جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج9 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>




مجمع البيان ج : 9 ص : 313
وَ لِمَنْ خَاف مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(47) ذَوَاتَا أَفْنَان(48) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تجْرِيَانِ(50) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(51) فِيهِمَا مِن كلِّ فَكِهَة زَوْجَانِ(52) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(53) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشِ بَطائنهَا مِنْ إِستَبرَق وَ جَنى الْجَنَّتَينِ دَان(54) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(55) فِيهِنَّ قَصِرَت الطرْفِ لَمْ يَطمِثهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانُّ(56) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(57) كَأَنهُنَّ الْيَاقُوت وَ الْمَرْجَانُ(58) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(59) هَلْ جَزَاءُ الاحْسنِ إِلا الاحْسنُ(60) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(61)

القراءة

قرأ الكسائي وحده لم يطمثهن بكسر الميم في إحداهما و ضمها في الأخرى و الباقون بكسر الميم في الحرفين معا .

الحجة

قال أبو علي يطمث و يطمث لغتان و قال أبو عبيدة لم يطمثهن أي لم يمسهن يقال ما طمث هذا البعير حبل قط أي ما مسه قال رؤبة :
كالبيض لم يطمث بهن طامث .

اللغة

الأفنان جمع فنن و هو الغصن الغض الورق و منه قولهم هذا فن آخر أي نوع آخر و يجوز أن يكون جمع فن و الاتكاء الاستناد للتكرمة و الإمتاع و التكأة تطرح للإنسان في مجالس الملوك للإكرام و الإجلال و هو من وكات السقاء إذا شددته و منه قولهم العين وكا الستة و الفرش جمع فراش و هو الموطإ الممهد للنوم عليه و البطائن جمع بطانة و هو باطن الظهارة و الجنى الثمرة التي قد أدركت على الشجرة و هو صلح أن يجني و منه قول عمرو بن عدي :
هذا جناي و خياره فيه
إذ كل جان يده إلى فيه و تمثل به علي (عليه السلام) و أصل الطمث الدم يقال طمثت المرأة إذا حاضت و طمثت إذا دميت بالاقتضاض و بعير لم يطمث إذا لم يمسه حبل و لا رحل قال الفرزدق :
دفعن إلي لم يطمثن قبلي
و هن أصح من بيض النعام .

الإعراب


متكئين حال من المجرورة باللام أي لهم جنتان في هذه الحالة و ما بين قوله « جنتان » إلى قوله « متكئين » صفات لجنتين « بطائنها من استبرق » ابتداء و خبر في
مجمع البيان ج : 9 ص : 314

موضع الجر وصف لفرش و قوله « و جنى الجنتين دان » اعتراض و قوله « فيهن قاصرات الطرف » صفة أخرى لفرش و قوله « كأنهن الياقوت و المرجان » حال لقاصرات الطرف أي مشابهات للياقوت و المرجان و قوله « هل جزاء الإحسان إلا الإحسان » اعتراض بين المعطوف و المعطوف عليه و التقدير و لهم من دونهما جنتان .

المعنى

ثم عقب سبحانه الوعيد بالوعد فقال « و لمن خاف مقام ربه » أي مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية و الشهوة قال مجاهد و هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله تعالى فيدعها و قيل هذا لمن راقب الله تعالى في السر و العلانية جملة فما عرض له من محرم تركه من خشية الله و ما عرض له من خير عمله و أفضى به إلى الله تعالى لا يطلع عليه أحد و قال الصادق (عليه السلام) من علم أن الله يراه و يسمع ما يقول من خير و شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فله « جنتان » أي جنة عدن و جنة النعيم عن مقاتل و قيل بستانان من بساتين الجنة إحداهما داخل القصر و الأخرى خارج القصر كما يشتهي الإنسان في الدنيا و قيل إحدى الجنتين منزله و الأخرى منزل أزواجه و خدمه عن الجبائي و قيل جنة من ذهب و جنة من فضة ثم وصف الجنتين فقال « ذواتا أفنان » أي ذواتا ألوان من النعيم عن ابن عباس و قيل ذواتا ألوان من الفواكه عن الضحاك و قيل ذواتا أغصان عن الأخفش و الجبائي و مجاهد أي ذواتا أشجار لأن الأغصان لا تكون إلا من الشجر فدل بكثرة أغصانها على كثرة أشجارها و بكثرة أشجارها على تمام حالها و كثرة ثمارها لأن البستان إنما يكمل بكثرة الأشجار و الأشجار لا تحسن إلا بكثرة الأغصان « فيهما عينان تجريان » أي في الجنتين عينان من الماء تجريان بين أشجارهما و قيل عينان إحداهما السلسبيل و الأخرى التسنيم عن الحسن و قيل إحداهما من ماء غير آسن و الأخرى من خمر لذة للشاربين عن عطية العوفي « فيهما من كل فاكهة زوجان » أي في كلتا الجنتين من كل ثمرة نوعان و ضربان متشاكلان كتشاكل الذكر و الأنثى فلذلك سماهما زوجين و ذلك كالرطب و اليابس من العنب و الزبيب و الرطب و اليابس من التين و كذلك سائر الأنواع لا يقصر يابسة عن رطبة في الفضل و الطيب و قيل معناه فيهما من كل نوع من الفاكهة ضربان ضرب معروف و ضرب من شكله غريب لم يعرفوه في الدنيا « متكئين » حال ممن ذكروا في قوله « و لمن خاف مقام ربه » أي قاعدين كالملوك « على فرش بطائنها من استبرق » أي من ديباج غليظ ذكر البطانة و لم يذكر الظهارة لأن البطانة تدل على أن لها ظهارة و البطانة دون الظهارة فدل على أن الظهارة فوق الإستبرق و قيل إن الظهائر من سندس و هو الديباج الرقيق و البطانة من استبرق و قيل الإستبرق الحرير الصيني
مجمع البيان ج : 9 ص : 315
و هو بين الغليظ و الدقيق و روي عن ابن مسعود أنه قال هذه البطائن فما ظنكم بالظهائر و قيل لسعيد بن جبير البطائن من استبرق فما الظهائر قال هذا مما قال الله تعالى « فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين » « و جنى الجنتين دان » الجنى الثمر المجتنى أي تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله إن شاء قائما و إن شاء قاعدا عن ابن عباس و قيل ثمار الجنتين دانية إلى أفواه أربابها فيتناولونها متكئين فإذا اضطجعوا نزلت بإزاء أفواههم فيتناولونها مضطجعين لا يرد أيديهم عنها بعد و لا شوك عن مجاهد « فيهن » أي في الفرش التي ذكرها و يجوز أن يريد في الجنان لأنها معلومة و إن لم تذكر « قاصرات الطرف » قصرن طرفهن على أزواجهن لم يردن غيرهم عن قتادة و قال أبو ذر أنها تقول لزوجها و عزة ربي ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك فالحمد لله الذي جعلني زوجتك و جعلك زوجي و الطرف جفن العين لأنه طرف لها ينطبق عليها تارة و ينفتح تارة « لم يطمثهن » أي لم يفتضهن و الافتضاض النكاح بالتدمية و المعنى لم يطأهن و لم يغشهن « إنس قبلهم و لا جان » فهن أبكار لأنهن خلقن في الجنة فعلى هذا القول هؤلاء من حور الجنة و قيل هن من نساء الدنيا لم يمسسهن منذ أنشئن خلق عن الشعبي و الكلبي أي لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس و لا جان قال الزجاج و في هذه الآية دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي و قال ضمرة بن حبيب و فيها دليل على أن للجن ثوابا و أزواجا من الحور فالإنسيات للإنس و الجنيات للجن قال البلخي المعنى إن ما يهب الله لمؤمني الإنس من الحور لم يطمثهن إنس و ما يهب الله لمؤمني الجن من الحور لم يطمثهن جان « كأنهن الياقوت و المرجان » أي هن على صفاء الياقوت في بياض المرجان عن الحسن و قتادة و قال الحسن المرجان أشد اللؤلؤ بياضا و هو صغاره و في الحديث أن المرأة من أهل الجنة يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة من حرير عن ابن مسعود كما يرى السلك من وراء الياقوت « هل جزاء الإحسان إلا الإحسان » أي ليس جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة و قيل هل جزاء من قال لا إله إلا الله و عمل بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا الجنة عن ابن عباس و جاءت الرواية عن أنس بن مالك قال قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية فقال هل تدرون ما يقول ربكم قالوا الله و رسوله أعلم قال فإن ربكم يقول هل جزاء من أنعمنا عليه بالتوحيد إلا الجنة و قيل معناه هل جزاء من أحسن إليكم بهذه النعم إلا أن تحسنوا في شكره و عبادته و روى العياشي بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن علي بن سالم قال سمعت أبا عبد الله
مجمع البيان ج : 9 ص : 316
(عليه السلام) يقول آية في كتاب الله مسجلة قلت ما هي قال قول الله تعالى « هل جزاء الإحسان إلا الإحسان » جرت في الكافر و المؤمن و البر و الفاجر و من صنع إليه معروف فعليه أن يكافىء به و ليس المكافاة أن تصنع كما صنع حتى يربي فإن صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء .
وَ مِن دُونهِمَا جَنَّتَانِ(62) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(63) مُدْهَامَّتَانِ(64) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضاخَتَانِ(66) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(67) فِيهِمَا فَكِهَةٌ وَ نخْلٌ وَ رُمَّانٌ(68) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(69) فِيهِنَّ خَيرَتٌ حِسانٌ(70) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(71) حُورٌ مَّقْصورَتٌ فى الخِْيَامِ(72) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(73) لَمْ يَطمِثهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانُّ(74) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(75) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَف خُضر وَ عَبْقَرِى حِسان(76) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(77) تَبَرَك اسمُ رَبِّك ذِى الجَْلَلِ وَ الاكْرَامِ(78)

