جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج9 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 9 ص : 127
ابن عباس و مجاهد و قتادة و البدع الأول من الأمر « و ما أدري ما يفعل بي و لا بكم » أي لا أدري أ أموت أم أقتل و لا أدري أيها المكذبون أ ترمون بالحجارة من السماء أم يخسف بكم أم ليس يفعل بكم ما فعل بالأمم المكذبة و هذا إنما هو في الدنيا و أما في الآخرة فإنه قد علم أنه في الجنة و أن من كذبه في النار عن الحسن و السدي و قيل : معناه لست أدعي غير الرسالة و لا أدعي علم الغيب و لا معرفة ما يفعله الله تعالى بي و لا بكم في الإحياء و الإماتة و المنافع و المضار إلا أن يوحى إلي عن أبي مسلم و قيل ما أدري ما أومر به و لا ما تؤمرون به عن الضحاك و قيل ما أدري أ أترك بمكة أم أخرج منها بأن أومر بالتحول عنها إلى بلد آخر و ما أدري أ أومر بقتالكم أو بالكف عن قتالكم و هل ينزل بكم العذاب أم لا « إن أتبع إلا ما يوحى إلي » أي لست أتبع في أمركم من حرب أو سلم أو أمر أو نهي إلا ما يوحي الله إلي و ما يأمرني به « و ما أنا إلا نذير مبين » أي مخوف لكم ظاهر « قل » يا محمد لهم « أ رأيتم » معناه أخبروني ما ذا تقولون « إن كان من عند الله » أي إن كان هذا القرآن من عند الله هو أنزله و هذا النبي رسوله « و كفرتم » أنتم أيها المشركون « به و شهد شاهد من بني إسرائيل » يعني عبد الله بن سلام « على مثله » معناه عليه أي على أنه من عند الله و قيل على مثله أي على التوراة عن مسروق و قيل الشاهد موسى شهد على التوراة كما شهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على القرآن لأن السورة مكية و ابن سلام أسلم بالمدينة « ف آمن » يعني الشاهد « و استكبرتم » أنتم على الإيمان به و جواب قوله « إن كان من عند الله » محذوف و تقديره أ لستم من الظالمين و يدل على هذا المحذوف قوله « إن الله لا يهدي القوم الظالمين » و قيل جوابه فمن أضل منكم عن الحسن و قيل جوابه أ فتؤمنون عن الزجاج .

مجمع البيان ج : 9 ص : 128
وَ قَالَ الَّذِينَ كفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْ كانَ خَيراً مَّا سبَقُونَا إِلَيْهِ وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ(11) وَ مِن قَبْلِهِ كِتَب مُوسى إِمَاماً وَ رَحْمَةً وَ هَذَا كِتَبٌ مُّصدِّقٌ لِّساناً عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظلَمُوا وَ بُشرَى لِلْمُحْسِنِينَ(12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَمُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يحْزَنُونَ(13) أُولَئك أَصحَب الجَْنَّةِ خَلِدِينَ فِيهَا جَزَاءَ بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ(14) وَ وَصيْنَا الانسنَ بِوَلِدَيْهِ إِحْسناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصلُهُ ثَلَثُونَ شهْراً حَتى إِذَا بَلَغَ أَشدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سنَةً قَالَ رَب أَوْزِعْنى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَك الَّتى أَنْعَمْت عَلىَّ وَ عَلى وَلِدَى وَ أَنْ أَعْمَلَ صلِحاً تَرْضاهُ وَ أَصلِحْ لى فى ذُرِّيَّتى إِنى تُبْت إِلَيْك وَ إِنى مِنَ الْمُسلِمِينَ(15)

القراءة

قرأ أهل الحجاز و ابن عامر و يعقوب لتنذر بالتاء و الباقون بالياء و قرأ أهل الكوفة « إحسانا » و الباقون حسنا و روي عن علي (عليه السلام) و أبي عبد الرحمن السلمي حسنا بفتح الحاء و السين و قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو و الكسائي كرها بفتح الكاف و الباقون بضمها و قرأ يعقوب و فصله و هو قراءة الحسن و أبي رجاء و عاصم و الجحدري و الباقون « و فصاله » .

الحجة

قال أبو علي حجة من قرأ لتنذر بالتاء قوله إنما أنت منذر و قوله لتنذر به و ذكرى و حجة الياء لينذر بأسا شديدا أو أسند الإنذار إلى الكتاب كما أسنده إلى الرسول و أما الباء في قوله « بوالديه » فيجوز أن يتعلق بوصينا بدلالة قوله ذلكم وصاكم به و يجوز أن يتعلق بالإحسان و يدل عليه قوله « و قد أحسن بي إذ أخرجني » و لا يجوز أن يتعلق في الآية بالإحسان لتقدمها على الموصول و لكن يجوز أن تعلقه بمضمر يفسره الإحسان كما جاز في نحو قوله « و كانوا فيه من الزاهدين » و قوله :
كان جزائي بالعصا أن أجلدا في قول من لم يعلقه بالجزاء .
و الإحسان خلاف الإساءة و الحسن خلاف القبح فمن قال إحسانا كان انتصابه على المصدر و ذلك أن معنى قوله وصينا الإنسان بوالديه حسنا أمرناه بالإحسان أي ليأتي الإحسان إليهما دون الإساءة و لا يجوز أن يكون انتصابه بوصينا لأن وصينا قد استوفى مفعوليه اللذين أحدهما منصوب و الآخر المتعلق بالباء و من قرأ حسنا فمعناه ليأت في أمرهما أمرا ذا حسن أي ليأت الحسن في أمرهما دون القبيح و يؤيده قراءة علي صلوات الرحمن عليه حسنا لأن معناه ليأت في أمرهما فعلا حسنا و أما الكره بالفتح فهو المصدر و الكره بالضم الاسم كأنه الشيء المكروه قال كتب عليكم القتال و هو كره لكم و هذا بالضم و قال أن ترثوا النساء كرها فهذا في موضع الحال و الفتح فيه أحسن و قد قيل إنهما لغتان و أما الفصل فهو بمعنى الفصال إلا أن الأكثر بالألف و في الحديث لا رضاع بعد الفصال يعني بعد الفطام .

مجمع البيان ج : 9 ص : 129

اللغة

القديم ما تقادم وجوده و في عرف المتكلمين هو الموجود الذي لا أول لوجوده و الإيزاع أصله المنع و أوزعني امنعني عن الانصراف عن ذلك باللطف و منه قول الحسن لا بد للناس من وزعة و قال أبو مسلم الإيزاع إيصال الشيء إلى القلب .

