جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج9 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 9 ص : 53
يضلل الله » أي و من يضلله الله عن رحمته و جنته « فما له من ولي » أي معين « من بعده » أي سواه و قيل من عذبه الله عقوبة له على عناده و جحوده فما له من ولي يلي أمره و يدفع عذاب الله عنه « و ترى الظالمين لما رأوا العذاب » أي ترى الظالمين يا محمد إذا شاهدوا عذاب النار « يقولون هل إلى مرد » أي رجوع و رد إلى دار الدنيا « من سبيل » تمنيا منهم لذلك « و تراهم » يا محمد « يعرضون عليها » أي على النار قبل دخولهم النار « خاشعين من الذل » أي ساكنين متواضعين في حال العرض « ينظرون من طرف خفي » أي خفي النظر لما عليهم من الهوان يسارقون النظر إلى النار خوفا منها و ذلة في نفوسهم عن الحسن و قتادة و قيل خفي ذليل عن ابن عباس و مجاهد و قيل من عين لا تفتح كلها و إنما نظروا ببعضها إلى النار « و قال الذين آمنوا » لما رأوا عظيم ما نزل بالظالمين « إن الخاسرين » في الحقيقة هم « الذين خسروا أنفسهم » بأن فوتوها الانتفاع بنعيم الجنة « و أهليهم » أي و أولادهم و أزواجهم و أقاربهم لا ينتفعون بهم « يوم القيامة » لما حيل بينهم و بينهم و قيل و أهليهم من الحور العين في الجنة لو آمنوا « ألا إن الظالمين في عذاب مقيم » هذا من قول الله تعالى و المقيم الدائم الذي لا زوال له .

مجمع البيان ج : 9 ص : 54
وَ مَا كانَ لهَُم مِّنْ أَوْلِيَاءَ يَنصرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَ مَن يُضلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سبِيل(46) استَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتىَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإ يَوْمَئذ وَ مَا لَكُم مِّن نَّكير(47) فَإِنْ أَعْرَضوا فَمَا أَرْسلْنَك عَلَيهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْك إِلا الْبَلَغُ وَ إِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الانسنَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بهَا وَ إِن تُصِبهُمْ سيِّئَةُ بِمَا قَدَّمَت أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الانسنَ كَفُورٌ(48) لِّلَّهِ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِ يخْلُقُ مَا يَشاءُ يهَب لِمَن يَشاءُ إِنَثاً وَ يَهَب لِمَن يَشاءُ الذُّكُورَ(49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَ إِنَثاً وَ يجْعَلُ مَن يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(50)

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن الظالمين الذين ذكرهم فقال « و ما كان لهم من أولياء » لا فيما عبدوه من دونه و لا فيمن أطاعوه في معصيته أي نصار « ينصرونهم من دون الله » و يدفعون عنهم عقابه « و من يضلل الله فما له من سبيل » يوصله إلى الجنة ثم قال سبحانه « استجيبوا لربكم » أي أجيبوا داعي ربكم يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيما دعاكم إليه و رغبكم فيه من المصير إلى طاعته و الانقياد لأمره « من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله » أي لا رجوع بعده إلى الدنيا و قيل معناه لا يقدر أحد على رده و دفعه و هو يوم القيامة عن الجبائي و قيل معناه لا يرد و لا يؤخر عن وقته و هو يوم الموت عن أبي مسلم « ما لكم من ملجأ يومئذ » أي معقل يعصمكم من العذاب « و ما لكم من نكير » أي إنكار و تغيير للعذاب و قيل من نصير منكر ما يحل بكم ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « فإن أعرضوا » يعني الكفار أي عدلوا عما دعوتهم إليه « فما أرسلناك عليهم حفيظا » أي مأمورا بحفظهم لئلا يخرجوا عما دعوتهم إليه كما يحفظ الراعي غنمه لئلا يتفرقوا أي فلا تحزن لإعراضهم « إن عليك إلا البلاغ » أي ليس عليك إلا إيصال المعنى إلى أفهامهم و البيان لما فيه رشدهم « و إنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة » و أوصلنا إليه نعمة « فرح بها » أي بطر لأن الفرح المراد هنا ما قارنه أشر أو جحودا و إنكار لأنه خرج مخرج الذم و قيل أن الرحمة هنا العافية « و إن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم » أي قحط أو فقر أو مرض أو غير ذلك مما يسؤهم « فإن الإنسان كفور » بعدد المصيبة و يجحد النعم ثم بين سبحانه أن النعم كلها منه فقال « لله ملك السماوات و الأرض » أي له التصرف فيهما و فيما بينهما و سياستهما بما تقتضيه الحكمة « يخلق ما يشاء » من أنواع الخلق « يهب لمن يشاء » من خلقه « إناثا » فلا يولد له ذكر « و يهب لمن يشاء الذكور » البنين فلا يولد له أنثى « أو يزوجهم ذكرانا و إناثا » معناه أو يجمع لهم بين البنين و البنات تقول العرب زوجت إبلي أي جمعت بين صغارها و كبارها قال مجاهد هو أن تلد المرأة غلاما ثم جارية ثم غلاما ثم جارية و قيل : هو أن تلد توأما ذكرا و أنثى
مجمع البيان ج : 9 ص : 55
أو ذكرا و ذكرا أو أنثى و أنثى عن ابن زيد و قيل هو أن يجمع في الرحم الذكر و الأنثى عن محمد بن الحنفية « و يجعل من يشاء » من الرجال و النساء « عقيما » لا يلد و لا يولد له « إنه عليم » بما خلق « قدير » على خلق من يشاء .
* وَ مَا كانَ لِبَشر أَن يُكلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاى حِجَاب أَوْ يُرْسِلَ رَسولاً فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ إِنَّهُ عَلىُّ حَكيمٌ(51) وَ كَذَلِك أَوْحَيْنَا إِلَيْك رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنت تَدْرِى مَا الْكِتَب وَ لا الايمَنُ وَ لَكِن جَعَلْنَهُ نُوراً نهْدِى بِهِ مَن نَّشاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَ إِنَّك لَتهْدِى إِلى صِرَط مُّستَقِيم(52) صِرَطِ اللَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ أَلا إِلى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ(53)

القراءة

قرأ نافع أو يرسل بالرفع فيوحي بسكون الياء و الباقون « أو يرسل » « فيوحي » بالنصب .

الحجة

قال أبو علي من نصب « أو يرسل » فلا يخلو من أن يكون محمولا على أن في قوله « أن يكلمه الله » أو على غيره فلا يجوز أن يكون محمولا عليه لأنه يصير تقديره ما كان لبشر أن يكلمه الله أو أن يرسل رسولا إليه و لم يخل قوله « أو يرسل رسولا » من أن يكون المراد أو يرسله رسولا أو يكون أو يرسل إليه رسولا و التقديران جميعا فاسدان أ لا ترى أن كثيرا من البشر قد أرسل رسولا و كثيرا منهم قد أرسل إليه الرسل فإذا لم يخل من هذين التقديرين و لم يصح واحد منهما علمت أن المعنى ليس عليه و التقدير على غيره فالذي عليه المعنى و التقدير الصحيح ما ذهب إليه الخليل من أن يحمل يرسل على أن يوحي الذي يدل عليه وحيا فصار التقدير ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي وحيا أو يرسل رسولا فيوحي و يجوز في قوله « إلا وحيا » أمران ( أحدهما ) أن يكون استثناء منقطعا ( و الآخر ) أن يكون حالا فإن قدرته استثناء منقطعا لم يكن في الكلام شيء يوصل بمن لأن ما قبل الاستثناء لا يعمل فيما

