جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج9 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 9 ص : 149
ذلك قيل تعسا قال الأعشى :
فالتعس أولى لها من أن أقول لعا .

المعنى

ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال « يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله » أي إن تنصروا دين الله و نبي الله بالقتال و الجهاد « ينصركم » على عدوكم « و يثبت أقدامكم » أي يشجعكم و يقو قلوبكم لتثبتوا و قيل ينصركم في الآخرة و يثبت أقدامكم عند الحساب و على الصراط و قيل ينصركم في الدنيا و الآخرة و يثبت أقدامكم في الدارين و هو الوجه قال قتادة حق على الله أن ينصر من نصره لقوله « إن تنصروا الله ينصركم » و أن يزيد من شكره لقوله « لئن شكرتم لأزيدنكم » و أن يذكر من ذكره لقوله « فاذكروني أذكركم » و أن يوفي بعهد من أقام على عهده لقوله « و أوفوا بعهدي أوف بعهدكم » « و الذين كفروا فتعسا لهم » أي مكروها لهم و سوءا عن المبرد أي أتعسهم الله فتعسوا تعسا قال ابن عباس يريد في الدنيا العسرة و في الآخرة التردي في النار « و أضل أعمالهم » مر معناه « ذلك » التعس و الإضلال « بأنهم كرهوا ما أنزل الله » على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) من القرآن و الأحكام و أمرهم بالانقياد فخالفوا ذلك و قال أبو جعفر (عليه السلام) « كرهوا ما أنزل الله » في حق علي (عليه السلام) « فأحبط أعمالهم » لأنها لم تقع على الوجه المأمور به ثم نبههم سبحانه على الاستدلال على صحة ما دعاهم إليه من التوحيد و إخلاص العبادة لله فقال « أ فلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم » حين أرسل الله إليهم الرسل فدعوهم إلى توحيده و إخلاص العبادة له فلم يقبلوا منهم و عصوهم أي فهلا ساروا و رأوا عواقب أولئك « دمر الله عليهم » أي أهلكهم ثم قال « و للكافرين » بك يا محمد « أمثالها » من العذاب إن لم يؤمنوا و يقبلوا ما تدعوهم إليه و المعنى أنهم يستحقون أمثالها و إنما يؤخر الله سبحانه عذابهم إلى الآخرة تفضلا منه .

مجمع البيان ج : 9 ص : 150
ذَلِك بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ أَنَّ الْكَفِرِينَ لا مَوْلى لهَُمْ(11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ جَنَّت تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنهَرُ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكلُونَ كَمَا تَأْكلُ الأَنْعَمُ وَ النَّارُ مَثْوًى لهَُّمْ(12) وَ كَأَيِّن مِّن قَرْيَة هِىَ أَشدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِك الَّتى أَخْرَجَتْك أَهْلَكْنَهُمْ فَلا نَاصِرَ لهَُمْ(13) أَ فَمَن كانَ عَلى بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم(14) مَّثَلُ الجَْنَّةِ الَّتى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنهَرٌ مِّن مَّاء غَيرِ ءَاسِن وَ أَنهَرٌ مِّن لَّبن لَّمْ يَتَغَيرْ طعْمُهُ وَ أَنهَرٌ مِّنْ خَمْر لَّذَّة لِّلشرِبِينَ وَ أَنهَرٌ مِّنْ عَسل مُّصفًّى وَ لهَُمْ فِيهَا مِن كلِّ الثَّمَرَتِ وَ مَغْفِرَةٌ مِّن رَّبهِمْ كَمَنْ هُوَ خَلِدٌ فى النَّارِ وَ سقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطعَ أَمْعَاءَهُمْ(15)

القراءة

قرأ ابن كثير أسن مقصورا و الباقون « آسن » بالمد و قرأ علي (عليه السلام) و ابن عباس أمثال الجنة على الجمع .


الحجة

قال أبو زيد يقال أسن الماء يأسن أسونا إذا تغير و أسن الرجل يأسن أسنا إذا غشي عليه من ريح خبيثة و ربما مات منها قال :
التارك القرن مصفرا أنامله
تميل في الرمح ميل المائح الأسن قال أبو عبيدة الأسن المتغير فحجة ابن كثير أن اسم الفاعل من فعل يفعل على فعل و قال أبو الحسن أسن إنما هو للحال التي تكون عليها و من قرأ « آسن » على فاعل فإنما يريد أن ذلك لا يصير إليه فيما يستقبل و قوله أمثال الجنة فيه دليل على أن القراءة العامة التي هي مثل في معنى الكثرة لما فيه من معنى المصدرية .

اللغة

المثوى المنزل من قولهم ثوى بالمكان ثواء إذا أقام به و يقال للمرأة أم المثوى
مجمع البيان ج : 9 ص : 151
أي ربة المنزل و المثل و المثل بمعنى مثل الشبه و الشبه و البدل و البدل و الأمعاء جمع معي و في الحديث المؤمن يأكل في معي واحد و الكافر يأكل في سبعة أمعاء و فيه وجوه من التأويل ( أحدها ) أنه قال علي (عليه السلام) في رجل معين ( و الثاني ) أن المعنى يأكل المؤمن فيسمي الله تعالى فيبارك في أكله ( و الثالث ) أن المؤمن يضيق عليه في الدنيا و الكافر يصيب منها ( و الرابع ) أنه مثل لزهد المؤمن في الدنيا و حرص الكافر عليها و هذا أحسن الوجوه .

الإعراب

قال الزجاج « مثل الجنة » مبتدأ و خبره محذوف تقديره مثل الجنة التي وعد المتقون مما قد عرفتموه من الدنيا جنة فيها أنهار إلى آخره و قوله « كمن هو خالد في النار » تقديره أ فمن كان على بينة من ربه و أعطي هذه الأشياء كمن زين له سوء عمله و هو خالد في النار .

المعنى

ثم قال سبحانه « ذلك » أي الذي فعلناه في الفريقين « بأن الله مولى الذين آمنوا » يتولى نصرهم و حفظهم و يدفع عنهم « و أن الكافرين لا مولى لهم » ينصرهم و لا أحد يدفع عنهم لا عاجلا و لا آجلا ثم ذكر سبحانه حال الفريقين فقال « إن الله يدخل الذين آمنوا و عملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار » أي من تحت أشجارها و أبنيتها « و الذين كفروا يتمتعون و يأكلون كما تأكل الأنعام » أي سيرتهم سيرة الأنعام آثروا لذات الدنيا و شهواتها و أعرضوا عن العبر يأكلون للشبع و يتمتعون لقضاء الوطر « و النار مثوى لهم » أي موضع مقامهم يقيمون فيها ثم خوفهم و هددهم سبحانه فقال « و كأين من قرية هي أشد قوة من قريتك » يا محمد يعني مكة « التي أخرجتك » أي أخرجك أهلها و المعنى كم من رجال هم أشد من أهل مكة و لهذا قال « أهلكناهم » فكنى عن الرجال عن ابن عباس « فلا ناصر لهم » يدفع عنهم إهلاكنا إياهم و المعنى فمن الذي يؤمن هؤلاء أن أفعل بهم مثل ذلك ثم قال سبحانه على وجه التهجين و التوبيخ للكفار و المنافقين « أ فمن كان على بينة من ربه » أي على يقين من دينه و على حجة واضحة من اعتقاده في التوحيد و الشرائع « كمن زين له سوء عمله » زين له الشيطان المعاصي و أغواه « و اتبعوا أهواءهم » أي شهواتهم و ما تدعوهم إليه طباعهم و هو وصف لمن زين له سوء عمله و هم المشركون و قيل هم المنافقون عن ابن زيد و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) ثم وصف الجنات التي وعدها المؤمنين بقوله « مثل الجنة التي وعد المتقون » تقدم تفسيره في سورة الرعد « فيها أنهار من ماء غير آسن » أي غير متغير لطول المقام كما تتغير مياه الدنيا
مجمع البيان ج : 9 ص : 152

« و أنهار من لبن لم يتغير طعمه » فهو غير حامض و لا قارص و لا يعتريه شيء من العوارض التي تصيب الألبان في الدنيا « و أنهار من خمر لذة للشاربين » أي لذيذة يلتذون بشربها و لا يتأذون بها و لا بعاقبتها بخلاف خمر الدنيا التي لا تخلو من المزازة و السكر و الصداع « و أنهار من عسل مصفى » أي خالص من الشمع و الرغوة و القذى و من جميع الأذى و العيوب التي تكون لعسل الدنيا « و لهم فيها من كل الثمرات » أي مما يعرفون اسمها و مما لا يعرفون اسمها مبرأة من كل مكروه يكون لثمرات الدنيا « و مغفرة من ربهم » أي و لهم مع هذا مغفرة من ربهم و هو أنه يستر ذنوبهم و ينسيهم سيئاتهم حتى لا يتنغص عليهم نعيم الجنة « كمن هو خالد في النار » أي من كان في هذه النعيم كمن هو خالد في النار « و سقوا ماء حميما » شديد الحر « فقطع أمعاءهم » إذا دخل أجوافهم و قيل أن قوله « كمن هو خالد في النار » معطوف على قوله « كمن زين له سوء عمله » أي كمن زين له سوء عمله و من هو خالد في النار فحذف الواو كما يقال قصدني فلان شتمني ظلمني .

