جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج9 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


عاملهم معاملة المختبر بما تعبدهم به من هذه العبادة فخلصوا على

مجمع البيان ج : 9 ص : 197
الاختبار كما يخلص جيد الذهب بالنار « لهم مغفرة » من الله لذنوبهم « و أجر عظيم » على طاعتهم ثم خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « إن الذين ينادونك من وراء الحجرات » و هم الجفاة من بني تميم لم يعلموا في أي حجرة هو فكانوا يطوفون على الحجرات و ينادونه « أكثرهم لا يعقلون » وصفهم الله سبحانه بالجهل و قلة الفهم و العقل إذ لم يعرفوا مقدار النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لا ما استحقه من التوقير فهم بمنزلة البهائم « و لو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم » من أن ينادوك من وراء الحجرات في دينهم بما يحرزونه من الثواب و في دنياهم باستعمالهم حسن الأدب في مخاطبة الأنبياء ليعدوا بذلك في زمرة العقلاء و قيل معناه لأطلقت أسراهم بغير فداء فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان سبى قوما من بني العنبر فجاؤوا في فدائهم فأعتق نصفهم و فادى النصف فيقول و لو أنهم صبروا لكنت تعتق كلهم « و الله غفور رحيم » لمن تاب منهم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 198
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن جَاءَكمْ فَاسِقُ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمَا بجَهَلَة فَتُصبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نَدِمِينَ(6) وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكمْ فى كَثِير مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَ لَكِنَّ اللَّهَ حَبَّب إِلَيْكُمُ الايمَنَ وَ زَيَّنَهُ فى قُلُوبِكمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسوقَ وَ الْعِصيَانَ أُولَئك هُمُ الرَّشِدُونَ(7) فَضلاً مِّنَ اللَّهِ وَ نِعْمَةً وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(8) وَ إِن طائفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَيْنهُمَا فَإِن بَغَت إِحْدَاهُمَا عَلى الأُخْرَى فَقَتِلُوا الَّتى تَبْغِى حَتى تَفِىءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَت فَأَصلِحُوا بَيْنهُمَا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطوا إِنَّ اللَّهَ يحِب الْمُقْسِطِينَ(9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصلِحُوا بَينَ أَخَوَيْكمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكمْ تُرْحَمُونَ(10)

القراءة

قرأ يعقوب فأصلحوا بين إخوتكم بالتاء على الجمع و هو قراءة ابن سيرين و الباقون « بين أخويكم » على التثنية لقوله « طائفتان » و في الشواذ قراءة زيد بن ثابت و الحسن إخوانكم بالألف و النون على الجمع و قد ذكرنا في سورة النساء اختلافهم في قوله فتبينوا و الوجه في القراءتين و المروي عن الباقر (عليه السلام) فتثبتوا بالثاء و التاء .

اللغة

العنت المشقة يقال عنت الدابة تعنت عنتا إذا حدث في قوائمه كسر بعد جبر لا يمكنه معه الجري قال ابن الأنباري أصل العنت التشديد يقال فلان يعنت فلانا أي يشدد عليه و يلزمه ما يصعب عليه ثم نقل إلى معنى الهلاك و القسط العدل و نحوه الأقساط و القسوط و القسط بالفتح الجور و العدول عن الحق فأصل الباب العدول فمن عدل إلى الحق فقد أقسط و من عدل عن الحق فقد قسط .

الإعراب

« أن فيكم رسول الله » خبر أن في الظرف الذي هو فيكم عند النحويين و فيه نظر لأن من حق الخبر أن يكون الخبر مفيدا فلا يقال النار حارة لعدم الفائدة و الوجه عندي أن يكون لو مع ما في حيزه خبر أن و المعنى و اعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم و يجوز على الوجه الأول أن يكون المراد التنبيه لهم على مكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما يقول القائل للرجل يريد أن ينبهه على شيء فلان حاضر و المخاطب يعلم حضوره و لو قال أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيكم احتمل أن يكون غير رسول الله فيهم ممن هو بمنزلته فإذا قال إن فيكم رسول الله لا يحتمل ذلك على هذا فقوله « لو يطيعكم » لو مع ما في حيزه في محل رفع بأنه خبر أن خبر بعد خبر « فضلا من الله » مفعول له و التقدير فعل الله ذلك لكم فضلا منه و نعمة و يجوز أن يكون العامل فيه الراشدون و ما فيه من الفعل أي رشدا و فضلا من الله و قوله « بجهالة » و « بالعدل » كلاهما في موضع نصب على الحال و العامل في الأول فتصيبوا و في الثاني فأصلحوا .


النزول

قوله « إن جاءكم فاسق » نزل في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في صدقات بني المصطلق فخرجوا يتلقونه فرحا به و كانت بينهم عداوة في الجاهلية فظن أنهم هموا بقتله فرجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قال إنهم منعوا صدقاتهم و كان الأمر بخلافه فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هم أن يغزوهم فنزلت الآية عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل إنها نزلت فيمن قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن مارية أم إبراهيم يأتيها ابن عم لها قبطي فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليا (عليه السلام) و قال يا أخي خذ هذا السيف فإن وجدته عندها فاقتله فقال يا رسول الله أكون في أمرك
مجمع البيان ج : 9 ص : 199
إذا أرسلتني كالسكة المحماة أمضي لما أمرتني أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب قال علي (عليه السلام) فأقبلت متوشحا بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما عرف إني أريده أتى نخلة فرقي إليها ثم رمى بنفسه على قفاه و شغر برجليه فإذا أنه أجب أمسح ما له مما للرجال قليل و لا كثير فرجعت فأخبرت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت و قوله « و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا » نزل في الأوس و الخزرج وقع بينهما قتال بالسعف و النعال عن سعيد بن جبير و قيل نزل في رهط عبد الله بن أبي سلول من الخزرج و رهط عبد الله بن رواحة من الأوس و سببه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقف على عبد الله بن أبي فراث حمار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأمسك عبد الله أنفه و قال إليك عني فقال عبد الله بن رواحة لحمار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أطيب ريحا منك و من أبيك فغضب قومه و أعان ابن رواحة قومه و كان بينهما ضرب بالحديد و الأيدي و النعال .