الإعراب

إماما منصوب على الحال من الضمير في الظرف عند سيبويه و من كتاب موسى عند الأخفش و من رفع بالظرف و يجوز أن يرتفع قوله « كتاب موسى » بالعطف على قوله « و شهد شاهد من بني إسرائيل » أي و شهد من قبل القرآن كتاب موسى ففصل بالظرف بين الواو و المعطوف به و رحمة معطوف على قوله « إماما » و « لسانا عربيا » منصوب على الحال أيضا من قوله « هذا كتاب » و يجوز أن يكون حالا مما في مصدق من الضمير و تقديره و هذا كتاب مصدق ملفوظا به على لسان العرب و بشرى عطف على قوله « لينذر » و هو مفعول له جزاء مصدر مؤكد لما قبله و تقديره جوزوا جزاء فاستغنى عن ذكر جوزوا لدلالة الجملة قبلها عليها و يجوز أن يكون جزاء مفعولا له و كرها منصوب على الحال أي حملته كارهة .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن الكفار الذين جحدوا وحدانيته فقال « و قال الذين كفروا للذين آمنوا » بالله و رسوله « لو كان خيرا ما سبقونا إليه » أي لو كان هذا الذي يدعونا إليه محمد خيرا أي نفعا عاجلا أو آجلا ما سبقنا هؤلاء الذين آمنوا به إلى ذلك لأنا كنا بذلك أولى و اختلف فيمن قال ذلك فقيل هم اليهود قالوا لو كان دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) خيرا ما سبقنا إليه عبد الله بن سلام عن أكثر المفسرين و قيل : إن أسلم و جهينة و مزينة و غفارا لما أسلموا قال بنو عامر بن صعصعة و غطفان و أسد و أشجع هذا القول عن الكلبي و نظم الكلام يوجب أن يكون ما سبقتمونا إليه و لكنه على ترك المخاطبة « و إذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم » أي فإذا لم يهتدوا بالقرآن من حيث لم يتدبروه فسيقولون هذا القرآن كذب متقادم أي أساطير الأولين ثم قال سبحانه « و من قبله كتاب موسى » أي من قبل القرآن كتاب موسى و هو التوراة « إماما » يقتدى به « و رحمة » من الله للمؤمنين به قبل القرآن و تقدير الكلام و تقدمه كتاب موسى إماما و في الكلام محذوف يتم به المعنى تقديره فلم يهتدوا به و دل عليه قوله في الآية الأولى « و إذ لم يهتدوا به » و ذلك أن المشركين لم يهتدوا بالتوراة فيتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان و يعرفوا منها صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم قال « و هذا كتاب » يعني القرآن « مصدق » للكتب التي قبله « لسانا عربيا » ذكر اللسان توكيدا كما تقول جاءني زيد رجلا صالحا فتذكر رجلا توكيدا لتنذر الذين ظلموا أي لتخوفهم يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من قرأ
مجمع البيان ج : 9 ص : 130
بالياء أسند الفعل إلى الكتاب « و بشرى للمحسنين » و بشارة للمؤمنين و قيل معناه و يبشر بشرى فيكون نصبا على المصدر و يجوز أن يكون في موضع رفع أي و هو بشرى للمحسنين الموحدين « إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا » مر تفسيره « فلا خوف عليهم » من العقاب « و لا هم يحزنون » من أهوال يوم القيامة « أولئك أصحاب الجنة » الملازمون لها المنعمون فيها « خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون » في الدنيا من الطاعات و الأعمال الصالحات « و وصينا الإنسان بوالديه إحسانا » مر تفسيره « حملته أمه كرها » أي بكرة و مشقة عن الحسن و قتادة و مجاهد يعني حين أثقلت و ثقل عليها الولد « و وضعته كرها » يريد به شدة الطلق عن ابن عباس « و حمله و فصاله ثلاثون شهرا » يريد أن أقل مدة الحمل و كمال مدة الرضاع ثلاثون شهرا قال ابن عباس إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت أحدا و عشرين شهرا و إذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة و عشرين شهرا « حتى إذا بلغ أشده » و هو ثلاث و ثلاثون سنة عن ابن عباس و قتادة و قيل بلوغ الحلم عن الشعبي و قيل وقت قيام الحجة عليه عن الحسن و قيل هو أربعون سنة و ذلك وقت إنزال الوحي على الأنبياء و لذلك فسر به فقال « و بلغ أربعين سنة » فيكون هذا بيانا لزمان الأشد و أراد بذلك أنه يكمل له رأيه و يجتمع عليه عقله عند الأربعين سنة « قال رب أوزعني » أي ألهمني « أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي و على والدي و أن أعمل صالحا ترضاه » قد مر تفسيره في سورة النمل « و أصلح لي في ذريتي » أي اجعل ذريتي صالحين عن الزجاج و قيل أنه دعاء بإصلاح ذريته لبره و طاعته لقوله « أصلح لي » و قيل أنه الدعاء بإصلاحهم لطاعة الله عز و جل و هو عبادته و هو الأشبه لأن طاعتهم لله من بره لأن اسم الذرية يقع على من يكون بعده و قيل معناه اجعلهم لي خلف صدق و لك عبيد حق عن سهل بن عبد الله « إني تبت إليك » من سيئاتي و ذنوبي « و إني من المسلمين » المنقادين لأمرك .

مجمع البيان ج : 9 ص : 131
أُولَئك الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنهُمْ أَحْسنَ مَا عَمِلُوا وَ نَتَجَاوَزُ عَن سيِّئَاتهِمْ فى أَصحَبِ الجَْنَّةِ وَعْدَ الصدْقِ الَّذِى كانُوا يُوعَدُونَ(16) وَ الَّذِى قَالَ لِوَلِدَيْهِ أُف لَّكُمَا أَ تَعِدَانِنى أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلى وَ هُمَا يَستَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَك ءَامِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقُّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسطِيرُ الأَوَّلِينَ(17) أُولَئك الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فى أُمَم قَدْ خَلَت مِن قَبْلِهِم مِّنَ الجِْنِّ وَ الانسِ إِنهُمْ كانُوا خَسِرِينَ(18) وَ لِكلّ دَرَجَتٌ ممَّا عَمِلُوا وَ لِيُوَفِّيهُمْ أَعْمَلَهُمْ وَ هُمْ لا يُظلَمُونَ(19) وَ يَوْمَ يُعْرَض الَّذِينَ كَفَرُوا عَلى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طيِّبَتِكمْ فى حَيَاتِكمُ الدُّنْيَا وَ استَمْتَعْتُم بهَا فَالْيَوْمَ تجْزَوْنَ عَذَاب الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَستَكْبرُونَ فى الأَرْضِ بِغَيرِ الحَْقِّ وَ بمَا كُنتُمْ تَفْسقُونَ(20)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « نتقبل » و « نتجاوز » بالنون ، « أحسن » بالنصب و الباقون يتقبل و يتجاوز بضم الياء أحسن بالرفع و قرأ ابن كثير و أبو جعفر و يعقوب آذهبتم بهمزة واحدة ممدودة و قرأ ابن عامر ء أذهبتم بهمزتين و الباقون « أذهبتم » بفتح الهمزة .

الحجة


من قرأ يتقبل فلأن الفعل و إن كان مبنيا للمفعول به فمعلوم أنه لله تعالى كما جاء في الأخرى إنما يتقبل الله من المتقين فبناؤه للمفعول كبنائه للفاعل في العلم بالفاعل و حجة من قرأ « نتقبل » بالنون أنه قد تقدم الكلام و وصينا الإنسان و كلاهما حسن و قد ذكرنا اختلافهم في أف في بني إسرائيل و حجة الاستفهام في أذهبتم أنه قد جاء هذا النحو بالاستفهام نحو أ ليس هذا بالحق و قوله أ كفرتم بعد إيمانكم و وجه الخبر أن الاستفهام تقرير فهو مثل الخبر أ لا ترى أن التقرير لا يجاب بالفاء كما يجاب بها إذا لم يكن تقريرا فكأنهم يوبخون بهذا الذي يخبرون به و يبكتون و المعنى في القراءتين يقال لهم هذا فحذف القول كما حذف في نحو قوله « أ كفرتم بعد إيمانكم » .


