جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج10 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 10 ص : 782
من جهته سبحانه إما بأن اضطره إليه و إما بأن نصب الدليل عليه في عقله و إما بأن بينه له على ألسنة ملائكته و رسله فكل العلوم على هذا مضاف إليه و في هذا دلالة على أنه سبحانه عالم لأن العلم لا يقع إلا من عالم « كلا » أي حقا « إن الإنسان ليطغى » أي يتجاوز حده و يستكبر على ربه و يعدو طوره « أن رآه استغنى » أي لأن رآه نفسه مستغنية عن ربه بعشيرته و أمواله و قوته كأنه قال إنما يطغى من رأى أنه مستغن عن ربه لا من كان غنيا قال قتادة : كان إذا أصاب مالا زاد في ثيابه و مركبه و طعامه و شرابه فذلك طغيانه و قيل إنها نزلت في أبي جهل هشام من هنا إلى آخر السورة « إن إلى ربك الرجعى » أي إلى الله مرجع كل أحد أي فهذا الطاغي كيف يطغى بماله و يعصي ربه و رجوعه إليه و هو قادر على إهلاكه و على مجازاته إذا رجع إليه « أ رأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى » هذا تقرير للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أعلام له بما يفعله بمن ينهاه عن الصلاة فقد جاء في الحديث أن أبا جهل قال هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قالوا نعم قال فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته فقيل له ها هو ذلك يصلي فانطلق ليطأ على رقبته فما فجاهم إلا و هو ينكص على عقبيه و يتقي بيديه فقالوا ما لك يا أبا الحكم قال إن بيني و بينه خندقا من نار و هولا و أجنحة و قال نبي الله و الذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا فأنزل الله سبحانه « أ رأيت الذي ينهى » إلى آخر السورة رواه مسلم في الصحيح و معنى الآية أ رأيت يا محمد من منع من الصلاة و نهى من يصلي عنها ما ذا يكون جزاؤه و ما يكون حاله عند الله تعالى و ما الذي يستحقه من العذاب فحذف لدلالة الكلام عليه و الآية عامة في كل من ينهى عن الصلاة و الخير و روي عن علي (عليه السلام) أنه خرج في يوم عيد فرأى ناسا يصلون فقال يا أيها الناس قد شهدنا نبي الله في مثل هذا اليوم فلم يكن أحد يصلي قبل العيد أو قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال رجل يا أمير المؤمنين أ لا تنهى أن يصلوا قبل خروج الإمام فقال لا أريد أن أنهي عبدا إذا صلى و لكنا نحدثهم بما شهدنا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو كما قال و معنى أ رأيت هاهنا تعجيب للمخاطب ثم كرر هذه اللفظة تأكيدا في التعجيب فقال « أ رأيت إن كان على الهدى » يعني العبد المنهي و هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « أو أمر بالتقوى » يعني بالإخلاص و التوحيد و مخافة الله تعالى و هاهنا حذف أيضا تقديره كيف يكون حال من ينهاه عن الصلاة و يزجره عنها ثم قال « أ رأيت إن كذب » أبو جهل « و تولى » عن الإيمان و أعرض عن قبوله و الإصغاء إليه « أ لم يعلم بأن الله يرى » ما يفعله و يعلم ما يصنعه و التقدير أ رأيت الذي فعل هذا الفعل ما الذي يستحق بذلك من الله تعالى من العقاب و قيل إن تقدير نظم الآية أ رأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى و هو على الهدى آمر بالتقوى و الناهي كاذب مكذب متول عن الإيمان فما أعجب هذا ثم هدده بقوله أ لم يعلم هذا
مجمع البيان ج : 10 ص : 783
المكذب فإن لم يعلم فليعلم بأن الله يرى هذا الصنيع الشنيع فيؤاخذه به و في هذا إشارة إلى فعل الطاعة و ترك المعصية ثم قال سبحانه « كلا » أي لا يعلم ذلك « لئن لم ينته » يعني أن لم يمتنع أبو جهل عن تكذيب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إيذائه « لنسفعن بالناصية » أي لنجرن بناصيته إلى النار و هذا كقوله فيؤخذ بالنواصي و الأقدام و معناه لنذلنه و نقيمنه مقام الأذلة ففي الأخذ بالناصية إهانة و استخفاف و قيل معناه لنغيرن وجهه و نسودنه بالنار يوم القيامة لأن السفع أثر الإحراق بالنار ثم أخبر سبحانه عنه بأنه فاجر خاطىء بأن قال « ناصية كاذبة خاطئة » وصفها بالكذب و الخطإ بمعنى أن صاحبها كاذب في أقواله خاطىء في أفعاله ، لما ذكر الجر بها أضاف الفعل إليها قال ابن عباس : لما أتى أبو جهل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) انتهره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال أبو جهل أ تنتهرني يا محمد فو الله لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني فأنزل الله سبحانه « فليدع نادية » و هذا وعيد أي فليدع أهل نادية أي أهل مجلسه يعني عشيرته فليستنصر بهم إذا حل عقاب الله به و النادي الفناء قال و تأتون في ناديكم المنكر ثم قال « سندع الزبانية » يعني الملائكة الموكلين بالنار و هم الملائكة الغلاظ الشداد قال ابن عباس : لو دعا نادية لأخذته زبانية النار من ساعته معاينة و قيل إنه إخبار بأنه يدعو إليه الزبانية دعا نادية أم لم يدع و صدق سبحانه ذلك فقتل أبو جهل يوم بدر ثم قال « كلا » أي ليس الأمر على ما عليه أبو جهل « لا تطعه » في النهي عن الصلاة « و اسجد » له عز اسمه « و اقترب » من ثوابه و قيل معناه و تقرب إليه بطاعته و قيل معناه اسجد يا محمد للتقرب منه فإن أقرب ما يكون العبد من الله إذا سجد له و قيل « و اسجد » أي و صل لله و اقترب من الله و في الحديث عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أقرب ما يكون العبد من الله إذا كان ساجدا و قيل المراد به السجود لقراءة هذه السورة و السجود هنا فرض و هو من العزائم و روي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال العزائم الم تنزل و حم السجدة و النجم إذا هوى و اقرأ باسم ربك و ما عداها في جميع القرآن مسنون و ليس بمفروض .

مجمع البيان ج : 10 ص : 784
( 97 ) سورة القدر مكية و آياتها خمس ( 5 )
مكية و قيل مدنية .

عدد آيها

ست آيات مكي و شامي و خمس في الباقين .

اختلافها

آية ليلة القدر الثالث مكي شامي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأها أعطي من الأجر كمن صام رمضان و أحيا ليلة القدر .
الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ إنا أنزلناه في فريضة من الفرائض نادى مناد يا عبد الله قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل .
سيف بن عميرة عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال من قرأ إنا أنزلناه بجهر كان كشاهر سيفه في سبيل الله و من قرأها سرا كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله و من قرأها عشر مرات مرت على نحو ألف ذنب من ذنوبه .