مجمع البيان ج : 9 ص : 153
وَ مِنهُم مَّن يَستَمِعُ إِلَيْك حَتى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِك قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَا ذَا قَالَ ءَانِفاً أُولَئك الَّذِينَ طبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبهِمْ وَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ(16) وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَ ءَاتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ(17) فَهَلْ يَنظرُونَ إِلا الساعَةَ أَن تَأْتِيهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشرَاطهَا فَأَنى لهَُمْ إِذَا جَاءَتهُمْ ذِكْرَاهُمْ(18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَ استَغْفِرْ لِذَنبِك وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَتِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْوَاشْ(19) وَ يَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْ لا نُزِّلَت سورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَت سورَةٌ محْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْت الَّذِينَ فى قُلُوبهِم مَّرَضٌ يَنظرُونَ إِلَيْك نَظرَ الْمَغْشىِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ(20)

القراءة

روي في بعض الروايات عن ابن كثير آنفا بالقصر و القراءة المشهورة « آنفا » بالمد .

الحجة

قال أبو علي أنشد أبو زيد :
وجدنا آل مرة حين خفنا
جريرتنا هم الأنف الكراما
و يسرح جارهم من حيث يمسي
كان عليه مؤتنفا حراما أي كان عليه حرمة شهر مؤتنف حرام فحذف و الأنف الذين يأنفون من احتمال الضيم قال أبو علي فإذا كان كذلك فقد جمع فعل على فعل لأن واحد أنف أنف بدلالة قول الشاعر :
و حمال المئين إذا ألمت
بنا الحدثان و الأنف النصور و ليس الأنف و الأنف في البيتين مما في الآية في شيء لأن ما في الشعر من الآنفة و ما في الآية من الابتداء و لم يسمع أنف في معنى ابتداء و يجوز أن يكون توهمه ابن كثير مثل حاذر و حذر و فاكه و فكه و الوجه المد و الآنف الجائي من الائتناف و هو الابتداء فقوله « آنفا » أي في أول وقت يقرب منا .

اللغة

الأهواء جمع الهوى و هو شهوة النفس يقال هوى يهوي هوى فهو هو و استهواه هذا الأمر أي دعاه إلى الهوى و الأشراط العلامات و أشرط فلان نفسه للأمر إذا أعلمها بعلامة قال أوس بن حجر :
فأشرط فيها نفسه و هو معصم
و ألقى بأسباب له و توكلا و واحد الأشراط شرط و الشرط بالتحريك العلامة و أشراط الساعة علاماتها و الشرط
مجمع البيان ج : 9 ص : 154
أيضا رذال المال قال جرير :
ترى شرط المعزى مهور نسائهم
و في شرط المعزى لهن مهور و أصحاب الشرط سموا بذلك للبسهم لباسا يكون علامة لهم و الشرط في البيع علامة بين المتبايعين .

المعنى

ثم بين سبحانه حال المنافقين فقال : « و منهم من يستمع إليك » أي و من الكافرين الذين تقدم ذكرهم من يستمع إلى قراءتك و دعوتك و كلامك لأن المنافق كافر « حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم » يعني الذين آتاهم الله العلم و الفهم من المؤمنين قال ابن عباس أنا ممن أوتوا العلم بالقرآن و عن الأصبغ بن نباتة عن علي (عليه السلام) قال أنا كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا و من يعيه فإذا خرجنا قالوا « ما ذا قال آنفا » و قولهم « ما ذا قال آنفا » أي أي شيء قال الساعة و إنما قالوه استهزاء أو إظهار أنا لم نشتغل أيضا بوعيه و فهمه و قيل إنما قالوا ذلك لأنهم لم يفهموا معناه و لم يعلموا ما سمعوه و قيل بل قالوا ذلك تحقيرا لقوله أي لم يقل شيئا فيه فائدة و يحتمل أيضا أن يكونوا سألوا رياء و نفاقا أي لم يذهب عني من قوله إلا هذا فما ذا قال أعده علي لأحفظه و إنما قال يستمع إليك ثم قال خرجوا من عندك لأن في الأول رد الضمير إلى لفظة من و في الثاني إلى معناه فإنه موحد اللفظ مجموع المعنى ثم قال « أولئك الذين طبع الله على قلوبهم » أي وسم قلوبهم بسمة الكفار أو خلى بينهم و بين اختيارهم « و اتبعوا أهواءهم » أي شهوات نفوسهم و ما مالت إليه طباعهم دون ما قامت عليه الحجة ثم وصف سبحانه المؤمنين فقال « و الذين اهتدوا » بما سمعوا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « زادهم » الله أو قراءة القرآن أو النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « هدى » و قيل زادهم استهزاء المنافقين إيمانا و علما و بصيرة و تصديقا لنبيهم (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « و آتاهم تقواهم » أي وفقهم للتقوى و قيل معناه و آتاهم ثواب تقواهم عن سعيد بن جبير و أبي علي الجبائي و قيل بين لهم ما يتقون و هو ترك الرخص و الأخذ بالعزائم « فهل ينظرون إلا الساعة » أي فليس ينتظرون إلا القيامة « أن تأتيهم بغتة » أي فجاة فقوله « أن تأتيهم » بدل من الساعة و تقديره إلا الساعة إتيانها بغتة و المعنى إلا إتيان الساعة إياهم بغتة « فقد جاء أشراطها » أي علاماتها قال ابن عباس معالمها و النبي من أشراطها و لقد قال بعثت أنا و الساعة كهاتين و قيل هي إعلامها من انشقاق القمر و الدخان و خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و نزول آخر الكتب عن مقاتل « فأنى
مجمع البيان ج : 9 ص : 155
لهم إذا جاءتهم ذكراهم » أي فمن أين لهم الذكر و الاتعاظ و التوبة إذا جاءتهم الساعة و موضع ذكراهم رفع مثله في قوله « يوم يتذكر الإنسان و أنى له الذكرى » أي ليس تنفعه الذكرى و الذكرى ما أمر الله سبحانه أن يتذكروا به و معناه و كيف لهم بالنجاة إذا جاءتهم الساعة فإنه لا ينفعهم في ذلك الوقت الإيمان و الطاعات لزوال التكليف عنهم ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد به جميع المكلفين « فاعلم أنه لا إله إلا الله » قال الزجاج يجوز أن يكون المعنى أقم على هذا العلم و اثبت عليه و أعلم في مستقبل عمرك ما تعلمه الآن و يدل عليه ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من مات و هو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة أورده مسلم في الصحيح و قيل أنه يتعلق بما قبله على معنى إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا إله إلا الله أي يبطل الملك عند ذلك فلا ملك و لا حكم لأحد إلا الله و قيل إن هذا إخبار بموته (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و المراد فاعلم أن الحي الذي لا يموت هو الله وحده و قيل أنه كان ضيق الصدر من أذى قومه فقيل له فاعلم أنه لا كاشف لذلك إلا الله « و استغفر لذنبك » الخطاب له و المراد به الأمة و إنما خوطب بذلك لتستن أمته بسنته و قيل إن المراد بذلك الانقطاع إلى الله تعالى فإن الاستغفار عبادة يستحق به الثواب و قد صح الحديث بالإسناد عن حذيفة بن اليمان قال كنت رجلا ذرب اللسان على أهلي فقلت يا رسول الله إني لأخشى أن يدخلني لساني في النار فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأين أنت من الاستغفار إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة « و للمؤمنين و المؤمنات » أكرمهم الله سبحانه بهذا إذ أمر نبيهم أن يستغفر لذنوبهم و هو الشفيع المجاب فيهم ثم أخبر سبحانه عن علمه و أحوال الخلق و م آلهم فقال « و الله يعلم متقلبكم و مثواكم » أي متصرفكم في أعمالكم في الدنيا و مصيركم في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار عن ابن عباس و قيل يعلم متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات و مثواكم أي مقامكم في الأرض عن عكرمة و قيل متقلبكم من ظهر إلى بطن و مثواكم في القبور عن ابن كيسان و قيل يعلم متقلبكم متصرفكم في النهار و مثواكم مضجعكم بالليل و المعنى أنه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها ثم قال سبحانه حكاية عن المؤمنين « و يقول الذين آمنوا لو لا نزلت سورة » أي هلا نزلت لأنهم كانوا يأنسون بنزول القرآن و يستوحشون لإبطائه ليعلموا أوامر الله تعالى فيهم و تعبده لهم « فإذا أنزلت سورة محكمة » ليس فيها متشابه و لا تأويل و قيل سورة ناسخة لما قبلها من إباحة التخفيف في الجهاد قال قتادة كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة و هي أشد القرآن على المنافقين قيل محكمة بوضوح
مجمع البيان ج : 9 ص : 156
ألفاظها و على هذا فالقرآن كله محكم و قيل هي التي تتضمن نصا لم يختلف تأويله و لم يتعقبه نص و في قراءة ابن مسعود سورة محدثة أي مجددة « و ذكر فيها القتال » أي و أوجب عليهم في القتال و أمروا به « رأيت » يا محمد « الذين في قلوبهم مرض » أي شك و نفاق « ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت » قال الزجاج يريد أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم و ينظرون إليك نظرا شديدا كما ينظر الشاخص ببصره عند الموت لثقل ذلك عليهم و عظمه في نفوسهم « فأولى لهم » هذا تهديد و وعيد قال الأصمعي معنى قولهم في التهديد أولى لك وليك و قارنك ما تكره و قال قتادة معناه العقاب لهم و الوعيد لهم و على هذا يكون أولى اسما للتهديد و الوعيد و يكون أولى لهم مبتدأ و خبرا و لا ينصرف أولى لأنه على وزن الفعل و صار اسما للوعيد و قول الأصمعي أن معناه وليك ما تكره لا يريد به أن أولى فعل و إنما فسره على المعنى و قيل معناه أولى لهم طاعة الله و رسوله و قول معروف بالإجابة أي لو أطاعوا فأجابوا كانت الطاعة و الإجابة أولى لهم و هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء و اختيار الكسائي فيكون على هذا طاعة و قول معروف متصلا بما قبله و كذلك لو كانت صفة لسورة و تقديره فإذا أنزلت سورة ذات طاعة و قول معروف على ما قاله الزجاج و على القول الأول يكون طاعة مبتدأ محذوف الخبر تقديره طاعة و قول معروف أمثل أو أحسن أو يكون خبر مبتدإ محذوف تقديره أمرنا طاعة و يكون الوقف حسنا عند قوله « فأولى لهم » .