المعنى

ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال « يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ » أي بخبر عظيم الشأن و الفاسق الخارج عن طاعة الله إلى معصيته « فتبينوا » صدقه من كذبه و لا تبادروا إلى العمل بخبره و من قال فتثبتوا فمعناه توقفوا فيه و تأنوا حتى يثبت عندكم حقيقته « أن تصيبوا قوما بجهالة » أي حذرا من أن تصيبوا قوما في أنفسهم و أموالهم بغير علم بحالهم و ما هم عليه من الطاعة و الإسلام « فتصبحوا على ما فعلتم » من إصابتهم بالخطأ « نادمين » لا يمكنكم تداركه و في هذا دلالة على أن خبر الواحد لا يوجب العلم و لا العمل لأن المعنى إن جاءكم من لا تأمنون أن يكون خبره كذبا فتوقفوا فيه و هذا التعليل موجود في خبر من يجوز كونه كاذبا في خبره و قد استدل بعضهم بالآية على وجوب العمل بخبر الواحد إذا كان عدلا من حيث أن الله سبحانه أوجب التوقف في خبر الفاسق فدل على أن خبر العدل لا يجب التوقف فيه و هذا لا يصح لأن دليل الخطاب لا يعول عليه عندنا و عند أكثر المحققين « و اعلموا أن فيكم رسول الله » أي فاتقوا الله أن تكذبوه أو تقولوا باطلا عنده فإن الله تعالى يخبره بذلك فتفضحوا و قيل معناه و اعلموا بما أخبره الله تعالى من كذب الوليد أن فيكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فهذه إحدى معجزاته « لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم » أي لو فعل ما تريدونه في كثير من الأمر لوقعتم في عنت و هو الإثم و الهلاك فسمى موافقته لما يريدونه طاعة لهم مجازا أ لا ترى أن الطاعة تراعى فيها الرتبة فلا يكون الإنسان مطيعا لمن دونه و إنما يكون مطيعا لمن فوقه إذا فعل ما أمره به ثم خاطب المؤمنين الذين لا يكذبون فقال « و لكن الله حبب إليكم الإيمان » أي جعله أحب الأديان إليكم بأن أقام الأدلة على صحته و بما وعد من الثواب عليه « و زينه في قلوبكم » بالألطاف الداعية
مجمع البيان ج : 9 ص : 200
إليه « و كره إليكم الكفر » بما وصف من العقاب عليه بوجوه الألطاف الصارفة عنه « و الفسوق » أي الخروج عن الطاعة إلى المعاصي « و العصيان » أي جميع المعاصي و قيل الفسوق الكذب عن ابن عباس و ابن زيد و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) ثم عاد سبحانه إلى الخبر عنهم فقال « أولئك هم الراشدون » يعني الذين وصفهم بالإيمان و زينه في قلوبهم هم المهتدون إلى محاسن الأمور و قيل هم الذين أصابوا الرشد و اهتدوا إلى الجنة « فضلا من الله و نعمة » أي تفضلا مني عليهم و رحمة مني لهم عن ابن عباس « و الله عليم » بالأشياء كلها « حكيم » في جميع أفعاله و في هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر من وجوه ( منها ) أنه إذا حبب في قلوبهم الإيمان و كره الكفر فمن المعلوم أنه لا يحبب ما لا يحبه و لا يكره ما لا يكرهه ( و منها ) أنه إذ ألطف في تحبيب الإيمان بألطافه دل ذلك على ما نقوله في اللطف ثم قال « و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا » أي فريقان من المؤمنين قاتل أحدهما صاحبه « فأصلحوا بينهما » حتى يصطلحا و لا دلالة في هذا على أنهما إذا اقتتلا بقيا على الإيمان و يطلق عليهما هذا الاسم و لا يمتنع أن يفسق إحدى الطائفتين أو تفسقا جميعا « فإن بغت إحداهما على الأخرى » بأن تطلب ما لا يجوز لها و تقاتل الأخرى ظالمة لها متعدية عليها « فقاتلوا التي تبغي » لأنها هي الظالمة المتعدية دون الأخرى « حتى تفيىء إلى أمر الله » أي حتى ترجع إلى طاعة الله و تترك قتال الطائفة المؤمنة « فإن فاءت » أي رجعت و تابت و أقلعت و أنابت إلى طاعة الله « فأصلحوا بينهما » أي بينها و بين الطائفة التي هي على الإيمان « بالعدل » أي بالقسط حتى يكونوا سواء لا يكون من إحديهما على الأخرى جور و لا شطط فيما يتعلق بالضمانات من الأروش « و أقسطوا » أي اعدلوا « إن الله يحب المقسطين » العادلين الذين يعدلون فيما يكون قولا و فعلا « إنما المؤمنون إخوة » في الدين يلزم نصرة بعضهم بعضا « فأصلحوا بين أخويكم » أي بين كل رجلين تقاتلا و تخاصما و معنى الاثنين يأتي على الجمع لأن تأويله بين كل أخوين يعني فأنتم إخوة للمتقاتلين فأصلحوا بين الفريقين أي كفوا الظالم عن المظلوم و أعينوا المظلوم « و اتقوا الله » في ترك العدل و الإصلاح أو في منع الحقوق « لعلكم ترحمون » أي لكي ترحموا قال الزجاج سمي المؤمنين إذا كانوا متفقين في دينهم إخوة لاتفاقهم في الدين و رجوعهم إلى أصل النسب لأنهم لأم واحدة و هي حواء و روى الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته و من فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كروب يوم القيامة و من ستر مسلما يستره الله يوم القيامة أورده البخاري و مسلم في صحيحيهما و في وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأمير
مجمع البيان ج : 9 ص : 201
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) سر ميلا عد مريضا سر ميلين شيع جنازة سر ثلاثة أميال أجب دعوة سر أربعة أميال زر أخا في الله سر خمسة أميال أجب دعوة الملهوف سر ستة أميال انصر المظلوم و عليك بالاستغفار .

النظم


وجه اتصال قوله « إن جاءكم فاسق بنبأ » بما قبله أنه لما أمر بطاعة الله و رسوله بين عقيبه أن الرسول لا يجوز أن يتبع أهواءهم بل ينبغي أن يعمل بما عنده و وجه اتصال قوله « و لكن الله حبب إليكم الإيمان » لئلا تقعوا في العنت و إنما قلنا ذلك لأن لكن لا بد أن يتقدمه نفي إذا كان ما بعده إثباتا و قوله « لو يطيعكم » « لعنتم » معناه أنه لم يطعكم فما عنتم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 202
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا يَسخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْم عَسى أَن يَكُونُوا خَيراً مِّنهُمْ وَ لا نِساءٌ مِّن نِّساء عَسى أَن يَكُنَّ خَيراً مِّنهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنفُسكمْ وَ لا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَبِ بِئْس الاسمُ الْفُسوقُ بَعْدَ الايمَنِ وَ مَن لَّمْ يَتُب فَأُولَئك هُمُ الظلِمُونَ(11) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظنِّ إِنَّ بَعْض الظنِّ إِثْمٌ وَ لا تجَسسوا وَ لا يَغْتَب بَّعْضكُم بَعْضاً أَ يحِب أَحَدُكمْ أَن يَأْكلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ(12) يَأَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَكم مِّن ذَكَر وَ أُنثى وَ جَعَلْنَكمْ شعُوباً وَ قَبَائلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكرَمَكمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13) * قَالَتِ الأَعْرَاب ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَ لَكِن قُولُوا أَسلَمْنَا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الايمَنُ فى قُلُوبِكُمْ وَ إِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسولَهُ لا يَلِتْكم مِّنْ أَعْمَلِكُمْ شيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(14)

القراءة

قرأ أهل البصرة لا يألتكم بالألف و الباقون « لا يلتكم » بغير الألف .

الحجة

قال أبو زيد ألته حقه يألته ألتا إذا نقصه و قوم يقولون لات يليت ليتا و يقال لت الرجل أليته ليتا إذا عميت عليه الخبر فأخبرته بغير ما يسألك عنه قال رؤبة :
و ليلة ذات ندى سريت
و لم يلتني عن سراها ليت و قوم يقولون ألاتني عن حقي و ألاتني عن حاجتي أي صرفني عنها و حجة من قرأ لا يألتكم قوله تعالى « و ما ألتناهم » و من قرأ « يلتكم » جعله من لات يليت .

