جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج9 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم و قال كعب نعم الرجل الصالح ذم الله قومه

مجمع البيان ج : 9 ص : 101
و لم يذمه و روى الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن تبعا قال للأوس و الخزرج كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي أما أنا لو أدركته لخدمته و خرجت معه « و الذين من قبلهم » يعني من تقدمهم من قوم نوح و عاد و ثمود « أهلكناهم » معناه أنهم ليسوا بأفضل منهم و قد أهلكناهم بكفرهم و هؤلاء مثلهم بل أولئك كانوا أكثر قوة و عددا فإهلاك هؤلاء أيسر « إنهم كانوا مجرمين » أي كافرين فليحذر هؤلاء أن ينالهم مثل ما نال أولئك « و ما خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما لاعبين » أي لم نخلق ذلك لا لغرض حكمي بل خلقناهما لغرض حكمي و هو أن ننفع المكلفين بذلك و نعرضهم للثواب و ننفع سائر الحيوانات بضروب المنافع و اللذات و « ما خلقناهما إلا بالحق » أي إلا بالعلم الداعي إلى خلقهما و العلم لا يدعو إلا إلى الصواب و الحق و قيل معناه ما خلقناهما إلا للحق و هو الامتحان بالأمر و النهي و التمييز بين المحسن و المسيء لقوله ليجزي الذين أساءوا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا الآية و قيل معناه ما خلقناهما إلا على الحق الذي يستحق به الحمد خلاف الباطل الذي يستحق به الذم « و لكن أكثرهم لا يعلمون » صحة ما قلناه لعدولهم عن النظر فيه و لا استدلال على صحته « إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين » يعني اليوم الذي يفصل فيه بين المحق و المبطل و هو يوم القيامة و قيل معناه يوم الحكم ميقات قوم فرعون و قوم تبع و من قبلهم و مشركي قريش و موعدهم .
يَوْمَ لا يُغْنى مَوْلىً عَن مَّوْلًى شيْئاً وَ لا هُمْ يُنصرُونَ(41) إِلا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(42) إِنَّ شجَرَت الزَّقُّومِ(43) طعَامُ الأَثِيمِ(44) كالْمُهْلِ يَغْلى فى الْبُطونِ(45) كَغَلىِ الْحَمِيمِ(46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سوَاءِ الجَْحِيمِ(47) ثمَّ صبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ(48) ذُقْ إِنَّك أَنت الْعَزِيزُ الْكرِيمُ(49) إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْترُونَ(50)

القراءة

قرأ أهل مكة و حفص و رويس « يغلي » بالياء و الباقون تغلي بالتاء و قرأ أهل الكوفة و أبو جعفر و أبو عمرو فاعتلوه بكسر التاء و الباقون بضمها و قرأ الكسائي وحده ذق أنك بفتح الهمزة و الباقون « إنك » بكسرها .

مجمع البيان ج : 9 ص : 102

الحجة

من قرأ تغلي بالتاء فعلى الشجرة كان الشجرة تغلي و من قرأ بالياء حمله على الطعام و هو الشجرة في المعنى و يعتل و يعتل مثل يعكف و يعكف و يفسق و يفسق في أنهما لغتان و معنى فاعتلوه قودوه بعنف و من قرأ « إنك » بالكسر فالمعنى إنك أنت العزيز الكريم في زعمك فأجرى ذلك على حسب ما كان يذكره أو يذكر به و من قرأ أنك بالفتح فالمعنى ذق بأنك .

المعنى

لما ذكر سبحانه أن يوم الفصل ميقات الخلق يحشرهم فيه بين أي يوم هو فقال « يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا » فالمولى الصاحب الذي من شأنه أن يتولى معونة صاحبه على أموره فيدخل في ذلك ابن العم و الناصر و الحليف و غيرهم ممن هذه صفته و المعنى أن ذلك اليوم يوم لا يغني فيه ولي عن ولي شيئا و لا يدفع عنه عذاب الله تعالى « و لا هم ينصرون » و هذا لا ينافي ما يذهب إليه أكثر الأمة من إثبات الشفاعة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الأئمة (عليهم السلام) و المؤمنين لأن الشفاعة لا تحصل إلا بأمر الله تعالى و إذنه و المراد بالآية أنه ليس لهم من يدفع عنهم عذاب الله و ينصرهم من غير أن يأذن الله له فيه و قد بين ما أشرنا إليه باستثنائه من رحمه منهم فقال « إلا من رحم الله » أي إلا الذين رحمهم الله من المؤمنين فإنه إما أن يسقط عقابهم ابتداء أو يأذن بالشفاعة فيهم لمن علت درجته عنده فيسقط عقاب المشفوع له لشفاعته « إنه هو العزيز » في انتقاله من أعدائه « الرحيم » بالمؤمنين ثم وصف سبحانه ما يفصل به بين الفريقين فقال « إن شجرت الزقوم » و قد مر تفسيره في سورة الصافات « طعام الأثيم » أي الآثم و هو أبو جهل و روي أن أبا جهل أتى بتمر و زبد فجمع بينهما و أكل و قال هذا هو الزقوم الذي يخوفنا محمد به نحن نتزقمه أي نملأ أفواهنا به فقال سبحانه « كالمهل » و هو المذاب من النحاس أو الرصاص أو الذهب أو الفضة و قيل هو دردي الزيت « يغلي في البطون كغلي الحميم » أي إذا حصلت في أجواف أهل النار تغلي كغلي الماء الحار الشديد الحرارة قال أبو علي الفارسي لا يجوز أن يكون المعنى يغلي المهل في البطون لأن المهل إنما ذكر للتشبيه به في الذوب أ لا ترى أن المهل لا يغلي في البطون و إنما يغلي ما شبع به « خذوه » أي يقال للزبانية خذوا الأثيم « فاعتلوه » أي زعزعوه و ادفعوه بعنف و منه قول الشاعر :
فيا ضيعة الفتيان إذ يعتلونه
ببطن الثرى مثل الفنيق المسدم
مجمع البيان ج : 9 ص : 103
و قيل معناه جروه على وجهه عن مجاهد « إلى سواء الجحيم » أي إلى وسط النار عن قتادة و سمي وسط الشيء سواء لاستواء المسافة بينه و بين أطرافه المحيطة به و السواء العدل « ثم صبوا فوق رأسه » قال مقاتل إن خازن النار يمر به على رأسه فيذهب رأسه عن دماغه ثم يصب فيه « من عذاب الحميم » و هو الماء الذي قد انتهى حره و يقول له « ذق إنك أنت العزيز الكريم » و ذلك أنه كان يقول أنا أعز أهل الوادي و أكرمهم فيقول له الملك ذق العذاب أيها المتعزز المتكرم في زعمك و فيما كنت تقول و قيل إنه على معنى النقيض فكأنه قيل إنك أنت الذليل المهين إلا أنه قيل على هذا الوجه للاستخفاف به و قيل معناه إنك أنت العزيز في قومك الكريم عليهم فما أغنى ذلك عنك « إن هذا ما كنتم به تمترون » أي ثم يقال لهم إن هذا لعذاب ما كنتم تشكون فيه في دار الدنيا .
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فى مَقَام أَمِين(51) فى جَنَّت وَ عُيُون(52) يَلْبَسونَ مِن سندُس وَ إِستَبرَق مُّتَقَبِلِينَ(53) كذَلِك وَ زَوَّجْنَهُم بحُور عِين(54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَكِهَة ءَامِنِينَ(55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْت إِلا الْمَوْتَةَ الأُولى وَ وَقَاهُمْ عَذَاب الجَْحِيمِ(56) فَضلاً مِّن رَّبِّك ذَلِك هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(57) فَإِنَّمَا يَسرْنَهُ بِلِسانِك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكرُونَ(58) فَارْتَقِب إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ(59)

القراءة

قرأ أهل المدينة و ابن عامر في مقام بالضم و الباقون « في مقام » بالفتح .

الحجة

من فتح الميم أراد به المجلس و المشهد كما قال في مقعد صدق و وصفه بالأمن يقوي أن المراد به المكان و من ضم فإنه يحتمل أن يريد به المكان من أقام فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا و يجوز أن يجعله مصدرا و يقدر المضاف محذوفا أي موضع إقامة .

مجمع البيان ج : 9 ص : 104

اللغة

السندس الحرير و الإستبرق الديباج الغليظ الصفيق قال الزجاج إنما قيل له استبرق لشدة بريقه و الحور جمع حوراء من الحور و هو شدة البياض و هن البيض الوجوه و قال أبو عبيدة الحوراء الشديدة بياض العين الشديدة سوادها و العين جمع العيناء و هي العظيمة العينين .