مجمع البيان ج : 9 ص : 157

طاعَةٌ وَ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيراً لَّهُمْ(21) فَهَلْ عَسيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فى الأَرْضِ وَ تُقَطعُوا أَرْحَامَكُمْ(22) أُولَئك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصمَّهُمْ وَ أَعْمَى أَبْصرَهُمْ(23) أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلى قُلُوب أَقْفَالُهَا(24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبَرِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُمُ الْهُدَى الشيْطنُ سوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى لَهُمْ(25)

القراءة

قرأ يعقوب و سهل و تقطعوا بفتح التاء و الطاء و سكون القاف و الباقون « و تقطعوا » بالتشديد و ضم التاء و كسر الطاء و قرأ أهل البصرة و أملي لهم بضم الهمزة و فتح الياء و في رواية رويس عن يعقوب بسكون الياء و قرأ الباقون « و أملى لهم » بفتح الهمزة و اللام و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فهل عسيتم إن وليتم و عن علي (عليه السلام) « إن توليتم » قال أبو حاتم معناه إن تولاكم الناس .

الحجة


حجة من قرأ و تقطعوا بالتخفيف قوله تعالى « و يقطعون ما أمر الله به أن يوصل » و التشديد للمبالغة و قوله وليتم من الولاية و فيه دلالة على أن القراءة المشهورة « توليتم » معناه توليتم الأمر قال أبو علي قالوا انتظرته مليا من الدهر أي متسعا منه صفة استعمل استعمال الأسماء و قالوا تمليت حبيبا أي عشت معه ملاوة من الدهر و قالوا الملوان يريدون بهما تكرر الليل و النهار و طول مدتهما قال :
نهار و ليل دائم ملواهما
على كل حال المرء يختلفان فلو كان الليل و النهار لم يضافا إلى ضميرهما من حيث لا يضاف الشيء إلى نفسه و لكن كأنه يراد تكرار الدهر و اتساعه بهما و الضمير في « أملي لهم » لاسم الله كما قال و أملي لهم أن كيدي متين فمن قرأ و أملي لهم فبني الفعل للمفعول به فإنه يحسن في هذا الموضع للعلم بأنه لا يؤخر أحد مدة أحد و لا يوسع له فيها إلا الله سبحانه .