الإعراب


« وعد الصدق » نصب على المصدر تقديره وعدهم الله ذلك وعدا و إضافته إلى الصدق غير حقيقية لأن الصدق في تقدير النصب بأنه صفة وعد و « الذي كانوا يوعدون » موصول و صلة في موضع النصب بكونه صفة الوعد و « أف لكما » مبتدأ و خبر تقديره هذه الكلمة التي تقال عند الأمور المكروهة كائنة لكما ويلك منصوب لأنه مفعول فعل محذوف تقديره ألزمك الله الويل و قيل تقديره وي لك فهو مبتدأ و خبر كما قلناه في أف و ليوفيها معطوف على محذوف تقديره و الله أعلم ليجزيهم بما عملوا و ليوفيهم أعمالهم .

المعنى

ثم أخبر سبحانه بما يستحقه هذا الإنسان من الثواب فقال « أولئك »
مجمع البيان ج : 9 ص : 132
يعني أهل هذا القول « الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا » أي يثابون على طاعاتهم و المعنى نقبل بإيجاب الثواب لهم أحسن أعمالهم و هو ما يستحق به الثواب من الواجبات و المندوبات فإن المباح أيضا من قبيل الحسن و لا يوصف بأنه متقبل « و نتجاوز عن سيئاتهم » التي اقترفوها « في أصحاب الجنة » أي في جملة من يتجاوز عن سيئاتهم و هم أصحاب الجنة فيكون قوله « في أصحاب الجنة » في موضع نصب على الحال « وعد الصدق الذي كانوا يوعدون » أي وعدهم وعد الصدق و هو ما وعد أهل الإيمان بأن يتقبل من محسنهم و يتجاوز عن مسيئهم إذا شاء أن يتفضل عليهم بإسقاط عقابهم أو إذا تابوا الوعد الذي كانوا يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل « و الذي قال لوالديه » إذا دعوه إلى الإيمان « أف لكما » و هي كلمة تبرم يقصد بها إظهار التسخط و معناه بعدا لكما و قيل معناه نتنا و قذرا لكما كما يقال عند شم الرائحة المكروهة « أ تعدانني أن أخرج » من القبر و أحيا و أبعث « و قد خلت القرون من قبلي » أي مضت الأمم و ماتوا قبلي فما أخرجوا و لا أعيدوا و قيل معناه خلت القرون على هذا المذهب ينكرون البعث « و هما » يعني والديه « يستغيثان الله » أي يستصرخان الله و يطلبان منه الغوث ليتلطف له بما يؤمن عنده و يقولان له « ويلك آمن » بالقيامة و بما يقوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « إن وعد الله » بالبعث و النشور و الثواب و العقاب « حق فيقول » هو في جوابهما « ما هذا » القرآن و ما تزعمانه و تدعوانني إليه « إلا أساطير الأولين » أي أخبار الأولين و أحاديثهم التي سطروها و ليس لها حقيقة و قيل أن الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قال له أبواه أسلم و ألحا عليه فقال أحيوا لي عبد الله بن جدعان و مشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون عن ابن عباس و أبي العالية و السدي و مجاهد و قيل الآية عامة في كل كافر عاق لوالديه عن الحسن و قتادة و الزجاج قالوا و يدل عليه أنه قال عقيبها « أولئك الذين حق عليهم القول في أمم » أي حقت عليهم كلمة العذاب في أمم أي مع أمم « قد خلت من قبلهم من الجن و الإنس » على مثل حالهم و اعتقادهم قال قتادة قال الحسن الجن لا يموتون فقلت « أولئك الذين حق عليهم القول في أمم » الآية تدل على خلافه ثم قال سبحانه مخبرا عن حالهم « إنهم كانوا خاسرين » لأنفسهم إذ أهلكوها بالمعاصي « و لكل درجات مما عملوا » أي لكل واحد ممن تقدم ذكره من المؤمنين البررة و الكافرين الفجرة درجات على مراتبهم و مقادير أعمالهم فدرجات الأبرار في عليين و درجات الفجار دركات في سجين عن ابن زيد و أبي مسلم و قيل معناه و لكل مطيع درجات ثواب و إن تفاضلوا في مقاديرها عن الجبائي و علي بن عيسى و لنوفيهم أعمالهم أي جزاء أعمالهم و ثوابها و من قرأ بالياء فالمعنى و ليوفيهم الله أعمالهم « و هم لا يظلمون » بعقاب لا
مجمع البيان ج : 9 ص : 133
يستحقونه أو بمنع ثواب يستحقونه « و يوم يعرض الذين كفروا على النار » يعني يوم القيامة أي يدخلون النار كما يقال عرض فلان علي السوط و قيل معناه عرض عليهم النار قبل أن يدخلوها ليروا أهوالها « أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا » أي فيقال لهم آثرتم طيباتكم و لذاتكم في الدنيا على طيبات الجنة « و استمتعتم بها » أي انتفعتم بها منهمكين فيها و قيل هي الطيبات من الرزق يقول أنفقتموها في شهواتكم و في ملاذ الدنيا و لم تنفقوها في مرضاة الله و لما وبخ الله سبحانه الكفار بالتمتع بالطيبات و اللذات في هذه الدار آثر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أمير المؤمنين (عليه السلام) الزهد و التقشف و اجتناب الترفه و النعمة و قد روي في الحديث أن عمر بن الخطاب قال استأذنت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فدخلت عليه في مشربة أم إبراهيم و أنه لمضطجع على خصفة و أن بعضه على التراب و تحت رأسه وسادة محشوة ليفا فسلمت عليه ثم جلست فقلت يا رسول الله أنت نبي الله و صفوته و خيرته من خلقه و كسرى و قيصر على سرر الذهب و فرش الديباج و الحرير فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أولئك قوم عجلت طيباتهم و هي وشيكة الانقطاع و إنما أخرت لنا طيباتنا و قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) في بعض خطبه : و الله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها و لقد قال لي قائل أ لا تنبذها فقلت اعزب عني فعند الصباح يحمد القوم السري و روى محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال و الله إن كان علي (عليه السلام) ليأكل أكلة العبد و يجلس جلسة العبد و إن كان يشتري القميصين فيخير غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر فإذا جاز أصابعه قطعه و إذا جاز كعبه حذفه و لقد ولي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة و لا لبنة على لبنة و لا أورث بيضاء و لا حمراء و إن كان ليطعم الناس على خبز البر و اللحم و ينصرف إلى منزله فيأكل خبز الشعير و الزيت و الخل و ما ورد عليه أمران كلاهما لله عز و جل فيه رضى إلا أخذ بأشدهما على بدنه و لقد أعتق ألف مملوك من كد يمينه تربت منه يداه و عرق فيه وجهه و ما أطاق عمله أحد من الناس بعده و إن كان ليصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة و إن كان أقرب الناس شبها به علي بن الحسين (عليهماالسلام) ما أطاق عمله أحد من الناس بعده ثم أنه قد اشتهر في الرواية أنه (عليه السلام) لما دخل على العلاء بن زياد بالبصرة يعوده قال له العلاء يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم بن زياد لبس العباءة و تخلى من الدنيا فقال (عليه السلام) علي به فلما جاء به قال يا عدي نفسه لقد استهام بك الخبيث أ ما رحمت أهلك و ولدك أ ترى الله أحل لك الطيبات و هو يكره أن تأخذها أنت أهون على الله من ذلك قال يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك و جشوبة مأكلك قال ويحك
مجمع البيان ج : 9 ص : 134
إني لست كانت إن الله تعالى فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره « فاليوم تجزون عذاب الهون » أي العذاب الذي فيه الذل و الخزي و الهوان « بما كنتم تستكبرون في الأرض » أي باستكباركم عن الانقياد للحق في الدنيا و تكبركم على أنبياء الله و أوليائه « بغير الحق و بما كنتم تفسقون » أي بخروجكم من طاعة الله إلى معاصيه .
* وَ اذْكُرْ أَخَا عَاد إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَينِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنى أَخَاف عَلَيْكمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم(21) قَالُوا أَ جِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءَالهَِتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنت مِنَ الصدِقِينَ(22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَ أُبَلِّغُكم مَّا أُرْسِلْت بِهِ وَ لَكِنى أَرَاشْ قَوْماً تجْهَلُونَ(23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّستَقْبِلَ أَوْدِيَتهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ ممْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا استَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ(24) تُدَمِّرُ كلَّ شىْءِ بِأَمْرِ رَبهَا فَأَصبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسكِنهُمْ كَذَلِك نجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(25)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير الكسائي و يعقوب و سهل « لا يرى » بضم الياء « إلا مساكنهم » بالرفع و قرأ الباقون لا ترى بالتاء إلا مساكنهم بالنصب و في الشواذ قراءة الحسن و أبي رجاء و قتادة و مالك بن دينار و الأعمش لا ترى بضم التاء « إلا مساكنهم » بالرفع و قرأ الأعمش مسكنهم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 135

