جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج9 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


يحضرونه هم و حضر و احتضر بمعنى واحد و إنما قال قسمة بينهم تغليبا لمن

مجمع البيان ج : 9 ص : 290
يعقل و المعنى يوم لهم و يوم لها و قيل إنهم كانوا يحضرون الماء إذا غابت الناقة و يشربونه و إذا حضرت حضروا اللبن و تركوا الماء لها عن مجاهد « فنادوا صاحبهم » أي دبروا في أمر الناقة بالقتل فدعوا واحدا من أشرارهم و هو قدار بن سالف عاقر الناقة « فتعاطى فعقر » أي تناول الناقة بالعقر فعقرها و قيل أنه كمن لها في أصل صخرة فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها و كان يقال له أحمر ثمود و أحيمر ثمود قال الزجاج و العرب تغلط فتجعله أحمر عاد فتضرب به المثل في الشؤم قال زهير :
و تنتج لكم غلمان أشأم كلهم
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم « فكيف كان عذابي و نذر » أي فانظر كيف أهلكتهم و كيف كان عذابي لهم و إنذاري إياهم « إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة » يريد صيحة جبرائيل (عليه السلام) عن عطاء و قيل الصيحة العذاب « فكانوا كهشيم المحتظر » أي فصاروا كهشيم و هو حطام الشجر المنقطع بالكسر و الرض الذي يجمعه صاحب الحظيرة الذي يتخذ لغنمه حظيرة تمنعها من برد الريح و المعنى أنهم بادوا و هلكوا فصاروا كيبيس الشجر المفتت إذا تحطم عن ابن عباس و قيل معناه صاروا كالتراب الذي يتناثر من الحائط فتصيبه الرياح فيتحظر مستديرا عن سعيد بن جبير .

مجمع البيان ج : 9 ص : 291
وَ لَقَدْ يَسرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر(32) كَذَّبَت قَوْمُ لُوطِ بِالنُّذُرِ(33) إِنَّا أَرْسلْنَا عَلَيهِمْ حَاصِباً إِلا ءَالَ لُوط نجَّيْنَهُم بِسحَر(34) نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِك نجْزِى مَن شكَرَ(35) وَ لَقَدْ أَنذَرَهُم بَطشتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ(36) وَ لَقَدْ رَوَدُوهُ عَن ضيْفِهِ فَطمَسنَا أَعْيُنهُمْ فَذُوقُوا عَذَابى وَ نُذُرِ(37) وَ لَقَدْ صبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّستَقِرُّ(38) فَذُوقُوا عَذَابى وَ نُذُرِ(39) وَ لَقَدْ يَسرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر(40) وَ لَقَدْ جَاءَ ءَالَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ(41) كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا كلِّهَا فَأَخَذْنَهُمْ أَخْذَ عَزِيز مُّقْتَدِر(42)

الإعراب


سحر إذا كان نكرة يراد به سحر من الأسحار يقال رأيت زيدا سحرا من الأسحار فإذا أردت سحر يومك قلت أتيته بسحر و أتيته سحر و قوله « نعمة » مفعول له و قوله « بكرة » ظرف زمان فإذا كان معرفة بأن تريد بكرة يومك تقول أتيته بكرة و غدوة لم تصرفهما فبكرة هنا نكرة .

المعنى

ثم أقسم سبحانه فقال « و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر » قال قتادة أي فهل من طالب علم يتعلم « كذبت قوم لوط بالنذر » أي بالإنذار و قيل بالرسل على ما فسرناه « إنا أرسلنا عليهم حاصبا » أي ريحا حصبتهم أي رمتهم بالحجارة و الحصباء قال ابن عباس يريد ما حصبوا به من السماء من الحجارة في الريح قال الفرزدق :
مستقبلين شمال الشام تضربنا
بحاصب كنديف القطن منثور ثم استثنى آل لوط فقال « إلا آل لوط نجيناهم » أي خلصناهم « بسحر » من ذلك العذاب الذي أصاب قومه « نعمة من عندنا » أي إنعاما فيكون مفعولا له و يجوز أن يكون مصدرا و تقديره أنعمنا عليهم بذلك نعمة « كذلك » أي كما أنعمنا عليهم « نجزي من شكر » قال مقاتل يريد من وحد الله تعالى لم يعذب مع المشركين « و لقد أنذرهم » لوط « بطشتنا » أي أخذنا إياهم بالعذاب « فتماروا بالنذر » أي تدافعوا بالإنذار على وجه الجدال بالباطل و قيل معناه فشكوا و لم يصدقوه و قالوا كيف يهلكنا و هو واحد منا و هو تفاعلوا من المرية « و لقد راودوه عن ضيفه » أي طلبوا منه أن يسلم إليهم أضيافه « فطمسنا أعينهم » أي محوناها و المعنى عميت أبصارهم عن الحسن و قتادة و قيل معناه أزلنا تخطيط وجوههم حتى صارت ممسوحة لا يرى أثر عين و ذلك أن جبرائيل (عليه السلام) صفق أعينهم بجناحه صفقة فأذهبها و القصة مذكورة فيما مضى و تم الكلام ثم قال « فذوقوا عذابي و نذر » أي فقلنا لقوم لوط لما أرسلنا عليهم العذاب ذوقوا عذابي و نذري « و لقد صبحهم بكرة عذاب مستقر » أي أتاهم صباحا عذاب نازل بهم حتى هلكوا جميعا « فذوقوا عذابي و نذر » و وجه التكرار أن الأول عند الطمس و الثاني عند الائتفاك فكلما تجدد العذاب تجدد
مجمع البيان ج : 9 ص : 292
التقريع « و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر » مر معناه « و لقد جاء آل فرعون » النذر أي متابعي فرعون بالقرابة و الدين « النذر » أي الإنذار و قيل هو جمع نذير يعني الآيات التي أنذرهم بها موسى « كذبوا ب آياتنا كلها » و هي الآيات التسع التي جاءهم بها موسى و قيل بجميع الآيات لأن التكذيب بالبعض تكذيب بالكل « فأخذناهم » بالعذاب « أخذ عزيز » أي قادر لا يمتنع عليه شيء فيما يريد « مقتدر » على ما يشاء .
أَ كُفَّارُكمْ خَيرٌ مِّنْ أُولَئكمْ أَمْ لَكم بَرَاءَةٌ فى الزُّبُرِ(43) أَمْ يَقُولُونَ نحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ(44) سيهْزَمُ الجَْمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ(45) بَلِ الساعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَ الساعَةُ أَدْهَى وَ أَمَرُّ(46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فى ضلَل وَ سعُر(47) يَوْمَ يُسحَبُونَ فى النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَس سقَرَ(48) إِنَّا كلَّ شىْء خَلَقْنَهُ بِقَدَر(49) وَ مَا أَمْرُنَا إِلا وَحِدَةٌ كلَمْح بِالْبَصرِ(50) وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكر(51) وَ كلُّ شىْء فَعَلُوهُ فى الزُّبُرِ(52) وَ كلُّ صغِير وَ كَبِير مُّستَطرٌ(53) إِنَّ المُْتَّقِينَ فى جَنَّت وَ نهَر(54) فى مَقْعَدِ صِدْق عِندَ مَلِيك مُّقْتَدِرِ(55)

القراءة

قرأ يعقوب عن رويس سنهزم الجمع و الباقون « سيهزم الجمع » و في الشواذ قراءة أبي السماك إنا كل شيء بالرفع و قراءة زهير و القرقني و الأعمش و نهر بضمتين .

