جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج10 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 

مجمع البيان ج : 10 ص : 758
سورة الليل
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ الَّيْلِ إِذَا يَغْشى(1) وَ النهَارِ إِذَا تجَلى(2) وَ مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الأُنثى(3) إِنَّ سعْيَكمْ لَشتى(4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقَى(5) وَ صدَّقَ بِالحُْسنى(6) فَسنُيَسرُهُ لِلْيُسرَى(7) وَ أَمَّا مَن بخِلَ وَ استَغْنى(8) وَ كَذَّب بِالحُْسنى(9) فَسنُيَسرُهُ لِلْعُسرَى(10) وَ مَا يُغْنى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى(11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12) وَ إِنَّ لَنَا لَلاَخِرَةَ وَ الأُولى(13) فَأَنذَرْتُكمْ نَاراً تَلَظى(14) لا يَصلَاهَا إِلا الأَشقَى(15) الَّذِى كَذَّب وَ تَوَلى(16) وَ سيُجَنَّبهَا الأَتْقَى(17) الَّذِى يُؤْتى مَالَهُ يَتزَكى(18) وَ مَا لأَحَد عِندَهُ مِن نِّعْمَة تجْزَى(19) إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلى(20) وَ لَسوْف يَرْضى(21)

القراءة

في الشواذ قراء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قراءة علي بن أبي طالب (عليه السلام) و ابن مسعود و أبي الدرداء و ابن عباس و النهار إذا تجلى و خلق الذكر و الأنثى بغير ما و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) .

الحجة

قال ابن جني : في هذه القراءة شاهد لما أخبرنا به أبو بكر عن أبي العباس أحمد بن يحيى قراءة بعضهم و ما خلق الذكر و الأنثى بالجر و ذلك أنه جره لكونه بدلا من ما فقراءة النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) شاهد بصحة ذلك .

اللغة


شتى أي متفرق على تباعد ما بين الشيئين جدا و منه شتان أي بعد ما بينهما كبعد ما بين الثرى و الثريا و تشتت أمر القوم و شتتهم ريب الزمان و اليسرى تأنيث الأيسر و العسرى تأنيث الأعسر من اليسر و العسر و التلظي تلهب النار بشدة الإيقاد و تلظت النار تتلظى فحذف إحدى التاءين تخفيفا و قرأ ابن كثير تلظى بتشديد التاء أدغم إحدى التاءين في الأخرى و التجنب تصيير الشيء في جانب من غيره .

الإعراب


« و ما خلق الذكر و الأنثى » أن جعلت ما مصدرية فهو في موضع الجر و التقدير و خلق الذكر أي و خلقه الذكر و الأنثى و إن جعلتها بمعنى من فكذلك و الحسنى صفة حذف موصوفها أي و صدق بالخصلة الحسنى و كذا اليسرى و العسرى .
التقدير فيهما للطريقة اليسرى و للطريقة العسرى و يتزكى في موضع نصب على الحال و يجوز أن يكون منصوب الموضع أو مرفوعا على تقدير حذف أن أي لأن يتزكى فحذف اللام فصار أن يتزكى ثم حذف أن أيضا كما في قول طرفة :
أ لا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
و أن أشهد اللذات هل أنت مخلدي روي أحضر بالرفع و النصب « و ما لأحد عنده من نعمة تجزى » من نعمة الجار و المجرور
مجمع البيان ج : 10 ص : 759
في موضع رفع ، و من مزيدة لتأكيد النفي و إفادة العموم و تجزى جملة مجرورة الموضع لكونها صفة لنعمة و التقدير من نعمة مجزية و إن شئت كانت مرفوعة الموضع على محل كونه من نعمة و التقدير و ما لأحد عنده نعمة مجزية و ابتغاء منصوب لأنه مفعول له و العامل فيه يؤتي أي و ما يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه أي لطلب ثواب ربه و لم يفعل ذلك مجازاة ليد قد أسديت إليه .

المعنى

« و الليل إذا يغشى » أقسم الله سبحانه بالليل إذا يغشى بظلمته النهار و قيل إذا يغشى بظلمته الأفق و جميع ما بين السماء و الأرض و المعنى إذا أظلم و ادلهم و أغشى الأنام بالظلام لما في ذلك من الهول المحرك للنفس بالاستعظام « و النهار إذا تجلى » أي بأن و ظهر من بين الظلمة و فيه أعظم النعم إذ لو كان الدهر كله ظلاما لما أمكن الخلق طلب معايشهم و لو كان ذلك كله ضياء لما انتفعوا بسكونهم و راحتهم فلذلك كرر سبحانه ذكر الليل و النهار في السورتين لعظم قدرهما في باب الدلالة على مواقع حكمته « و ما خلق الذكر و الأنثى » أي و الذي خلق عن الحسن و الكلبي و على هذا يكون ما بمعنى من و قيل معناه خلق الذكر و الأنثى عن مقاتل قال مقاتل و الكلبي : الذكر و الأنثى آدم و حواء (عليهماالسلام) و قيل أراد كل ذكر و أنثى من الناس و غيرهم « إن سعيكم لشتى » هذا جواب القسم و المعنى أن أعمالكم لمختلفة فعمل للجنة و عمل للنار عن ابن عباس و قيل أن سعيكم لمتفرق فساع في فكاك رقبته و ساع في هلاكه و ساع للدنيا و ساع للعقبى و روى الواحدي بالإسناد المتصل المرفوع عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال و كان الرجل إذا جاء فدخل الدار و صعد النخلة ليأخذ منها التمر فربما سقطت التمرة فيأخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من النخلة حتى يأخذ التمر من أيديهم فإن وجدها في في أحدهم أدخل إصبعه حتى يأخذ التمرة من فيه فشكا ذلك الرجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أخبره بما يلقى من صاحب النخلة فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) اذهب و لقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) صاحب النخلة فقال تعطيني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان و لك بها نخلة في الجنة فقال له الرجل إن لي نخلا كثيرا و ما فيه نخلة أعجب إلي تمرة منها قال ثم ذهب الرجل فقال رجل كان يسمع الكلام من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا رسول الله أ تعطيني ما أعطيت الرجل نخلة في الجنة إن أنا أخذتها قال نعم فذهب الرجل و لقي صاحب النخلة فساومها منه فقال له أ شعرت أن محمدا أعطاني بها نخلة في الجنة فقلت له يعجبني تمرتها و إن لي نخلا كثيرا فما فيه نخلة أعجب إلي تمرة منها فقال له الآخر أ تريد بيعها فقال لا إلا أن أعطى ما لا أظنه أعطى قال فما مناك قال أربعون نخلة فقال الرجل جئت بعظيم تطلب بنخلتك المائلة أربعين نخلة ثم سكت عنه فقال له أنا أعطيك
مجمع البيان ج : 10 ص : 760
أربعين نخلة فقال له اشهد إن كنت صادقا فمر إلى أناس فدعاهم فأشهد له بأربعين نخلة ثم ذهب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا رسول الله إن النخلة قد صارت في ملكي فهي لك فذهب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى صاحب الدار فقال له النخلة لك و لعيالك فأنزل الله تعالى « و الليل إذا يغشى » السورة و عن عطاء قال اسم الرجل أبو الدحداح « فأما من أعطى و اتقى » هو أبو الدحداح « و أما من بخل و استغنى » و هو صاحب النخلة و قوله « لا يصلاها إلا الأشقى » و هو صاحب النخلة « و سيجنبها الأتقى » هو أبو الدحداح « و لسوف يرضى » إذا دخل الجنة قال و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يمر بذلك الحش و عذوقه دانية فيقول عذوق و عذوق لأبي الدحداح في الجنة و عن ابن الزبير قال أن الآية نزلت في أبي بكر لأنه اشترى المماليك الذين أسلموا مثل بلال و عامر بن فهيرة و غيرهما و أعتقهم و الأولى أن تكون الآيات محمولة على عمومها في كل من يعطي حق الله من ماله و كل من يمنع حقه سبحانه و روى العياشي ذلك بإسناده عن سعد الإسكاف عن أبي جعفر (عليه السلام) قال « فأما من أعطى » مما أتاه الله « و اتقى و صدق بالحسنى » أي بأن الله يعطي بالواحد عشرا إلى كثير من ذلك و في رواية أخرى إلى مائة ألف فما زاد « فسنيسره لليسرى » قال لا يريد شيئا من الخير إلا يسره الله له « و أما من بخل بما أتاه الله و استغنى و كذب بالحسنى » بأن الله يعطي بالواحد عشرا إلى أكثر من ذلك و في رواية أخرى إلى مائة ألف فما زاد « فسنيسره لليسرى » قال لا يريد شيئا من الشر إلا يسره الله له قال ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) « و ما يغني عنه ماله إذا تردى » أما و الله ما تردى من جبل و لا تردى من حائط و لا تردى في بئر و لكن تردى في نار جهنم فعلى هذا يكون قوله « و صدق بالحسنى » معناه بالعدة الحسنى و هو قول ابن عباس و قتادة و عكرمة و قيل بالجنة التي هي صواب المحسنين عن الحسن و مجاهد و الجبائي و قوله « فسنيسره لليسرى » معناه فسنهون عليه الطاعة مرة بعد مرة و قيل معناه سنهيئه و نوفقه للطريقة اليسرى أي سنسهل عليه فعل الطاعة حتى يقوم إليها بجد و طيب نفس و قيل معناه سنيسره للخصلة اليسرى و الحالة اليسرى و هو دخول الجنة و استقبال الملائكة إياه بالتحية و البشرى و قوله « و أما من بخل » أي ضن بماله الذي لا يبقى له و بخل بحق الله فيه « و استغنى » أي التمس الغنى بذلك المنع لنفسه و قيل معناه أنه عمل عمل من هو مستغن عن الله و عن رحمته « و كذب بالحسنى » أي بالجنة و الثواب و الوعد و بالخلف « فسنيسره للعسرى » هو على مزاوجة الكلام و المراد به التمكين أي نخلي بينه و بين الأعمال الموجبة للعذاب و العقوبة « و ما يغني عنه ماله إذا تردى » أي سقط في النار عن قتادة و أبي صالح .