الحجة

قال أبو علي تذكير الفعل في قوله « لا يرى إلا مساكنهم » حسن و هو أحسن من إلحاق علامة التأنيث الفعل من أجل الجمع و ذلك أنهم حملوا الكلام في هذا الباب على المعنى فقالوا ما قام إلا هند و لم يقولوا ما قامت لما كان المعنى ما قام أحد و لا يجيء التأنيث فيه إلا في شذوذ و ضرورة فمن ذلك قول الشاعر :
بري النخز و الأجراز ما في عروضها
فما بقيت إلا الصدور الجراشع و قول ذي الرمة :
كأنها جمل وهم و ما بقيت
إلا النحيزة و الألواح و العصب قال ابن جني قوله مسكنهم إن شئت جعلته مصدرا و قدرت حذف المضاف أي لا ترى إلا آثار مسكنهم كما قال ذو الرمة :
تقول عجوز مدرجي متروحا
على بابها من عند أهلي و غاديا فالمدرج هنا مصدر أ لا تراه قد نصب الحال و إن شئت قلت مسكنهم واحد كفى من جماعة .

اللغة

الأحقاف جمع حقف و هو الرمل المستطيل العظيم لا يبلغ أن يكون جبلا قال المبرد الحقف هو الرمل الكثير لمكتنز غير العظيم و فيه اعوجاج قال العجاج :
بات على أرطاة حقف أحقفا و العارض السحاب يأخذ في عرض السماء قال الأعشى :
يا من رأى عارضا قد بت أرمقه
كأنما البرق في حافاته شعل و التدمير الإهلاك و إلقاء بعض الأشياء على بعض حتى يخرب و يهلك قال جرير :
مجمع البيان ج : 9 ص : 136

و كان لهم كبكر ثمود لما
رغى ظهرا فدمرهم دمارا .

المعنى

ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و اذكر » يا محمد لقومك أهل مكة « أخا عاد » يعني هودا « إذ أنذر قومه » أي خوفهم بالله تعالى و دعاهم إلى طاعته « بالأحقاف » و هو واد بين عمان و مهرة عن ابن عباس و قيل رمال فيما بين عمان إلى حضرموت عن ابن إسحاق و قيل رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن عن قتادة و قيل أرض خلالها رمال عن الحسن « و قد خلت النذر من بين يديه و من خلفه » أي و قد مضت الرسل من قبل هود (عليه السلام) و من بعده « ألا تعبدوا إلا الله » أي بأن لا تعبدوا و المعنى إني لم أبعث قبل هود و لا بعده إلا بالأمر بعبادة الله وحده و هذا اعتراض كلام وقع بين إنذار هود و كلامه لقومه ثم عاد إلى كلام هود لقومه فقال « إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم » و تقدير الكلام إذ أنذر قومه بالأحقاف فقال « إني أخاف عليكم » الآية ثم حكى ما أجاب به قومه بقوله « قالوا أ جئتنا » يا هود « لتأفكنا » أي لتلفتنا و تصرفنا « عن آلهتنا » أي عن عبادة آلهتنا « فأتنا بما تعدنا » من العذاب « إن كنت من الصادقين » أن العذاب نازل بنا « قال » هود « إنما العلم عند الله » هو يعلم متى يأتيكم العذاب لا أنا « و أبلغكم ما أرسلت به » إليكم أي و أنا أبلغكم ما أمرت بتبليغه إليكم « و لكني أراكم قوما تجهلون » حيث لا تجيبون إلى ما فيه صلاحكم و نجاتكم و تستعجلون العذاب الذي فيه هلاككم و هذا لا يفعله إلا الجاهل بالمنافع و المضار « فلما رأوه » أي فلما رأوا ما يوعدون و الهاء تعود إلى ما تعدنا في قوله « فأتنا بما تعدنا » « عارضا » أي سحابا يعرض في ناحية من السماء ثم يطبق السماء « مستقبل أوديتهم قالوا » كانت عاد قد حبس عنهم المطر أياما فساق الله إليهم سحابة سوداء خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم استبشروا و قالوا « هذا عارض ممطرنا » أي سحاب ممطر إيانا هذا تقديره لأنه نكرة بدلالة أنه صفة لعارض فقال هود (عليه السلام) « بل هو ما استعجلتم به » أي ليس هو كما توهمتم بل هو الذي وعدتكم به و طلبتم تعجيله ثم فسره فقال « ريح فيها عذاب أليم » أي هو ريح فيها عذاب مؤلم و قيل بل هو قول الله تعالى « تدمر كل شيء بأمر ربها » أي تهلك كل شيء مرت به من الناس و الدواب و الأموال و اعتزل هود و من معه في حظيرة لم يصبهم من تلك الريح إلا ما
مجمع البيان ج : 9 ص : 137
تلين على الجلود و تلتذ به الأنفس و أنها لتمر من عاد بالظعن ما بين السماء و الأرض حتى نرى الظعينة كأنها جرادة عن عمر بن ميمون « فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم » و ما عداها قد هلك و من قرأ بالتاء فهو على وجه الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « كذلك » أي مثل ما أهلكنا أهل الأحقاف و جازيناهم بالعذاب « نجزي القوم المجرمين » أي الكافرين الذين يسلكون مسالكهم .
وَ لَقَدْ مَكَّنَّهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّكُمْ فِيهِ وَ جَعَلْنَا لَهُمْ سمْعاً وَ أَبْصراً وَ أَفْئِدَةً فَمَا أَغْنى عَنهُمْ سمْعُهُمْ وَ لا أَبْصرُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتهُم مِّن شىْء إِذْ كانُوا يجْحَدُونَ بِئَايَتِ اللَّهِ وَ حَاقَ بهِم مَّا كانُوا بِهِ يَستهْزِءُونَ(26) وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكم مِّنَ الْقُرَى وَ صرَّفْنَا الاَيَتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(27) فَلَوْ لا نَصرَهُمُ الَّذِينَ اتخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً ءَالهَِةَ بَلْ ضلُّوا عَنْهُمْ وَ ذَلِك إِفْكُهُمْ وَ مَا كانُوا يَفْترُونَ(28) وَ إِذْ صرَفْنَا إِلَيْك نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَستَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضىَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ(29) قَالُوا يَقَوْمَنَا إِنَّا سمِعْنَا كتَباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسى مُصدِّقاً لِّمَا بَينَ يَدَيْهِ يهْدِى إِلى الْحَقِّ وَ إِلى طرِيق مُّستَقِيم(30)

القراءة

في الشواذ قراءة ابن عباس و عكرمة و أبي عامر أفكهم بفتح الألف و الفاء و الكاف و قراءة عبد الله بن الزبير آفكهم و قراءة ابن عياض أفكهم بالتشديد .