المعنى

« طاعة و قول معروف » قد ذكرنا أن فيه مذهبين ( أحدهما ) أن يكون كلاما متصلا بما قبله و قد مر ذكره ( و الآخر ) أن يكون كلاما مبتدأ ثم اختلف في تقديره على وجهين ( أحدهما ) أن يكون مبتدأ محذوف الخبر ثم قيل إن معناه طاعة و قول معروف أمثل و أليق من أحوال هؤلاء المنافقين و قيل معناه طاعة و قول معروف خير لهم من جزعهم عند نزول فرض الجهاد عن الحسن و الوجه الآخر أنه خبر مبتدإ محذوف تقديره قولوا أمرنا طاعة و قول معروف أي حسن لا ينكره السامع و هذا أمر أمر الله به المنافقين عن مجاهد و قيل هو حكاية عنهم أنهم كانوا يقولون ذلك و يقتضيه قوله « فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم » « فإذا عزم الأمر » معناه فإذا جد الأمر و لزم فرض القتال و صار الأمر معزوما عليه و العزم العقد على الأمر بالإرادة لأن يفعله فإذا عقد العازم العزم على أن يفعله قيل عزم الأمر على طريق البلاغة و جواب إذا محذوف و يدل عليه قوله « فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم » و تقديره فإذا عزم الأمر نكلوا و كذبوا فيما وعدوا من أنفسهم فلو صدقوا الله فيما أمرهم به من الجهاد و امتثلوا
مجمع البيان ج : 9 ص : 158
أمره لكان خيرا لهم في دينهم و دنياهم من نفاقهم « فهل عسيتم » يا معشر المنافقين « إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم » معناه إن توليتم الأحكام و وليتم أي جعلتم ولاة أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشاء و سفك الدم الحرام فيقتل بعضكم بعضا و يقطع بعضكم رحم بعض كما قتلت قريش بني هاشم و قتل بعضهم بعضا و قيل إن توليتم معناه إن أعرضتم عن كتاب الله و العمل بما فيه أن تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية فتفسدوا بقتل بعضكم بعضا قال قتادة كيف رأيتم القوم حين تولوا عن القرآن أ لم يسفكوا الدم الحرام و قطعوا الأرحام و عصوا الرحمن ثم ذم الله سبحانه من يريد ذلك فقال « أولئك الذين لعنهم الله » أي أبعدهم من رحمته « فأصمهم و أعمى أبصارهم » و معناه أنهم لا يعون الخبر و لا يبصرون ما به يعتبرون فكأنهم صم عمي عن أبي مسلم و قيل أنهم في الآخرة لا يهتدون إلى الجنة بمنزلة الأصم الأعمى في الدنيا عن أبي علي الجبائي و لا يجوز حمله على الصمم و العمى في الجارحة بلا خلاف لأنهم لو كانوا كذلك لما ذموا على أنهم لا يسمعون و لا يبصرون و إنما أطلق الصمم لأنه لا يكون إلا في الأذن و قرن العمي بالأبصار لأنه قد يكون بالبصر و بالقلب « أ فلا يتدبرون القرآن » بأن يتفكروا فيه و يعتبروا به و قيل أ فلا يتدبرون القرآن فيقضوا ما عليهم من الحق عن أبي عبد الله (عليه السلام) و أبي الحسن موسى (عليه السلام) « أم على قلوب أقفالها » معنى تنكير القلوب إرادة قلوب هؤلاء و من كان مثلهم من غيرهم و في هذا دلالة على بطلان قول من قال لا يجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن إلا بخبر و سمع و فيه تنبيه أيضا على فساد قول من يقول إن الحديث ينبغي أن يروى على ما جاء و إن كان مخالفا لأصول الديانات في المعنى لأنه سبحانه دعا إلى التدبر و التفكر و ذلك مناف للتعامي و التجاهل ثم قال سبحانه « إن الذين ارتدوا على أدبارهم » أي رجعوا عن الحق و الإيمان « من بعد ما تبين لهم الهدى » أي من بعد ما بان لهم طريق الحق و هم المنافقون عن ابن عباس و الضحاك و السدي كانوا يؤمنون عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم يظهرون الكفر فيما بينهم فتلك ردة منهم و قيل هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قد عرفوه و وجدوا نعته مكتوبا عندهم عن قتادة و ليس في هذا دلالة على أن المؤمن قد يكفر لأنه لا يمتنع أن يكون المراد من رجع في باطنه عن الإيمان بعد أن أظهره و قامت الحجة عنده بصحته « الشيطان سول لهم » أي زين لهم خطاياهم عن الحسن و قيل أعطاهم سؤلهم و أمنيتهم إذ دعاهم إلى ما يوافق مرادهم و هواهم عن أبي مسلم « و أملى لهم » أي طول لهم أملهم فاغتروا به و قيل أوهمهم طول العمر مع الأمن من المكاره و أبعد لهم في الأمل و الأمنية .

مجمع البيان ج : 9 ص : 159
ذَلِك بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سنُطِيعُكمْ فى بَعْضِ الأَمْرِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِسرَارَهُمْ(26) فَكَيْف إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَئكَةُ يَضرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبَرَهُمْ(27) ذَلِك بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسخَط اللَّهَ وَ كرِهُوا رِضوَنَهُ فَأَحْبَط أَعْمَلَهُمْ(28) أَمْ حَسِب الَّذِينَ فى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يخْرِجَ اللَّهُ أَضغَنهُمْ(29) وَ لَوْ نَشاءُ لأَرَيْنَكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَهُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فى لَحْنِ الْقَوْلِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَلَكمْ(30)

القراءة


قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « إسرارهم » بالكسر و الباقون أسرارهم بالفتح .


الحجة


قال أبو علي حجة من قرأ أسرارهم أنه لما كان مصدرا أفرد و لم يجمع و يقوي الإفراد قوله « أ لم يعلموا أن الله يعلم سرهم و نجواهم » فكما أفرد السر و لم يجمع كذلك قال أسرارهم و من فتح الهمزة جعله جمع سر فكأنه جمع لاختلاف ضروب السر و جميع الأجناس يحسن جمعها مع الاختلاف و قد جاء سرهم في قوله « يعلم سرهم » على ما عليه معظم المصادر لأنه يتناول جميع ضروبه فأفرد مرة و جمع أخرى .


اللغة


الأضغان جمع الضغن و هو الحقد و اللحن أصله إزالة الكلام عن جهته ثم أنه يستعمل على وجهين في الصواب و الخطإ أما في الصواب فمعناه الكناية عن الشيء و العدول عن الإفصاح عنه قال الشاعر :
و لقد وحيت لكم لكيلا تفطنوا
و لحنت لحنا ليس بالمرتاب و قيل اللحن هي الفطنة و سرعة الفهم و الفاعل منه لحن يلحن فهو لحن إذا فطن و منه الحديث لعل أحدكم يكون ألحن بحجته من بعض أي أفطن لها و أغرض بها و منه قول الشاعر :
منطق صائب و تلحن أحيانا
و خير الحديث ما كان لحنا و إنما يسمى التعريض لحنا لأنه ذهاب بالكلام إلى خلاف جهته و منه قول عمر تعلموا اللحن كما تتعلمون القرآن و أما في الخطإ فإن اللحن إزالة الإعراب عن جهته و الفعل منه
مجمع البيان ج : 9 ص : 160
لحن يلحن فهو لاحن .

المعنى

ثم بين سبحانه سبب استيلاء الشيطان عليهم فقال « ذلك » أي التسويل و الإملاء « بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله » من القرآن و ما فيه من الأمر و النهي و الأحكام و المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أنهم بنو أمية كرهوا ما نزل الله في ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) « سنطيعكم في بعض الأمر » أي نفعل بعض ما تريدونه « و الله يعلم إسرارهم » أي ما أسره بعضهم إلى بعض من القول و ما أسروه في أنفسهم من الاعتقاد « فكيف إذا توفتهم الملائكة » أي فكيف حالهم إذا قبضت الملائكة أرواحهم و إنما حذف تفخيما لشأن ما ينزل بهم في ذلك الوقت « يضربون وجوههم و أدبارهم » على وجه العقوبة لهم ثم ذكر الله سبحانه سبب نزول ذلك الضرب فقال « ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله » من المعاصي التي يكرهها الله و يعاقب عليها « و كرهوا رضوانه » أي سبب رضوانه من الإيمان و طاعة الرسول « فأحبط » الله « أعمالهم » التي كانوا يعملونها من صلاة و صدقة و غير ذلك لأنها في غير إيمان ثم قال سبحانه « أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم » أي أحقادهم على المؤمنين و لا يبدي عوراتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و لو نشاء لأريناكهم » بأعيانهم يا محمد حتى تعرفهم و هو قوله « فلعرفتهم بسيماهم » أي بعلاماتهم التي ننصبها لك لكي تعرفهم بها « و لتعرفنهم في لحن القول » أي و تعرفهم الآن في فحوى كلامهم و معناه و مقصده و مغزاه لأن كلام الإنسان يدل على ما في ضميره و عن أبي سعيد الخدري قال لحن القول بغضهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال و كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ببغضهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) و روي مثل ذلك عن جابر بن عبد الله الأنصاري و عن عبادة بن الصامت قال كنا نبور أولادنا يجب علي (عليه السلام) فإذا رأينا أحدهم لا يحبه علمنا أنه لغير رشدة و قال أنس ما خفي منافق على عهد رسول الله بعد هذه الآية « و الله يعلم أعمالكم » ظاهرها و باطنها .

مجمع البيان ج : 9 ص : 161

وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتى نَعْلَمَ الْمُجَهِدِينَ مِنكمْ وَ الصبرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبَارَكمْ(31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صدُّوا عَن سبِيلِ اللَّهِ وَ شاقُّوا الرَّسولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَينَ لهَُمُ الهُْدَى لَن يَضرُّوا اللَّهَ شيْئاً وَ سيُحْبِط أَعْمَلَهُمْ(32) * يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمَلَكمْ(33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صدُّوا عَن سبِيلِ اللَّهِ ثمَّ مَاتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لهَُمْ(34) فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلى السلْمِ وَ أَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَن يَترَكمْ أَعْمَلَكُمْ(35)

القراءة

قرأ أبو بكر و ليبلونكم و ما بعده بالياء و هو المروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) و الباقون بالنون و قرأ يعقوب و نبلو ساكنة الواو .