مجمع البيان ج : 9 ص : 56

بعده لأن حرف الاستثناء في معنى حرف النفي أ لا ترى أنك إذا قلت قام القوم إلا زيدا فالمعنى قام القوم لا زيد فكما لا يعمل ما قبل حرف النفي فيما بعده كذلك لا يعمل ما قبل الاستثناء إذا كان كلاما تاما فيما بعده إذ كان بمعنى النفي و كذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد إلا فيما قبلها نحو ما أنا الخبز إلا آكل كما لم يعمل ما بعد حرف ماضي فيما قبله فإذا كان كذلك لم يتصل الجار بما قبل إلا و يمتنع أن يتصل به الجار من وجه آخر و هو أن قوله « أو من وراء حجاب » في صلة وحي الذي هو بمعنى أن يوحي فإذا كان كذلك لم يجز أن يحمل الجار الذي هو من قوله « أو من وراء حجاب » علي « أو يرسل » لأنك تفصل بين الصلة و الموصول بما ليس منهما أ لا ترى أن المعطوف على الصلة في الصلة فإذا حملت على العطف على ما ليس في الصلة فصلت بين الصلة و الموصول بالأجنبي الذي ليس منهما فإذا لم يجز حمله على يكلمه من قوله « ما كان لبشر أن يكلمه الله » و لم يكن بد من أن يعلق الجار بشيء و لم يكن في اللفظ شيء تحمله عليه أضمرت يكلم و جعلت الجار في قوله « أو من وراء حجاب » متعلقا بفعل مراد في الصلة محذوف منها للدلالة عليه و قد يحذف من الصلة أشياء للدلالة عليها و يكون في المعنى معطوفا على الفعل المقدر صلة لأن الموصولة و هي يوحي فيكون التقدير ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه أو يكلمه من وراء حجاب فحذف يكلم من الصلة لأن ذكره قد جرى و إن كان خارجا من الصلة فحسن ذلك حذفه من الصلة و سوغه أ لا ترى أن ما قبل حرف الاستفهام مثل ما قبل الصلة في أنه لا يعمل في الصلة كما لا يعمل ما قبل الاستفهام فيما كان من حيز الاستفهام و قد جاء الآن و قد عصيت قبل و المعنى الآن آمنت و قد عصيت قبل فلما كان ذكر الفعل قد جرى في الكلام أضمر و لا يجوز أن يقدر عطف « أو من وراء حجاب » على الفعل الخارج من الصلة فيفصل بين الصلة و الموصول بالأجنبي منهما كما فصل في قوله « إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس » ثم قال « أو فسقا أهل لغير الله به » فعطف بأو على ما في الصلة بعد ما فصل بين الصلة و الموصول بقوله « فإنه رجس » لأن قوله فإنه رجس من الاعتراض الذي يسدد ما في الصلة و يوضحه فصار بذلك بمنزلة الصفة لما في الصفة من التبيين و التخصيص و مثل هذا في الفصل في الصلة قوله تعالى « و الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها و ترهقهم ذلة » و فصل بقوله جزاء بمثلها و عطف عليه قوله « و ترهقهم ذلة » على الصلة مع هذا الفصل من حيث قوله « جزاء سيئة بمثلها » يسدد ما الصلة و أما من رفع فقال أو يرسل رسولا
مجمع البيان ج : 9 ص : 57
فجعل يرسل حالا فإن الجار في قوله « أو من وراء حجاب » متعلق بمحذوف و يكون في الظرف ذكر من ذي الحال فيكون قوله « إلا وحيا » على هذا التقدير مصدرا وقع موقع الحال كقولك جئت ركضا و أتيت عدوا و يكون من في أنه مع ما انجر به في موضع الحال كقوله « و من الصالحين » بعد قوله « و يكلم الناس في المهد و كهلا » و معنى « أو من وراء حجاب » فمن قدر الكلام استثناء منقطعا أو حالا ، يكلمهم غير مجاهر لهم بكلامه يريد أن كلامه يسمع و يحدث من حيث لا يرى كما يرى سائر المتكلمين و ليس أن ثم حجابا يفصل موضعا من موضع فيدل ذلك على تحديد المحجوب و من رفع يرسل كان في موضع نصب على الحال و المعنى هذا كلامه إياهم كما يقول تحيتك الضرب و عتابك السيف .

المعنى

ثم ذكر سبحانه أجل النعم و هي النبوة فقال « و ما كان لبشر أن يكلمه الله » أي ليس لأحد من البشر أن يكلمه الله « إلا » أن يوحي إليه « وحيا » و هو داود أوحي في صدره فزبر الزبور « أو من وراء حجاب » أي و يكلمه من وراء حجاب و هو موسى (عليه السلام) « أو يرسل رسولا » و هو جبرائيل أرسل إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن مجاهد و قيل معناه ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا بمثل ما يكلم به عباده من الأمر بطاعته و النهي عن معاصيه و تنبيه إياهم على ذلك من جهة الخاطر أو المنام و ما أشبه ذلك على سبيل الوحي و سماه وحيا لأن الوحي في اللغة ما جرى مجرى الإيماء و التنبيه على الشيء من غير أن يفصح به « أو من وراء حجاب » و هو أن يحجب ذلك الكلام عن جميع خلقه إلا من يريد أن يكلمه به نحو كلامه لموسى (عليه السلام) لأنه حجب ذلك عن جميع الخلق إلا عن موسى (عليه السلام) وحده و في المرة الثانية حجبه عن جميع الخلق إلا عن موسى و السبعين الذين كانوا معه و قد يقال أنه حجب عنهم موضع الكلام الذي أقام الكلام فيه فلم يكونوا يدرون من أين يسمعونه لأن الكلام عرض لا يقوم إلا في جسم و لا يجوز أن يكون أراد بقوله أن الله تعالى كان من وراء حجاب يكلم عباده لأن الحجاب لا يجوز إلا على الأجسام المحدودة و عنى بقوله « أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء » إرساله ملائكته بكتبه و كلامه إلى أنبيائه ليبلغوا ذلك عنه عباده فهذا أيضا ضرب من الكلام الذي يكلم الله به عباده و يأمرهم فيه و ينهاهم من غير أن يكلمهم على سبيل ما كلم به موسى و هو خلاف الوحي الذي ذكر في أول الآية لأنه تنبيه خاطر و ليس فيه إفصاح عن أبي علي الجبائي و قال الزجاج معناه أن كلام الله للبشر إما أن يكون بإلهام يلهمهم أو بكلام من وراء حجاب كما كلم موسى أو برسالة ملك إليهم فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله ما يشاء الله « إنه علي » عن الإدراك بالأبصار « حكيم » في
مجمع البيان ج : 9 ص : 58
جميع أفعاله « و كذلك أوحينا إليك » و أي مثل ما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا إليك « روحا من أمرنا » يعني الوحي بأمرنا و معناه القرآن لأنه يهتدي به ففيه حياة من موت الكفر عن قتادة و الجبائي و غيرهما و قيل هو روح القدس عن السدي و قيل هو ملك أعظم من جبرائيل و ميكائيل كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) قالا و لم يصعد إلى السماء و أنه لفينا « ما كنت تدري » يا محمد قبل الوحي « ما الكتاب و لا الإيمان » أي ما القرآن و لا الشرائع و معالم الإيمان و قيل معناه و لا أهل الإيمان أي من الذي يؤمن و من الذي لا يؤمن و هذا من باب حذف المضاف « و لكن جعلناه نورا » أي جعلنا الروح الذي هو القرآن نورا لأن فيه معالم الدين عن السدي و قيل جعلنا الإيمان نورا لأنه طريق النجاة عن ابن عباس « نهدي به من نشاء من عبادنا » أي نرشده إلى الجنة « و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم » أي ترشد و تدعو إلى طريق مفض إلى الحق و هو الإيمان ثم فسر ذلك الصراط بقوله « صراط الله الذي له ما في السماوات و ما في الأرض » ملكا و خلقا « ألا إلى الله تصير الأمور » أي إليه ترجع الأمور و التدبير يوم القيامة فلا يملك ذلك غيره .

مجمع البيان ج : 9 ص : 59
( 43 ) سورة الزخرف مكية و آياتها تسع و ثمانون ( 89 )
مكية كلها و قيل إلا آية منها « و اسأل من أرسلنا » الآية نزلت ببيت المقدس عن مقاتل .

عدد آيها

ثمان و ثمانون آية شامي تسع في الباقين .


اختلافها

آيتان « حم » كوفي « هو مهين » حجازي بصري .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة الزخرف كان ممن يقال له يوم القيامة « يا عباد لا خوف عليكم اليوم و لا أنتم تحزنون » أدخلوا الجنة بغير حساب و عن أبي بصير قال قال أبو جعفر (عليه السلام) من أدمن قراءة حم الزخرف آمنه الله في قبره من هوام الأرض و من ضمة القبر حتى يقف بين يدي الله عز و جل ثم جاءت حتى تكون هي التي تدخله الجنة بأمر الله عز و جل .

تفسيرها

لما ختم الله سورة حمعسق بذكر القرآن و الوحي افتتح هذه السورة بذلك أيضا فقال :
مجمع البيان ج : 9 ص : 60
سورة الزخرف
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم(1) وَ الْكِتَبِ الْمُبِينِ(2) إِنَّا جَعَلْنَهُ قُرْءَناً عَرَبِيًّا لَّعَلَّكمْ تَعْقِلُونَ(3) وَ إِنَّهُ فى أُمِّ الْكِتَبِ لَدَيْنَا لَعَلىُّ حَكِيمٌ(4) أَ فَنَضرِب عَنكُمُ الذِّكرَ صفْحاً أَن كنتُمْ قَوْماً مُّسرِفِينَ(5)

القراءة

قرأ أهل المدينة و الكوفة غير عاصم إن كنتم بكسر الهمزة و الباقون بفتحها .