مجمع البيان ج : 10 ص : 761
و قيل إذا مات و هلك عن مجاهد و قيل للحسن أن فلانا جمع مالا فقال هل جمع لذلك عمرا قالوا لا قال فما تصنع الموتى بالأموال « إن علينا للهدى » معناه إن علينا لبيان الهدى بالدلالة عليه فأما الاهتداء فإليكم أخبر سبحانه أن الهدى واجب عليه و لو جاز الإضلال عليه لما وجب الهداية قال قتادة : معناه أن علينا بيان الطاعة و المعصية « و إن لنا للآخرة و الأولى » و إن لنا ملك الآخرة و ملك الأولى فلا يزيد في ملكنا اهتداء من اهتدى و لا ينقص منه عصيان من عصى و لو نشاء لمنعناهم عن ذلك قسرا و جبرا و لكن التكليف اقتضى أن نمنعهم بيانا و أمرا و زجرا ثم خوف سبحانه العادل عن الهدى فقال « فأنذرتكم نارا تلظى » أي خوفتكم نارا تتلهب و تتوهج و تتوقد « لا يصليها » أي لا يدخل تلك النار و لا يلزمها « إلا الأشقى » و هو الكافر بالله « الذي كذب » ب آيات الله و رسله « و تولى » أي أعرض عن الإيمان « و سيجنبها » أي سيجنب النار و يجعل منها على جانب « الأتقى » المبالغ في التقوى « الذي يؤتي ماله » أي ينفقه في سبيل الله « يتزكى » يطلب أن يكون عند الله زكيا لا يطلب بذلك رياء و لا سمعة قال القاضي : قوله « لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب و تولى » لا يدل على أنه تعالى لا يدخل النار إلا الكافر على ما يقوله الخوارج و بعض المرجئة و ذلك لأنه نكر النار المذكورة و لم يعرفها فالمراد بذلك أن نارا من جملة النيران لا يصلاها إلا من هذه حاله و النيران دركات على ما بينه سبحانه في سورة النساء في شأن المنافقين فمن أين عرف أن غير هذه النار لا يصلاها قوم آخرون و بعد فإن الظاهر من الآية يوجب أن لا يدخل النار إلا من كذب و تولى و جمع بين الأمرين فلا بد للقوم من القول بخلافه لأنهم يوجبون النار لمن يتولى عن كثير من الواجبات و إن لم يكذب و قيل أن الأتقى و الأشقى المراد بهما التقي و الشقي كما قال طرفة :
تمنى رجال أن أموت و إن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد أراد بواحد ثم وصف سبحانه الأتقى فقال « و ما لأحد عنده من نعمة تجزى » أي و لم يفعل الأتقى ما فعله من إيتاء المال و إنفاقه في سبيل الله ليد أسديت إليه يكافىء عليها و لا ليد يتخذها عند أحد من الخلق « إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى » أي و لكنه فعل ما فعل يبتغي به وجه الله و رضاه و ثوابه و إنما ذكر الوجه طلبا لشرف الذكر و المعنى إلا الله و لابتغاء ثواب الله « و لسوف يرضى » أي و لسوف يعطيه الله من الجزاء و الثواب ما يرضى به فإنه يعطيه كل ما تمنى و لم يخطر بباله فيرضى به لا محالة .

مجمع البيان ج : 10 ص : 762
( 93 ) سورة الضحى مكية و آياتها إحدى عشرة ( 11 )
إحدى عشر آية بالإجماع .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأها كان ممن يرضاه الله و لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يشفع له و له عشر حسنات بعدد كل يتيم و سائل .

تفسيرها


ختم الله سبحانه تلك السورة بأن الأتقى يعطيه من الثواب ما به يرضى و افتتح هذه السورة بأنه يرضي نبيه بما يؤتيه يوم القيامة من الكرامة و الزلفى فقال : .
سورة الضحى
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ الضحَى(1) وَ الَّيْلِ إِذَا سجَى(2) مَا وَدَّعَك رَبُّك وَ مَا قَلى(3) وَ لَلاَخِرَةُ خَيرٌ لَّك مِنَ الأُولى(4) وَ لَسوْف يُعْطِيك رَبُّك فَترْضى(5) أَ لَمْ يجِدْك يَتِيماً فَئَاوَى(6) وَ وَجَدَك ضالاًّ فَهَدَى(7) وَ وَجَدَك عَائلاً فَأَغْنى(8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ(9) وَ أَمَّا السائلَ فَلا تَنهَرْ(10) وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فَحَدِّث(11)

القراءة

في الشواذ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و عروة بن الزبير ما ودعك بالتخفيف و القراءة المشهورة بالتشديد و عن أشهب العقيلي فأوى بغير مد و عن ابن أبي السميقع عيلا بالتشديد
مجمع البيان ج : 10 ص : 763
و عن النخعي و الشعبي فلا تكهر بالكاف و كذلك هو في مصحف عبد الله .