الإعراب

كذلك جار و مجرور في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ التقدير الأمر كذلك متقابلين نصب على الحال من يلبسون و يلبسون يجوز أن يكون خبرا بعد خبر و يجوز أن يكون حالا من الظرف الذي هو قوله « في مقام » لأن التقدير أن المتقين ثبتوا في مقام و مفعول يلبسون محذوف و تقديره يلبسون ثيابا من سندس ف آمنين حال من يدعون الموتة الأولى نصب على الاستثناء قال الزجاج معناه سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا كقوله « و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف » المعنى سوى ما قد سلف و أقول إن سوى لا يكون إلا ظرفا و إلا حرف فكيف يكون بمعناه فالأولى أن يكون إلا هنا مع ما بعدها صفة أو بدلا بمعنى غير تقديره و لا يذوقون فيها الموت غير الموتة الأولى إذ الموتة الأولى و قد انقضت فلا يمكن أن يستثني من الموت الذي لا يذوقونه في الجنة إذ ليست بداخلة فيه و قوله « فضلا من ربك » مفعول له تقديره فعل الله ذلك بهم فضلا منه و تفضلا منه و يجوز أن يكون منصوبا بفعل مضمر تقديره و أعطاهم فضلا و يجوز أن يكون مصدرا مؤكدا لما قبله لأن ما ذكره قبله تفضل منه سبحانه كقول امرء القيس :
و رضت فذلت صعبة أي إذلال على معنى أذللته أي إذلال فاستغنى عن أذللته بذكر رضت .

المعنى

ثم عقب سبحانه الوعيد بذكر الوعد فقال « إن المتقين » الذين يجتنبون معاصي الله لكونها قبائح و يفعلون الطاعات لكونها طاعات « في مقام أمين » أمنوا فيه الغير من الموت و الحوادث و قيل أمنوا فيه من الشيطان و الأحزان عن قتادة « في جنات و عيون » أي بساتين و عيون ماء نابعة فيها « يلبسون من سندس و استبرق » خاطب العرب فوعدهم من الثياب بما عظم عندهم و اشتهته أنفسهم و قيل السندس ما يلبسونه و الإستبرق ما يفترشونه « متقابلين » في المجالس لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض بل يقابل بعضا و قيل معناه متقابلين بالمحبة لا متدابرين بالبغضة « كذلك » حال أهل الجنة « و زوجناهم بحور عين » قال الأخفش المراد به التزويج المعروف يقال زوجته امرأة و بامرأة و قال غيره لا يكون في الجنة
مجمع البيان ج : 9 ص : 105
تزويج و المعنى و قرناهم بحور عين « يدعون فيها بكل فاكهة آمنين » أي يستدعون فيها أي ثمرة شاءوا و اشتهوا غير خائفين فوتها آمنين من نفادها و مضرتها و قيل آمنين من التخم و الأسقام و الأوجاع « لا يذوقون فيها الموت » شبه الموت بالطعام الذي يذاق و يتكره عند المذاق ثم نفى أن يكون ذلك في الجنة و إنما خصهم بأنهم لا يذوقون الموت مع أن جميع أهل الآخرة لا يذوقون الموت لما في ذلك من البشارة لهم بالحياة الهنيئة في الجنة فأما من يكون فيما هو كالموت في الشدة فإنه لا يطلق له هذه الصفة لأنه يموت موتات كثيرة بما يقاسيه من العقوبة « إلا الموتة الأولى » قيل معناه بعد الموتة الأولى و قيل معناه لكن الموتة الأولى قد ذاقوها و قيل سوى الموتة الأولى و قد بينا ما عندنا فيه « و وقيهم عذاب الجحيم » أي فصرف عنهم عذاب النار .
استدلت المعتزلة بهذا على أن الفاسق الملي لا يخرج من النار لأنه يكون قد وقى النار و الجواب عن ذلك أن هذه الآية يجوز أن تكون مختصة بمن لا يستحق دخول النار فلا يدخلها أو بمن استحق النار فتفضل عليه بالعفو فلم يدخلها و يجوز أن يكون المراد و وقاهم عذاب الجحيم على وجه التأبيد أو على الوجه الذي يعذب عليه الكفار « فضلا من ربك » أي فعل الله ذلك بهم تفضلا منه لأنه سبحانه خلقهم و أنعم عليهم و ركب فيهم العقل و كلفهم و بين لهم من الآيات ما استدلوا به على وحدانية الله تعالى و حسن الطاعات فاستحقوا به النعم العظيمة ثم جزاهم بالحسنة عشر أمثالها فكان ذلك فضلا منه عز اسمه و قيل إنما سماه فضلا و إن كان مستحقا لأن سبب الاستحقاق هو التكليف و التمكين و هو فضل منه سبحانه « ذلك هو الفوز العظيم » أي الظفر بالمطلوب العظيم الشأن « فإنما يسرناه بلسانك » أي سهلنا القرآن فالهاء كناية عن غير مذكور و المعنى هونا القرآن على لسانك و يسرنا قراءته عليك و قيل معناه جعلنا القرآن عربيا ليسهل عليك و على قومك تفهمه « لعلهم يتذكرون » أي ليتذكروا ما فيه من الأمر و النهي و الوعد و الوعيد و يتفكروا فيه « فارتقب إنهم مرتقبون » أي فإن أعرضوا و لم يقبلوا فانتظر مجيء ما وعدناك به إنهم منتظرون لأنهم في حكم من ينتظر لأن المحسن يترقب عاقبة الإحسان و المسيء يترقب عاقبة الإساءة و قيل معناه انتظر بهم عذاب الله فإنهم ينتظرون بك الدوائر و قيل انتظر قهرهم و نصرك عليهم فإنهم منتظرون قهرك بزعمهم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 106
( 45 ) سورة الجاثية مكية إلا آية 14 فمدنية و آياتها سبع و ثلاثون ( 37 )
نزلت بعد الدخان و تسمى أيضا سورة الشريعة لقوله فيها « ثم جعلناك على شريعة من الأمر » و هي مكية قال قتادة إلا آية منها نزلت بالمدينة « قل للذين آمنوا يغفروا » الآية .

عدد آيها

سبع و ثلاثون آية كوفي ست في الباقين .

اختلافها

آية « حم » كوفي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ حم الجاثية ستر الله عورته و سكن روعته عند الحساب و روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ سورة الجاثية كان ثوابها أن لا يرى النار أبدا و لا يسمع زفير جهنم و لا شهيقها و هو مع محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) .

تفسيرها

لما ختم الله سبحانه سورة الدخان بذكر القرآن افتتح هذه السورة بذكره أيضا فقال سبحانه :
مجمع البيان ج : 9 ص : 107
سورة الجاثية
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم(1) تَنزِيلُ الْكِتَبِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الحَْكِيمِ(2) إِنَّ فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ لاَيَت لِّلْمُؤْمِنِينَ(3) وَ فى خَلْقِكمْ وَ مَا يَبُث مِن دَابَّة ءَايَتٌ لِّقَوْم يُوقِنُونَ(4) وَ اخْتِلَفِ الَّيْلِ وَ النهَارِ وَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السمَاءِ مِن رِّزْق فَأَحْيَا بِهِ الأَرْض بَعْدَ مَوْتهَا وَ تَصرِيفِ الرِّيَح ءَايَتٌ لِّقَوْم يَعْقِلُونَ(5)

القراءة

قرأ حمزة و الكسائي و يعقوب آيات في الموضعين على النصب و الباقون « آيات » على الرفع فيهما .

