان منك و إعطاء أكرمك فالنصب بعد الشرط إذا عطفت عليه بالفاء أمثل من النصب بالفاء بعد جزاء الشرط فأما قوله :
و من لا يقدم رجله مطمئنة
فيثبتها في مستوى الأرض يزلق فالنصب فيه حسن لمكان النفي فأما العطف على الشرط نحو إن تأتني و تكرمني فأكرمك فالذي يختار سيبويه النصب في العطف على جزاء الشرط فيختار « و يعلم الذين يجادلون » إذا لم يقطعه من الأول فيرفعه و يزعم أن المعطوف على جزاء الشرط شبيه بقوله :
و الحق بالحجاز فاستريحا قال إلا أن من ينصب في العطف على جزاء الشرط أمثل من ذلك لأنه ليس يوقع فعلا إلا بأن يكون من غيره فعل فصار بمنزلة غير الواجب و زعم سيبويه أن بعضهم قرأ يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء بالنصب و أنشد للأعشى في نصب ما عطف بالفاء على الجزاء :
و من يغترب عن أهله لم يزل يرى
مصارع مظلوم مجرا و مسحبا
و تدفن منه الصالحات و إن يسيء
يكن ما أساء النار في رأس كبكبا فهذا حجة لمن قرأ « و يعلم » .

اللغة

الأعلام الجبال واحدها علم قالت الخنساء :
مجمع البيان ج : 9 ص : 49

و إن صخرا لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار فيظللن أي يدمن و يقمن يقال ظل يفعل كذا إذا فعله نهارا و الرواكد الثوابت و الإيباق الإهلاك و الإتلاف و وبق الرجل يبق و وبق يوبق إذا هلك و المحيص المعدل و الملجأ .

المعنى

ثم قال سبحانه « و ما أنتم » يا معشر المشركين « بمعجزين في الأرض » أي لا تعجزونني حيث ما كنتم فلا تسبقونني هربا في الأرض و في هذا استدعاء إلى العبادة و ترغيب فيما أمر به و ترهيب عما نهى عنه « و ما لكم من دون الله من ولي » يدفع عنكم عقابه « و لا نصير » ينصركم عليه « و من آياته » أي و من حججه الدالة على اختصاصه بصفات لا يشركه فيها غيره « الجوار » أي السفن الجارية « في البحر كالأعلام » أي كالجبال الطوال « إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره » أي إن يشأ الله يسكن الريح فتبقى السفن راكدة واقفة على ظهر الماء لا يبرحن من المكان لأن ماء البحر يكون راكدا فلو لم تجيء الريح لوقفت السفينة في البحر و لم تجر فالله سبحانه جعل الريح سببا لجريها فيه و جعل هبوبها في الجهة التي تسير إليها السفينة « إن في ذلك » الذي ذكر « لآيات » أي حججا واضحات « لكل صبار » على أمر الله « شكور » على نعمته و قيل صبار على ركوبها شكور على جزيها و النجاة من البحر « أو يوبقهن بما كسبوا » معناه إن يشاء إسكان الريح يسكن الريح أو أن يشأ يجعل الريح عاصفة فيهلك السفن أي أهلها بالغرق في الماء عقوبة لهم بما كسبوا من المعاصي « و يعف عن كثير » من أهلها فلا يغرقهم و لا يعاجلهم بعقوبة معاصيهم « و يعلم الذين يجادلون في آياتنا » أي في إبطال آياتنا و دفعها « ما لهم من محيص » أي ملجأ يلجئون إليه عن السدي .

مجمع البيان ج : 9 ص : 50
فَمَا أُوتِيتُم مِّن شىْء فَمَتَعُ الحَْيَوةِ الدُّنْيَا وَ مَا عِندَ اللَّهِ خَيرٌ وَ أَبْقَى لِلَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَلى رَبهِمْ يَتَوَكلُونَ(36) وَ الَّذِينَ يجْتَنِبُونَ كَبَئرَ الاثمِ وَ الْفَوَحِش وَ إِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ(37) وَ الَّذِينَ استَجَابُوا لِرَبهِمْ وَ أَقَامُوا الصلَوةَ وَ أَمْرُهُمْ شورَى بَيْنهُمْ وَ مِمَّا رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ(38) وَ الَّذِينَ إِذَا أَصابهُمُ الْبَغْىُ هُمْ يَنتَصِرُونَ(39) وَ جَزؤُا سيِّئَة سيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَ أَصلَحَ فَأَجْرُهُ عَلى اللَّهِ إِنَّهُ لا يحِب الظلِمِينَ(40)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم هنا و في سورة و النجم كبير الإثم على التوحيد و الباقون « كبائر الإثم » على الجمع .