الحجة

قال ابن جني : ودع بالتخفيف يقل استعماله و قال سيبويه : استغنوا عن وزر و ودع بقولهم ترك و أنشد أبو علي ذلك في شعر أبي الأسود قوله :
ليت شعري عن خليلي ما الذي
غاله في الحب حتى ودعه و أما قوله ف آوى فإنه من أويته أي رحمته و أما عيلا فإنه فيعل من العيلة و هي الفقر و هو مثل العائل و معناها ذو العيلة من غير جدة يقال عال الرجل يعيل عيلة إذا كثر عياله و افتقر قال الشاعر :
و ما يدري الفقير متى غناه
و ما يدري الغني متى يعيل أي متى يفتقر و أما الكهر فهو مثل القهر و العرب قد تعاقب بين القاف و الكاف و في حديث معاوية بن الحكم الذي تكلم في الصلاة قال ما كهرني و لا ضربني .

اللغة

السجو السكون يقال سجى يسجو إذا هدىء و سكن و طرف ساج و بحر ساج قال الأعشى :
فما ذنبنا إذ جاش بحر ابن عمكم
و بحرك ساج لا يواري الدعامصا و قال الآخر :
يا حبذا القمراء و الليل الساج
و طرق مثل ملإ النساج و القلى البغض إذا كسرت القاف قصرت و إذا فتحت مددت قال :
عليك سلام لا مللت قريبة
و ما لك عندي إن نأيت قلاء و نهره و انتهره بمعنى و هو أن يصيح في وجه السائل الطالب للرفد .

الإعراب


« و ما قلى » أي و ما قلاك و كذلك قوله « ف آوى » « فأغنى » تقديره ف آواك فأغناك فالمفعول في هذه الآي محذوف و قال « و لسوف يعطيك » و لم يقل و يعطينك و إن كان جواب
مجمع البيان ج : 10 ص : 764
القسم لأن النون إنما تدخل لتؤذن بأن اللام لام القسم لا لام الابتداء و قد حصل هاهنا العلم بأن هذه اللام للقسم لا للابتداء لدخوله على سوف و لام الابتداء لا تدخل على سوف لأن سوف تختص بالأفعال و لام الابتداء إنما تدخل على الأسماء « فأما اليتيم فلا تقهر » تقديره فمهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم ثم أقيم أما مقام الشرط فحصل أما فلا تقهر اليتيم ثم قدم المفعول على الفاء كراهة لأن يكون الفاء التي من شأنها أن تكون متبعة شيئا فشيئا في أول الكلام و إن كثر يجتمع في اللفظ مع أما فتكون على خلاف أصول كلامهم و كذلك « أما بنعمة ربك فحدث » .

النزول

قال ابن عباس : احتبس الوحي عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) خمسة عشر يوما فقال المشركون أن محمدا قد ودعه ربه و قلاه و لو كان أمره من الله تعالى لتتابع عليه فنزلت السورة و قيل إنما احتبس الوحي اثني عشر يوما عن ابن جريج و قيل أربعين يوما عن مقاتل و قيل إن المسلمين قالوا ما ينزل عليك الوحي يا رسول الله فقال و كيف ينزل علي الوحي و أنتم لا تنقون براجمكم و لا تقلمون أظفاركم و لما نزلت السورة قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لجبرائيل (عليه السلام) ما جئت حتى اشتقت إليك فقال جبرائيل (عليه السلام) و أنا كنت أشد إليك شوقا و لكني عبد مأمور و ما نتنزل إلا بأمر ربك و قيل سألت اليهود رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ذي القرنين و أصحاب الكهف و عن الروح فقال سأخبركم غدا و لم يقل إن شاء الله فاحتبس عنه الوحي هذه الأيام فاغتم لشماتة الأعداء فنزلت السورة تسلية لقلبه و قيل إن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) رمي بحجر في إصبعه فقال هل أنت إلا إصبع رميت ، و في سبيل الله ما لقيت فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يوحى إليه فقالت له أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث فنزلت السورة .

المعنى


« و الضحى » أقسم سبحانه بنور النهار كله من قولهم ضحى فلان للشمس إذ ظهر لها و يدل عليه قوله في مقابلته « و الليل إذا سجى » أي سكن و استقر ظلامه و قيل إن المراد بالضحى أول ساعة من النهار و قيل صدر النهار و هي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس و اعتدال النهار في الحر و البرد في الشتاء و الصيف و قيل معناه و رب الضحى و رب الليل إذا سجى عن الجبائي و قيل إذا سجى أي غطى بالظلمة كل شيء عن عطاء و الضحاك و قيل إذا أقبل ظلامه عن الحسن « ما ودعك ربك و ما قلى » هذا جواب القسم و معناه و ما
مجمع البيان ج : 10 ص : 765
تركك يا محمد ربك و ما قطع عنك الوحي توديعا لك و ما قلاك أي ما أبغضك منذ اصطفاك « و للآخرة خير لك من الأولى » يعني أن ثواب الآخرة و النعيم الدائم فيها خير لك من الدنيا الفانية و الكون فيها و قيل إن له (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الجنة ألف ألف قصر من اللؤلؤ ترابه من المسك و في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج و الخدم و ما يشتهي على أتم الوصف عن ابن عباس و قيل معناه و لآخر عمرك الذي بقي خير لك من أوله لما يكون فيه من الفتوح و النصرة « و لسوف يعطيك ربك فترضى » معناه و سيعطيك ربك في الآخرة من الشفاعة و الحوض و سائر أنواع الكرامة فيك و في أمتك ما ترضى به و روى حرث بن شريح عن محمد بن علي بن الحنفية أنه قال يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عز و جل « يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم » الآية و إنا أهل البيت (عليهم السلام) نقول أرجى آية في كتاب الله « و لسوف يعطيك ربك فترضى » و هي و الله الشفاعة ليعطينها في أهل لا إله إلا الله حتى يقول رب رضيت و عن الصادق (عليه السلام) قال دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على فاطمة (عليهاالسلام) و عليها كساء من ثلة الإبل و هي تطحن بيدها و ترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لما أبصرها فقال يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي « و لسوف يعطيك ربك فترضى » و قال زيد بن علي إن من رضا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يدخل أهل بيته الجنة و قال الصادق (عليه السلام) رضا جدي أن لا يبقى في النار موحد ثم عدد سبحانه عليه نعمه في دار الدنيا فقال « أ لم يجدك يتيما ف آوى » قيل في معناه قولان ( أحدهما ) أنه تقرير لنعمة الله عليه حين مات أبوه و بقي يتيما ف آواه الله بأن سخر له أولا عبد المطلب ثم لما مات عبد المطلب قيض له أبا طالب و سخره للإشفاق عليه و حببه إليه حتى كان أحب إليه من أولاده فكلفه و رباه و اليتيم من لا أب له و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مات أبوه و هو في بطن أمه و قيل أنه مات بعد ولادته بمدة قليلة و ماتت أمه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و هو ابن سنتين و مات جده و هو ابن ثماني سنين فسلمه إلى أبي طالب (عليه السلام) لأنه كان أخا عبد الله لأمه فأحسن تربيته و سئل الصادق (عليه السلام) لم أوتم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن أبويه فقال لئلا يكون لمخلوق عليه حق ( و الآخر ) أن يكون المعنى أ لم يجدك واحدا لا مثل لك في شرفك و فضلك ف آواك إلى نفسه و اختصك برسالته من قولهم درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل قال :
لا و لا درة يتيمة بحر
تتلألأ في جؤنة البياع و قيل ف آواك أي جعلك مأوى للأيتام بعد أن كنت يتيما و كفيلا للأنام بعد أن كنت
مجمع البيان ج : 10 ص : 766