الحجة

قال أبو علي قوله « و في خلقكم و ما يبث من دابة آيات » جاز الرفع في قوله « آيات » من وجهين ( أحدهما ) العطف على موضع إن و ما عملت فيه فإنه رفع بالابتداء فيحتمل الرفع فيه على الموضع ( و الآخر ) أن يكون مستأنفا و يكون الكلام جملة معطوفة على جملة فيكون قوله « آيات » على هذا مرتفعا بالظرف فهذا وجه من رفع آيات في الموضعين قال أبو الحسن « من دابة آيات » قراءة الناس بالرفع و هي أجود و بها نقرأ لأنه قد صار على كلام آخر نحو إن في الدار زيدا و في البيت عمرو لأنك إنما تعطف الكلام كله على الكلام كله قال و قد قرىء بالنصب و هو عربي انتهت الحكاية عنه و أما قوله « و اختلاف الليل و النهار » إلى آخره آيات فإنك إن تركت الكلام على ظاهره فإن فيه عطفا على عاملين أحد العاملين الجار الذي هو في من قوله « و في خلقكم و ما يبث من دابة » و العامل الآخر إن نصبت آيات و إن رفعت فالعامل المعطوف عليه الابتداء أو الظرف و وجه قراءة من قرأ آيات بالنصب أنه لم يحمل على موضع إن كما حمل من و رفع آيات في الموضعين أو قطعه و استأنف و لكن حمل على لفظ أن دون موضعها فحمل آيات في الموضعين على نصب إن في قوله « إن في السماوات و الأرض لآيات للمؤمنين » فإن قلت إنه يعرض في هذه القراءة العطف على عاملين و ذلك في قوله و اختلاف الليل و النهار آيات و سيبويه و كثير من النحويين لا يجيزونه قيل يجوز أن يقدر في قوله و اختلاف الليل و النهار آيات و إن كانت محذوفة من اللفظ و ذلك أن ذكره قد تقدم في قوله « إن في السماوات » و قوله « و في خلقكم » فلما تقدم ذكر الجار في هذين قدر فيه الإثبات في اللفظ و إن كان محذوفا منه كما قدر سيبويه في قوله :
أ كل امرء تحسبين امرءا
و نار تأجج بالليل نارا أن كل في حكم الملفوظ به و استغني عن إظهاره بتقدم ذكره و مما يؤكد هذه القراءة في أن آيات محمولة على أن ما ذكر عن أبي أنه قرأ في المواضع الثلاثة لآيات فدخول اللامات تدل على أن الكلام محمول على أن و إذا كان محمولا عليها حسن النصب و صار كل موضع من ذلك كان أن مذكورة فيه بدلالة دخول اللام لأن هذه اللام إنما تدخل على خبر إن أو على اسمها و مما يجوز أن يتأول على ما ذكرنا قول الفرزدق :
مجمع البيان ج : 9 ص : 108

و باشر راعيها الصلا بلبانه
و كفيه حر النار ما يتحرف فهذا إن حملت الكلام على ظاهره كان عطفا على عاملين على الفعل و الباء إن قدرت أن الباء ملفوظ بها لتقدم ذكرها صارت في حكم الثبات في اللفظ و إذا صار كذلك كان العطف على عامل واحد و هو الفعل دون الجار و كذلك قول الآخر :
أوصيت من برة قلبا حرا
بالكلب خيرا و الحماة شرا فإن قدرت الجار في حكم المذكور لدلالة المتقدم عليه لم يكن عطفا على عاملين كما لم يكن قوله و اختلاف الليل و النهار لآيات كذلك و قد يخرج قوله و اختلاف الليل و النهار آيات من أن يكون عطفا على عاملين من وجه آخر و هو أن تقدر قوله « و اختلاف الليل و النهار » على في المتقدم ذكرها و تجعل « آيات » متكررة كررتها لما تراخى الكلام و طال كما قال بعض شيوخنا في قوله تعالى أ لم يعلموا أنه من يحادد الله و رسوله فإن له نار جهنم أن أنهي الأولى كررت و كما جاء فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به لما تراخى عن قوله و لما جاءهم كتاب من عند الله و هذا النحو في كلامهم غير ضيق .

المعنى

« حم » قد بينا ما قيل فيه و أجود الأقوال إنه اسم للسورة قال علي بن عيسى و في تسمية السورة بحم دلالة على أن هذا القرآن المعجز كله من حروف المعجم لأنه سمي به ليدل عليه بأوصافه و من أوصافه أنه معجز و أنه مفصل قد فصلت كل سورة من أختها و أنه هدى و نور فكأنه قيل هذا اسمه الدال عليه بأوصافه « تنزيل الكتاب من الله » أضاف التنزيل إلى نفسه في مواضع من السور استفتاحا بتعظيم شأنه و تفخيم قدره بإضافته إلى نفسه من أكرم الوجوه و أجلها و ما اقتضى هذا المعنى لم يكن تكريرا فقد يقول القائل اللهم اغفر لي اللهم ارحمني اللهم عافني اللهم وسع علي في رزقي فيأتي بما يؤذن أن تعظيمه لربه منعقد بكل ما يدعو به و قوله « من الله » يدل على أن ابتداءه من الله تعالى « العزيز » أي القادر الذي لا يغالب « الحكيم » العالم الذي أفعاله كلها حكمة و صواب « إن في السماوات و الأرض لآيات للمؤمنين » الذين يصدقون بالله و بأنبيائه لأنهم المنتفعون بالآيات و هي الدلالات و الحجج الدالة على أن لهما مدبرا صانعا قادرا عالما « و في خلقكم و ما يبث من
مجمع البيان ج : 9 ص : 109
دابة آيات » معناه و في خلقه إياكم بما فيكم من بدائع الصنعة و عجائب الخلقة و ما يتعاقب عليكم من الأحوال من مبتدإ خلقكم في بطون الأمهات إلى انقضاء الآجال و في خلق ما يفرق على وجه الأرض من الحيوانات على اختلاف أجناسها و منافعها و المقاصد المطلوبة منها دلالات واضحات على ما ذكرناه « لقوم يوقنون » أي يطلبون علم اليقين بالتدبر و التفكر « و اختلاف الليل و النهار » أي و في ذهاب الليل و النهار و مجيئها على وتيرة واحدة و قيل معناه و في اختلاف حالهما من الطول و القصر و قيل اختلافهما في أن أحدهما نور و الآخر ظلمة « و ما أنزل الله من السماء من رزق » أراد به المطر الذي ينبت به النبات الذي هو رزق الخلائق فسماه رزقا لأنه سبب الرزق « فأحيا به الأرض بعد موتها » أي فأحيا بذلك المطر الأرض بعد يبسها و جفافها « و تصريف الرياح » أي و في تصريف الرياح يجعلها مرة جنوبا و أخرى شمالا و مرة صبا و أخرى دبورا عن الحسن و قيل يجعلها تارة رحمة و تارة عذابا عن قتادة « آيات لقوم يعقلون » وجوه الأدلة و يتدبرونها فيعلمون أن لهذه الأشياء مدبرا حكيما قادرا عليما حيا غنيا قديما لا يشبهه شيء .
تِلْك ءَايَت اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْك بِالْحَقِّ فَبِأَى حَدِيثِ بَعْدَ اللَّهِ وَ ءَايَتِهِ يُؤْمِنُونَ(6) وَيْلٌ لِّكلِّ أَفَّاك أَثِيم(7) يَسمَعُ ءَايَتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثمَّ يُصِرُّ مُستَكْبراً كَأَن لَّمْ يَسمَعْهَا فَبَشرْهُ بِعَذَاب أَلِيم(8) وَ إِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَتِنَا شيْئاً اتخَذَهَا هُزُواً أُولَئك لهَُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ(9) مِّن وَرَائهِمْ جَهَنَّمُ وَ لا يُغْنى عَنهُم مَّا كَسبُوا شيْئاً وَ لا مَا اتخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَ لهَُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(10)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير حفص و الأعشى و البرجمي و ابن عامر و يعقوب تؤمنون بالتاء و الباقون بالياء .

مجمع البيان ج : 9 ص : 110

الحجة

قال أبو علي حجة من قرأ بالياء أن قبله غيبة و هو قوله لقوم يعقلون و من قرأ بالتاء فالتقدير قل لهم فبأي حديث بعد ذلك تؤمنون .