القراءة

قرأ ابن عامر ذو الجلال بالرفع و الباقون بالجر و في الشواذ قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الجحدري و مالك بن دينار و ابن محيصن و الحسن و زهير القرقبي على رفارف خضر و عباقري حسان و قراءة الأعرج خضر بضمتين .

الحجة

قال أبو علي من قرأ « ذي الجلال » فجر جعله صفة لربك و زعموا أن ابن مسعود قرأ و يبقى وجه ربك ذي الجلال و الإكرام بالياء في كلتيهما و قال الأصمعي لا يقال الجلال إلا
مجمع البيان ج : 9 ص : 317
في الله تعالى فهذا يقوي الجر إلا أن الجلال قد جاء في غير الله قال :
فلا ذا جلال هبنه لجلاله
و لا ذا ضياع هن يتركن للفقر و من رفع أجراه على الاسم قال ابن جني روى قطرب عباقري بكسر القاف غير مصروف و رويناه عن أبي حاتم عباقري بفتح القاف غير مصروف أيضا قال أبو حاتم و لا يشبه إلا أن يكون عباقر بفتح القاف على ما تتكلم به العرب قال و لو قالوا عباقري بكسر القاف و صرفوا لكان أشبه بكلام العرب كالنسب إلى مداين مدايني و الرفارف رياض الجنة عن سعيد بن جبير و عبقر موضع قال امرؤ القيس :
كان صليل المروحين تشده
صليل زيوف ينتقدن بعبقرا و قال زهير :
بخبل عليها جنة عبقرية
جديرون يوما أن ينالوا أو يستعلوا و أما ترك صرف عباقري فشاذ في القياس و لا يستنكر شذوذه في القياس مع استمراره في الاستعمال كما جاء عن الجماعة استحوذ عليهم الشيطان فهو شاذ في القياس مطرد في الاستعمال و ليس لنا أن نتلقى قراءة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا بقبولها و أما خضر بضم الضاد فقليل و هو من مواضع الشعر كما قال طرفة :
ورادا و شقر .


اللغة

الدهمة السواد و إدهام الزرع إذا علاه السواد ريا و منه الدهماء و تصغيره الدهيماء للداهية سميت بذلك لظلامها و الدهماء القدر و النضخ بالخاء المعجمة أكثر من النضح بالحاء غير المعجمة لأن النضح الرش و بالخاء كالبزل و النضاخة الفوارة التي ترمي بالماء صعدا و الرمان مشتق من رم يرم رما لأن من شأنه أن يرم الفؤاد بجلائه له و الخيرات جمع خيرة و الرجل خير و الرجال خيار و أخيار قال :
و لقد طعنت مجامع الربلات
ربلات هند خيرة الملكات
مجمع البيان ج : 9 ص : 318

و قال الزجاج أصل خيرات خيرات فخفف و الخيام جمع خيمة و هي بيت من الثياب على الأعمدة و الأوتاد مما يتخذ للأصحار و الرفوف رياض الجنة من قولهم رف النبات يرف أي صار غضا نضرا و قيل الرفوف المجالس و قيل الوسائد و قيل إن كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف قال ابن مقبل :
و إنا لنزالون تغشى نعالنا
سواقط من أصناف ريط و رفرف و العبقري عتاق الزرابي و الطنافس المخملة الموشمة و هو اسم الجنس واحدته عبقرية قال أبو عبيدة كل شيء من البسط عبقري و كل ما بولغ في وصفه بالجودة نسب إلى عبقر و هو بلد كان يوشى فيه البسط و غيرها .