مكفولا عن الماوردي ثم ذكر نعمة أخرى فقال « و وجدك ضالا فهدى » قيل في معناه أقوال ( أحدها ) وجدك ضالا عما أنت عليه الآن من النبوة و الشريعة أي كنت غافلا عنهما فهداك إليهما عن الحسن و الضحاك و الجبائي و نظيره ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان و قوله « و إن كنت من قبله لمن الغافلين » فمعنى الضلال على هذا هو الذهاب عن العلم مثل قوله « أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى » ( و ثانيها ) إن المعنى وجدك متحيرا لا تعرف وجوه معاشك فهداك إلى وجوه معاشك فإن الرجل إذا لم يهتد طريق مكسبه و وجه معيشته يقال أنه ضال لا يدري إلى أين يذهب و من أي وجه يكتسب عن أبي مسلم و في الحديث نصرت بالرعب و جعل رزقي في ظل رمحي يعني الجهاد ( و ثالثها ) إن المعنى وجدك لا تعرف الحق فهداك إليه بإتمام العقل و نصب الأدلة و الألطاف حتى عرفت الله بصفاته بين قوم ضلال مشركين و ذلك من نعم الله سبحانه عليك ( رابعها ) وجدك ضالا في شعاب مكة فهداك إلى جدك عبد المطلب فروي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ضل في شعاب مكة و هو صغير فرآه أبو جهل و رده إلى جده عبد المطلب فروي أنه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ضل في شعاب مكة و هو صغير فرآه أبو جهل و رده إلى جده عبد المطلب فمن الله سبحانه بذلك عليه إذا رده إلى جده على يد عدوه عن ابن عباس ( و خامسها ) ما روي أن حليمة بنت أبي ذؤيب لما أرضعته مدة و قضت حق الرضاع ثم أرادت رده على جده جاءت به حتى قربت من مكة فضل في الطريق فطلبته جزعة و كانت تقول إن لم أره لأرمين نفسي من شاهق و جعلت تصيح وا محمداه قالت فدخلت مكة على تلك الحال فرأيت شيخا متوكئا على عصا فسألني عن حالي فأخبرته فقال لا تبكين فأنا أدلك على من يرده عليك فأشار إلى هبل صنمهم الأكبر و دخل البيت فطاف بهبل و قبل رأسه و قال يا سيداه لم تزل منتك جسيمة رد محمدا على هذه السعدية قال فتساقطت الأصنام لما تفوه باسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و سمع صوت إن هلاكنا على يدي محمد فخرج و أسنانه تصطك و خرجت إلى عبد المطلب و أخبرته بالحال فخرج فطاف بالبيت و دعا الله سبحانه فنودي و أشعر بمكانه فأقبل عبد المطلب و تلقاه ورقة بن نوفل في الطريق فبينما هما يسيران إذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قائم تحت شجرة يجذب الأغصان و يلعب بالورق فقال عبد المطلب فداك نفسي و حمله و رده إلى مكة عن كعب ( و سادسها ) ما روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) خرج مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء جاء إبليس فأخذ بزمام ناقته فعدل به عن الطريق فجاء جبرائيل (عليه السلام) فنفخ إبليس نفخة رفع بها إلى الحبشة و رده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك عن سعيد بن المسيب ( و سابعها ) إن المعنى وجدك مضلولا عنك في قوم لا يعرفون حقك فهداهم إلى معرفتك و أرشدهم إلى فضلك و الاعتراف بصدقك و المراد أنك كنت خاملا لا تذكر و لا تعرف فعرفك الله الناس حتى عرفوك و عظموك .
« و وجدك عائلا »
مجمع البيان ج : 10 ص : 767
أي فقيرا لا مال لك « فأغنى » أي فأغناك بمال خديجة و الغنائم و قيل فأغناك بالقناعة و رضاك بما أعطاك عن مقاتل و اختار الفراء قال لم يكن غنيا عن كثرة المال لكن الله سبحانه أرضاه بما أتاه من الرزق و ذلك حقيقة الغنى و روى العياشي بإسناده عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في قوله « أ لم يجدك يتيما ف آوى » قال فردا لا مثل لك في المخلوقين ف آوى الناس إليك و وجدك ضالا أي ضالة في قوم لا يعرفون فضلك فهداهم إليك و وجدك عائلا تعول أقواما بالعلم فأغناهم بك و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من علي ربي و هو أهل المن و قد طعن بعض الملحدين فقال كيف يحسن الامتنان بالإنعام و هل يكون هذا من فعل الكرام ( و الجواب ) أن المن إنما يقبح من المنعم إذا أراد به الغض من المنعم عليه و الأذى له فأما من أراد التذكير لشكر نعمته و الترغيب فيه ليستحق الشاكر المزيد فإنه في غاية الحسن و لأن من كمال الجود و تمام الكرم تعريف المنعم عليه أنه إنما أنعم عليه ليسأل جميع ما يحتاج إليه فيعطي ثم أوصاه سبحانه باليتامى و الفقراء فقال « فأما اليتيم فلا تقهر » أي فلا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه كما كانت تفعل العرب في أمر اليتامى عن الفراء و الزجاج و قيل معناه لا تحتقر اليتيم فقد كنت يتيما عن مجاهد و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يحسن إلى اليتامى و يبرهم و يوصي بهم و جاء في الحديث عن أبي أوفى قال كنا جلوسا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأتاه غلام فقال غلام يتيم و أخت لي يتيمة و أم لي أرملة أطعمنا مما أطعمك الله أعطاك الله مما عنده حتى ترضى قال ما أحسن ما قلت يا غلام اذهب يا بلال فأتنا بما كان عندنا فجاء بواحدة و عشرين تمرة فقال سبع لك و سبع لأختك و سبع لأمك فقام إليه معاذ بن جبل فمسح رأسه و قال جبر الله يتمك و جعلك خلفا من أبيك و كان من أبناء المهاجرين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) رأيتك يا معاذ و ما صنعت قال رحمته قال لا يلي أحد منكم يتيما فيحسن ولايته و وضع يده على رأسه إلا كتب الله له بكل شعرة حسنة و محا عنه بكل شعرة سيئة و رفع له بكل شعرة درجة و عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمر على يده نور يوم القيامة و قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا اتقى الله عز و جل و أشار بالسبابة و الوسطى و عن عمر بن الخطاب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن فيقول الله لملائكته يا ملائكتي من أبكى هذا اليتيم الذي غيب أبوه في التراب فتقول الملائكة أنت أعلم فيقول الله تعالى يا ملائكتي فإني أشهدكم أن لمن أسكته و أرضاه أن أرضيه يوم القيامة و كان عمر إذا رأى يتيما مسح رأسه و أعطاه شيئا « و أما السائل فلا تنهر » أي لا تنهر السائل و لا ترده إذا أتاك يسألك فقد كنت فقيرا فأما أن تطعمه و إما أن ترده ردا لينا و في الحديث عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا أتاك سائل
مجمع البيان ج : 10 ص : 768
على فرس باسط كفيه فقد وجب له الحق و لو بشق تمرة قال أبو مسلم يريد كما أعطاك الله و رحمك و أنت عائل فأعط سائلك و ارحمه و قال الجبائي : المراد بها جميع المكلفين و إن كان الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل إن المراد بالسائل طلب العلم و هو متصل بقوله « و وجدك ضالا فهدى » عن الحسن و المعنى علم من يسألك كما علمك الله الشرائع و كنت بها غير عالم « و أما بنعمة ربك فحدث » معناه اذكر نعمة الله و أظهرها و حدث بها و في الحديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله و من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير و التحدث بنعمة الله شكر و تركه كفر و قيل يريد بالنعمة القرآن عن الكلبي قال و كان القرآن أعظم ما أنعم الله عليه به فأمره أن يقرأه و قيل بالنبوة التي أعطاك ربك عن مجاهد و اختاره الزجاج قال : أي بلغ ما أرسلت به و حدث بالنبوة التي أتاكها الله و هي أجل النعم و قيل معناه اشكر لما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة قال الصادق (عليه السلام) معناه فحدث بما أعطاك الله و فضلك و رزقك و أحسن إليك و هداك .