تفسيرها

أمر سبحانه بالسجود و التقرب إليه في خاتمة تلك السورة و افتتح هذه السورة بذكر ليلة القدر و إن التقرب فيها إلى الله يزيد على التقرب إليه من سائر الليالي و الأيام فكأنه قال اقترب إليه في سائر الأوقات خصوصا في ليلة القدر و قال أبو مسلم : لما أمره بقراءة القرآن في تلك السورة بين في هذه السورة أن إنزاله في ليلة القدر فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 785
سورة القدر
بِّسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَهُ فى لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1) وَ مَا أَدْرَاك مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيرٌ مِّنْ أَلْفِ شهْر(3) تَنزَّلُ الْمَلَئكَةُ وَ الرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبهِم مِّن كلِّ أَمْر(4) سلَمٌ هِىَ حَتى مَطلَع الْفَجْرِ(5)

القراءة

قرأ الكسائي و خلف مطلع بكسر اللام و الباقون بفتح اللام و في الشواذ قراءة ابن عباس و عكرمة و الكلبي من كل امرء .

الحجة

قال أبو علي : مطلع هنا مصدر بدلالة أن المعنى سلام هي حتى وقت طلوعه و إلى وقت طلوعه نحو مقدم الحاج و خفوق النجم المصدر فيه زمانا على تقدير حذف المضاف فالقياس أن يفتح اللام كما أن مصادر سائر ما كان من فعل يفعل مفتوح العين نحو المخرج و المدخل و أما الكسر فلأن المصادر التي ينبغي أن تكون على المفعل ما قد كسر كقولهم علاه المكبر و المعجزة و قوله « من كل امرء » قال ابن جني أنكر أبو حاتم هذه القراءة على أنه حكي عن ابن عباس أنه قال يعني الملائكة قال و لا أدري ما هذا و إنما هو تنزل الملائكة فيها كل آمر كقوله فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا و « من كل أمر » فتم الكلام ثم استأنف فقال سلام أي هي سلام إلى أن يطلع الفجر و قال قطرب : معناه هي سلام من كل أمر و امرىء و يلزم على قول قطرب أن يقال فكيف جاز تقديم معمول المصدر الذي هو سلام عليه و قد عرفنا امتناع جواز تقديم صلة الموصل أو شيء منها عليه و الجواب أن سلاما في الأصل كعمرى مصدر فأما هنا فإنه موضوع اسم الفاعل الذي هو سالمة هي أو مسلمة فكأنه قال من كل أمر سالمة أو مسلمة هي أي هي سالمة أو مسلمة منه .

اللغة

القدر كون الشيء مساويا لغيره من غير زيادة و لا نقصان و قدر الله هذا الأمر يقدره قدرا إذا جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة و الشهر في الشرع عبارة عما بين هلالين من الأيام و إنما سمي شهرا لاشتهاره بالهلاك و قد يكون الشهر ثلاثين و يكون تسعة و عشرين إذا كان هلاليا فإن لم يكن هلاليا فهو ثلاثون .

الإعراب


« خير من ألف شهر » تقديره خير من ألف شهر لا ليلة قدر فيه فحذف الصفة و قوله « سلام هي » هي مبتدأ و سلام خبر مقدم عليه و هو بمعنى الفاعل لأنه إذا حمل على المصدر لم يجز تعليق حتى به لأنه لا يفصل بين الصلة و الموصول و مثله قول الشاعر :
فهلا سعيتم سعى عصبة مازن
و هل كفلائي في الوفاء سواء سواء بمعنى مستو و التقدير فهل كفلائي مستوون في الوفاء لا بد من هذا التقدير لأن
مجمع البيان ج : 10 ص : 786

سواء لو كانت مصدرا لما تقدم عليه ما في صلته و يجوز تعليق حتى بقوله « تنزل الملائكة » و لا يجوز أن يكون هي مبتدأ و تكون حتى نكرة في موضع الخبر لأنه لا فائدة فيه إذ كل ليلة بهذه الصفة و مطلع مجرور بحتى و هو في معنى إلى .

المعنى

« إنا أنزلناه » الهاء كناية عن القرآن و إن لم يجر له ذكر لأنه لا يشتبه الحال فيه « في ليلة القدر » قال ابن عباس : أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم كان ينزله جبريل (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) نجوما و كان من أوله إلى آخره ثلاث و عشرون سنة و قال الشعبي : معناه أنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر و قال مقاتل : أنزله من اللوح المحفوظ إلى السفرة و هم الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا و كان ينزل ليلة القدر من الوحي على قدر ما ينزل به جبرائيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في السنة كلها إلى مثلها من القابل و الكلام في ليلة القدر على ضروب ( فالأول ) اختلاف العلماء في معنى هذا الاسم و مأخذه فقيل سميت ليلة القدر لأنها الليلة التي يحكم الله فيها و يقضي بما يكون في السنة بأجمعها من كل أمر عن الحسن و مجاهد و هي الليلة المباركة في قوله إنا أنزلناه في ليلة مباركة لأن الله تعالى ينزل فيها الخير و البركة و المغفرة و روى أبو الضحى عن ابن عباس أنه كان يقضي القضايا في ليلة النصف من شعبان ثم يسلمها إلى أربابها في ليلة القدر و قيل ليلة القدر أي ليلة الشرف و الخطر و عظم الشأن من قولهم رجل له قدر عند الناس أي منزلة و شرف و منه ما قدروا الله أي ما عظموه حق عظمته عن الزهري قال أبو بكر الوراق لأن من لم يكن ذا قدر إذا أحياها صار ذا قدر و قال غيره لأن للطاعات فيها قدرا عظيما و ثوابا جزيلا و قيل سميت ليلة القدر لأنه أنزل فيها كتاب ذو قدر إلى رسول ذي قدر لأجل أمة ذات قدر على يدي ملك ذي قدر و قيل هي ليلة التقدير لأن الله تعالى قدر فيها إنزال القرآن و قيل سميت بذلك لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة من قوله و من قدر عليه رزقه عن الخليل بن أحمد ( الضرب الثاني ) اختلافهم في أنها أية ليلة فذهب قوم إلى أنها إنما كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم رفعت و جاءت الرواية عن أبي ذر أنه قال قلت يا رسول الله ليلة القدر هي شيء تكون على عهد الأنبياء ينزل فيها فإذا قبضوا رفعت قال لا بل هي إلى يوم القيامة و قيل إنها في ليالي السنة كلها و من علق طلاق امرأته على ليلة القدر لم يقع إلى مضي السنة و هو مذهب أبي حنيفة و في بعض الروايات عن ابن مسعود أنه قال : من يقم الحول كله يصبها فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فقال رحم الله أبا عبد الرحمن أ ما أنه علم أنها في شهر رمضان و لكنه أراد أن لا يتكل الناس و جمهور العلماء على أنها في شهر رمضان في كل سنة ثم اختلفوا في .