الحجة

قال أبو علي وجه الياء إن قبله و الله يعلم أعمالكم و اسم الغيبة أقرب إليه من لفظ الجمع فحمل على الأقرب و وجه النون قوله « و لو نشاء لأريناكهم » .

اللغة

يقال وتره يتره وترا إذا نقصه و منه الحديث فكأنه وتر أهله و ماله و أصله القطع و منه الترة القطع بالقتل و منه الوتر المنقطع بانفراده عن غيره .

المعنى

ثم أقسم سبحانه فقال « و لنبلونكم » أي نعاملكم معاملة المختبر بما نكلفكم به من الأمور الشاقة « حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين » أي حتى يتميز المجاهدون في سبيل الله من جملتكم و الصابرون على الجهاد و قيل معناه حتى يعلم أولياؤنا المجاهدين منكم و أضافه إلى نفسه تعظيما لهم و تشريفا كما قال إن الذين يؤذون الله و رسوله أي يؤذون أولياء الله و قيل معناه حتى نعلم جهادكم موجودا لأن الغرض أن تفعلوا الجهاد فيثيبكم على ذلك « و نبلو أخباركم » أي نختبر أسراركم بما تستقبلونه من أفعالكم « إن الذين كفروا و صدوا عن سبيل الله » أي امتنعوا عن اتباع دين الله و منعوا غيرهم من اتباعه تارة و بالإغواء أخرى « و شاقوا الرسول » أي عاندوه و عادوه « من بعد ما تبين لهم الهدى » أي من بعد ما ظهر لهم أنه الحق و عرفوا أنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) « لن يضروا الله » بذلك « شيئا » و إنما ضروا أنفسهم « و سيحبط » الله « أعمالهم » فلا يرون لها في الآخرة ثوابا و في هذه الآية دلالة على أن هؤلاء الكفار كانوا قد تبين لهم الهدى فارتدوا عنه فلم يقبلوه
مجمع البيان ج : 9 ص : 162

عنادا و هم المنافقون و قيل أنهم أهل الكتاب ظهر لهم أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلم يقبلوه و قيل هم رؤساء الضلالة جحدوا الهدى طلبا للجاه و الرياسة لأن العناد يضاف إلى الخواص « يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله » بتوحيده « و أطيعوا الرسول » بتصديقه و قيل أطيعوا الله في حرمة الرسول و أطيعوا الرسول في تعظيم أمر الله « و لا تبطلوا أعمالكم » بالشك و النفاق عن عطاء و قيل بالرياء و السمعة عن الكلبي و قيل بالمعاصي و الكبائر عن الحسن « إن الذين كفروا و صدوا عن سبيل الله » مضى معناه « ثم ماتوا و هم كفار » أي أصروا على الكفر حتى ماتوا على كفرهم « فلن يغفر الله لهم » أبدا لأن لفظ لن للتأبيد « فلا تهنوا » أي فلا تتوانوا و لا تضعفوا عن القتال « و تدعوا إلى السلم » أي و لا تدعوا الكفار إلى المسالمة و المصالحة « و أنتم الأعلون » أي و أنتم القاهرون الغالبون عن مجاهد و قيل إن الواو للحال أي لا تدعوهم إلى الصلح في الحال التي تكون الغلبة لكم فيها و قيل إنه ابتداء إخبار من الله عن حال المؤمنين أنهم الأعلون يدا و منزلة آخر الأمر و إن غلبوا في بعض الأحوال « و الله معكم » أي بالنصرة على عدوكم « و لن يتركم أعمالكم » أي لن ينقصكم شيئا من ثوابها بل يثيبكم عليها و يزيدكم من فضله عن مجاهد و قيل معناه لن يظلمكم عن ابن عباس و قتادة و ابن زيد .
إِنَّمَا الحَْيَوةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ إِن تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا يُؤْتِكمْ أُجُورَكُمْ وَ لا يَسئَلْكُمْ أَمْوَلَكُمْ(36) إِن يَسئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكمْ تَبْخَلُوا وَ يخْرِجْ أَضغَنَكمْ(37) هَأَنتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فى سبِيلِ اللَّهِ فَمِنكم مَّن يَبْخَلُ وَ مَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَ اللَّهُ الْغَنىُّ وَ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَ إِن تَتَوَلَّوْا يَستَبْدِلْ قَوْماً غَيرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَلَكم(38)

القراءة

في بعض الروايات عن أبي عمرو و يخرج بالرفع و المشهور عنه و عن الجميع « و يخرج » بالجزم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 163

الحجة


و هذا يكون على استئناف الكلام أي و هو يخرج أضغانكم على كل حال .

اللغة

الإحفاء الإلحاح في السؤال حتى ينتهي إلى مثل الحفاء و المشي بغير حذاء يقال أحفاه بالمسالة يحفيه إحفاء و قيل الإحفاء بالمسالة الألطاف فيها عن أبي مسلم و البخل هو منع الواجب و قيل هو منع النفع الذي هو أولى في العقل عن علي بن عيسى .

الإعراب

إن يسألكموها فيحفكم إنما قدم المخاطب على الغائب لأن الابتداء بالأقرب مع أنه المفعول الأول أولى و تقول أن يسألها جماعتكم لأنه غائب مع غائب فالمتصل أولى بأن يلي الفعل من المنفصل و قال « ها أنتم هؤلاء » كرر التنبيه في الموضعين للتأكيد و أنتم مبتدأ و هؤلاء بدل منه و تدعون خبر المبتدأ .

المعنى

ثم حض الله سبحانه على طلب الآخرة فقال « إنما الحياة الدنيا لعب و لهو » أي سريعة الفناء و الانقضاء و من اختار الفاني على الباقي كان جاهلا و منقوصا قال الحسن الذي خلقها هو أعلم بها « و إن تؤمنوا » بالله و رسوله « و تتقوا » معاصيه « يؤتكم أجوركم » أي جزاء أعمالكم في الآخرة « و لا يسألكم أموالكم » كلها في الصدقة و أن أوجب عليكم الزكاة في بعض أموالكم عن سفيان بن عيينة و الجبائي و قيل لا يسألكم أموالكم لأن الأموال كلها لله فهو أملك لها و هو المنعم بإعطائها و قيل لا يسألكم الرسول على أداء الرسالة أموالكم أن تدفعوها إليه « إن يسئلكموها فيحفكم » أي يجهدكم بمسألة جميعها « تبخلوا » بها فلا تعطوها أي إن يسئلكم جميع ما في أيديكم تبخلوا و قيل فيحفكم أي فليلطف في السؤال بأن يعد عليه الثواب الجزيل عن أبي مسلم « و يخرج أضغانكم » أي و يظهر بغضكم و عداوتكم لله و رسوله و لكنه فرض عليكم ربع العشر قال قتادة علم الله أن في مسألة الأموال خروج الأضغان و هي الأحقاد التي في القلوب و العداوات الباطنة « ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله » يعني ما فرض عليهم في أموالهم أي إنما تؤمرون بإخراج ذلك و إنفاقه في طاعة الله « فمنكم من يبخل » بما فرض عليه من الزكاة « و من يبخل فإنما يبخل عن نفسه » لأنه يحرمها مثوبة جسيمة و يلزمها عقوبة عظيمة و هذه إشارة إلى أن معطي المال أحوج إليه من الفقير الآخذ فبخله بخل على نفسه و ذلك أشد البخل قال مقاتل إنما يبخل بالخير و الفضل في الآخرة عن نفسه و قيل معناه فإنما يبخل بداع عن نفسه يدعوه إلى البخل فإن الله تعالى نهى عن البخل و ذمه فلا يكون البخل بداع من جهته « و الله الغني » عما عندكم من الأموال « و أنتم الفقراء » إلى ما عند الله من الخير و الرحمة أي لا يأمركم بالإنفاق لحاجته و لكن لتنتفعوا به في الآخرة « و إن تتولوا » أي تعرضوا عن طاعته و عن أمر رسوله
مجمع البيان ج : 9 ص : 164

« يستبدل قوما غيركم » أمثل و أطوع لله منكم « ثم لا يكونوا أمثالكم » بل يكونوا خيرا منكم و أطوع لله و روى أبو هريرة أن ناسا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه و كان سلمان إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فضرب يده على فخذ سلمان فقال هذا و قومه و الذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس و روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن تتولوا يا معشر العرب يستبدل قوما غيركم يعني الموالي و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قد و الله أبدل بهم خيرا منهم الموالي .