الحجة

حجة الجمع قوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه و من قال كبير فأفرد جاز أن يريد به الجمع كقوله و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها و في الحديث منعت العراق درهمها و قفيزها .

الإعراب

« و إذا ما غضبوا هم يغفرون » يجوز أن يكون هم تأكيدا للضمير في غضبوا و يغفرون جواب إذا و يجوز أن يكون هم ابتداء و يغفرون خبره و كذا « هم ينتصرون » و إن شئت كان هم وصفا للمنصوب قبله و إن شئت كان مبتدأ و قياس قول سيبويه أن يرتفع هم بفعل مضمر دل عليه « هم ينتصرون » .

المعنى

ثم خاطب سبحانه من تقدم وصفهم فقال « فما أوتيتم من شيء » أي الذي أعطيتموه من شيء من الأموال « فمتاع الحيوة الدنيا » أي فهو متاع الحياة الدنيا تتمتعون به أياما ثم تموتون فيبقى عنكم أو يهلك المال قبل موتكم « و ما عند الله » من الثواب و النعيم و ما أعده للجزاء على الطاعة « خير و أبقى » من هذه المنافع القليلة « للذين آمنوا » أي صدقوا بتوحيد الله و بما يجب التصديق به « و على ربهم يتوكلون » و التوكل على الله تفويض الأمور إليه باعتقاد أنها جارية من قبله على أحسن التدبير مع الفزع إليه بالدعاء من كل ما ينوب « و الذين يجتنبون كبائر الإثم » يجوز أن يكون موضع الذين جرا عطفا على قوله « للذين آمنوا » فيكون المعنى و ما عند الله خير و أبقى للمؤمنين المتوكلين على ربهم المجتنبين كبائر الإثم « و الفواحش » و يجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء و يكون الخبر محذوفا فيكون المعنى و الذين يجتنبون الكبائر و الفواحش « و إذا ما غضبوا » مما يفعل بهم من الظلم « هم يغفرون » و يتجاوزون عنه لهم مثل ذلك و الفواحش جمع فاحشة و هي أقبح القبيح و المغفرة في الآية المراد بها ما يتعلق بالإساءة إلى نفوسهم فمتى عفوا عنها كانوا ممدوحين فأما ما يتعلق بحقوق الله و واجبات حدوده فليس للإمام تركها و لا العفو عنها و لا يجوز له العفو عن المرتد و عمن جرى مجراه ثم زاد سبحانه في صفاتهم فقال « و الذين استجابوا لربهم » أي أجابوه فيما دعاهم إليه من أمور الدين « و أقاموا الصلاة » أي أداموها في أوقاتها بشرائطها « و أمرهم شورى بينهم » يقال صار هذا الشيء شورى بين القوم إذا تشاوروا فيه و هو فعلي من المشاورة و هي المفاوضة في
مجمع البيان ج : 9 ص : 51
الكلام ليظهر الحق أي لا يتفردون بأمر حتى يشاوروا غيرهم فيه و قيل إن المعنى بالآية الأنصار كانوا إذا أرادوا أمرا قبل الإسلام و قبل قدوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) اجتمعوا و تشاوروا ثم عملوا عليه فأثنى الله عليهم بذلك و قيل هو تشاورهم حين سمعوا بظهور النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ورود النقباء عليه حتى اجتمعوا في دار أبي أيوب على الإيمان به و النصرة له عن الضحاك و في هذا دلالة على فضل المشاورة في الأمور و قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال ما من رجل يشاور أحدا إلا هدي إلى الرشد « و مما رزقناهم ينفقون » في طاعة الله تعالى و سبيل الخير « و الذين إذا أصابهم البغي » من غيرهم « هم ينتصرون » ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا عن السدي و قيل ينتصرون أي يتناصرون ينصر بعضهم بعضا نحو يختصمون و يتخاصمون عن أبي مسلم و قيل يعني به المؤمنين الذين أخرجهم الكفار من مكة و بغوا عليهم ثم مكنهم الله في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم عن عطاء و قيل جعل الله المؤمنين صنفين صنف يعفون عمن ظلمهم و هم الذين ذكروا قبل هذه الآية و هو قوله « و إذا ما غضبوا هم يغفرون » و صنف ينتصرون ممن ظلمهم و هم الذين ذكروا في هذه الآية فمن انتصر و أخذ بحقه و لم يجاوز في ذلك ما حد الله فهو مطيع لله و من أطاع الله فهو محمود عن ابن زيد ثم ذكر سبحانه حد الانتصار فقال « و جزاء سيئة سيئة مثلها » قيل هو جواب القبيح إذا قال أخزاك الله تقول أخزاك الله من غير أن تعتدي عن ابن نجيح و السدي و مجاهد و قيل يعني القصاص في الجراحات و الدماء عن مقاتل و سمي الثانية سيئة لأنها في مقابلة الأولى كما قال فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ثم ذكر سبحانه العفو فقال « فمن عفا و أصلح فأجره على الله » أي فمن عفا عما له المؤاخذة به و أصلح أمره فيما بينه و بين ربه فثوابه على الله « إنه لا يحب الظالمين » ثم بين سبحانه أنه لم يرغب المظلوم في العفو عن الظالم لميله إلى الظالم أو لحبه إياه و لكن ليعرضه بذلك لجزيل الثواب و لحبه الإحسان و الفضل و قيل إنه لا يحب الظالم في قصاص و غيره بتعديه عما هو له إلى ما ليس له و قيل إن الآية الأولى عامة في وجوب التناصر بين المسلمين و هذه الآية في خاصة الرجل يجازي من ظلمه بمثل ما فعله أو يعفو و قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان أجره على الله فليدخل الجنة فيقال من ذا الذي أجره على الله فيقال العافون عن الناس فيدخلون الجنة بغير حساب .