مجمع البيان ج : 10 ص : 787
أي ليلة هي منه فقيل هي أول ليلة منه عن ابن زيد العقيلي و قيل هي ليلة سبع عشرة منه عن الحسن و روي أنها ليلة الفرقان و في صبيحتها التقى الجمعان و الصحيح أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان و هو مذهب الشافعي و روي مرفوعا أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال التمسوها في العشر الأواخر و عن علي (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من شهر رمضان قال و كان إذا دخل العشر الأواخر دأب و أدأب أهله و روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا دخل العشر الأواخر شد المئزر و اجتنب النساء و أحيا الليل و تفرغ للعبادة ثم اختلفوا في أنها أية ليلة من العشر فقيل إنها ليلة إحدى و عشرين و هو مذهب أبي سعيد الخدري و اختيار الشافعي قال أبو سعيد الخدري قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها و رأيتني أسجد في ماء و طين فالتمسوها في العشر الأواخر و التمسوها في كل وتر قال فأبصرت عيناي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) انصرف و على جبهته و أنفه أثر الماء و الطين من صبيحة إحدى و عشرين أورده البخاري في الصحيح و قيل هي ليلة ثلاث و عشرين منه عن عبد الله بن عمر قال جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا رسول إني رأيت في النوم كان ليلة القدر هي ليلة سابعة تبقى فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : أرى رؤياكم قد تواطأت على ثلاث و عشرين فمن كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئا فليقم ليلة ثلاث و عشرين قال معمر كان أيوب يغتسل ليلة ثلاث و عشرين و يمس طيبا و سأل عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال قد علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال في ليلة القدر اطلبوها في العشر الأواخر وترا ففي أي الوتر ترون فأكثر القوم في الوتر قال ابن عباس فقال لي ما لك لا تتكلم يا ابن عباس فقلت رأيت الله أكثر ذكر السبع في القرآن فذكر السماوات سبعا و الأرضين سبعا و الطواف سبعا و الجمار سبعا و ما شاء الله من ذلك خلق الإنسان سبعة و جعل رزقه في سبعة فقال كل ما ذكرت عرفت فما قولك خلق الإنسان من سبعة و جعل رزقه في سبعة فقلت خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله خلقا آخر قرأت إنا صببنا الماء صبا إلى قوله و فاكهة و أبا فما أراها إلا ليلة ثلاث و عشرين لسبع بقين فقال عمر عجزتم أن تأتوا بما جاء به هذا الغلام الذي لم يجتمع شؤون رأسه قال و قال عمر وافق رأيي رأيك ثم ضرب منكبي فقال ما أنت بأقل القوم علما و روى العياشي بإسناده عن زرارة عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ليلة القدر قال في ليلتين ليلة ثلاث و عشرين و إحدى و عشرين فقلت أفرد لي أحدهما فقال و ما عليك أن تعمل في ليلتين هي إحداهما و عن شهاب ابن عبد ربه قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أخبرني بليلة القدر فقال ليلة إحدى و عشرين و ليلة ثلاث و عشرين و عن حماد بن عثمان عن حسان بن أبي علي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ليلة القدر قال اطلبها في تسع عشرة و إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين و في كتاب من لا
مجمع البيان ج : 10 ص : 788
يحضره الفقيه عن علي بن حمزة قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له أبو بصير جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى أي ليلة هي فقال هي ليلة إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين قال فإن لم أقو على كلتيهما فقال ما أيسر ليلتين فيما تطلب قال قلت فربما رأينا الهلال عندنا و جاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخرى فقال ما أيسر أربع ليال فيما تطلب فيها جعلت فداك ليلة ثلاث و عشرين ليلة الجهني قال إن ذلك ليقال قلت جعلت فداك إن سليمان بن خالد روي أن في تسع عشرة يكتب وفد الحاج فقال يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر و المنايا و البلايا و الأرزاق ما يكون إلى مثلها في قابل فاطلبها في إحدى و ثلاث و صل في كل واحدة منها مائة ركعة و أحيهما إن استطعت إلى النور و اغتسل فيهما قال قلت فإن لم أقدر على ذلك و أنا قائم قال فصل و أنت جالس قلت فإن لم أستطع قال فعلى فراشك قلت فإن لم أستطع فقال لا عليك أن تكتحل أول الليل بشيء من النوم إن أبواب السماء تفتح في شهر رمضان و تصفد الشياطين و تقبل أعمال المؤمنين نعم الشهر شهر رمضان كان يسمى على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) المرزوق و في رواية عبد الله بن بكير عن زرارة عن أحدهما قال سألته عن الليالي التي يستحب فيها الغسل في شهر رمضان فقال ليلة تسع عشرة و ليلة إحدى و عشرين و ليلة ثلاث و عشرين و قال ليلة ثلاث و عشرين هي ليلة الجهني و حديثه أنه قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن منزلي نأى عن المدينة فمرني بليلة أدخل فيها فأمره بليلة ثلاث و عشرين قال الشيخ أبو جعفر ( ره ) و اسم الجهني عبد الله بن أنيس الأنصاري و قيل إنها ليلة سبع و عشرين عن أبي بن كعب و عائشة و روي أن ابن عباس و ابن عمر قالا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) تحروها ليلة سبع و عشرين و عن زر بن حبيش قال قلت لأبي يا أبا المنذر من أين علمت إنها ليلة سبع و عشرين قال بالآية
مجمع البيان ج : 10 ص : 789
التي أنبأ بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال تطلع الشمس غداتئذ كأنها طست ليس لها شعاع و قال بعضهم إن الله قسم كلمات السورة على ليالي شهر رمضان فلما بلغ السابعة و العشرين أشار إليها فقال هي و قيل إنها ليلة تسع و عشرين و روي عن أبي بكرة قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول التمسوها في العشر الأواخر في تسع بقين أو سبع بقين أو خمس بقين أو ثلاث بقين أو آخر ليلة و الفائدة في إخفاء هذه الليلة أن يجتهد الناس في العبادة و يحيوا جميع ليالي شهر رمضان طمعا في إدراكها كما أن الله سبحانه أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس و اسمه الأعظم في الأسماء و ساعة الإجابة في ساعات الجمعة ( و الضرب الثالث ) ذكر بعض ما ورد في فضل هذه الليلة روى ابن عباس عن النبي أنه قال إذا كان ليلة القدر تنزل الملائكة الذين هم سكان سدرة المنتهى و منهم جبرائيل فينزل جبرائيل (عليه السلام) و معه ألوية ينصب لواء منها على قبري و لواء على بيت المقدس و لواء في المسجد الحرام و لواء على طور سيناء و لا يدع فيها مؤمنا و لا مؤمنة إلا سلم عليه إلا مدمن الخمر و آكل لحم الخنزير و المتضمخ بالزعفران عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه و عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إن الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتى يضيء فجرها و لا يستطيع فيها على أحد بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد و لا ينفذ فيه سحر ساحر و روى الحسن عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال في ليلة القدر إنها ليلة سمحة لا حارة و لا باردة تطلع الشمس في صبيحتها و ليس لها شعاع ثم قال الله سبحانه تعظيما لشأن هذه الليلة و تنبيها لعظم قدرها و شرف محلها « و ما أدراك ما ليلة القدر » فكأنه قال و ما أدراك يا محمد ما خطر ليلة القدر و ما حرمتها و هذا حث على العبادة فيها ثم فسر سبحانه تعظيمه و حرمته فقال « ليلة القدر خير من ألف شهر » أي قيام ليلة القدر و العمل فيها خير من قيام ألف شهر ليس فيه ليلة القدر و صيامه عن مقاتل و قتادة و ذلك أن الأوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون فيها من الخير من النفع فلما جعل الله الخير الكثير في ليلة القدر كانت خيرا من ألف شهر لا يكون فيها من الخير و البركة ما يكون في هذه الليلة ذكر عطاء عن ابن عباس قال ذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) رجل من بني إسرائيل أنه حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله تعالى ألف شهر فعجب من ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عجبا شديدا و تمنى أن يكون ذلك في أمته فقال يا رب جعلت أمتي أقصر الناس أعمارا و أقلها أعمالا فأعطاه الله ليلة القدر و قال ليلة القدر خير من ألف شهر الذي حمل الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك و لأمتك من بعدك إلى يوم القيامة في كل رمضان ثم أخبر سبحانه بما يكون في تلك الليلة
مجمع البيان ج : 10 ص : 790
فقال « تنزل الملائكة » أي تتنزل الملائكة « و الروح » يعني جبرائيل « فيها » أي في ليلة القدر إلى الأرض ليسمعوا الثناء على الله و قراءة القرآن و غيرها من الأذكار و قيل ليسلموا على المسلمين بإذن الله أي بأمر الله و قيل ينزلون بكل أمر إلى السماء الدنيا حتى يعلم ذلك أهل السماء الدنيا فيكون لطفا لهم و قال كعب و مقاتل بن حيان الروح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة ينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر و قيل الروح هو الوحي كما قال و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا أي تنزل الملائكة و معهم للوحي بتقدير الخيرات و المنافع « بإذن ربهم » أي بأمر ربهم كما قال و ما نتنزل إلا بأمر ربك و قيل بعلم ربهم كما قال أنزله بعلمه « من كل أمر » أي بكل أمر من الخير و البركة كقوله يحفظونه من أمر الله أي بأمر الله و قيل بكل أمر من أجل و رزق إلى مثلها من العام القابل فعلى هذا يكون الوقف هنا تاما ثم قال « سلام هي حتى مطلع الفجر » أي هذه ليلة إلى آخرها سلامة من الشرور و البلايا و آفات الشيطان و هو تأويل قوله في ليلة مباركة عن قتادة و قال مجاهد يعني أن ليلة القدر سالمة عن أن يحدث فيها سوء أو يستطيع شيطان أن يعمل فيها و قيل معناه سلام على أولياء الله و أهل طاعته فكلما لقيهم الملائكة في هذه الليلة سلموا عليهم من الله تعالى عن عطاء و الكلبي و قيل إن تمام الكلام عند قوله « بإذن ربهم » ثم ابتدأ فقال « من كل أمر سلام » أي بكل أمر فيه سلامة و منفعة و خير و بركة لأن الله يقدر في تلك الليلة كل ما فيه خير و بركة ثم قال « هي حتى مطلع الفجر » أي السلامة و البركة و الفضيلة تمتد إلى وقت طلوع الفجر و لا يكون في ساعة منها فحسب بل يكون في جميعها و الله أعلم بالصواب .