مجمع البيان ج : 9 ص : 165
( 48 ) سورة الفتح مدنية و آياتها تسع و عشرون ( 29 )

عدد آيها

تسع و عشرون آية بالإجماع

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها فكأنما شهد مع محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فتح مكة و في رواية أخرى فكأنما كان مع من بايع محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) تحت الشجرة عمر بن الخطاب قال كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في سفر فقال نزلت علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا و ما فيها « إنا فتحنا » إلى قوله « و ما تأخر » أورده البخاري في الصحيح . قتادة عن أنس قال لما رجعنا من غزوة الحديبية و قد حيل بيننا و بين نسكنا فنحن بين الحزن و الك آبة إذ أنزل الله عز و جل « إنا فتحنا لك فتحا مبينا » فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا كلها عبد الله بن مسعود قال أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الحديبية فجعلت ناقته تثقل فتقدمنا فأنزل الله عليه « إنا فتحنا لك فتحا مبينا » فأدركنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و به من السرور ما شاء الله فأخبر أنها أنزلت عليه .
عبد الله بن بكير عن أبيه قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) حصنوا أموالكم و نساءكم و ما ملكت أيمانكم من التلف بقراءة إنا فتحنا فإنه إذا كان ممن يدمن قراءتها ناداه مناد يوم القيامة حتى يسمع الخلائق أنت من عبادي المخلصين ألحقوه بالصالحين من عبادي فأسكنوه جنات النعيم و اسقوه الرحيق المختوم بمزاج الكافور .

تفسيرها


ختم الله تلك السورة بقوله « و الله الغني و أنتم الفقراء » و من غناه أنه فتح لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما احتاج إليه في دينه و دنياه فقال :
مجمع البيان ج : 9 ص : 166

سورة الفتح
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحاً مُّبِيناً(1) لِّيَغْفِرَ لَك اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِك وَ مَا تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْك وَ يهْدِيَك صِرَطاً مُّستَقِيماً(2) وَ يَنصرَك اللَّهُ نَصراً عَزِيزاً(3) هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السكِينَةَ فى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيزْدَادُوا إِيمَناً مَّعَ إِيمَنهِمْ وَ للَّهِ جُنُودُ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً(4) لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَتِ جَنَّت تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَ يُكفِّرَ عَنْهُمْ سيِّئَاتهِمْ وَ كانَ ذَلِك عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً(5)

اللغة

الفتح ضد الأغلاق و هو الأصل ثم استعمل في مواضع فمنها الحكم و القضاء و يسمى الحاكم فتاحا و الفتاحة الحكومة و منها النصر و الاستفتاح الاستنصار و منها فتح البلدان و منها العلم و قوله و عنده مفاتح الغيب من ذلك .

المعنى


« إنا فتحنا لك فتحا مبينا » أي قضينا لك قضاء ظاهرا عن قتادة و قيل معناه يسرنا لك يسرا بينا عن مقاتل و قيل معناه أعلمناك علما ظاهرا فيما أنزلناه عليك من القرآن و أخبرناك به من الدين و قيل معناه أرشدناك إلى الإسلام و فتحنا لك أمر الدين عن الزجاج ثم اختلف في هذا الفتح على وجوه ( أحدها ) أن المراد به فتح مكة وعدها الله ذلك عام الحديبية عند انكفائه منها عن أنس و قتادة و جماعة من المفسرين قال قتادة نزلت هذه الآية عند مرجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الحديبية بشر في ذلك الوقت بفتح مكة و تقديره إنا فتحنا لك مكة أي قضينا لك بالنصر على أهلها و عن جابر قال ما كنا نعلم فتح مكة إلا يوم الحديبية ( و ثانيها ) إن المراد بالفتح هنا صلح الحديبية و كان فتحا بغير قتال قال الفراء الفتح قد يكون صلحا و معنى الفتح في اللغة فتح المنغلق و الصلح الذي حصل مع المشركين بالحديبية كان مسدودا متعذرا حتى فتحه الله و قال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية و ذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم و أسلم في ثلاث سنين خلق كثير فكثر بهم سواد الإسلام و قال الشعبي بويع بالحديبية و ذلك بيعة الرضوان
مجمع البيان ج : 9 ص : 167