اللغة

الهمز و اللمز العيب و الغض من الناس فاللمز هو الرمي بالعيب لمن لا يجوز أن يؤذى بذكره و هو المنهي عنه فأما ذكر عيب الفاسق فليس بلمز و قد ورد في الحديث قولوا في الفاسق ما فيه كي يحذره الناس و النبز القذف باللقب يقال نبزته أنبزه و الغيبة أن تذكر الإنسان من ورائه بسوء هو فيه فإذا ذكرته بما ليس فيه فهو البهت و البهتان و الشعوب الذي يصغر شأن العرب و لا يري لهم فضلا على غيرهم سموا بذلك لأنهم تأولوا « و جعلناكم شعوبا » على أن الشعوب من العجم كالقبائل من العرب و قال أبو عبيدة الشعوب العجم و أصله من التشعب و هو كثرة تفرقهم في النسب و يقال شعبته جمعته و شعبته فرقته و هو من الأضداد .

النزول

نزل قوله « لا يسخر قوم من قوم » في ثابت بن قيس بن شماس و كان في أذنه وقر و كان إذا دخل المسجد تفسحوا له حتى يقعد عند النبي فيسمع ما يقول فدخل المسجد يوما و الناس قد فرغوا من الصلاة و أخذوا مكانهم فجعل يتخطى رقاب الناس و يقول تفسحوا تفسحوا حتى انتهى إلى رجل فقال له أصبت مجلسا فاجلس فجلس خلفه مغضبا فلما انجلت الظلمة قال من هذا قال الرجل أنا فلان فقال ثابت ابن فلانة ذكر أما له كان يعير بها في الجاهلية فنكس الرجل رأسه حياء فنزلت الآية عن ابن عباس و قوله « و لا نساء من نساء » نزل في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سخرن من أم سلمة عن أنس و ذلك أنها ربطت حقويها بسبيبة و هي ثوب أبيض و سدلت طرفيها خلفها فكانت تجره فقالت عائشة لحفصة انظري ما ذا تجر
مجمع البيان ج : 9 ص : 203

خلفها كأنه لسان كلب فلهذا كانت سخريتهما و قيل أنها عيرتها بالقصر و أشارت بيدها أنها قصيرة عن الحسن و قوله « و لا يغتب بعضكم بعضا » نزل في رجلين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اغتابا رفيقهما و هو سلمان بعثاه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليأتي لهما بطعام فبعثه إلى أسامة بن زيد و كان خازن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) على رحله فقال ما عندي شيء فعاد إليهما فقالا بخل أسامة و قالا لسلمان لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ثم انطلقا يتجسسان عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله فقال لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما قالا يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحما قال ظللتم تأكلون لحم سلمان و أسامة فنزلت الآية و عن أبي قلابة قال أن عمر بن الخطاب حدث أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر في بيته هو و أصحابه فانطلق عمر حتى دخل عليه فإذا ليس عنده إلا رجل فقال أبو محجن يا أمير المؤمنين أن هذا لا يحل لك قد نهاك الله عن التجسس فقال عمر ما يقول هذا قال زيد بن ثابت و عبد الله بن الأرقم صدق يا أمير المؤمنين قال فخرج عمر و تركه و خرج عمر بن الخطاب أيضا و معه عبد الرحمن بن عوف يعسان فتبينت لهما نار فأتيا و استأذنا ففتح الباب فدخلا فإذا رجل و امرأة تغني و على يد الرجل قدح فقال عمر من هذه منك قال امرأتي قال و ما في هذا القدح قال ماء فقال للمرأة ما الذي تغنين قالت أقول :
تطاول هذا الليل و أسود جانبه
و أرقني ألا حبيب ألاعبه
فو الله لو لا خشية الله و التقى
لزعزع من هذا السرير جوانبه
و لكن عقلي و الحياء يكفني
و أكرم بعلي أن تنال مراكبه ثم قال الرجل ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين قال الله تعالى « و لا تجسسوا » فقال عمر صدقت و انصرف و قوله « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى » قيل نزلت في ثابت بن قيس بن شماس و قوله للرجل الذي لم يتفسح له ابن فلانة فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الذاكر فلأنه فقام ثابت فقال أنا يا رسول الله فقال أنظر في وجوه القوم فنظر إليهم فقال ما رأيت يا ثابت قال رأيت أبيض و أسود و أحمر قال فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى و الدين فنزلت هذه الآية « يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس » الآية عن ابن عباس و قيل لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بلالا حتى علا ظهر الكعبة و أذن فقال عتاب بن أسيد الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم و قال الحرث بن هشام أ ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا و قال سهيل بن عمرو أن يرد الله شيئا يغيره لغيره و قال أبو سفيان إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبره به رب السماوات فأتى جبرائيل (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره بما قالوا فدعاهم رسول
مجمع البيان ج : 9 ص : 204
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و سألهم عما قالوا فأقروا به و نزلت الآية و زجرهم عن التفاخر بالأنساب و الإزدراء بالفقر و التكاثر بالأموال عن مقاتل .

