جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج10 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 10 ص : 691
الطعم و هذا كقوله كان مزاجها كافورا و كان مزاجها زنجبيلا أي يحذي اللسان و أما قول الكسائي خاتمه فإن معناه آخره كما كان خاتم النبيين معناه آخرهم فالختام المصدر و الخاتم اسم الفاعل كالطابع و التابل و العرب تقول خاتم بالفتح و خاتم و خاتام و خيتام قال سيبويه أدغم أبو عمرو هثوب الكفار و إدغامها فيها حسن و إن كان دون إدغام اللام في الراء في الحسن لتقاربهما و جاز إدغامها فيها لأنه قد أدغم في الشين فيما قد أنشده من قوله
هشيء بكفيك لائق يريد هل شيء .

اللغة


عليون علو على علو مضاعف و لهذا جمع بالواو و النون تفخيما لشأنه و تشبيها بما يعقل في عظم الشأن و هي مراتب عالية محفوفة بالجلالة قال الشاعر :
فأصبحت المذاهب قد أذاعت
به الأعصار بعد الوابلينا يريد قطرا بعد قطر غير محدود العدد و كذلك تفخيم شأن العدد الذي ليس على الواحد نحو ثلاثون و أربعون إلى التسعين و جرت العشرون عليه و قال الزجاج عليون اسم لأعلى الأمكنة و إعرابه كأعراب الجمع لأنه على لفظ الجمع كما تقول هذا قنسرون و رأيت قنسرين و الأرائك الأسرة في الحجال و الرحيق الشراب الذي لا غش فيه قال حسان :
يسقون من ورد البريص عليهم
بردي تصفق بالرحيق السلسل قال الخليل هي أفضل الخمر و أجودها و التنافس تمني كل واحد من النفسين مثل الشيء النفيس الذي للنفس الأخرى أن يكون له تنافسوا في الشيء تنافسا و نافسه فيه منافسة و نفس عليه بالشيء ينفس نفاسة إذا ضن به لجلالة قدره عنده و ذلك الشيء الذي ينفس به نفيس و المزج خلط مائع بمائع على خلاف صفته كمزج الشراب بالماء و التسنيم عين ماء يجري من علو إلى أسفل يتسنم عليهم من الغرف و اشتقاقه من السنام و سنمت العين تسنيما إذا أجريتها عليهم من فوقهم و التغامز إشارة بعضهم إلى بعض بالأعين استهزاء و طلبا للعيب يقال غمز بجفنه إذا أشار و الفاكهون اللاهون و الفكهون المرحون الأشرون و الفكاهة المزاح و أصل الثواب من الرجوع كأنه يرجع على العامل بعمله و ثاب عليه عقله إذا رجع .

الإعراب


« عينا يشرب بها المقربون » يجوز أن تكون منصوبة مفعولة لتسنيم أي مزاجه من ماء متسنم عينا كقوله تعالى « أو إطعام يتيما » و يجوز أن تكون منصوبة على تقدير
مجمع البيان ج : 10 ص : 692
و يسقون من عين و يجوز أن تكون منصوبة على الحال و يكون تسنيم معرفة و عينا نكرة .