المعنى

لما قدم سبحانه ذكر الأدلة عقب ذلك بالوعيد لمن أعرض عنها و لم يتفكر فيها فقال « تلك آيات الله » أي ما ذكرناه أدلة الله التي نصبها لخلقه المكلفين « نتلوها عليك » أي نقرأها عليك يا محمد لتقرأها عليهم « بالحق » دون الباطل و التلاوة الإتيان بالثاني في أثر الأول في القراءة و الحق الذي تتلى به الآيات هو كلام مدلوله على ما هو به في جميع أنواعه « فبأي حديث بعد الله و آياته يؤمنون » معناه إن هؤلاء الكفار إن لم يصدقوا بما تلوناه عليك فبأي حديث بعد حديث الله و هو القرآن و آياته يصدقون و بأي كلام ينتفعون و هذا إشارة إلى أن المعاند لا حيلة له و الفرق بين الحديث الذي هو القرآن و بين الآيات أن الحديث قصص يستخرج منه الحق من الباطل و الآيات هي الأدلة الفاصلة بين الصحيح و الفاسد « ويل لكل أفاك أثيم » الأفاك الفعال من الإفك و هو الكذب و يطلق ذلك على من يكثر كذبه أو يعظم كذبه و إن كان في خبر واحد ككذب مسيلمة في ادعاء النبوة و الأثيم ذو الإثم و هو صاحب المعصية التي يستحق بها العقاب و الويل كلمة وعيد يتلقى بها الكفار و قيل هو واد سائل من صديد جهنم ثم وصف سبحانه الأفاك الأثيم بقوله « يسمع آيات الله تتلى عليه » أي يسمع آيات القرآن التي فيها الحجة تقرأ عليه « ثم يصر مستكبرا » أي يقيم على كفره و باطله متعظما عند نفسه عن الانقياد للحق « كأن لم يسمعها » أصلا في عدم القبول لها و الاعتبار بها « فبشره بعذاب أليم » أي مؤلم « و إذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا » أي و إذا علم هذا الأفاك الأثيم من حججنا و أدلتنا شيئا استهزأ بها ليري العوام أنه لا حقيقة لها كما فعله أبو جهل حين سمع قوله إن شجرة الزقوم طعام الأثيم أو كما فعله النضر بن الحارث حين كان يقابل القرآن بأحاديث الفرس « أولئك لهم عذاب مهين » أي مذل مخز مع ما فيه من الألم « من ورائهم جهنم » أي من وراء ما هم فيه من التعزز بالمال و الدنيا جهنم و معناه قدامهم و من بين أيديهم كقوله و كان وراءهم ملك و وراء اسم يقع على القدام و الخلف فيما توارى عنك فهو وراؤك خلفك كان أو أمامك « و لا يغني عنهم ما كسبوا شيئا » أي لا يغني عنهم ما حصلوا و جمعوه من المال و الولد شيئا من عذاب الله تعالى « و لا ما اتخذوا من دون الله أولياء » من الآلهة التي عبدوها لتكون شفعاءهم عند الله « و لهم » مع ذلك « عذاب عظيم » .

مجمع البيان ج : 9 ص : 111

هَذَا هُدًى وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِئَايَتِ رَبهِمْ لهَُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْز أَلِيمٌ(11) * اللَّهُ الَّذِى سخَّرَ لَكمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِى الْفُلْك فِيهِ بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضلِهِ وَ لَعَلَّكمْ تَشكُرُونَ(12) وَ سخَّرَ لَكم مَّا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ(13) قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِى قَوْمَا بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ(14) مَنْ عَمِلَ صلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيهَا ثمَّ إِلى رَبِّكمْ تُرْجَعُونَ(15)

القراءة

قرأ ابن كثير و حفص « من رجز أليم » بالرفع و الباقون أليم بالجر و قرأ أبو جعفر ليجز بضم الياء و فتح الزاي و قرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي و خلف لنجزي بالنون و كسر الزاي و النصب و قرأ الباقون « ليجزي » بفتح الياء و كسر الزاي .

الحجة

قال أبو علي الرجز العذاب فمن جر فالتقدير بهم من عذاب أليم و من رفع فالمعنى عذاب أليم من عذاب و فيه قولان ( أحدهما ) أن الصفة قد تجيء على وجه التأكيد كما أن الحال قد تجيء كذلك و ذلك نحو قوله نفخة واحدة و مناة الثالثة الأخرى و قولهم أمس الدابر قال :
و أبي الذي ترك الملوك و جمعهم
بفعال هامدة كأمس الدابر ( و الآخر ) أنه محمول على أنه بمعنى الرجس الذي هو النجاسة على البدل للمقاربة و معنى النجاسة فيه قوله و يسقى من ماء صديد يتجرعه و لا يكاد يسيغه فكان المعنى لهم عذاب من تجرع رجس أو شرب رجس فتكون من تبيينا للعذاب مم هو و من قرأ « ليجزي » بالياء فحجته أن ذكر الله قد تقدم في قوله « لا يرجون أيام الله » فيكون فاعل يجزي و من قرأ بالنون فالنون في معنى الياء و إن كانت الياء أشد مطابقة لما في اللفظ و من قرأ « ليجزي قوما »
مجمع البيان ج : 9 ص : 112
فقال أبو عمرو إنه لحسن ظاهر و ذكر أن الكسائي قال إن معناه ليجزي الجزاء قوما قال الجامع البصير معناه ليجزي الخير قوما فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه و ليس التقدير ليجزي الجزاء قوما لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل و معك مفعول صحيح فإذا الخبر مضمر كما أضمر الشمس في قوله حتى توارت بالحجاب لأن قوله إذ عرض عليه بالعشي يدل على تواري الشمس .

المعنى

ثم قال سبحانه « هذا هدى » أي هذا القرآن الذي تلوناه و الحديث الذي ذكرناه هدى أي دلالة موصلة إلى الفرق بين الحق و الباطل من أمور الدين و الدنيا « و الذين كفروا ب آيات ربهم » و جحدوها « لهم عذاب من رجز أليم » مر معناه ثم نبه سبحانه خلقه على وجه الدلالة على توحيده فقال « الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره » أي جعله على هيئته لتجري السفن فيه « و لتبتغوا من فضله » أي و لتطلبوا بركوبه في أسفاركم من الأرباح بالتجارات « و لعلكم تشكرون » له هذه النعمة « و سخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض » أي سخر لكم مع ذلك معاشر الخلق ما في السماوات من الشمس و القمر و النجوم و المطر و الثلج و البرد و ما في الأرض من الدواب و الأشجار و النبات و الأثمار و الأنهار و معنى تسخيرها لنا أنه تعالى خلقها جميعا لانتفاعنا بها فهي مسخرة لنا من حيث أنا ننتفع بها على الوجه الذي نريده و قوله « جميعا منه » قال ابن عباس أي كل ذلك رحمة منه لكم قال الزجاج كل ذلك منه تفضل و إحسان و يحسن الوقف على قوله « جميعا » ثم يقول منه أي ذلك التسخير منه لا من غيره فهو فضله و إحسانه و روي عن ابن عباس و عبد الله بن عمر و الجحدري أنهم قرءوا منة منصوبة و منونة و على هذا فيكون من باب تبسمت و ميض البرق فكأنه قال من عليهم منة و روي عن سلمة أنه قرأ منة بالرفع و على هذا فيكون خبر مبتدإ محذوف أي ذلك منة أو هو منة أو يكون على معنى سخر لكم ذلك منة « إن في ذلك لآيات » أي دلالات « لقوم يتفكرون » ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « قل » يا محمد « للذين آمنوا يغفروا » هذا جواب أمر محذوف دل عليه الكلام و تقديره قل لهم اغفروا يغفروا فصار قل لهم على هذا الوجه يغني عنه عن علي بن عيسى و قيل معناه قل للذين آمنوا اغفروا و لكنه شبه بالشرط و الجزاء كقوله قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة عن الفراء و قيل يغفروا تقديره يا هؤلاء اغفروا فحذف المنادي كقوله ألا يا اسجدوا لله و قول الشاعر :
ألا يا أسلمي ذات الدماليج و العقد « للذين لا يرجون أيام الله » أي لا يخافون عذاب الله إذا
مجمع البيان ج : 9 ص : 113
نالوكم بالأذى و المكروه و لا يرجون ثوابه بالكف عنكم و قد مر تفسير أيام الله عند قوله و ذكرهم بأيام الله و معنى يغفروا هاهنا يتركوا مجازاتهم على أذاهم و لا يكافئوهم ليتولى الله مجازاتهم « ليجزي قوما بما كانوا يكسبون » بيان هذا الجزاء في الآية التي تليها و هو قوله « من عمل صالحا » أي طاعة و خيرا و برا « فلنفسه » لأن ثواب ذلك يعود عليه « و من أساء فعليها » أي فوبال إساءته على نفسه « ثم إلى ربكم ترجعون » يوم القيامة أي إلى حيث لا يملك أحد النفع و الضر و النهي و الأمر غيره سبحانه فيجازي كل إنسان على قدر عمله .
وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنى إِسرءِيلَ الْكِتَب وَ الحُْكمَ وَ النُّبُوَّةَ وَ رَزَقْنَهُم مِّنَ الطيِّبَتِ وَ فَضلْنَهُمْ عَلى الْعَلَمِينَ(16) وَ ءَاتَيْنَهُم بَيِّنَت مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّك يَقْضى بَيْنهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فِيمَا كانُوا فِيهِ يخْتَلِفُونَ(17) ثُمَّ جَعَلْنَك عَلى شرِيعَة مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَ لا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ(18) إِنهُمْ لَن يُغْنُوا عَنك مِنَ اللَّهِ شيْئاً وَ إِنَّ الظلِمِينَ بَعْضهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض وَ اللَّهُ وَلىُّ الْمُتَّقِينَ(19) هَذَا بَصئرُ لِلنَّاسِ وَ هُدًى وَ رَحْمَةٌ لِّقَوْم يُوقِنُونَ(20)