مجمع البيان ج : 10 ص : 791
( 98 ) سورة البينة مدنية و آياتها ثمان ( 8 )
و تسمى سورة البرية و سورة القيمة مدنية و قيل مكية .

عدد آيها

تسع آيات بصري ثمان في الباقين .

اختلافها

آية مخلصين له الدين بصري .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأها كان يوم القيامة مع خير البرية مسافرا و مقيما و عن أبي الدرداء قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) : لو يعلم الناس ما في لم يكن لعطلوا الأهل و المال و تعلموها فقال رجل من خزاعة ما فيها من الأجر يا رسول الله فقال لا يقرأها منافق أبدا و لا عبد في قلبه شك في الله عز و جل و الله إن الملائكة المقربين ليقرءونها منذ خلق الله السماوات و الأرض لا يفترون عن قراءتها و ما من عبد يقرؤها بليل إلا بعث الله ملائكة يحفظونه في دينه و دنياه و يدعون له بالمغفرة و الرحمة فإن قرأها نهارا أعطي عليها من الثواب مثل ما أضاء عليه النهار و أظلم عليه الليل فقال رجل من قيس عيلان زدنا يا رسول الله من هذا الحديث فداك أبي و أمي فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) تعلموا عم يتساءلون و تعلموا ق و القرآن المجيد و تعلموا و السماء ذات البروج و تعلموا و السماء و الطارق فإنكم لو تعلمون ما فيهن لعطلتهم ما أنتم فيه و تعلمتموهن و تقربتم إلى الله بهن و إن الله يغفر بهن كل ذنب إلا الشرك بالله و اعلموا أن تبارك الذي بيده الملك تجادل عن صاحبها يوم القيامة و تستغفر له من الذنوب .
أبو بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من قرأ سورة لم يكن كان بريئا من الشرك و أدخل في دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و بعثه الله مؤمنا و حاسبه الله حسابا يسيرا .

تفسيرها

بين الله سبحانه في سورة القدر أن القرآن حجة ثم بين في هذه السورة أن الكفار قبله لم يخلو قط من حجة فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 792

سورة البينة
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ وَ الْمُشرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتى تَأْتِيهُمُ الْبَيِّنَةُ(1) رَسولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُوا صحُفاً مُّطهَّرَةً(2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ(3) وَ مَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَب إِلا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتهُمُ الْبَيِّنَةُ(4) وَ مَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَ يُقِيمُوا الصلَوةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكَوةَ وَ ذَلِك دِينُ الْقَيِّمَةِ(5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ وَ الْمُشرِكِينَ فى نَارِ جَهَنَّمَ خَلِدِينَ فِيهَا أُولَئك هُمْ شرُّ الْبرِيَّةِ(6) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ أُولَئك هُمْ خَيرُ الْبرِيَّةِ(7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبهِمْ جَنَّت عَدْن تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضىَ اللَّهُ عَنهُمْ وَ رَضوا عَنْهُ ذَلِك لِمَنْ خَشىَ رَبَّهُ(8)

القراءة

قرأ نافع و ابن ذكوان البريئة مهموزة و الباقون بغير همزة .

الحجة

قال أبو علي البرئية من برأ الله الخلق فالقياس فيه الهمز إلا أنه مما ترك همزة كقولهم النبي و الذرية و الخابية فالهمزة فيه كالرد إلى الأصل المتروك في الاستعمال كما أن همز النبي كذلك و ترك الهمز أجود لأنه لما ترك فيه الهمز صار كرده إلى الأصول المرفوضة مثل ظننوا و همز من همز البرئية يدل على فساد قول من قال إنه من البري الذي هو التراب .