المعنى

ثم قال سبحانه « و من دونهما جنتان » أي و من دون الجنتين اللتين ذكرناهما لمن خاف مقام ربه جنتان أخريان دون الجنتين الأوليين فإنهما أقرب إلى قصره و مجالسة في قصره ليتضاعف له السرور بالتنقل من جنة إلى جنة على ما هو معروف من طبع البشر من شهوة مثل ذلك و معنى دون هنا مكان قريب من الشيء بالإضافة إلى غيره مما ليس له مثل قربه و هو ظرف مكان و إنما كان التنقل من جنة إلى جنة أخرى أنفع لأنه أبعد من الملل الذي طبع عليه البشر و قيل إن المعنى إنهما دون الجنتين الأوليين في الفضل فقد روي عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال جنتان من فضة آنيتهما و ما فيهما و جنتان من ذهب آنيتهما و ما فيهما و روى العياشي بالإسناد عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له جعلت فداك أخبرني عن الرجل المؤمن تكون له امرأة مؤمنة يدخلان الجنة يتزوج أحدهما الآخر فقال يا أبا محمد إن الله حكم عدل إذا كان هو أفضل منها خيره فإن اختارها كانت من أزواجه و إن كانت هي خيرا منه خيرها فإن اختارته كان زوجا لها قال و قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا تقولن الجنة واحدة أن الله يقول « و من دونهما جنتان » و لا تقولن درجة واحدة أن الله يقول درجات بعضها فوق بعض إنما تفاضل القوم بالأعمال قال و قلت له إن المؤمنين يدخلان الجنة فيكون أحدهما أرفع مكانا من الآخر فيشتهي أن يلقى صاحبه قال من كان فوقه فله أن يهبط و من كان تحته لم يكن له أن يصعد لأنه لا يبلغ ذلك المكان و لكنهم إذا أحبوا ذلك و اشتهوه التقوا على الأسرة و عن العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له إن الناس يتعجبون منا إذا قلنا يخرج قوم من جهنم فيدخلون الجنة فيقولون لنا فيكونون مع أولياء الله في الجنة فقال يا علاء إن الله
مجمع البيان ج : 9 ص : 319
يقول « و من دونهما جنتان » لا و الله لا يكونون مع أولياء الله قلت كانوا كافرين قال (عليه السلام) لا و الله لو كانوا ما دخلوا الجنة قلت كانوا مؤمنين قال لا و الله لو كانوا مؤمنين ما دخلوا النار و لكن بين ذلك و تأويل هذا لو صح الخبر أنهم لم يكونوا من أفاضل المؤمنين و أخيارهم ثم وصف الجنتين فقال « مدهامتان » أي من خضرتهما قد اسودتا من الري و كل نبت أخضر فتمام خضرته أن يضرب إلى السواد و هو على أتم ما يكون من الحسن و هذا على قول من قال إن الجنات الأربع لمن خاف مقام ربه و هو قول ابن عباس و قيل الأوليان للسابقين و الأخريان للتابعين عن الحسن « فيهما عينان نضاختان » أي فوارتان بالماء ينبع من أصلهما ثم يجريان عن الحسن قال ابن عباس تنضخ على أولياء الله بالمسك و العنبر و الكافور و قيل تنضخان بأنواع الخبرات « فيهما فاكهة » يعني ألوان الفاكهة « و نخل و رمان » و حكى الزجاج عن يونس النحوي و هو من قدماء النحويين أن النخل و الرمان من أفضل الفواكه و إنما فصلا بالواو لفضلهما قال الأزهري ما علمت أن أحدا من العرب قال في النخل و الكرم و ثمارها إنها ليست من الفاكهة و إنما قال ذلك من قال لقلة علمه بكلام العرب و تأويل القرآن العربي المبين و العرب تذكر الأشياء جملة ثم تختص شيئا منها بالتسمية تنبيها على فضل فيه كما قال سبحانه من كان عدوا لله و ملائكته و رسله و جبريل و ميكال « فيهن » يعني في الجنات الأربع « خيرات حسان » أي نساء خيرات الأخلاق حسان الوجوه روته أم سلمة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل خيرات فاضلات في الصلاح و الجمال عن الحسن حسان في المناظر و الألوان و قيل إنهن نساء الدنيا ترد عليهم في الجنة و هن أجل من الحور العين و قيل خيرات مختارات عن جرير بن عبد الله و قيل لسن بذربات و لا زفرات و لا بخرات و لا متطلعات و لا متسوفات و لا متسلطات و لا طماخات و لا طوافات في الطرق و لا يغرن و لا يؤذين و قال عقبة بن عبد الغفار و نساء أهل الجنة يأخذ بعضهن بأيدي بعض و يتغنين بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها :
نحن الراضيات فلا نسخط
و نحن المقيمات فلا نظعن
و نحن خيرات حسان
حبيبات الأزواج كرام و قالت عائشة أن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابتهن المؤمنات من نساء الدنيا نحن المصليات و ما صليتن و نحن الصائمات و ما صمتن و نحن المتوضئات و ما توضأتن و نحن المتصدقات و ما تصدقتن فغلبتهن و الله « حور » أي بيض حسان البياض عن ابن عباس و مجاهد و منه الدقيق الحواري لشدة بياضه و العين الحوراء إذا كانت شديدة بياض البياض شديدة سواد السواد و بذلك يتم حسن العين « مقصورات في الخيام » أي محبوسات
مجمع البيان ج : 9 ص : 320
في الحجال مستورات في القباب عن ابن عباس و أبي العالية و الحسن و المعنى إنهن مصونات مخدرات لا يبتذلن و قيل مقصورات أي قصرن على أزواجهن فلا يردن بدلا منهم عن مجاهد و الربيع و قيل إن لكل زوجة خيمة طولها ستون ميلا عن ابن مسعود و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال الخيمة درة واحدة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها أهلا ( ؟ ) للمؤمن لا يراه الآخرون و عن ابن عباس قال الخيمة درة مجوفة فرسخ في فرسخ فيها أربعة آلاف مصراع عن وهب و عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال مررت ليلة أسري بي بنهر حافتاه قباب المرجان فنوديت منه السلام عليك يا رسول الله فقلت يا جبرائيل من هؤلاء قال هؤلاء جوار من الحور العين استأذن ربهن عز و جل أن يسلمن عليك فأذن لهن فقلن نحن الخالدات فلا نموت و نحن الناعمات فلا نياس أزواج رجال كرام ثم قرأ (صلى الله عليه وآله وسلّم) « حور مقصورات في الخيام » « لم يطمثهن إنس قبلهم و لا جان » مر معناه و الوجه في التكرير الإبانة عن أن صفة الحور المقصورات في الخيام كصفة القاصرات الطرف « متكئين على رفرف خضر » أي على فرش مرتفعة عن الجبائي و قيل الرفرف رياض الجنة و الواحدة رفرفة عن سعيد بن جبير و قيل هي المجالس عن ابن عباس و قتادة و الضحاك و قيل هي المرافق يعني الوسائد عن الحسن « و عبقري حسان » أي و زرابي حسان عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قتادة و هي الطنافس و قيل العبقري الديباج عن مجاهد و قيل هي البسط عن الحسن قال القتيبي كل ثوب موشى فهو عبقري و هو جمع و لذلك قال حسان ثم ختم السورة بما ينبغي أن يبجل به و يعظم فقال « تبارك اسم ربك » أي تعاظم و تعالى اسم ربك لأنه استحق أن يوصف بما لا يوصف به غيره من كونه قديما و إلها و قادرا لنفسه و عالما لنفسه و حيا لنفسه و غير ذلك « ذي الجلال » أي ذي العظمة و الكبرياء « و الإكرام » يكرم أهل دينه و ولايته عن الحسن و قيل معناه عظمة البركة في اسم ربك فاطلبوا البركة في كل شيء بذكر اسمه و قيل إن اسم صلة لمعنى تبارك ربك قال لبيد :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
و من يبك حولا كاملا فقد اعتذر و قيل إن المعنى أن اسمه منزه عن كل سوء له الأسماء الحسنى و قد صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال انطقوا بيا ذا الجلال و الإكرام أي داوموا عليه .

مجمع البيان ج : 9 ص : 321
( 56 ) سورة الواقعة مكية و آياتها ست و تسعون ( 96 )
و قال ابن عباس و قتادة إلا آية منها نزلت بالمدينة و هي « و تجعلون رزقكم أنكم تكذبون » و قيل إلا قوله « ثلة من الأولين » و قوله « أ فبهذا الحديث أنتم مدهنون » نزلت في سفره إلى المدينة .

عدد آيها

تسع و تسعون آية حجازي شامي سبع بصري ست كوفي .

اختلافها

أربع عشرة آية « فأصحاب الميمنة » « و أصحاب المشأمة » « و أصحاب الشمال » ثلثهن غير الكوفي و المدني الأخير « أنشأناهن » غير البصري « في سموم و حميم » غير المكي و كانوا يقولون مكي « و أباريق » مكي و المدني الأخير « موضونة » حجازي كوفي « و حور عين » كوفي و المدني الأول « تأثيما » عراقي شامي و المدني الأخير « و الآخرين » غير شامي و المدني الأخير « لمجموعون » شامي و المدني الأخير « فروح و ريحان » شامي .

فضلها

أبي بن كعب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأ سورة الواقعة كتب ليس من الغافلين و عن مسروق قال من أراد أن يعلم نبأ الأولين و نبأ أهل الجنة و نبأ أهل النار و نبأ الدنيا و نبأ الآخرة فليقرأ سورة الواقعة و روي أن عثمان بن عفان دخل على عبد الله بن مسعود يعوده في مرضه الذي مات فيه فقال له ما تشتكي قال ذنوبي قال ما تشتهي قال رحمة ربي قال أ فلا ندعو الطبيب قال الطبيب أمرضني قال أ فلا نأمر بعطائك قال منعتنيه و أنا محتاج إليه و تعطينيه و أنا مستغن عنه قال يكون لبناتك قال لا حاجة لهن فيه فقد أمرتهن أن يقرأن سورة الواقعة فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا و روى العياشي بالإسناد عن زيد الشحام عن أبي جعفر (عليه السلام) قال من قرأ سورة الواقعة قبل
مجمع البيان ج : 9 ص : 322
أن ينام لقي الله و وجهه كالقمر ليلة البدر و عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ في كل ليلة جمعة الواقعة أحبه الله و حببه إلى الناس أجمعين و لم ير في الدنيا بؤسا أبدا و لا فقرا و لا آفة من آفات الدنيا و كان من رفقاء أمير المؤمنين تمام الخبر .