و أطعم نخيل خيبر و ظهرت الروم على فارس و فرح المسلمون بظهور أهل الكتاب و هم الروم على المجوس إذ كان فيه مصداق قول الله تعالى إنهم سيغلبون و « يبلغ الهدي محله » و الحديبية بئر روي أنه نفذ ماؤها فظهر فيها من أعلام النبوة ما اشتهرت به الروايات قال البراء بن عازب تعدون أنتم الفتح فتح مكة و قد كان فتح مكة فتحا و نحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أربع عشرة مائة و الحديبية بئر فنزحناها فما ترك منها قطرة فبلغ ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض و دعا ثم صبه فيها و تركها ثم إنها أصدرتنا نحن و ركابنا و في حديث سلمة بن الأكوع إما دعا و إما بزق فيها فجاشت فسقينا و أسقينا و عن محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خرج لزيارة البيت لا يريد حربا فذكر الحديث إلى أن قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) انزلوا فقالوا يا رسول الله ما بالوا ذي ماء فأخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من كنانته سهما فأعطاه رجلا من أصحابه فقال له أنزل في بعض هذه القلب فأغرزه في جوفه ففعل فجاش بالماء الرواء حتى ضرب الناس بعطن و عن عروة و ذكر خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و خرجت قريش من مكة فسبقوه إلى بلدح و إلى الماء فنزلوا عليه فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قد سبق نزل على الحديبية و ذلك في حر شديد و ليس فيها إلا بئر واحدة فأشفق القوم من الظمأ و القوم كثير فنزل فيها رجال يمتحونها و دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بدلو من ماء فتوضأ و مضمض فاه ثم مج فيه و أمر أن يصب في البئر و نزع سهما من كنانته و ألقاه في البئر فدعا الله تعالى ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها و هم جلوس على شفتها و روى سالم بن أبي الجعد قال قلت لجابر كم كنتم يوم الشجرة قال كنا ألفا و خمسمائة و ذكر عطشا أصابهم قال فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بماء في تور فوضع يده فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنه العيون قال فشربنا وسعنا و كفانا قال قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف كفانا كنا ألفا و خمسمائة ( و ثالثها ) أن المراد بالفتح هنا فتح خيبر عن مجاهد و العوفي و روي عن مجمع بن حارثة الأنصاري كان أحد القراء قال شهدنا الحديبية مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزءون الأباعر فقال بعض الناس لبعض ما بال الناس قالوا أوحي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فخرجنا نوجف فوجدنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) واقفا على راحلته عند كراع الغميم فلما اجتمع الناس إليه قرأ « إنا فتحنا لك فتحا مبينا » السورة فقال عمر أ فتح هو يا رسول الله قال نعم و الذي نفسي بيده إنه لفتح فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل فيها أحد إلا من
مجمع البيان ج : 9 ص : 168
شهدها ( و رابعها ) أن الفتح الظفر على الأعداء كلهم بالحجج و المعجزات الظاهرة و إعلاء كلمة الإسلام « ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر » قد قيل فيه أقوال كلها غير موافق لما يذهب إليه أصحابنا أن الأنبياء معصومون من الذنوب كلها صغيرها و كبيرها قبل النبوة و بعدها ( فمنها ) أنهم قالوا معناه ما تقدم من معاصيك قبل النبوة و ما تأخر عنها ( و منها ) قولهم ما تقدم الفتح و ما تأخر عنه ( و منها ) قولهم ما وقع و ما لم يقع على الوعد بأنه يغفره له إذا وقع ( و منها ) قولهم ما تقدم من ذنب أبويك آدم و حواء ببركتك و ما تأخر من ذنوب أمتك بدعوتك و الكلام في ذنب آدم كالكلام في ذنب نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من حمل ذلك على الصغائر التي تقع محبطة عندهم فالذي يبطل قولهم إن الصغائر إذا سقط عقابها وقعت مكفرة فكيف يجوز أن يمن الله سبحانه على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأن يغفرها له و إنما يصح الامتنان و التفضل منه سبحانه بما يكون له المؤاخذة به لا بما لو عاقب به لكان ظالما عندهم فوضح فساد قولهم و لأصحابنا فيه وجهان من التأويل ( أحدهما ) أن المراد ليغفر لك الله ما تقدم من ذنب أمتك و ما تأخر بشفاعتك و أراد بذكر التقدم و التأخر ما تقدم زمانه و ما تأخر كما يقول القائل لغيره صفحت عن السالف و الآنف من ذنوبك و حسنت إضافة ذنوب أمته إليه للاتصال و السبب بينه و بين أمته و يؤيد هذا الجواب ما رواه المفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) قال سأله رجل عن هذه الآية فقال و الله ما كان له ذنب و لكن الله سبحانه ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة علي (عليه السلام) ما تقدم من ذنبهم و ما تأخر و روى عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) عن قول الله سبحانه « ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر » قال ما كان له ذنب و لا هم بذنب و لكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له ( و الثاني ) ما ذكره المرتضى قدس الله روحه أن الذنب مصدر و المصدر يجوز إضافته إلى الفاعل و المفعول معا فيكون هنا مضافا إلى المفعول و المراد ما تقدم من ذنبهم إليك في منعهم إياك عن مكة و صدهم لك عن المسجد الحرام و يكون معنى المغفرة على هذا التأويل الإزالة و النسخ لأحكام أعدائه من المشركين عليه أي يزيل الله تعالى ذلك عنك و يستر عليك تلك الوصمة بما يفتح لك من مكة فستدخلها فيما بعد و لذلك جعله جزاء على جهاده و غرضا في الفتح و وجها له قال و لو أنه أراد مغفرة ذنوبه لم يكن قوله « إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله » معنى معقول لأن المغفرة للذنوب لا تعلق لها بالفتح فلا يكون غرضا فيه و أما قوله « ما تقدم » و « ما تأخر » فلا يمتنع أن يريد به ما تقدم زمانه من فعلهم القبيح بك و بقومك و قيل أيضا في ذلك وجوه أخر ( منها ) إن معناه لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك ( و منها ) أن المراد بالذنب هناك ترك المندوب و حسن ذلك لأن من المعلوم أنه ممن لا يخالف الأوامر الواجبة فجاز أن يسمى ذنبا منه ما لو وقع من غيره لم يسم
مجمع البيان ج : 9 ص : 169
ذنبا لعلو قدره و رفعة شأنه ( و منها ) أن القول خرج مخرج التعظيم و حسن الخطاب كما قيل في قوله عفا الله عنك و هذا ضعيف لأن العادة جرت في مثل هذا أن يكون على لفظ الدعاء و قوله « و يتم نعمته عليك » معناه و يتم نعمته عليك في الدنيا بإظهارك على عدوك و إعلاء أمرك و نصرة دينك و بقاء شرعك و في الآخرة برفع محلك فإن معنى إتمام النعمة فعل ما يقتضيها و تبقيتها على صاحبها و الزيادة فيها و قيل يتم نعمته عليك بفتح خيبر و مكة و الطائف « و يهديك صراطا مستقيما » أي و يثبتك على صراط يؤدي بسالكه إلى الجنة « و ينصرك الله نصرا عزيزا » النصر العزيز هو ما يمتنع به من كل جبار عند و عات مريد و قد فعل ذلك بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذ صير دينه أعز الأديان و سلطانه أعظم السلطان « هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين » و هي أن يفعل الله بهم اللطف الذي يحصل لهم عنده من البصيرة بالحق ما تسكن إليه نفوسهم و ذلك بكثرة ما ينصب لهم من الأدلة الدالة عليه فهذه النعمة التامة للمؤمنين خاصة و أما غيرهم فتضطرب نفوسهم لأول عارض من شبهة ترد عليهم إذ لا يجدون برد اليقين و روح الطمأنينة في قلوبهم و قيل هي النصرة للمؤمنين لتسكن بذلك قلوبهم و يثبتوا في القتال و قيل هي ما أسكن قلوبهم من التعظيم لله و لرسوله « ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم » أي يقينا إلى يقينهم بما يرون من الفتوح و علو كلمة الإسلام على وفق ما وعدوا و قيل ليزدادوا تصديقا بشرائع الإسلام و هو أنهم كلما أمروا بشيء من الشرائع و الفرائض كالصلاة و الصيام و الصدقات صدقوا به و ذلك بالسكينة التي أنزلها الله في قلوبهم عن ابن عباس و المعنى ليزدادوا معارف على المعرفة الحاصلة عندهم « و لله جنود السموات و الأرض » يعني الملائكة و الجن و الإنس و الشياطين عن ابن عباس و المعنى أنه لو شاء لأعانكم بهم و فيه بيان أنه لو شاء لأهلك المشركين لكنه عالم بهم و بما يخرج من أصلابهم فأمهلهم لعلمه و حكمته و لم يأمر بالقتال عن عجز و احتياج لكن ليعرض المجاهدين لجزيل الثواب « و كان الله عليما حكيما » فكل أفعاله حكمة و صواب « ليدخل المؤمنين و المؤمنات » تقديره إنا فتحنا لك ليغفر لك الله إنا فتحنا لك ليدخل المؤمنين و المؤمنات « جنات » و لذلك لم يدخل واو العطف في ليدخل إعلاما بالتفصيل « تجري من تحتها الأنهار » أي من تحت أشجارها الأنهار « خالدين فيها » أي دائمين مؤبدين لا يزول عنهم نعيمها « و يكفر عنهم سيئاتهم » أي عقاب معاصيهم التي فعلوها في دار الدنيا « و كان ذلك عند الله فوزا عظيما » أي ظفرا يعظم الله به قدره .

مجمع البيان ج : 9 ص : 170

وَ يُعَذِّب الْمُنَفِقِينَ وَ الْمُنَفِقَتِ وَ الْمُشرِكِينَ وَ الْمُشرِكَتِ الظانِّينَ بِاللَّهِ ظنَّ السوْءِ عَلَيهِمْ دَائرَةُ السوْءِ وَ غَضِب اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ ساءَت مَصِيراً(6) وَ للَّهِ جُنُودُ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً(7) إِنَّا أَرْسلْنَك شهِداً وَ مُبَشراً وَ نَذِيراً(8) لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ وَ تُسبِّحُوهُ بُكرَةً وَ أَصِيلاً(9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَث فَإِنَّمَا يَنكُث عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِمَا عَهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً(10)

القراءة

قد بينا اختلافهم في السوء في سورة التوبة و قرأ ابن كثير و أبو عمرو ليؤمنوا بالله و ما بعده بالياء و قرأ الباقون بالتاء و قرأ أهل العراق فسيؤتيه بالياء و الباقون بالنون و في الشواذ قراءة الجحدري و تعزروه بفتح التاء و ضم الزاي مخففا .

الحجة

قال أبو علي حجة الياء أنه لا يقال لتؤمنوا بالله و رسوله و هو الرسول فإذا لم يسهل ذلك كانت القراءة بالياء ليؤمنوا و من قرأ بالتاء فعلى قوله لهم إنا أرسلناك إليهم شاهدا لتؤمنوا و حجة الياء في « فسيؤتيه » قوله و من أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما على تقديم ذكر الغيبة و زعموا أن في حرف عبد الله فسوف يؤتيه الله و النون على الانصراف من الإفراد إلى لفظ الكثرة و قال ابن جني من قرأ تعزروه فالمعنى تمنعوه و تمنعوا دينه و نبيه فهو كقوله إن تنصروا الله ينصركم أي إن تنصروا دينه فهو على حذف المضاف و أما « تعزروه » بالتشديد فتمنعوا منه بالسيف عن الكلبي و عزرت فلانا فخمت أمره و منه عزرة اسم رجل و منه عندي التعزير للضرب دون الحد و ذلك أنه لم يبلغ به ذل الحد الكامل فكأنه محاسنة فيه قال أبو حاتم و قرأ بعضهم تعززوه أي تجعلوه عزيزا .