مجمع البيان ج : 10 ص : 793

اللغة

الانفكاك الانفصال عن شدة اتصال قال ذو الرمة :
قلائص ما تنفك إلا مناخة
على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا و أكثر ما يستعمل ذلك في النفي مثل ما زال تقول ما انفك من هذا الأمر أي ما انفصل منه لشدة ملابسته له و البينة الحجة الظاهرة التي يتميز بها الحق من الباطل و أصلها من البينونة و فصل الشيء من غيره فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حجة و بينة و إقامة الشهادة العادلة بينة و كل برهان و دلالة بينة و القيمة المستمرة في جهة الصواب و الحنيف المائل إلى الصواب و الحق و الحنيفية الشريعة المائلة إلى الحق و أصله الميل و من ذلك الأحنف المائل القدم إلى جهة القدم الأخرى و قيل أصله الاستقامة و إنما قيل للمائل القدم أحنف على وجه التفاؤل .


الأعراب


« رسول من الله » بدل من البينة قبله و قال الفراء هو مستأنف تقديره هو رسول دين القيمة تقديره دين لملة القيمة لأنه إذا لم يقدر ذلك كان إضافة الشيء إلى صفته و ذلك غير جائز لأنه بمنزلة إضافة الشيء إلى نفسه « جزاؤهم عند ربهم جنات عدن » أي دخول جنات عدن « خالدين فيها » حال من مضمر أي يجزونها خالدين فيها .

المعنى


« لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب » يعني اليهود و النصارى « و المشركين » أي و من المشركين الذين هم عبدة الأوثان من العرب و غيرهم و هم الذين ليس لهم كتاب « منفكين » أي منفصلين و زائلين و قيل لم يكونوا منتهين عن كفرهم بالله و عبادتهم غير الله عن ابن عباس في رواية عطاء و الكلبي « حتى تأتيهم » اللفظ لفظ الاستقبال و معناه المضي كقوله ما تتلو الشياطين أي ما تلت و قوله « البينة » يريد محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس و مقاتل بين سبحانه لهم ضلالهم و شركهم و هذا إخبار من الله تعالى عن الكفار أنهم لم ينتهوا عن كفرهم و شركهم بالله حتى أتاهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فبين لهم ضلالهم عن الحق و دعاهم إلى الإيمان و قيل معناه لم يكونوا ليتركوا منفكين من حجج الله حتى تأتيهم البينة التي تقوم بها الحجة عليهم و قوله « رسول من الله » بيان للبينة و تفسير لها أي رسول من قبل الله « يتلو » عليهم « صحفا مطهرة » يعني مطهرة في السماء لا يمسها إلا الملائكة المطهرون و من الأنجاس عن الحسن و الجبائي و هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أتاهم بالقرآن و دعاهم إلى
مجمع البيان ج : 10 ص : 794
التوحيد و الإيمان « فيها » أي في تلك الصحف « كتب قيمة » أي مستقيمة عادلة غير ذات عوج تبين الحق من الباطل و قيل مطهرة عن الباطل و الكذب و الزور يريد القرآن عن قتادة و يعني بالصحف ما تتضمنه الصحف من المكتوب فيها و يدل على ذلك أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب و قيل معناه رسول من الملائكة يتلو صحفا من اللوح المحفوظ عن أبي مسلم و قيل « فيها كتب قيمة » معناه في هذه الصحف التي هي القرآن كتب قيمة أي إن القرآن يشتمل على معاني الكتب المتقدمة فتاليها تالي الكتب القيمة كما قال مصدقا لما بين يديه فإذا كان مصدقا لها كان تاليا لها و قيل معناه في القرآن كتب قيمة بمعنى أنه يشتمل على أنواع من العلوم كل نوع كتاب قال السدي : فيها فرائض الله العادلة « و ما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة » يعني و ما اختلف هؤلاء في أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا من بعد ما جاءتهم البشارة به في كتبهم و على السنة رسلهم فكانت الحجة قائمة عليهم فكذلك لا يترك المشركون من غير حجة تقوم عليهم و قيل معناه و لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى بعثه الله فلما بعث تفرقوا في أمره و اختلفوا ف آمن به بعضهم و كفر آخرون ثم ذكر سبحانه ما أمروا به في كتبهم فقال « و ما أمروا إلا ليعبدوا الله » أي لم يأمرهم الله تعالى إلا لأن يعبدوا الله وحده لا يشركون بعبادته فهذا ما لا تختلف فيه ملة و لا يقع فيه تبدل « مخلصين له الدين » لا يخلطون بعبادته عبادة ما سواه « حنفاء » مائلين عن جميع الأديان إلى دين الإسلام مسلمين مؤمنين بالرسل كلهم قال عطية : إذا اجتمع الحنيف و المسلم كان معنى الحنيف الحاج و إذا انفرد كان معناه المسلم و هو قول ابن عباس لأنه قال حنفاء أي حجاجا و قال ابن جبير : لا تسمي العرب حنيفا إلا من حج و اختتن قال قتادة : الحنيفية الختان و تحريم البنات و الأمهات و الأخوات و العمات و الخالات و إقامة المناسك « و يقيموا الصلوة و يؤتوا الزكوة » أي و يداوموا على إقامة الصلاة و يخرجوا ما فرض عليهم في أموالهم من الزكاة « و ذلك » يعني الدين الذي قدم ذكره « دين القيمة » أي دين الكتب القيمة التي تقدم ذكرها و قيل دين الملة القيمة و الشريعة القيمة قال النضر بن شميل سألت الخليل عن هذا فقال القيمة جمع القيم و القيم و القائم واحد فالمراد و ذلك دين القائمين لله بالتوحيد و في هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر لأن فيها تصريحا بأنه سبحانه إنما خلق الخلق ليعبدوه و استدل بهذه الآية أيضا على وجوب النية في الطهارة إذ أمر سبحانه بالعبادة على وجه الإخلاص و لا يمكن الإخلاص إلا بالنية و القربة و الطهارة عبادة فلا تجزي بغير نية ثم ذكر سبحانه حال الفريقين فقال « إن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين » يعني من جحد توحيد الله و أنكر نبوة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من أشرك
مجمع البيان ج : 10 ص : 795
معه إلها آخر في العبادة « في نار جهنم خالدين فيها » لا يفنى عقابهم « أولئك هم شر البرية » أي شر الخليقة ثم أخبر عن حال المؤمنين فقال « إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية » أي خير الخليقة « جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار » مر معناه « خالدين فيها أبدا » أي مؤبدين فيها دائما « رضي الله عنهم » بما قدموه من الطاعات « و رضوا عنه » بما جازاهم من الثواب و قيل رضي الله عنهم إذ وحدوه و نزهوه عما لا يليق به و أطاعوه و رضوا عنه إذ فعل بهم ما رجوا من رحمته و فضله « ذلك » الرضاء و الثواب « لمن خشي ربه » فترك معاصيه و فعل طاعاته و في كتاب شواهد التنزيل للحاكم أبي القاسم الحسكاني ( ره ) قال أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بالإسناد المرفوع إلى يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي (عليه السلام) قال سمعت عليا (عليه السلام) يقول قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أنا مسنده إلى صدري فقال يا علي أ لم تسمع قول الله تعالى « إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية » هم شيعتك و موعدي و موعدكم الحوض إذا اجتمعت الأمم للحساب يدعون غرا محجلين و فيه عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس في قوله « هم خير البرية » قال نزلت في علي (عليه السلام) و أهل بيته .