المعنى

لما تقدم ذكر النعمة و مقابلتهم إياها بالكفر و الطغيان بين عقيب ذلك ذكر ما كان من بني إسرائيل أيضا في مقابلة النعم من الكفران فقال : « و لقد آتينا بني إسرائيل الكتاب » يعني التوراة « و الحكم » يعني العلم بالدين و قيل العلم بالفصل بين الخصمين و بين المحق و المبطل « و النبوة » أي و جعلنا فيهم البنوة حتى روي أنه كان فيهم ألف نبي « و رزقناهم من الطيبات » أي و أعطيناهم من أنواع الطيبات « و فضلناهم على العالمين » أي عالمي زمانهم و قيل فضلناهم في كثرة الأنبياء منهم على سائر الأمم و إن كانت أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أفضل منهم في كثرة المطيعين لله و كثرة العلماء منهم كما يقال هذا أفضل في علم النحو
مجمع البيان ج : 9 ص : 114

و ذاك في علم الفقه فأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أفضل في علو منزلة نبيها عند الله على سائر الأنبياء و كثرة المجتبين الأخيار من آله و أمته و الفضل الخير الزائد على غيره فأمة محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أفضل بفضل محمد و آله « و آتيناهم بينات من الأمر » أي أعطيناهم دلالات و براهين واضحات من العلم بمبعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ما بين لهم من أمره و قيل يريد بالأمر أحكام التوراة « فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم » أي من بعد ما أنزل الله الكتب على أنبيائهم و أعلمهم بما فيها « بغيا بينهم » أي طلبا للرئاسة و أنفة من الإذعان للحق و قيل بغيا على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في جحود ما في كتابهم من نبوته و صفته « إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون » ظاهر المعنى « ثم جعلناك على شريعة من الأمر » أي ثم جعلناك يا محمد على دين و منهاج و طريقة يعني بعد موسى و قومه و الشريعة السنة التي من سلك طريقها أدته إلى البغية كالشريعة التي هي طريق إلى الماء فهي علامة منصوبة على الطريق من الأمر و النهي يؤدي إلى الجنة كما يؤدي ذلك إلى الوصول إلى الماء « فاتبعها » أي اعمل بهذه الشريعة « و لا تتبع أهواء الذين لا يعلمون » الحق و لا يفصلون بينه و بين الباطل من أهل الكتاب الذين غيروا التوراة اتباعا لهواهم و حبا للرئاسة و استتباعا للعوام و لا المشركين الذين اتبعوا أهواءهم في عبادة الأصنام « إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا » أي لن يدفعوا عنك شيئا من عذاب الله إن اتبعت أهواءهم « و إن الظالمين بعضهم أولياء بعض » يعني أن الكفار بأجمعهم متفقون على معاداتك و بعضهم أنصار بعض عليك « و الله ولي المتقين » أي ناصرهم و حافظهم فلا تشغل قلبك بتناصرهم و تعاونهم عليك فإن الله ينصرك عليهم و يحفظك « هذا بصائر للناس » أي هذا الذي أنزلته عليك من القرآن بصائر أي معالم في الدين و عظات و عبر للناس يبصرون بها من أمور دينهم « و هدى » أي دلالة واضحة « و رحمة » أي و نعمة من الله « لقوم يوقنون » بثواب الله و عقابه لأنهم هم المنتفعون به .

مجمع البيان ج : 9 ص : 115
أَمْ حَسِب الَّذِينَ اجْترَحُوا السيِّئَاتِ أَن نجْعَلَهُمْ كالَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ سوَاءً محْيَاهُمْ وَ مَمَاتهُمْ ساءَ مَا يحْكُمُونَ(21) وَ خَلَقَ اللَّهُ السمَوَتِ وَ الأَرْض بِالحَْقِّ وَ لِتُجْزَى كلُّ نَفْسِ بِمَا كسبَت وَ هُمْ لا يُظلَمُونَ(22) أَ فَرَءَيْت مَنِ اتخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَ أَضلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْم وَ خَتَمَ عَلى سمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصرِهِ غِشوَةً فَمَن يهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ(23) وَ قَالُوا مَا هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوت وَ نحْيَا وَ مَا يهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَ مَا لهَُم بِذَلِك مِنْ عِلْم إِنْ هُمْ إِلا يَظنُّونَ(24) وَ إِذَا تُتْلى عَلَيهِمْ ءَايَتُنَا بَيِّنَت مَّا كانَ حُجَّتهُمْ إِلا أَن قَالُوا ائْتُوا بِئَابَائنَا إِن كُنتُمْ صدِقِينَ(25)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر و روح و زيد سواء بالنصب و الباقون بالرفع و قرأ أهل الكوفة غير عاصم غشوة بفتح الغين بغير ألف و الباقون « غشاوة » بالألف .

الحجة

قال أبو علي ليس الوجه في الآية نصب سواء على أن تجريه على ما قبله على حد قولك مررت برجل ضارب أبوه و بزيد خارجا أخوه لأنه ليس باسم فاعل و لا مشبه به مثل حسن و شديد و نحو ذلك إنما هو مصدر فلا ينبغي أن يجري على ما قبله كما يجري اسم الفاعل و ما شبه به لتعريه من المعاني التي أعمل الفاعل و ما شبه به عمل الفعل و من قال مررت برجل خير منه أبوه و سرج خز صفته و برجل مائة إبله استجاز أن يجري سواء أيضا على ما قبله كما أجري الضرب الأول فأما من قرأ « سواء » بالنصب فإن انتصابه يحتمل ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن يجعل المحيا و الممات بدلا من الضمير المنصوب في نجعلهم فيصير التقدير إن نجعل محياهم و مماتهم سواء فينتصب سواء على أنه مفعول ثان لنجعل و يكون انتصاب سواء على هذا القول حسنا لأنه لم يرفع مظهرا و يجوز أيضا أن يجعل محياهم و مماتهم ظرفين من الزمان فيكون كذلك أيضا و يجوز أن يعمل في الظرفين أحد شيئين ( أحدهما ) ما في سواء من معنى الفعل كأنه يستوون في المحيا و الممات ( و الآخر ) أن يكون العامل الفعل و لم يعلم الكوفيون الذين نصبوا سواء نصبوا الممات فإذا لم ينصبوه كان النصب في سواء على غير هذا الوجه و غير هذا الوجه لا يخلو من أن ينتصب على أنه حال أو على أنه المفعول الثاني
مجمع البيان ج : 9 ص : 116
لنجعل و على أي هذين الوجهين حملته فقد أعملته عمل الفعل فرفعت به المظهر فإن جعلته حالا أمكن أن يكون الحال من الضمير في نجعلهم و يكون المفعول الثاني قوله « كالذين آمنوا » فإذا جعلت قوله « كالذين آمنوا » المفعول الثاني أمكن أن يكون سواء منتصبا على الحال مما في قوله « كالذين آمنوا » من معنى الفعل فيكون ذو الحال الضمير المرفوع في قوله « كالذين آمنوا » و هذا الضمير يعود إلى الضمير المنصوب في نجعلهم و انتصابه على الحال من هذين الوجهين و يجوز أن لا يجعل قوله « كالذين آمنوا » المفعول الثاني و لكن يجعل المفعول الثاني قوله « سواء محياهم و مماتهم » فيكون جملة في موضع نصب بكونها في موضع المفعول الثاني لنجعل و يجوز فيمن قال مررت برجل مائة إبله فاعمل فأعمل عمل الفعل أن ينصب سواء على هذا الوجه أيضا و يرتفع به المحيا كما جاز أن يرتفع به إذا قدرت الجملة في موضع الحال و الحال في الجملة التي هي « سواء محياهم و مماتهم » يكون من جعل و يكون مما في قوله « كالذين » من معنى الفعل و قد قيل في الضمير في قوله « محياهم و مماتهم » قولان ( أحدهما ) أنه ضمير الكفار دون الذين آمنوا فكان سواء على هذا القول مرتفعا بأنه خبر مبتدإ مقدم تقديره محياهم و مماتهم سواء أي محياهم محيا سوء و مماتهم ممات سوء و لا يكون النصب على هذا في سواء لأنه إثبات في الأخبار بأن محياهم و مماتهم يستويان في الذم و البعد من رحمة الله ( و القول الآخر ) أن الضمير في محياهم و مماتهم للقبيلين فإذا كان كذلك جاز أن ينتصب سواء على أنه المفعول الثاني من نجعل فيمن استجاز أن يعمله في الظاهر لأنه يلتبس بالقبيلين جميعا و ليس في الوجه الأول كذلك لأنه للكفار دون المؤمنين و لا يلتبس للمؤمنين من حيث كان للكفار من دونهم و لا يجوز أن ينتصب سواء و لم يكن فيه إلا الرفع و يكون على هذا الوجه قوله « كالذين آمنوا و عملوا الصالحات » في موضع المفعول الثاني و سواء محياهم استئناف و لا يكون في موضع حال من قوله « كالذين آمنوا » لأنه لا يلتبس بهم و القول في غشوة و « غشاوة » مذكور في سورة البقرة .

