جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج10 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 

ختم الله سبحانه تلك السورة بالوعيد و افتتح هذه السورة بمثله و أكد ذلك بأن أعمال الخلق محفوظة فقال :

مجمع البيان ج : 10 ص : 713
سورة الطارق
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ السمَاءِ وَ الطارِقِ(1) وَ مَا أَدْرَاك مَا الطارِقُ(2) النَّجْمُ الثَّاقِب(3) إِن كلُّ نَفْس لمََّّا عَلَيهَا حَافِظٌ(4) فَلْيَنظرِ الانسنُ مِمَّ خُلِقَ(5) خُلِقَ مِن مَّاء دَافِق(6) يخْرُجُ مِن بَينِ الصلْبِ وَ الترَائبِ(7) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ(8) يَوْمَ تُبْلى السرَائرُ(9) فَمَا لَهُ مِن قُوَّة وَ لا نَاصِر(10) وَ السمَاءِ ذَاتِ الرَّجْع(11) وَ الأَرْضِ ذَاتِ الصدْع(12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصلٌ(13) وَ مَا هُوَ بِالهَْزْلِ(14) إِنهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً(15) وَ أَكِيدُ كَيْداً(16) فَمَهِّلِ الْكَفِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدَا(17)

القراءة

قرأ أبو جعفر و ابن عامر و عاصم و حمزة لما عليها بتشديد الميم و الباقون بالتخفيف و في الشواذ قراءة ابن عباس مهلهم رويدا بغير ألف .

الحجة

قال أبو علي من خفف لما كانت إن عنده المخففة من الثقيلة و اللام معها هي اللام التي تدخل مع هذه المخففة لتخلصها من أن النافية و ما صلة كالتي في قوله « فبما رحمة من الله » و « عما قليل » و تكون إن متلقية للقسم كما تتلقاه مثقلة و من ثقل لما كانت أن عنده النافية كالتي في قوله « فيما إن مكناكم فيه » و لما في معنى إلا و هي متلقية للقسم كما يتلقاه ما قال أبو الحسن الثقيلة في معنى إلا و العرب لا تكاد تعرف ذا و قال الكسائي لا أعرف وجه التثقيل و عن ابن عوف قال قرأت عند ابن سيرين « إن كل نفس لما » بالتشديد فأنكره قال الزجاج استعملت لما في موضع إلا في موضعين ( أحدهما ) هذا و الآخر في باب القسم تقول سألتك لما فعلتك بمعنى إلا فعلت .

اللغة


طرقني فلان إذا أتاني ليلا و أصل الطرق الدق و منه المطرقة لأنها يدق بها و الطريق لأن المارة تدقه و الطارق الآتي ليلا يحتاج إلى الدق للتنبيه و نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يطرق الرجل أهله ليلا حتى تستحد المغيبة و تمشط الشعثة و قالت هند بنت عتبة
نحن بنات طارق
نمشي على النمارق تريد أن أبانا نجم في شرفه و علوه و قال الشاعر :
يا راقد الليل مسرورا بأوله
إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
لا تأمنن بليل طاب أوله
فرب آخر ليل أجج النارا و النجم الكواكب الطالعة في السماء يقال لكل طالع ناجم تشبيها به نجم النبت و نجم السن و القرن و الثاقب المضيء النير و ثقوبة توقده بنوره و الثاقب العالي الشديد العلو و الدفق صب الماء الكثير باعتماد قوي و مثله الدفع فالماء الذي يكون منه الولد يكون دافقا و هو القاطر المصب و هي النطفة التي يخلق الله منها الولد و قيل ماء دافق معناه مدفوق و مثله سر كاتم و عيشة راضية و الترائب نواحي الصدر واحدتها تريبة و هو مأخوذ من تذليل حركتها كالتراب قال المثقب :
مجمع البيان ج : 10 ص : 714

و من ذهب يسن على تريب
كلون العاج ليس بذي غضون و قال آخر :
و الزعفران على ترائبها
شرقا به اللبات و الصدر و الرجع أصله من الرجوع و هو الماء الكثير تزدده الرياح تمر عليه قال المنخل في صفة السيف :
أبيض كالرجع رسوب إذا
ما ثاخ في محتفل يختلي قال الزجاج الرجع المطر لأنه يجيء و يرجع و يتكرر و الصدع الشق فصدع الأرض انشقاقها بالنبات و ضروب الزروع و الأشجار .

الإعراب


« ما الطارق » ما استفهام و الجملة مبتدأ و خبر و هي معلقة بإدراك في موضع المفعول الثاني و الثالث و قوله « يوم تبلى السرائر » العامل فيه فعل مضمر يدل عليه قوله « على رجعه لقادر » و التقدير يرجعه يوم إبلاء السرائر و لا يجوز أن يعمل فيه المصدر لأنه يكون من صلته و قد فرق بينه و بينه بقوله « لقادر » و يجوز أن يكون العامل فيه قوله « لقادر » و رويدا صفة لمصدر محذوف و تقديره إمهالا رويدا .