مجمع البيان ج : 10 ص : 796
( 99 ) سورة الزلزلة مدنية و آياتها ثمان ( 8 )
مدنية عن ابن عباس و قتادة مكية عن الضحاك و عطاء .


عدد آياتها

ثمان آيات كوفي و المدني الأول تسع في الباقين .

اختلافها

آية أشتاتا غير الكوفي و المدني الأول .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها فكأنما قرأ البقرة و أعطي من الأجر كمن قرأ ربع القرآن و عن أنس بن مالك قال سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) رجلا من أصحابه فقال يا فلان هل تزوجت قال لا و ليس عندي ما أتزوج به قال أ ليس معك قل هو الله أحد قال بلى قال ربع القرآن قال أ ليس معك قل يا أيها الكافرون قال بلى قال ربع القرآن قال أ ليس معك إذا زلزلت قال بلى قال ربع القرآن ثم قال تزوج تزوج تزوج و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تملوا من قراءة إذا زلزلت فإن من كانت قراءته في نوافله لم يصبه الله بزلزلة أبدا و لم يمت بها و لا بصاعقة و لا ب آفة من آفات الدنيا و إذا مات أمر به إلى الجنة فيقول الله سبحانه عبدي أبحتك جنتي فاسكن منها حيث شئت و هويت لا ممنوع و لا مدفوع عنه .

تفسيرها

ختم الله سبحانه تلك السورة ببيان حال المؤمنين و الكافرين و افتتح هذه السورة ببيان وقت ذلك فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 797

سورة الزلزلة
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْض زِلْزَالهََا(1) وَ أَخْرَجَتِ الأَرْض أَثْقَالَهَا(2) وَ قَالَ الانسنُ مَا لهََا(3) يَوْمَئذ تحَدِّث أَخْبَارَهَا(4) بِأَنَّ رَبَّك أَوْحَى لَهَا(5) يَوْمَئذ يَصدُرُ النَّاس أَشتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَلَهُمْ(6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ(7) وَ مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شرًّا يَرَهُ(8)

القراءة

في بعض الروايات عن الكسائي خيرا يره و شرا يره بضم الياء فيهما و هي رواية أبان عن عاصم أيضا و هي قراءة علي (عليه السلام) و الباقون « يره » بفتح الياء في الموضعين إلا أن أبا جعفر و روحا و رويسا قرءوا بضم الهاء ضمة مختلسة غير مشبعة .

الحجة

قال أبو علي من قرأ يره جعل الفعل منقولا من رأيت زيدا إذا أدركته ببصرك و أريته عمرا و بنى الفعل للمفعول و من قرأ « يره » فالتقدير ير جزاءه و إثبات الواو في يرهو بعد الهاء هو الوجه كما تقول أكرمهو لأن هذه الهاء يتبعها حرف اللين الواو و الياء إذا كان قبلها كسرة أو ياء نحو بهي و عليهي و قد جاء في الشعر نحوه قاله
و نضواي مشتاقان له أرقان .

اللغة

الزلزلة شدة الاضطراب و الزلزال بكسر الزاي المصدر و بفتحها الاسم و زلزلت و رجقت و رجت بمعنى واحد و الأثقال جمع الثقل و سمى سبحانه الموتى أثقالا تشبيها بالحمل الذي يكون في البطن لأن الحمل سمي ثقلا كما قال سبحانه فلما أثقلت و تقول العرب إن للسيد الشجاع ثقلا على الأرض فإذا مات سقط عنها بموته ثقل قالت الخنساء ترثي أخاها صخرا :
أ بعد ابن عمرو من آل الشريد
حلت به الأرض أثقالها عنت بذلك أنه حل عن الأرض ثقل بموته لسؤدده و عزة و قيل معناه زينت موتاها به من الحلية و قال الشمردل اليربوعي يرثي أخاه :
و حلت به أثقالها الأرض و انتهى
لمثواه منها و هو عف شمائله و ذكر ابن السائب أن زهير بن أبي سلمى قال بيتا ثم أكدى فمر به النابغة الذبياني
مجمع البيان ج : 10 ص : 798
فقال له يا أبا أمامة أجز قال ما ذا قال :
تزال الأرض إما مت خفا
و تحبا ما حييت بها ثقيلا
نزلت بمستقر العز منها فما ذا قال فأكدى و الله النابغة الذبياني و أقبل كعب بن زهير و هو غلام فقال له أبوه أجز يا بني قال ما ذا فأنشده فقال كعب
فتمنع جانبها أن تزولا فقال له زهير أنت و الله ابني و أوحى و وحي بمعنى واحد قال العجاج :
وحي القرار فاستقرت .

الإعراب

العامل في إذا قوله « فمن يعمل مثقال ذرة » و قوله « خيرا » منصوب على التمييز و قيل إن العامل في إذا قوله « تحدث أخبارها » و يكون يومئذ تكرارا أي إذا زلزلت الأرض تحدث أخبارها و قيل إن التقدير و قال الإنسان يومئذ ما لها يومئذ تحدث أخبارها فقيل ذلك بأن ربك أوحى لها و تحدث يجوز أن يكون على الخطاب أي تحدث أنت و يجوز أن يكون على تحدث هي .