المعنى

لما تقدم ذكر حال الفجار عقبه سبحانه بذكر حال الأبرار فقال « كلا » أي لا يؤمنون بالعذاب الذي يصلونه فعلى هذا يتصل بما قبله و قيل معناه حقا و يتصل بما بعده « إن كتاب الأبرار » أي المطيعين لله « لفي عليين » أي مراتب عالية محفوفة بالجلالة و قيل في السماء السابعة و فيها أرواح المؤمنين عن قتادة و مجاهد و الضحاك و كعب و قيل في سدرة المنتهى و هي التي ينتهي إليها كل شيء من أمر الله تعالى عن الضحاك في رواية أخرى و قيل العليون الجنة عن ابن عباس قال الفراء في ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له و قيل هو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيها عن ابن عباس في رواية أخرى و عن البراء بن عازب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال في عليين في السماء السابعة تحت العرش « و ما أدراك ما عليون » و هذا تعظيم لشأن هذه المنزلة و تفخيم لأمرها و تنبيه على أن تفصيل تفضيله لا يمكن العلم به إلا بالمشاهدة ثم قال « كتاب مرقوم » أي هو كتاب مكتوب فيه جميع طاعاتهم و ما تقر به أعينهم و يوجب سرورهم بضد الكتاب الذي للفجار لأن فيه ما يسوؤهم و ينوؤهم و يسخن عيونهم قال مقاتل مرقوم مكتوب لهم بالخيرات في ساق العرش و يدل عليه قوله « يشهده المقربون » يعني الملائكة الذين هم في عليين يشهدون و يحضرون ذلك المكتوب أو ذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين و المقربون هم الذين قربوا إلى كرامة الله في أجل المراتب و قال عبد الله بن عمر أن أهل عليين لينظرون إلى أهل الجنة من كذا فإذا أشرف رجل منهم أشرقت الجنة و قالوا قد اطلع علينا رجل من أهل عليين « إن الأبرار لفي نعيم » أي يحصلون في ملاذ و أنواع من النعمة في الجنة « على الأرائك » قال الحسن ما كنا نعرف ما الأرائك حتى قدم إلينا رجل من أهل اليمن فزعم أن الأريكة عندهم الحجلة إذا كان فيها سرير « ينظرون » إلى ما أعطوا من النعيم و الكرامة و قيل ينظرون إلى عدوهم حين يعذبون عن مقاتل « تعرف في وجوههم نضرة النعيم » أي إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعمة بما ترى في وجوههم من النور و الحسن و البياض و البهجة قال عطاء و ذلك أن الله تعالى قد زاد في جمالهم و ألوانهم ما لا يصفه واصف « يسقون من رحيق » أي خمر صافية خالصة من كل غش « مختوم » و هو الذي له ختام أي عاقبة و قيل مختوم في الآنية بالمسك و هو غير الخمر التي تجري في الأنهار و قيل مختوم أي ممنوع من أن تمسه يد حتى يفك ختمه للأبرار ثم فسر المختوم بقوله « ختامه مسك » أي آخر طعمه ريح المسك إذا رفع الشارب فاه عن آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك عن ابن عباس و الحسن و قتادة .
و قيل ختم
مجمع البيان ج : 10 ص : 693
إناؤه بالمسك بدلا من الطين الذي يختم به الشراب في الدنيا عن مجاهد و ابن زيد قال مجاهد طينه مسك و عن أبي الدرداء قال هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم و لو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل إصبعه فيه ثم أخرجه لم يبق ذو روح إلا و نال طيبها ثم رغب فيها فقال « و في ذلك فليتنافس المتنافسون » أي فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله تعالى و مثله قوله سبحانه لمثل هذا فليعمل العاملون و قيل فليتنازع المتنازعون عن مقاتل و قيل ليتشاح المتشاحون عن زيد بن أسلم و في الحديث من صام لله في يوم صائف سقاه الله على الظمأ من الرحيق المختوم و في وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) و من ترك الخمر لله سقاه الله من الرحيق المختوم « و مزاجه من تسنيم » أي و مزاج ذلك الشراب الذي وصفناه و هو ما يمزج به من تسنيم و هو عين في الجنة و هو أشرف شراب في الجنة قال مسروق يشربها المقربون صرفا و يمزج بها كأس أصحاب اليمين فيطيب و روى ميمون بن مهران أن ابن عباس سئل عن تسنيم فقال هذا مما يقول الله عز و جل فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين و نحو هذا قول الحسن خفايا أخفاها الله لأهل الجنة و قيل هو شراب ينصب عليهم من علو انصبابا عن مقاتل و قيل هو نهر يجري في الهواء فينصب في أواني أهل الجنة بحسب الحاجة عن قتادة ثم فسره سبحانه فقال « عينا يشرب بها المقربون » أي هي خالصة للمقربين يشربونها صرفا و يمزج لسائر أهل الجنة عن ابن مسعود و ابن عباس « إن الذين أجرموا » يعني كفار قريش و مترفيهم كأبي جهل و الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل و أصحابهم « كانوا من الذين آمنوا » يعني أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مثل عمار و خباب و بلال و غيرهم « يضحكون » على وجه السخرية بهم و الاستهزاء في دار الدنيا و يحتمل أن يكون ضحكوا من جدهم في عبادتهم و كثرة صلاتهم و صيامهم لإنكارهم الجزاء و البعث و يجوز أن يكون كان ضحكهم إنكارا و تعجبا من قولهم بالإعادة و إحياء العظام الرميمة و يحتمل أن يكون ذلك لغلوهم في كفرهم و جهلهم و لإيهام العوام أنهم على حق و إن المسلمين على باطل فكانوا يضحكون « و إذا مروا بهم » يعني و إذا مر المؤمنون بهؤلاء المشركين « يتغامزون » بأن يشير بعضهم إلى بعض بالأعين و الحواجب استهزاء بهم أي يقول هؤلاء إنهم على حق و إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنزل عليه الوحي و أنه رسول و إنا نبعث و نحو ذلك و قيل نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) و ذلك أنه كان في نفر من المسلمين جاءوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسخر منهم المنافقون و ضحكوا و تغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه فنزلت الآية قبل أن يصل علي (عليه السلام) و أصحابه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن مقاتل و الكلبي و ذكر الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفضيل بإسناده عن أبي صالح
مجمع البيان ج : 10 ص : 694
عن ابن عباس قال « إن الذين أجرموا » منافقوا قريش و « الذين آمنوا » علي بن أبي طالب (عليه السلام) و أصحابه « و إذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين » يعني و إذا رجع هؤلاء الكفار إلى أهلهم رجعوا معجبين بما هم فيه يتفكهون بذكرهم « و إذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون » عن طريق الحق و الصواب تركوا التنعم رجاء ثواب لا حقيقة لهم خدعهم به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم قال سبحانه « و ما أرسلوا عليهم حافظين » أي و لم يرسل هؤلاء الكفار حافظين على المؤمنين ما هم عليه و ما كلفوا حفظ أعمالهم فكيف يطغون عليهم و لو اشتغلوا بما كلفوه كان ذلك أولى بهم و قيل معناه و ما أرسلوا عليهم شاهدين لأن شهادة الكفار لا تقبل على المؤمنين أي ليسوا شهداء عليهم بل المؤمنون شهداء على الكفار يشهدون عليهم يوم القيامة عن أبي مسلم « فاليوم » يعني يوم القيامة الذي يجازي الله كل أحد على عمله « الذين آمنوا من الكفار يضحكون » كما ضحك الكفار منهم في الدنيا و ذلك أنه يفتح للكفار باب إلى الجنة و يقال لهم أخرجوا إليها فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم يفعل ذلك بهم مرارا فيضحك منهم المؤمنون عن أبي صالح و قيل يضحكون من الكفار إذا رأوهم في العذاب و أنفسهم في النعيم و قيل أن الوجه في ضحك أهل الجنة من أهل النار أنهم لما كانوا أعداء الله و أعداء لهم جعل الله سبحانه لهم سرورا في تعذيبهم و لو كان العفو قد وقع عليهم لم يجز أن يجعل السرور في ذلك لأنه مضمن بالعداوة و قد زالت بالعفو « على الأرائك ينظرون » يعني المؤمنين ينظرون إلى عذاب أعدائهم الكفار على سرر في الحجال ثم قال سبحانه « هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون » أي هل جوزي الكفار إذا فعل بهم هذا الذي ذكره على ما كانوا يفعلونه من السخرية بالمؤمنين في الدنيا و هو استفهام يراد به التقرير و ثوب بمعنى أثيب و قيل معناه يتصل بما قبله و يكون التقدير إن الذين آمنوا ينظرون هل جوزي الكفار بأعمالهم و يكون الجملة متعلقة بينظرون و على القول الأول يكون استئناف كلام لا موضع له من الإعراب و إنما قال « هل ثوب الكفار » فاستعمل لفظ الثواب في العقوبة لأن الثواب في أصل اللغة الجزاء الذي يرجع إلى العامل بعمله و إن كان في العرف اختص الجزاء بالنعيم على الأعمال الصالحة فاستعمل هنا على أصله و قيل لأنه جاء في مقابلة ما فعل بالمؤمنين أي هل ثوب الكفار كما ثوب المؤمنون و هذا القول يكون من قبل الله تعالى أو تقوله الملائكة للمؤمنين تنبيها لهم على أن الكفار جوزوا على كفرهم و استهزائهم بالمؤمنين ما استحقوه من أليم العذاب ليزدادوا بذلك سرورا إلى سرورهم و يحتمل أن يكون ذلك يقوله المؤمنون بعضهم لبعض سرورا بما ينزل بالكفار و كل هذه الوجوه إنما تتجه على القول الأول إذا كانت الجملة كلاما مستأنفا لا تعلق له بما قبله .

مجمع البيان ج : 10 ص : 695
( 84 ) سورة انشقت مكية و آياتها خمس و عشرون ( 25 )
و تسمى سورة الانشقاق مكية .

عدد آيها

ثلاث و عشرون آية بصري شامي و خمس في الباقين .

اختلافها

آيتان « كتابه بيمينه » « وراء ظهره » كلاهما حجازي كوفي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة انشقت أعاذه الله أن يعطيه كتابه وراء ظهره .

تفسيرها

ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر أحوال القيامة و افتتح هذه السورة بمثل ذلك فاتصلت بها اتصال النظير بالنظير فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 696
سورة الانشقاق
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا السمَاءُ انشقَّت(1) وَ أَذِنَت لِرَبهَا وَ حُقَّت(2) وَ إِذَا الأَرْض مُدَّت(3) وَ أَلْقَت مَا فِيهَا وَ تخَلَّت(4) وَ أَذِنَت لِرَبهَا وَ حُقَّت(5) يَأَيُّهَا الانسنُ إِنَّك كادِحٌ إِلى رَبِّك كَدْحاً فَمُلَقِيهِ(6) فَأَمَّا مَنْ أُوتىَ كِتَبَهُ بِيَمِينِهِ(7) فَسوْف يحَاسب حِساباً يَسِيراً(8) وَ يَنقَلِب إِلى أَهْلِهِ مَسرُوراً(9) وَ أَمَّا مَنْ أُوتىَ كِتَبَهُ وَرَاءَ ظهْرِهِ(10) فَسوْف يَدْعُوا ثُبُوراً(11) وَ يَصلى سعِيراً(12) إِنَّهُ كانَ فى أَهْلِهِ مَسرُوراً(13) إِنَّهُ ظنَّ أَن لَّن يحُورَ(14) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً(15) فَلا أُقْسِمُ بِالشفَقِ(16) وَ الَّيْلِ وَ مَا وَسقَ(17) وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسقَ(18) لَترْكَبنَّ طبَقاً عَن طبَق(19) فَمَا لهَُمْ لا يُؤْمِنُونَ(20) وَ إِذَا قُرِىَ عَلَيهِمُ الْقُرْءَانُ لا يَسجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ(22) وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ(23) فَبَشرْهُم بِعَذَاب أَلِيم(24) إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ لهَُمْ أَجْرٌ غَيرُ مَمْنُونِ(25)

القراءة

قرأ أبو جعفر و أهل العراق غير الكسائي « يصلى » بالتخفيف بفتح الياء و الباقون يصلى بضم الياء و التشديد و قرأ ابن كثير و أهل الكوفة غير عاصم لتركبن بفتح الباء و الباقون بضم الباء .