المعنى

أقسم الله سبحانه فقال « و السماء » أي بالسماء و قيل برب السماء و قد بينا القول في ذلك « و الطارق » و هو الذي يجيء ليلا « و ما أدريك ما الطارق » و ذلك أن هذا الاسم يقع على كل ما طرق ليلا و لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يدري ما المراد لو لم يبينه ثم بينه بقوله « النجم الثاقب » أي هو الكوكب المضيء و يريد به العموم و هو جماع النجوم عن الحسن و قيل هو زحل و الثاقب العالي على النجوم عن ابن زيد و قيل أراد به الثريا و العرب تسميه النجم و قيل هو القمر لأنه يطلع بالليل عن الفراء و جواب القسم قوله « إن كل نفس لما عليها حافظ » أي ما كل نفس إلا عليها حافظ من الملائكة يحفظ عملها و قولها و فعلها و يحصي ما يكتسبه من خير و شر و من قرأ لما بالتخفيف فالمعنى إن كل نفس
مجمع البيان ج : 10 ص : 715
لعليها حافظ يحفظها و قال قتادة حافظ من الملائكة يحفظ عملها و رزقها و أجلها ثم نبه سبحانه على البعث بقوله « فلينظر الإنسان » يعني المكذب بالبعث عن مقاتل « مم خلق » أي فلينظر نظر التفكر و الاستدلال من أي شيء خلقه الله و كيف خلقه و أنشأه حتى يعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته ثم ذكر من أي شيء خلقه فقال « خلق من ماء دافق » أي من ماء مهراق في رحم المرأة يعني المني الذي يكون منه الولد عن ابن عباس قال الفراء و أهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم نحو سر كاتم و هم ناصب و ليل نائم و قد ذكرناه قبل ثم وصف سبحانه ذلك الماء فقال « يخرج من بين الصلب و الترائب » و هو موضع القلادة من الصدر عن ابن عباس قال عطاء يريد صلب الرجل و ترائب المرأة و الولد لا يكون إلا من الماءين و قيل الترائب اليدان و الرجلان و العينان عن الضحاك و سئل عكرمة عن الترائب فقال هذه و وضع يده على صدره بين ثدييه و قيل ما بين المنكبين و الصدر عن مجاهد و المشهور في كلام العرب أنها عظام الصدر و النحر « إنه على رجعه لقادر » يعني أن الذي خلقه ابتداء من هذا الماء يقدر على أن يرجعه حيا بعد الموت عن الحسن و قتادة و الجبائي و قيل معناه أنه تعالى على رد الماء في الصلب لقادر عن عكرمة و مجاهد و قيل إنه على رد الإنسان ماء كما كان قادر عن الضحاك و قال مقاتل بن حيان يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب و من الشباب إلى الصبي و من الصبي إلى النطفة و الأصح القول الأول لقوله « يوم تبلى السرائر » أي أنه قادر على بعثه يوم القيامة و معنى الرجع رد الشيء إلى أول حاله و السرائر أعمال بني آدم و الفرائض التي أوجبت عليه و هي سرائر بين الله و العبد و تبلى أي تختبر تلك السرائر يوم القيامة حتى يظهر خيرها من شرها و مؤديها من مضيعها روي ذلك مرفوعا عن أبي الدرداء قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ضمن الله خلقه أربع خصال الصلاة و الزكاة و صوم رمضان و الغسل من الجنابة و هي السرائر التي قال الله « يوم تبلى السرائر » و عن معاذ بن جبل قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ما هذه السرائر التي تبلى بها العباد في الآخرة فقال سرائركم هي أعمالكم من الصلاة و الصيام و الزكاة و الوضوء و الغسل من الجنابة و كل مفروض لأن الأعمال كلها سرائر خفية فإن شاء قال الرجل صليت و لم يصل و إن شاء قال توضأت و لم يتوضأ فذلك قوله « يوم تبلى السرائر » و قيل يظهر الله أعمال كل أحد لأهل القيامة حتى يعلموا على أي شيء أثابه و يكون فيه زيادة سرور له و إن يكن من أهل العقوبة يظهر عمله ليعلموا على أي شيء عاقبه و يكون ذلك زيادة غم له و السرائر ما أسره من خير أو شر و ما أضمره من إيمان أو كفر و روي عن عبد الله بن عمر أنه قال يبدي الله يوم القيامة كل سر و يكون زينا في الوجوه و شينا في الوجوه « فما له » أي فما لهذا الإنسان المنكر للبعث و الحشر « من قوة »
مجمع البيان ج : 10 ص : 716
يمتنع به من عذاب الله « و لا ناصر » ينصره من الله و القوة هي القدرة ثم ذكر سبحانه قسما آخر تأكيدا لأمر القيامة فقال « و السماء ذات الرجع » أي ذات المطر عن أكثر المفسرين و قيل يعني بالرجع شمسها و قمرها و نجومها تغيب ثم تطلع عن ابن زيد و قيل رجع السماء إعطاؤها الخير الذي يكون من جهتها حالا بعد حال على مرور الأزمان فترجع بالغيث و أرزاق العباد و غير ذلك « و الأرض ذات الصدع » تتصدع بالنبات أي تنشق فيخرج منها النبات و الأشجار « إنه لقول فصل » هذا جواب القسم يعني أن القرآن يفصل بين الحق و الباطل بالبيان عن كل واحد منهما و روي ذلك عن الصادق (عليه السلام) و قيل معناه إن الوعد بالبعث و الإحياء بعد الموت قول فصل أي مقطوع به لا خلاف و لا ريب فيه « و ما هو بالهزل » أي هو الجد و ليس باللعب و قيل إن القرآن لم ينزل باللعب ثم أخبر سبحانه عن مشركي قريش فقال « إنهم يكيدون كيدا » أي يحتالون في الإيقاع بك و بمن معك و يريدون إطفاء نورك « و أكيد كيدا » أي أريد أمرا آخر على ضد ما يريدون و أدبر ما ينقض تدابيرهم و مكايدهم فسمى ذلك كيدا من حيث يخفى ذلك عليهم « فمهل الكافرين » أي انتظر بهم يا محمد و لا تعاجلهم و ارض بتدبير الله فيهم « أمهلهم رويدا » أي إمهالا قليلا عن قتادة و إنما قلل الإمهال لأن ما هو كائن آت لا محالة فهو قليل و المراد به يوم القيامة و قيل أراد يوم بدر و المعنى لا تعجل علي في طلب هلاكهم بل اصبر عليهم قليلا فإن الله مجزيهم لا محالة إما بالقتل و الذل في الدنيا أو بالعذاب في الآخرة قال ابن جني قوله « فمهل الكافرين أمهلهم » غير اللفظ لأنه أثر التأكيد و كره التكرير فلما تجشم إعادة اللفظ انحرف عنه بعض الانحراف بتغييره المثال و انتقل عن لفظ فعل إلى لفظ افعل فقال « أمهلهم » و لما تجشم التثليث جاء بالمعنى و ترك اللفظ البتة فقال « رويدا » .

مجمع البيان ج : 10 ص : 717
( 87 ) سورة الأعلى مكية و آياتها تسع عشرة ( 19 )
مكية عن ابن عباس مدنية عن الضحاك و هي تسع عشرة آية بلا خلاف .

فضلها

أبي بن كعب قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأها أعطاه الله من الأجر عشر حسنات بعدد كل حرف أنزله الله على إبراهيم و موسى و محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و روي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يحب هذه السورة سبح اسم ربك الأعلى و أول من قال سبحان ربي الأعلى ميكائيل و عن ابن عباس كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال سبحان ربي الأعلى و كذلك روي عن علي (عليه السلام) و ابن عمر و ابن الزبير أنهم كانوا يفعلون ذلك و روى جويبر عن الضحاك أنه كان يقول ذلك و كان يقول من قرأها فليفعل ذلك و عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ سبح اسم ربك الأعلى في فريضة أو نافلة قيل له يوم القيامة أدخل من أي أبواب الجنة شئت و روى العياشي بإسناده عن أبي حميصة عن علي (عليه السلام) قال صليت خلفه عشرين ليلة فليس يقرأ إلا سبح اسم ربك و قال لو يعلمون ما فيها لقرأها الرجل كل يوم عشرين مرة و إن من قرأها فكأنما قرأ صحف موسى و إبراهيم الذي وفى و عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اجعلوها في ركوعكم و لما نزلت « سبح اسم ربك الأعلى » قال اجعلوها في سجودكم .


تفسيرها

لما ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر الوعيد و التهديد للكفار افتتح هذه السورة بذكر صفاته العلى و قدرته على ما يشاء فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 718

سورة الأعلى
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سبِّح اسمَ رَبِّك الأَعْلى(1) الَّذِى خَلَقَ فَسوَّى(2) وَ الَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى(3) وَ الَّذِى أَخْرَجَ المَْرْعَى(4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى(5) سنُقْرِئُك فَلا تَنسى(6) إِلا مَا شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَْهْرَ وَ مَا يخْفَى(7) وَ نُيَسرُك لِلْيُسرَى(8) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى(9) سيَذَّكَّرُ مَن يخْشى(10) وَ يَتَجَنَّبهَا الأَشقَى(11) الَّذِى يَصلى النَّارَ الْكُبرَى(12) ثمَّ لا يَمُوت فِيهَا وَ لا يحْيى(13) قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكى(14) وَ ذَكَرَ اسمَ رَبِّهِ فَصلى(15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا(16) وَ الاَخِرَةُ خَيرٌ وَ أَبْقَى(17) إِنَّ هَذَا لَفِى الصحُفِ الأُولى(18) صحُفِ إِبْرَهِيمَ وَ مُوسى(19)

القراءة

قرأ الكسائي قدر بالتخفيف و هو قراءة علي (عليه السلام) و الباقون « قدر » بالتشديد و قرأ أبو عمرو و روح و زيد و قتيبة يؤثرون بالياء و الباقون بالتاء .

الحجة

قد تقدم أن قدر في معنى قدر فكلا الوجهين حسن و تؤثرون بالتاء على الخطاب بل أنتم تؤثرون و الياء على أنه يريد الأشقين و روي أن ابن مسعود و الحسن قرءاه .