المعنى

لما أمر سبحانه بإصلاح ذات البين و نهى عن التفرق عقب ذلك بالنهي عن أسباب الفرقة من السخرية و الإزدراء بأهل الفقر و المسكنة و نحو ذلك فقال « يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم » قال الخليل القوم يقع على الرجال دون النساء لقيام بعضهم مع بعض في الأمور قال زهير :
و ما أدري و لست أخال أدري
أ قوم آل حصن أم نساء فالمعنى لا يسخر رجال من رجال و السخرية الاستهزاء قال مجاهد معناه لا يسخر غني من فقير لفقره و ربما يكون الفقير المهين في ظاهر الحال خيرا و أجل منزلة عند الله من الغني الحسن الحال و لو سخر مؤمن من كافر احتقارا له لم يكن مأثوما و قال ابن زيد هذا نهي عن استهزاء المسلمين بمن أعلن بفسقه عسى أن يكون المسخور عند الله خيرا من الساخر معتقدا أو أسلم باطنا « و لا نساء من نساء » على المعنى الذي تقدم « عسى أن يكن خيرا منهن و لا تلمزوا أنفسكم » أي لا يطعن بعضكم على بعض كما قال تعالى و لا تقتلوا أنفسكم لأن المؤمنين كنفس واحدة فكأنه إذا قتل أخاه قتل نفسه عن ابن عباس و قتادة و اللمز العيب في المشهد و الهمز العيب في المغيب و قيل أن اللمز يكون باللسان و بالعين و بالإشارة و الهمز لا يكون إلا باللسان و قيل معناه و لا يلعن بعضكم بعضا عن الضحاك « و لا تنابزوا بالألقاب » جمع اللقب و هو اسم غير الذي سمي به الإنسان و قيل هو كل اسم لم يوضع له و إذا دعي به يكرهه فأما إذا كان لا يسوؤه و لا يكرهه فلا بأس فيه مثل الفقيه و القاضي و قيل هو قول الرجل للرجل يا كافر يا فاسق يا منافق عن قتادة و عكرمة و قيل كان اليهودي و النصراني يسلم فيقال له بعد ذلك يا يهودي أو يا نصراني فنهوا عن ذلك عن الحسن و قيل هو أن يعمل إنسان شيئا من القبيح ثم يتوب منه فيعير بما سلف منه عن ابن عباس و روي أن صفية بنت حيي بن أخطب جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تبكي فقال لها ما وراءك فقالت إن عائشة تعيرني و تقول يهودية بنت يهوديين فقال لها هلا قلت أبي هارون و عمي موسى و زوجي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فنزلت الآية عن ابن عباس « بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان » أي بئس الاسم أن يقول له يا يهودي يا نصراني و قد آمن عن الحسن و غيره و المعنى بئس الشيء تسميته باسم الفسوق يعني الكفر بعد الإيمان و قيل معناه بئس الشيء اكتساب اسم الفسوق باغتياب المسلمين
مجمع البيان ج : 9 ص : 205
و لمزهم و هذا لا يدل على أن اسم الإيمان و الفسق لا يجتمعان لأن هذا كما يقال بئس الحال الفسوق بعد الشيب و المعنى بئس الحال الفسوق مع الشيب و بئس الاسم الفسوق مع الإيمان على أن الظاهر أن المعنى أن الفسوق الذي يتعقب الإيمان بئس الاسم و ذلك هو الكفر « و من لم يتب » من التنابز و المعاصي و يرجع إلى طاعة الله تعالى « فأولئك هم الظالمون » نفوسهم بفعل ما يستحقون به العقاب « يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن » قال الزجاج هو أن يظن بأهل الخير سوء فأما أهل السوء و الفسق فلنا أن نظن بهم مثل ما ظهر منهم و قيل هو أن يظن بأخيه المسلم سوءا و لا بأس به ما لم يتكلم به فإن تكلم بذلك الظن و أبداه أثم و هو قوله « إن بعض الظن إثم » يعني ما أعلنه مما ظن بأخيه عن المقاتلين و قيل إنما قال كثيرا من الظن لأن من جملته ما يجب العمل به و لا يجوز مخالفته و إنما يكون إثما إذا فعله صاحبه و له الطريق إلى العلم بدلا منه فهذا ظن محرم لا يجوز فعله فأما ما لا سبيل إلى دفعه بالعلم بدلا منه فليس بإثم و لذلك قال « بعض الظن إثم » دون جميعه و الظن المحمود قد بينه الله تعالى و دل عليه بقوله « لو لا إذ سمعتموه ظن المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خيرا » و قيل معناه يجب على المؤمن أن يحسن الظن و لا يسيئه في شيء يجد له تأويلا جميلا و إن كان ظاهرا قبيحا « و لا تجسسوا » أي و لا تتبعوا عثرات المؤمنين عن ابن عباس و قتادة و مجاهد و قال أبو عبيدة التجسس و التحسس واحد و روي في الشواذ عن ابن عباس و لا تحسسوا بالحاء قال الأخفش و ليس يبعد أحدهما عن الآخر إلا أن التجسس عما يكتم و منه الجاسوس و التحسس بالحاء البحث عما تعرفه و قيل إن التجسس بالجيم في الشر و الجاسوس صاحب سر الشر و الناموس صاحب سر الخير و قيل معناه لا تتبعوا عيوب المسلمين لتهتكوا العيوب التي سترها أهلها و قيل معناه و لا تبحثوا عما خفي حتى يظهر عن الأوزاعي و في الحديث إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث و لا تجسسوا و لا تقاطعوا و لا تحاسدوا و لا تنابزوا و كونوا عباد الله إخوانا و قوله « و لا يغتب بعضكم بعضا » الغيبة ذكر العيب بظهر الغيب على وجه تمنع الحكمة منه و في الحديث إذا ذكرت الرجل بما فيه مما يكرهه الله فقد اغتبته و إذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته و عن جابر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إياكم
مجمع البيان ج : 9 ص : 206
و الغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا ثم قال أن الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه و إن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه ثم ضرب سبحانه للغيبة مثلا فقال « أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا » و تأويله إن ذكرك بالسوء من لم يحضرك بمنزلة أن تأكل لحمه و هو ميت لا يحس بذلك عن الزجاج و لما قيل لهم أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا قالوا لا فقيل « فكرهتموه » أي فكما كرهتم ذلك فاجتنبوا ذكره بالسوء غائبا عن مجاهد و قيل فكما كرهتم لحمه ميتا فاكرهوا غيبته حيا عن الحسن فهذا هو تقدير الكلام و قوله « و اتقوا الله » معطوف على هذا الفعل المقدر و مثله أ لم نشرح لك صدرك و وضعنا أي و قد شرحنا و وضعنا و يقال للمغتاب فلان يأكل لحوم الناس قال :
و ليس الذئب يأكل لحم ذئب
و يأكل بعضنا بعضا عيانا و قال آخر :
فإن يأكلوا لحمي و فرت لحومهم
و إن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا و قال قتادة كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا لكراهية الطبع كذلك يجب أن يمتنع عن غيبته لكراهية العقل و الشرع لأن دواعي العقل و الشرع أحق بالإتباع من دواعي الطبع فإن داعي الطبع أعمى و داعي العقل بصير و عن ميمون بن شاة و كان يفضل على الحسن لأنه قد لقي من لم يلقه الحسن قال بينا أنا نائم إذا بجيفة زنجي و قائل يقول لي كل يا عبد الله قلت و لم آكل قال بما اغتيب عندك فلان قلت و الله ما ذكرت فيه خيرا و لا شرا قال لكنك استمعت فرضيت و كان ميمون بعد ذلك لا يدع أن يغتاب عنده واحد و قال رجل لابن سيرين إني قد اغتبتك فاجعلني في حل قال إني أكره أن أحل ما حرم الله « إن الله تواب » قابل التوبة « رحيم » بالمؤمنين « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى » أي من آدم و حواء و المعنى أنكم متساوون في النسب لأن كلكم يرجع في النسب إلى آدم و حواء زجر الله سبحانه عن التفاخر بالأنساب و روى عكرمة عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إنما أنتم من رجل و امرأة كجمام الصاع ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى ثم ذكر سبحانه أنه إنما فرق أنساب الناس ليتعارفوا لا ليتفاخروا فقال « و جعلناكم شعوبا و قبائل » و هي جمع شعب و هو الحي العظيم مثل مضر و ربيعة و قبائل هي دون الشعوب كبكر من ربيعة و تميم من مضر هذا قول أكثر المفسرين و قيل الشعوب دون القبائل و إنما سميت بذلك لتشعبها و تفرقها عن
مجمع البيان ج : 9 ص : 207
الحسن و قيل أراد بالشعوب الموالي و بالقبائل العرب في رواية عطا عن ابن عباس و إلى هذا ذهب قوم فقالوا الشعوب من العجم و القبائل من العرب و الأسباط من بني إسرائيل و روي ذلك عن الصادق (عليه السلام) « لتعارفوا » أي جعلناكم كذلك لتعارفوا فيعرف بعضكم بعضا بنسبه و أبيه و قومه و لو لا ذلك لفسدت المعاملات و خربت الدنيا و لما أمكن نقل حديث « إن أكرمكم عند الله أتقاكم » أي إن أكثركم ثوابا و أرفعكم منزلة عند الله أتقاكم لمعاصيه و أعملكم بطاعته و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال يقول الله تعالى يوم القيامة أمرتكم فضيعتم ما عهدت إليكم فيه و رفعتم أنسابكم فاليوم أرفع نسبي و أضع أنسابكم أين المتقون « إن أكرمكم عند الله أتقاكم » و روي أن رجلا سأل عيسى بن مريم أي الناس أفضل فأخذ قبضتين من تراب فقال أي هاتين أفضل الناس خلقوا من تراب فأكرمهم أتقاهم أبو بكر البيهقي بالإسناد عن عباية بن ربعي عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الله عز و جل جعل الخلق قسمين فجعلني في خيرهم قسما و ذلك قوله « و أصحاب اليمين » و « أصحاب الشمال » فأنا من أصحاب اليمين و أنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا و ذلك قوله « فأصحاب الميمنة » و « أصحاب المشأمة » و « السابقون السابقون » فأنا من السابقين و أنا خير السابقين ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة و ذلك قوله « و جعلناكم شعوبا و قبائل » الآية فإني أتقي ولد آدم و لا فخر و أكرمهم على الله و لا فخر ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا و ذلك قوله عز و جل « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا » فأنا و أهل بيتي مطهرون من الذنوب « إن الله عليم » بأعمالكم « خبير » بأحوالكم لا يخفى عليه شيء من ذلك « قالت الأعراب آمنا » و هم قوم من بني أسد أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في سنة جدية و أظهروا الإسلام و لم يكونوا مؤمنين في السر إنما كانوا يطلبون الصدقة و المعنى أنهم قالوا صدقنا بما جئت به فأمره الله سبحانه أن يخبرهم بذلك ليكون آية معجزة له فقال « قل لم تؤمنوا » أي لم تصدقوا على الحقيقة في الباطن « و لكن قولوا أسلمنا » أي أنقدنا و استسلمنا مخافة السبي و القتل عن سعيد بن جبير و ابن زيد ثم بين سبحانه أن الإيمان محله القلب دون اللسان فقال « و لما يدخل الإيمان في قلوبكم » قال الزجاج الإسلام إظهار الخضوع و القبول لما أتى به الرسول و بذلك يحقن الدم فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد و تصديق بالقلب فذلك الإيمان و صاحبه المؤمن المسلم حقا فأما من أظهر قبول الشريعة و استسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم و باطنه غير مصدق و قد أخرج هؤلاء من الإيمان بقوله « و لما يدخل الإيمان في قلوبكم » أي لم تصدقوا بعد بما أسلمتم تعوذا من القتل فالمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر و المسلم التام الإسلام مظهر
مجمع البيان ج : 9 ص : 208
للطاعة و هو مع ذلك مؤمن بها و الذي أظهر الإسلام تعوذا من القتل غير مؤمن في الحقيقة إلا أن حكمه في الظاهر حكم المسلمين و روى أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال الإسلام علانية و الإيمان في القلب و أشار إلى صدره « و إن تطيعوا الله و رسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا » أي لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا عن ابن عباس و مقاتل « إن الله غفور رحيم » .
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَ جَهَدُوا بِأَمْوَلِهِمْ وَ أَنفُسِهِمْ فى سبِيلِ اللَّهِ أُولَئك هُمُ الصدِقُونَ(15) قُلْ أَ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ وَ اللَّهُ بِكلِّ شىْء عَلِيمٌ(16) يَمُنُّونَ عَلَيْك أَنْ أَسلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلىَّ إِسلَمَكم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكمْ أَنْ هَدَاشْ لِلايمَنِ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ(17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْب السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ اللَّهُ بَصِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ(18)