تفسيرها


ختم الله سبحانه سورة الرحمن بصفة الجنة و افتتح هذه السورة أيضا بصفة القيامة و الجنة فاتصلت إحداهما بالأخرى اتصال النظير للنظير فقال : .
سورة الواقعة
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ(1) لَيْس لِوَقْعَتهَا كاذِبَةٌ(2) خَافِضةٌ رَّافِعَةٌ(3) إِذَا رُجَّتِ الأَرْض رَجًّا(4) وَ بُستِ الْجِبَالُ بَسًّا(5) فَكانَت هَبَاءً مُّنبَثًّا(6) وَ كُنتُمْ أَزْوَجاً ثَلَثَةً(7) فَأَصحَب الْمَيْمَنَةِ مَا أَصحَب الْمَيْمَنَةِ(8) وَ أَصحَب المَْشئَمَةِ مَا أَصحَب المَْشئَمَةِ(9) وَ السبِقُونَ السبِقُونَ(10) أُولَئك الْمُقَرَّبُونَ(11) فى جَنَّتِ النَّعِيمِ(12) ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ(13) وَ قَلِيلٌ مِّنَ الاَخِرِينَ(14) عَلى سرُر مَّوْضونَة(15) مُّتَّكِئِينَ عَلَيهَا مُتَقَبِلِينَ(16)

القراءة

في الشواذ قراءة الحسن و الثقفي و أبي حيوة خافضة رافعة بالنصب .

الحجة


هذا منصوب على الحال قال ابن جني و قوله « ليس لوقعتها كاذبة » حال أخرى قبلها أي إذا وقعت الواقعة صادقة الوقعة خافضة رافعة فهذه ثلاثة أحوال و مثله مررت بزيد جالسا متكئا ضاحكا و إن شئت أن تأتي بأضعاف ذلك جاز و حسن كما أن لك أن تأتي للمبتدأ من الأخبار بما شئت فتقول زيد عالم جميل فارس كوفي بزاز و نحو ذلك أ لا ترى أن الحال زيادة في الخبر و ضرب منه .

اللغة

الكاذبة مصدر مثل العافية و العاقبة و الرج التحريك باضطراب و اهتزاز و منه
مجمع البيان ج : 9 ص : 323
قولهم ارتج السهم عند خروجه من القوس و ألبس الفت كما يبس السويق أي يلت قال الشاعر :
لا تخبزا خبزا و بسابسا و البسيس السويق أو الدقيق يتخذ زادا و بست أيضا سيقت عن الزجاج قال الشاعر :
و انبس حبات الكثيب الأهيل و الهباء غبار كالشعاع في الرقة و كثيرا ما يخرج مع شعاع الشمس من الكوة النافذة و الانثباث افتراق الأجزاء الكثيرة في الجهات المختلفة و الأزواج الأصناف التي بعضها مع بعض كما يقال للخفين زوجان و الثلاثة الجماعة و أصله القطعة من قولهم ثل عرشه إذا قطع ملكه بهدم سريره و الثلة القطعة من الناس و الموضونة المنسوجة المتداخلة كصفة الدرع المضاعفة قال الأعشى :
و من نسج داود موضونة
تساق إلى الحي عيرا فعيرا و منه وضين الناقة و هو البطان من السيور إذا نسج بعضه على بعض مضاعفا .

الإعراب


« إذا وقعت الواقعة » ظرف من معنى ليس لأن التقدير لا يكون لوقعتها كاذبة و ليس نفي الحال فلا يكون إذا ظرفا منه و يجوز أن يكون العامل في إذا محذوفا لدلالة الموضع عليه كأنه قال إذا وقعت الواقعة كذلك فاز المؤمنون و خسر الكافرون و قال أبو علي تقديره فهي خافضة رافعة فأضمر المبتدأ مع الفاء و جعلها جواب إذا أي خفضت قوما و رفعت قوما إذ ذاك ف « خافضة رافعة » خبر المبتدأ المحذوف و قوله « إذا رجت الأرض رجا » بدل من قوله « إذا وقعت الواقعة » و يجوز أن يكون ظرفا من يقع أي يقع في ذلك الوقت و يجوز أن يكون خبرا عن إذا الأولى و نظيره إذا تزورني إذا أزور زيدا أي وقت زيارتك إياي وقت زيارتي زيدا قال ابن جني و يجوز أن يفارق إذا الظرفية كقول لبيد :
حتى إذا ألقت يدا في كافر
و أجن عورات الثغور ظلامها و قوله سبحانه « حتى إذا كنتم في الفلك » فإذا مجرورة عند أبي الحسن بحتى و ذلك يخرجها من الظرفية و أقول فعلى هذا لا يكون قوله « إذا » ظرفا في الموضعين بل كل واحد منهما في موضع الرفع لكونهما مبتدأ و خبرا بخلاف ما ظنه بعض المجودين من محققي زماننا في النحو فإنه قال قال عثمان يعني ابن جني العامل في « إذا وقعت » قوله « إذا رجت » و هذا خطأ فاحش « فأصحاب الميمنة » رفع بالابتداء و التقدير فأصحاب الميمنة ما هم أي أي شيء هم « و أصحاب المشأمة » أي أي شيء هم و هذه اللفظة مجراة مجرى التعجب و متكئين و متقابلين نصب على الحال .