اللغة

الأعلى نظير الأكبر و معناه العالي بسلطانه و قدرته و كل من دونه في سلطانه و لا يقتضي ذلك المكان قال الفرزدق :
إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز و أطول و الغثاء ما يقذف به السيل على جانب الوادي من الحشيش و النبات و أصله الأخلاط من أجناس شتى و العرب تسمي القوم إذا اجتمعوا من قبائل شتى أخلاطا و غثاء و الأحوى الأسود و الحوة السواد قال ذو الرمة :
لمياء في شفتيها حوة لعس
و في اللثات و في أنيابها شنب
مجمع البيان ج : 10 ص : 719

و قال :
قرحاء حوء أشراطية و كفت
فيها الذهاب و حفتها البراعيم و الإقراء أخذ القراءة على القارىء بالاستماع لتقويم الزلل و القارىء التالي و أصله الجمع لأنه يجمع الحروف و النسيان ذهاب المعنى عن النفس و نظيره السهو و نقيضه الذكر و هو ذهاب العلم الضروري بما جرت به العادة أن يعلمه و ليس بمعنى و قال أبو علي الجبائي و هو معنى من فعل الله تعالى .

الإعراب

الأعلى يحتمل أن يكون جرا صفة لرب و أن يكون نصبا صفة لاسم أحوى نصب على الحال من المرعى و التقدير أخرج المرعى أحوى أي أسود لشدة خضرته « فجعله غثاء » أي جففه حتى صار جافا كالغثاء و يجوز أن يكون نعتا لغثاء و التقدير فجعله غثاء أسود و الأول أوجه و هو قول الزجاج .
« ما شاء الله » في موضع نصب على الاستثناء و التقدير سنقرئك القرآن فلا تنساه إلا ما شاء الله أن تنساه برفع حكمه و تلاوته و هو قول الحسن و قتادة « إن نفعت الذكرى » شرط جزاؤه محذوف يدل عليه قوله « فذكر » و التقدير إن نفعت الذكرى فذكرهم .

المعنى

« سبح اسم ربك الأعلى » أي قل سبحان ربي الأعلى عن ابن عباس و قتادة و قيل معناه نزه ربك عن كل ما لا يليق به من الصفات المذمومة و الأفعال القبيحة لأن التسبيح هو التنزيه لله عما لا يليق به يجوز أن تقول لا إله إلا هو فتنفي ما لا يجوز في صفته من شريك في عبادته مع الإقرار بأنه الواحد في إلهيته و أراد بالاسم المسمى و قيل إنه ذكر الاسم و المراد به تعظيم المسمى كما قال لبيد
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما و يحسن بالقارىء إذا قرأ هذه الآية أن يقول سبحان ربي الأعلى و إن كان في الصلاة قال الباقر (عليه السلام) إذا قرأت « سبح اسم ربك الأعلى » فقل سبحان ربي الأعلى و إن كان فيما بينك و بين نفسك و الأعلى معناه القادر الذي لا قادر أقدر منه القاهر لكل أحد و قيل الأعلى صفة الاسم و المعنى سبح الله بذكر اسمه الأعلى و أسماؤه الحسنى كلها أعلى و قيل معناه صل باسم ربك الأعلى عن ابن عباس « الذي خلق » الخلق « فسوى » بينهم في باب الأحكام و الإتقان و قيل خلق
مجمع البيان ج : 10 ص : 720