المعنى

لما تقدم الوعد للمؤمنين عقبه سبحانه بالوعيد للكافرين فقال « و يعذب »
مجمع البيان ج : 9 ص : 171
الله « المنافقين و المنافقات » و هم الذين يظهرون الإيمان و يبطنون الشرك فالنفاق إسرار الكفر و إظهار الإيمان أخذ من نافقاء اليربوع و هو أن يجعل لسربه بابين يظهر أحدهما و يخفي الآخر فإذا أتي من الظاهر خرج من الآخر « و المشركين و المشركات » و هم الذين يعبدون مع الله غيره « الظانين بالله ظن السوء » أي يتوهمون أن الله ينصرهم على رسوله و ذلك سوء أي قبيح و السوء المصدر و السوء الاسم و قيل هو ظنهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يعود إلى موضع ولادته أبدا و قيل هو ظنهم أن لن يبعث الله أحدا و مثله و ظننتم ظن السوء « عليهم دائرة السوء » أي يقع عليهم العذاب و الهلاك و الدائرة هي الراجعة بخير أو شر قال حميد بن ثور :
و دائرات الدهر أن تدورا و قيل إن من قرأ بالضم فالمراد دائرة العذاب و من قرأ بالفتح فالمراد ما جعله للمؤمنين من قتلهم و غنيمة أموالهم « و غضب الله عليهم و لعنهم » أي أبعدهم من رحمته « و أعد لهم جهنم » يجعلهم فيها « و ساءت مصيرا » أي م آلا و مرجعا « و لله جنود السماوات و الأرض » إنما كرر لأن الأول متصل بذكر المؤمنين أي فله الجنود التي يقدر أن يعينكم بها و الثاني متصل بذكر الكافرين أي فله الجنود التي يقدر على الانتقام منهم بها « و كان الله عزيزا » في قهره و انتقاله « حكيما » في فعله و قضائه ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « إنا أرسلناك » يا محمد « شاهدا » على أمتك بما عملوه من طاعة و معصية و قبول و رد أو شاهدا عليهم بتبليغ الرسالة « و مبشرا » بالجنة لمن أطاع « و نذيرا » من النار لمن عصى ثم بين سبحانه الغرض بالإرسال فقال « لتؤمنوا بالله » من قرأ ليؤمنوا بالياء فالمعنى ليؤمن هؤلاء الكفار بالله « و رسوله و تعزروه » أي تنصروه بالسيف و اللسان و الهاء تعود إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و توقروه » أي تعظموه و تبجلوه « و تسبحوه بكرة و أصيلا » أي و تصلوا بالغداة و العشي و قيل معناه و تنزهوه عما لا يليق به و كثير من القراء اختاروا الوقف على « و توقروه » لاختلاف الضمير فيه و فيما بعده و قيل « و تعزروه » أي و تنصروا الله « و توقروه » أي و تعظموه و تطيعوه كقوله لا ترجون لله وقارا و على هذا فتكون الكنايات متفقة و في هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر أن الله سبحانه يريد من الكفار الكفر لأنه صرح هنا أنه يريد من جميع المكلفين الإيمان و الطاعة « إن الذين يبايعونك » المراد بالبيعة هنا بيعة الحديبية و هي بيعة الرضوان بايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الموت « إنما يبايعون الله » يعني أن المبايعة معك تكون مبايعة مع الله لأن طاعتك طاعة الله و إنما سميت بيعة لأنها عقدت على بيع أنفسهم بالجنة للزومهم في الحرب النصرة « يد الله فوق أيديهم » أي عقد الله في هذه البيعة فوق عقدهم لأنهم بايعوا الله ببيعة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فكأنهم بايعوه من غير واسطة عن السدي و قيل معناه قوة الله في نصرة
مجمع البيان ج : 9 ص : 172
نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فوق نصرتهم إياه أي ثق بنصرة الله لك لا بنصرتهم و إن بايعوك عن ابن كيسان و قيل نعمة الله عليهم بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فوق أيديهم بالطاعة و المبايعة عن الكلبي و قيل يد الله بالثواب و ما وعدهم على بيعتهم من الجزاء فوق أيديهم بالصدق و الوفاء عن ابن عباس « فمن نكث » أي نقض ما عقد من البيعة « فإنما ينكث على نفسه » أي يرجع ضرر ذلك النقض عليه و ليس له الجنة و لا كرامة عن ابن عباس « و من أوفى » أي ثبت على الوفاء « بما عاهد عليه الله » من البيعة « فسيؤتيه أجرا عظيما » أي ثوابا جزيلا .

مجمع البيان ج : 9 ص : 173

سيَقُولُ لَك الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شغَلَتْنَا أَمْوَلُنَا وَ أَهْلُونَا فَاستَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْس فى قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِك لَكُم مِّنَ اللَّهِ شيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضراًّ أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعَا بَلْ كانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرَا(11) بَلْ ظنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِب الرَّسولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَ زُيِّنَ ذَلِك فى قُلُوبِكُمْ وَ ظنَنتُمْ ظنَّ السوْءِ وَ كنتُمْ قَوْمَا بُوراً(12) وَ مَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَ رَسولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَفِرِينَ سعِيراً(13) وَ للَّهِ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ وَ يُعَذِّب مَن يَشاءُ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً(14) سيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطلَقْتُمْ إِلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كلَمَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسيَقُولُونَ بَلْ تحْسدُونَنَا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلاً(15)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم ضرا بضم الضاد يبدلوا كلم الله بغير ألف و الباقون « ضرا » بالفتح « كلام الله » بالألف .

الحجة

قال أبو علي الضر خلاف النفع و في التنزيل ما لا يملك لكم ضرا و لا نفعا و الضر سوء الحال و في التنزيل فكشفنا ما به من ضر هذا الأبين في هذا الحرف عندي و يجوز أن يكونا لغتين في معنى كالفقر و الفقر و الضعف و الضعف و من قرأ « كلام الله » فوجهه أنه قيل فيهم لن تخرجوا معي أبدا فخص الكلام بما كان مفيدا و حديثا فقال كلام الله و من قرأ كلم الله قال الكلم قد يقع على ما يقع عليه الكلام و على غيره و إن كان الكلام بما ذكرنا أخص أ لا ترى أنه قال و تمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل فإنما هو و الله أعلم و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و ما يتصل به .

اللغة

المخلف هو المتروك في المكان خلف الخارجين من البلد و هو مشتق من الخلف و ضده المقدم و الأعراب الجماعة من عرب البادية و عرب الحاضرة ليسوا بأعراب فرقوا بينهما و إن كان اللسان واحدا و البور الفاسد الهالك و هو مصدر لا يثنى و لا يجمع يقال رجل بور و رجال بور قال :
يا رسول المليك إن لساني
راتق ما فتقت إذ أنا بور و قال حسان :
لا ينفع الطول من نوك القلوب و قد
يهدي الإله سبيل المعشر البور .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عمن تخلف عن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « سيقول لك المخلفون من الأعراب » أي الذي تخلفوا عن صحبتك في وجهتك و عمرتك و ذلك أنه لما أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا و كان في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة استنفر من حول المدينة إلى الخروج معه و هم غفار و أسلم و مزينة و جهينة و أشجع و الدئل حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو بصد و أحرم بالعمرة و ساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حربا فتثاقل عنه كثير من الأعراب فقالوا نذهب معه إلى قوم قد جاءوه فقتلوا أصحابه فتخلفوا عنه و اعتلوا بالشغل فقال سبحانه إنهم يقولون لك إذا انصرفت إليهم فعاتبتهم على التخلف عنك « شغلتنا أموالنا و أهلونا » عن الخروج معك « فاستغفر لنا » في قعودنا عنك فكذبهم الله تعالى فقال « يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم » كذبهم في اعتذارهم بما أخبر عن ضمائرهم و أسرارهم أي لا يبالون استغفر لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أم لا « قل » يا محمد « فمن يملك
 

Back Index Next