الحجة

قال أبو علي حجة يصلى مشددة اللام ثم الجحيم صلوه و حجة « يصلى » و سيصلون سعيرا اصلوها اليوم و هذا كثير في التنزيل و حجة « لتركبن » قول ابن عباس لتركبن السماء حالا بعد حال مرة كالمهل و مرة كالدهان و ابن مسعود لتركبن يا محمد طبقا عن طبق و مجاهد لتركبن أمرا بعد أمر و الحسن أي حالا عن حال و منزلا عن منزل أبو عبيدة لتركبن سنة من كان قبلكم أبو علي من فتح الباء أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من ضم الباء أراد النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و غيره و الضم يأتي على معنى المفتوحة و فسروا طبقا عن طبق حالا بعد حال و مثل ما فسروا من أن معنى عن معنى بعد قول الأعشى :
ساد و ألفى رهطه سادة
و كابرا سادوك عن كابر
مجمع البيان ج : 10 ص : 697
المعنى كابرا بعد كابر فعن متعلق بسادوك و لا يكون متعلقا بكابر و قد بينوا ذلك في قول النابغة :
بقية قدر من قدور تورثت
لآل الجلاح كابرا بعد كابر و قالوا عرق عن الحمى أي بعدها .

اللغة

الانشقاق افتراق امتداد عن التئام فكل انشقاق افتراق و ليس كل افتراق انشقاقا و الأذن الاستماع تقول العرب أذن لك هذا الأمر أذنا بمعنى استمع لك قال عدي بن زيد :
في سماع يأذن الشيخ له
و حديث مثل ماذي مشار و قال أيضا :
أيها القلب تعلل بددن
إن همي في سماع و أذن و قال آخر
و إن ذكرت بشر عندهم أذنوا و الكدح السعي الشديد في الأمر و الدأب في العمل و يقال كدح الإنسان في عمله يكدح و ثور فيه كدوح أي آثار من شدة السعي قال ابن مقبل :
و ما الدهر إلا تارتان فمنهما
أموت و أخرى أبتغي العيش أكدح و الحور الرجوع حار يحور إذا رجع و كلمته فما حار جوابا أي ما رد جوابا و نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة و التمام و حوره إذا رده إلى البياض و المحور البكرة تدور حتى ترجع إلى مكانها و الشفق هو الحمرة بين المغرب و العشاء الآخرة و هو قول مالك و الشافعي و الأوزاعي و أبي يوسف و محمد و هو قول الخليل و هو المروي عن أئمة الهدى (عليهم السلام) و قال ثعلب هو البياض و هو قول أبي حنيفة قال الفراء سمعت بعض العرب تقول الثوب أحمر كأنه الشفق و قال الشاعر
أحمر اللون كمحمر الشفق و قال آخر :
قم يا غلام أعني غير محتشم
على الزمان بكأس حشوها شفق
مجمع البيان ج : 10 ص : 698

و أصل الشفق الرقة و مثله التشفيق و هو الرقة على خلل فيه و أشفق على كذا إذا رق عليه و خاف هلاكه و ثوب شفق رقيق فالشفق هو الحمرة الرقيقة في المغرب بعد مغيب الشمس و الوسق الجمع وسقته أسقه إذا جمعته و طعام موسوق أي مجموع و الوسق الطعام المجتمع الكثير مما يكال أو يوزن و مقداره ستون صاعا و الاتساق الاجتماع على تمام افتعال من الوسق و أصل الطبق الحال و العرب تسمي الدواهي أم طبق و بنات طبق قال
قد طرقت ببكرها أم طبق و قال في أن الطبق الحال :
الصبر أحمد و الدنيا مفجعة
من ذا الذي لم يذق من عيشه رنقا
إذا صفا لك من مسرورها طبق
أهدى لك الدهر من مكروهها طبقا و قال آخر :
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره
و ساقني طبق منه إلى طبق
فلست أصبو إلى خل يفارقني
و لا تقبض أحشائي من الفرق .

الإعراب

قال الزجاج جواب إذا يدل عليه قوله « فملاقيه » و المعنى إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله و الهاء في قوله « فملاقيه » يجوز أن يكون تقديره فملاق ربك و يجوز أن يكون فملاق كدحك أي عملك و سعيك و قوله « كادح إلى ربك كدحا » قيل إن إلى هنا بمعنى اللام و الوجه الصحيح فيه أن يكون محمولا على المعنى لأن معناه ساع إلى ربك سعيا على أنه يحتمل أن يكون إلى متعلقة بمحذوف و يكون التقدير إنك كادح لنفسك صائر إلى ربك كما أن قوله « و تبتل إليه » يكون على معنى تبتل من الخلق راجعا إلى الله تعالى أو راغبا إليه و قوله « يدعو ثبورا » معناه أنه يقول يا ثبوراه فكأنه يدعوه و يقول يا ثبور تعال فهذا أوانك مثل ما قيل في يا حسرتي فعلى هذا يكون ثبورا مفعولا به « أن لن يحور » تقديره أنه لن يحور فهي مخففة من الثقيلة و لا يجوز أن تكون أن الناصبة للفعل لأنه لا يجوز أن يجتمع عاملان على كلمة واحدة و قوله « فما لهم » مبتدأ و خبر و « لا يؤمنون » جملة منصوبة الموضع على الحال و التقدير أي شيء استقر لهم غير مؤمنين .