الحجة

قوله إفكهم معناه صرفهم و ثناهم قال :
مجمع البيان ج : 9 ص : 138

إن يك عن أحسن المروءة مأفوكا
ففي آخرين قد أفكوا و آفكهم أفعلهم منه أي أصارهم إلى الإفك و يجوز أن يكون فاعلهم من ذلك مثل خادعهم و أما إفكهم ففعلهم و ذلك لتكثيره ذلك الفعل بهم و روي عن قطرب أن ابن عباس قرأ آفكهم أي صارفهم .

اللغة

التمكين إعطاء ما يتمكن به من الفعل و تدخل فيه القدرة و الآلة و سائر ما يحتاج إليه الفاعل و قيل التمكين إزالة الموانع و ذلك داخل في الأول لأنه كما يحتاج الفاعل في الفعل إلى الآلات يحتاج إلى زوال الموانع فإذا أزيحت عنه العلل كلها فقد مكن و القربان كل ما يتقرب به إلى الله تعالى من طاعة أو نسك و الجمع قرابين .

الإعراب


« فيما إن مكناكم فيه » إن هنا بمعنى ما و إن في النفي مع ما الموصولة بمعنى الذي أحسن في اللفظ من ما أ لا ترى أنك لو قلت رغبت فيما ما رغبت فيه لكان أحسن منه أن تقول رغبت فيما أن رغبت فيه لاختلاف اللفظين .

المعنى

ثم خوف سبحانه كفار مكة و ذكر فضل عاد بالأجسام و القوة عليهم فقال « و لقد مكناهم فيما إن مكناكم » أي في الذي ما مكناكم « فيه » و المعنى في الشيء الذي لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان و بسطة الأجسام و طول العمر و كثرة الأموال عن ابن عباس و قتادة و قيل معناه فيما مكناكم فيه و إن مزيدة و المعنى مكناهم من الطاعات و جعلناهم قادرين متمكنين بنصب الأدلة على التوحيد و التمكين من النظر فيها و الترغيب و الترهيب و إزاحة العلل في جميع ذلك « و جعلنا لهم سمعا و أبصارا و أفئدة » ثم أخبر سبحانه عن أولئك أنهم أعرضوا عن قبول الحجج و التفكر فيما يدلهم على التوحيد مع ما أعطاهم الله من الحواس الصحيحة التي بها تدرك الأدلة « فما أغنى عنهم سمعهم و لا أبصارهم و لا أفئدتهم من شيء » أي لم ينفعهم جميع ذلك لأنهم لم يعتبروا ذلك و لا استعملوا أبصارهم و أفئدتهم في النظر و التدبر « إذ كانوا يجحدون ب آيات الله » و أدلته « و حاق بهم » أي حل بهم جزاء « ما كانوا به يستهزءؤن و لقد أهلكنا ما حولكم من القرى » معناه و لقد أهلكنا يا أهل مكة ما حولكم و هم قوم هود و كانوا باليمن و قوم صالح بالحجر و قوم لوط على طريقهم إلى الشام « و صرفنا الآيات » تصريف الآيات تصييرها تارة في الإعجاز و تارة في الإهلاك و تارة في التذكير بالنعم و تارة في التذكير بالنقم و تارة في وصف الأبرار ليقتدى بهم و تارة في وصف
مجمع البيان ج : 9 ص : 139
الفجار ليجتنب مثل فعلهم « لعلهم يرجعون » أي لكي يرجعوا عن الكفر « فلو لا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة » أي فهلا نصر هؤلاء المهلكين الذين اتخذوهم آلهة و زعموا أنهم يعبدونهم تقربا إلى الله تعالى ثم لم ينصروهم لأن هذا استفهام إنكار « بل ضلوا عنهم » أي ضلت الآلهة وقت الحاجة إليها فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم « و ذلك إفكهم » أي اتخاذهم الآلهة دون الله كذبهم و افتراؤهم و هو قوله « و ما كانوا يفترون » أي يكذبون من أنها آلهة ثم بين سبحانه أن في الجن مؤمنين و كافرين كما في الإنس فقال « و إذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن » معناه و اذكر يا محمد إذ وجهنا إليك جماعة من الجن تستمع القرآن و قيل معناه صرفناهم إليك عن بلادهم بالتوفيق و الألطاف حتى أتوك و قيل صرفناهم إليك عن استراق السمع من السماء برجوم الشهب و لم يكونوا بعد عيسى قد صرفوا عنه فقالوا ما هذا الذي حدث في السماء إلا من أجل شيء قد حدث في الأرض فضربوا في الأرض حتى وقفوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ببطن نخلة عامدا إلى عكاظ و هو يصلي الفجر فاستمعوا القرآن و نظروا كيف يصلي عن ابن عباس و سعيد بن جبير و على هذا فيكون الرمي بالشهب لطفا للجن « فلما حضروه » أي حضروا القرآن أو النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « قالوا أنصتوا » أي قال بعضهم لبعض اسكتوا لنستمع إلى قراءته فلا يحول بيننا و بين القرآن شيء « فلما قضى » أي فرغ من تلاوته « ولوا إلى قومهم » أي انصرفوا إلى قومهم « منذرين » أي محذرين إياهم عذاب الله إن لم يؤمنوا « قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى » يعنون القرآن « مصدقا لما بين يديه » أي لما تقدمه من الكتب « يهدي إلى الحق » أي يرشد إلى دين الحق و يدل عليه و يدعو إليه « و إلى طريق مستقيم » يؤدي بسالكه إلى الجنة .