المعنى


خوف الله سبحانه عباده أهوال يوم القيامة فقال « إذا زلزلت الأرض زلزالها » أي إذا حركت الأرض تحريكا شديدا لقيام الساعة زلزالها التي كتب عليها و يمكن أن يكون إنما أضافها إلى الأرض لأنها تعم جميع الأرض بخلاف الزلازل المعهودة التي تختص ببعض الأرض فيكون في قوله « زلزالها » تنبيها على شدتها « و أخرجت الأرض أثقالها » أي أخرجت موتاها المدفونة فيها تخرجها أحياء للجزاء عن ابن عباس و مجاهد و الجبائي و قيل معناه لفظت ما فيها من كنوزها و معادنها فتلقيها على ظهرها ليراها أهل الموقف و تكون الفائدة في ذلك أن يتحسر العصاة إذا نظروا إليها لأنهم عصوا الله فيها ثم تركوها لا تغني عنهم شيئا و أيضا فإنه تكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم « و قال الإنسان ما لها » أي و يقول الإنسان متعجبا ما للأرض تتزلزل يعني ما لها حدث فيها ما لم يعرف منها عن أبي مسلم و قيل إن المراد بالإنسان الكافر لأن المؤمن معترف بها لا يسأل عنها أي يقول الكافر الذي لم يؤمن بالبعث أي شيء زلزلها و أصارها إلى هذه الحالة « يومئذ تحدث أخبارها » أي تخبر بما عمل عليها و جاء في الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أ تدرون ما أخبارها قالوا الله و رسوله أعلم قال أخبارها أن تشهد على كل عبد و أنه بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا و كذا يوم كذا و كذا و هذا أخبارها و على هذا فيجوز أن يكون الله تعالى أحدث الكلام فيها و إنما
مجمع البيان ج : 10 ص : 799
نسبه إليها توسعا و مجازا و يجوز أن يقلبها حيوانا يقدر على النطق و يجوز أن يظهر فيها ما يقوم مقامه الكلام فعبر عنه بالكلام كما يقال عيناك تشهدان بسهرك و كقول الشاعر
و قالت له العينان سمعا و طاعة و قد مر أمثاله و قوله « بأن ربك أوحى لها » معناه أن الأرض تحدث بها فتقول إن ربك يا محمد أوحى لها أي ألهمها و عرفها بأن تحدث أخبارها و قيل بأن تلقي الكنوز و الأموات على ظهرها يقال أوحى له و إليه أي ألقي إليه من جهة تخفي قال الفراء تحدث أخبارها بوحي الله و إذنه لها و قال ابن عباس إذن لها لتخبر بما عمل عليها و روى الواحدي بإسناده مرفوعا إلى ربيعة الحرشي قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حافظوا على الوضوء و خير أعمالكم الصلاة و تحفظوا من الأرض فإنها أمكم و ليس فيها أحد يعمل خيرا و شرا إلا و هي مخبرة و قال أبو سعيد الخدري إذا كنت بالبوادي فارفع صوتك بالأذان فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول لا يسمعه جن و لا إنس و لا حجر إلا يشهد له « يومئذ يصدر الناس أشتاتا » أي يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض متفرقين أهل الإيمان على حدة و أهل كل دين على حدة و هذا كقوله و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون و قوله يومئذ يصدعون « ليروا أعمالهم » أي ليروا جزاء أعمالهم عن ابن عباس و المعنى أنهم يرجعون عن الموقف فرقا لينزلوا منازلهم من الجنة و النار و قيل معنى الرؤية هنا المعرفة بالأعمال عند تلك الحال و هي رؤية القلب و يجوز أن يكون التأويل على رؤية العين بمعنى ليروا صحائف أعمالهم فيقرءون ما فيها لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها « فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره » أي فمن يعمل وزن ذرة من الخير ير ثوابه و جزاءه « و من يعمل مثقال ذرة شرا يره » أي ير ما يستحق عليه من العقاب و يمكن أن يستدل بها على بطلان الإحباط لأن الظاهر يدل على أنه لا يفعل أحد شيئا من طاعة أو معصية إلا و يجازي عليها و ما يقع محبطا لا يجازي عليه و ليس لهم أن يقولوا إن الظاهر بخلاف ما تذهبون إليه في جواز العفو عن مرتكب الكبيرة و ذلك لأن الآية مخصوصة بالإجماع فإن التائب معفو عنه بلا خلاف و عندهم أن من شرط المعصية التي يؤاخذ بها أن لا تكون صغيرة فجاز لنا أيضا أن نشرط فيها أن لا يكون مما يعفو الله عنه و قال محمد بن كعب معناه فمن يعمل مثقال ذرة خيرا و هو كافر ير ثوابه في الدنيا في نفسه و أهله و ماله و ولده حتى يخرج من الدنيا و ليس له عند الله خير و من يعمل مثقال ذرة شرا و هو مؤمن ير عقوبته في الدنيا في نفسه و أهله و ماله و ولده حتى يخرج من الدنيا و ليس له عند الله شر و قال مقاتل فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره يوم القيامة في كتابه فيفرح به و كذلك من الشر يراه
مجمع البيان ج : 10 ص : 800
في كتابه فيسؤه ذلك قال و كان أحدهم يستقل أن يعطي اليسير و يقول إنما نوجر على ما نعطي و نحن نحبه و ليس اليسير مما يحب و يتهاون بالذنب اليسير و يقول إنما وعد الله النار على الكبائر فأنزل الله هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير و يحذرهم اليسير من الشر و عن أبي عثمان المازني عن أبي عبيدة قال قدم صعصعة بن ناجية جد الفرزدق على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في وفد بني تميم فقال بأبي أنت يا رسول الله أوصيني خيرا فقال أوصيك بأمك و أبيك و أدانيك قال زدني يا رسول الله قال احفظ ما بين لحييك و رجليك ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما شيء بلغني عنك فعلته فقال يا رسول الله رأيت الناس يمرجون على غير وجه و لم أدر أين الصواب غير أني علمت أنهم ليسوا عليه فرأيتهم يئدون بناتهم فعرفت الله عز و جل لم يأمرهم بذلك فلم أتركهم يئدون و فديت ما قدرت و في رواية أخرى أنه سمع « فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره » فقال حسبي ما أبالي أن لا أسمع من القرآن غير هذا و قال عبد الله بن مسعود أحكم آية في القرآن « فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره » إلى آخر السورة و كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يسميها الجامعة و تصدق سعد بن أبي وقاص بتمرتين فقبض السائل يده فقال سعد ويحك يقبل الله منا مثقال الذرة و الخردلة و كان فيها مثاقيل .

مجمع البيان ج : 10 ص : 801
( 100 ) سورة العاديات مكية و آياتها إحدى عشرة ( 11 )
مدنية عن ابن عباس و قتادة و قيل مكية .

عدد آياتها

إحدى عشرة آية بالإجماع .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة و شهد جمعا .
سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال و من قرأ و العاديات و أدمن قراءتها بعثه الله مع أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم القيامة خاصة و كان في حجره و رفقائه .

النظم

اتصلت هذه السورة بما قبلها لما فيها من ذكر القيامة و الجزاء اتصال النظير بالنظير فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 802

سورة العاديات
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ الْعَدِيَتِ ضبْحاً(1) فَالْمُورِيَتِ قَدْحاً(2) فَالمُْغِيرَتِ صبْحاً(3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً(4) فَوَسطنَ بِهِ جَمْعاً(5) إِنَّ الانسنَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ(6) وَ إِنَّهُ عَلى ذَلِك لَشهِيدٌ(7) وَ إِنَّهُ لِحُب الْخَيرِ لَشدِيدٌ(8) * أَ فَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثرَ مَا فى الْقُبُورِ(9) وَ حُصلَ مَا فى الصدُورِ(10) إِنَّ رَبهُم بهِمْ يَوْمَئذ لَّخَبِيرُ(11)

القراءة

في الشواذ قراءة أبي حياة فأثرن بتشديد الثاء و قراءة علي (عليه السلام) و قتادة و ابن أبي ليلى فوسطن بتشديد السين .

الحجة

قال ابن جني : فأثرن مثل أبدين و أرين نقعا كما يؤثر الإنسان النقش و غيره مما يبديه للناظر و هو من التأثير فالهمزة فاء الفعل و أثرن بالتخفيف من الإثارة فالهمزة مزيدة و قوله « فوسطن » بالتشديد معناه ميزن به جمعا أي جعلته شطرين قسمين و شقين و معنى وسطنه بالتخفيف صرن في وسطه .