الحجة


قال أبو علي من قال « أن كنتم » فالمعنى لأن كنتم فأما صفحا فانتصابه من باب صنع الله لأن قوله « أ فنضرب عنكم الذكر » يدل على أن نصفح عنكم صفحا و كان قولهم صفحت عنه أي أعرضت عنه و وليته صفحة العنق فالمعنى أ فنضرب عنكم ذكر الانتقام منكم و العقوبة لكم لأن كنتم قوما مسرفين و هذا يقرب من قوله « أ يحسب الإنسان أن يترك سدى » و الكسر على أنه جزاء استغني عن جوابه بما تقدمه مثل أنت ظالم إن فعلت كذا كأنه قال : إن كنتم مسرفين نضرب .

اللغة

يقال ضربت عنه و أضربت عنه أي تركته و أمسكت عنه و يقال صفح عني بوجهه قال كثير و ذكر امرأة :
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة
فمن مل منها ذلك الوصل ملت أي معرضة بوجهها و الصفوح في صفات الله تعالى معناه العفو عن الذنب كأنه أعرض عن مجازاته تفضلا يقال صفح عن ذنبه إذا عفا و الإسراف مجاوزة الحد في العصيان .

المعنى

« حم » مر معناه « و الكتاب المبين » أقسم بالقرآن المبين للحلال و الحرام المبين ما يحتاج إليه الأنام من شرائع الإسلام « إنا جعلناه » أي أنزلناه عن السدي و قيل قلناه عن مجاهد و نظيره و يجعلون لله البنات أي يقولون « قرآنا عربيا » أي بلسان العرب و المعنى جعلناه على طريقة العرب في مذاهبهم في الحروف و المفهوم و مع ذلك فإنه لا يتمكن أحد منهم من إنشاء مثله و الابتداء بما يقاربه من علو طبقته في البلاغة و الفصاحة إما لعدم علمهم بذلك أو لأنهم صرفوا عنه على الخلاف بين العلماء فيه « لعلكم تعقلون » أي لكي تعقلوا و تتفكروا فيه فتعلموا صدق من ظهر على يده و في هذه الآية دلالة على حدوث القرآن لأن المجعول هو المحدث بعينه « و إنه » يعني القرآن « في أم الكتاب » أي في اللوح المحفوظ و إنما سمي أما لأن سائر الكتب تنسخ منه و قيل لأن أصل كل شيء أمه و القرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ كما قال بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ عن الزجاج و هو الكتاب الذي كتب الله فيه ما يكون إلى يوم القيامة لما رأى في ذلك من صلاح
مجمع البيان ج : 9 ص : 61
ملائكته بالنظر فيه و علم فيه من لطف المكلفين بالإخبار عنه « لدينا » أي الذي عندنا عن ابن عباس « لعلي » أي عال في البلاغة مظهر ما بالعباد إليه من الحاجة و قيل : معناه يعلو كل كتاب بما اختص به من كونه معجزا و ناسخا للكتب و بوجوب إدامة العمل به و بما تضمنه من الفوائد و قيل علي أن عظيم الشأن رفيع الدرجة تعظمه الملائكة و المؤمنون « حكيم » أي مظهر للحكمة البالغة و قيل حكيم دلالة على كل حق و صواب فهو بمنزلة الحكيم الذي لا ينطق إلا بالحق وصف الله تعالى القرآن بهاتين الصفتين على سبيل التوسع لأنهما من صفات الحي ثم خاطب سبحانه من لم يعتبر بالقرآن و جحد ما فيه من الحكمة و البيان فقال « أ فنضرب عنكم الذكر صفحا » و المراد بالذكر هنا القرآن أي أ فنترك عنكم الوحي صفحا فلا نأمركم و لا ننهاكم و لا نرسل إليكم رسولا « أن كنتم قوما مسرفين » أي لأن كنتم و المعنى أ فنمسك عن إنزال القرآن و نهملكم فلا نعرفكم ما يجب عليكم من أجل إنكم أسرفتم في كفركم و هذا استفهام إنكار و معناه إنا لا نفعل ذلك و أصل ضربت عنه الذكر أن الراكب إذا ركب دابة فأراد أن يصرفه عن جهة ضربه بعصى أو سوط ليعدل به إلى جهة أخرى ثم وضع الضرب موضع الصرف و العدل و قيل أن الذكر بمعنى العذاب و معناه أ حسبتم أنا لا نعذبكم أبدا عن السدي .
وَ كَمْ أَرْسلْنَا مِن نَّبىّ فى الأَوَّلِينَ(6) وَ مَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبى إِلا كانُوا بِهِ يَستهْزِءُونَ(7) فَأَهْلَكْنَا أَشدَّ مِنهُم بَطشاً وَ مَضى مَثَلُ الأَوَّلِينَ(8) وَ لَئن سأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السمَوَتِ وَ الأَرْض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ(9) الَّذِى جَعَلَ لَكمُ الأَرْض مَهْداً وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(10)

المعنى

ثم عزى سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بقوله « و كم أرسلنا من نبي في الأولين » أي في الأمم الماضية « و ما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءؤن » يعني أن الأمم الخالية التي ذكرناها كفرت بالأنبياء و سخرت منهم لفرط جهالتهم و غباوتهم و استهزأت بهم كما استهزأ قومك بك أي فلم نضرب عنهم صفحا لاستهزائهم برسلهم بل كررنا الحجج و أعدنا الرسل « فأهلكنا أشد منهم بطشا » أي فأهلكنا من أولئك الأمم بأنواع العذاب من كان أشد قوة
مجمع البيان ج : 9 ص : 62
و منعة من قومك فلا يغتر هؤلاء المشركون بالقوة و النجدة « و مضى مثل الأولين » أي سبق فيما أنزلنا إليك شبه حال الكفار الماضية بحال هؤلاء في التكذيب و لما أهلكوا أولئك بتكذيبهم رسلهم فعاقبة هؤلاء أيضا الإهلاك « و لئن سألتهم » أي إن سألت قومك يا محمد « من خلق السماوات و الأرض » أي أنشأهما و اخترعهما « ليقولن خلقهن العزيز العليم » أي لم يكن جوابهم في ذلك إلا أن يقولوا خلقهن يعني السماوات و الأرض العزيز القادر الذي لا يقهر ، العليم بمصالح الخلق و هو الله تعالى لأنهم لا يمكنهم أن يحيلوا في ذلك على الأصنام و الأوثان و هذا إخبار عن غاية جهلهم إذ اعترفوا بأن الله خلق السماوات و الأرض ثم عبدوا معه غيره و أنكروا قدرته على البعث ثم وصف سبحانه نفسه فقال « الذي جعل لكم الأرض مهدا » و قرىء مهادا و قد مضى ذكره في طه « و جعل لكم فيها سبلا » تسلكونها « لعلكم تهتدون » لكي تهتدوا إلى مقاصدكم في أسفاركم و قيل معناه لتهتدوا إلى الحق في الدين بالاعتبار الذي حصل لكم بالنظر فيها .
وَ الَّذِى نَزَّلَ مِنَ السمَاءِ مَاءَ بِقَدَر فَأَنشرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِك تخْرَجُونَ(11) وَ الَّذِى خَلَقَ الأَزْوَجَ كلَّهَا وَ جَعَلَ لَكم مِّنَ الْفُلْكِ وَ الأَنْعَمِ مَا تَرْكَبُونَ(12) لِتَستَوُا عَلى ظهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَ تَقُولُوا سبْحَنَ الَّذِى سخَّرَ لَنَا هَذَا وَ مَا كنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ(13) وَ إِنَّا إِلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ(14) وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الانسنَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ(15)

اللغة

يقال أنشر الله الخلق فنشروا أي أحياهم فحيوا قال الأعشى :
لو أسندت ميتا إلى نحرها
عاش و لم ينقل إلى قابر
حتى يقول الناس مما رأوا
يا عجبا للميت الناشر
مجمع البيان ج : 9 ص : 63
الإقران الإطاقة يقال أقرنت لهذا البعير أي أطقته .