القراءة

قرأ ابن كثير يعملون بالياء و الباقون بالتاء .


الحجة


وجه التاء أن قبله خطابا و هو قوله « لا تمنوا » و وجه الياء أن قبله غيبة و هو قوله « إنما المؤمنون الذين آمنوا » .

الإعراب


خبر المبتدأ الذي هو المؤمنون قوله « أولئك هم الصادقون » و قوله « الذين آمنوا » صفة لهم .

المعنى

ثم نعت سبحانه الصادقين في إيمانهم فقال « إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا » أي لم يشكوا في دينهم بعد الإيمان « و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون » في أقوالهم دون من يقول بلسانه ما ليس في قلبه قالوا فلما نزلت الآيتان أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يحلفون أنهم مؤمنون صادقون في دعواهم الإيمان فأنزل الله سبحانه « قل أ تعلمون الله بدينكم » أي أ تخبرون الله بالدين الذي أنتم
مجمع البيان ج : 9 ص : 209

عليه و المعنى أنه سبحانه عالم بذلك فلا يحتاج إلى إخباركم به و هذا استفهام إنكار و توبيخ أي كيف تعلمون الله بدينكم « و الله يعلم ما في السماوات و ما في الأرض و الله بكل شيء عليم » لأن العالم لنفسه يعلم المعلومات كلها بنفسه فلا يحتاج إلى علم يعلم به و لا إلى من يعلمه كما أنه إذا كان قديما موجودا في الأزل لنفسه استغنى عن موجد أوجده و كانوا يقولون آمنا بك من غير قتال و قاتلك بنو فلان فقال سبحانه « يمنون عليك أن أسلموا » أي بأن أسلموا و المعنى أنهم يمنون عليك بالإسلام « قل لا تمنوا علي إسلامكم » أي بإسلامكم « بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان » أي بأن هداكم للإيمان و أرشدكم إليه بأن نصب لكم من الأدلة عليه و أزاح عللكم و وفقكم له « إن كنتم صادقين » في ادعائكم الإيمان « إن الله يعلم غيب السماوات و الأرض و الله بصير بما تعملون » من طاعة و معصية و إيمان و كفر .

مجمع البيان ج : 9 ص : 210
( 50 ) سورة ق مكية و آياتها خمس و أربعون ( 45 )
قال الحسن غير قوله « و لقد خلقنا السماوات و الأرض » إلى قوله « و قبل الغروب » و المعدل عن ابن عباس « و لقد خلقنا السماوات و الأرض » الآية و هي خمس و أربعون آية بالإجماع .


فضلها


أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة ق هون الله عليه تارات الموت و سكراته . أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال و من أدمن في فرائضه و نوافله سورة ق وسع الله في رزقه و أعطاه كتابه بيمينه و حاسبه حسابا يسيرا .

تفسيرها

لما ختم الله تلك السورة بذكر الإيمان و شرائطه للعبيد افتتح هذه السورة بذكر ما يجب الإيمان به من القرآن و أدلة التوحيد فقال : .
سورة ق
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ق وَ الْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ(1) بَلْ عجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَفِرُونَ هَذَا شىْءٌ عجِيبٌ(2) أَ ءِذَا مِتْنَا وَ كُنَّا تُرَاباً ذَلِك رَجْعُ بَعِيدٌ(3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُص الأَرْض مِنهُمْ وَ عِندَنَا كِتَبٌ حَفِيظ(4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فى أَمْر مَّرِيج(5)
و لم يعد « ق » آية و لا نظير له من نون و صاد لأنه مفرد و كل مفرد فإنه لا يعد لبعده من شبه
مجمع البيان ج : 9 ص : 211
الجملة فأما المركب مما أشبه الجملة و وافق رءوس الآي فإنه يعد مثل طه و حم و الم و ما أشبه ذلك .

اللغة

المجيد الكريم المعظم و العظيم المكرم و المجد في كلامهم الشرف الواسع يقال مجد الرجل و مجد مجدا إذا عظم و كرم و أصله من قولهم مجدت الإبل مجودا إذا عظمت بطونها من كثرة أكلها من كلاء الربيع و أمجد فلان القوم قرى قال :
أتيناه زوارا فأمجدنا قرى
من البث و الداء الدخيل المخامر و العجيب و العجب هو كل ما لا يعرف علته و لا سببه و المريج المختلط الملتبس و أصله إرسال الشيء مع غيره من المرج قال الشاعر :
فجالت فالتمست به حشاها
فخر كأنه غصن مريج أي قد التبس بكثرة شعبه و مرجت عهودهم و أمرجوها أي خلطوها و لم يفوا بها .

الإعراب


جواب القسم في « ق و القرآن المجيد » محذوف يدل عليه أ إذا متنا و كنا ترابا و تقديره إنكم مبعوثون فقال أ نبعث إذا متنا و كنا ترابا و يجوز أن يكون الجواب « قد علمنا ما تنقص الأرض منهم » و حذفت اللام لأن ما قبلها عوض منها كما قال و الشمس و ضحاها إلى قوله « قد أفلح من زكاها » و المعنى لقد أفلح و العامل في « أ إذا متنا » مضمر و التقدير أ إذا متنا بعثنا .