كل ذي روح فسوى يديه و عينيه و رجليه عن الكلبي و قيل خلق الإنسان فعدل قامته عن الزجاج يعني أنه لم يجعله منكوسا كالبهائم و الدواب و قيل خلق الأشياء على موجب إرادته و حكمته فسوى صنعها لتشهد على وحدانيته « و الذي قدر فهدى » أي قدر الخلق على ما خلقهم فيه من الصور و الهيئات و أجرى لهم أسباب معايشهم من الأرزاق و الأقوات ثم هداهم إلى دينه بمعرفة توحيده بإظهار الدلالات و البينات و قيل معناه قدر أقواتهم و هداهم لطلبها و قيل قدرهم على ما اقتضته حكمته فهدى أي أرشد كل حيوان إلى ما فيه منفعته و مضرته حتى أنه سبحانه هدى الطفل إلى ثدي أمه و هدى الفرخ حتى طلب الزق من أبيه و أمه و الدواب و الطيور حتى فزع كل منهم إلى أمه و طلب الميمنة من جهته سبحانه و تعالى و قيل قدرهم ذكورا و إناثا و هدى الذكر كيف يأتي الأنثى عن مقاتل و الكلبي و قيل هدى إلى سبيل الخير و الشر عن مجاهد و قيل قدر الولد في البطن تسعة أشهر أو أقل أو أكثر و هدى للخروج منه للتمام عن السدي و قيل قدر المنافع في الأشياء و هدي الإنسان لاستخراجها منه فجعل بعضها غذاء و بعضها دواء و بعضها سما و هدى إلى ما يحتاج إلى استخراجها من الجبال و المعادن كيف تستخرج و كيف تستعمل « و الذي أخرج المرعى » أي أنبت الحشيش من الأرض لمنافع جميع الحيوان و أقواتهم « فجعله » بعد الخضرة « غثاء » أي هشيما جافا كالغثاء الذي تراه فوق السيل « أحوى » أي أسود بعد الخضرة و ذلك أن الكلأ إذا يبس اسود و قيل معناه أخرج العشب و ما ترعاه النعم أحوى أي شديد الخضرة يضرب إلى السواد من شدة خضرته فجعله غثاء أي يابسا بعد ما كان رطبا و هو قوت البهائم في الحالين فسبحان من دبر هذا التدبير و قدر هذا التقدير و قيل إنه مثل ضربه الله تعالى لذهاب الدنيا بعد نضارتها « سنقرئك فلا تنسى » أي سنأخذ عليك قراءة القرآن فلا تنسى ذلك و قيل معناه سيقرأ عليك جبريل القرآن بأمرنا فتحفظه و لا تنساه قال ابن عباس كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا نزل عليه جبرائيل (عليه السلام) بالوحي يقرأه مخافة أن ينساه فكان لا يفرغ جبرائيل (عليه السلام) من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله فلما نزلت هذه الآية لم ينس بعد ذلك شيئا « إلا ما شاء الله » أن ينسيكه بنسخه من رفع حكمه و تلاوته عن الحسن و قتادة و على هذا فالإنشاء نوع من النسخ و قد مر بيانه في سورة البقرة عند قوله ما ننسخ من آية أو ننسها الآية و قيل معناه إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله عليك فلا تقرأه و قيل إلا ما شاء الله كالاستثناء في الإيمان و إن لم يقع منه مشيئة النسيان قال الفراء لم يشأ الله أن ينسي عليه السلم شيئا فهو كقوله خالدين فيها ما دامت السماوات
مجمع البيان ج : 10 ص : 721
و الأرض إلا ما شاء ربك و لا يشاء و كقول القائل لأعطينك كل ما سألت إلا ما شئت و إلا أن أشاء أن أمنعك و النية أن لا يمنعه و مثله الاستثناء في الإيمان ففي الآية بيان لفضيلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إخبار أنه مع كونه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أميا كان يحفظ القرآن و إن جبرائيل (عليه السلام) كان يقرأ عليه سورة طويلة فيحفظه بمرة واحدة ثم لا ينساه و هذه دلالة على الإعجاز الدال على نبوته .
« إنه يعلم الجهر و ما يخفى » معناه إن الله سبحانه يعلم العلانية و السر .
و الجهر رفع الصوت و نقيضه الهمس و المعنى أنه سبحانه يحفظ عليك ما جهرت به و ما أخفيته مما تريد أن تعيه « و نيسرك لليسرى » اليسرى هي الفعلى من اليسر و هو سهولة عمل الخير و المعنى نوفقك للشريعة اليسرى و هي الحنيفية و نهون عليك الوحي و نسهله حتى تحفظه و لا تنساه و تعمل به و لا تخالفه و قيل معناه نسهل لك من الألطاف و التأييد ما يثبتك على أمرك و يسهل عليك المستصعب من تبليغ الرسالة و الصبر عليه عن أبي مسلم و هذا أحسن ما قيل فيه فإنه يتصل بقوله « سنقرئك فلا تنسى » فكأنه سبحانه أمره بالتبليغ و وعده النصر و أمره بالصبر و قيل إن اليسرى عبادة عن الجنة فهي اليسرى الكبرى أي نيسر لك دخول الجنة عن الجبائي « فذكر » أمر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن يذكر الخلق و يعظهم « إن نفعت الذكرى » و إنما قال ذلك و ذكراه تنفع لا محالة في عمل الإيمان و الامتناع من العصيان لأنه ليس بشرط حقيقة و إنما هو إخبار عن أنه ينفع لا محالة في زيادة الطاعة و الانتهاء عن المعصية كما يقال سله إن نفع السؤال و قيل معناه عظهم إن نفعت الموعظة أو لم تنفع لأنه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بعث للإعذار و الإنذار فعليه التذكير في كل حال نفع أو لم ينفع و لم يذكر الحالة الثانية كقوله سرابيل تقيكم الحر و سرابيل تقيكم بأسكم و قد نبه الله سبحانه على تفصيل الحالتين بقوله « سيذكر من يخشى » أي سيتعظ بالقرآن من يخشى الله تعالى و يخاف عقابه « و يتجنبها » أي يتجنب الذكرى و الموعظة « الأشقى » أي أشقى العصاة فإن للعاصين درجات في الشقاوة فأعظمهم درجة فيها الذي كفر بالله و توحيده و عبد غيره و قيل الأشقى من الاثنين من يخشى و من يتجنب عن أبي مسلم « الذي يصلى النار الكبرى » أي يلزم أكبر النيران و هي نار جهنم و النار الصغرى نار الدنيا عن الحسن و قيل إن النار الكبرى هي الطبقة السفلى من جهنم عن الفراء « ثم لا يموت فيها » فيستريح « و لا يحيى » حياة ينتفع بها بل صارت حياته وبالا عليه يتمنى زوالها لما هو معها من فنون العقاب و ألوان العذاب و قيل و لا يحيى أي و لا يجد روح الحياة « قد أفلح من تزكى » أي قد فاز من تطهر من الشرك و قال لا إله إلا الله عن عطاء و عكرمة و قيل معناه قد ظفر بالبغية من صار زاكيا بالأعمال الصالحة و الورع عن ابن عباس و الحسن و قتادة و قيل زكى أي أعطى زكاة ماله عن ابن مسعود و كان يقول قد رحم الله امرأ تصدق ثم صلى و يقرأ هذه
مجمع البيان ج : 10 ص : 722
الآية و قيل أراد صدقة الفطرة و صلاة العيد عن أبي عمرو و أبي العالية و عكرمة و ابن سيرين و روي ذلك مرفوعا عن أبي عبد الله (عليه السلام) و متى قيل على هذا القول كيف يصح ذلك و السورة مكية و لم يكن هناك صلاة عيد و لا زكاة و لا فطرة قلنا يحتمل إن يكون نزلت أوائلها بمكة و ختمت بالمدينة « و ذكر اسم ربه فصلى » أي وحد الله عن ابن عباس و قيل ذكر الله بقلبه عند صلاته فرجا ثوابه و خاف عقابه فإن الخشوع في الصلاة بحسب الخوف و الرجاء و قيل ذكر اسم ربه بلسانه عند دخوله في الصلاة فصلى بذلك الاسم أي قال الله أكبر لأن الصلاة لا تنعقد إلا به و قيل هو أن يفتتح ببسم الله الرحمن الرحيم و يصلي الصلوات الخمس المكتوبة ثم قال سبحانه مخاطبا للكفار « بل تؤثرون » أي تختارون « الحياة الدنيا » على الآخرة فتعملون لها و تعمرونها و لا تتفكرون في أمر الآخرة و قيل هو عام في المؤمن و الكافر بناء على الأعم الأغلب في أمر الناس قال عبد الله بن مسعود إن الدنيا اخضرت لنا و عجل لنا طعامها و شرابها و نساؤها و لذتها و بهجتها و إن الآخرة نعتت لنا و زويت عنا فأخذنا بالعاجل و تركنا الآجل ثم رغب سبحانه في الآخرة فقال « و الآخرة » أي و الدار الآخرة و هي الجنة « خير » أي أفضل « و أبقى » و أدوم من الدنيا و في الحديث من أحب آخرته أضر بدنياه و من أحب دنياه أضر ب آخرته « إن هذا لفي الصحف الأولى » يعني أن هذا الذي ذكر من قوله « قد أفلح » إلى أربع آيات لفي الكتب الأولى التي أنزلت قبل القرآن ذكر فيها فلاح المصلي و المتزكي و إيثار الخلق الدنيا على الآخرة و إن الآخرة خير و قيل معناه أن من تزكى و ذكر اسم ربه فصلى فهو ممدوح في الصحف الأولى كما هو ممدوح في القرآن ثم بين سبحانه أن الصحف الأولى ما هي فقال « صحف إبراهيم و موسى » و في هذا دلالة على أن إبراهيم كان قد أنزل عليه الكتاب خلافا لمن يزعم أنه لم ينزل عليه كتاب و واحدة الصحف صحيفة و روي عن أبي ذر أنه قال قلت يا رسول الله كم الأنبياء فقال مائة ألف نبي و أربعة و عشرون ألفا قلت يا رسول الله كم المرسلون منهم قال ثلاثمائة و ثلاثة عشر و بقيتهم أنبياء قلت كان آدم (عليه السلام) نبيا قال نعم كلمة الله و خلقه بيده يا أبا ذر أربعة الأنبياء عرب هود و صالح و شعيب و نبيك قلت يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب قال مائة و أربعة كتب أنزل الله منها على آدم (عليه السلام) عشر صحف و على شيث خمسين صحيفة و على أخنوخ و هو إدريس ثلاثين صحيفة و هو أول من خط بالقلم و على إبراهيم عشر صحائف و التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان و في الحديث أنه كان في صحف إبراهيم ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبلا على شأنه و قيل إن كتب الله كلها أنزلت في شهر رمضان .

مجمع البيان ج : 10 ص : 723
( 88 ) سورة الغاشية مكية و آياتها ست و عشرون ( 26 )
مكية ست و عشرون آية بالإجماع .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأها حاسبه الله حسابا يسيرا أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من أدمن قراءة هل أتاك حديث الغاشية في فرائضه أو نوافله غشاه الله برحمته في الدنيا و الآخرة و أعطاه الأمن يوم القيامة من عذاب النار .