اللغة

الاجتراح الاكتساب يقال جرح و اجترح و كسب و اكتسب و فلان جارحة قومه أي كاسبة قومه و أصله من الجراح لأن لذلك تأثيرا كتأثير الجراح و مثله الاقتراف و هو مشتق من قرف القرحة و السيئة الفعلة القبيحة التي تسوء صاحبها باستحقاق الذم عليها و الحسنة هي التي تسر صاحبها باستحقاق المدح عليها قال علي بن عيسى : القبيح ما ليس للقادر عليه أن يفعله و الحسن هو ما للقادر عليه أن يفعله و كل فعل وقع لا لأمر من الأمور فهو لغو لا ينسب إلى الحكمة و لا إلى السفه .

مجمع البيان ج : 9 ص : 117

المعنى

ثم قال سبحانه للكفار على سبيل التوبيخ لهم « أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا و عملوا الصالحات » معناه بل أحسنت و هذا استفهام إنكار و قيل إن هذا معطوف على معنى مضمر تقديره هذا القرآن بصائر للناس مؤدية إلى الجنة أ فعلموا ذلك أم حسب الذين اكتسبوا الشرك و المعاصي أن نجعل منزلتهم منزلة الذين صدقوا الله و رسوله و حققوا أقوالهم بأعمالهم « سواء محياهم و مماتهم » أي يستوي محيا القبيلين و مماتهم يعني أ حسبوا أن حياتهم و مماتهم كحياة المؤمنين و موتهم « ساء ما يحكمون » أي ساء ما حكموا على الله تعالى فإنه لا يسوي بينهم و لا يستقيم ذلك في العقول بل ينصر المؤمنين في الدنيا و يمكنهم من المشركين و لا ينصر الكافرين و لا يمكنهم من المسلمين و ينزل الملائكة عند الموت على المؤمنين بالبشرى و على الكافرين يضربون وجوههم و أدبارهم و قيل أراد محياهم بعد البعث و مماتهم عند حضور الملائكة لقبض أرواحهم و قيل أراد أن المؤمنين محياهم على الإيمان و الطاعة و مماتهم على الإيمان و الطاعة و محيا المشركين على الشرك و المعصية و مماتهم كذلك فلا يستويان عن مجاهد و قيل إن الضمير في مماتهم و محياهم للكفار و المعنى أنهم يتساوون في حال كونهم أحياء و في حال كونهم أمواتا لأن الحي متى لم يفعل الطاعة فهو بمنزلة الميت ثم قال سبحانه « و خلق الله السموات و الأرض بالحق » أي لم يخلقهما عبثا و إنما خلقهما لنفع خلقة بأن يكلفهم و يعرضهم للثواب الجزيل « و لتجزى كل نفس بما كسبت » من ثواب على طاعة أو عقاب على معصية « و هم لا يظلمون » أي لا يبخسون حقوقهم ثم قال « أ فرأيت » يا محمد « من اتخذ إلهه هواه » أي اتخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئا إلا ركبه لأنه لا يؤمن بالله و لا يخافه فاتبع هواه في أموره و لا يحجزه تقوى عن ابن عباس و الحسن و قتادة و قيل معناه من اتخذ معبوده ما يهواه دون ما دلت الدلالة على أن العبادة تحقق له فإذا استحسن شيئا و هواه اتخذه إلها و كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به و عبد الآخر عن عكرمة و سعيد بن جبير و قيل معناه أ فرأيت من انقاد لهواه انقياده لإلهه و معبوده و يرتكب ما يدعوه إليه و لم يرد أنه يعبد هواه و يعتقد أنه تحق له العبادة لأن ذلك لا يعتقده أحد عن علي بن عيسى قد أيس الله رسوله من إيمانه هؤلاء بهذا « و أضله الله على علم » أي خذله الله و خلاه و ما اختاره جزاء له على كفره و عناده و ترك تدبره على علم منه باستحقاقه لذلك و قيل أضله الله أي وجده ضالا على حسب ما عمله فخرج معلومه على وفق ما علمه كما يقال أحمدت فلانا أي وجدته حميدا و كقول عمرو بن معديكرب قاتلناهم فما أجبناهم و سألناهم فما أبخلناهم و قاولناهم فما أفحمناهم أي ما وجدناهم كذلك و قيل معناه أنه ضل عن الله كما قال :
مجمع البيان ج : 9 ص : 118


هبوني امرءا منكم أضل بعيره
له ذمة إن الذمام كبير أي ضل عنه بعيره « و ختم على سمعه و قلبه و جعل على بصره غشاوة » فسرناه في سورة البقرة « فمن يهديه من بعد الله » أي من بعد هداية الله إياه و المعنى إذا لم يهتد بهدى الله بعد ظهوره و وضوحه فلا طمع في اهتدائه « أ فلا تذكرون » أي أ فلا تتعظون بهذه المواعظ و هذا استبطاء بالتذكر منهم أي تذكروا و اتعظوا حتى تحصلوا على معرفة الله تعالى ثم أخبر سبحانه عن منكري البعث فقال « و قالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا » أي ليس الحياة إلا حياتنا التي تحن فيها في دار الدنيا و لا يكون بعد الموت بعث و لا حساب « نموت و نحيا » قيل في معناه أقوال ( أحدها ) أن تقديره نحيا و نموت فقدم و أخر ( و الثاني ) أن معناه نموت و نحيي أولادنا ( و الثالث ) يموت بعضنا و يحيا بعضنا كما قال فاقتلوا أنفسكم أي ليقتل بعضكم بعضا « و ما يهلكنا إلا الدهر » أي و ما يميتنا إلا الأيام و الليالي أي مرور الزمان و طول العمر إنكارا منهم للصانع « و ما لهم بذلك من علم » نفى سبحانه عنهم العلم أي إنما ينسبون ذلك إلى الدهر لجهلهم و لو علموا أن الذي يميتهم هو الله و أنه قادر على إحيائهم لما نسبوا الفعل إلى الدهر « إن هم إلا يظنون » أي ما هم فيما ذكروه إلا ظانون و إنما الأمر بخلافه و قد روي في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر و تأويله أن أهل الجاهلية كانوا ينسبون الحوادث المجحفة و البلايا النازلة إلى الدهر فيقولون فعل الدهر كذا و كانوا يسبون الدهر فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن فاعل هذه الأمور هو الله تعالى فلا تسبوا فاعلها و قيل معناه فإن الله مصرف الدهر و مدبره و الوجه الأول أحسن فإن كلامهم مملوء من ذلك ينسبون أفعال الله إلى الدهر قال الأصمعي ذم أعرابي رجلا فقال هو أكثر ذنوبا من الدهر و قال كثير :
و كنت كذي رجلين رجل صحيحة
و رجل رمى فيها الزمان فشلت و قال آخر :
فاستأثر الدهر الغداة بهم
و الدهر يرميني و ما أرمي
يا دهر قد أكثرت فجعتنا
بسراتنا و وقرت في العظم ثم قال سبحانه « و إذا تتلى عليهم آياتنا بينات » أي إذا قرأت عليهم حججنا ظاهرات « ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا ب آبائنا إن كنتم صادقين » أي لم يكن لهم في مقابلتها حجة
مجمع البيان ج : 9 ص : 119
إلا مقالتهم إن كنتم صادقين في أن الله يعيد الأموات و يبعثهم يوم القيامة فأتوا ب آبائنا و أحيوهم حتى نعلم أن الله قادر على بعثنا و إنما لم يجبهم الله إلى ذلك لأنهم قالوا ذلك متعنتين مقترحين لا طالبين الرشد .
قُلِ اللَّهُ يحْيِيكمْ ثمَّ يُمِيتُكمْ ثمَّ يجْمَعُكمْ إِلى يَوْمِ الْقِيَمَةِ لا رَيْب فِيهِ وَ لَكِنَّ أَكْثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(26) وَ للَّهِ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ يَوْمَ تَقُومُ الساعَةُ يَوْمَئذ يخْسرُ الْمُبْطِلُونَ(27) وَ تَرَى كلَّ أُمَّة جَاثِيَةً كلُّ أُمَّة تُدْعَى إِلى كِتَبهَا الْيَوْمَ تجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(28) هَذَا كِتَبُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَستَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(29) فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبهُمْ فى رَحْمَتِهِ ذَلِك هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ(30)

القراءة

قرأ يعقوب كل أمة تدعى إلى كتابها بفتح اللام و الباقون بالرفع .