النظم

وجه اتصال قوله « للآخرة خير لك من الأولى » بما قبله أن في قوله « ما ودعك ربك و ما قلى » إثباتا لمحبته سبحانه إياه و إنعامه عليه فاتصل هذا أيضا به و التقدير ليس الأمر كما قالوه بل الوحي يأتيك ما عمرت و تدوم محبتي لك و ما أعطيتك في الآخرة من الشرف و رفعة المنزلة خير مما أعطيتك اليوم فإذا حسدوك على ذا فكيف بهم إذا رأوا ذلك و أما اتصال قوله « أ لم يجدك » بما قبله فوجهه أنه اتصال ذكر النعم بذكر المنعم و التقدير أنه سبحانه سينعم عليك في مستقبل أمرك كما أنعم عليك في الماضي من أمرك .

مجمع البيان ج : 10 ص : 769
( 94 ) سورة الشرح مكية و آياتها ثمان ( 8 )
مكية و هي ثماني آية بالإجماع .

فضلها

أبي بن كعب عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها أعطي من الأجر كمن لقي محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) مغتما ففرج عنه و روى أصحابنا أن الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة لتعلق إحديهما بالأخرى و لم يفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم و جمعوا بينهما في الركعة الواحدة في الفريضة و كذلك القول في سورة أ لم تر كيف و لإيلاف قريش و السياق يدل على ذلك لأنه قال أ لم يجدك يتيما ف آوى إلى آخرها ثم قال : .
سورة الشرح
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَ لَمْ نَشرَحْ لَك صدْرَك(1) وَ وَضعْنَا عَنك وِزْرَك(2) الَّذِى أَنقَض ظهْرَك(3) وَ رَفَعْنَا لَك ذِكْرَك(4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسرِ يُسراً(5) إِنَّ مَعَ الْعُسرِ يُسراً(6) فَإِذَا فَرَغْت فَانصب(7) وَ إِلى رَبِّك فَارْغَب(8)

اللغة

الشرح فتح الشيء بإذهاب ما يصد عن إدراكه و أصل الشرح التوسعة و يعبر عن السرور بسعة القلب و شرحه و عن الهم بضيق القلب لأنه يورث ذلك و الوزر الثقل في اللغة و منه اشتق اسم الوزير لتحمله أثقال الملك و إنما سميت الذنوب أوزارا لما يستحق عليها من العقاب العظيم و الأنقاض الأثقال التي كان ينتقض بها ما حمل عليه و النقض
مجمع البيان ج : 10 ص : 770

و الهدم واحد و نقض المذهب إبطاله بما يفسده و بعير نقض سفر إذا أثقله السفر و النصب التعب و أنصبه الهم فهو منصب قال الشاعر :
تعناك هم من أميمة منصب ) و هم ناصب ذو نصب قال النابغة :
كليني لهم يا أميمة ناصب ) .