تفسيرها


ختم الله سبحانه تلك السورة بالترغيب في الآخرة و أنها خير من الدنيا و افتتح هذه أيضا ببيان أحوال الآخرة فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 724

سورة الغاشية
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتَاك حَدِيث الْغَشِيَةِ(1) وُجُوهٌ يَوْمَئذ خَشِعَةٌ(2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ(3) تَصلى نَاراً حَامِيَةً(4) تُسقَى مِنْ عَين ءَانِيَة(5) لَّيْس لهَُمْ طعَامٌ إِلا مِن ضرِيع(6) لا يُسمِنُ وَ لا يُغْنى مِن جُوع(7) وُجُوهٌ يَوْمَئذ نَّاعِمَةٌ(8) لِّسعْيهَا رَاضِيَةٌ(9) فى جَنَّة عَالِيَة(10) لا تَسمَعُ فِيهَا لَغِيَةً(11) فِيهَا عَينٌ جَارِيَةٌ(12) فِيهَا سرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ(13) وَ أَكْوَابٌ مَّوْضوعَةٌ(14) وَ نمَارِقُ مَصفُوفَةٌ(15) وَ زَرَابىُّ مَبْثُوثَةٌ(16) أَ فَلا يَنظرُونَ إِلى الابِلِ كيْف خُلِقَت(17) وَ إِلى السمَاءِ كَيْف رُفِعَت(18) وَ إِلى الجِْبَالِ كَيْف نُصِبَت(19) وَ إِلى الأَرْضِ كَيْف سطِحَت(20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنت مُذَكرٌ(21) لَّست عَلَيْهِم بِمُصيْطِر(22) إِلا مَن تَوَلى وَ كَفَرَ(23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَاب الأَكْبرَ(24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابهُمْ(25) ثمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسابهُم(26)

القراءة

قرأ أهل البصرة غير سهل و أبو بكر تصلى بضم التاء و الباقون بفتحها و قرأ ابن كثير و أهل البصرة غير سهل لا يسمع بضم الياء لاغية بالرفع و قرأ نافع لا تسمع بضم التاء لاغية بالرفع و قرأ الباقون « لا تسمع » بفتح التاء « لاغية » بالنصب و قرأ أبو جعفر إيابهم بتشديد الياء و الباقون بالتخفيف و روي عن علي (عليه السلام) أ فلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت و إلى السماء كيف رفعت و إلى الجبال كيف نصبت و إلى الأرض كيف سطحت بفتح أوائل هذه الحروف كلها و ضم التاء و عن ابن عباس و قتادة و زيد بن أسلم و زيد بن علي إلا من تولى بالتخفيف .

الحجة


حجة من قال « تصلى » قوله سيصلى نارا ذات لهب و قوله إلا من هو صال الجحيم و حجة من قال تصلى قوله ثم الجحيم صلوه و صلوه مثل اصلوه و اللاغية مصدر بمنزلة العاقبة و العافية و يجوز أن تكون صفة نحو أن تقول لا تسمع فيها كلمة لاغية و الأول أوجه لقوله تعالى لا يسمعون فيها لغوا و لا تسمع على بناء الفعل للمفعول به حسن لأن الخطاب ليس بمصروف إلى واحد بعينه و بناء الفعل للفاعل أيضا حسن على الشياع في الخطاب و إن كان لواحد و على هذا و إذا رأيت ثم رأيت نعيما و يجوز أن يكون الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كل واحد من التاء و الياء في تسمع و يسمع حسن على اللفظ و على المعنى و أما قوله إيابهم على التشديد فقال أبو الفتح أنكر أبو حاتم هذه القراءة لأنه حملها على نحو كذبوا كذابا قال و هذا لا يجوز لأنه كان يجب أوابا لأنه فعال فيصح لاحتمال التغيير بالإدغام كقولهم اجلوذ اجلواذا قال أبو الفتح يجوز أن يكونوا قلبوا الواو ياء من أواب و إن كانت متحصنة بالإدغام استحسانا للتخفيف لا وجوبا كما قالوا ديمت السماء في دومت قال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 725


هو الجواد ابن الجواد ابن سبل
إن ديموا جاد و إن جادوا وبل يريد دوموا و قال و يجوز أن يكون بني من آب فيعلت و أصله أيوبت و المصدر إيواب فقلبت الواو ياء لوقوع الياء ساكنة قبلها و يجوز أن يكون أوبت فوعلت و المصدر على الفيعال كالحيقال من حوقلت أنشد الأصمعي :
يا قوم قد حوقلت أو دنوت
و بعد حيقال الرجال الموت فصار أيوابا فقلبت الواو ياء فصار إيابا و أما قراءة علي (عليه السلام) فالمفعول جميعها محذوف لدلالة المعنى عليه أي كيف خلقتها و كيف رفعتها و كيف نصبتها و سطحتها و من قرأ إلا من تولي فإلا افتتاح كلام و من شرط و جوابه « فيعذبه الله » أي فهو يعذبه الله و قد تقدم القول فيه في مواضع .

اللغة

الغاشية المجللة لجميع الجملة غشيه يغشاه غشيانا و أغشاه غيره إذا جعله يغشى و غشاه بمعناه و نصب الرجل ينصب نصبا فهو نصب و ناصب إذا تعب في العمل و الآنية البالغة النهاية في شدة الحر و الضريع نبت تأكله الإبل يضر و لا ينفع و إنما سمي ضريعا لأنه يشتبه عليها أمره فتظنه كغيره من النبت و الأصل من المضارعة و المشابهة و النمارق واحدتها نمرقة و الزرابي البسط الفاخرة واحدتها زربية و المصيطر المتسلط على غيره بالقهر له يقال تصيطر فلان على فلان و صيطر إذا تسلط و قال أبو عبيدة مصيطر و مبيطر لا ثالث لهما في كلام العرب .

الإعراب


« كيف خلقت » يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من خلقت و يجوز أن يكون على المصدر و تكون الجملة التي هي كيف خلقت معلقة بينظرون لأن النظر مؤد إلى العلم « إلا من تولى » هو استثناء منقطع و سيبويه يقدر الاستثناء المنقطع بلكن و الفراء يقدره بسوى .

المعنى

« هل أتيك حديث الغاشية » خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يريد قد أتاك حديث يوم القيامة لأنها تغشى الناس بأهوالها بغتة عن ابن عباس و الحسن و قتادة و قيل الغاشية النار تغشي وجوه الكفار بالعذاب و هذا كقوله تغشى وجوههم النار عن محمد بن كعب و سعيد بن جبير « وجوه يومئذ خاشعة » أي ذليلة بالعذاب الذي يغشاها و الشدائد التي تشاهدها و المراد
مجمع البيان ج : 10 ص : 726
بذلك أرباب الوجوه و إنما ذكر الوجوه لأن الذل و الخضوع يظهر فيها و قيل المراد بالوجوه الكبراء تقول جاءني وجوه بني تميم أي ساداتهم و قيل عنى به وجوه الكفار كلهم لأنها تكبرت عن عبادة الله تعالى عن مقاتل « عاملة ناصبة » فيه وجوه ( أحدها ) أن المعنى عاملة في النار ناصبة فيها عن الحسن و قتادة قالا لم يعمل الله سبحانه في الدنيا فاعملها و انصبها في النار بمعالجة السلاسل و الأغلال قال الضحاك يكلفون ارتقاء جبل من حديد في النار و قال الكلبي يجرون على وجوههم في النار ( و ثانيها ) أن المراد عاملة في الدنيا بالمعاصي ناصبة في النار يوم القيامة عن عكرمة و السدي ( و ثالثها ) عاملة ناصبة في الدنيا يعملون و ينصبون و يتعبون على خلاف ما أمرهم الله تعالى به و هم الرهبان و أصحاب الصوامع و أهل البدع و الآراء الباطلة لا يقبل الله أعمالهم في البدعة و الضلالة و تصير هباء لا يثابون عليها عن سعيد بن جبير و زيد بن أسلم و أبي الضحاك عن ابن عباس و قال أبو عبد الله (عليه السلام) كل ناصب لنا و إن تعبد و اجتهد يصير إلى هذه الآية « عاملة ناصبة » « تصلى نارا حامية » قال ابن عباس قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله و قيل المعنى إن هؤلاء يلزمون الإحراق بالنار التي في غاية الحرارة « تسقى من عين آنية » أي و تسقى أيضا من عين حارة قد بلغت إناها و انتهت حرارتها قال الحسن قد أوقدت عليها جهنم مذ خلقت فدفعوا إليها وردا عطاشا هذا شرابهم ثم ذكر طعامهم فقال « ليس لهم طعام إلا من ضريع » و هو نوع من الشوك يقال له الشبرق و أهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس و هو أخبث طعام و أبشعه لا ترعاه دابة و عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك أمر من الصبر و أنتن من الجيفة و أشد حرا من النار سماه الله الضريع و قال أبو الدرداء و الحسن إن الله يرسل على أهل النار الجوع حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالماء فيستقون فيعطشهم الله سبحانه ألف سنة ثم يسقون من عين آنية شربة لا هنيئة و لا مريئة كلما أدنوه إلى وجوههم سلخ جلود وجوههم و شواها فإذا وصل إلى بطونهم قطعها فذلك قوله و سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم و لما نزلت هذه الآية قال المشركون إن إبلنا لتسمن على الضريع و كذبوا في ذلك لأن الإبل لا ترعاه فقال الله سبحانه تكذيبا لهم « لا يسمن و لا يغني من جوع » أي لا يدفع جوعا و لا يسمن أحدا قال الحسن لا أدري ما الضريع لم أسمع من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) شيئا فيه و قيل هو سم عن مجاهد و قتادة و قيل ضريع بمعنى مضرع أي يضرعهم و يذلهم و قيل يسمى ضريعا لأن آكله يضرع في الإعفاء منه لخشونته و شدة كراهته عن كيسان و قيل هو الحجارة عن سعيد بن جبير ثم وصف سبحانه أهل الجنة فقال « وجوه يومئذ ناعمة » أي
مجمع البيان ج : 10 ص : 727