الحجة

الوجه في نصبه أنه بدل من الأول و في الثاني من الإيضاح ما ليس في الأول لأن فيه ذكر السبب الداعي إلى الجثو فلذلك جاز إبداله منه و تكون تدعى في موضع نصب على الحال أو على أنه مفعول ثان على تفصيل معنى ترى .

المعنى

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) رادا على الكفار قولهم فقال « قل » يا محمد « الله يحييكم » في دار الدنيا لأنه لا يقدر على الإحياء أحد سواه لأنه القادر لنفسه « ثم يميتكم » عند انقضاء آجالكم « ثم يجمعكم إلى يوم القيامة » بأن يبعثكم و يعيدكم أحياء « لا ريب فيه » أي لا شك فيه لقيام الحجة عليه و إنما احتج بالإحياء في دار الدنيا لأن من قدر على فعل الحياة في وقت قدر على فعلها في كل وقت و من عجز عن ذلك في وقت مع ارتفاع الموانع المعقولة و كونه حيا عجز عنه في كل وقت « و لكن أكثر الناس لا يعلمون » ذلك بعدولهم عن النظر الموجب للعلم بصحته « و لله ملك السماوات و الأرض » و هو قادر على البعث و الإعادة « و يوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون » العادلون عن الحق
مجمع البيان ج : 9 ص : 120
الفاعلون للباطل أنفسهم و حياتهم في الدنيا لا يحصلون من ذلك إلا على عذاب دائم « و ترى كل أمة جاثية » أي و ترى يوم القيامة أهل كل ملة باركة على ركبها عن ابن عباس و قيل باركة مستوفزة على ركبها كهيئة قعود الخصوم بين يدي القضاة عن مجاهد و الضحاك و ابن زيد و قيل إن الجثو للكفار خاصة و قيل هو عام للكفار و المؤمنين ينتظرون الحساب « كل أمة تدعى إلى كتابها » أي كتاب أعمالها الذي كان يستنسخ لها و قيل إلى كتابها المنزل على رسولها ليسألوا عما عملوا به « اليوم تجزون ما كنتم تعملون » أي يقال لهم ذلك « هذا كتابنا » يعني ديوان الحفظة « ينطق عليكم بالحق » أي يشهد عليكم بالحق و المعنى يبينه بيانا شافيا حتى كأنه ناطق « إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون » أي نستكتب الحفظة ما كنتم تعملون في دار الدنيا و الاستنساخ الأمر بالنسخ مثل الاستكتاب الأمر بالكتابة و قيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ يشهد بما قضي فيه من خير و شر و على هذا فيكون معنى نستنسخ أن الحفظة تستنسخ الخزنة ما هو مدون عندها من أحوال العباد و هو قول ابن عباس « فأما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته » أي جنته و ثوابه « ذلك هو الفوز المبين » أي الفلاح الظاهر .

مجمع البيان ج : 9 ص : 121
وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَ فَلَمْ تَكُنْ ءَايَتى تُتْلى عَلَيْكمْ فَاستَكْبرْتمْ وَ كُنتُمْ قَوْماً مجْرِمِينَ(31) وَ إِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقُّ وَ الساعَةُ لا رَيْب فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا الساعَةُ إِن نَّظنُّ إِلا ظنًّا وَ مَا نحْنُ بِمُستَيْقِنِينَ(32) وَ بَدَا لهَُمْ سيِّئَات مَا عَمِلُوا وَ حَاقَ بهِم مَّا كانُوا بِهِ يَستهْزِءُونَ(33) وَ قِيلَ الْيَوْمَ نَنساشْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكمْ هَذَا وَ مَأْوَاشُ النَّارُ وَ مَا لَكم مِّن نَّصِرِينَ(34) ذَلِكم بِأَنَّكمُ اتخَذْتمْ ءَايَتِ اللَّهِ هُزُواً وَ غَرَّتْكمُ الحَْيَوةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يخْرَجُونَ مِنهَا وَ لا هُمْ يُستَعْتَبُونَ(35) فَللَّهِ الحَْمْدُ رَب السمَوَتِ وَ رَب الأَرْضِ رَب الْعَلَمِينَ(36) وَ لَهُ الْكِبرِيَاءُ فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(37)

القراءة

قرأ حمزة وحده و الساعة بالنصب و الباقون بالرفع .

الحجة

قال أبو علي الرفع على وجهين ( أحدهما ) أن يقطع من الأول فيعطف جملة على جملة ( و الآخر ) أن يكون محمولا على موضع إن و ما عملت فيه و موضعهما رفع و أما النصب فمحمول على لفظ أن و موضع « لا ريب فيها » رفع بأنه في موضع خبر إن و قد عاد الذكر إلى الاسم فكأنه قال و الساعة حق لأن قوله « لا ريب فيها » في معنى حق قال أبو الحسن و الرفع أجود في المعنى و أكثر في كلام العرب إذا جاء بعد خبر إن اسم معطوف و يقويه قوله إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين .

المعنى

ثم عقب سبحانه الوعد بالوعيد فقال « و أما الذين كفروا أ فلم تكن آياتي تتلى عليكم » أي فيقال لهم أ فلم تكن حججي و بيناتي تقرأ عليكم من كتابي « فاستكبرتم » أي تعظمتم عن قبولها « و كنتم قوما مجرمين » أي كافرين كما قال أ فنجعل المسلمين كالمجرمين و الفاء في قوله « أ فلم تكن » دالة على جواب أما المحذوف « و إذا قيل إن وعد الله حق » أي إن ما وعد الله به من الثواب و العقاب كائن لا محالة « و الساعة لا ريب فيها » أي و أن القيامة لا شك في حصولها « قلتم » معاشر الكفار « ما ندري ما الساعة » و أنكرتموها « إن نظن إلا ظنا » و نشك فيه « و ما نحن بمستيقنين » في ذلك « و بدا لهم سيئات ما عملوا » أي ظهر لهم جزاء معاصيهم التي عملوها « و حاق بهم ما كانوا به يستهزءؤن » أي جزاء استهزائهم « و قيل اليوم ننساكم » أي نترككم في العقاب « كما نسيتم لقاء يومكم هذا » أي تركتم التأهب للقاء يومكم هذا عن ابن عباس و قيل معناه نحلكم في العذاب محل المنسي كما أحللتم هذا اليوم عندكم محل المنسي « و مأواكم النار » أي مستقركم جهنم « و ما لكم من ناصرين » يدفعون عنكم عذاب الله « ذلكم » الذي فعلنا بكم « بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا » أي سخرية تسخرون منها « و غرتكم الحياة الدنيا » أي خدعتكم بزينتها فاغتررتم بها « فاليوم لا يخرجون منها » أي من النار و قرأ أهل الكوفة غير عاصم يخرجون
مجمع البيان ج : 9 ص : 122
بفتح الياء كما في قوله يريدون أن يخرجوا من النار و ما هم بخارجين منها « و لا هم يستعتبون » أي لا يطلب منهم العتبي و الاعتذار لأن التكليف قد زال و قيل معناه لا يقبل منهم العتبي ثم ذكر سبحانه عظمته فقال « فلله الحمد رب السماوات و رب الأرض رب العالمين » أي الشكر التام و المدحة التي لا يوازيها مدحة لله الذي خلق السماوات و الأرض و دبرهما و خلق العالمين « و له الكبرياء » أي السلطان القاهر و العظمة القاهرة و العلو و الرفعة « في السماوات و الأرض » لا يستحقهما أحد سواه و في الحديث يقول الله سبحانه الكبرياء ردائي و العظمة إزاري فمن نازعني واحدة منهما ألقيته في جهنم « و هو العزيز » في جلاله « الحكيم » في أفعاله و قيل العزيز في انتقاله من الكفار و الحكيم فيما يفعله بالمؤمنين و الأخيار .

مجمع البيان ج : 9 ص : 123
( 46 ) سورة الأحقاف مكية و آياتها خمس و ثلاثون ( 35 )
مكية قال ابن عباس و قتادة إلا آية منها نزلت بالمدينة « قل أ رأيتم إن كان من عند الله » الآية نزلت في عبد الله بن سلام .