مجمع البيان ج : 9 ص : 52
وَ لَمَنِ انتَصرَ بَعْدَ ظلْمِهِ فَأُولَئك مَا عَلَيهِم مِّن سبِيل(41) إِنَّمَا السبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَظلِمُونَ النَّاس وَ يَبْغُونَ فى الأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ أُولَئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(42) وَ لَمَن صبرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذَلِك لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(43) وَ مَن يُضلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلىّ مِّن بَعْدِهِ وَ تَرَى الظلِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَاب يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدّ مِّن سبِيل(44) وَ تَرَاهُمْ يُعْرَضونَ عَلَيْهَا خَشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظرُونَ مِن طرْف خَفِىّ وَ قَالَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ الخَْسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ أَلا إِنَّ الظلِمِينَ فى عَذَاب مُّقِيم(45)

الإعراب


« إن ذلك لمن عزم الأمور » جواب القسم الذي دل عليه قوله « و لمن صبر و غفر » كما قال سبحانه « لئن أخرجوا لا يخرجون معهم » و قيل بل هي جملة في موضع خبر المبتدأ الذي هو من صبر و غفر و التقدير إن ذلك منه لمن عزم الأمور و حسن الحذف لطول الكلام و قوله « خاشعين » منصوب على الحال من يعرضون و يعرضون في موضع النصب على الحال من تراهم .

المعنى

ثم ذكر سبحانه المنتصر فقال « و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل » معناه من انتصر لنفسه و انتصف من ظالمة بعد ظلمه أضاف الظلم إلى المظلوم أي بعد أن ظلم و تعدى عليه فأخذ لنفسه بحقه فالمنتصرون ما عليهم من إثم و عقوبة و ذم و مثله في إضافة المصدر إلى المفعول قوله من دعاء الخير « إنما السبيل » أي الإثم و العقاب « على الذين يظلمون الناس » ابتداء « و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم » أي موجع « و لمن صبر » أي تحمل المشقة في رضاء الله « و غفر » فلم ينتصر ف « إن ذلك » الصبر و التجاوز « لمن عزم الأمور » أي من ثابت الأمور التي أمر الله تعالى بها فلم تنسخ و قيل عزم الأمور هو الأخذ بأعلاها في باب نيل الثواب و الأجر « و من

 

Back Index Next