المعنى

ثم أتم سبحانه تعداد نعمه على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « أ لم نشرح لك صدرك » روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لقد سألت ربي مسألة وددت أني لم أسأله قلت أي رب أنه قد كان أنبياء قبلي منهم من سخرت له الريح و منهم من كان يحيي الموتى قال فقال ( أ لم أجدك يتيما فأويتك ) قال قلت بلى قال ( أ لم أجدك ضالا فهديتك ) قال قلت بلى أي رب قال ( أ لم أشرح لك صدرك و وضعت عنك وزرك ) قال قلت بلى أي رب و المعنى أ لم نفتح لك صدرك و نوسع قلبك بالنبوة و العلم حتى قمت بأداء الرسالة و صبرت على المكاره و احتمال الأذى و اطمأننت إلى الإيمان فلم تضق به ذرعا و منه تشريح اللحم لأنه فتحه بترقيقه فشرح سبحانه صدره بأن ملأه علما و حكمة و رزقه حفظ القرآن و شرائع الإسلام و من عليه بالصبر و الاحتمال و قيل إنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان قد ضاق صدره بمعاداة الجن و الإنس إياه و مناصبتهم له فأتاه من الآيات ما اتسع به صدره بكل ما حمله الله إياه و أمره به و ذلك من أعظم النعم عن البلخي و قيل معناه أ لم نشرح صدرك بإذهاب الشواغل التي تصد عن إدراك الحق و عن ابن عباس قال سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقيل يا رسول الله أ ينشرح الصدر قال نعم قالوا يا رسول الله و هل لذلك علامة يعرف بها قال نعم التجافي عن دار الغرور و الإنابة إلى دار الخلود و الإعداد للموت قبل نزول الموت و معنى الاستفهام في الآية التقرير أي قد فعلنا ذلك و يدل عليه قوله في العطف عليه « و وضعنا عنك وزرك » أي و حططنا عنك وزرك « الذي أنقض ظهرك » أي أثقله حتى سمع له نقيض أي صوت عن الزجاج قال : و هذا مثل معناه أنه لو كان حملا لسمع نقيض ظهره و قيل إن المراد به تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها سهل الله ذلك عليه حتى تيسر له و من عليه بذلك عن أبي عبيدة و عبد العزيز بن يحيى و قيل معناه و أزلنا عنك همومك التي أثقلتك من أذى الكفار فشبه الهموم بالحمل و العرب تجعل الهم ثقلا عن أبي مسلم و قيل معناه و عصمناك عن احتمال الوزر فإن المقصود من الوضع أن لا يكون عليه ثقل فإذا عصم كان أبلغ في أن لا يكون قال المرتضى قدس الله روحه إنما سميت الذنوب بأنها أوزار لأنها تثقل كاسبها و حاملها فكل شيء أثقل الإنسان و غمه و كده جاز أن يسمى وزرا فلا يمتنع أن يكون
مجمع البيان ج : 10 ص : 771
الوزر في الآية إنما أراد به غمه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما كان عليه قومه من الشرك و أنه و أصحابه بينهم مقهور مستضعف فلما أعلى الله كلمته و شرح صدره و بسط يده خاطبه بهذا الخطاب تذكيرا له بمواقع النعمة ليقابله بالشكر و يؤيده ما بعده من الآيات فإن اليسر بإزالة الهموم أشبه و العسر بإزالة الشدائد و الغموم أشبه فإن قيل أن السورة مكية نزلت قبل أن يعلي الله كلمة الإسلام فلا وجه لقولكم قلنا أنه سبحانه لما بشره بأن يعلي دينه على الدين كله و يظهره على أعدائه كان بذلك واضعا عنه ثقل غمه بما كان يلحقه من أذى قومه و مبدلا عسره يسرا فإنه يثق بأن وعد الله حق و يجوز أيضا أن يكون اللفظ و إن كان ماضيا فالمراد به الاستقبال كقوله و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و نادوا يا مالك ليقض علينا ربك و لهذا نظائر كثيرة « و رفعنا لك ذكرك » أي قرنا ذكرك بذكرنا حتى لا أذكر إلا و تذكر معي يعني في الأذان و الإقامة و التشهد و الخطبة على المنابر عن الحسن و غيره قال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا و الآخرة فليس خطيب و لا متشهد و لا صاحب صلاة إلا و ينادي بأشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله و في الحديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في هذه الآية قال قال لي جبرائيل قال الله عز و جل إذا ذكرت ذكرت معي و في هذا يقول حسان بن ثابت يمدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) :
أغر عليه للنبوة خاتم
من الله مشهور يلوح و يشهد
و ضم الإله اسم النبي إلى اسمه
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
و شق له من اسمه ليجله
فذو العرش محمود و هذا محمد ثم وعد سبحانه اليسر و الرخاء بعد الشدة و ذلك أنه كان بمكة في شدة قال « فإن مع العسر يسرا » أي مع الفقر سعة عن الكلبي و قيل معناه أن مع الشدة التي أنت فيها من مزاولة المشركين يسرا و رخاء بأن يظهرك الله عليهم حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به طوعا أو كرها ثم كرر ذلك فقال « إن مع العسر يسرا » روى عطاء عن ابن عباس قال يقول الله تعالى خلقت عسرا واحدا و خلقت يسرين فلن يغلب عسر يسرين و عن الحسن قال خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوما مسرورا فرحا و هو يضحك و يقول لن يغلب عسر يسرين « فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا » قال الفراء : إن العرب تقول إذا ذكرت نكرة ثم أعدتها نكرة مثلها صارتا اثنتين كقولك إذا كسبت درهما فأنفق درهما فالثاني غير الأول فإذا أعدتها معرفة فهي هي كقولك إذا كسبت الدرهم فأنفق الدرهم فالثاني هو الأول و نحو هذا ما قال الزجاج : أنه ذكر العسر مع الألف و اللام ثم ثنى ذكره فصار المعنى إن مع العسر يسرين و قال صاحب كتاب النظم في تفسير
مجمع البيان ج : 10 ص : 772
هذه الآية : إن الله بعث نبيه و هو مقل مخف و كانت قريش تعيره بذلك حتى قالوا له إن كان بك من هذا القول الذي تدعيه طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة فكره النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذلك و ظن أن قومه إنما يكذبوه لفقره فوعده الله سبحانه الغنى ليسليه بذلك عما خامره من الهم فقال « فإن مع العسر يسرا » و تأويله لا يحزنك ما يقولون و ما أنت فيه من الإقلال فإن مع العسر يسرا في الدنيا عاجلا ثم أنجز ما وعده فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز و ما والاها من القرى العربية و عامة بلاد اليمن فكان يعطي المائتين من الإبل و يهب الهبات السنية و يعد لأهله قوت سنته ثم ابتدأ فصلا آخر فقال « إن مع العسر يسرا » و الدليل على ابتدائه تعريه من فاء و واو و هو وعد لجميع المؤمنين لأنه يعني بذلك أن مع العسر في الدنيا للمؤمن يسرا في الآخرة و ربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا و هو ما ذكر في الآية الأولى و يسر الآخرة و هو ما ذكر في الآية الثانية فقوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لن يغلب عسر يسرين أي يسر الدنيا و الآخرة فالعسر بين يسرين أما فرج الدنيا و أما ثواب الآخرة و هذا الذي ذكره الجرجاني يؤيد ما ذهب إليه المرتضى قدس الله روحه من أن القائل إذا قال شيئا ثم كرره فإن الظاهر من تغاير الكلامين تغاير مقتضاهما حتى يكون كل واحد منهما مفيدا لما لا يفيده الآخر فيجب مع الإطلاق حمل الثاني على غير مقتضى الأول إلا إذا كان بين المتخاطبين عهد أو دلالة يعلم المخاطب بذلك أن المخاطب أراد بكلامه الثاني الأول فيحمله على ذلك و أنشد أبو بكر الأنباري :
إذا بلغ العسر مجهوده
فثق عند ذاك بيسر سريع
أ لم تر نحس الشتاء الفظيع
يتلوه سعد الربيع البديع و أنشد إسحاق بن بهلول القاضي :
فلا تيأس و إن أعسرت يوما
فقد أيسرت في دهر طويل
و لا تظنن بربك ظن سوء
فإن الله أولى بالجميل
فإن العسر يتبعه يسار
و قول الله أصدق كل قيل « فإذا فرغت فانصب و إلى ربك فارغب » معناه فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء و أرغب إليه في المسألة يعطك عن مجاهد و قتادة و الضحاك و مقاتل و الكلبي و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و معنى انصب من النصب و هو التعب أي لا تشتغل بالراحة و قال الزهري : إذا فرغت من الفرائض فادع بعد التشهد بكل حاجتك و قال الصادق (عليه السلام) هو الدعاء في دبر الصلاة و أنت جالس و قيل معناه فإذا فرغت من
مجمع البيان ج : 10 ص : 773
الفرائض فانصب في قيام الليل عن ابن مسعود و قيل معناه فإذا فرغت من دنياك فانصب في عبادة ربك و صل عن مجاهد و الجبائي و قيل فإذا فرغت من الفرائض فانصب فيما رغبك الله فيه من الأعمال و صل عن ابن عباس و قيل إذا فرغت من جهاد أعدائك فانصب بالعبادة لله عن الحسن و ابن زيد و قيل فإذا فرغت من جهاد الأعداء فانصب بجهاد نفسك و قيل إذا فرغت من أداء الرسالة فانصب لطلب الشفاعة و سئل علي بن طلحة عن هذه الآية فقال القول فيه كثير و قد سمعناه أنه يقال إذا صححت فاجعل صحتك و فراغك نصبا في العبادة و يدل على هذا ما روي أن شريحا مر برجلين يصطرعان فقال : ليس بهذا أمر الفارغ إنما قال الله سبحانه « فإذا فرغت فانصب و إلى ربك فارغب » أي فارفع حوائجك إلى ربك و لا ترفعها إلى أحد من خلقه و قال عطاء : يريد تضرع إليه راهبا من النار و راغبا إلى الجنة .

مجمع البيان ج : 10 ص : 774
( 95 ) سورة التين مكية و آياتها ثمان ( 8 )
مكية المعدل عن ابن عباس مدنية ثماني آيات بالإجماع .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأها أعطاه الله خصلتين العافية و اليقين ما دام في دار الدنيا فإذا مات أعطاه الله من الأجر بعدد من قرأ هذه السورة صيام يوم و عن البراء بن عازب قال سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقرأ في المغرب و التين و الزيتون فما رأيت إنسانا أحسن قراءة منه رواه أبو مسلم في الصحيح و روى شعيب العقرقوفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ و التين في فرائضه و نوافله أعطي من الجنة حيث يرضى .

تفسيرها

أمر الله سبحانه بالرغبة إليه في خاتمة تلك السورة و افتتح هذه السورة بذكر أنه الخالق المستحق للعبادة بعد أن أقسم عليه فقال : .
سورة التين
بِّسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ(1) وَ طورِ سِينِينَ(2) وَ هَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ(3) لَقَدْ خَلَقْنَا الانسنَ فى أَحْسنِ تَقْوِيم(4) ثُمَّ رَدَدْنَهُ أَسفَلَ سفِلِينَ(5) إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيرُ ممْنُون(6) فَمَا يُكَذِّبُك بَعْدُ بِالدِّينِ(7) أَ لَيْس اللَّهُ بِأَحْكمِ الحَْكِمِينَ(8)

مجمع البيان ج : 10 ص : 775

اللغة

التقويم تصيير الشيء على ما ينبغي أن يكون عليه من التأليف و التعديل يقال قومه فاستقام و تقوم .