الحجة

قال ابن جني الرفع في قوله « إنا كل شيء خلقناه » أقوى من النصب و إن كانت الجماعة على النصب و ذلك أنه من مواضع الابتداء فهو كقولك زيد ضربته و هو مذهب
مجمع البيان ج : 9 ص : 293

صاحب الكتاب لأنها جملة وقعت في الأصل خبرا عن المبتدأ في قولك نحن كل شيء خلقناه بقدر فهو كقولك زيد هند ضربها ثم دخلت أن فنصبت الاسم و بقي الخبر على تركيبه الذي كان عليه و اختيار محمد بن يزيد النصب لأن تقديره إنا فعلنا كذا قال و الفعل منتظر بعد إنا فلما دل عليه ما قبله حسن إضماره قال ابن جني و هذا ليس بشيء لأن الأصل في خبر المبتدأ أن يكون اسما لا فعلا جزاء منفردا فما معنى توقع الفعل هنا و خبر إن و أخواتها كإخبار المبتدأ و قوله نهر جمع نهر فيكون كأسد و أسد و وثن و وثن و يجوز أن يكون جمع نهر كسقف و سقف و رهن و رهن .

المعنى

ثم خوف سبحانه كفار مكة فقال « أ كفاركم خير » و أشد و أقوى « من أولئكم » الذين ذكرناهم و قد أهلكناهم و هذا استفهام إنكار أي لستم أفضل من قوم نوح و عاد و ثمود لا في القوة و لا في الثروة و لا في كثرة العدد و العدة و المراد بالخير ما يتعلق بأسباب الدنيا لا أسباب الدين و المعنى أنه إذا هلك أولئك الكفار فما الذي يؤمنكم أن ينزل بكم ما نزل بهم « أم لكم براءة في الزبر » أي أ لكم براءة من العذاب في الكتب السالفة أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية « أم يقولون نحن جميع منتصر » أي أم يقول هؤلاء الكفار نحن جميع أمرنا ننتصر من أعدائنا عن الكلبي و المعنى أنهم يقولون نحن يد واحدة على من خالفنا ننتصر ممن عادانا فيدلون بقوتهم و اجتماعهم و وحد منتصر للفظ الجميع فإنه واحد في اللفظ و إن كان اسما للجماعة كالرهط و الجيش أي كما أنهم ليسوا بخير من أولئك و لا لهم براءة فكذلك لا جمع لهم يمنع عنهم عذاب الله و ينصرهم و إن قالوا نحن مجتمعون متناصرون فلا نرام و لا نقصد و لا يطمع أحد في غلبتنا ثم قال سبحانه « سيهزم الجمع » أي جمع كفار مكة « و يولون الدبر » أي ينهزمون فيولونكم أدبارهم في الهزيمة ثم أخبر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه سيظهره عليهم و يهزمهم فكانت هذه الهزيمة يوم بدر فكان موافقة الخبر للمخبر من معجزاته ثم قال سبحانه « بل الساعة موعدهم » أي إن موعد الجميع للعذاب يوم القيامة « و الساعة أدهى و أمر » فالأدهى الأعظم في الدهاء و الدهاء عظم سبب الضرر مع شدة انزعاج النفس و هو من الداهية أي البلية التي ليس في إزالتها حيلة و المعنى أن ما يجري عليهم من القتل و الأسر يوم بدر و غيره لا يخلصهم من عقاب الآخرة بل عذاب الآخرة أعظم في الضرر و أقطع و أمر أي أشد مرارة من القتل و الأسر في الدنيا و قيل الأمر الأشد في استمرار البلاء لأن أصل المر النفوذ ثم بين سبحانه حال القيامة فقال « إن المجرمين في ضلال و سعر » أي في ذهاب
مجمع البيان ج : 9 ص : 294
عن وجه النجاة و طريق الجنة في نار مسعرة عن الجبائي و قيل في ضلال أي في هلاك و ذهاب عن الحق و سعر أي عناء و عذاب « يوم يسحبون » أي يجرون « في النار على وجوههم » يعني أن هذا العذاب يكون لهم في يوم يجرهم الملائكة فيه على وجوههم في النار و يقال لهم « ذوقوا مس سقر » يعني أصابتها إياهم بعذابها و حرها و هو كقولهم وجدت مس الحمى و سقر جهنم و قيل هي باب من أبوابها و أصل السقر التلويح يقال سقرته الشمس و صقرته إذا لوحته و إنما لم ينصرف للتعريف و التأنيث « إنا كل شيء خلقناه بقدر » أي خلقنا كل شيء خلقناه مقدرا بمقدار توجبه الحكمة لم نخلقه جزافا و لا تخبيتا فخلقنا العذاب أيضا على قدر الاستحقاق و كذلك كل شيء في الدنيا و الآخرة خلقناه مقدار بمقدار معلوم عن الجبائي و قيل معناه خلقنا كل شيء على قدر معلوم فخلقنا اللسان للكلام و اليد للبطش و الرجل للمشي و العين للنظر و الأذن للسماع و المعدة للطعام و لو زاد أو نقص عما قدرناه لما تم الغرض عن الحسن و قيل معناه جعلنا لكل شيء شكلا يوافقه و يصلح له كالمرأة للرجل و الأتان للحمار و ثياب الرجال للرجال و ثياب النساء للنساء عن ابن عباس و قيل خلقنا كل شيء بقدر مقدر و قضاء محتوم في اللوح المحفوظ « و ما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر » أي و ما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلا كطرف البصر عن ابن عباس و الكلبي و معنى اللمح النظر بالعجلة و هو خطف البصر و المعنى إذا أردنا قيام الساعة أعدنا الخلق و جميع المخلوقات في قدر لمح البصر في السرعة و قيل معناه و ما أمرنا إذا أردنا أن نكون شيئا إلا مرة واحدة لم نحتج فيه إلى ثانية و إنما نقول له كن فيكون كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء و لا تأخير عن الجبائي « و لقد أهلكنا أشياعكم » أي أشباهكم و نظائركم ففي الكفر من الأمم الماضية عن الحسن و سماهم أشياعهم لما وافقوهم في الكفر و تكذيب الأنبياء « فهل من مدكر » أي فهل من متذكر لما يوجبه هذا الوعظ من الانزجار عن مثل ما سلف من أعمال الكفار لئلا يقع به ما وقع بهم من الإهلاك « و كل شيء فعلوه في الزبر » أي في الكتب التي كتبها الحفظة و هذه إشارة إلى أنهم غير مغفول عنهم عن الجبائي و قيل معناه أن جميع ذلك مكتوب عليهم في الكتاب المحفوظ لأنه من أعظم العبرة في علم ما يكون قبل أن يكون على التفصيل « و كل صغير و كبير مستطر » أي و ما قدموه من أعمالهم من صغير و كبير مكتوب عليهم عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الضحاك و قيل معناه كل صغير و كبير من الأرزاق و الآجال و الموت
مجمع البيان ج : 9 ص : 295
و الحياة و نحوها مكتوب في اللوح المحفوظ « إن المتقين في جنات و نهر » أي أنهار يعني أنهار الجنة من الماء و الخمر و العسل وضع نهر في موضع أنهار لأنه اسم جنس يقع على الكثير و القليل و الأولى أن يكون إنما وحد لوفاق الفواصل و النهر هو المجرى الواسع من مجاري الماء « في مقعد صدق » أي في مجلس حق لا لغو فيه و لا تأثيم و قيل وصفه بالصدق لكونه رفيعا مرضيا و قيل لدوام النعيم به و قيل لأن الله صدق وعد أوليائه فيه « عند مليك مقتدر » أي عند الله سبحانه فهو المالك القادر الذي لا يعجزه شيء و ليس المراد قرب المكان تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل المراد أنهم في كنفه و جواره و كفايته حيث تنالهم غواشي رحمته و فضله .