منعمة في أنواع اللذات ظاهر عليها إثر النعمة و السرور و مضيئة مشرقة « لسعيها » في الدنيا « راضية » حين أعطيت الجنة بعملها و المعنى لثواب سعيها و عملها من الطاعات راضية يريد أنه لما ظهر نفع أعمالهم و جزاء عباداتهم رضوه و حمدوه و هذا كما يقال عند الصباح يحمد القوم السري « في جنة عالية » أي مرتفعة القصور و الدرجات و قيل إن علو الجنة على وجهين علو الشرف و الجلالة و علو المكان و المنزلة بمعنى أنها مشرفة على غيرها و هي أنزه ما تكون و الجنة درجات بعضها فوق بعض كما أن النار دركات « لا تسمع فيها لاغية » أي كلمة ساقطة لا فائدة فيها و قيل لاغية ذات لغو كقولهم نابل و دارع أي ذو نبل و درع قال الحطيئة :
و غررتني و زعمت أنك لابن بالصيف تأمر « فيها » أي في تلك الجنة « عين جارية » قيل إنه اسم جنس و لكل إنسان في قصره من الجنة عين جارية من كل شراب يشتهيه و في العيون الجارية من الحسن و اللذة و المنفعة ما لا يكون في الواقفة و لذلك وصف بها عيون أهل الجنة و قيل إن عيون أهل الجنة تجري في غير أخدود و تجري كما يريد صاحبها « فيها » أي في تلك الجنة « سرر مرفوعة » قال ابن عباس ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد و الدر و الياقوت مرتفعة ما لم يجيء أهلها فإذا أراد أن يجلس عليها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم ترتفع إلى موضعها و السرر جمع سرير و هو مجلس السرور و قيل إنما رفعت ليرى المؤمنون بجلوسهم عليها جميع ما حولهم من الملك « و أكواب موضوعة » على حافات العيون الجارية كلما أراد المؤمن شربها وجدها مملوءة و هي الأباريق ليس لها خراطيم و لا عرى تتخذ للشراب و قيل هي أواني الشراب من الذهب و الفضة و الجواهر بين أيديهم و يشربون بها ما يشتهونه من الأشربة و يتمتعون بالنظر إليها لحسنها « و نمارق مصفوفة » أي وسائد يتصل بعضها ببعض على هيئة مجالس الملوك في الدنيا « و زرابي مبثوثة » و هي البسط الفاخرة و الطنافس المخملة و المبثوثة المبسوطة المنشورة و يجوز أن يكون المعنى أنها مفرقة في المجالس و عن عاصم بن ضمرة عن علي (عليه السلام) أنه ذكر أهل الجنة فقال يجيئون فيدخلون فإذا أسس بيوتهم من جندل اللؤلؤ و سرر مرفوعة و أكواب موضوعة و نمارق مصفوفة و زرابي مبثوثة و لو لا أن الله تعالى قدرها لهم لالتمعت أبصارهم بما يرون و يعانقون الأزواج و يعقدون على السرر و يقولون الحمد لله الذي هدانا لهذا قال قتادة و لما نعت الله الجنة و ما فيها عجب من ذلك أهل الضلال فأنزل الله سبحانه « أ فلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت » و كانت عيشا من عيشهم فيقول أ فلا يتفكرون فيها و ما يخرج الله من ضروعها من بين فرث و دم لبنا خالصا سائغا للشاربين يقول كما صنعت هذا لهم فكذلك أصنع لأهل الجنة في الجنة و قيل معناه أ فلا يعتبرون بنظرهم إلى الإبل و ما ركبه الله عليه من عجيب الخلق فإنه مع
مجمع البيان ج : 10 ص : 728
عظمته و قوته يذلله الصغير فينقاد له بتسخير الله إياه لعباده فيبركه و يحمل عليه ثم يقوم و ليس ذلك في غيره من ذوات الأربع فلا يحمل على شيء منها إلا و هو قائم فأراهم الله سبحانه هذه الآية فيه ليستدلوا على توحيده بذلك عن أبي عمرو بن العلاء و الزجاج و سأل الحسن عن هذه الآية و قيل له الفيل أعظم من الإبل في الأعجوبة فقال أما الفيل فالعرب بعيدو العهد بها ثم هو خنزير لا يركب ظهرها و لا يؤكل لحمها و لا يحلب درها و الإبل من أعز مال العرب و أنفسه تأكل النوى و ألقت و تخرج اللبن و يأخذ الصبي بزمامها فيذهب بها حيث شاء مع عظمها في نفسها و يحكى أن فأرة أخذت بزمام ناقة فأخذت تجرها و هي تتبعها حتى دخلت الحجر فجرت الزمام فبركت الناقة فجرت فقربت فمها من جحر الفأر .
« و إلى السماء كيف رفعت » أي كيف رفعها الله فوق الأرض و جعل بينهما هذا الفضاء الذي به قوام الخلق و حياتهم ثم إلى ما خلقه فيها من بدائع الخلق من الشمس و القمر و الكواكب و علق بها منافع الخلق و أسباب معايشهم « و إلى الجبال كيف نصبت » أي أ و لا يتفكرون في خلق الله سبحانه الجبال أوتادا للأرض و مسكنة لها و أنه لولاها لمادت الأرض بأهلها « و إلى الأرض كيف سطحت » أي كيف بسطها الله و وسعها و لو لا ذلك لما صح الاستقرار عليها و الانتفاع بها و هذه من نعم الله سبحانه على عباده لا توازيها نعمة منعم و فيها دلائل على توحيده و لو تفكروا فيها لعلموا أن لهم صانعا صنعهم و موجدا أوجدهم و لما ذكر سبحانه الأدلة أمر نيته بالتذكير بها فقال « فذكر » يا محمد و التذكير التعريف للذكر بالبيان الذي يقع به الفهم و النفع بالتذكير عظيم لأنه طريق للعلم بالأمور التي يحتاج إليها « إنما أنت مذكر » لهم بنعم الله تعالى عندهم و بما يجب عليهم في مقابلتها من الشكر و العبادة و قد أوضح الله تعالى طريق الحجج في الدين و أكده غاية التأكيد بما لا يسع فيه التقليد بقوله « إنما أنت مذكر » و قوله و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين و قوله إن في ذلك لآية لقوم يعقلون و لقوم يذكرون و يتفكرون و قيل إن المراد فذكرهم بهذه الأدلة و أمرهم بالاستدلال بها و نبههم عليها عن الجبائي و أبي مسلم « لست عليهم بمصيطر » معناه لست عليهم بمتسلط تسليطا يمكنك أن تدخل الإيمان في قلوبهم و تجبرهم عليه و إنما الواجب عليك الإنذار فاصبر على الإنذار و التبليغ و الدعوة إلى الحق و قيل معناه لست عليهم بمتسلط الآن حتى تقاتلهم إن خالفوك و كان هذا قبل نزول آية الجهاد ثم نسخ بالأمر بالقتال و الوجه الصحيح أنه لا نسخ فيه لأن الجهاد ليس بأكره للقلوب و المراد أنك إنما بعثت للتذكير و ليس عليك من ترك قبولهم شيء « إلا من تولى و كفر » أي أعرض عن الذكر و لم يقبل منك و كفر بالله و بما جئت به فكل أمره إلى الله عن الحسن و قيل معناه إلا من تولى و كفر فلست له بمذكر لأنه لا يقبل منك فكأنك لست تذكره « فيعذبه الله
مجمع البيان ج : 10 ص : 729
العذاب الأكبر » و هو الخلود في النار و لا عذاب أعظم منها ثم ذكر سبحانه أن مرجعهم إليه فقال « إن إلينا إيابهم » أي مرجعهم و مصيرهم بعد الموت « ثم إن علينا حسابهم » أي جزاءهم على أعمالهم فهذا جامع بين الوعد و الوعيد و معناه لا يهمنك أمرهم فإنهم و إن عاندوك و آذوك فمصير جميعهم إلى حكمنا لا يفوتوننا و مجازاتهم علينا و عن قريب تقر عينك بما تراه في أعدائك .