المعنى

ثم أكد سبحانه ما قدمه بقوله « و الذي نزل من السماء ماء » أي غيثا و مطرا « بقدر » أي بقدر الحاجة لا زائدا عليها فيفسد و لا ناقصا عنها فيضر و لا ينفع و في ذلك دلالة على أنه واقع من قادر مختار قد قدره على ما تقتضيه الحكمة لعلمه بذلك « فأنشرنا » أي فأحيينا « به » أي بذلك المطر « بلدة ميتا » أي جافة يابسة بإخراج النبات و الأشجار و الزروع و الثمار « كذلك » أي مثل ما أخرج النبات من الأرض اليابسة « تخرجون » من قبوركم يوم البعث « و الذي خلق الأزواج كلها » يعني أزواج الحيوان من ذكر و أنثى و قيل معناه خلق الأشكال جميعها من الحيوان و الجماد فمن الحيوان الذكر و الأنثى و من غير الحيوان مما هو كالمقابل كالحلو و المر و الرطب و اليابس و غير ذلك و قيل الأزواج الشتاء و الصيف و الليل و النهار و الشمس و القمر و السماء و الأرض و الجنة و النار عن الحسن « و جعل لكم من الفلك » أي السفن « و الأنعام » من الإبل و البقر عن سعيد بن جبير و قيل الإبل « ما تركبون » في البحر و البر « لتستووا على ظهوره » بين سبحانه أن الغرض في خلق ما ذكر لتستووا على ظهور ما جعل لكم فالضمير في ظهوره يعود إلى لفظ ما « ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه » فتشكروا على تلك النعمة التي هي تسخير ذلك المركب « و تقولوا » معترفين بنعمه منزهين له عن شبه المخلوقين « سبحان الذي سخر لنا هذا » المركب أي ذلله لنا حتى ركبناه « و ما كنا له مقرنين » أي مطيقين مقاومين في القوة « و إنا إلى ربنا لمنقلبون » أي و لتقولوا أيضا ذلك و معناه و إنا إلى الله راجعون في آخر عمرنا على مركب آخر و هو الجنازة قال قتادة قد علمكم كيف تقولون إذا ركبتم و روي عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا استوى على بعيره خارجا في سفر كبر ثلاثا و قال « سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و إنا إلى ربنا لمنقلبون » اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر و التقوى و العمل بما ترضى اللهم هون علينا سفرنا و اطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل و المال اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر و ك آبة المنقلب و سوء المنظر في الأهل و المال و إذا رجع قال آئبون تائبون لربنا حامدون أورده مسلم في الصحيح و روى العياشي بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ذكر النعمة أن تقول الحمد لله الذي هدانا للإسلام و علمنا القرآن و من علينا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تقول بعده « سبحان الذي سخر لنا هذا » إلى آخره ثم رجع سبحانه إلى ذكر الكفار الذين تقدم ذكرهم فقال « و جعلوا له من عباده جزءا »
مجمع البيان ج : 9 ص : 64
أي نصيبا يعني حكموا بأن بعض عباده و هم الملائكة له أولاد و معنى الجعل هنا الحكم و هذا معنى قول ابن عباس و مجاهد و الحسن قالوا زعموا أن الملائكة بنات الله قال الزجاج قد أنشد بعض أهل اللغة بيتا يدل على أن معنى جزء معنى الإناث و هو :
إن أجزأت حرة يوما فلا عجب
قد تجزىء الحرة المذكار أحيانا أي أنثت و قيل أن معناه و جعلوا لله من مال عباده نصيبا فيكون كقوله و جعلوا لله مما ذرأ من الحرث و الأنعام نصيبا فحذف المضاف « إن الإنسان لكفور مبين » أي جاحد لنعم الله مظهر لكفره غير مستتر به .
أَمِ اتخَذَ مِمَّا يخْلُقُ بَنَات وَ أَصفَاكُم بِالْبَنِينَ(16) وَ إِذَا بُشرَ أَحَدُهُم بِمَا ضرَب لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظلَّ وَجْهُهُ مُسوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ(17) أَ وَ مَن يُنَشؤُا فى الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فى الخِْصامِ غَيرُ مُبِين(18) وَ جَعَلُوا الْمَلَئكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَدُ الرَّحْمَنِ إِنَثاً أَ شهِدُوا خَلْقَهُمْ ستُكْتَب شهَدَتهُمْ وَ يُسئَلُونَ(19) وَ قَالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَهُم مَّا لَهُم بِذَلِك مِنْ عِلْم إِنْ هُمْ إِلا يخْرُصونَ(20)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « ينشأ » بضم الياء و فتح النون و تشديد الشين و الباقون ينشأ بفتح الياء و سكون النون و التخفيف و قرأ أهل الكوفة و أبو عمرو « عباد الرحمن » و الباقون عند الرحمن و قرأ أهل المدينة أ أشهدوا على أفعلوا بضم الهمزة و سكون الشين و قبلها همزة الاستفهام مفتوحة ثم تخفف الثانية من غير أن يدخل بينهما ألف و بعضهم يدخل
مجمع البيان ج : 9 ص : 65
بينهما ألفا و قرأ الباقون « أ شهدوا » بفتح الألف و الشين .

الحجة

قال أبو علي يقال نشأت السحابة و نشأ الغلام فإذا نقل هذا الفعل بالهمزة كقوله ينشىء السحاب الثقال ثم أنشأناه خلقا آخر تعدى إلى مفعول و من قرأ « ينشأ » كان مثل فرح و أفرح و غرم و أغرم و موضع من نصب على تقدير اتخذوا له من ينشأ في الحلية على وجه التقريع لهم بما افتروه كما قال تعالى أم له البنات و لكم البنون و حجة من قرأ « عباد الرحمن » قوله « بل عباد مكرمون » و حجة من قرأ عند الرحمن قوله « و من عنده لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون » و قوله « إن الذين عند ربك لا يستكبرون » و في هذا دلالة على رفع المنزلة و التقريب كما قال « و لا الملائكة المقربون » و ليس من قرب المسافة و شهدت تستعمل على ضربين ( أحدهما ) بمعنى الحضور ( و الآخر ) بمعنى العلم و الذي بمعنى الحضور يتعدى إلى مفعول به يدلك على ذلك قوله :
و يوم شهدناه سليما و عامرا تقديره شهدنا فيه سليما و من ذلك قوله :
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة
يد الدهر إلا جبرئيل أمامها فهذا محذوف المفعول و التقدير فيه شهدنا المعركة فهذا الضرب إذا نقل بالهمزة تعدى إلى مفعولين تقول شهد زيد المعركة و أشهدته إياها و من ذلك قوله « ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض » و أما شهدت الذي بمعنى علمت فيستعمل على ضربين ( أحدهما ) أن يكون قسما ( و الآخر ) أن يكون غير قسم فاستعمالهم إياه قسما كاستعمالهم علم الله و يعلم الله قسمين تقول علم الله لأفعلن فيتلقاه ما يتلقى الأقسام و أنشد سيبويه :
و لقد علمت لتأتين منيتي
إن المنايا لا تطيش سهامها و حكي أن زفر كان يذهب إلى أنه إذا قال أشهد بالله كان يمينا و إن قال أشهد و لم يقل بالله لم يره يمينا و قال محمد الشيباني أشهد غير موصولة بقوله بالله مثل أشهد موصولة بقولك بالله في أنه يمين و استشهد على ذلك بقوله « قالوا نشهد إنك لرسول الله » ثم قال « و الله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة » فجعله يمينا و لم يوصل بقوله بالله و أما شهدت الذي يراد به علمت و لا يراد به حضرت فهو ضرب من العلم مخصوص فكل شهادة علم و ليس كل علم شهادة و مما يدل على اختصاصه في العلم أنه لو قال عند الحاكم أعلم أن لزيد على عمرو عشرة لم يحكم بها حتى يقول أشهد فالشهادة مثل التيقن في أنه ضرب
مجمع البيان ج : 9 ص : 66

من العلم مخصوص و ليس كل علم تيقنا و إن كان كل تيقن علما فكان معنى أشهد أيها الحاكم على كذا أعلمه علما يحضرني و قد تذلل لي فلا أتوقف فيه لوضوحه عندي و تبينه لي و ليس كذلك سبيل المعلومات كلها أ لا ترى أن منها ما يحتاج إلى توقف فيه و استدلال عليه و أما قوله « أ شهدوا خلقهم » فمن الشهادة التي هي الحضور كأنهم وبخوا على أن قالوا ما لم يحضروه مما حكمه أن يعلم بالمشاهدة و من قال أشهدوا خلقهم فالمعنى أحضروا ذلك و كان الفعل متعديا إلى مفعولين فلما بني للمفعول به نقص مفعولا فتعدى الفعل إلى مفعول واحد و يقوي هذه القراءة ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض و أما قوله إني أشهد الله و اشهدوا أني بريء فحذف المفعول الأول على حد ضربني و ضربت و هذا منقول من شهد بكذا إلا أن حرف الجر يحذف مع أن و أن .