مجمع البيان ج : 9 ص : 296
( 55 ) سورة الرحمن مدنية و آياتها ثمان و سبعون ( 78 )
و قيل مكية غير آية نزلت بالمدينة « يسأله من في السماوات و الأرض » عن عطاء و قتادة و عكرمة و إحدى الروايتين عن ابن عباس و قيل مدنية عن الحسن و همام عن قتادة و أبي حاتم .

عدد آيها

ثمان و سبعون آية كوفي شامي سبع حجازي ست بصري .

اختلافها

خمس آيات « الرحمن » كوفي شامي « خلق الإنسان » الأول غير المدني « وضعها للأنام » غير المكي « المجرمون » غير البصري « شواظ من نار » حجازي .

فضلها

أبي بن كعب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأ سورة الرحمن رحم الله ضعفه و أدى شكر ما أنعم الله عليه و روي عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لكل شيء عروس و عروس القرآن سورة الرحمن جل ذكره . أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تدعوا قراءة الرحمن و القيام بها فإنها لا تقر في قلوب المنافقين و تأتي ربها يوم القيامة في صورة آدمي في أحسن صورة و أطيب ريح حتى تقف من الله موقفا لا يكون أحد أقرب إلى الله سبحانه منها فيقول لها من الذي كان يقوم بك في الحياة الدنيا و يدمن قراءتك فتقول يا رب فلان و فلان و فلان فتبيض وجوههم فيقول لهم اشفعوا فيمن أحببتم فيشفعون حتى لا يبقى لهم غاية و لا أحد يشفعون له فيقول لهم أدخلوا الجنة و اسكنوا فيها حيث شئتم . حماد بن عثمان قال قال الصادق (عليه السلام) يجب أن يقرأ الرجل سورة الرحمن يوم الجمعة فكلما قرأ « فبأي آلاء ربكما تكذبان » قال لا بشيء من آلائك يا رب أكذب و عنه (عليه السلام) قال من قرأ سورة الرحمن ليلا يقول عند كل « فبأي آلاء ربكما تكذبان » لا بشيء من آلائك يا رب أكذب وكل الله به ملكا إن قرأها في أول الليل يحفظه حتى يصبح و إن قرأها حين
مجمع البيان ج : 9 ص : 297
يصبح وكل الله به ملكا يحفظه حتى يمسي .

تفسيرها


ختم الله سبحانه سورة القمر باسمه و افتتح هذه السورة أيضا باسمه فقال : .
سورة الرحمن
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنُ(1) عَلَّمَ الْقُرْءَانَ(2) خَلَقَ الانسنَ(3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(4) الشمْس وَ الْقَمَرُ بحُسبَان(5) وَ النَّجْمُ وَ الشجَرُ يَسجُدَانِ(6) وَ السمَاءَ رَفَعَهَا وَ وَضعَ الْمِيزَانَ(7) أَلا تَطغَوْا فى الْمِيزَانِ(8) وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسطِ وَ لا تخْسِرُوا الْمِيزَانَ(9) وَ الأَرْض وَضعَهَا لِلأَنَامِ(10) فِيهَا فَكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذَات الأَكْمَامِ(11) وَ الحَْب ذُو الْعَصفِ وَ الرَّيحَانُ(12) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(13)

القراءة

قرأ ابن عامر و الحب ذا العصف و الريحان بالنصب فيهما جميعا و قرأ حمزة و الكسائي و خلف « و الحب ذو العصف » بالرفع و الريحان بالجر و الباقون بالرفع في الجميع و في الشواذ قراءة أبي السماك و السماء رفعها بالرفع و قرأ بلال بن أبي بردة و لا تخسروا بفتح التاء و السين و بكسر السين أيضا .

الحجة

قال أبو علي قال أبو عبيدة العصف الذي يعصف فيؤكل من الزرع و هي العصيفة قال علقمة بن عبدة :
تسقي مذانب قد مالت عصيفتها
حدودها من أتى الماء مطموم
مجمع البيان ج : 9 ص : 298

و الريحان الحب الذي يؤكل يقال سبحانك و ريحانك أي و رزقك قال النمر بن تغلب :
سلام الإله و ريحانة
و رحمته و سماء درر و قيل العصف و العصيفة ورق الزرع و عن قتادة العصف التبن و من قرأ و الحب ذا العصف حمله على و خلق الحب و خلق و الريحان و هو الرزق و يقوي ذلك قوله فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى و من رفع الريحان فالتقدير فيها فاكهة و الريحان و الحب ذو العصف و من جر فالتقدير فالحب ذو العصف و ذو الريحان أي من الحب الرزق فإن قلت فإن العصف و العصيفة رزق أيضا فكأنه قال ذو الرزق و ذو الرزق قيل هذا لا يمتنع لأن العصيفة رزق غير الرزق الذي أوقع الريحان عليه و كان الريحان أريد به الحب إذا خلص من لفائفه فأوقع عليه الرزق لعموم المنفعة به و أنه رزق للناس و غيرهم و يبعد أن يكون الريحان المشموم في هذا الموضع إنما هو قوت الناس و الأنعام كما قال فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا و ارعوا أنعامكم و قوله « و السماء رفعها » قال ابن جني الرفع هنا أظهر من قراءة الجماعة و ذلك أنه صرفه إلى الابتداء لأنه عطفه على الجملة المركبة من المبتدأ و الخبر و هي قوله « و النجم و الشجر يسجدان » فأما قراءة العامة بالنصب فإنها معطوفة على يسجدان وحدها و هي جملة من فعل و فاعل و العطف يقتضي التماثل في تركيب الجمل فيصير تقديره يسجدان و رفع السماء فلما أضمر رفع فسره بقوله « رفعها » كقولك قام زيد و عمرا ضربته أي و ضربت عمرا لتعطف جملة من فعل و فاعل على أخرى مثلها و أما قوله تخسروا بفتح التاء فإنه على حذف حرف الجر أي لا تخسروا في الميزان فلما حذف حرف الجر أفضى إليه الفعل فنصبه كقوله و اقعدوا لهم كل مرصد أي في كل مرصد أو على كل مرصد و أما تخسروا بفتح التاء و كسر السين فعلى خسرت الميزان و إنما المشهور أخسرته تقول خسر الميزان و أخسرته و يشبه أن يكون خسرته لغة في أخسرته نحو أجبرت الرجل و جبرته و أهلكته و هلكته .

اللغة

الرحمن هو الذي وسعت رحمته كل شيء فلذلك لا يوصف به إلا الله تعالى و أما راحم و رحيم فيجوز أن يوصف بهما العباد و البيان هو الأدلة الموصلة إلى العلم و قيل البيان إظهار المعنى للنفس بما يتميز به من غيره كتميز معنى رجل من معنى فرس و معنى قادر من معنى عاجز و معنى عام من معنى خاص و الحسبان مصدر حسبته أحسبه حسابا و حسبانا نحو السكران و الكفران و قيل هو جمع حساب كشهاب و شهبان و النجم من النبات ما
مجمع البيان ج : 9 ص : 299
لم يقم على ساق نحو العشب و البقل و الشجر ما قام على ساق و أصله الطلوع يقال نجم القرن و النبات إذا طلعا و به سمي نجم السماء لطلوعه و الأكمام جمع كم و هو وعاء ثمرة النخل تكمم في وعائه إذا اشتمل عليه و الآلاء النعم واحدها إلى على وزن معي و ألى على وزن قفا عن أبي عبيدة .