] القصة [
عن الزهري قال لما توفي أبو طالب (عليه السلام) اشتد البلاء على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فعمد ليقف بالطائف رجاء أن يأووه فوجد ثلاثة نفر منهم هم سادة و هم إخوة عبد ياليل و مسعود و حبيب بنو عمرو فعرض عليهم نفسه فقال أحدهم أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط و قال الآخر أعجز على الله أن يرسل غيرك و قال الآخر و الله لا أكلمك بعد مجلسك هذا أبدا فلئن كنت رسولا كما تقول فأنت أعظم خطرا من أن يرد عليك الكلام و إن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك بعد و تهزئوا به و أفشوا في قومه ما راجعوه به فقعدوا له صفين على طريقه فلما مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بين صفيهم جعلوا لا يرفع رجليه و لا
مجمع البيان ج : 9 ص : 140
يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه فخلص منهم و هما يسيلان دما إلى حائط من حوائطهم و استظل في ظل نخلة منه و هو مكروب موجع تسيل رجلاه دما فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله و رسوله فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداس معه عنب و هو نصراني من أهل نينوى فلما جاءه قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من أي أرض أنت قال من أهل نينوى قال من مدينة العبد الصالح يونس بن متى فقال له عداس و ما يدريك من يونس بن متى قال أنا رسول الله و الله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى فلما أخبره بما أوحى الله إليه من شأن يونس خر عداس ساجدا لله و لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و جعل يقبل قدميه و هما يسيلان الدماء فلما بصر عتبة و شيبة ما يصنع غلامهما سكتا فلما أتاهما قالا ما شأنك سجدت لمحمد و قبلت قدميه و لم نرك فعلت ذلك بأحد منا قال هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متى فضحكا و قالا لا يفتننك عن نصرانيتك فإنه رجل خداع فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى مكة حتى إذا كان بنخلة قام في جوف الليل يصلي فمر به نفر من جن أهل نصيبين و قيل من اليمن فوجدوه يصلي صلاة الغداة و يتلو القرآن فاستمعوا له و هذا معنى قول سعيد بن جبير و جماعة و قال آخرون أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن ينذر الجن و يدعوهم إلى الله و يقرأ عليهم القرآن فصرف الله إليه نفرا من الجن من نينوى فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فأيكم يتبعني فاتبعه عبد الله بن مسعود قال عبد الله و لم يحضر معه أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة و دخل نبي الله شعبا يقال له شعب الحجون و خط لي خطا ثم أمرني أن أجلس فيه و قال لا تخرج منه حتى أعود إليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حتى حالت بيني و بينه حتى لم أسمع صوته ثم انطلقوا و طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي منهم رهط و فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مع الفجر فانطلق فرز ثم قال هل رأيت شيئا فقلت نعم رأيت رجالا سودا مستثفري ثياب بيض قال أولئك جن نصيبين و روى علقمة عن عبد الله قال لم أكن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليلة الجن و وددت أني كنت معه و روي عن ابن عباس أنهم كانوا سبعة نفر من جن نصيبين فجعلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) رسلا إلى قومهم قال زر بن حبيش كانوا تسعة نفر منهم زوبعة و روى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال لما قرأ رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) الرحمن على الناس سكتوا فلم يقولوا شيئا فقال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) الجن كانوا أحسن جوابا منكم لما قرأت عليهم فبأي آلاء ربكم تكذبان قالوا لا و لا بشيء من آلائك ربنا نكذب .

مجمع البيان ج : 9 ص : 141
يَقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِىَ اللَّهِ وَ ءَامِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكم مِّن ذُنُوبِكمْ وَ يجِرْكُم مِّنْ عَذَاب أَلِيم(31) وَ مَن لا يجِب دَاعِىَ اللَّهِ فَلَيْس بِمُعْجِز فى الأَرْضِ وَ لَيْس لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئك فى ضلَل مُّبِين(32) أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَ السمَوَتِ وَ الأَرْض وَ لَمْ يَعْىَ بخَلْقِهِنَّ بِقَدِر عَلى أَن يُحْيِىَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كلِّ شىْء قَدِيرٌ(33) وَ يَوْمَ يُعْرَض الَّذِينَ كَفَرُوا عَلى النَّارِ أَ لَيْس هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلى وَ رَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(34) فَاصبرْ كَمَا صبرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسلِ وَ لا تَستَعْجِل لهَُّمْ كَأَنهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا ساعَةً مِّن نهَارِ بَلَغٌ فَهَلْ يُهْلَك إِلا الْقَوْمُ الْفَسِقُونَ(35)

القراءة

قرأ يعقوب وحده يقدر بالياء و هو قراءة جده عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي و عاصم الجحدري و مالك بن دينار و قرأ جميع القراء « بقادر » و في الشواذ قراءة الحسن و عيسى الثقفي بلاغا بالنصب و قراءة ابن محيصن فهل يهلك بفتح الياء .

الحجة

قال أبو علي قراءة القراء « أ و لم يروا أن الله الذي خلق السماوات و الأرض » إلى قوله « بقادر » من الحمل على المعنى أدخل الباء لما كان في معنى أ و ليس الذي خلق السماوات و الأرض بقادر و مثل ذلك في الحمل على المعنى قول الشاعر :
بادت و غير آيهن مع البلى
إلا رواكد جمرهن هباء
مجمع البيان ج : 9 ص : 142
ثم قال :
و مشجج أما سواء قذاله لما كان غير آيهن مع البلى إلا رواكد بمعنى بها رواكد حمل مشجج على ذلك و كذلك قوله يطاف عليهم بكأس من معين ثم قال و حور عين لما كان يطاف عليهم بكذا معناه لهم فيها كذا و قالوا إن أحدا لا يقول ذلك إلا زيد فأدخل أحدا في الموجب لما كان معنى الكلام النفي و من قرأ بلاغا فهو على تقدير فعل مضمر أي بلغوا بلاغا كما أن الرفع على تقدير مضمر أي هو بلاغ أو هذا بلاغ و قرأ أبو مجلز بلغ على الأمر .

المعنى

ثم بين سبحانه تمام خبر الجن فقال حاكيا عنهم « يا قومنا أجيبوا داعي الله » يعنون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذ دعاهم إلى توحيده و خلع الأنداد دونه « و آمنوا به » أي بالله « يغفر لكم من ذنوبكم » أي فإنكم إن آمنتم بالله و رسوله يغفر لكم ذنوبكم « و يجركم » أي و يخلصكم « من عذاب أليم » قال علي بن إبراهيم فجاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ف آمنوا به و علمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) شرائع الإسلام و أنزل الله سبحانه قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن إلى آخر السورة و كانوا يفرون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في كل وقت و في هذا دلالة على أنه كان مبعوثا إلى الجن كما كان مبعوثا إلى الإنس و لم يبعث الله نبيا إلى الإنس و الجن قبله « و من لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض » أي لا يعجز الله فيسبقه و يفوته « و ليس له من دونه أولياء » أي أنصار يمنعونه من الله و يدفعون عنه العذاب إذا نزل بهم و يجوز أن يكون هذا من كلام الله تعالى ابتداء ثم قال « أولئك » يعني الذين لا يجيبون داعي الله « في ضلال مبين » أي عدول عن الحق ظاهر ثم قال سبحانه منبها على قدرته على البعث و الإعادة فقال « أ و لم يروا » أي أ و لم يعلموا « أن الله الذي خلق السماوات و الأرض » و أنشأهما « و لم يعي بخلقهن » أي لم يصبه في خلق ذلك إعياء و لا تعب و لم يعجز عنه يقال عيي فلان بأمره إذا لم يهتد له و لم يقدر عليه « بقادر » الباء زائدة و موضعه رفع بأنه خبر إن « على أن يحيي الموتى » أي فخلق السماوات و الأرض أعجب من إحياء الموتى ثم قال « بلى » هو قادر عليه « إنه على كل شيء قدير » ثم عقبه بذكر الوعيد فقال « و يوم يعرض الذين كفروا على النار أ ليس هذا بالحق » أي يقال لهم على وجه الاحتجاج عليهم أ ليس هذا الذي جوزيتم به حق لا ظلم فيه « قالوا » أي فيقولون « بلى و ربنا » اعترفوا بذلك
مجمع البيان ج : 9 ص : 143