المعنى


ثم أنكر سبحانه عليهم قولهم فقال « أم » و هذا استفهام إنكار و توبيخ و معناه بل « اتخذ مما يخلق بنات » أي اتخذ ربكم لنفسه البنات « و أصفاكم » أي أخلصكم « بالبنين » و هذا كقوله أ فأصفاكم ربكم بالبنين الآية ثم زاد في الاحتجاج عليهم بأن قال « و إذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا » أي بما جعل لله شبها و ذلك أن ولد كل شيء شبهه و جنسه فالمعنى و إذا بشر أحدهم بولادة ابنة له « ظل وجهه مسودا » بما يلحقه من الغم بذلك « و هو كظيم » أي مملوء كربا و غيظا ثم وبخهم بما افتروه فقال « أ و من ينشؤا في الحلية » أي أ و جعلوا من ينشؤا في الحلية أي في زينة النساء لله عز و جل يعني البنات « و هو في الخصام » يعني المخاصمة « غير مبين » للحجة قال قتادة قل ما تتكلم امرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها أي لا يمكنها أن تبين الحجة عند الخصومة لضعفها و سفهها و قيل معناه أ و تعبدون من ينشأ في الحلية و لا يمكنه أن ينطق بحجته و يعجز عن الجواب و هم الأصنام فإنهم كانوا يحلونها بالحلي عن ابن زيد و إنما قال « و هو في الخصام » و لم يقل و هي لأنه حمله على لفظ من « و جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا » بأن زعموا أنهم بنات الله « أ شهدوا خلقهم » هذا رد عليهم أي أ حضروا خلقهم حتى علموا أنهم إناث و هذا كقوله أم خلقنا الملائكة إناثا و هم شاهدون « ستكتب شهادتهم » بذلك « و يسألون » عنها يوم القيامة « و قالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم » أي لو شاء الرحمن أن لا نعبدهم ما عبدناهم فإنما عبدناهم بمشيئة الله « ما لهم بذلك من علم » أي لا يعلمون
مجمع البيان ج : 9 ص : 67

صحة ما يقولون هذا إشارة إلى بطلان قولهم لما لم يصدر عن دليل و علم « إن هم إلا يخرصون » أي ما هم إلا كاذبون قال أبو حامد كذبهم الله تعالى لأنهم أنكروا التوحيد بإضافتهم الولد إليه سبحانه و فارقوا العدل بإضافتهم الكفر إلى مشيئة الله تعالى .
أَمْ ءَاتَيْنَهُمْ كتَباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُستَمْسِكُونَ(21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلى أُمَّة وَ إِنَّا عَلى ءَاثَرِهِم مُّهْتَدُونَ(22) وَ كَذَلِك مَا أَرْسلْنَا مِن قَبْلِك فى قَرْيَة مِّن نَّذِير إِلا قَالَ مُترَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلى أُمَّة وَ إِنَّا عَلى ءَاثَرِهِم مُّقْتَدُونَ(23) * قَلَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتمْ عَلَيْهِ ءَابَاءَكمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَفِرُونَ(24) فَانتَقَمْنَا مِنهُمْ فَانظرْ كَيْف كانَ عَقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(25)

القراءة

قرأ ابن عامر و حفص قال أ و لو و قرأ الباقون « قل أ و لو » و قرأ أبو جعفر جئناكم و الباقون « جئتكم » .

الحجة

قال أبو علي من قرأ قال فالمعنى قال لهم النذير أ و لو جئتكم و من قرأ « قل » فإنه يكون حكاية ما أوحي إلى النذير كأنه أوحينا إليه فقلنا له قل لهم أ و لو جئتكم بأهدى من ذلك .

المعنى

لما حكى الله سبحانه تخرص من أضاف عبادة الأصنام و الملائكة إلى مشيئة الله قال « أم آتيناهم كتابا » و هو استفهام بمعنى التقرير لهم على خطإهم و التقدير أ هذا الذي ذكروه شيء تخرصوه و افتعلوه أم آتيناهم كتابا « من قبله فهم به مستمسكون » أي مستمسكون بذلك فإذا لم يمكنهم ادعاء أن الله تعالى أنزل بذلك كتابا علم أن ذلك من تخرصهم و دل أم على حذف حرف الاستفهام لأنه المعادلة له ثم أعلم أنهم اتبعوا آباءهم في
مجمع البيان ج : 9 ص : 68
الضلالة فقال ليس الأمر كذلك « بل قالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة » أي على ملة و طريقة عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و السدي و قيل على جماعة أي كانوا مجتمعين موافقين على ما نحن عليه عن الجبائي « و إنا على آثارهم مهتدون » نهتدي بهداهم ثم قال سبحانه « و كذلك » أي و مثل ما قال هؤلاء في الحوالة على تقليد آبائهم في الكفر « ما أرسلنا من قبلك » يا محمد « في قرية » و مجمع من الناس « من نذير » أي نذيرا لأن من زائدة « إلا قال مترفوها » و هم المتنعمون الذين آثروا الترفه على طلب الحجة يريد الرؤساء « إنا وجدنا آبائنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون » نقتدي بهم فلا نخالفهم و أحال جميعهم على التقليد للآباء فحسب دون الحجة و التقليد قبيح في العقول إذ لو كان جائزا لكان يلزم في ذلك أن يكون الحق في الشيء و نقيضه فكل فريق يقلد أسلافه مع أن كلا منهم يعتقد أن من سواه على خطأ و ضلال و هذا باطل لا شبهة في بطلانه فإذا لا بد من الرجوع إلى حجة عقلية أو سمعية ثم قال سبحانه للنذير « قل » لهم « أ و لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم » تتبعون ما وجدتم عليه آباءكم و لا تقبلون ما جئتكم به و في هذا أحسن التلطف في الاستدعاء إلى الحق و هو أنه لو كان ما يدعونه حقا و هدى و كان ما جئتكم به من الحق أهدى منه كان أوجب أن يتبع و يرجع إليه ثم أخبر أنهم أبوا أن يقبلوا ذلك و « قالوا إنا بما أرسلتم به » أيها الرسل « كافرون » ثم ذكر سبحانه ما فعل بهم فقال « فانتقمنا منهم » بأن أهلكناهم و عجلنا عقوبتهم « فانظر كيف كان عاقبة المكذبين » أنبياء الله و الجاحدين لهم و في هذا إشارة إلى أن العاقبة المحمودة تكون لأهل الحق و المصدقين لرسل الله .
وَ إِذْ قَالَ إِبْرَهِيمُ لأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنى بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ(26) إِلا الَّذِى فَطرَنى فَإِنَّهُ سيهْدِينِ(27) وَ جَعَلَهَا كلِمَةَ بَاقِيَةً فى عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(28) بَلْ مَتَّعْت هَؤُلاءِ وَ ءَابَاءَهُمْ حَتى جَاءَهُمُ الحَْقُّ وَ رَسولٌ مُّبِينٌ(29) وَ لَمَّا جَاءَهُمُ الحَْقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَ إِنَّا بِهِ كَفِرُونَ(30)

اللغة

تقول العرب إنا براء منك و نحن براء منك الذكر و الأنثى و الاثنان و الجماعة
مجمع البيان ج : 9 ص : 69
فيه سواء و المعنى أنا ذو براء منك كما قالوا رجل عدل و قوم عدل أي ذو عدل و ذوو عدل .

المعنى


« و إذ قال إبراهيم لأبيه و قومه » حين رآهم يعبدون الأصنام و الكواكب « إنني برآء » أي بريء « مما تعبدون » ثم استثنى خالقه من جملة ما كانوا يعبدون فقال « إلا الذي فطرني » أي سوى الله الذي خلقني و ابتدأني و تقديره إلا من الذي فطرني قال قتادة : كانوا يقولون الله ربنا مع عبادتهم الأوثان « فإنه سيهدين » إلى طريق الجنة بلطف من ألطافه و قيل سيهديني إلى الحق بما نصب لي من الأدلة و فيه بيان ثقته بالله تعالى و دعاء لقومه إلى أن يطلبوا الهداية من عنده « و جعلها كلمة باقية في عقبه » أي جعل كلمة التوحيد و هي قول لا إله إلا الله كلمة باقية في ذرية إبراهيم و نسله فلم يزل فيهم من يقولها عن قتادة و مجاهد و السدي و قيل جعل هذه الكلمة التي قالها إبراهيم و هو براءة من الشرك باقية في ولده من بعده و قيل الكلمة الباقية في عقبه هي الإمامة إلى يوم الدين عن أبي عبد الله (عليه السلام) و اختلف في عقبه من هم فقيل ذريته و ولده عن ابن عباس و مجاهد و قيل ولده إلى يوم القيامة عن الحسن و قيل هم آل محمد عن السدي « لعلهم يرجعون » أي لعلهم يتوبون و يرجعون عما هم عليه إلى الاقتداء بأبيهم إبراهيم في توحيد الله تعالى كما اقتدى الكفار ب آبائهم عن الفراء و الحسن و قيل لعلهم يرجعون عما هم عليه إلى عبادة الله تعالى ثم ذكر سبحانه نعمه على قريش فقال « بل متعت هؤلاء و آبائهم » المشركين بأنفسهم و أموالهم و أنواع النعم و لم أعاجلهم بالعقوبة لكفرهم « حتى جاءهم الحق » أي القرآن عن السدي و قيل الآيات الدالة على الصدق « و رسول مبين » يبين الحق و يظهره و هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و لما جاءهم الحق » أي القرآن « قالوا هذا سحر » أي حيلة خفية و تمويه « و إنا به كافرون » جاحدون لكونه من قبل الله تعالى .