الإعراب

« الرحمن » آية مع أنه ليس بجملة لأنه في تقدير الله الرحمن حتى تصح الفاصلة فهو خبر مبتدإ محذوف نحو قوله سورة أنزلناها أي هذه سورة « ألا تطغوا » تقديره لأن لا تطغوا فهو في محل نصب بأنه مفعول له و لفظه نفي و معناه نهي و لذلك عطف عليه بقوله « و أقيموا الوزن » و قوله « فيها فاكهة » مبتدأ و خبر في موضع نصب على الحال .

المعنى

« الرحمن » افتتح سبحانه هذه السورة بهذا الاسم ليعلم العباد أن جميع ما وصفه يعد من أفعاله الحسنى إنما صدرت من الرحمة التي تشمل جميع خلقه و كأنه جواب لقولهم و ما الرحمن في قوله و إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا و ما الرحمن و قد روي أنه لما نزل قوله قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن قالوا ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة فقيل لهم « الرحمن علم القرآن » أي علم محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) القرآن و علمه محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمته عن الكلبي و قيل هو جواب لأهل مكة حين قالوا إنما يعلمه بشر فبين سبحانه أن الذي علمه القرآن هو الرحمن و التعليم هو تبيين ما به يصير من لم يعلم عالما و الإعلام إيجاد ما به يصير عالما ذكر سبحانه النعمة فيما علم من الحكمة بالقرآن الذي احتاج إليه الناس في دينهم ليؤدوا ما يجب عليهم و يستوجبوا الثواب بطاعة ربهم قال الزجاج معنى علم القرآن يسره لأن يذكر « خلق الإنسان » أي أخرجه من العدم إلى الوجود و المراد بالإنسان هنا آدم (عليه السلام) عن ابن عباس و قتادة « علمه البيان » أي أسماء كل شيء و اللغات كلها قال الصادق (عليه السلام) البيان الاسم الأعظم الذي به علم كل شيء و قيل الإنسان اسم الجنس و قيل معناه الناس جميعا .
« علمه البيان » أي النطق و الكتابة و الخط و الفهم و الأفهام حتى يعرف ما يقول و ما يقال له عن الحسن و أبي العالية و ابن زيد و السدي و هذا هو الأظهر الأعم و قيل البيان هو الكلام الذي يبين به عن مراده و به يتميز من سائر الحيوانات عن الجبائي و قيل « خلق الإنسان » يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) « علمه البيان » يعني ما كان و ما يكون عن ابن كيسان « الشمس و القمر بحسبان » أي يجريان بحسبان و منازل لا يعدوانها و هما يدلان على عدد الشهور و السنين و الأوقات عن ابن عباس و قتادة فأضمر يجريان و حذفه لدلالة الكلام عليه و تحقيق معناه أنهما يجريان على وتيرة واحدة
مجمع البيان ج : 9 ص : 300
و حساب متفق على الدوام لا يقع فيه تفاوت فالشمس تقطع بروج الفلك في ثلاثمائة و خمسة و ستين يوما و شيء و القمر في ثمانية و عشرين يوما فيجريان أبدا على هذا الوجه و إنما خصهما بالذكر لما فيهما من المنافع الكثيرة للناس من النور و الضياء و معرفة الليل و النهار و نضج الثمار إلى غير ذلك فذكرهما لبيان النعمة بهما على الخلق « و النجم و الشجر يسجدان » يعني بالنجم نبت الأرض الذي ليس له ساق و بالشجر ما كان له ساق يبقى في الشتاء عن ابن عباس و سعيد بن جبير و سفيان الثوري و قيل أراد بالنجم نجم السماء و هو موحد و المراد به جميع النجوم و الشجر يسجدان لله بكرة و عشيا كما قال في موضع آخر و الشجر و الدواب عن مجاهد و قتادة و قال أهل التحقيق إن المعنى في سجودهما هو ما فيهما من الآية الدالة على حدوثهما و على أن لهما صانعا أنشأهما و ما فيهما من الصنعة و القدرة التي توجب السجود و قيل سجودهما سجود ظلالهما كقوله يتفيؤا ظلاله عن اليمين و الشمائل سجدا لله و هم داخرون عن الضحاك و سعيد بن جبير و المعنى فيه أن كل جسم له ظل فهو يقتضي الخضوع بما فيه من دليل الحدوث و إثبات المحدث المدبر و قيل معنى سجودهما أنه سبحانه يصرفهما على ما يريده من غير امتناع فجعل ذلك خضوعا و معنى السجود الخضوع كما في قوله ( ترى الأكم فيها سجدا للحوافر ) عن الجبائي « و السماء رفعها » أي و رفع السماء رفعها فوق الأرض دل سبحانه بذلك على كمال قدرته « و وضع الميزان » يعني آلة الوزن للتوصل إلى الإنصاف و الانتصاف عن الحسن و قتادة قال قتادة هو الميزان المعهود ذو اللسانين و قيل المراد بالميزان العدل و المعنى أنه أمرنا بالعدل عن الزجاج و يدل عليه قوله « ألا تطغوا في الميزان » أي لا تتجاوزوا فيه العدل و الحق إلى البخس و الباطل تقديره فعلت ذلك لئلا تطغوا و يحتمل أيضا أن يكون لا تطغوا نهيا منفردا و تكون أن مفسرة بمعنى أي و قيل إن المراد بالميزان القرآن الذي هو أصل الدين فكأنه تعالى بين أدلة العقل و أدلة السمع و إنما أعاد سبحانه ذكر الميزان من غير إضمار ليكون الثاني قائما بنفسه في النهي عنه إذا قيل لهم لا تطغوا في الميزان « و أقيموا الوزن بالقسط » أي أقيموا لسان الميزان بالعدل إذا أردتم الأخذ و الإعطاء « و لا تخسروا الميزان » أي لا تنقصوه بالبخس و الجور بل سووه بالإنصاف و العدل قال سفيان بن عيينة الإقامة باليد و القسط بالقلب « و الأرض وضعها للأنام » لما ذكر السماء ذكر الأرض في مقابلتها أي و بسط الأرض و وطأها للناس و قيل الأنام كل شيء فيه روح عن ابن عباس و قيل الأنام الجن و الإنس عن الحسن و قيل جميع الخلق من كل ذي روح عن مجاهد و عبر عن الأرض بالوضع لما عبر عن السماء بالرفع و في ذلك بيان النعمة على الخلق و بيان وحدانية الله تعالى كما في رفع السماء « فيها فاكهة » أي في الأرض ما يتفكه به من ألوان
مجمع البيان ج : 9 ص : 301
الثمار المأخوذة من الأشجار « و النخل ذات الأكمام » أي الأوعية و الغلف و ثمر النخل يكون في غلف ما لم ينشق و قيل الأكمام ليف النخل الذي تكم فيه عن الحسن و قيل معناه ذات الطلع لأنه الذي يتغطى بالأكمام عن ابن زيد « و الحب » يريد جميع الحبوب مما يحرث في الأرض من الحنطة و الشعير و غيرهما « ذو العصف » أي ذو الورق فإذا يبس و ديس صار تبنا عن مجاهد و الجبائي و قيل العصف التبن لأن الريح تعصفه أي تطيره عن ابن عباس و قتادة و الضحاك و قيل هو بقل الزرع و هو أول ما ينبت منه عن السدي و الفراء « و الريحان » يعني الرزق في قول الأكثرين و قال الحسن و ابن زيد هو ريحانكم الذي يشم و قال الضحاك الريحان الحب المأكول و العصف الورق الذي لا يؤكل فهو رزق الدواب و الريحان رزق الناس فذكر سبحانه قوت الناس و الأنعام ثم خاطب الإنس و الجن بقوله « فبأي آلاء ربكما تكذبان » أي فبأي نعم ربكما من هذه الأشياء المذكورة تكذبان لأنها كلها منعم عليكم بها و المعنى أنه لا يمكن جحد شيء من هذه النعم فأما الوجه لتكرار هذه الآية في هذه السورة فإنما هو التقرير بالنعم المعدودة و التأكيد في التذكير بها فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها قرر عليها و وبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره أ ما أحسنت إليك حين أطلقت لك مالا أ ما أحسنت إليك حين ملكتك عقارا أ ما أحسنت إليك حين بنيت لك دارا فيحسن فيه التكرار لاختلاف ما يقرره به و مثله كثير في كلام العرب و أشعارهم قال مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليبا :
على أن ليس عدلا من كليب
إذا طرد اليتيم عن الجزور
على أن ليس عدلا من كليب
إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلا من كليب
إذا رجف العضاة من الدبور
على أن ليس عدلا من كليب
إذا خرجت مخبأة الخدور
على أن ليس عدلا من كليب
إذا ما أعلنت نجوى الصدور و قالت ليلى الأخيلية ترثي توبة بن الحمير :
لنعم الفتى يا توب كنت و لم تكن
لتسبق يوما كنت فيه تجاول
و نعم الفتى يا توب كنت إذا التقت
صدور العوالي و استشال الأسافل
و نعم الفتى يا توب كنت لخائف
أتاك لكي تحمي و نعم المجامل