المعنى

« و التين و الزيتون » أقسم الله سبحانه بالتين الذي يؤكل و الزيتون الذي يعصر منه الزيت عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و عكرمة و قتادة و هو الظاهر و إنما أقسم بالتين لأنه فاكهة مخلصة من شائب التنغيص و فيه أعظم عبرة لأنه عز اسمه جعلها على مقدار اللقمة و هيأها على تلك الصفة إنعاما على عباده بها و قد روى أبو ذر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال في التين لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه هي لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير و تنفع من النقرس و أما الزيتون فإنه يعتصر منه الزيت الذي يدور في أكثر الأطعمة و هو إدام و التين طعام فيه منافع كثيرة و قيل التين الجبل الذي عليه دمشق و الزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس عن قتادة و قال عكرمة : هما جبلان و إنما سميا لأنهما ينبتان بهما و قيل التين مسجد دمشق و الزيتون بيت المقدس عن كعب الأحبار و عبد الرحمن بن غنيم و ابن زيد و قيل التين مسجد نوح الذي بني على الجودي و الزيتون بيت المقدس عن ابن عباس و قيل التين المسجد الحرام و الزيتون المسجد الأقصى عن الضحاك « و طور سينين » يعني الجبل الذي كلم الله عليه موسى عن الحسن و سينين و سيناء واحد و قيل إن سينين معناه المبارك الحسن و كأنه قيل جبل الخير الكثير لأنه إضافة تعريف عن مجاهد و قتادة و قيل معناه كثير النبات و الشجر عن عكرمة و قيل إن كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين و سيناء بلغة النبط عن مقاتل قال عمرو بن ميمون سمعت عمر بن الخطاب يقرأ بمكة في المغرب و التين و الزيتون و طور سيناء قال فظننت أنه إنما قرأها ليعلم حرمة البلد و روي ذلك عن موسى بن جعفر (عليه السلام) أيضا « و هذا البلد الأمين » يعني مكة البلد الحرام يأمن فيه الخائف في الجاهلية و الإسلام فالأمين يعني المؤمن من يدخله و قيل بمعنى الأمن و يؤيده قوله إنا جعلنا حرما آمنا قال الشاعر :
أ لم تعلمي يا أسم ويحك إنني
حلفت يمينا لا أخون أميني يريد آمني « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم » هذا جواب القسم و أراد جنس الإنسان و هو آدم و ذريته خلقهم الله في أحسن صورة عن إبراهيم و مجاهد و قتادة و قيل في أحسن تقويم أي منتصب القامة و سائر الحيوان مكب على وجهه إلا الإنسان عن ابن عباس
مجمع البيان ج : 10 ص : 776

و قيل أراد أنه خلقهم على كمال في أنفسهم و اعتدال في جوارحهم و أبانهم عن غيرهم بالنطق و التمييز و التدبير إلى غير ذلك مما يختص به الإنسان و في ذلك إشارة أيضا إلى حال الشباب « ثم رددناه أسفل سافلين » يريد إلى الخرف و أرذل العمر و الهرم و نقصان العقل و السافلون هم الضعفاء و الزمنى و الأطفال و الشيخ الكبير أسفل هؤلاء جميعا عن ابن عباس و إبراهيم و قتادة و قيل معناه ثم رددناه إلى النار عن الحسن و مجاهد و ابن زيد و الجبائي و المعنى إلى أسفل الأسفلين لأن جهنم بعضها أسفل من بعض و على هذا فالمراد به الكفار أي خلقناهم في أحسن خلقة أحرارا عقلاء مكلفين فكفروا فرددناهم إلى النار في أقبح صورة ثم استثنى فقال « إلا الذين آمنوا » أي صدقوا بالله « و عملوا الصالحات » أي أخلصوا العبادة لله و أضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة فإن هؤلاء لا يردون إلى النار و من قال بالقول الأول قال إن المؤمن لا يرد إلى الخرف و إن عمر عمرا طويلا قال إبراهيم : إذا بلغ المؤمن من الكبر ما يعجز معه من العمل كتب له ما كان يعمل و هو قوله « فلهم أجر غير ممنون » و قال عكرمة : من رد منهم إلى أرذل العمر كتب له صالح ما كان يعمل في شبابه و ذلك أجر غير ممنون و عن ابن عباس قال : و من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر و ذلك قوله « ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات » قال إلا الذين قرءوا القرآن و في الحديث عن أنس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتب لوالديه فإن عمل سيئة لم تكتب عليه و لا على والديه فإذا بلغ الحنث و جرى عليه القلم أمر الله الملكين اللذين معه يحفظانه و يسددانه فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام آمنه الله من البلايا الثلاث الجنون و الجذام و البرص فإذا بلغ خمسين خفف الله حسابه فإذا بلغ ستين رزقه الإنابة إليه فيما يجب فإذا بلغ سبعين أحبه أهل السماء فإذا بلغ ثمانين كتب الله حسناته و تجاوز عن سيئاته فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و شفعه في أهل بيته و كان اسمه أسير الله في الأرض فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا كتب الله له بمثل ما كان يعمل في صحته من الخير و إن عمل سيئة لم تكتب عليه و أقول إن صح الخبر فإنما لا تكتب عليه السيئة لزوال عقله و نقصان تمييزه في ذلك الوقت و قوله « غير ممنون » أي غير منقوص و قيل غير مقطوع عن أبي مسلم و قيل غير محسوب عن مجاهد و قيل غير مكدر بما يؤذي و يغم عن الجبائي « فما يكذبك بعد بالدين » معناه أي شيء يكذبك أيها الإنسان بعد هذه الحجج بالدين الذي هو الجزاء و الحساب عن الحسن و عكرمة و أبي مسلم و المراد ما يحملك على أن لا تتفكر في صوتك و شبابك و هرمك فتعتبر و تقول إن الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني و يحاسبني و يجازيني بعملي فيكون قوله « فما يكذبك » يعني به ما الذي يجعلك تكذب و قيل إن الخطاب
مجمع البيان ج : 10 ص : 777
للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي فمن يكذبك أيها الرسول بعد هذه الحجج بالدين الذي هو الإسلام عن مجاهد و قتادة أي لا شيء يكذبك « أ ليس الله بأحكم الحاكمين » هذا تقرير للإنسان على الاعتراف بأنه تعالى أحكم الحاكمين في صنائعه و أفعاله و أنه لا خلل في شيء منها و لا اضطراب فكيف يترك هذه الخلائق و يهملهم فلا يجازيهم و قيل معناه أ ليس الله بأقضى القاضين فيحكم بينك يا محمد و بين أهل التكذيب بك عن مقاتل و قال قتادة و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا ختم هذه السورة قال بلى و أنا على ذلك من الشاهدين .

النظم

اتصل قوله « أ ليس الله بأحكم الحاكمين » بما قبله من ذكر الدين و الجزاء على سبيل التنبيه على الإعادة فإن الحكيم إذا كلف و أمر و نهى و خلى بين الظالم و المظلوم فلا بد من المجازاة و الإنصاف و الانتصاف فإذا لم يكن ذلك في الدنيا فلا بد من البعث فإن أحكم الحاكمين لا يجوز عليه الإخلال بما ذكرناه .

مجمع البيان ج : 10 ص : 778
( 96 ) سورة العلق مكية و آياتها تسع عشرة ( 19 )

عدد آيها

عشرون آية حجازي و تسع عشرة عراقي و ثماني عشرة شامي .

اختلافها

آيتان الذي ينهى غير الشامي لئن لم ينته حجازي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأها فكأنما قرأ المفصل كله محمد بن حسان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ في يومه أو في ليلته اقرأ باسم ربك ثم مات في يومه أو في ليلته مات شهيدا و بعثه الله شهيدا و أحياه كمن ضرب بسيفه في سبيل الله مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

تفسيرها


ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر اسمه و افتتح هذه السورة باسمه أيضا فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 779

سورة العلق
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسمِ رَبِّك الَّذِى خَلَقَ(1) خَلَقَ الانسنَ مِنْ عَلَق(2) اقْرَأْ وَ رَبُّك الأَكْرَمُ(3) الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4) عَلَّمَ الانسنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5) َكلا إِنَّ الانسنَ لَيَطغَى(6) أَن رَّءَاهُ استَغْنى(7) إِنَّ إِلى رَبِّك الرُّجْعَى(8) أَ رَءَيْت الَّذِى يَنهَى(9) عَبْداً إِذَا صلى(10) أَ رَءَيْت إِن كانَ عَلى الهُْدَى(11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى(12) أَ رَءَيْت إِن كَذَّب وَ تَوَلى(13) أَ لَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى(14) َكلا لَئن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسفَعَا بِالنَّاصِيَةِ(15) نَاصِيَة كَذِبَة خَاطِئَة(16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ(17) سنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ(18) َكلا لا تُطِعْهُ وَ اسجُدْ وَ اقْترِب (19)