النظم

يسأل كيف يتصل ذكر الإبل و ما بعدها بذكر وصف الجنان و نعيمها ( و الجواب ) إنه يتصل بأول السورة و الضمير في قوله « ينظرون » عائد إلى الذين وصفهم بقوله « عاملة ناصبة » و أنه لما ذكر عقابهم و ثواب المؤمنين عاد عليهم بالاحتجاج بالإبل و السماء و الأرض و الجبال و كيفية دلالتها على وجود الصانع الحكيم يريد هلا نظر هؤلاء في صنائع الله فيعرفونه و يعبدونه عن أبي مسلم و قيل إنه لما ذكر سرر الجنة و ارتفاعها تعجبوا من ذلك و قالوا كيف يصعد عليها فأراهم الله سبحانه الإبل و أنه كيف سخرت لبني آدم مع عظمها حتى أنيخت للحمل عليها و تقوم بعد ذلك و كيف أحكم الله خلق السماوات و الأرض و الجبال ردا على أولئك القوم و إنما خص سبحانه هذه الأشياء بالذكر لاستواء الناس كلهم في معرفتها .

مجمع البيان ج : 10 ص : 730
( 89 ) سورة الفجر مكية و آياتها ثلاثون ( 30 )
مكية اثنتان و ثلاثون آية حجازي و ثلاثون كوفي شامي و تسع و عشرون بصري .

اختلافها

أربع آيات « و نعمة » « فقدر عليه رزقه » كلتهما حجازي « بجهنم » حجازي شامي « في عبادي » كوفي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأها في ليال عشر غفر الله له و من قرأها سائر الأيام كانت له نورا يوم القيامة و روى داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم و نوافلكم فإنها سورة الحسين بن علي (عليهماالسلام) من قرأها كان مع الحسين بن علي (عليهماالسلام) يوم القيامة في درجته من الجنة .

تفسيرها

ختم الله سبحانه تلك السورة بأن إياب الخلق إليه و حسابهم عليه و افتتح هذه السورة بتأكيد ذلك المعنى حين أقسم أنه بالمرصاد فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 731

سورة الفجر
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ الْفَجْرِ(1) وَ لَيَال عَشر(2) وَ الشفْع وَ الْوَتْرِ(3) وَ الَّيْلِ إِذَا يَسرِ(4) هَلْ فى ذَلِك قَسمٌ لِّذِى حِجْر(5) أَ لَمْ تَرَ كَيْف فَعَلَ رَبُّك بِعَاد(6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7) الَّتى لَمْ يخْلَقْ مِثْلُهَا فى الْبِلَدِ(8) وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصخْرَ بِالْوَادِ(9) وَ فِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ(10) الَّذِينَ طغَوْا فى الْبِلَدِ(11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ(12) فَصب عَلَيْهِمْ رَبُّك سوْط عَذَاب(13) إِنَّ رَبَّك لَبِالْمِرْصادِ(14) فَأَمَّا الانسنُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبى أَكْرَمَنِ(15) وَ أَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبى أَهَنَنِ(16) َكلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ(17) وَ لا تحَضونَ عَلى طعَامِ الْمِسكِينِ(18) وَ تَأْكلُونَ الترَاث أَكلاً لَّمًّا(19) وَ تحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا(20) َكلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْض دَكًّا دَكًّا(21) وَ جَاءَ رَبُّك وَ الْمَلَك صفًّا صفًّا(22) وَ جِاىءَ يَوْمَئذِ بجَهَنَّمَ يَوْمَئذ يَتَذَكرُ الانسنُ وَ أَنى لَهُ الذِّكْرَى(23) يَقُولُ يَلَيْتَنى قَدَّمْت لحَِيَاتى(24) فَيَوْمَئذ لا يُعَذِّب عَذَابَهُ أَحَدٌ(25) وَ لا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ(26) يَأَيَّتهَا النَّفْس الْمُطمَئنَّةُ(27) ارْجِعِى إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً(28) فَادْخُلى فى عِبَدِى(29) وَ ادْخُلى جَنَّتى(30)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم و الوتر بكسر الواو و الباقون بالفتح و قرأ أبو جعفر و ابن عامر فقدر بالتشديد و الباقون بالتخفيف و قرأ لا يكرمون بالياء و كذلك ما بعده أهل البصرة و الباقون بالتاء و قرأ لا تحاضون أهل الكوفة و أبو جعفر و قرأ لا يعذب و لا يوثق بالفتح الكسائي و يعقوب و سهل و الباقون « لا يعذب » و « لا يوثق » و قرأ أهل المدينة و أبو عمرو و قتيبة عن
مجمع البيان ج : 10 ص : 732
الكسائي و الليل إذا يسري بإثبات الياء في الوصل و حذفها في الوقف و قرأ ابن كثير و يعقوب بإثبات الياء في الوصل و الوقف و الباقون بالحذف فيهما و قرأ القواس و البزي و يعقوب بالوادي بإثبات الياء في الوصل و الوقف و ورش بإثباتها في الوصل و حذفها في الوقف و الباقون بحذفها في الوصل و الوقف و قرأ أهل المدينة أكرمني و أهانني بإثبات الياء في الوصل و حذفها في الوقف و القواس و البزي و يعقوب بإثبات الياء في الوصل و الوقف و أبو عمرو لا يبالي كيف قرأ بالياء و غير الياء و روى العياشي عنه بحذف الياء من غير تخيير و الباقون بحذف الياء في الحرفين في الوصل و الوقف و في الشواذ قراءة ابن عباس بعاد إرم ذات العماد و روي ذلك عن الضحاك أيضا و قراءة ابن عباس و عكرمة و الضحاك و ابن السميقع فادخلي في عبدي .