مجمع البيان ج : 9 ص : 302

و نعم الفتى يا توب جارا و صاحبا
و نعم الفتى يا توب حين تناضل
لعمري لأنت المرء أبكي لفقده
و لو لام فيه ناقص الرأي جاهل
لعمري لأنت المرء أبكي لفقده
إذا كثرت بالملجمين التلاتل
أبى لك ذم الناس يا توب كلما
ذكرت أمور محكمات كوامل
أبى لك ذم الناس يا توب كلما
ذكرت سماح حين تأوي الأرامل
فلا يبعدنك الله يا توب إنما
كذاك المنايا عاجلات و آجل
فلا يبعدنك الله يا توب إنما
لقيت حمام الموت و الموت عاجل فخرجت في هذه الأبيات من تكرار إلى تكرار لاختلاف المعاني التي عددتها و قال الحارث بن عباد :
قربا مربط النعامة مني
لقحت حرب وائل عن حيال و كرر هذه اللفظة قربا مربط النعامة مني في أبيات كثيرة و في أمثال هذا كثرة و هذا هو الجواب بعينه عن التكرار لقوله ويل يومئذ للمكذبين في المرسلات .

مجمع البيان ج : 9 ص : 303
خَلَقَ الانسنَ مِن صلْصل كالْفَخَّارِ(14) وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِج مِّن نَّار(15) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(16) رَب المَْشرِقَينِ وَ رَب المَْغْرِبَينِ(17) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19) بَيْنهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ(20) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21) يخْرُجُ مِنهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجَانُ(22) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(23) وَ لَهُ الجَْوَارِ المُْنشئَات فى الْبَحْرِ كالأَعْلَمِ(24) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(25) كلُّ مَنْ عَلَيهَا فَان(26) وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّك ذُو الجَْلَلِ وَ الاكْرَامِ(27) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(28) يَسئَلُهُ مَن فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ كلَّ يَوْم هُوَ فى شأْن(29) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(30)

القراءة

قرأ أهل المدينة و البصرة يخرج منهما بضم الياء و فتح الراء و الباقون « يخرج » بفتح الياء و ضم الراء و قرأ حمزة و يحيى عن أبي بكر المنشئات بكسر الشين و الباقون بفتح الشين .

الحجة

قال أبو علي من قرأ يخرج كان قوله بينا لأن ذلك إنما يخرج و لا يخرج بنفسه و من قرأ « يخرج » جعل الفعل للؤلؤ و المرجان و هو اتساع لأنه إذا أخرج ذلك فقد خرج و قال « يخرج منهما اللؤلؤ » و لم يقل من أحدهما على حذف المضاف كما قال على رجل من القريتين عظيم على ذلك و قال أبو الحسن زعم قوم أنه يخرج من العذاب أيضا و المرجان صغار اللؤلؤ واحدها مرجانة قال ذو الرمة :
كان عرى المرجان منها تعلقت
على أم خشف من ظباء المشاقر و المنشئات المجردات المرفوعات فمن فتح الشين فلأنها أنشئت و أجريت و لم تفعل ذلك أنفسها و من قرأ المنشئات نسب الفعل إليها على الاتساع كما يقال مات زيد و مرض عمرو و نحو ذلك مما يضاف الفعل إليه إذا وجد فيه و هو في الحقيقة لغيره و كان المعنى المنشئات السير فحذف المفعول للعلم به و إضافة السير إليها اتساع أيضا لأن سيرها إنما يكون في الحقيقة بهبوب الريح أو دفع الصراري .

اللغة

الصلصال الطين اليابس الذي يسمع منه صلصلة و الفخار الطين الذي طبخ
مجمع البيان ج : 9 ص : 304
بالنار حتى صار خزفا و المارج المضطرب المتحرك و قيل المختلط يقال مرج الأمر أي اختلط و مرجت عهود القوم و أماناتهم قال الشاعر :
مرج الدين فأعددت له
مشرف الحارك محبوك الكتد و مرج الدابة في المرعى إذا خلاها لترعى و البرزخ الحاجز بين الشيئين و الجواري السفن لأنها تجري في الماء واحدتها جارية و منه الجارية للمرأة الشابة لأنها يجري فيها ماء الشباب و الأعلام الجبال واحدها علم قالت الخنساء :
و إن صخرا لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار و قال جرير :
إذا قطعن علما بدا علما و الفناء انتفاء الأجسام و الصحيح أنه معنى يضاد الجواهر باق لا ينتفي إلا بضد أو ما يجري مجرى الضد و ضده الفناء .