المعنى


« ق » قد مر تفسيره و قيل إنه اسم من أسماء الله تعالى عن ابن عباس و قيل هو اسم الجبل المحيط بالأرض من زمردة خضراء خضرة السماء منها عن الضحاك و عكرمة و قيل معناه قضي الأمر أو قضي ما هو كائن كما قيل في حم حم الأمر « و القرآن المجيد » أي الكريم على الله العظيم في نفسه الكثير الخير و النفع لتبعثن يوم القيامة و قيل تقديره و القرآن المجيد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بدلالة قوله « بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم » أي ما كذبك قومك لأنك كاذب بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم و حسبوا أنه لا يوحى إلا إلى ملك « فقال الكافرون هذا شيء عجيب » أي معجب عجبوا من كون محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) رسولا إليهم فأنكروا رسالته و أنكروا البعث بعد الموت و هو قوله « أ إذا متنا و كنا ترابا »
مجمع البيان ج : 9 ص : 212
أ نبعث و نرد أحياء « ذلك » أي ذلك الرد الذي يقولون « رجع بعيد » أي رد بعيد عن الأوهام و إعادة بعيدة عن الكون و المعنى أنه لا يكون ذلك لأنه غير ممكن ثم قال سبحانه « قد علمنا ما تنقص الأرض منهم » أي ما تأكل الأرض من لحومهم و دمائهم و تبليه من عظامهم فلا يتعذر علينا ردهم « و عندنا كتاب حفيظ » أي حافظ لعدتهم و أسمائهم و هو اللوح المحفوظ لا يشذ عنه شيء و قيل حفيظ أي محفوظ عن البلى و الدروس و هو كتاب الحفظة الذين يكتبون أعمالهم ثم أخبر سبحانه بتكذيبهم فقال « بل كذبوا بالحق لما جاءهم » و الحق القرآن و قيل هو الرسول « فهم في أمر مريج » أي مختلط فمرة قالوا مجنون و تارة قالوا ساحر و تارة قالوا شاعر فتحيروا في أمرهم لجهلهم بحاله و لم يثبتوا على شيء واحد و قالوا للقرآن أنه سحر مرة و زجر مرة و مفترى مرة فكان أمرهم ملتبسا عليهم قال الحسن ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم .
أَ فَلَمْ يَنظرُوا إِلى السمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْف بَنَيْنَهَا وَ زَيَّنَّهَا وَ مَا لهََا مِن فُرُوج(6) وَ الأَرْض مَدَدْنَهَا وَ أَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَسىَ وَ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كلِّ زَوْج بَهِيج(7) تَبْصِرَةً وَ ذِكْرَى لِكلِّ عَبْد مُّنِيب(8) وَ نَزَّلْنَا مِنَ السمَاءِ مَاءً مُّبَرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّت وَ حَب الحَْصِيدِ(9) وَ النَّخْلَ بَاسِقَت لهََّا طلْعٌ نَّضِيدٌ(10) رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَ أَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِك الخُْرُوجُ(11)

اللغة

الفروج الشقوق و الصدوع و في الحائط فرجة بضم الفاء فإذا قيل فرجة بفتح الفاء فهو التفصي من الهم قال :
ربما تكره النفوس من الأمر
له فرجة كحل العقال أي رب شيء تكرهه النفوس و ما هاهنا نكرة موصوفة و الفرج موضع المخافة و في عهد الحجاج أني وليتك الفرجين يعني خراسان و سجستان و الحصيد ما حصد من أنواع النبات
مجمع البيان ج : 9 ص : 213

و الباسقات الطوال و بسق النخل بسوقا و الطلع طلع النخلة سمي بذلك لطلوعه و النضيد ما نضد بعضه على بعض .

الإعراب


كيف يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال و يجوز أن يكون مصدرا « و ما لها من فروج » في موضع نصب على الحال تقديره غير مفروجة و الأرض منصوبة بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر و تقديره و مددنا الأرض مددناها تبصرة مفعول له و كذلك ذكرى و « حب الحصيد » تقديره و حب النبات الحصيد و الحصيد صفة لموصوف محذوف و باسقات نصب على الحال و كذلك الجملة التي هي « لها طلع نضيد » حال بعد حال و « رزقا للعباد » مفعول له أي أنبتنا هذه الأشياء لرزق العباد و يجوز أن يكون مفعولا مطلقا أعني المصدر و تقديره رزقناهم رزقا .

المعنى

ثم أقام سبحانه الدلالة على كونه قادرا على البعث فقال « أ فلم ينظروا إلى السماء فوقهم » أي أ لم يتفكروا في بناء السماء مع عظمها و حسن ترتيبها و انتظامها « كيف بنيناها » بغير علاقة و لا عماد « و زيناها » بالكواكب السيارة و النجوم الثوابت « و ما لها من فروج » أي شقوق و فتوق و قيل معناه ليس فيها تفاوت و اختلاف عن الكسائي و إنما قال فوقهم بنيناها على أنهم يرونها و يشاهدونها ثم لا يتفكرون فيها « و الأرض مددناها » أي بسطناها « و ألقينا فيها رواسي » أي جبالا رواسخ تمسكها عن الميدان « و أنبتنا فيها من كل زوج بهيج » أي من كل صنف حسن المنظر عن ابن زيد و البهجة الحسن الذي له روعة عند الرؤية كالزهرة و الأشجار النضرة و الرياض الخضرة و قال الأخفش البهيج الذي من رآه بهج به أي سر به فهو بمعنى المبهوج به « تبصرة و ذكرى » أي فعلنا ذلك تبصيرا ليبصر به أمر الدين و تذكيرا و تذكرا « لكل عبد منيب » راجع إلى الله تعالى « و نزلنا من السماء ماء مباركا » أي مطرا و غيثا يعظم النفع به « فأنبتنا به » أي بالماء « جنات » أي بساتين فيها أشجار تشتمل على أنواع الفواكه المستلذة « و حب الحصيد » أي حب البر و الشعير و كل ما يحصد عن قتادة لأن من شأنه أن يحصد إذا تكامل و استحصد و الحب هو الحصيد فهو مثل حق اليقين و مسجد الجامع و نحوهما « و النخل باسقات » أي و أنبتنا به النخل طويلات عاليات « لها طلع نضيد » أي لهذه النخل الموصوفة بالعلو طلع نضد بعضه على بعض عن مجاهد و قتادة و الطلع الكفري و هو أول ما يظهر من ثمر النخل قبل أن ينشق و هو نضيد في أكمامه فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد « رزقا للعباد » أي أنبتنا هذه الأشياء للرزق و كل رزق فهو من الله تعالى بأن يكون قد فعله أو فعل سببه لأنه مما يريده و قد يرزق الواحد منا
مجمع البيان ج : 9 ص : 214