الحجة

قال أبو علي حدثنا محمد بن السري أن الأصمعي قال لكل فرد وتر و أهل الحجاز يفتحون فيقولون وتر في الفرد و يكسرون الوتر في الذحل و قيس و تميم يسوونهما في الكسر و يقولون في الوتر الذي هو الإفراد أوترت و أنا أوتر إيثارا أي جعلت أمري وترا و في الذحل وترته أتره وترا وترة قال أبو بكر وترته في الذحل إنما هو أفردته من أهله و ماله و من قرأ يكرمون و ما بعده بالياء فلما تقدم من ذكر الإنسان و المراد به الجنس و الكثرة على لفظ الغيبة و لا يمتنع في هذه الأشياء الدالة على الكثرة أن يحمل على اللفظ مرة و على المعنى أخرى و من قرأ بالتاء فعلى معنى قل لهم ذلك و معنى لا تحضون على طعام المسكين لا تأمرون به و لا تبعثون عليه « و لا تحاضون » تتفاعلون منه و قوله « و لا يعذب عذابه أحد » معناه لا يعذب تعذيبه فوضع العذاب موضع التعذيب كما وضع العطاء موضع الإعطاء في قوله
و بعد عطائك المائة الرتاعا فالمصدر الذي هو عذاب مضاف إلى المفعول به مثل دعاء الخير و المفعول به الإنسان المتقدم ذكره في قوله « يوم يتذكر الإنسان » و الوصاق أيضا موضع الإيثاق فأما من قرأ لا يعذب فقد قيل إن المعنى فيه أنه لا يتولى عذاب الله تعالى يومئذ أحد و الأمر يومئذ أمره و لا أمر لغيره هذا قول و قد قيل أيضا لا يعذب أحد في الدنيا مثل عذاب الله في الآخرة و كان الذي حمل قائل هذا القول على أن قاله إنه إن حمله على ظاهره كان المعنى لا يعذب أحد في الآخرة مثل عذاب الله و معلوم أنه لا يعذب أحد في الآخرة مثل
مجمع البيان ج : 10 ص : 733

عذاب الله إنما المعذب الله تعالى فعدل عن الظاهر لذلك .
و لو قيل إن المعنى فيومئذ لا يعذب أحد أحدا تعذيبا مثل تعذيب الكافر المتقدم ذكره فأضيف المصدر إلى المفعول به كما أضيف إليه في القراءة الأولى و لم يذكر الفاعل كما لم يذكره في مثل قوله تعالى من دعاء الخير لكان المعنى في القراءتين سواء و الذي يرد بأحد الملائكة الذين يتولون تعذيب أهل النار و يكون ذلك كقوله يوم يسحبون في النار على وجوههم و قوله و لو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم و قوله « و لهم مقامع من حديد » لا شبهة أن يكون هذا القول أولى و الفاعل له هم الملائكة قال و وجه قول من قال يسري بالياء وصل أو وقف إن الفعل لا يحذف منه في الوقف كما يحذف من الأسماء نحو قاض و غاز فتقول هو يقضي و أنا أقضي فتثبت الياء و لا تحذف كما تحذف من الاسم نحو هذا قاض و ليس إثبات الياء بالأحسن في الوقف من الحذف و ذلك أنها فاصلة و جميع ما لا يحذف في الكلام و ما يختار فيه أن لا يحذف نحو القاضي بالألف و اللام يحذف إذا كان في قافية أو فاصلة قال سيبويه : و الفاصلة نحو « و الليل إذا يسر » و يوم التناد و الكبير المتعال فإذا كان شيء من ذلك في كلام تام شبه بالفاصلة فحسن حذفها نحو قوله « ذلك ما كنا نبغ » فإن قلت كيف كان الاختيار فيه أن يحذف إذا كان في فاصلة أو قافية و هذه الحروف من أنفس الكلم و هلا لم يستحسن حذفها كما أثبت سائر الحروف و لم يحذف و القول في ذلك أن الفواصل و القوافي في مواضع الوقف و الوقف موضع تغير فلما كان الوقف تغير فيه الحروف الصحيحة بالتضعيف و الإسكان و روم الحركة غيرت فيه هذه الحروف المشابهة للزيادة بالحذف أ لا ترى أن النداء لما كان في موضع حذف بالترخيم و الحذف للحروف الصحيحة ألزموا الحذف في أكثر الكلام للحرف المتغير و هو تاء التأنيث فكذلك ألزم الحذف في الوقف لهذه الحروف المتغيرة فجعل تغييرها الحذف و لما يراع فيها ما روعي في الحروف الصحيحة فسووا بينها و بين الزائد في الحذف للجزم نحو لم يغز و لم يرم و لم يخش و أجروها مجرى الزائد في الإطلاق نحو
و بعض القوم يخلق ثم لا يفري و ما يمر و ما يحلو كما قالوا
أقوين من حجج و من دهر فلذلك اختير فيها الحذف في الفواصل و القوافي و كذلك قوله « جابوا
مجمع البيان ج : 10 ص : 734
الصخر بالواد » الأوجه فيه الحذف إذا كانت فاصلة و إن كان الأحسن إذا لم تكن فاصلة الإثبات و من قرأ في الوصل يسري بالياء و في الوقف بغير ياء فإنه ذهب إلى أنه إذا لم يقف عليها صار بمنزلة غيرها من المواضع التي لا يوقف عليها فلم تحذف من الفاصلة إذا لم يقف عليها كما لم يحذف من غيرها و حذفها إذا وقف عليها من أجل الوقف و من قرأ « أكرمن » و « أهانن » بغير ياء في وصل و لا وقف فهو كمن قرأ « يسر » في الوصل و الوقف لأن ما قبلها كسرة في فاصلة و من قرأهما بياء في الوصل كمثل من قرأ يسري في الوصل بإثبات الياء و بحذفها في الوقف و رواية سيبويه عن أبي عمرو أنه قرأ « ربي أكرمن » و « ربي أهانن » على الوقف و من قرأ أرم ذات العماد فالمعنى جعلها رميما رمت هي و استرمت و أرمها غيرها قال ابن جني و أما القراءة « بعاد إرم » فعلى أنه أراد أهل إرم هذه المدينة فحذف المضاف و هو يريده كقوله تعالى بزينة الكواكب أي بزينة الكواكب قال و قوله في عبدي لفظه لفظ الواحد و معناه الجمع أي عبادي و ذلك أنه جعل عبادي كالواحد أي لا خلاف بينهم في عبوديته كما لا يخالف الإنسان فيصير كقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هم يد على من سواهم و قال غيره معناه فادخلي في جسم عبدي .

اللغة

الفجر شق عمود الصبح فجرة الله لعباده فجرا إذا أظهره في أفق المشرق مبشرا بإدبار الليل المظلم و إقبال النهار المضيء و هما فجران ( أحدهما ) الفجر المستطيل و هو الذي يصعد طولا كذنب السرحان و لا حكم له في الشرع ( و الآخر ) هو المستطير المنتشر في أفق السماء و هو الذي يحرم عنده الأكل و الشرب لمن أراد أن يصوم في شهر رمضان و هو ابتداء اليوم و الحجر العقل و أصله المنع يقال حجر القاضي على فلان ماله أي منعه من التصرف فيه فالعقل يمنع من المقبحات و يزجر عن فعلها و العماد جمعه عمد و هو ما تبنى به الأبنية و يستعمل في القوة و الشرق يقال فلان رفيع العماد قال :
و نحن إذا عماد البيت خرت
على الأخفاض نمنع من يلينا و الجواب القطع قال النابغة :
أتاك أبو ليلى تجوب به الدجى
دجى الليل جواب الفلاة غشمشم و الغشمشم الطويل و السوط معروف قال الفراء السوط اسم للعذاب و إن لم يكن ثم ضرب بسوط و أصل السوط خلط الشيء بعضه ببعض فكان السوط قسط عذاب يخالط اللحوم و الدماء كما يخالطهما السوط قال الشاعر :
أ حارث أنا لو تساط دماؤنا
 

Back Index Next