المعنى

ثم قال سبحانه عاطفا على ما تقدم من الأدلة على وحدانيته و الإبانة عن نعمه على خلقه فقال « خلق الإنسان » يعني به آدم و قيل جميع البشر لأن أصلهم آدم (عليه السلام) « من صلصال » أي طين يابس و قيل حمإ منتن و يحتمل الوجهين جميعا لأنه كان حمإ مسنونا ثم صار يابسا « كالفخار » أي كالآجر و الخزف « و خلق الجان » أي أبا الجن قال الحسن هو إبليس أبو الجن و هو مخلوق من لهب النار كما أن آدم (عليه السلام) مخلوق من طين « من مارج من نار » أي من نار مختلط أحمر و أسود و أبيض عن مجاهد و قيل المارج الصافي من لهب النار الذي لا دخان فيه « فبأي آلاء ربكما تكذبان » فبأي نعمه تكذبان أيها الثقلان أي أبان خلقكما من نفس واحدة و نقلكما من التراب و النار إلى الصورة التي أنتم عليها تكذبان « رب المشرقين و رب المغربين » يعني مشرق الصيف و مشرق الشتاء و مغرب الصيف و مغرب الشتاء و قيل المراد بالمشرقين مشرق الشمس و القمر و بالمغربين مغرب الشمس و القمر بين سبحانه قدرته على تصريف الشمس و القمر و من قدر على ذلك قدر على كل شيء « فبأي آلاء ربكما تكذبان مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان » ذكر سبحانه عظيم قدرته حيث خلق البحرين العذب و المالح يلتقيان ثم لا يختلط أحدهما بالآخر و هو قوله « بينهما برزخ » أي حاجز من قدرة الله فلا يبغي الملح على العذب فيفسده و لا العذب على الملح فيفسده و يختلط به و معنى مرج أرسل عن ابن عباس و قيل المراد بالبحرين بحر السماء و بحر
مجمع البيان ج : 9 ص : 305
الأرض فإن في السماء بحرا يمسكه الله بقدرته ينزل منه المطر فيلتقيان في كل سنة و بينهما حاجز يمنع بحر السماء من النزول و بحر الأرض من الصعود عن ابن عباس و الضحاك و مجاهد و قيل إنهما بحر فارس و بحر الروم عن الحسن و قتادة فإن آخر طرف هذا يتصل ب آخر طرف ذلك و البرزخ بينهما الجزائر و قيل مرج البحرين خلط طرفيهما عند التقائهما من غير أن يختلط جملتهما لا يبغيان أي لا يطلبان أن لا يختلطا « يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان » اللؤلؤ كبار الدر و المرجان صغاره عن ابن عباس و الحسن و قتادة و الضحاك و قيل المرجان خرز أحمر كالقضبان يخرج من البحر و هو السد عن عطاء الخراساني و أبي مالك و به قال ابن مسعود لأنه قال حجر و إنما قال منهما و إنما يخرج من الملح دون العذب لأن الله سبحانه ذكرهما و جمعهما و هما بحر واحد فإذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما عن الزجاج قال الكلبي و هو مثل قوله « و جعل القمر فيهن نورا » و إنما هو واحدة منهن و قوله « يا معشر الجن و الإنس أ لم يأتكم رسل منكم » و الرسل من الإنس دون الجن و قيل يخرج منهما أي من ماء السماء و من ماء البحر فإن القطر إذا جاء من السماء تفتحت الأصداف فكان من ذلك القطر اللؤلؤ عن ابن عباس و لذلك حمل البحرين على بحر السماء و بحر الأرض و قيل إن العذب و الملح يلتقيان فيكون العذب كاللقاح للملح و لا يخرج اللؤلؤ إلا من الموضع الذي يلتقى فيه الملح و العذب و ذلك معروف عند الغواصين و قد روي عن سلمان الفارسي و سعيد بن جبير و سفيان الثوري أن البحرين علي و فاطمة (عليهماالسلام) بينهما برزخ محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان الحسن و الحسين (عليهماالسلام) و لا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما و كثرة خيرهما فإن البحر إنما يسمى بحرا لسعته و قد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لفرس ركبه و أجراه فأحمده وجدته بحرا أي كثير المعاني الحميدة « و له الجوار » أي السفن الجارية في الماء تجري بأمر الله « المنشئات في البحر » أي المرفوعات و هي التي رفع خشبها بعضها على بعض و ركب حتى ارتفعت و طالت و قيل هي المبتدءات للسير مرفعة القلاع قال مجاهد ما رفع له القلاع فهو منشأ و ما لم ترفع قلاعه فليس بمنشأ و القلاع جمع قلع و هو شراع السفينة « كالأعلام » أي كالجبال قال مقاتل شبه السفن في البحر بالجبال في البر و قيل المنشئات بكسر الشين و هي أن ينشىء الموج بصدرها حيث تجري فيكون الأمواج كالأعلام من الله سبحانه على عباده بأن علمهم اتخاذ السفن ليركبوها و إن جعل الماء على صفة تجري السفن عليه لأجلها « كل من عليها فان » أي كل من على الأرض من حيوان فهو هالك يفنون و يخرجون من الوجود إلى العدم كنى عن الأرض و إن لم يجر لها ذكر كقول أهل المدينة ما بين لابتيها أي لابتي
مجمع البيان ج : 9 ص : 306
المدينة و إنما جاز ذلك لكونه معلوما « و يبقى وجه ربك » أي و يبقى ربك الظاهر بأدلته ظهور الإنسان بوجهه « ذو الجلال » أي العظمة و الكبرياء و استحقاق الحمد و المدح بإحسانه الذي هو في أعلى مراتب الإحسان و إنعامه الذي هو أصل كل إنعام « و الإكرام » يكرم أنبياءه و أولياءه بألطافه و إفضاله مع عظمته و جلاله و قيل معناه أنه أهل أن يعظم و ينزه عما لا يليق بصفاته كما يقول الإنسان لغيره أنا أكرمك عن كذا و أجلك عنه كقوله أهل التقوى أي أهل أن يتقي و تقول العرب هذا وجه الرأي و هذا وجه التدبير بمعنى أنه الرأي و التدبير قال الأعشى :
و أول الحكم على وجهه
ليس قضائي بالهوى الجائر أي قرر الحكم كما هو و قيل إن المراد بالوجه ما يتقرب به إلى الله تعالى و أنشد :
أستغفر الله ذنبا لست محصيه
رب العباد إليه الوجه و العمل و متى قيل و أي نعمة في الفناء فالجواب أن النعمة فيه التسوية بين الخلق فيه و أيضا فإنه وصلة إلى الثواب و تنبيه على أن الدنيا لا تدوم و أيضا فإنه لطف للمكلف لأنه لو عجل الثواب لصار ملجأ إلى العمل و لم يستحق الثواب ففصل بين الثواب و العمل ليفعل الطاعة لحسنها فيستحق الثواب « يسأله من في السماوات و الأرض » أي لا يستغني عنه أهل السماوات و الأرض فيسألونه حوائجهم عن قتادة و قيل يسأله أهل الأرض الرزق و المغفرة و تسأل الملائكة لهم أيضا الرزق و المغفرة عن مقاتل « كل يوم هو في شأن » اختلف في معناه فقيل إن شأنه سبحانه إحياء قوم و إماتة آخرين و عافية قوم و مرض آخرين و غير ذلك من الإهلاك و الإنجاء و الحرمان و الإعطاء و الأمور الأخر التي لا تحصى و عن أبي الدرداء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في قوله « كل يوم هو في شأن » قال من شأنه أن يغفر ذنبا و يفرج كربا و يرفع قوما و يضع آخرين و عن ابن عباس أنه قال إن مما خلق الله تعالى لوحا من درة بيضاء دواته ياقوتة حمراء قلمه نور و كتابه نور ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة و ستين نظرة يخلق و يرزق و يحيي و يميت و يعز و يذل و يفعل ما يشاء فذلك قوله « كل يوم هو في شأن » و قال مقاتل نزلت في اليهود حين قالوا إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا و قيل إن الدهر كله عند الله يومان أحدهما مدة أيام الدنيا و الآخر يوم القيامة فالشأن الذي هو فيه في اليوم الذي هو مدة الدنيا الاختبار بالأمر و النهي و الإحياء و الإماتة و الإعطاء و المنع و شأن يوم القيامة الجزاء و الحساب و الثواب و العقاب عن سفيان بن عيينة و قيل شأنه جل ذكره أن يخرج في كل يوم و ليلة ثلاثة عساكر عسكرا من أصلاب الآباء إلى الأرحام و عسكرا من الأرحام إلى الدنيا و عسكرا من الدنيا إلى القبر ثم يرتحلون جميعا إلى
مجمع البيان ج : 9 ص : 307
الله تعالى و قيل شأنه إيصال المنافع إليك و دفع المضار عنك فلا تغفل عن طاعة من لا يغفل عن برك عن أبي سليمان الداراني .
سنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ(31) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(32) يَمَعْشرَ الجِْنِّ وَ الانسِ إِنِ استَطعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسلْطن(33) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(34) يُرْسلُ عَلَيْكُمَا شوَاظٌ مِّن نَّار وَ نحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ(35) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(36) فَإِذَا انشقَّتِ السمَاءُ فَكانَت وَرْدَةً كالدِّهَانِ(37) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(38) فَيَوْمَئذ لا يُسئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَ لا جَانُّ(39) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(40) يُعْرَف الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَصى وَ الأَقْدَامِ(41) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتى يُكَذِّب بهَا المُْجْرِمُونَ(43) يَطوفُونَ بَيْنهَا وَ بَينَ حَمِيم ءَان(44) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(45)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم سيفرغ بالياء و الباقون بالنون و قرأ ابن كثير شواظ بكسر الشين و الباقون بضمها و قرأ ابن كثير و أهل البصرة غير يعقوب و نحاس بالجر و الباقون بالرفع و في الشواذ قراءة قتادة و الأعمش سنفرغ بفتح النون و الراء و قراءة الأعرج سيفرغ بفتح الياء و الراء و رواية أبي حاتم عن الأعمش سيفرغ و قراءة عيسى الثقفي سنفرغ
مجمع البيان ج : 9 ص : 308
بكسر النون و فتح الراء و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان أصلياها فلا تموتان فيها و لا تحييان .