النظم

وجه اتصال قصة إبراهيم (عليه السلام) بما قبلها أنه سبحانه لما ذم التقليد و أوجب اتباع الحق و الدليل أتبعه بذكر إبراهيم الخليل حيث أتبع الحجة و أوضح المحجة و قيل أنه سبحانه لما ذم التقليد و ذكر أن الكفار أبوا إلا ذلك ذكر أن تقليد إبراهيم أولى لأنهم من أولاده و ذريته و يدعون إنهم على طريقته و إنما اتصل قوله « بل متعت هؤلاء و آباءهم » بما تقدمه من ذكر إعراضهم عن الحجة و تعويلهم على التقليد فبين سبحانه أنهم أتوا من قبل نفوسهم فقد أزيحت علتهم بأن أمهلوا و متعوا ثم جاءهم الحق فلم يؤمنوا .

مجمع البيان ج : 9 ص : 70
وَ قَالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلى رَجُل مِّنَ الْقَرْيَتَينِ عَظِيم(31) أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَت رَبِّك نحْنُ قَسمْنَا بَيْنهُم مَّعِيشتهُمْ فى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ رَفَعْنَا بَعْضهُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجَت لِّيَتَّخِذَ بَعْضهُم بَعْضاً سخْرِيًّا وَ رَحْمَت رَبِّك خَيرٌ مِّمَّا يجْمَعُونَ(32) وَ لَوْ لا أَن يَكُونَ النَّاس أُمَّةً وَحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتهِمْ سقُفاً مِّن فِضة وَ مَعَارِجَ عَلَيهَا يَظهَرُونَ(33) وَ لِبُيُوتهِمْ أَبْوَباً وَ سرُراً عَلَيهَا يَتَّكِئُونَ(34) وَ زُخْرُفاً وَ إِن كلُّ ذَلِك لَمَّا مَتَعُ الحَْيَوةِ الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةُ عِندَ رَبِّك لِلْمُتَّقِينَ(35)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو و أبو جعفر سقفا بفتح السين و الباقون « سقفا » بضم السين و القاف و قرأ عاصم و حمزة « و إن كل ذلك لما » بتشديد الميم و الباقون لما خفيفة الميم .

الحجة

قال أبو علي سقف جمع سقف مثل رهن و رهن و يخفف فيقال رهن و فعل في الجمع يخفف و سقف واحد يدل على الجمع أ لا ترى أنه علم بقوله « لبيوتهم » إن لكل بيت سقفا و من شدد « لما » كانت أن عنده بمنزلة ما النافية فالمعنى ما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا و لما في معنى إلا حكى سيبويه نشدتك الله لما فعلت و حمله على إلا و هذه الآية تدل على فساد قول من قال إن قوله « و إن كل لما جميع لدينا محضرون » إن المعنى لمن هو جميع لدينا حاضرون و زعموا أن في حرف أبي و ما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا و من قرأ لما بالتخفيف فإن إن في قوله « و إن كل » هي المخففة من الثقيلة و اللام فيها هي التي تدخل لتفصل بين النفي و الإيجاب في قوله :
هبلتك أمك أن قتلت لفارسا و من نصب بها مخففة فقال إن زيدا لمنطلق استغني عن هذه اللام لأن النافية لا ينتصب بعدها اسم فلا يقع اللبس و ما فيه زيادة و المعنى و إن كل ذلك لمتاع الحياة الدنيا .

مجمع البيان ج : 9 ص : 71

اللغة

المعارج الدرج واحدها معرج و العروج الصعود و ظهر عليه إذا علاه و صعده قال النابغة الجعدي :
بلغنا السماء مجدنا و جدودنا
و إنا لنرجو فوق ذلك مظهرا و السرر جمع سرير و يجمع على أسرة أيضا و الزخرف كمال حسن الشيء و منه قيل للذهب زخرف و يقال زخرفه زخرفة إذا حسنه و زينه و منه قيل للنقوش و التصاوير زخرف و في الحديث أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يدخل الكعبة حتى أمر بالزخرف فنحي .

المعنى


« و قالوا » أي و قال هؤلاء الكفار « لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم » يعنون بالقريتين مكة و الطائف و تقدير الآية على رجل عظيم من القريتين أي من إحدى القريتين فحذف المضاف و يعنون بالرجل العظيم من إحدى القريتين الوليد بن المغيرة من مكة و أبا مسعود عروة بن مسعود الثقفي من الطائف عن قتادة و قيل عتبة بن أبي ربيعة من مكة و ابن عبد ياليل من الطائف عن مجاهد و قيل الوليد بن المغيرة من مكة و حبيب بن عمر الثقفي من الطائف عن ابن عباس و إنما قالوا ذلك لأن الرجلين كانا عظيمي قومهما و ذوي الأموال الجسيمة فيهما فدخلت الشبهة عليهم حتى اعتقدوا أن من كان كذلك كان أولى بالنبوة فقال سبحانه ردا عليهم « أ هم يقسمون رحمة ربك » يعني النبوة بين الخلق بين سبحانه أنه هو الذي يقسم النبوة لا غيره و المعنى أ بأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاءوا عن مقاتل ثم قال سبحانه « نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا » أي نحن قسمنا الرزق في المعيشة على حسب ما علمناه من مصالح عبادنا فليس لأحد أن يتحكم في شيء من ذلك فكما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق فكذلك اصطفينا للرسالة من نشاء و قوله « و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات » معناه أفقرنا البعض و أغنينا البعض فتلقى ضعيف الحيلة عيي اللسان و هو مبسوط له و تلقى شديد الحيلة بسيط اللسان و هو مقتر عليه و لم نفوض ذلك إليهم مع قلة خطره بل جعلناه على ما توجبه الحكمة و المصلحة فكيف نفوض اختيار النبوة إليهم مع عظم محلها و شرف قدرها و قوله « ليتخذ بعضهم بعضا سخريا » معناه أن الوجه في اختلاف الرزق بين العباد في الضيق و السعة زيادة على ما فيه من المصلحة أن في ذلك تسخيرا من بعض العباد لبعض بإحواجهم إليهم
مجمع البيان ج : 9 ص : 72
يستخدم بعضهم بعضا فينتفع أحدهم بعمل الآخر له فينتظم بذلك قوام أمر العالم و قيل معناه ليملك بعضهم بعضا بما لهم فيتخذونهم عبيدا و مماليك عن قتادة و الضحاك « و رحمة ربك خير مما يجمعون » أي و رحمة الله سبحانه و نعمته من الثواب و الجنة خير مما يجمعه هؤلاء من حطام الدنيا و قيل معناه و النبوة لك من ربك خير مما يجمعونه من الأموال عن ابن عباس ثم أخبر سبحانه عن هوان الدنيا عليه و قلة مقدارها عنده فقال « و لو لا أن يكون الناس أمة واحدة » أي لو لا أن يجتمع الناس على الكفر فيكونوا كلهم كفارا على دين واحد لميلهم إلى الدنيا و حرصهم عليها عن ابن عباس و الحسن و قتادة و السدي و قيل معناه و لو لا أن يجتمع الناس على اختيار الدنيا على الدين عن ابن زيد « لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة » قوله « لبيوتهم » بدل من قوله « لمن يكفر » و المعنى لجعلنا لبيوت من يكفر بالرحمن سقفا من فضة فالسقف إذا كان من فضة فالحيطان من فضة و قيل إن اللام الثانية بمعنى على فكأنه قال لجعلنا لمن يكفر بالرحمن على بيوتهم سقفا من فضة و قال مجاهد ما يكون من السماء فهو سقف بالفتح و ما يكون من البيت فهو سقف بضمتين و منه قوله « و جعلنا السماء سقفا محفوظا » « و معارج عليها يظهرون » أي و جعلنا درجا و سلاليم من فضة لتلك السقف عليها يعلون و يصعدون « و لبيوتهم أبوابا و سررا » أي و جعلنا لبيوتهم أبوابا و سررا من فضة « عليها » أي على تلك السرر « يتكئون و زخرفا » أي ذهبا عن ابن عباس و الضحاك و قتادة و هو منصوب بفعل مضمر أي و جعلنا لهم مع ذلك ذهبا و قيل الزخرف النقوش عن الحسن و قيل هو الفرش و متاع البيت عن ابن زيد و المعنى لأعطي الكافر في الدنيا غاية ما يتمناه فيها لقلتها و حقارتها عنده و لكنه سبحانه لم يفعل ذلك لما فيه من المفسدة ثم أخبر سبحانه أن جميع ذلك إنما يتمتع به في الدنيا فقال « و إن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا » و قد مر بيانه « و الآخرة » أي الجنة الباقية « عند ربك للمتقين » خاصة لهم قال الحسن و الله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها و ما فعل سبحانه ذلك فكيف لو فعله و في هذه الآية دلالة على اللطف و أنه تعالى لا يفعل المفسدة و ما يدعو إلى الكفر و إذا لم يفعل ما يؤدي إلى الكفر فلان لا يفعل الكفر و لا يريده أولى .