مجمع البيان ج : 10 ص : 699

المعنى


« إذا السماء انشقت » أي تصدعت و انفرجت و انشقاقها من علامات القيامة و ذكر ذلك في مواضع من القرآن « و أذنت لربها » أي سمعت و أطاعت في الانشقاق عن ابن عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و قتادة و هذا توسع أي كأنها سمعت و انقادت لتدبير الله « و حقت » أي و حق لها أن تأذن بالانقياد لأمر ربها الذي خلقها و تطيع له « و إذا الأرض مدت » أي بسطت باندكاك جبالها و آكامها حتى تصير كالصحيفة الملساء و قيل إنها تمد مد الأديم العكاظي و تزاد في سعتها عن ابن عباس و قيل سويت فلا بناء و لا جبل إلا دخل فيها عن مقاتل « و ألقت ما فيها » من الموتى و الكنوز مثل و أخرجت الأرض أثقالها عن قتادة و مجاهد « و تخلت » أي خلت فلم يبق في بطنها شيء و قيل معناه ألقت ما في بطنها من كنوزها و معادنها و تخلت مما على ظهرها من جبالها و بحارها « و أذنت لربها و حقت » ليس هذا بتكرار لأن الأول في صفة السماء و الثاني في صفة الأرض و هذا كله من أشراط الساعة و جلائل الأمور التي تكون فيها و التقدير إذا كانت هذه الأشياء التي ذكرناها و عددناها رأي الإنسان ما قدم من خير أو شر و يدل على هذا المحذوف قوله « يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا » أي ساع إليه في عملك و قوله « يا أيها الإنسان » خطاب لجميع المكلفين من ولد آدم يقول الله لهم سبحانه و لكل واحد منهم يا أيها الإنسان إنك عامل عملا في مشقة لتحمله إلى الله و توصله إليه « فملاقيه » أي ملاق جزاءه جعل لقاء جزاء العمل لقاء له تفخيما لشأنه و قيل معناه ملاق ربك أي صائر إلى حكمه حيث لا حكم إلا حكمه و قال ابن الأنباري و البلخي جواب إذا قوله « أذنت لربها و حقت » و الواو زائدة كقوله « حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها » و هذا ضعيف و الأول هو الوجه ثم قسم سبحانه أحوال لخلق يوم القيامة فقال « فأما من أوتي كتابه بيمينه » أي من أعطي كتابه الذي ثبت فيه أعماله من طاعة أو معصية بيده اليمني « فسوف يحاسب حسابا يسيرا » يريد أنه لا يناقش في الحساب و لا يواقف على ما عمل من الحسنات و ما له عليها من الثواب و ما حط عنه من الأوزار إما بالتوبة أو بالعفو و قيل الحساب اليسير التجاوز عن السيئات و الإثابة على الحسنات و من نوقش الحساب عذب في خبر مرفوع و في رواية أخرى يعرف عمله ثم يتجاوز عنه و في حديث آخر ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا و أدخله الجنة برحمته قالوا و ما هي يا رسول الله قال تعطي من حرمك و تصل من قطعك و تعفو عمن ظلمك « و ينقلب » بعد الفراغ من الحساب « إلى أهله مسرورا » بما أوتي من الخير و الكرامة و المراد بالأهل هنا ما أعد الله له من الحور العين و قيل أهله أزواجه و أولاده و عشائره و قد سبقوه إلى الجنة و السرور هو الاعتقاد و العلم بوصول نفع إليه أو دفع ضرر عنه في المستقبل و قال قوم هو معنى في القلب يلتذ
مجمع البيان ج : 10 ص : 700
لأجله بنيل المشتهى يقال سر بكذا من مال أو ولد أو بلوغ أمل فهو مسرور « و أما من أوتي كتابه وراء ظهره » لأن يمينه مغلولة إلى عنقه و تكون يده اليسرى خلف ظهره عن الكلبي و قيل تخلع يده اليسرى خلف ظهره عن مقاتل و الوجه في ذلك أن تكون إعطاء الكتاب باليمين أمارة للملائكة و المؤمنين لكون صاحبه من أهل الجنة و لطفا للخلق في الأخبارية و كناية عن قبول أعماله و إعطاؤه على الوجه الآخر أمارة لهم على أن صاحبه من أهل النار و علامة المناقشة في الحساب و سوء الم آب ثم حكى سبحانه ما يحل به فقال « فسوف يدعو ثبورا » أي هلاكا إذا قرأ كتابه و هو أن يقول وا ثبوراه وا هلاكاه « و يصلى سعيرا » أي يدخل النار و يعذب بها عن الجبائي و قيل يصير صلاء النار المسعرة و قيل يلزم النار معذبا على وجه التأبيد « إنه كان في أهله مسرورا » في الدنيا ناعما لا يهمه أمر الآخرة و لا يتحمل مشقة العبادة فأبدله الله بسروره غما باقيا لا ينقطع و كان المؤمن مهتما بأمر الآخرة فأبدله الله بهمه سرورا لا يزول و لا يبيد و قيل كان مسرورا بمعاصي الله تعالى لا يندم عليها عن الجبائي و قيل إن من عصى و سر بمعصية الله فقد ظن أنه لا يرجع إلى البعث و لو كان موقنا بالبعث و الجزاء لكان بعيدا عن السرور بالمعاصي « إنه ظن أن لن يحور » أي ظن في دار التكليف أنه لم يرجع إلى حال الحياة في الآخرة للجزاء فارتكب المأثم و انتهك المحارم و قال مقاتل حسب أن لا يرجع إلى الله فقال سبحانه « بلى » ليحورن و ليبعثن و ليس الأمر على ما ظنه « إن ربه كان به بصيرا » من يوم خلقه إلى أن يبعثه قال الزجاج كان به بصيرا قبل أن يخلقه عالما بأن مرجعه إليه ثم أقسم سبحانه فقال « فلا أقسم » سبق بيانه في سورة القيامة « بالشفق » أي بالحمرة التي تبقى عند المغرب في الأفق و قيل البياض « و الليل و ما وسق » أي و ما جمع و ضم مما كان منتشرا بالنهار في تصرفه و ذلك أن الليل إذا أقبل أوى كل شيء إلى ماواه عن عكرمة و غيره و قيل و ما ساق لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مسكنه عن الضحاك و مقاتل و قيل « و ما وسق » أي طرد من الكواكب فإنها تظهر بالليل و تخفى بالنهار و أضاف ذلك إلى الليل لأن ظهورها فيه مطرد عن أبي مسلم « و القمر إذا اتسق » أي إذا استوى و اجتمع و تكامل و تم قال الفراء اتساقه امتلاءه و اجتماعه و استواؤه لثلاث عشرة إلى ست عشرة « لتركبن طبقا عن طبق » هذا جواب القسم أي لتركبن يا محمد سماء بعد سماء تصعد فيها عن ابن عباس و ابن مسعود و مجاهد و الشعبي و الكلبي و يجوز أن يريد درجة بعد درجة و رتبة بعد رتبة في المقربة من الله و رفعة المنزلة عنده و روى مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقرأ لتركبن بفتح الباء « طبقا عن طبق » قال يعني نبيكم حالا بعد حال رواه البخاري في الصحيح و من قرأ بالضم فالخطاب للناس أي لتركبن حالا بعد حال و منزلا بعد منزل و أمرا بعد أمر يعني في الآخرة
مجمع البيان ج : 10 ص : 701
و المراد أن الأحوال تتقلب بهم فيصيرون على غير الحال التي كانوا عليها في الدنيا و عن بمعنى بعد كما قال سبحانه « عما قليل ليصبحن نادمين » أي بعد قليل .
و قال الشاعر :
قربا مربط النعامة مني
لقحت حرب وائل عن حيال أي بعد حيال و قيل معناه شدة بعد شدة حياة ثم موت ثم بعث ثم جزاء و روي ذلك مرفوعا و قيل أمرا بعد أمر و رخاء بعد شدة و شدة بعد رخاء و فقرا بعد غنى و غنى بعد فقر و صحة بعد سقم و سقما بعد صحة عن عطا و قيل حالا بعد حال نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم خلقا آخر ثم جنينا ثم وليدا ثم رضيعا ثم فطيما ثم يافعا ثم ناشئا ثم مترعرعا ثم حزورا ثم مراهقا ثم محتلما ثم بالغا ثم أمرد ثم طارا ثم باقلا ثم مسيطرا ثم مطرخما ثم مختطا ثم صملا ثم ملتحيا ثم مستويا ثم مصعدا ثم مجتمعا و الشاب يجمع ذلك كله ثم ملهوزا ثم كهلا ثم أشمط ثم شيخا ثم أشيب ثم حوقلا ثم صفتانا ثم هما ثم هرما ثم ميتا فيشتمل الإنسان من كونه نطفة إلى أن يموت على سبعة و ثلاثين اسما و قيل معناه لتحدثن أمرا لم تكونوا عليه في كل عشرين سنة عن مكحول و قيل معناه لتركبن منزلة عن منزلة و طبقة عن طبقة و ذلك أن من كان على صلاح دعاه ذلك إلى صلاح فوقه و من كان إلى فساد دعاه إلى فساد فوقه لأن كل شيء يجر إلى شكله و قيل لتركبن سنن من كان قبلكم من الأولين و أحوالهم عن أبي عبيدة و روي ذلك عن الصادق (عليه السلام) و المعنى أنه يكون فيكم ما كان فيهم و يجري عليكم ما جرى عليهم حذو القذة بالقذة ثم قال سبحانه على وجه التقريع لهم و التبكيت « فما لهم » يعني كفار قريش « لا يؤمنون » بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و القرآن و المعنى أي شيء لهم إذا لم يؤمنوا و هو استفهام إنكار أي لا شيء لهم من النعيم و الكرامة إذا لم يؤمنوا و قيل معناه فما وجه الارتياب الذي يصرفهم عن الإيمان و هو تعجب منهم في تركهم الإيمان و المراد أي مانع لهم و أي عذر لهم في ترك الإيمان مع وضوح الدلائل « و إذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون » عطف على قوله « فما لهم لا يؤمنون » أي ما الذي يصرفهم عن الإيمان و عن
مجمع البيان ج : 10 ص : 702
السجود لله تعالى إذا تلي عليهم القرآن و قيل معنى لا يسجدون لا يصلون لله تعالى عن عطا و الكلبي و في خبر مرفوع عن أبي هريرة قال قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا السماء انشقت فسجد ثم قال سبحانه « بل الذين كفروا يكذبون » أي لم يتركوا الإيمان لقصور في البيان أو لانقطاع من البرهان لكنهم قلدوا أسلافهم و رؤساءهم في التكذيب بالرسول و القرآن « و الله أعلم بما يوعون » أي يجمعون في صدورهم و يضمرون في قلوبهم من التكذيب و الشرك عن ابن عباس و قتادة و مقاتل و قيل بما يجمعون من الأعمال الصالحة و السيئة عن ابن زيد قال الفراء أصل الإيعاء جعل الشيء في وعاء و القلوب أوعية لما يحصل فيها من علم أو جهل و في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ثم قال « فبشرهم » يا محمد « بعذاب أليم » أي اجعل ذلك لهم بدل البشارة للمؤمنين بالرحمة ثم استثنى سبحانه المؤمنين من جملة المخاطبين فقال « إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون » أي غير منقوص و لا مقطوع لأن نعيم الآخرة غير منقطع عن ابن عباس و قيل غير منقص و لا مكدر بالمن عن الجبائي و روي ذلك عن الحسن و قيل له من و لا منة و إنما قيل له من و له منة لأنه يقطع عن شكر النعمة و أصل المن القطع يقال مننت الحبل إذا قطعته قال لبيد :
لمعفر قهد تنازع شلوه
غبس كواسب ما يمن طعامها و قيل ليس لأحد عليها منة فيما يكسب و في قوله سبحانه « فما لهم لا يؤمنون » و « لا يسجدون » دلالة على أن الإيمان و السجود فعلهم لأن الحكيم لا يقول ما لك لا تؤمن و لا تسجد لمن يعلم أنه لا يقدر على الإيمان و السجود و لو وجد ذلك لم يكن من فعله و يدل قوله « لا يسجدون » على أن الكفار مخاطبون بالعبادات .