مجمع البيان ج : 9 ص : 324

المعنى


« إذا وقعت الواقعة » أي إذا قامت القيامة عن ابن عباس و الواقعة اسم القيامة كالآزفة و غيرها و المعنى إذا حدثت الحادثة و هي الصيحة عند النفخة الأخيرة لقيام الساعة و قيل سميت بها لكثرة ما يقع فيها من الشدة أو لشدة وقعها و تقديره اذكروا إذا وقعت الواقعة و هذا حث على الاستعداد لها « ليس لوقعتها كاذبة » أي ليس لمجيئها و ظهورها كذب و معناه أنها تقع صدقا و حقا فليس فيها و لا في الإخبار عنها و وقوعها كذب و قيل معناه ليس لوقوعها قضية كاذبة أي ثبت وقوعها بالسمع و العقل « خافضة رافعة » أي تخفض ناسا و ترفع آخرين عن ابن عباس و قيل تخفض أقواما إلى النار و ترفع أقواما إلى الجنة عن الحسن و الجبائي و المعنى الجامع للقولين أنها تخفض رجالا كانوا في الدنيا مرتفعين و تجعلهم أذلة بإدخالهم النار و ترفع رجالا كانوا في الدنيا أذلة و تجعلهم أعزة بإدخالهم الجنة « إذا رجت الأرض رجا » أي حركت حركة شديدة و قيل زلزلت زلزالا شديدا عن ابن عباس و قتادة و مجاهد أي رجفت بإماتة من على ظهرها من الأحياء و قيل معناه رجت بما فيها كما يرج الغربال بما فيه فيكون المراد ترج بإخراج من في بطنها من الموتى « و بست الجبال بسا » أي فتت فتا عن ابن عباس و مجاهد و مقاتل و قيل معناه كسرت كسرا عن السدي عن سعيد بن المسيب و قيل قلعت من أصلها عن الحسن و قيل سيرت عن وجه الأرض تسييرا عن الكلبي و قيل بسطت بسطا كالرمل و التراب عن ابن عطية و قيل جعلت كثيبا مهيلا بعد أن كانت شامخة طويلة عن ابن كيسان « فكانت هباء منبثا » أي غبارا متفرقا كالذي يرى في شعاع الشمس إذ دخل من الكوة ثم وصف سبحانه أحوال الناس بأن قال « و كنتم أزواجا ثلاثة » أي أصنافا ثلاثة ثم فسرها فقال « فأصحاب الميمنة » يعني اليمين و هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم عن الضحاك و الجبائي و قيل هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة و قيل هم أصحاب اليمن و البركة على أنفسهم و الثواب من الله سبحانه بما سعوا من الطاعة و هم التابعون بإحسان عن الحسن و الربيع ثم عجب سبحانه رسوله من حالهم تفخيما لشأنهم فقال « ما أصحاب الميمنة » أي أي شيء هم كما يقال هم ما هم « و أصحاب المشأمة » و هم الذين يعطون كتبهم بشمالهم و قيل هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار و قيل هم المشائيم على أنفسهم بما عملوا من المعصية ثم عجب سبحانه رسوله من حالهم تفخيما لشأنهم في العذاب فقال « ما أصحاب المشأمة » ثم بين سبحانه الصنف الثالث فقال « و السابقون السابقون » أي و السابقون إلى اتباع الأنبياء الذين صاروا أئمة الهدى فهم
مجمع البيان ج : 9 ص : 325
السابقون إلى جزيل الثواب عند الله عن الجبائي و قيل معناه السابقون إلى طاعة الله و هم السابقون إلى رحمته و السابق إلى الخير إنما كان أفضل لأنه يقتدى به في الخير و سبق إلى أعلى المراتب قبل من يجيء بعده فلهذا يميز بين التابعين فعلى هذا يكون السابقون الثاني خبرا عن الأول و يجوز أن يكون الثاني تأكيدا للأول و الخبر « أولئك المقربون » أي و السابقون إلى الطاعات يقربون إلى رحمة الله في أعلى المراتب و إلى جزيل ثواب الله في أعظم الكرامة ثم أخبر تعالى أين محلهم فقال « في جنات النعيم » لئلا يتوهم متوهم أن التقريب يخرجهم إلى دار أخرى فأعلم سبحانه أنهم مقربون من كرامة الله في الجنة لأن الجنة درجات و منازل بعضها أرفع من بعض و قد قيل في السابقين إنهم السابقون إلى الإيمان عن مقاتل و عكرمة و قيل السابقون إلى الهجرة عن ابن عباس و قيل إلى الصلوات الخمس عن علي (عليه السلام) و قيل إلى الجهاد عن الضحاك و قيل إلى التوبة و أعمال البر عن سعيد بن جبير و قيل إلى كل ما دعا الله إليه عن ابن كيسان و هذا أولى لأنه يعم الجميع و كان عروة بن الزبير يقول تقدموا تقدموا و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال السابقون أربعة ابن آدم المقتول و سابق في أمة موسى (عليه السلام) و هو مؤمن آل فرعون و سابق في أمة عيسى (عليه السلام) و هو حبيب النجار و السابق في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) علي ابن أبي طالب (عليه السلام) « ثلة من الأولين » أي هم ثلة يعني جماعة كثيرة العدد من الأولين من الأمم الماضية « و قليل من الآخرين » من أمة محمد لأن من سبق إلى إجابة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) قليل بالإضافة إلى من سبق إلى إجابة النبيين قبله عن جماعة من المفسرين و قيل معناه جماعة من أوائل هذه الأمة و قليل من أواخرهم ممن قرب حالهم من حال أولئك قال مقاتل يعني سابقي الأمم و قليل من الآخرين من هذه الأمة « على سرر موضونة » أي منسوجة كما يوضن حلق الدرع فيدخل بعضها في بعض قال المفسرون منسوجة بقضبان الذهب مشبكة بالدر و الجواهر « متكئين عليها » أي مستندين جالسين جلوس الملوك « متقابلين » أي متحاذين كل واحد منهم بإزاء الآخر و ذلك أعظم في باب السرور و المعنى أن بعضهم ينظر إلى وجه بعض لا ينظر في قفاه لحسن معاشرتهم و تهذب أخلاقهم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 326
يَطوف عَلَيهِمْ وِلْدَنٌ مخَلَّدُونَ(17) بِأَكْوَاب وَ أَبَارِيقَ وَ كَأْس مِّن مَّعِين(18) لا يُصدَّعُونَ عَنهَا وَ لا يُنزِفُونَ(19) وَ فَكِهَة مِّمَّا يَتَخَيرُونَ(20) وَ لحَْمِ طير مِّمَّا يَشتهُونَ(21) وَ حُورٌ عِينٌ(22) كَأَمْثَلِ اللُّؤْلُو الْمَكْنُونِ(23) جَزَاءَ بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ(24) لا يَسمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً(25) إِلا قِيلاً سلَماً سلَماً(26)

القراءة

قرأ أبو جعفر و حمزة و الكسائي و حور عين بالجر و الباقون بالرفع و في الشواذ قراءة ابن أبي إسحاق و لا ينزفون بفتح الياء و كسر الزاي و قراءة أبي بن كعب و ابن مسعود و حورا عينا .

الحجة

قال أبو علي وجه الرفع في « و حور عين » أنه لما قال يطوف عليهم ولدان مخلدون دل هذا الكلام و ما ذكر بعد على أن لهم فيها كذا و كذا و لهم فيها حور عين و كذلك من نصب حمل على المعنى لأن الكلام دل على يمنحون و يملكون و هذا مذهب سيبويه و يجوز أن يحمل الرفع على قوله على سرر موضونة و التقدير و على سرر موضونة حور عين أو و حور عين على سرر موضونة لأن الوصف قد جرى عليهن فاختصصن فجاز أن يرفع بالابتداء و لم يكن كالنكرة إذا لم يوصف نحو فيها عين و قوله « على سرر موضونة » خبر لقوله تعالى ثلة من الأولين و قليل من الآخرين فكذلك يجوز أن يكون خبرا عنهن و يجوز في ارتفاع « و حور عين » أن يكون عطفا على الضمير في متكئين و لم يؤكد لكون طول الكلام بدلا من التأكيد و يجوز أيضا أن يعطفه على الضمير في متقابلين و لم يؤكد لطول الكلام أيضا و قد جاء ما أشركنا و لا آباؤنا فهذا أجدر و قال الزجاج الرفع أحسن الوجهين لأن معنى « يطوف عليهم ولدان مخلدون » بهذه الأشياء أنه قد ثبت لهم ذلك فكأنه قال و لهم حور عين و مثله مما حمل على هذا المعنى قول الشاعر :
بادت و غير آيهن مع البلى
إلا رواكد جمرهن هباء ثم قال بعده :
و مشجج أما سواء قذاله
فبدا و غير سارة المعزاء لأنه لما قال إلا رواكد كان المعنى بها رواكد فحمل و مشجج على المعنى و قال غيره
مجمع البيان ج : 9 ص : 327
تقديره و هناك حور عين قال أبو علي وجه الجر أن يكون يحمله على قوله أولئك المقربون في جنات النعيم التقدير أولئك المقربون في جنات النعيم و في حور عين أي و في مقاربة حور عين أو معاشرة حور عين فحذف المضاف فإن قلت فلم لا تحمله على الجار في قوله تعالى يطوف عليهم ولدان مخلدون بكذا و بحور عين فهذا يمكن أن يقال إلا أن أبا الحسن قال في ذا بعض الوحشة قال ابن جني نزف البئر ينزفها نزفا إذا استقي ماؤها و أنزفت الشيء إذا أفنيته قال الشاعر :
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم
لبئس الندامى كنتم آل أبحرا .

المعنى

ثم أخبر سبحانه أن « يطوف عليهم ولدان » أي وصفاء و غلمان للخدمة « مخلدون » أي باقون لا يموتون و لا يهرمون و لا يتغيرون عن مجاهد و قيل مقرطون و الخلد القرط يقال خلد جاريته إذا حلاها بالقرطة عن سعيد بن جبير و الفراء و اختلف في هذه الولدان فقيل إنهم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها و لا سيئات فيعاقبوا فأنزلوا هذه المنزلة عن علي (عليه السلام) و الحسن و قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه سأل عن أطفال المشركين فقال هم خدم أهل الجنة و قيل بل هم من خدم الجنة على صورة الولدان خلقوا لخدمة أهل الجنة « بأكواب » و هي القداح الواسعة الرؤوس لا خراطيم لها عن قتادة « و أباريق » و هي التي لها خراطيم و عرى و هو الذي يبرق من صفاء لونه « و كأس من معين » أي و يطوفون أيضا عليهم بكأس خمر معين أي ظاهر للعيون جار « لا يصدعون عنها » أي لا يأخذهم من شربها صداع و قيل لا يتفرقون عنها « و لا ينزفون » أي لا تنزف عقولهم بمعنى لا تذهب بالسكر عن مجاهد و قتادة و الضحاك و من قرأ ينزفون حمله على أنه لا تفنى خمرهم « و فاكهة مما يتخيرون » أي و يطوفون عليهم بفاكهة مما يختارونه و يشتهونه يقال تخيرت الشيء أخذت خيره « و لحم طير مما يشتهون » أي و بلحم طير مما يتمنون فإن أهل الجنة إذا اشتهوا لحم الطير خلق الله سبحانه لهم الطير نضيجا حتى لا يحتاج إلى ذبح الطير و إيلامه قال ابن عباس يخطر على قلبه الطير فيصير ممثلا بين يديه على ما اشتهى « و حور عين » قد مر بيانه « كأمثال اللؤلؤ المكنون » أي الدر المصون المخزون في الصدف لم تمسه الأيدي قال عمر ابن أبي ربيعة :
مجمع البيان ج : 9 ص : 328