مجمع البيان ج : 9 ص : 73
وَ مَن يَعْش عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّض لَهُ شيْطناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ(36) وَ إِنهُمْ لَيَصدُّونهُمْ عَنِ السبِيلِ وَ يحْسبُونَ أَنهُم مُّهْتَدُونَ(37) حَتى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَلَيْت بَيْنى وَ بَيْنَك بُعْدَ الْمَشرِقَينِ فَبِئْس الْقَرِينُ(38) وَ لَن يَنفَعَكمُ الْيَوْمَ إِذ ظلَمْتُمْ أَنَّكمْ فى الْعَذَابِ مُشترِكُونَ(39) أَ فَأَنت تُسمِعُ الصمَّ أَوْ تهْدِى الْعُمْىَ وَ مَن كانَ فى ضلَل مُّبِين(40)

القراءة

قرأ عاصم في رواية حماد و يعقوب يقيض بالياء و الباقون « نقيض » بالنون و قرأ أهل العراق غير أبي بكر « حتى إذا جاءنا » على الواحد و الباقون جاءانا على الاثنين .

الحجة


من قرأ يقيض بالياء فالضمير يعود إلى الرحمن و من قرأ بالنون فالمعنى على ذلك لكنه سبحانه أخبر عن نفسه بنون العظمة و من قرأ جاءانا على التثنية فهو الكافر و قرينة و من قرأ جاءنا فهو الكافر لأنه أفرد بالخطاب في الدنيا و أقيمت عليه الحجة بإنفاذ الرسول إليه فاجتزىء بالواحد عن الاثنين كما قال لينبذن في الحطمة و المراد لينبذن هو و ماله .

اللغة

العشو أصله النظر ببصر ضعيف يقال عشا يعشو عشوا و عشوا إذا ضعف بصره و أظلمت عينه كان عليها غشاوة و قال الأعشى :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
تجد خير نار عندها خير موقد و إذا ذهب البصر قيل عشي يعشى عشا و الرجل أعشى و قرأ في الشواذ و من يعش بفتح الشين و معناه يعم و يقال عشا إلى النار إذا أتاها و قصد لها و عشا عنها إذا أعرض عنها قاصدا لغيرها كقولهم مال إليه و مال عنه و التقييض الإتاحة .
الأزهري قيض الله فلانا لفلان جاء به .

المعنى

لما تقدم ذكر الوعد للمتقين عقبه بذكر الوعيد لمن هو على ضد صفتهم فقال « و من يعش عن ذكر الرحمن » أي يعرض عنه عن قتادة و السدي و قيل معناه و من يعم عنه عن ابن عباس و ابن زيد قال الجبائي شبههم بالأعمى لما لم يبصروا الحق و الذكر هو القرآن و قيل هو الآيات و الأدلة « نقيض له شيطانا فهو له قرين » أي نخل بينه و بين الشيطان الذي يغويه و يدعوه إلى الضلالة فيصير قرينة عوضا عن ذكر الله عن الحسن و أبي مسلم قال الحسن و هو الخذلان عقوبة له عن الإعراض حين علم أنه لا يفلح و قيل معناه نقرن به شيطانا
مجمع البيان ج : 9 ص : 74
في الآخرة يلزمه فيذهب به إلى النار كما أن المؤمن يقرن به ملك فلا يفارقه حتى يصير به إلى الجنة عن قتادة و قيل أراد به شياطين الإنس نحو علماء السوء و رؤساء الضلالة يصدونهم عن سبيل الله فيتبعونهم « و إنهم » يعني و إن الشياطين و إنما جمع لأن قوله « و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا » في مذهب جمع و إن كان اللفظ على الواحد « ليصدونهم » أي يصرفون هؤلاء الكفار « عن السبيل » أي عن طريق الجنة « و يحسبون أنهم مهتدون » أي و يحسب الكفار أنهم على الهدى فيتبعونهم « حتى إذا جاءنا » من قرأ على التثنية فالمعنى جاءنا الشيطان و من أغواه يوم القيامة الذي يتولى سبحانه حساب الخلق فيه و من قرأ على التوحيد فالمعنى حتى إذا جاءنا الكافر و علم ما يستحقه من العقاب « قال » في ذلك الوقت لقرينة الذي أغواه « يا ليت بيني و بينك بعد المشرقين » يعني المشرق و المغرب فغلب أحدهما كما قال الشاعر :
أخذنا ب آفاق السماء عليكم
لنا قمراها و النجوم الطوالع يعني الشمس و القمر و قيل يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إبراهيم (عليه السلام) و قيل أراد بالمشرقين مشرق الشتاء و مشرق الصيف كما في قوله « رب المشرقين » و المراد يا ليت بيني و بينك هذا البعد مسافة فلم أرك و لا اغتررت بك « فبئس القرين » كنت لي في الدنيا حيث أضللتني و أوردتني النار و بئس القرين أنت لي اليوم فإنهما يكونان مشدودين في سلسلة واحدة زيادة عقوبة و غم عن ابن عباس و يقول الله سبحانه في ذلك اليوم للكفار « و لن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون » أي لا يخفف الاشتراك عنكم شيئا من العذاب لأن لكل واحد من الكفار و الشياطين الحظ الأوفر من العذاب و قيل معناه أنه لا تسلي لهم عما هم فيه بما يرونه بغيرهم من العذاب لأنه قد يتسلى الإنسان عن المحنة إذا رأى إن عدوه في مثلها ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « أ فأنت تسمع الصم أو تهدي العمي » شبه الكفار في عدم انتفاعهم بما يسمعونه و يرونه بالصم و العمي « و من كان في ضلال مبين » أي بين ظاهر مضاف معناه لا يضيقن صدرك فإنك لا تقدر على إكراههم على الإيمان .

مجمع البيان ج : 9 ص : 75
فَإِمَّا نَذْهَبنَّ بِك فَإِنَّا مِنهُم مُّنتَقِمُونَ(41) أَوْ نُرِيَنَّك الَّذِى وَعَدْنَهُمْ فَإِنَّا عَلَيهِم مُّقْتَدِرُونَ(42) فَاستَمْسِك بِالَّذِى أُوحِىَ إِلَيْك إِنَّك عَلى صِرَط مُّستَقِيم(43) وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّك وَ لِقَوْمِك وَ سوْف تُسئَلُونَ(44) وَ سئَلْ مَنْ أَرْسلْنَا مِن قَبْلِك مِن رُّسلِنَا أَ جَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ(45)

الإعراب

لما دخل ما على حرف الشرط أشبه القسم في التأكيد و الإيذان بطلب التصديق فدخلت النون في الكلام لذلك لأن النون يلزم في جواب القسم و لا يلزم في الجزاء لأنه به مشبه .

المعنى

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون » أي فإما نتوفينك فإنا منهم منتقمون من أمتك بعدك « أو نرينك الذي وعدناهم » معناه أو نبقينك و نرينك في حياتك ما وعدناهم من العذاب « فإنا عليهم مقتدرون » أي قادرون على الانتقام منهم و عقوبتهم في حياتك و بعد وفاتك قال الحسن و قتادة أن الله أكرم نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأن لم يره تلك النقمة و لم ير في أمته إلا ما قرت به عينه و قد كان بعده نقمة شديدة و قد روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أري ما تلقى أمته بعده فما زال منقبضا و لم ينبسط ضاحكا حتى لقي الله تعالى و روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال إني لأدناهم من رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في حجة الوداع بمنى حتى قال لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض و أيم الله لئن فعلتموها لتعرفنني في الكتيبة التي تضار بكم ثم التفت إلى خلفه فقال أو علي أو علي ثلاث مرات فرأينا أن جبرائيل غمزه فأنزل الله على أثر ذلك « فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون » بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) و قيل إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أري الانتقام منهم و هو ما كان من نقمة الله من المشركين يوم بدر بعد أن أخرجوه من مكة فقد أسر منهم و قتل من قلة أصحابه و ضعف منتهم و كثرة الكفار و شدة شوكتهم ثم أمره سبحانه بالتمسك بالقرآن فقال « فاستمسك بالذي أوحي إليك » من القرآن بأن تتلوه حق تلاوته و تتبع أوامره و تنتهي عما نهي فيه عنه « إنك على صراط مستقيم » أي على دين حق و صواب و هو دين الإسلام « و إنه لذكر لك و لقومك » أي و إن القرآن الذي أوحي إليك لشرف لك و لقومك من قريش عن ابن عباس و السدي و قيل لقومك أي للعرب لأن القرآن نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص من العرب حتى يكون الشرف لقريش أكثر من غيرهم ثم لبني هاشم أكثر مما يكون لقريش « و سوف
مجمع البيان ج : 9 ص : 76
تسئلون » عن شكر ما جعله الله لكم من الشرف عن الكلبي و الزجاج و غيرهما و قيل تسألون عن القرآن و عما يلزمكم من القيام بحقه « و أسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا » معناه سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلنا إليهم الرسل هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد و هو قول أكثر المفسرين و التقدير سل أمم من أرسلنا أو أتباع من أرسلنا فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه و قيل إن المراد سل أهل الكتابين التوراة و الإنجيل و إن كانوا كفارا فإن الحجة تقوم بتواتر خبرهم و الخطاب و إن توجه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فالمراد به الأمة أي سلوا من ذكرنا « أ جعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون » أي هل جعلنا فيما مضى معبودا سوى الله يعبده قوم فإنهم يقولون إنا لم نأمرهم بذلك و لا تعبده هم به و قيل معناه و سل الأنبياء و هم الذين جمعوا له ليلة الأسرى و كانوا تسعين نبيا منهم موسى و عيسى و لم يسألهم (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه كان أعلم بالله منهم عن الزهري و سعيد بن جبير و ابن زيد .