و حلفوا عليه بعد ما كانوا منكرين « قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون » أي بكفركم في الدنيا و إنكاركم ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل » أي فاصبر يا محمد على أذى هؤلاء الكفار و على ترك إجابتهم لك كما صبر الرسل و من هاهنا لتبيين الجنس كما في قوله « فاجتنبوا الرجس من الأوثان » و على هذا القول فيكون جميع الأنبياء هم أولو العزم لأنهم عزموا على أداء الرسالة و تحمل أعبائها عن ابن زيد و الجبائي و جماعة و قيل أن من هاهنا للتبعيض و هو قول أكثر المفسرين و الظاهر في روايات أصحابنا ثم اختلفوا فقيل أولو العزم من الرسل من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدمه و هم خمسة أولهم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس و قتادة و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) قال و هم سادة النبيين و عليهم دارت رحا المرسلين و قيل هم ستة نوح صبر على أذى قومه و إبراهيم صبر على النار و إسحاق صبر على الذبح و يعقوب صبر على فقد الولد و ذهاب البصر و يوسف صبر في البئر و السجن و أيوب صبر على الضر و البلوى عن مقاتل و قيل هم الذين أمروا بالجهاد و القتال و أظهروا المكاشفة و جاهدوا في الدين عن السدي و الكلبي و قيل هم إبراهيم و هود و نوح و رابعهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن أبي العالية و العزم هو الوجوب و الحتم و أولو العزم من الرسل هم الذين شرعوا الشرائع و أوجبوا على الناس الأخذ بها و الانقطاع عن غيرها « و لا تستعجل لهم » أي و لا تستعجل لهم العذاب فإنه كائن واقع بهم عن قريب و ما هو كائن فكان قد كان وقع « كأنهم يوم يرون ما يوعدون » أي من العذاب في الآخرة « لم يلبثوا » في الدنيا « إلا ساعة من نهار » أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا و البرزخ كأنه ساعة من نهار لأن ما مضى كأن لم يكن و إن كان طويلا و تم الكلام ثم قال بلاغ أي هذا القرآن و ما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم و البلاغ بمعنى التبليغ و قيل معناه ذلك اللبث « بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون » أي لا يقع العذاب إلا بالعاصين الخارجين من أمر الله تعالى و قيل معناه لا يهلك على الله تعالى إلا هالك مشرك ولى ظهره الإسلام أو منافق صدق بلسانه و خالف بعمله عن قتادة و قيل معناه لا يهلك مع رحمة الله و تفضله إلا القوم الفاسقون عن الزجاج قال و ما جاء في الرجاء لرحمة الله شيء أقوى من هذه الآية .

مجمع البيان ج : 9 ص : 144
( 47 ) سورة محمد مدنية و آياتها ثمان و ثلاثون ( 38 )
و هي مدنية و قال ابن عباس و قتادة غير آية منها نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو يريد التوجه إلى المدينة من مكة و جعل ينظر إلى البيت و هو يبكي حزنا عليه فنزلت « و كأين من قرية هي أشد قوة من قريتك » الآية .


عدد آيها

أربعون آية بصري ثمان و ثلاثون كوفي تسع في الباقين .

اختلافها

آيتان « أوزارها » غير الكوفي « للشاربين » بصري .

فضلها

أبي بن كعب قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأ سورة محمد كان حقا على الله أن يسقيه من أنهار الجنة و روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأها لم يدخله شك في دينه أبدا و لم يزل محفوظا من الشرك و الكفر أبدا حتى يموت فإذا مات وكل الله به في قبره ألف ملك يصلون في قبره و يكون ثواب صلواتهم له و يشيعونه حتى يوقفوه موقف الأمن عند الله و يكون في أمان الله و أمان محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قال (عليه السلام) من أراد أن يعرف حالنا و حال أعدائنا فليقرأ سورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإنه يراها آية فينا و آية فيهم .

تفسيرها


ختم الله سبحانه تلك السورة بوعيد الكفار و افتتح هذه السورة بمثلها فقال جل ثناؤه :
مجمع البيان ج : 9 ص : 145
سورة محمد
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صدُّوا عَن سبِيلِ اللَّهِ أَضلَّ أَعْمَلَهُمْ(1) وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ وَ ءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلى محَمَّد وَ هُوَ الحَْقُّ مِن رَّبهِمْ كَفَّرَ عَنهُمْ سيِّئَاتهِمْ وَ أَصلَحَ بَالهَُمْ(2) ذَلِك بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَطِلَ وَ أَنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّبَعُوا الحَْقَّ مِن رَّبهِمْ كَذَلِك يَضرِب اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَلَهُمْ(3) فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضرْب الرِّقَابِ حَتى إِذَا أَثخَنتُمُوهُمْ فَشدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِدَاءً حَتى تَضعَ الحَْرْب أَوْزَارَهَا ذَلِك وَ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانتَصرَ مِنهُمْ وَ لَكِن لِّيَبْلُوَا بَعْضكم بِبَعْض وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فى سبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَلَهُمْ(4) سيهْدِيهِمْ وَ يُصلِحُ بَالهَُمْ(5) وَ يُدْخِلُهُمُ الجَْنَّةَ عَرَّفَهَا لهَُمْ(6)

القراءة

قرأ أهل البصرة و حفص « و الذين قتلوا » على ما لم يسم فاعله و الباقون قاتلوا بالألف .

الحجة

قال أبو علي قاتلوا أعم من قتلوا أ لا ترى أن من قاتل و لم يقتل لن يضل عمله كما أن الذي قتل كذلك فهو لعمومه أولى .

اللغة

البال الحال و الشأن و البال القلب أيضا يقال خطر ببالي كذا و البال لا يجمع لأنه أبهم أخواته من الحال و الشأن .
و الإثخان إكثار القتل و غلبة العدو و قهرهم و منه أثخنه المرض اشتد عليه و أثخنه الجراح و الوثاق اسم من الإيثاق و يقال أوثقه إيثاقا و وثاقا إذا اشتد أسره كيلا يفك و الأوزار السلاح و أصل الوزر ما يحمله الإنسان فسمي السلاح أوزارا لأنه يحمل قال الأعشى :
و أعددت للحرب أوزارها
رماحا طوالا و خيلا ذكورا
و من نسج داود يحدو بها
على أثر الحي عيرا فعيرا .

مجمع البيان ج : 9 ص : 146

الإعراب

ذلك خبر مبتدإ محذوف تقديره الأمر ذلك و يجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر تقديره ذلك كائن فضرب الرقاب مصدر فعل محذوف تقديره فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل و أضيف المصدر إلى المفعول و هذه الإضافة في تقدير الانفصال لأن تقديره فضربا الرقاب قال الشاعر :
فندلا زريق المال ندل الثعالب و كذلك قوله « منا » و « فداء » تقديره فإما تمنون منا و إما تفدون فداء .