و هي زهراء مثل لؤلؤة الغواص
ميزت من جوهر مكنون « جزاء بما كانوا يعملون » أي نفعل ذلك الجزاء أعمالهم و طاعاتهم التي عملوها في دار التكليف الدنيا « لا يسمعون فيها » أي في الجنة « لغوا » أي ما لا فائدة فيه من الكلام لأن كل ما يتكلمون به فيه فائدة « و لا تأثيما » أي لا يقول بعضهم لبعض أثمت لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم عن ابن عباس و قيل معناه لا يتخالفون على شرب الخمر كما يتخالفون في الدنيا و لا يأثمون بشربها كما يأثمون في الدنيا « إلا قيلا سلاما سلاما » أي لا يسمعون إلا قول بعضهم لبعض على وجه التحية سلاما سلاما و المعنى أنهم يتداعون بالسلام على حسن الآداب و كريم الأخلاق اللذين يوجبان التواد و نصب سلاما على تقدير سلمك الله سلاما بدوام النعمة و كمال الغبطة و يجوز أن يعمل سلام في سلاما لأنه يدل على عامله كما يدل قوله تعالى و الله أنبتكم من الأرض نباتا على العامل في نبات فإن المعنى أنبتكم فنبتم نباتا و يجوز أن يكون سلاما نعتا لقوله قيلا و يجوز أن يكون مفعول قيل فالوجوه الثلاثة تحتملها الآية .
وَ أَصحَب الْيَمِينِ مَا أَصحَب الْيَمِينِ(27) فى سِدْر مخْضود(28) وَ طلْح مَّنضود(29) وَ ظِلّ ممْدُود(30) وَ مَاء مَّسكُوب(31) وَ فَكِهَة كَثِيرَة(32) لا مَقْطوعَة وَ لا ممْنُوعَة(33) وَ فُرُش مَّرْفُوعَة(34) إِنَّا أَنشأْنَهُنَّ إِنشاءً(35) فجَعَلْنَهُنَّ أَبْكاراً(36) عُرُباً أَتْرَاباً(37) لأَصحَبِ الْيَمِينِ(38) ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ(39) وَ ثُلَّةٌ مِّنَ الاَخِرِينَ(40)

القراءة

قرأ إسماعيل و حمزة و حماد و يحيى عن أبي بكر و خلف عربا ساكنة الراء و الباقون « عربا » بضمتين .

الحجة

العروب الحسنة التبعل قال لبيد :
و في الحدوج عروب غير فاحشة
ريا الروادف يعشى دونها البصر
مجمع البيان ج : 9 ص : 329

و الفعول يجمع على فعل و فعل فمن التثقيل قوله :
فاصبري إنك من قوم صبر و التخفيف في ذلك شائع مطرد .

اللغة

السدر شجر النبق و أصل الخضد عطف العود اللين فمن هاهنا المخضود الذي لا شوك له لأن الغالب أن الرطب اللين لا شوك له و الطلح قال أبو عبيدة هو كل شجر عظيم كثير الشوك قال بعض الحداة :
بشرها دليلها و قالا
غدا ترين الطلح و الجبالا و قال الزجاج الطلح شجر أم غيلان فقد يكون على أحسن حال و المنضود من نضدت المتاع إذا جعلت بعضه على بعض و البكر التي لم يفترعها الرجل فهي على خلقتها الأولى من حال الإنشاء و منه البكرة لأول النهار و الباكورة لأول الفاكهة و البكر الفتي من الإبل و جمعه بكار و بكارة و جاء القوم على بكرتهم و بكرة أبيهم عن الأزهري و الأتراب جمع ترب و هو اللدة الذي ينشأ مع مثله في حال الصبا و هو مأخوذ من لعب الصبي بالتراب أي هم كالصبيان الذين هم على سن واحد قال ابن أبي ربيعة :
أبرزوها مثل المهاة تهادى
بين عشر كواعب أتراب .

المعنى

ثم ذكر سبحانه أصحاب اليمين و عجب من شأنهم فقال « و أصحاب اليمين ما أصحاب اليمين » هو مثل قوله ما أصحاب الميمنة و قد مر معناه « في سدر مخضود » أي في نبق مخضود أي منزوع الشوكة قد خضد شوكة أي قطع عن ابن عباس و عكرمة و قتادة و قيل هو الذي خضد بكثرة حمله و ذهاب شوكة و قيل هو الموقر حملا عن الضحاك و مجاهد و مقاتل بن حيان و قال الضحاك نظر المسلمون إلى وج و هو واد مخصب بالطائف فأعجبهم سدرة و قالوا يا ليت لنا مثل هذا فنزلت هذه الآية « و طلح منضود » قال ابن عباس و غيره هو شجر الموز و قيل ليس بالموز و لكنه شجر له ظل بارد رطب عن الحسن و قيل هو شجر يكون باليمن و بالحجاز من أحسن الشجر منظرا و إنما ذكر هاتين الشجرتين لأن
مجمع البيان ج : 9 ص : 330
العرب كانوا يعرفون ذلك فإن عامة أشجارهم أم غيلان ذات أنوار و رائحة طيبة و روت العامة عن علي (عليه السلام) أنه قرأ عنده رجل « و طلح منضود » فقال ما شأن الطلح إنما هو و طلع كقوله و نخل طلعها هضيم فقيل له أ لا تغيره فقال إن القرآن لا يهاج اليوم و لا يحرك رواه عنه ابنه الحسن و قيس بن سعد و رواه أصحابنا عن يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) « و طلح منضود » قال لا و طلع منضود و المنضود الذي نضد بعضه على بعض نضد بالحمل من أوله إلى آخره فليست له سوق بارزة فمن عروقه إلى أفنانه ثمر كله « و ظل ممدود » أي دائم لا تنسخه الشمس فهو باق لا يزول و العرب تقول لكل شيء طويل لا ينقطع ممدود قال لبيد :
غلب البقاء و كان غير مغلب
دهر طويل دائم ممدود .
و قد ورد في الخبر أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها اقرءوا إن شئتم « و ظل ممدود » و روي أيضا أن أوقاف الجنة كغدوات الصيف لا يكون فيه حر و لا برد « و ماء مسكوب » أي مصبوب يجري الليل و النهار و لا ينقطع عنهم فهو مسكوب بسكب الله إياه في مجاريه و قيل مسكوب مصبوب على الخمر ليشرب بالمزاج و قيل مسكوب يجري دائما في غير أخدود عن سفيان و جماعة و قيل مسكوب ليشرب على ما يرى من حسنه و صفائه لا يحتاجون إلى تعب في استقائه « و فاكهة كثيرة » أي و ثمار مختلفة كثيرة غير قليلة و الوجه في تكرير ذكر الفاكهة البيان عن اختلاف صفاتها فذكرت أولا بأنها متخيرة و ذكرت هنا بأنها كثيرة ثم وصفت بقوله « لا مقطوعة و لا ممنوعة » أي لا تنقطع كما تنقطع فواكه الدنيا في الشتاء و في أوقاف مخصوصة و لا تمتنع ببعد متناول أو شوك يؤذي اليد كما يكون ذلك في الدنيا و قيل إنها غير مقطوعة بالأزمان و لا ممنوعة بالأثمان لا يتوصل إليها إلا بالثمن « و فرش مرفوعة » أي بسط عالية كما يقال بناء مرفوع و قيل مرفوع بعضها فوق بعض عن الحسن و الفراء و قيل معناه و نساء مرتفعات القدر في عقولهن و حسنهن و كمالهن عن الجبائي قال و لذلك عقبه بقوله « إنا أنشأناهن إنشاء » و يقال لامرأة الرجل هي فراشه و منه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) الولد للفراش و للعاهر الحجر « إنا أنشأناهن إنشاء » أي خلقناهن خلقا جديدا قال ابن عباس يعني النساء الآدميات و العجز الشمط يقول خلقتهن بعد الكبر و الهرم في الدنيا خلقا آخر و قيل معناه أنشأنا الحور العين كما هن عليه على هيئاتهن لم ينتقلن من حال إلى حال كما يكون في الدنيا « فجعلناهن أبكارا » أي عذارى عن الضحاك و قيل لا يأتيهن أزواجهن إلا وجدوهن أبكارا « عربا » أي متحننات على أزواجهن متحببات إليهم و قيل عاشقات
مجمع البيان ج : 9 ص : 331