النظم

وجه اتصال قوله « إن ربه كان به بصيرا » بما قبله أنه سبحانه لما أخبر عن ظن الكافر أن لن يحور عقبه بالإخبار بأنه يحور و القطع عليه و ذكر أنه بصير به و قيل أن تقديره بلى سيرجع إلى الآخرة و ربه بصير بأحواله فسيجازيه بأعماله .

مجمع البيان ج : 10 ص : 703
( 85 ) سورة البروج مكية و آياتها ثنتان و عشرون ( 22 )
مكية اثنتان و عشرون آية بالإجماع .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأها أعطاه الله من الأجر بعدد كل يوم جمعة و كل يوم عرفة يكون في دار الدنيا عشر حسنات يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ و السماء ذات البروج في فرائضه فإنها سورة النبيين كان محشره و موقفه مع النبيين و المرسلين

تفسيرها


ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر المؤمنين و افتتح هذه السورة أيضا بذكر المؤمنين من أصحاب الأخدود فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 704

سورة البروج
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ السمَاءِ ذَاتِ الْبرُوج(1) وَ الْيَوْمِ المَْوْعُودِ(2) وَ شاهِد وَ مَشهُود(3) قُتِلَ أَصحَب الأُخْدُودِ(4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ(5) إِذْ هُمْ عَلَيهَا قُعُودٌ(6) وَ هُمْ عَلى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شهُودٌ(7) وَ مَا نَقَمُوا مِنهُمْ إِلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الحَْمِيدِ(8) الَّذِى لَهُ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء شهِيدٌ(9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُْؤْمِنِينَ وَ المُْؤْمِنَتِ ثمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَاب جَهَنَّمَ وَ لهَُمْ عَذَاب الحَْرِيقِ(10) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ لهَُمْ جَنَّتٌ تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنهَرُ ذَلِك الْفَوْزُ الْكَبِيرُ(11) إِنَّ بَطش رَبِّك لَشدِيدٌ(12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىُ وَ يُعِيدُ(13) وَ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ(14) ذُو الْعَرْشِ المَْجِيدُ(15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(16) هَلْ أَتَاك حَدِيث الجُْنُودِ(17) فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ(18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فى تَكْذِيب(19) وَ اللَّهُ مِن وَرَائهِم محِيط(20) بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ 21) دٌ(21) فى لَوْح محْفُوظِ(22)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم و قتيبة المجيد بالجر و الباقون بالرفع و قرأ نافع في لوح محفوظ بالرفع و الباقون بالجر .

الحجة

قال أبو علي من رفع المجيد كان متبعا قوله « ذو العرش » و من جر فمن النحويين من جعله وصفا لقوله « ربك » في « إن بطش ربك » قال و لا أجعله وصفا للعرش و منهم من قال صفة للعرش قال أبو زيد يقال مجدت الإبل تمجد مجودا إذا رعت في أرض مكلئة و شبعت و أمجدت الإبل إذا أشبعتها و قالوا في كل شجر نار و استمجد المرخ و العفار أي صار ماجدا في إيرائه النار و قيل استمجد العفار إذا كثر ناره و صفت و حجة نافع في قراءته محفوظ أن القرآن وصف بالحفظ في قوله « و إنا له لحافظون » و معنى حفظ القرآن أنه يؤمن من تحريفه و تبديله و تغييره فلا يلحقه شيء من ذلك و حجة من جر محفوظا جعله وصفا للوح فإنهم يقولون اللوح المحفوظ .

اللغة

الأخدود الشق العظيم في الأرض و منه ما روي في معجز النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه دعا الشجرة فجعلت تخد الأرض خدا حتى أتته و منه الخد لمجاري الدموع و تخدد لحمه إذا صار
مجمع البيان ج : 10 ص : 705
فيه طرائق كالشقوق و الوقود ما تشتعل به النار من الحطب و غيره بفتح الواو و الوقود بالضم الإيقاد يقال فتنت الشيء أحرقته و الفتين حجارة سود كأنها محرقة و أصل الفتنة الامتحان ثم يستعمل في العذاب .