مجمع البيان ج : 9 ص : 77
وَ لَقَدْ أَرْسلْنَا مُوسى بِئَايَتِنَا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلايهِ فَقَالَ إِنى رَسولُ رَب الْعَلَمِينَ(46) فَلَمَّا جَاءَهُم بِئَايَتِنَا إِذَا هُم مِّنهَا يَضحَكُونَ(47) وَ مَا نُرِيهِم مِّنْ ءَايَة إِلا هِىَ أَكبرُ مِنْ أُخْتِهَا وَ أَخَذْنَهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(48) وَ قَالُوا يَأَيُّهَ الساحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّك بِمَا عَهِدَ عِندَك إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ(49) فَلَمَّا كَشفْنَا عَنهُمُ الْعَذَاب إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ(50) وَ نَادَى فِرْعَوْنُ فى قَوْمِهِ قَالَ يَقَوْمِ أَ لَيْس لى مُلْك مِصرَ وَ هَذِهِ الأَنْهَرُ تجْرِى مِن تحْتى أَ فَلا تُبْصِرُونَ(51) أَمْ أَنَا خَيرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَ لا يَكادُ يُبِينُ(52) فَلَوْ لا أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسوِرَةٌ مِّن ذَهَب أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَئكةُ مُقْترِنِينَ(53) فَاستَخَف قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فَسِقِينَ(54)

القراءة

قرأ حفص و يعقوب و سهل « أسورة » و الباقون أساورة .

الحجة

الأسورة جمع سوار مثل سقاء و أسقية و خوان و أخونة و من قرأ أساورة جعله جمع أسوار فتكون الهاء عوضا عن الياء التي كانت ينبغي أن تلحق في جمع أسوار على حد أعصار و أعاصير و يجوز في أساورة أن يكون جمع أسورة فيكون مثل أسقية و أساق و لحق الهاء كما لحق في قشعم و قشاعمة .

المعنى

ثم ذكر سبحانه حديث موسى (عليه السلام) فقال « و لقد أرسلنا موسى ب آياتنا » أي بالحجج الباهرة و المعجزات القاهرة « إلى فرعون و ملإيه » أي أشراف قومه و خص الملأ بالذكر و إن كان أيضا مرسلا إلى غيرهم لأن من عداهم تبع لهم « فقال » موسى « إني رسول رب العالمين » أرسلني إليكم « فلما جاءهم ب آياتنا » أي فلما أظهر المعجزات التي هي اليد البيضاء و العصا « إذا هم منها يضحكون » استهزاء و استخفافا و جهلا منهم بما عليهم من ترك النظر فيها و بما لهم من النفع بحصول العلم بها « و ما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها » المراد بذلك ما ترادف عليهم من الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و الطمس و كانت كل آية من هذه الآيات أكبر من التي قبلها و هي العذاب المذكور في قوله « و أخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون » لأنهم عذبوا بهذه الآيات و كانت عذابا لهم و معجزات لموسى (عليه السلام) فغلب عليهم الشقاء و لم يؤمنوا « و قالوا يا أيه الساحر » يعنون بذلك يا أيها العالم و كان الساحر عندهم عظيما يعظمونه و لم يكن صفة ذم عن الكلبي و الجبائي و قيل إنما قالوا استهزاء بموسى (عليه السلام) عن الحسن و قيل معناه يا أيها الذي سلبنا بسحره تقول العرب خاصمته فخصمته و حاججته فحججته فكذلك ساحرته و أرادوا أنه غالب السحرة فغلبهم بسحره « ادع لنا ربك بما عهد عندك » أي بما زعمت أنه عهد عندك و هو أنه ضمن لنا أنا إذا آمنا بك أن يكشف العذاب عنا « إننا لمهتدون » أي راجعون إلى الحق الذي تدعونا إليه متى كشف عنا العذاب و في الكلام حذف لأن التقدير فدعا موسى و سأل ربه أن يكشف عنهم ذلك العذاب فكشف الله عنهم ذلك « فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون » أي يغدرون و ينقضون العهد و في هذا تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المعنى فاصبر يا محمد على أذى قومك فإن حالك معهم كحال موسى مع قومه فيؤول أمرك إلى الاستعلاء
مجمع البيان ج : 9 ص : 78
على قومك كما آل أمره إلى ذلك « و نادى فرعون في قومه » معناه أنه لما رأى أمر موسى يزيد على الأيام ظهورا و اعتلاء خاف على مملكته فأظهر الخداع فخطب الناس بعد ما اجتمعوا و « قال يا قوم أ ليس لي ملك مصر » أتصرف فيها كما أشاء أراد بذلك إظهار بسطته في الملك و المال « و هذه الأنهار » مثل النيل و غيرها « تجري من تحتي » أي من تحت أمري و قيل إنها كانت تجري تحت قصره و هو مشرف عليها « أ فلا تبصرون » هذا الملك العظيم و قوتي و ضعف موسى « أم أنا خير من هذا الذي هو مهين » أي ضعيف حقير يعني به موسى قال سيبويه و الخليل عطف أنا بأم على قوله « أ فلا تبصرون » لأن معنى أم أنا خير معنى أم تبصرون فكأنه قال أ فلا تبصرون أم تبصرون لأنهم إذا قالوا له أنت خير منه فقد صاروا بصراء عنده و قيل المهين الفقير الذي يمتهن نفسه في جميع ما يحتاج إليه ليس له من يكفيه أمره « و لا يكاد يبين » أي و لا يكاد يفصح بكلامه و حججه للعقدة التي في لسانه و قال الحسن كانت العقدة زالت عن لسانه حين أرسله الله كما قال مخبرا عن نفسه و أحلل عقدة من لساني ثم قال قد أوتيت سؤلك يا موسى و إنما عيره بما كان في لسانه قبل و قيل كان في لسانه لثغة فرفعه الله تعالى و بقي فيه ثقل عن الجبائي « فلو لا ألقي عليه أسورة من ذهب » أي هلا طرح عليه أسورة من ذهب إن كان صادقا في نبوته و كان إذا سودوا رجلا سوروه بسوار من ذهب و طوقوه بطوق من ذهب « أو جاء معه الملائكة مقترنين » متتابعين يعينونه على أمره الذي بعث له و يشهدون له بصدقة و قيل متعاضدين متناصرين كل واحد منهم يمالىء صاحبه « فاستخف قومه » و معناه إن فرعون استخف عقول قومه « فأطاعوه » فيما دعاهم إليه لأنه احتج عليهم بما ليس بدليل و هو قوله « أ ليس لي ملك مصر » إلى آخره و لو عقلوا لقالوا ليس في ملك الإنسان دلالة على أنه محق و ليس يجب أن يأتي مع الرسل ملائكة لأن الذي يدل على صدق الرسل هو المعجز دون غيره « إنهم كانوا قوما فاسقين » أي خارجين عن طاعة الله تعالى .

النظم


وجه اتصال قصة موسى (عليه السلام) بما قبلها أنه لما تقدم السؤال عن أحوال الرسل و ما جاءوا به اتصل به حديث موسى و عيسى (عليهماالسلام) لأن أهل الكتابين إليهما ينتسبون و قيل أنه لما تقدم ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تكذيب قومه إياه ذكر حديث موسى تسلية له و تطيبا لقلبه (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
 

Back Index Next