لأزواجهن عن ابن عباس و قيل العروب اللعوب مع زوجها أنسا به كأنس العرب بكلام العربي « أترابا » أي متشابهات مستويات في السن عن ابن عباس و قتادة و مجاهد و قيل أمثال أزواجهن في السن « لأصحاب اليمين » أي هذا الذي ذكرناه لأصحاب اليمين جزاءا و ثوابا على طاعاتهم « ثلة من الأولين و ثلة من الآخرين » أي جماعة من الأمم الماضية التي كانت قبل هذه الأمة و جماعة من مؤمني هذه الأمة قال الحسن سابقوا الأمم الماضية أكثر من سابقي هذه الأمة و تابعو الأمم الماضية مثل تابعي هذه الأمة إن أصحاب اليمين منهم مثل أصحاب اليمين منا و إنما نكر سبحانه الثلة ليدل على أنه ليس لجميع الأولين و الآخرين و إنما هو لجماعة منهم كما يقال رجل من جملة الرجال و هذا الذي ذكرناه قول مقاتل و عطاء و جماعة من المفسرين و ذهب جماعة منهم أن الثلتين جميعا من هذه الأمة و هو قول مجاهد و الضحاك و اختيار الزجاج و روي ذلك مرفوعا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال جميع الثلتين من أمتي و مما يؤيد القول الأول و يعضده من طريق الرواية ما رواه نقلة الأخبار بالإسناد عن ابن مسعود قال تحدثنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليلة حتى أكثرنا الحديث ثم رجعنا إلى أهلنا فلما أصبحنا غدونا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال عرضت علي الأنبياء الليلة باتباعها من أممها فكان النبي تجيء معه الثلة من أمته و النبي معه العصابة من أمته و النبي معه النفر من أمته و النبي معه الرجل من أمته و النبي ما معه من أمته أحد حتى إذا أتى أخي موسى في كبكبة من بني إسرائيل فلما رأيتهم أعجبوني فقلت أي رب من هؤلاء فقال هذا أخوك موسى بن عمران و من معه من بني إسرائيل فقلت رب فأين أمتي قال أنظر عن يمينك فإذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال فقلت من هؤلاء فقيل هؤلاء أمتك أ رضيت قلت رب رضيت و قال أنظر عن يسارك فإذا الأفق قد انسد بوجوهه الرجال فقلت رب من هؤلاء قيل هؤلاء أمتك أ رضيت قلت رب رضيت فقيل إن مع هؤلاء سبعين ألفا من أمتك يدخلون الجنة لا حساب عليهم قال فأنشأ عكاشة بن محصن من بني أسد من خزيمة فقال يا نبي الله ادع ربك أن يجعلني منهم فقال اللهم اجعله منهم ثم أنشأ رجل آخر فقال يا نبي الله ادع ربك أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة فقال نبي الله فداكم أبي و أمي إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا و إن عجزتم و قصرتم فكونوا من أهل الظراب فإن عجزتم و قصرتم فكونوا من أهل الأفق و إني قد رأيت ثم ناسا كثيرا يتهاوشون كثيرا فقلت هؤلاء السبعون ألفا فاتفق
مجمع البيان ج : 9 ص : 332

رأينا على أنهم ناس ولدوا في الإسلام فلم يزالوا يعملون به حتى ماتوا عليه فانتهى حديثهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ليس كذلك و لكنهم الذين لا يسرقون و لا يتكبرون و لا يتطيرون و على ربهم يتوكلون ثم قال إني لأرجو أن يكون من تبعني ربع أهل الجنة قال فكبرنا ثم قال إني لأرجو أن يكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال إني لأرجو أن يكونوا شطر أهل الجنة ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) « ثلة من الأولين و ثلة من الآخرين » .
وَ أَصحَب الشمَالِ مَا أَصحَب الشمَالِ(41) فى سمُوم وَ حَمِيم(42) وَ ظِلّ مِّن يحْمُوم(43) لا بَارِد وَ لا كَرِيم(44) إِنهُمْ كانُوا قَبْلَ ذَلِك مُترَفِينَ(45) وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلى الحِْنثِ الْعَظِيمِ(46) وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ ئذَا مِتْنَا وَ كُنَّا تُرَاباً وَ عِظماً أَ ءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(47) أَ وَ ءَابَاؤُنَا الأَوَّلُونَ(48) قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَ الاَخِرِينَ(49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقَتِ يَوْم مَّعْلُوم(50) ثمَّ إِنَّكُمْ أَيهَا الضالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ(51) لاَكلُونَ مِن شجَر مِّن زَقُّوم(52) فَمَالِئُونَ مِنهَا الْبُطونَ(53) فَشرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحَْمِيمِ(54) فَشرِبُونَ شرْب الهِْيمِ(55) هَذَا نُزُلهُُمْ يَوْمَ الدِّينِ(56)

القراءة

قرأ ابن عامر « أ إذا متنا » بهمزتين « أ إنا لمبعوثون » بهمزتين أيضا و لم يجمع بين استفهامين إلا في هذا الموضع من القرآن و قد ذكرنا مذهب غيره من القراء فيما تقدم و مذهبه أيضا في أمثاله و قرأ أهل المدينة و عاصم و حمزة شرب الهيم بضم الشين و الباقون بفتحها .

الحجة

قال أبو علي إن ألحق ألف الاستفهام في قوله « أ إنا » أو لم تلحق كان إذا متعلقا بشيء دل عليه قوله « أ إنا لمبعوثون » أ لا ترى أن إذا ظرف من الزمان فلا بد له من فعل أو
مجمع البيان ج : 9 ص : 333

معنى فعل يتعلق به و لا يجوز أن يتعلق بقوله « متنا » لأنه مضاف إليه و المضاف إليه لا يعمل في المضاف و إذا لم يجز حمله على هذا الفعل و لا على ما بعد أن من حيث لم يعمل ما بعد أن فيما قبلها كما لا يعمل ما بعد لا فيما قبلها فكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله علمت أنه يتعلق بشيء دل عليه قوله « أ إنا لمبعوثون » و ذلك نحشر أو نبعث و نحوهما مما يدل عليه هذا الكلام و أما الشرب فهو نحو الأكل و الضرب و الشرب كالشغل و النكر و أما الشرب فالمشروب كالطحن و نحوه و قد يكون الشرب جمع شارب مثل راكب و ركب و تاجر و تجر و راجل و رجل .

اللغة

السموم الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن و مسام البدن خروقه و منه أخذ السم الذي يدخل في المسام و اليحموم الأسود الشديد السواد باحتراق النار و هو يفعول من الحم و هو الشحم المسود باحتراق النار يقال حممت الرجل إذا سخمت وجهه بالفحم و المترف الممتنع من أداء الواجبات طلبا للترفه و هي الرفاهية و النعمة و الحنث نقض العهد المؤكد بالحلف و الهيم الإبل العطاش التي لا تروى من الماء لداء يصيبها و الواحد أهيم و الأنثى هيماء .