الإعراب

قال الفراء « قتل أصحاب الأخدود » جواب القسم كما كان جواب و الشمس و ضحاها قد أفلح من زكاها و قيل إن جواب القسم محذوف و تقديره أن الأمر حق في الجزاء على الأعمال و قيل جواب القسم قوله « إن الذين فتنوا المؤمنين » الآية و قيل جواب القسم قوله « إن بطش ربك لشديد » النار بدل من الأخدود و هو بدل الاشتمال لأن الأخدود يشتمل على ما فيه من النار أي النار منه و « ذات الوقود » صفة للنار و يسأل على هذا فيقال كيف خصت هذه النار بذا و كل نار لها وقود و أجيب عنها بجوابين ( أحدهما ) أنه قد يكون نار ليست بذات وقود كنار الحجر و نار الكبد ( و الآخر ) إن الوقود معرف فصار مخصوصا كأنه وقود بعينه كما قال وقودها الناس و الحجارة فكان الوقود هنا أبدان الناس ، إذ هم عليها قعود إذ مضاف إلى الجملة و هي ظرف لقوله « قتل أصحاب الأخدود » إذا كان إخبارا لا دعاء و « أن يؤمنوا » في موضع نصب بقوله « نقموا » و التقدير و ما نقموا إلا إيمانهم « فرعون و ثمود » في موضع جر بدل من الجنود و يجوز أن يكونا في موضع نصب بإضمار فعل كأنه قال أعني فرعون و ثمود .

قصة أصحاب الأخدود
روى مسلم في الصحيح عن هدية بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر فلما مرض الساحر قال إني قد حضر أجلي فادفع إلي غلاما أعلمه السحر فدفع إليه غلاما و كان يختلف إليه و بين الساحر و الملك راهب فمر الغلام بالراهب فأعجبه كلامه و أمره فكان يطيل عنده القعود فإذا أبطأ عن الساحر ضربه و إذا أبطأ عن أهله ضربوه فشكا ذلك إلى الراهب فقال يا بني إذا استبطأك الساحر فقل حبسني أهلي و إذا استبطأك أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو ذات يوم إذا بالناس قد حبستهم دابة عظيمة فظيعة فقال اليوم أعلم أمر الساحر أفضل أم أمر الراهب فأخذ حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك فاقتل هذه الدابة فرمى فقتلها و مضى الناس فأخبر بذلك الراهب فقال أي بني إنك ستبتلى و إذا ابتليت فلا تدل علي قال و جعل يداوي الناس فيبرىء الأكمه و الأبرص فبينما هو كذلك إذ عمي جليس للملك فأتاه و حمل إليه مالا كثيرا فقال اشفني و لك ما هاهنا فقال إني لا أشفي أحدا و لكن الله يشفي فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك قال ف آمن فدعا الله له فشفاه فذهب
مجمع البيان ج : 10 ص : 706
فجلس إلى الملك فقال يا فلان من شفاك قال ربي قال أنا قال لا ربي و ربك الله قال أ و إن لك ربا غيري قال نعم ربي و ربك الله فأخذه فلم يزل به حتى دله على الغلام فبعث إلى الغلام فقال لقد بلغ من أمرك أن تشفي الأكمه و الأبرص قال ما أشفي أحدا و لكن الله ربي يشفي قال أ و إن لك ربا غيري قال نعم ربي و ربك الله فأخذه فلم يزل به حتى دله على الراهب فوضع المنشار عليه فنشره حتى وقع شقين و قال للغلام ارجع عن دينك فأبى فأرسل معه نفرا و قال اصعدوا به جبل كذا و كذا فإن رجع عن دينه و إلا فدهدهوه منه قال فعلوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت قال فرجف بهم الجبل فتدهدهوا أجمعون و جاء إلى الملك فقال ما صنع أصحابك قال كفانيهم الله فأرسل به مرة أخرى قال انطلقوا به فلججوه في البحر فإن رجع و إلا فغرقوه فانطلقوا به في قرقور فلما توسطوا به البحر قال اللهم اكفنيهم بما شئت قال فانكفأت بهم السفينة و جاء حتى قام بين يدي الملك فقال ما صنع أصحابك قال كفانيهم الله ثم قال إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به أجمع الناس ثم اصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضعه على كبد القوس ثم قل باسم رب الغلام فإنك ستقتلني قال فجمع الناس و صلبه ثم أخذ سهما من كنانته فوضعه على كبد القوس و قال باسم رب الغلام و رمى فوقع السهم في صدغه و مات فقال الناس آمنا برب الغلام فقيل له أ رأيت ما كنت تخاف قد نزل و الله بك آمن الناس فأمر بالأخدود فخددت على أفواه السكك ثم أضرمها نارا فقال من رجع عن دينه فدعوه و من أبى فأقحموه فيها فجعلوا يقتحمونها و جاءت امرأة بابن لها فقال لها يا أمه اصبري فإنك على الحق و قال ابن المسيب كنا عند عمر بن الخطاب إذ ورد عليه أنهم احتفروا فوجدوا ذلك الغلام و هو واضع يده على صدغه فكلما مدت يده عادت إلى صدغه فكتب عمر واروه حيث وجدتموه و روى سعيد بن جبير قال لما انهزم أهل اسفندهان قال عمر بن الخطاب ما هم يهود و لا نصارى و لا لهم كتاب و كانوا مجوسا فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) بل قد كان لهم كتاب و لكنه رفع و ذلك أن ملكا لهم سكر فوقع على ابنته أو قال على أخته فلما أفاق قال لها كيف المخرج مما وقعت فيه قالت تجمع أهل مملكتك و تخبرهم أنك ترى نكاح البنات و تأمرهم أن يحلوه فجمعهم فأخبرهم فأبوا أن يتابعوه فخد لهم أخدودا في الأرض و أوقد فيه النيران و عرضهم عليها فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار و من أجاب خلى سبيله و قال الحسن كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا ذكر أمامه أصحاب الأخدود تعوذ بالله من جهد البلاء و روى العياشي بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أرسل علي (عليه السلام) إلى أسقف
مجمع البيان ج : 10 ص : 707
نجران يسأله عن أصحاب الأخدود فأخبره بشيء فقال (عليه السلام) ليس كما ذكرت و لكن سأخبرك عنهم إن الله بعث رجلا حبشيا نبيا و هم حبشة فكذبوه فقاتلهم فقتلوا أصحابه و أسروه و أسروا أصحابه ثم بنوا له حيرا ثم ملأوه نارا ثم جمعوا الناس فقالوا من كان على ديننا و أمرنا فليعتزل و من كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار معه فجعل أصحابه يتهافتون في النار فجاءت امرأة معها صبي لها ابن شهر فلما هجمت على النار هابت و رقت على ابنها فناداها الصبي لا تهابي و ارمي بي و بنفسك في النار فإن هذا و الله في الله قليل فرمت بنفسها في النار و صبيها و كان ممن تكلم في المهد و بإسناده عن ميثم التمار قال سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) و ذكر أصحاب الأخدود فقال كانوا عشرة و على مثالهم عشرة يقتلون في هذا السوق و قال مقاتل كان أصحاب الأخدود ثلاثة واحد بنجران و الآخر بالشام و الآخر بفارس حرقوا بالنار أما الذي بالشام فهو أنطياخوس الرومي و أما الذي بفارس فهو بخت نصر و أما الذي بأرض العرب فهو يوسف بن ذي نواس فأما من كان بفارس و الشام فلم ينزل الله تعالى فيهما قرآنا و أنزل في الذي كان بنجران و ذلك أن رجلين مسلمين ممن يقرءون الإنجيل ( أحدهما ) بأرض تهامة ( و الآخر ) بنجران اليمن أجر أحدهما نفسه في عمل يعمله فجعل يقرأ الإنجيل فرأت ابنة المستأجر النور يضيء من قراءة الإنجيل فذكرت لأبيها فرمق حتى رآه فسأله فلم يخبره فلم يزل به حتى أخبره بالدين و الإسلام فتابعه مع سبعة و ثمانين إنسانا من رجل و امرأة و هذا بعد ما رفع عيسى إلى السماء فسمع يوسف بن ذي نواس بن شراحيل بن تبع الحميري فخد لهم في الأرض و أوقد فيها فعرضهم على الكفر فمن أبى قذفه في النار و من رجع عن دين عيسى لم يقذف فيها و إذا امرأة جاءت و معها ولد صغير لا يتكلم فلما قامت على شفير الخندق نظرت إلى ابنها فرجعت فقال لها يا أماه إني أرى أمامك نارا لا تطفى فلما سمعت من ابنها ذلك قذفها في النار فجعلها الله و ابنها في الجنة و قذف في النار سبعة و سبعون إنسانا قال ابن عباس من أبى أن يقع في النار ضرب بالسياط فأدخل الله أرواحهم في الجنة قبل أن تصل أجسامهم إلى النار .