غيره كما يقال رزق السلطان جنده « و أحيينا به » أي بذلك الماء الذي أنزلناه من السماء « بلدة ميتا » أي جدبا و قحطا لا تنبت شيئا فنبت و عاشت ثم قال « كذلك الخروج » من القبور أي مثل ما أحيينا هذه الأرض الميتة بالماء نحيي الموتى يوم القيامة فيخرجون من قبورهم فإن من قدر على أحدهما قدر على الآخر و إنما دخلت الشبهة على هؤلاء من حيث أنهم رأوا العادة مستمرة في إحياء الموات من الأرض بنزول المطر و لم تجر العادة بإحياء الموتى من البشر و لو أنعموا الفكر و أمعنوا النظر لعلموا أن من قدر على أحد الأمرين قدر على الآخر .
كَذَّبَت قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَ أَصحَب الرَّس وَ ثَمُودُ(12) وَ عَادٌ وَ فِرْعَوْنُ وَ إِخْوَنُ لُوط(13) وَ أَصحَب الأَيْكَةِ وَ قَوْمُ تُبَّع كلُّ كَذَّب الرُّسلَ فحَقَّ وَعِيدِ(14) أَ فَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فى لَبْس مِّنْ خَلْق جَدِيد(15) وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الانسنَ وَ نَعْلَمُ مَا تُوَسوِس بِهِ نَفْسهُ وَ نحْنُ أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ(16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشمَالِ قَعِيدٌ(17) مَّا يَلْفِظ مِن قَوْل إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(18) وَ جَاءَت سكْرَةُ الْمَوْتِ بِالحَْقِّ ذَلِك مَا كُنت مِنْهُ تحِيدُ(19) وَ نُفِخَ فى الصورِ ذَلِك يَوْمُ الْوَعِيدِ(20)

القراءة

في الشواذ قراءة أبي بكر عند خروج نفسه و جاءت سكرة الحق بالموت و هي قراءة سعيد بن جبير و طلحة و رواها أصحابنا عن أئمة الهدى (عليهم السلام) .

الحجة

قال ابن جني لك في الباء ضربان من التقدير إن شئت علقتها بنفس جاءت كقولك جئت بزيد أي أحضرته و إن شئت علقتها بمحذوف و جعلتها حالا أي و جاءت سكرة الحق و معها الموت كقولك خرج بثيابه أي و ثيابه عليه و مثله قوله فخرج على قومه في زينته أي و زينته عليه و كقول أبي ذؤيب :
مجمع البيان ج : 9 ص : 215


يعثرن في حد الظباة كأنما
كسيت برود بني يزيد الأذرع أي يعثرن و هن في حد الظباة و كقول الآخر :
و مستنة كاستنان الخروف
و قد قطع الحبل بالمرود أي قطعه و فيه مروده و كذلك قراءة العامة « و جاءت سكرة الموت بالحق » إن شئت علقت الباء بنفس جاءت و إن شئت علقتها بمحذوف و جاءت سكرة الموت و معها الحق .

اللغة

يقال عييت بالأمر إذا لم تعرف وجهه و تعذر ذلك عليك و أعييت إذا تعبت و كل ذلك من التعب إلا أن أحدهما في الطلب و الآخر فيما وقع الفراغ عنه و الوريد عرق في الحلق و هما وريدان في العنق عن يمين و شمال و كأنه العرق الذي يرد إليه ما ينصب من الرأس و حبل الوريد حبل العاتق و هو منفصل من الحلق إلى العاتق و الرقيب الحافظ و العتيد المعد للزوم الأمر .


المعنى

ثم ذكر سبحانه الأمم المكذبة تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تهديدا للكفار فقال « كذبت قبلهم » من الأمم الماضية « قوم نوح » فأغرقهم الله « و أصحاب الرس » و هم أصحاب البئر التي رسوا نبيهم فيها بعد أن قتلوه عن عكرمة و قيل الرس بئر قتل فيها صاحب ياسين عن الضحاك و قيل هم قوم كانوا باليمامة على آبار لهم عن قتادة و قيل هم أصحاب الأخدود و قيل كان سحق النساء في أصحاب الرس و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) « و ثمود » و هم قوم صالح « و عاد » و هم قوم هود « و فرعون و إخوان لوط » أي و كذب فرعون موسى و قوم لوط لوطا و سماهم إخوانه لكونهم من نسبه « و أصحاب الأيكة » و هم قوم شعيب « و قوم تبع » و هو تبع الحميري الذي ذكرناه عند قوله أ هم خير أم قوم تبع « كل » من هؤلاء المذكورين « كذب الرسل » المبعوثة إليهم و جحدوا نبوتهم « فحق وعيد » أي وجب عليهم عذابي الذي أوعدتهم به فإذا كان م آل الأمم الخالية إذا كذبوا الرسل الهلاك و الدمار و إنكم معاشر العرب قد سلكتم مسالكهم في التكذيب و الإنكار فحالكم كحالهم في التباب و الخسار ثم قال سبحانه جوابا لقولهم ذلك رجع بعيد « أ فعيينا بالخلق الأول » أي أ فعجزنا
مجمع البيان ج : 9 ص : 216

حين خلقناهم أولا و لم يكونوا شيئا فكيف نعجز عن بعثهم و إعادتهم و هذا تقرير لهم لأنهم اعترفوا بأن الله هو الخالق ثم أنكروا البعث و يقال لكل من عجز عن شيء عيي به ثم ذكر أنهم في شك من البعث بعد الموت فقال « بل هم في لبس من خلق جديد » أي بل هم في ضلال و شك من إعادة الخلق جديدا و اللبس منع من إدراك المعنى بما هو كالستر له و الجديد القريب الإنشاء « و لقد خلقنا الإنسان » أراد به الجنس يعني ابن آدم « و نعلم ما توسوس به نفسه » أي ما يحدث به قلبه و ما يخفي و يكن في نفسه و لا يظهره لأحد من المخلوقين « و نحن أقرب إليه » بالعلم « من حبل الوريد » و هو عرق يتفرق في البدن يخالط الإنسان في جميع أعضائه و قيل هو عرق الحلق عن ابن عباس و مجاهد و قيل هو عرق متعلق بالقلب يعني نحن أقرب إليه من قلبه عن الحسن و قيل معناه نحن أعلم به ممن كان منه بمنزلة حبل الوريد في القرب و قيل معناه نحن أملك له من حبل وريده مع استيلائه عليه و قربه منه و قيل معناه نحن أقرب إليه بالإدراك من حبل الوريد لو كان مدركا ثم ذكر سبحانه أنه مع علمه به وكل به ملكين يحفظان عليه عمله إلزاما للحجة فقال « إذ يتلقى المتلقيان » فإذ متعلقة بقوله و نحن أقرب إليه أي و نحن أعلم به و أملك له حين يتلقى المتلقيان و هما الملكان يأخذان منه عمله فيكتبانه كما يكتب المملى عليه « عن اليمين و عن الشمال قعيد » أراد عن اليمين قعيد و عن الشمال قعيد فاكتفى بأحدهما عن الآخر و المراد بالقعيد هنا الملازم الذي لا يبرح لا القاعد الذي هو ضد القائم و قيل عن اليمين كاتب الحسنات و عن الشمال كاتب السيئات عن الحسن و مجاهد و قيل الحفظة أربعة ملكان بالنهار و ملكان بالليل عن الحسن « ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد » أي ما يتكلم بكلام فيلفظه أي يرميه من فيه إلا لديه حافظ حاضر معه يعني الملك الموكل به إما صاحب اليمين و إما صاحب الشمال يحفظ عمله لا يغيب عنه و الهاء في لديه تعود إلى القول أو إلى القائل و عن أبي أمامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطىء أو المسيء فإن ندم و استغفر الله منها ألقاها و إلا كتب واحدة و في رواية أخرى قال صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين بعشر أمثالها و إذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين أمسك فيمسك عنه سبع ساعات فإن استغفر الله منها لم يكتب عليه شيء و إن لم يستغفر الله كتب له سيئة واحدة و عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الله تعالى وكل بعبده ملكين يكتبان عليه فإذا مات قالا يا رب قد قبضت عبدك فلانا فإلى أين قال سمائي مملوءة بملائكتي يعبدونني و أرضي مملوءة من خلقي يطيعونني اذهبا إلى قبر عبدي فسبحاني و كبراني و هللاني فاكتبا ذلك في حسنات عبدي إلى يوم القيامة « و جاءت
مجمع البيان ج : 9 ص : 217