اللغة

العلق جمع علقة و هي القطعة الجامدة من الدم التي تعلق لرطوبتها بما تمر به فإذا جفت لا تسمى علقة و العلق ضرب من الدود أسود لأنه يعلق على العضو فيمتص منه الدم و الرجعى الرجوع و المرجع واحد و السفع الجذب الشديد يقال سفعت بالشيء إذا قبضت عليه و جذبته جذبا شديدا و سفعته النار و الشمس إذا غيرت وجهه إلى حال تشويه و منه الحديث ليصيبن أقواما سفع من النار أي تشويه خلقة و الناصية شعر مقدم الرأس سميت بذلك لأنها متصلة بالرأس من قولهم ناصى يناصي مناصاة إذا وصل قال الراجز :
قي تناصيها بلاد قي النادي مجلس أهل النادي ثم كثر فسمي كل مجلس ناديا و واحد الزبانية زبينة عن أبي عبيدة و زبني عن الكسائي و زابن عن الأخفش أخذ من الزبن و هو الدفع و الناقة تزبن الحالب أي تركضه برجلها قال الشاعر :
و مستعجب مما يرى من أنائنا
و لو زبنته الحرب لم يترمرم .

الإعراب

« خلق الإنسان من علق » تخصيص بعد تعميم أ لا ترى أن قوله « خلق الإنسان » بعد قوله « خلق » خصوص بعد عموم فهو مثل قوله يؤمنون بالغيب ثم قال و بالآخرة هم يوقنون فخصص الآخرة بعد ذكر الغيب الذي هو عام لكل ما غاب عنا و عكسه قول لبيد :
و هم العشيرة أن يبطيء حاسد
أو أن يلوم بحاجة لوامها
مجمع البيان ج : 10 ص : 780
أ لا ترى أن اللوم أعم من التبطئة لأن التبطئة نسبة قوم إلى البطء فهذا بعض اللوم و قوله « إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى » الضمير المستكن في رآه عائد إلى الضمير المستكن في يطغى و الهاء في رآه عائد إلى الضمير المستكن فيه و إنما جاز أن يعود الضمير المنصوب إلى ضمير الفاعل في باب علمت و أخواتها من غير ذكر النفس لدخول هذه الأفعال على المبتدأ و الخبر و الخبر هو نفس المبتدأ فتقول علمتني و حسبتني أفعل كذا و لا يجوز في غيرها إلا بواسطة النفس تقول ضربت نفسي و لا تقول ضربتني و إن رآه في محل نصب لأنه مفعول له و « استغنى » جملة في موضع النصب لكونها مفعولة ثانية لرآه و التقدير لأن رآه مستغنيا .
ناصية بدل من الناصية أي بناصية كاذبة خاطئة و معناه بناصية صاحبها كاذب خاطىء يقال فلان نهاره صائم و ليلة قائم أي هو صائم في نهاره و قائم في ليله .
« فليدع نادية » أي أهل نادية فحذف المضاف .
و النون في « لنسفعن » نون التأكيد الخفيفة و الاختيار عند البصريين أن تكتب بالألف لأن الوقف عليها بالألف و اختار الكوفيون أن تكتب بالنون لأنها نون في الحقيقة .

المعنى

« اقرأ باسم ربك » هذا أمر من الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يقرأ باسم ربه و أن يدعوه بأسمائه الحسنى و في تعظيم الاسم تعظيم المسمى لأن الاسم ذكر المسمى بما يخصه فلا سبيل إلى تعظيمه إلا بمعناه و لهذا لا يعظم اسم الله حق تعظيمه إلا من هو عارف به و معتقد عبادته و لهذا قال سبحانه قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى و قال سبح اسم ربك الأعلى فالباء هنا زائدة و التقدير اقرأ باسم ربك و أكثر المفسرين على أن هذه السورة أول ما نزل من القرآن و أول يوم نزل جبرائيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو قائم على حراء علمه خمس آيات من أول هذه السورة و قيل أول ما نزل من القرآن قوله « يا أيها المدثر » و قد مر ذكره و قيل أول سورة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاتحة الكتاب رواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لخديجة : إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقالت ما يفعل الله بك إلا خيرا فو الله إنك لتؤدي الأمانة و تصل الرحم و تصدق الحديث قالت خديجة : فانطلقنا إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى هو ابن عم خديجة فأخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما رأى فقال له ورقة : إذا أتاك فاثبت له حتى تسمع ما يقول ثم أتيني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل له ذلك فقال له أبشر ثم أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم و أنك على مثل ناموس موسى و أنك نبي مرسل و أنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا و لئن أدركني ذلك لأجاهدن معك فلما توفي ورقة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) : لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي و صدقني يعني ورقة و روي أن ورقة قال في ذلك :
مجمع البيان ج : 10 ص : 781

فإن يك حقا يا خديجة فأعلمي
حديثك إيانا فأحمد مرسل
و جبريل يأتيه و ميكال معهما
من الله وحي يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز عزا لدينه
و يشقى به الغاوي الشقي المضلل
فريقان منهم فرقة في جنانه
و أخرى بأغلال الجحيم تغلغل ثم وصف سبحانه ربه و بينه بفعله الدال عليه فقال « الذي خلق » أي خلق جميع المخلوقات على مقتضى حكمته و أخرجه من العدم إلى الوجود بكمال قدرته ثم خص الإنسان بالذكر تشريفا له و تنبيها على إبانته إياه عن سائر الحيوان فقال « خلق الإنسان من علق » أراد به جنس بني آدم أي خلقهم من دم جامد بعد النطفة و قيل معناه خلق آدم من طين يعلق باليد و الأول أصح و في هذا إشارة إلى بيان النعمة بأن خلقه من الأصل الذي هو في الغاية القصوى من المهانة ثم بلغ به مبالغ الكمال حتى صار بشرا سويا مهيئا للنطق و التمييز مفرغا في قالب الاعتدال و أنه كما نقل الإنسان من حال إلى حال حتى استكمل كذلك بنقلك من الجهالة إلى درجة النبوة و الرسالة حتى تستكمل شرف محلها ثم أكد الأمر بالإعادة فقال « اقرأ » و قيل أمره في الأول بالقراءة لنفسه و في الثاني بالقراءة للتبليغ و ليس بتكرار عن الجبائي و معناه اقرأ القرآن « و ربك الأكرم » أي الأعظم كرما فلا يبلغه كرم كريم لأنه يعطي من النعم ما لا يقدر على مثله غيره فكل نعمة توجد من جهته تعالى إما بأن اخترعها و إما سببها و سهل الطريق إليها و قيل معناه بلغ قومك و ربك الأكرم الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه و يقويك و يعينك على حفظ القرآن « الذي علم بالقلم » أي علم الكاتب أن يكتب بالقلم أو علم الإنسان البيان بالقلم أو علم الكتابة بالقلم امتن سبحانه على خلقه بما علمهم من كيفية الكتابة بالقلم لما في ذلك من كثرة الانتفاع فيما يتعلق بالدين و الدنيا قال قتادة : القلم نعمة من الله عظيمة لولاه لم يقم دين و لم يصلح عيش و قال بعضهم في وصفه :
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه
و أري الجنى اشتارته أيد عواسل و قيل أراد سبحانه آدم لأنه أول من كتب عن كعب و قيل أول من كتب إدريس عن الضحاك و قيل أراد كل نبي كتب بالقلم لأنه ما علمه إلا بتعليم الله إياه « علم الإنسان ما لم يعلم » من أنواع الهدى و البيان و أمور الدين و الشرائع و الأحكام فجميع ما يعلمه الإنسان
 

Back Index Next