المعنى

إن الله سبحانه أقسم بالسماء فقال « و السماء ذات البروج » فالبروج المنازل العالية و المراد هنا منازل الشمس و القمر و الكواكب و هي اثنا عشر برجا يسير القمر في كل برج منها يومين و ثلاث و تسير الشمس في كل برج شهرا « و اليوم الموعود » يعني
مجمع البيان ج : 10 ص : 708
يوم القيامة في قول جميع المفسرين و هو اليوم الذي يجازى فيه الخلائق و يفصل فيه القضاء « و شاهد و مشهود » فيه أقوال ( أحدها ) إن الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة عن ابن عباس و قتادة و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و روي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و سمي يوم الجمعة شاهدا لأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه و في الحديث ما طلعت الشمس على يوم و لا غربت على يوم أفضل منه و فيه ساعة لا يوافقها من يدعو فيها الله بخير إلا استحباب له و لا استعاذ من شر إلا أعاذه منه و يوم عرفة مشهود يشهد الناس فيه موسم الحج و تشهده الملائكة ( و ثانيها ) أن الشاهد يوم النحر و المشهود يوم عرفة عن إبراهيم ( و ثالثها ) أن الشاهد محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المشهود يوم القيامة عن ابن عباس في رواية أخرى و سعيد بن المسيب و هو المروي عن الحسن بن علي و روي أن رجلا دخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإذا رجل يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال فسألته عن الشاهد و مشهود فقال نعم الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسألته عن ذلك فقال أما الشاهد فيوم الجمعة و أما المشهود فيوم النحر فجزتهما إلى غلام كان وجهه الدينار و هو يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقلت أخبرني عن شاهد و مشهود فقال أما الشاهد فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أما المشهود فيوم القيامة أ ما سمعته سبحانه يقول « يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا » و قال « ذلك يوم مجموع له الناس و ذلك يوم مشهود » فسألت عن الأول فقالوا ابن عباس و سألت عن الثاني فقالوا ابن عمر و سألت عن الثالث فقالوا الحسن بن علي (عليهماالسلام) ( و رابعها ) أن الشاهد يوم عرفة و المشهود يوم القيامة و عن أبي الدرداء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة و إن أحدا لا يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها قال فقلت و بعد الموت فقال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق ( و خامسها ) إن الشاهد الملك يشهد على بني آدم و المشهود يوم القيامة عن عكرمة و تلا هاتين الآيتين و جاءت كل نفس معها سائق و شهيد و ذلك يوم مشهود و قد قيل في ذلك أقوال أخر كقول الجبائي الشاهد الذين يشهدون على الناس و المشهود هم الذين يشهد عليهم و قول الحسين بن الفضل الشاهد هذه الأمة و المشهود سائر الأمم لقوله « لتكونوا شهداء على الناس » و قيل الشاهد أعضاء بني آدم و المشهود هم لقوله « يوم تشهد عليهم ألسنتهم » الآية و قيل الشاهد الحجر الأسود و المشهود الحاج و قيل الشاهد الأيام و الليالي و المشهود بنو آدم و ينشد للحسين بن علي (عليهماالسلام) :
مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا
و خلفت في يوم عليك شهيد
فإن أنت بالأمس اقترفت إساءة
فقيد بإحسان و أنت حميد

مجمع البيان ج : 10 ص : 709

و لا ترج فعل الخير يوما إلى غد
لعل غدا يأتي و أنت فقيد .
و قيل الشاهد الأنبياء و المشهود محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بيانه « و إذ أخذ الله ميثاق النبيين » إلى قوله « فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين » و قيل الشاهد الله و المشهود لا إله إلا الله بيانه قوله « شهد الله أنه لا إله إلا هو » الآية و قيل الشاهد الخلق و المشهود الحق و إليه أشار الشاعر بقوله :
أيا عجبا كيف يعصي الإله
أم كيف يجحده الجاحد
و لله في كل تحريكة
و في كل تسكينة شاهد
و في كل شيء له آية
تدل على أنه واحد فهذه ثمانية أقوال أخر « قتل أصحاب الأخدود » أي لعنوا بتحريقهم الناس في الدنيا قبل الآخرة و المراد به الكافرون الذين حفروا الأخدود و عذبوا المؤمنين بالنار و يحتمل أن يكون إخبارا عن المسلمين الذين عذبوا بالنار في الأخدود و المعنى أنهم قتلوا بالإحراق في النار ذكرهم الله سبحانه و أثنى عليهم بحسن بصيرتهم و صبرهم على دينهم حتى أحرقوا بالنار لا يعطون التقية بالرجوع عن الإيمان « النار ذات الوقود » أي أصحاب النار الذين أوقدوها بإحراق المؤمنين و قوله « ذات الوقود » إشارة إلى كثرة حطب هذه النار و تعظيم لأمرها فإن النار لا تخلو عن وقود « إذ هم عليها قعود » يعني الكفار إذ هم على أطراف هذه النار جلوس يعذبون المؤمنون عن ابن عباس و قيل يعني هم عندها قعود يعرضونهم على الكفر عن مقاتل قال مجاهد كانوا قعودا على الكراسي عند الأخدود و هو قوله « و هم » يعني الملك و أصحابه الذين خدوا الأخدود « على ما يفعلون بالمؤمنين » من عرضهم على النار و إرادتهم أن يرجعوا إلى دينهم « شهود » أي حضور قال الزجاج أعلم الله قصة قوم بلغت بصيرتهم و حقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن أحرقوا بالنار في الله و قال الربيع بن أنس لما ألقوا في النار نجى الله المؤمنين بأن أخذ أرواحهم قبل أن تمسهم النار و خرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم و قيل أنهم كانوا فرقتين فرقة تعذب المؤمنين و فرقة تشاهد الحال لم يتولوا تعذيبهم لكنهم قعود رضوا بفعل أولئك و كانت الفرقة القاعدة مؤمنة لكنهم لم ينكروا على الكفار صنيعهم فلعنهم الله جميعا عن أبي مسلم و القعود جمع القاعد و كذلك الشهود جمع الشاهد و هم كل حاضر على ما شاهدوه إما بسمع أو بصر « و ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله » أي ما كرهوا منهم إلا أنهم آمنوا عن ابن عباس و قيل ما أنكروا عليهم دينا و ما عابوا منهم شيئا إلا إيمانهم و هذا كقوله « هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله »
مجمع البيان ج : 10 ص : 710