المعنى

ثم ذكر سبحانه أصحاب الشمال فقال « و أصحاب الشمال ما أصحاب الشمال » و هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى جهنم أو الذين يأخذون كتبهم بشمالهم أو الذين يلزمهم حال الشؤم و النكد « في سموم و حميم » أي في ريح حارة تدخل مسامهم و خروقهم و في ماء مغلي حار انتهت حرارته « و ظل من يحموم » أي دخان أسود شديد السواد عن ابن عباس و أبي مالك و مجاهد و قتادة و قيل اليحموم جبل في جهنم يستغيث أهل النار إلى ظله ثم نعت ذلك الظل فقال « لا بارد و لا كريم » أي لا بارد المنزل و لا كريم المنظر عن قتادة و قيل لا بارد يستراح إليه لأنه دخان جهنم و لا كريم فيشتهى مثله و قيل و لا كريم أي و لا منفعة فيه بوجه من الوجوه و العرب إذا أرادت نفي صفة الحمد عن شيء نفت عنه الكرم و قال الفراء العرب تجعل الكريم تابعا لكل شيء نفت عنه وصفا تنوي به الذم تقول ما هو بسمين و لا كريم و ما هذه الدار بواسعة و لا كريمة ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي أوجبت لهم هذا فقال « إنهم كانوا قبل ذلك مترفين » أي كانوا في الدنيا متنعمين عن ابن عباس و ذلك أن عذاب المترف أشد ألما و بين سبحانه أن الترف ألهاهم عن الانزجار و شغلهم عن الاعتبار و كانوا يتركون الواجبات طلبا لراحة أبدانهم « و كانوا يصرون على الحنث
مجمع البيان ج : 9 ص : 334
العظيم » أي الذنب العظيم عن مجاهد و قتادة و الإصرار أن يقيم عليه فلا يقلع عنه و لا يتوب منه و قيل الحنث العظيم الشرك أي لا يتوبون عنه عن الحسن و الضحاك و ابن زيد و قيل كانوا يحلفون لا يبعث الله من يموت و إن الأصنام أنداد الله عن الشعبي و الأصم « و كانوا يقولون أ إذا متنا و كنا ترابا و عظاما أ إنا لمبعوثون » أي ينكرون البعث و النشور و الثواب و العقاب فيقولون مستبعدين لذلك منكرين له أ إذا خرجنا من كوننا أحياء و صرنا ترابا أ نبعث « أ و آباؤنا الأولون » أي أ و يبعث آباؤنا الذين ماتوا قبلنا و يحشرون إن هذا البعيد و من قرأ أ و آباؤنا بفتح الواو فإنها واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام « قل » يا محمد لهم « إن الأولين و الآخرين » أي الذين تقدموكم من آبائكم و غير آبائكم و الذين يتأخرون عن زمانكم « لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم » يجمعهم الله و يبعثهم و يحشرهم إلى وقت يوم معلوم عنده و هو يوم القيامة « ثم إنكم أيها الضالون » الذين ضللتم عن طريق الحق و جزتم عن الهدى « المكذبون » بتوحيد الله و إخلاص العبادة له و نبوة نبيه « لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون » مفسر في سورة الصافات « فشاربون عليه من الحميم » الشجر يؤنث و يذكر فلذلك قال « منها » ثم قال « عليه » و كذلك الثمر يؤنث و يذكر « فشاربون شرب الهيم » أي كشرب الهيم و هي الإبل التي أصابها الهيام و هو شدة العطش فلا تزال تشرب الماء حتى تموت عن ابن عباس و عكرمة و قتادة و قيل هي الأرض الرملية التي لا تروى بالماء عن الضحاك و ابن عيينة « هذا نزلهم يوم الدين » النزل الأمر الذي ينزل عليه صاحبه و المعنى هذا طعامهم و شرابهم يوم الجزاء في جهنم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 335
نحْنُ خَلَقْنَكُمْ فَلَوْ لا تُصدِّقُونَ(57) أَ فَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ(58) ءَ أَنتُمْ تخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الخَْلِقُونَ(59) نحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكمُ الْمَوْت وَ مَا نحْنُ بِمَسبُوقِينَ(60) عَلى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَلَكُمْ وَ نُنشِئَكُمْ فى مَا لا تَعْلَمُونَ(61) وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشأَةَ الأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ(62) أَ فَرَءَيْتُم مَّا تحْرُثُونَ(63) ءَ أَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نحْنُ الزَّرِعُونَ(64) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنَهُ حُطماً فَظلْتُمْ تَفَكَّهُونَ(65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ(66) بَلْ نحْنُ محْرُومُونَ(67) أَ فَرَءَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِى تَشرَبُونَ(68) ءَ أَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نحْنُ الْمُنزِلُونَ(69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْنَهُ أُجَاجاً فَلَوْ لا تَشكُرُونَ(70) أَ فَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتى تُورُونَ(71) ءَ أَنتُمْ أَنشأْتُمْ شجَرَتهَا أَمْ نحْنُ الْمُنشِئُونَ(72) نحْنُ جَعَلْنَهَا تَذْكِرَةً وَ مَتَعاً لِّلْمُقْوِينَ(73) فَسبِّحْ بِاسمِ رَبِّك الْعَظِيمِ(74)

القراءة

قرأ ابن كثير نحن قدرنا بالتخفيف و الباقون « قدرنا » بالتشديد و قرأ أبو بكر أ إنا لمغرمون بهمزتين و الباقون بهمزة واحدة .

الحجة

قال أبو علي قدرنا في معنى قدرنا و يدل عليه قوله :
و مفرهة عنس قدرت لساقها
فخرت كما تتايع الريح بالقفل و المعنى قدرت ضربي لساقها فضربتها فخرت و مثله في المعنى :
فإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها
على الضيف نجرح في عراقيبها نصلي .

اللغة

يقال أمنى يمني و منى يمني بمعنى و منه قراءة أبي السماك تمنون بفتح التاء و الأصل من المني و هو التقدير قال الشاعر :
لا تأمنن و إن أمسيت في حرم
حتى تلاقي ما يمني لك الماني و منه المنية لأنها مقدرة تأتي على مقدار و الحطام الهشيم الذي لا ينتفع به في مطعم
مجمع البيان ج : 9 ص : 336
و لا غذاء و أصل الحطم الكسر و الحطم السواق بعنف يحطم بعضها على بعض قال :
قد لفها الليل بسواق حطم و التفكه أصله تناول ضروب الفواكه للأكل و الفكاهة المزاح و منه حديث زيد كان من أفكه الناس مع أهله و رجل فكه طيب النفس و المغرم الذي ذهب ماله بغير عوض و أصل الباب اللزوم و الغرام العذاب اللازم قال الأعشى :
إن يعاقب يكن غراما و إذن يعط
جزيلا فإنه لا يبالي و النار مأخوذة من النور قال الحارث :
فتنورت نارها من بعيد
بخزازي هيهات منك الصلاء و الإيراء إظهار النار بالقدح يقال أورى يوري و وريت بك زنادي أي أضاء بك أمري و يقال قدح فأورى إذا أظهر النار فإذا لم يور قيل قدح فأكبى و المقوي النازل بالقواء من الأرض ليس بها أحد و أقوت الدار خلت من أهلها قال النابغة :
أقوى و أقفر من نعم و غيرها
هوج الرياح بها الترب موار و قال عنترة :
حييت من طلل تقادم عهده
أقوى و أقفر بعد أم الهيثم .

المعنى

ثم احتج سبحانه عليهم في البعث بقوله « نحن خلقناكم » أي نحن خلقناكم و لم تكونوا شيئا و أنتم تعلمون ذلك عن مقاتل « فلو لا تصدقون » أي فهلا تصدقون و لم لا تصدقون بالبعث لأن من قدر على الإنشاء و الابتداء قدر على الإعادة ثم نبههم سبحانه على وجه الاستدلال على صحة ما ذكره فقال « أ فرأيتم ما تمنون » أي ما تقذفون و تصبون في أرحام النساء من النطف فيصير ولدا « أ أنتم تخلقونه » أي أ أنتم تخلقون ما تمنون بشرا « أم نحن الخالقون » فإذا لم تقدروا أنتم و أمثالكم على ذلك فاعلموا أن الله سبحانه الخالق لذلك و إذا ثبت أنه قادر على خلق الولد من النطفة وجب أن
 

Back Index Next