المعنى


« الذين كفروا » بتوحيد الله و عبدوا معه غيره « و صدوا » الناس « عن سبيل الله » أي عن سبيل الإيمان و الإسلام باستدعائهم إلى تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يعني مشركي العرب « أضل أعمالهم » أي أحبط الله أعمالهم التي كان في زعمهم أنها قربة و أنها تنفعهم كالعتق و الصدقة و قرى الضيف و المعنى أذهبها و أبطلها حتى كأنها لم تكن إذ لم يروا لها في الآخرة ثوابا و قيل نزلت في المطعمين ببدر و كانوا عشرة أنفس أطعم كل واحد منهم الجند يوما « و الذين آمنوا و عملوا الصالحات » أي صدقوا بتوحيد الله و أضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة « و آمنوا بما نزل على محمد » من القرآن و العبادات خص الإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالذكر مع دخوله في الأول تشريفا له و تعظيما و لئلا يقول أهل الكتاب نحن آمنا بالله و بأنبيائنا و كتبنا « و هو الحق من ربهم » أي و ما نزل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) هو الحق من ربهم لأنه ناسخ للشرائع و الناسخ هو الحق و قيل معناه و محمد الحق من ربهم دون ما يزعمون من أنه سيخرج في آخر الزمان نبي من العرب فليس هذا هو فرد الله ذلك عليهم « كفر عنهم سيئاتهم » أي سترها عنهم بأن غفرها لهم يعني غفر سيئاتهم المتقدمة بإيمانهم و حكم بإسقاط المستحق عليها من العقاب « و أصلح بالهم » أي أصلح حالهم في معاشهم و أمر دنياهم عن قتادة و قيل أصلح أمر دينهم و دنياهم بأن نصرهم على أعدائهم في الدنيا و يدخلهم الجنة في العقبي ثم بين سبحانه لم فعل ذلك و لم قسمهم هذين القسمين فقال « ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل و أن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم » أي ذلك الإضلال و الإصلاح باتباع الكافرين الشرك و عبادة الشيطان و اتباع المؤمنين التوحيد و القرآن و ما أمر الله سبحانه باتباعه « كذلك يضرب الله للناس أمثالهم » أي كالبيان الذي ذكرنا يبين الله سبحانه للناس أمثال حسنات المؤمنين و سيئات الكافرين فإن معنى قول القائل ضربت لك مثلا بينت لك ضربا من الأمثال عن الزجاج و قيل أراد به المثل المقرون به فجعل الكافر في اتباعه الباطل كمن دعاه الباطل إلى نفسه فأجابه و المؤمن كمن دعاه الحق إلى نفسه فأجابه و قيل معناه كما بينت عاقبة الكافر و المؤمن و جزاء كل واحد منهما أضرب للناس أمثالا يستدلون بها فيزيدهم علما و وعظا و أضاف المثل إليهم لأنه مجعول لهم ثم أمر سبحانه بقتال الكفار فقال « فإذا
مجمع البيان ج : 9 ص : 147
لقيتم » معاشر المؤمنين « الذين كفروا » يعني أهل دار الحرب « فضرب الرقاب » أي فاضربوا رقابهم و المعنى اقتلوهم لأن أكثر مواضع القتل ضرب العنق و إن كان يجوز الضرب في سائر المواضع فإن الغرض قتلهم « حتى إذا أثخنتموهم » أي أثقلتموهم بالجراح و ظفرتم بهم و قيل حتى إذا بالغتم في قتلهم و أكثرتم القتل حتى ضعفوا « فشدوا الوثاق » أي أحكموا وثاقهم في الأسر .
أمر سبحانه بقتلهم و الإثخان فيهم ليذلوا فإذا ذلوا بالقتل أسروا فالأسر يكون بعد المبالغة في القتل كما قال سبحانه ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض « فإما منا بعد و إما فداء » أي فأما أن تمنوا عليهم منا بعد أن تأسروهم فتطلقوهم بغير عوض و أما أن تفدوهم فداء و اختلف في ذلك فقيل كان الأسر محرما ب آية الأنفال ثم أبيح بهذه الآية لأن هذه السورة نزلت بعدها فإذا أسروا فالإمام مخير بين المن و الفداء بأسارى المسلمين و بالمال و بين القتل و الاستعباد و هو قول الشافعي و أبي يوسف و محمد بن إسحاق و قيل أن الإمام مخير بين المن و الفداء و الاستعباد و ليس له القتل بعد الأسر عن الحسن و كأنه جعل في الآية تقديما و تأخيرا تقديره فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها ثم قال حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد و إما فداء و قيل أن حكم الآية منسوخ بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و بقوله فإما تثقفنهم في الحرب عن قتادة و السدي و ابن جريج و قال ابن عباس و الضحاك الفداء منسوخ و قيل أن حكم الآية ثابت غير منسوخ عن ابن عمر و الحسن و عطاء قالوا لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من على أبي غرة و قتل عقبة بن أبي معيط و فادى أسارى بدر و المروي عن أئمة الهدى صلوات الرحمن عليهم أن الأسارى ضربان ضرب يؤخذون قبل انقضاء القتال و الحرب قائمة فهؤلاء يكون الإمام مخيرا بين أن يقتلهم أو يقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و يتركهم حتى ينزفوا و لا يجوز المن و لا الفداء . و الضرب الآخر الذين يؤخذون بعد أن وضعت الحرب أوزارها و انقضى القتال فالإمام مخير فيهم بين المن و الفداء إما بالمال أو بالنفس و بين الاسترقاق و ضرب الرقاب فإذا أسلموا في الحالين سقط جميع ذلك و كان حكمهم حكم المسلمين « حتى تضع الحرب أوزارها » أي حتى يضع أهل الحرب أسلحتهم فلا يقاتلون و قيل حتى لا يبقى أحد من المشركين عن ابن عباس و قيل حتى لا يبقى دين غير دين الإسلام عن مجاهد و المعنى حتى تضع حربكم و قتالكم أوزار المشركين و قبائح أعمالهم بأن يسلموا فلا يبقى إلا الإسلام خير الأديان و لا تعبد الأوثان و هذا كما جاء في الحديث و الجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال و قال الفراء المعنى حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم و قال الزجاج أي اقتلوهم و أسروهم حتى يؤمنوا فما دام الكفر فالحرب قائمة أبدا « ذلك » أي الأمر الذي ذكرنا « و لو
مجمع البيان ج : 9 ص : 148
يشاء الله لانتصر منهم » أي من الكفار بإهلاكهم و تعذيبهم بما شاء « و لكن » يأمركم بالحرب و بذل الأرواح في إحياء الدين « ليبلوا بعضكم ببعض » أي ليمتحن بعضكم ببعض فيظهر المطيع من العاصي و المعنى أنه لو كان الغرض زوال الكفر فقط لأهلك الله سبحانه الكفار بما يشاء من أنواع الهلاك و لكن أراد مع ذلك أن يستحقوا الثواب و ذلك لا يحصل إلا بالتعبد و تحمل المشاق « و الذين قتلوا في سبيل الله » أي في الجهاد في دين الله يوم أحد عن قتادة و من قرأ قاتلوا فالمعنى جاهدوا سواء قتلوا أو لم يقتلوا « فلن يضل أعمالهم » أي لن يضيع الله أعمالهم و لن يهلكها بل يقبلها و يجازيهم عليها ثوابا دائما « سيهديهم » إلى طريق الجنة و الثواب « و يصلح بالهم » أي شأنهم و حالهم و الوجه في تكرير قوله « بالهم » أن المراد بالأول أنه أصلح بالهم في الدين و الدنيا و بالثاني أنه يصلح حالهم في نعيم العقبي فالأول سبب النعيم و الثاني نفس النعيم « و يدخلهم الجنة عرفها لهم » أي بينها لهم حتى عرفوها إذا دخلوها و تفرقوا إلى منازلهم فكانوا أعرف بها من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم عن سعيد بن جبير و أبي سعيد الخدري و قتادة و مجاهد و ابن زيد و قيل معناه بينها لهم و أعلمهم بوصفها على ما يشوق إليها فيرغبون فيها و يسعون لها عن الجبائي و قيل معناه طيبها لهم عن ابن عباس في رواية عطاء من العرف و هو الرائحة الطيبة يقال طعم معرف أي مطيب .
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَنصرُوا اللَّهَ يَنصرْكُمْ وَ يُثَبِّت أَقْدَامَكمْ(7) وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لهَُّمْ وَ أَضلَّ أَعْمَلَهُمْ(8) ذَلِك بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَط أَعْمَلَهُمْ(9) *أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فى الأَرْضِ فَيَنظرُوا كَيْف كانَ عَقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيهِمْ وَ لِلْكَفِرِينَ أَمْثَلُهَا(10)

اللغة

التعس الانحطاط و العثار و الإتعاس و الإزلال و الإدحاض بمعنى و هو العثار الذي لا يستقل صاحبه فإذا سقط الساقط فأريد به الانتعاش و الاستقامة قيل لعا له و إذا لم يرد
 

Back Index Next