اللغة

الضبح في الخيل الحمحمة عند العدو و قيل هو شدة النفس عند العدو و ضبحت الخيل تضبح ضباحا و قيل ضبح و ضبع بمعنى و هو أن يمد ضبعه في السير حتى لا يجد مزيدا و أورى القادح النار يوري إيراء إذا قدح قدحا و تسمى تلك النار نار الحباحب لضعفها قال النابغة :
يقد السلوقي المضاعف نسجه
و يوقدن بالصفاح نار الحباحب و هو اسم رجل كان بخيلا و كانت ناره ضعيفة لئلا يراها الأضياف فضربوا المثل بناره و شبهوا نار الحوافر بها لقلتها و النقع الغبار يغوص فيه صاحبه كما يغوص في الماء و الكنود الكفور و منه الأرض الكنود و هي التي لا تنبت شيئا و الأصل فيه منع الحق و الخير قال الأعشى :
أحدث لها تحدث لوصلك إنها
كند لوصل الزائر المعتاد و قيل إنما سميت كندة لقطعها إياها .

النزول
قيل بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سرية إلى حي من كنانة فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد النقباء فتأخر رجوعهم فقال المنافقون قتلوا جميعا فأخبر الله تعالى عنها بقوله و العاديات ضبحا عن مقاتل و قيل نزلت السورة لما بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليا (عليه السلام) إلى ذات
مجمع البيان ج : 10 ص : 803
السلاسل فأوقع بهم و ذلك بعد أن بعث عليهم مرارا غيره من الصحابة فرجع كل منهم إلى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال و سميت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه أسر منهم و قتل و سبى و شد أسراهم في الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل و لما نزلت السورة خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى الناس فصلى بهم الغداة و قرأ فيها و العاديات فلما فرغ من صلاته قال أصحابه هذه سورة لم نعرفها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) نعم إن عليا ظفر بأعداء الله و بشرني بذلك جبرئيل (عليه السلام) في هذه الليلة فقدم علي (عليه السلام) بعد أيام بالغنائم و الأسارى .

المعنى

« و العاديات ضبحا » قيل هي الخيل في الغزو تعدو في سبيل الله عن ابن عباس و عطاء و عكرمة و الحسن و مجاهد و قتادة و الربيع قالوا أقسم الله بالخيل العادية لغزو الكفار و هي تضبح ضبحا و ضبحها صوت أجوافها إذا عدت ليس بصهيل و لا حمحمة و لكنه صوت نفس و قيل هي الإبل حين ذهبت إلى غزوة بدر تمد أعناقها في السير فهي تضبح أي تضبع روي ذلك عن علي (عليه السلام) و ابن مسعود و السدي و روي أيضا أنها إبل الحاج تعدو من عرفة إلى المزدلفة و من المزدلفة إلى منى قالت صفية بنت عبد المطلب :
ألا و العاديات غداة جمع
بأيديها إذا سطع الغبار و اختلفت الروايات فيه فروي عن أبي صالح أنه قال قاولت فيه عكرمة فقال عكرمة قال ابن عباس هي الخيل في القتال فقلت أنا قال علي (عليه السلام) هي الإبل في الحج و قلت مولاي أعلم من مولاك و في رواية أخرى أن ابن عباس قال : هي الخيل أ لا تراه يقول « فأثرن به نقعا » فهل تثيره إلا بحوافرها و هل تضبح الإبل إنما تضبح الخيل قال علي (عليه السلام) ليس كما قلت لقد رأيتنا يوم بدر و ما معنا إلا فرس أبلق للمقداد بن الأسود و في رواية أخرى لمرثد بن أبي مرثد الغنوي و روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال بينما أنا في الحجرة جالس إذ أتاني رجل فسأل عن العاديات ضبحا فقلت له الخيل حين تغير في سبيل الله ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم و يورون نارهم فانفتل عني و ذهب إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو تحت سقاية زمزم فسأله عن العاديات ضبحا فقال سألت عنها أحدا قبلي قال نعم سألت عنها ابن عباس فقال الخيل حين تغير في سبيل الله قال فاذهب فادعه لي فلما وقف على رأسه قال تفتي الناس بما لا علم لك به و الله إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر و ما كانت معنا إلا فرسان فرس للزبير و فرس للمقداد بن الأسود فكيف تكون العاديات الخيل بل العاديات ضبحا الإبل من عرفة إلى مزدلفة و من مزدلفة إلى منى قال ابن عباس فرغبت عن قولي و رجعت إلى الذي قاله علي (عليه السلام) « فالموريات قدحا » هي الخيل توري النار بحوافرها إذا
مجمع البيان ج : 10 ص : 804

صارت في الحجارة و الأرض المحصبة عن عكرمة و الضحاك و قال مقاتل : يقدحن بحوافرهن النار في الحجارة قال ابن عباس : يريد ضرب الخيل بحوافرها الجبل فأورت منه النار مثل الزناد إذا قدح و قال مجاهد : يريد مكر الرجال في الحروب تقول العرب إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه أما و الله لأورين لك بزند وار و لأقدحن لك و خالف المصدر فيها صدر الكلام و مجازه فالقادحات قدحا و قيل هي النيران بجمع عن محمد بن كعب و قيل هي ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به عن عكرمة « فالمغيرات صبحا » يريد الخيل تغير بفرسانها على العدو وقت الصبح و إنما ذكر وقت الصبح لأنهم كانوا يسيرون إلى العدو ليلا فيأتونهم صبحا هذا قول الأكثرين و قيل يريد الإبل ترتفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى و السنة أن لا ترتفع بركبانها حتى تصيح و الإغارة سرعة السير و منه قولهم أشرق ثبير كيما نغير عن محمد بن كعب « فأثرن به نقعا » يقال ثار الغبار و الدخان و أثرته أي هيجته و الهاء في به عائد إلى معلوم يعني بالمكان أو بالوادي المعنى فهيجن بمكان عدوهن غبارا « فوسطن به جمعا » أي صرن بعدوهن أو بذلك المكان وسط جمع العدو و هم الكتيبة و قال محمد بن كعب : يريد جمع منى « إن الإنسان لربه لكنود » هذا جواب القسم و الكنود الكفور الجحود لنعم الله عن ابن عباس و قتادة و الحسن و مجاهد و قيل هو بلسان كندة و حضرموت العاصي و بلسان مضر و ربيعة و قضاعة الكفور عن الكلبي و قيل هو الذي يعد المصائب و ينسى النعم عن الحسن أخذه بعض الشعراء فقال :
يا أيها الظالم في فعله
و الظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت و حتى متى
تشكو المصيبات و تنسى النعم و روى أبو أمامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال أ تدرون من الكنود قالوا الله و رسوله أعلم قال الكنود الذي يأكل وحده و يمنع رفده و يضرب عبده و قيل الكنود الذي لا يعطي في النائبة مع قومه عن عطاء و قيل هو القليل الخير عن أبي عبيدة « و إنه على ذلك لشهيد » معناه و إن الله على كفره لشهيد عن ابن عباس و قتادة و عطاء و قيل أن الهاء تعود إلى الإنسان و المعنى أن الإنسان شاهد على نفسه يوم القيامة بكنوده أو في الدنيا فإنك لو سألته عن النعمة لم يذكر أكثرها و يذكر جميع مصائبه و هو معنى قول الحسن « و إنه » يعني الإنسان « لحب الخير لشديد » أي لأجل حب الخير الذي هو المال أي من أجله لبخيل شحيح يمنع منه حق الله تعالى عن الحسن يقال للبخيل شديد و متشدد قال طرفة :
 

Back Index Next