عن الزجاج و مقاتل و قال الجبائي ما فعلوا بهم ذلك العذاب إلا بإيمانهم « العزيز » القادر الذي لا يمتنع عليه شيء القاهر الذي لا يقهر « الحميد » المحمود في جميع أفعاله « الذي له ملك السماوات و الأرض » أي له التصرف في السماوات و الأرض لا اعتراض لأحد عليه « و الله على كل شيء شهيد » أي شاهد عليهم لم يخف عليه فعلهم بالمؤمنين فإنه يجازيهم و ينتصف للمؤمنين منهم « إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات » أي الذين أحرقوهم و عذبوهم بالنار عن ابن عباس و قتادة و الضحاك و مثله يوم هم على النار يفتنون « ثم لم يتوبوا » من فعلهم ذلك و من الشرك الذي كانوا عليه و إنما شرط عدم التوبة لأنهم لو تابوا لما توجه إليهم الوعيد « فلهم عذاب جهنم » بكفرهم « و لهم عذاب الحريق » بما أحرقوا المؤمنين يسأل فيقال كيف فصل بين عذاب جهنم و عذاب الحريف و هما واحد .
أجيب عن ذلك بأن المراد لهم أنواع العذاب في جهنم سوى الإحراق مثل الزقوم و الغسلين و المقامع و لهم مع ذلك الإحراق بالنار و قيل لهم عذاب جهنم في الآخرة و لهم عذاب الحريق في الدنيا و ذلك أن النار ارتفعت من الأخدود فأحرقتهم عن الربيع بن أنس و هو قول الكلبي و قال الفراء ارتفعت النار عليهم فأحرقتهم فوق الأخاديد و نجا المؤمنون ثم ذكر سبحانه ما أعده للمؤمنين الذين أحرقوا بالنار فقال « إن الذين آمنوا » أي صدقوا بتوحيد الله « و عملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير » النجاة العظيم و النفع الخالص و إنما وصفه بالكبير لأن نعيم العاملين كبير بالإضافة إلى نعيم من لا عمل له من داخلي الجنة لما في ذلك من الإجلال و الإكرام و التبجيل و الإعظام ثم قال سبحانه متوعدا للكفار و العصاة « إن بطش ربك » يا محمد « لشديد » يعني أن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظلمة و الجبابرة أليم شديد و إذا وصف البطش و هو الأخذ عنفا بالشدة فقد تضاعف مكروهه و تزايد إيلامه « إنه هو يبديء » الخلق يخلقهم أولا في الدنيا « و يعيد » هم أحياء بعد الموت للحساب و الجزاء فليس إمهاله لمن يعصيه لإهماله إياه و قيل أنه يبديء بالعذاب في الدنيا و يعيده في الآخرة عن ابن عباس و ذلك لأن ما قبله يقتضيه « و هو الغفور » لذنوب المؤمنين من أهل طاعته و معناه كثير الغفران عادته مغفرة الذنوب « الودود » يود أولياءه و يحبهم عن مجاهد قال الأزهري في تفسير أسماء الله يجوز أن يكون ودود فعولا بمعنى مفعول كركوب و حلوب و معناه أن عباده الصالحين يودونه و يحبونه لما عرفوا من فضله و كرمه و لما أسبغ من آلائه و نعمه قال و كلتا الصفتين مدح لأنه سبحانه أن أحب عباده المطيعين فهو فضل منه و أن أحبوه فلما عرفوه من فضله و إحسانه « ذو العرش المجيد » أكثر القراءة في المجيد الرفع لأن الله سبحانه هو الموصوف بالمجد و لأن المجيد لم يسمع في غير صفة الله
مجمع البيان ج : 10 ص : 711
تعالى و إن سمع الماجد و من كسر المجيد جعله من صفة العرش و روي عن ابن عباس أنه قال يريد العرش و حسنه و يؤيده أن العرش وصف بالكرم في قوله « رب العرش الكريم » فجاز أيضا أن يوصف بالمجد لأن معناه الكمال و العلو و الرفعة و العرش أكمل كل شيء و أعلاه و أجمعه لصفات الحسن « فعال لما يريد » لا يعجزه شيء طلبه و لا يمتنع منه شيء أراده عن عطاء و قيل لما يريد من الإبداء و الإعادة ثم ذكر سبحانه خبر الجموع الكافرة فقال « هل أتيك حديث الجنود » الذين تجندوا على أنبياء الله أي هل بلغك أخبارهم و قيل أراد قد أتاك ثم بين سبحانه أصحاب الجنود فقال « فرعون و ثمود » و المعنى تذكر يا محمد حديثهم تذكر معتبر كيف كذبوا أنبياء الله و كيف نزل بهم العذاب و كيف صبر الأنبياء و كيف نصروا فاصبر كما صبر أولئك ليأتيك النصر كما أتاهم و هذا من الإيجاز البديع و التلويح الفصيح الذي لا يقوم مقامه التصريح « بل الذين كفروا » يعني مشركي قريش « في تكذيب » لك و القرآن قد أعرضوا عما يوجبه الاعتبار و أقبلوا على ما يوجبه الكفر و الطغيان « و الله من ورائهم محيط » معناه أنهم في قبضة الله و سلطانه لا يفوتونه كالمحاصر المحاط به من جوانبه لا يمكنه الفوات و الهرب و هذا من بلاغة القرآن « بل هو قرآن مجيد » أي كريم لأنه كلام الرب عن ابن عباس أي ليس هو كما يقولون من أنه شعر أو كهانة و سحر بل هو قرآن كريم عظيم الكرم فيما يعطي من الخير جليل الخطر و القدر و قيل هو قرآن كريم لما يعطي من المعاني الجليلة و الدلائل النفيسة و لأن جميعه حكم و الحكم على ثلاثة أوجه لا رابع لها معنى يعمل عليه فيما يخشى أو يتقي و موعظة تلين القلب للعمل بالحق و حجة تؤدي إلى تميز الحق من الباطل في علم دين أو دنيا و علم الدين أشرفهما و جميع ذلك موجود في القرآن « في لوح محفوظ » من التغيير و التبديل و النقصان و الزيادة و هذا على قراءة من رفعه فجعله من صفة قرآن و من جره فجعله صفة للوح فالمعنى أنه محفوظ لا يطلع عليه غير فجعله من صفة قرآن و من جره فجعله صفة للوح فالمعنى أنه محفوظ لا يطلع عليه غير الملائكة و قيل محفوظ عند الله و هو أم الكتاب و منه نسخ القرآن و الكتب و هو الذي يعرف باللوح المحفوظ و هو من درة بيضاء طوله ما بين السماء و الأرض و عرضه ما بين المشرق و المغرب عن ابن عباس و مجاهد و قيل إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في جبهة إسرافيل عن أنس و قيل اللوح المحفوظ عن يمين العرش عن مقاتل .

مجمع البيان ج : 10 ص : 712
( 86 ) سورة الطارق مكية و آياتها سبع عشرة ( 17 )
مكية سبع عشرة آية .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها أعطاه الله بعدد كل نجم في السماء عشر حسنات عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من كان قراءته في الفريضة بالسماء و الطارق كان له يوم القيامة عند الله جاه و منزلة و كان من رفقاء النبيين و أصحابهم في الجنة .

تفسيرها
 

Back Index Next