الحجة

قال أبو علي وجه الياء في سيفرغ أن الغيبة قد تقدم في قوله و له الجوار و قوله هو في شأن و يقال فرغ يفرغ و فرغ يفرغ و ليس الفراغ هنا فراغا عن شغل و لكن تأويله القصد كما قال جرير :
الآن فقد فرغت إلى نمير
فهذا حين صرت لهم عذابا و قرأ ابن عامر أيه الثقلان بضم الهاء و قد مضى الوجه فيه و الشواظ و الشواظ فيه لغتان .
أبو عبيدة هو اللهب لا دخان فيه قال رؤبة :
إن لهم من حربنا أيقاظا
و نار حرب تسعر الشواظ و النحاس الدخان قال الجعدي :
تضيء كضوء سراج السليط
لم يجعل الله فيه نحاسا قال أبو علي إذا كان الشواظ اللهب لا دخان فيه ضعفت قراءة من قرأ و نحاس بالجر و لا يكون على تفسير أبي عبيدة إلا الرفع في نحاس على تقدير يرسل عليكما شواظ و يرسل نحاس أي يرسل هذا مرة و هذا أخرى و قد يجوز من وجه آخر على أن تقديره يرسل عليكما شواظ من نار و شيء من نحاس فتحذف الموصوف و تقيم الصفة مقامه كقوله و من آياته يريكم البرق و من الذين هادوا يحرفون الكلم و إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به و من أهل المدينة مردوا على النفاق فحذف الموصوف في ذلك كله فكذلك في الآية فإن قلت هذا فاعل و الفاعل لا يحذف فقد جاء :
فما راعنا إلا يسير بشرطة
و عهدي به قينا يفش بكير على أن هذا الحذف قد جاء في المبتدأ في الآية التي تلونا أو بعضها و قد قالوا تسمع بالمعيدي لا أن تراه فإذا حذف الموصوف بقي بعده من نحاس الذي هو صفة لشيء
مجمع البيان ج : 9 ص : 309

محذوف و حذف من لأن ذكره قد تقدم في قوله من نار فحسن لذلك حذفها كما حسن حذف الجار من قولهم على من تنزل أنزل و كما أنشده أبو زيد من قول الشاعر :
و أصبح من أسماء قيس كقابض
على الماء لا يدري بما هو قابض أي بما هو قابض عليه فحذف لدلالة الكلام المتقدم عليه و كما حذف الجار عند الخليل في قوله :
إن لم يجد يوما على من يتكل يريد عنده من يتكل عليه فحذف الجار لأنه جرى ذكره قبل فيكون انجرار نحاس على هذا بمن المضمرة لا بالإشراك في من التي جرت في قوله من نار فإذا انجر بمن لم يكن للشواظ الذي هو اللهب قسط من الدخان .

اللغة

الثقلان أصله من الثقل و كل شيء له وزن و قدر فهو ثقل و منه قيل لبيض النعامة ثقل قال :
فتذكرا ثقلا رثيدا بعد ما
ألقت ذكاء يمينها في كافر و إنما سميت الإنس و الجن ثقلين لعظم خطرهما و جلالة شأنهما بالإضافة إلى ما في الأرض من الحيوانات و لثقل وزنهما بالعقل و التمييز و منه قول النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي سماهما ثقلين لعظم خطرهما و جلالة قدرهما و قيل إن الجن و الإنس سميا ثقلين لثقلهما على الأرض أحياء و أمواتا و منه قوله و أخرجت الأرض أثقالها أي أخرجت ما فيها من الموتى و العرب تجعل السيد الشجاع ثقلا على الأرض قالت الخنساء :
أبعد ابن عمرو من آل الشريد
حلت به الأرض أثقالها و المعنى أنه لما مات حل عنها ثقل بموته لسؤدده و مجده و قيل إن المعنى زينت موتاها به من التحلية و الأقطار جمع القطر و هو الناحية يقال طعنه فقطره إذا ألقاه على أحد قطريه و هما جانباه و السيما مشتق من السوم و هو رفع الثمن عن مقداره و العلامة ترفع بإظهارها لتقع المعرفة بها و الناصية شعر مقدم الرأس و أصله الاتصال من قول الشاعر :
قي تناصيها بلاد قي أي تتصل بها فالناصية متصلة بالرأس و الأقدام جمع قدم و هو العضو الذي يقدم صاحبه للوطء به على الأرض و الآني الذي بلغ نهاية حره أنى يأني أنيا .