سكرة الموت بالحق » أي جاءت غمرة الموت و شدته التي تغشى الإنسان و تغلب على عقله بالحق أي أمر الآخرة حتى عرفه صاحبه و اضطر إليه و قيل معناه جاءت سكرة الموت بالحق الذي هو الموت قال مقاتل يعني أنه حق كائن و المراد أن هذه السكرة قد قربت منكم فاستعدوا لها فهي لقربها كالحاصلة مثل قوله تعالى أتى أمر الله و روي أن عائشة قالت عند وفاة أبي بكر :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما و ضاق بها الصدر فقال أبو بكر لا تقولي ذلك و لكنه كما قال الله تعالى « و جاءت سكرة الموت بالحق » و يقال لمن جاءته سكرة الموت « ذلك » أي ذلك الموت « ما كنت منه تحيد » أي تهرب و تميل « و نفخ في الصور » قد مر تفسيره « ذلك يوم الوعيد » أي ذلك اليوم يوم وقوع الوعيد الذي خوف الله به عباده ليستعدوا و يقدموا العمل الصالح له .

مجمع البيان ج : 9 ص : 218
وَ جَاءَت كلُّ نَفْس مَّعَهَا سائقٌ وَ شهِيدٌ(21) لَّقَدْ كُنت فى غَفْلَة مِّنْ هَذَا فَكَشفْنَا عَنك غِطاءَك فَبَصرُك الْيَوْمَ حَدِيدٌ(22) وَ قَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَى عَتِيدٌ(23) أَلْقِيَا فى جَهَنَّمَ كلَّ كفَّار عَنِيد(24) مَّنَّاع لِّلْخَيرِ مُعْتَد مُّرِيب(25) الَّذِى جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فى الْعَذَابِ الشدِيدِ(26) * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطغَيْتُهُ وَ لَكِن كانَ فى ضلَلِ بَعِيد(27) قَالَ لا تخْتَصِمُوا لَدَى وَ قَدْ قَدَّمْت إِلَيْكم بِالْوَعِيدِ(28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَى وَ مَا أَنَا بِظلَّم لِّلْعَبِيدِ(29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيد(30)

القراءة

قرأ نافع و أبو بكر يوم يقول بالياء و الباقون بالنون .

الحجة

الياء على معنى يقول الله تعالى و النون أشبه بقوله « قد قدمت إليكم بالوعيد » و قوله « و ما أنا بظلام للعبيد » .

اللغة

السوق الحث على السير و الحديد الحاد مثل الحفيظ و الحافظ و العنيد الجائر عن القصد و هو العنود و العاند و ناقة عنود لا تستقيم في سيرها و العنيد المتحير منه .

الإعراب


« هذا ما لدي عتيد » ما هاهنا نكرة موصوفة و تقديره هذا شيء ثابت لدي عتيد فالظرف صفة لما و كذلك عتيد .
جهنم لا ينصرف للتعريف و التأنيث و أصله من قولهم بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر و قيل هو أعجمي فلا ينصرف للتعريف و العجمة و قوله « ألقيا في جهنم » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن العرب تأمر الواحد و القوم بما يؤمر به الاثنان يقول للرجل الواحد قوما و اخرجا و يحكى عن الحجاج أنه كان يقول يا حرسي اضربا عنقه يريد اضرب قال الفراء سمعت من العرب من يقول ويلك ارحلاها و أنشدني بعضهم :
فقلت لصاحبي لا تحبسانا
بنزع أصوله و اجتز شيحا و أنشدني أبو ثروان :
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر
و إن تدعاني أحم عرضا ممنعا قال و ترى أن ذلك منهم لأجل أن أدنى أعوان الرجل في إبله و غنمه اثنان و كذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة فجرى كلام الواحد على صاحبيه أ لا ترى أن الشعراء أكثر شيء قيلا يا صاحبي و يا خليلي قال امرؤ القيس :
خليلي مرا بي على أم جندب
لنقضي حاجات الفؤاد المعذب
فإنكما إن تنظراني ليلة
من الدهر تنفعني لدى أم جندب ثم قال :
أ لم تر أني كلما جئت طارقا
وجدت بها طيبا و إن لم تطيب
مجمع البيان ج : 9 ص : 219
فرجع إلى الواحد لأن أول الكلام واحد في لفظ الاثنين و أنشد أيضا :
خليلي قوما في عطالة فانظرا
أ نارا ترى من نحو ما بين أم برقا و لم يقل تريا ( و الثاني ) أنه إنما ثني ليدل على التكثير كأنه قال ألق ألق فثني الضمير ليدل على تكرير الفعل و هذا لشدة ارتباط الفاعل بالفعل حتى إذا كرر أحدهما فكأن الثاني كرر و هذا قول المازني و مثله عنده قال رب ارجعون إنما جمع ليدل على التكرير كأنه قال ارجعني ارجعني ارجعني و حمل عليه قول امرىء القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل و نحو ذلك أي كأنه قال قف قف ( و الثالث ) أن الأمر تناول السائق و الشهيد فكأنه قال يا أيها السائق و يا أيها الشهيد ألقيا ( و الرابع ) أنه يريد النون الخفيفة فكان ألقين فأجرى الوصل مجرى الوقف فأبدل من النون ألفا كما قال الأعشى :
و ذا النسك المنصوب لا تنسكنه
و لا تعبد الشيطان و الله فاعبدا و يؤيد هذا القول ما روي عن الحسن أنه قرأ ألقيا بالتنوين .
« الذي جعل مع الله إلها آخر » إن كان مبتدأ فخبره قوله « فألقياه » و يجوز أن يكون نصبا بمضمر يفسره فألقياه و يجوز أن يكون نصبا بدلا من قوله « كل كفار » و لا يجوز أن يكون جرا صفة لكفار لأن النكرة لا توصف بالموصول إنما الموصول وصلة إلى وصف المعارف بالجمل .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن حال الناس بعد البعث فقال « و جاءت كل نفس معها سائق و شهيد » أي و تجيء كل نفس من المكلفين في يوم الوعيد و معها سائق من الملائكة يسوقها أي يحثها على السير إلى الحساب و شهيد من الملائكة يشهد عليها بما يعلم من حالها و شاهده منها و كتبه عليها فلا يجد إلى الهرب و لا إلى الجحود سبيلا و قيل السائق من الملائكة و الشهيد الجوارح تشهد عليها عن الضحاك « لقد كنت في غفلة » أي يقال له لقد كنت في سهو و نسيان « من هذا » اليوم في الدنيا و الغفلة ذهاب المعنى عن النفس « فكشفنا عنك غطاءك » الذي كان في الدنيا يغشي قلبك و سمعك و بصرك حتى ظهر لك الأمر و إنما تظهر الأمور في الآخرة بما يخلق الله تعالى من العلوم الضرورية فيهم فيصير بمنزلة كشف الغطاء لما يرى و إنما يراد به جميع المكلفين برهم و فاجرهم لأن معارف الجميع ضرورية
 

Back Index Next