عدد آيها


خمس و ثلاثون آية كوفي أربع في الباقين .

اختلافها

آية « حم » كوفي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة الأحقاف أعطي من الأجر بعدد كل رمل في الدنيا عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات و عن عبد الله بن أبي يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ كل ليلة أو كل جمعة سورة الأحقاف لم يصبه الله بروعة في الدنيا و آمنه من فزعة يوم القيامة .

تفسيرها

لما ختم الله تلك السورة بذكر التوحيد و ذم أهل الشرك و الوعيد افتتح هذه السورة أيضا بالتوحيد ثم بالتوبيخ لأهل الكفر من العبيد فقال :
مجمع البيان ج : 9 ص : 124
سورة الأحقاف
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم(1) تَنزِيلُ الْكِتَبِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الحَْكِيمِ(2) مَا خَلَقْنَا السمَوَتِ وَ الأَرْض وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالحَْقِّ وَ أَجَل مُّسمًّى وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضونَ(3) قُلْ أَ رَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونى مَا ذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لهَُمْ شِرْكٌ فى السمَوَتِ ائْتُونى بِكِتَب مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَرَة مِّنْ عِلْم إِن كنتُمْ صدِقِينَ(4) وَ مَنْ أَضلُّ مِمَّن يَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَستَجِيب لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيَمَةِ وَ هُمْ عَن دُعَائهِمْ غَفِلُونَ(5)

القراءة

قرأ علي (عليه السلام) و أبو عبد الرحمن السلمي أو أثرة بسكون الثاء من غير ألف و قرأ ابن عباس بخلاف و عكرمة و قتادة أو أثرة بفتحتين و القراءة المشهورة « أو أثارة » بالألف .

الحجة

قال ابن جني الأثرة و الأثارة البقية و هي ما يؤثر من قولهم أثر الحديث يأثره أثرا و أثرة و يقولون هل عندك من هذا أثرة و أثارة أي أثر و منه سيف مأثور أي عليه أثر الصنعة و طريق العمل و أما الأثرة ساكنة الثاء فهي أبلغ معنى و ذلك أنها الفعلة الواحدة من هذا الأصل فهي كقولهم ائتوني بخبر واحد أو حكاية شاذة أي قنعت في الاحتجاج لكم بهذا الأصل على قلته .

المعنى


« حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم » مر تفسيره « ما خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما إلا بالحق » أي ما خلقناهما عبثا و لا باطلا و إنما خلقناهما لنتعبد سكانهما بالأمر و النهي و نعرضهم للثواب و ضروب النعم فنجازيهم في الآخرة بأعمالهم « و أجل مسمى » يعني يوم القيامة فإنه أجل مسمى عنده مطوي عن العباد علمه إذا انتهى إليه تناهى و قامت القيامة و قيل هو مسمى للملائكة و في اللوح المحفوظ « و الذين كفروا عما أنذروا معرضون » أي إن الكافرين عما أنذروا من القيامة و الجزاء معرضون عادلون عن التفكر فيه « قل » لهواء الذين كفروا بالله « أ رأيتم ما تدعون من دون الله » من الأصنام « أروني ما ذا خلقوا من الأرض » فاستحقوا بخلق ذلك العبادة الشكر « أم لهم شرك في السماوات » أي في خلقها و تقديره أم لهم شرك و نصيب في خلق السماوات ثم قال قل لهم « ائتوني بكتاب من قبل هذا » ، القرآن أنزله الله يدل على صحة قولكم « أو أثارة من علم » أي بقية من علم يؤثر من كتب الأولين يعلمون به أنهم شركاء الله « إن كنتم صادقين » فيما تقولون عن مجاهد و قيل « أو أثارة من علم » أي خبر من الأنبياء عن عكرمة و مقاتل و قيل هو الخط أي بكتاب مكتوب عن ابن عباس و قيل خاصة من علم أوثرتم بها عن قتادة و المعنى
مجمع البيان ج : 9 ص : 125
فهاتوا إحدى هذه الحجج الثلاث أولاها دليل العقل و الثانية الكتاب و الثالثة الخبر المتواتر فإذا لم يمكنهم شيء من ذلك فقد وضح بطلان دعواهم « و من أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة » أي من أضل عن طريق الصواب ممن يدعو من دون الله شيئا لو دعاه إلى يوم القيامة لم يجبه و لم يغثه و المراد لا يستجيب له أبدا « و هم عن دعائهم غافلون » أي و من يدعونهم مع ذلك لا علم لهم بدعائهم و لا يسمعون دعاءهم و إنما كنى عن الأصنام بالواو و النون لما أضاف إليها ما يكون من العقلاء كقوله رأيتهم لي ساجدين .
وَ إِذَا حُشِرَ النَّاس كانُوا لهَُمْ أَعْدَاءً وَ كانُوا بِعِبَادَتهِمْ كَفِرِينَ(6) وَ إِذَا تُتْلى عَلَيهِمْ ءَايَتُنَا بَيِّنَت قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ(7) أَمْ يَقُولُونَ افْترَاهُ قُلْ إِنِ افْترَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لى مِنَ اللَّهِ شيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شهِيدَا بَيْنى وَ بَيْنَكمْ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(8) قُلْ مَا كُنت بِدْعاً مِّنَ الرُّسلِ وَ مَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بى وَ لا بِكمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلىَّ وَ مَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ(9) قُلْ أَ رَءَيْتُمْ إِن كانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَ كَفَرْتم بِهِ وَ شهِدَ شاهِدٌ مِّن بَنى إِسرءِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَئَامَنَ وَ استَكْبرْتمْ إِنَّ اللَّهَ لا يهْدِى الْقَوْمَ الظلِمِينَ(10)

اللغة

الآية الدلالة التي تدل على ما يتعجب منه قال :
ب آية تقدمون الخيل زورا
كان على سنابكها مداما
مجمع البيان ج : 9 ص : 126
أفاض القوم في الحديث إذا مضوا فيه و أصل الإفاضة الدفع و أفاضوا من عرفات اندفعوا منها و حديث مفاض و مستفاض و مستفيض أي جار شائع و البدع و البديع بمعنى و هو بدع من قوم إبداع قال عدي بن زيد :
فلا أنا بدع من حوادث تعتري
رجالا عرت من بعد بؤس و أسعد .

النزول

قيل نزلت الآية الأخيرة في عبد الله بن سلام و هو الشاهد من بني إسرائيل فروي أن عبد الله بن سلام جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأسلم و قال يا رسول الله سل اليهود عني فإنهم يقولون هو أعلمنا فإذا قالوا ذلك قلت لهم إن التوراة دالة على نبوتك و إن صفاتك فيها واضحة فلما سألهم قالوا ذلك فحينئذ أظهر عبد الله بن سلام إيمانه فكذبوه .

المعنى

ثم ذكر سبحانه أنه إذا قامت القيامة صارت آلهتهم التي عبدوها أعداء لهم فقال « و إذا حشر الناس كانوا لهم أعداء » و كذلك قوله و يكونون عليهم ضدا « و كانوا بعبادتهم كافرين » يعني أن هذه الأوثان التي عبدوها ينطقها الله حتى يجحدوا أن يكونوا دعوا إلى عبادتها و يكفروا بعبادة الكفار و يجحدوا ذلك ثم وصفهم الله سبحانه فقال « و إذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم » أي للقرآن و المعجزات التي ظهرت على يد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « هذا سحر مبين » أي حيلة لطيفة ظاهرة و خداع بين « أم يقولون افتراه قل » يا محمد لهم « إن افتريته » أي إن كذبت على الله و اختلقت القرآن كما زعمتم « فلا تملكون لي من الله شيئا » أي إن كان الأمر على ما تقولون إني ساحر مفتر فلا يمكنكم أن تمنعوا الله مني إذا أراد إهلاكي على افترائي عليه و المراد كيف أفتري على الله من أجلكم و أنتم لا تقدرون على دفع عقابه عني أن افتريت عليه « هو أعلم بما تفيضون فيه » أي إن الله أعلم بما تقولون في القرآن و تخوضون فيه من التكذيب به و القول فيه أنه سحر « كفى به شهيدا بيني و بينكم » أن القرآن جاء من عنده « و هو الغفور الرحيم » في تأخير العقاب عنكم حين لا يعجل بالعقوبة قال الزجاج هذا دعاء لهم إلى التوبة أي من أتى من الكبائر مثل ما أتيتم به من الافتراء على الله و علي ثم تاب فإن الله غفور له رحيم به « قل » يا محمد « ما كنت بدعا من الرسل » أي لست بأول رسول بعث عن
 

Back Index Next