مجمع البيان ج : 9 ص : 310

المعنى

لما ذكر سبحانه الفناء و الإعادة عقب ذلك بذكر الوعيد و التهديد فقال « سنفرغ لكم أيه الثقلان » أي سنقصد لحسابكم أيها الجن و الإنس عن الزجاج قال و الفراغ في اللغة على ضربين ( أحدهما ) القصد للشيء يقال سأفرغ لفلان أي سأجعله قصدي ( و الآخر ) الفراغ من شغل و الله عز و جل لا يشغله شأن عن شأن و قيل معناه سنعمل عمل من يفرغ للعمل فيجوده من غير تضجيع فيه و قيل سنفرغ لكم من الوعيد بتقضي أيامكم المتوعد فيها فشبه ذلك بمن فرغ من شيء و أخذ في آخر و الشغل و الفراغ من صفات الأجسام التي تحلها الأعراض و تشغلها عن الأضداد في تلك الحال و لذلك وجب أن يكون في صفة القديم تعالى مجازا و يدل على أن الثقلين المراد بهما الجن و الإنس قوله « يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا » أي تخرجوا هاربين من الموت يقال نفذ الشيء من الشيء إذا خلص منه كالسهم ينفذ من الرمية « من أقطار السماوات و الأرض » أي جوانبهما و نواحيهما و المعنى حيث ما كنتم أدرككم الموت « فانفذوا » أي فاخرجوا فلن تستطيعوا أن تهربوا منه « لا تنفذون إلا بسلطان » أي حيث توجهتم فثم ملكي و لا تخرجون من سلطاني فأنا آخذكم بالموت عن عطاء و معنى السلطان القوة التي سلط بها على الأمر ثم الملك و القدرة و الحجة كلها سلطان و قيل « لا تنفذون إلا بسلطان » أي لا تخرجون إلا بقدرة من الله و قوة يعطيكموها بأن يخلق لكم مكانا آخر سوى السماوات و الأرض و يجعل لكم قوة تخرجون بها إليه فبين سبحانه بذلك أنهم في حبسه و أنه مقتدر عليهم لا يفوتونه و جعل ذلك دلالة على توحيده و قدرته و زجرا لهم عن معصيته و مخالفته و قيل إن المعنى في الآية إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات و الأرض فاعلموا فإنه لا يمكنكم ذلك « لا تنفذون إلا بسلطان » أي لا تعلمونه إلا بحجة و بيان عن ابن عباس و قيل لا تنفذون إلا بسلطان معناه حيث ما شاهدتم حجة الله و سلطانه الذي يدل على توحيده عن الزجاج « فبأي آلاء ربكما تكذبان » أي بأي نعمة تكذبان أ بإخباره عن تحيركم لتحتالوا له بعمل الطاعة و اجتناب المعصية أو بإخباره عنكم إنكم لا تنفذون إلا بحجة لتستعدوا لذلك اليوم « يرسل عليكما شواظ من نار » و هو اللهب الأخضر المنقطع من النار « و نحاس » و هو الصفر المذاب للعذاب عن مجاهد و ابن عباس و سفيان و قتادة و قيل النحاس الدخان عن ابن عباس في رواية أخرى و سعيد بن جبير و قيل النحاس المهل عن ابن مسعود و الضحاك و المعنى لا تنفذون و لو جاز أن تنفذوا و قدرتم عليه لأرسل عليكم العذاب من النار المحرقة و قيل معناه أنه يقال لهم
مجمع البيان ج : 9 ص : 311
ذلك يوم القيامة « يرسل عليكما » أي يرسل على من أشرك منكما و قد جاء في الخبر يحاط على الخلق بالملائكة بلسان من نار ينادون « يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من » إلى قوله « يرسل عليكما شواظ من نار » و روى مسعدة بن صدقة عن كليب قال كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأنشأ يحدثنا فقال إذا كان يوم القيامة جمع الله العباد في صعيد واحد و ذلك أنه يوحي إلى السماء الدنيا أن اهبطي بمن فيك فيهبط أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن و الإنس و الملائكة ثم يهبط أهل السماء الثانية بمثل الجميع مرتين فلا يزالون كذلك حتى يهبط أهل سبع سماوات فيصير الجن و الإنس في سبع سرادقات من الملائكة ثم ينادي مناد « يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم » الآية فينظرون فإذا قد أحاط بهم سبعة أطواق من الملائكة و قوله « فلا تنتصران » أي فلا تقدران على دفع ذلك عنكما و عن غيركما و على هذا فيكون فائدة الآية إن عجز الثقلين عن الهرب من الجزاء كعجزهم عن النفوذ من الأقطار و في ذلك اليأس من رفع الجزاء بوجه من الوجوه « فبأي آلاء ربكما تكذبان » أي بإخباره إياكم عن هذه الحالة لتتحرزوا عنها أم بغيره من النعم فإن وجه النعمة في إرسال الشواظ من النار و النحاس على الثقلين هو ما في ذلك لهم من الزجر في دار التكليف عن مواقعة القبيح و ذلك نعمة جزيلة « فإذا انشقت السماء » يعني يوم القيامة إذا تصدعت السماء و انفك بعضها من بعض « فكانت وردة » أي فصارت حمراء كلون الفرس الورد و هو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة أو الصفرة فيكون في الشتاء أحمر و في الربيع أصفر و في اشتداد البرد أغبر سبحان خالقها و المصرف لها كيف يشاء و الوردة واحدة الورد فشبه السماء يوم القيامة في اختلاف ألوانها بذلك و قيل أراد به وردة النبات و هي حمراء و قد تختلف ألوانها و لكن الأغلب في ألوانها الحمرة فتصير السماء كالوردة في الاحمرار ثم تجري « كالدهان » و هو جمع الدهن عند انقضاء الأمر و تناهي المدة قال الحسن هي كالدهان التي يصب بعضها على بعض بألوان مختلفة قال الفراء شبه تلون السماء بتلون الوردة من الخيل و شبه الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن و اختلاف ألوانه و هو قول مجاهد و الضحاك و قتادة و قيل الدهان الأديم الأحمر و جمعه أدهنة عن الكلبي و قيل هو عكر الزيت يتلون ألوانا عن عطاء بن أبي رياح « فبأي آلاء ربكما تكذبان » وجه النعمة في انشقاق السماء حتى وقع التقرير بها هو ما في الإخبار به من الزجر و التخويف في دار الدنيا « فيومئذ » يعني يوم القيامة « لا يسأل عن ذنبه إنس و لا جان » أي لا يسأل المجرم عن جرمه في ذلك الموطن
مجمع البيان ج : 9 ص : 312
لما يلحقه من الذهول الذي تحار له العقول و إن وقعت المسألة في غير ذلك الوقت بدلالة قوله « و قفوهم إنهم مسئولون » و تقدير الآية فيومئذ لا يسأل إنس عن ذنبه و لا جان عن ذنبه و قيل معناه فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس و لا جان سؤال استفهام ليعرف ذلك بالمسالة من جهته لأن الله تعالى قد أحصى الأعمال و حفظها على العباد و إنما يسألون سؤال تقريع و توبيخ للمحاسبة و قيل إن أهل الجنة حسان الوجوه و أهل النار سود الوجوه فلا يسألون من أي الحزبين هم و لكن يسألون عن أعمالهم سؤال تقريع و روي عن الرضا (عليه السلام) أنه قال « فيومئذ لا يسأل » منكم « عن ذنبه أنس و لا جان » و المعنى أن من اعتقد الحق ثم أذنب و لم يتب في الدنيا عذب عليه في البرزخ و يخرج يوم القيامة و ليس له ذنب يسأل عنه « يعرف المجرمون بسيماهم » أي بعلامتهم و هي سواد الوجوه و زرقة العيون عن الحسن و قتادة و قيل بأمارات الخزي « فيؤخذ بالنواصي و الأقدام » فتأخذهم الزبانية فتجمع بين نواصيهم و أقدامهم بالغل ثم يسحبون في النار و يقذفون فيها عن الحسن و قتادة و قيل تأخذهم الزبانية بنواصيهم و بأقدامهم فتسوقهم إلى النار و الله أعلم « هذه جهنم » أي و يقال لهم هذه جهنم « التي يكذب بها المجرمون » الكافرون في الدنيا قد أظهرها الله تعالى حتى زالت الشكوك فادخلوها و يمكن أنه لما أخبر الله سبحانه أنهم يؤخذون بالنواصي و الأقدام قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون من قومك فسيردونها فليهن عليك أمرهم « يطوفون بينها و بين حميم آن » أي يطوفون مرة بين الجحيم و مرة بين الحميم فالجحيم النار و الحميم الشراب عن قتادة و قيل معناه أنهم يعذبون بالنار مرة و يتجرعون من الحميم يصب عليهم ليس لهم من العذاب أبدا فرج عن ابن عباس و الآني الذي انتهت حرارته و قيل الآني الحاضر « فبأي آلاء ربكما تكذبان » الوجه في ذلك أن التذكير بفعل العقاب و الإنذار به من أكبر النعم لأن في ذلك زجرا عما يستحق به العذاب و حثا و بعثا على فعل ما يستحق به الثواب .
 

Back Index Next