جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج2 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


لضعيف و الولي القوي، و بين الغني المثري و الفقير المعدم، و كذا كل ناقص و تام، و قد قال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة:" الحجرات - 10.

فالذي تجوزه الآية في مخالطة الولي لليتيم أن يكون كالمخالطة بين الأخوين المتساويين في الحقوق الاجتماعية بين الناس يكون المأخوذ من ماله كالمعطى له، فالآية تحاذي قوله تعالى: "و آتوا اليتامى أموالهم و لا تتبدلوا الخبيث بالطيب و لا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا:" النساء - 2، و هذه المحاذاة من الشواهد على أن في الآية نوعا من التخفيف و التسهيل كما يدل عليه أيضا ذيلها، و كما يدل عليه أيضا بعض الدلالة قوله تعالى: و الله يعلم المفسد من المصلح، فالمعنى: أن المخالطة إن كانت و هذا هو التخفيف فلتكن كمخالطة الأخوين، على التساوي في الحقوق، و لا ينبغي عند ذلك الخوف و الخشية فإن ذلك لو كان بغرض الإصلاح حقيقة لا صورة كان من الخير، و لا يخفى حقيقة الأمر على الله سبحانه حتى يؤاخذكم بمجرد المخالطة فإن الله سبحانه يميز المفسد من المصلح.

قوله تعالى: و الله يعلم المفسد من المصلح إلى آخر الآية، تعدية يعلم بمن كأنها لمكان تضمينه معنى يميز، و العنت هو الكلفة و المشقة.

بحث روائي

في الكافي، عن علي بن يقطين: قال: سأل المهدي أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمر: هل هي محرمة في كتاب الله عز و جل؟ فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها و لا يعرفون تحريمها فقال له أبو الحسن (عليه السلام): بل هي محرمة فقال: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عز و جل يا أبا الحسن؟ فقال: قول الله تعالى: إنما حرم ربي الفواحش - ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي بغير الحق إلى أن قال: فأما الإثم فإنها الخمر بعينها و قد قال الله تعالى في موضع آخر: يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما، فأما الإثم في كتاب الله فهي الخمر و الميسر و إثمهما أكبر من نفعهما كما قال الله تعالى، فقال المهدي: يا علي بن يقطين هذه فتوى هاشمية، فقلت له: صدقت يا أمير المؤمنين الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت، قال: فوالله ما صبر المهدي إن قال لي: صدقت يا رافضي.

أقول: و قد مر ما يتبين به معنى هذه الرواية.

و في الكافي، أيضا عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إن الله جعل للمعصية بيتا، ثم جعل للبيت بابا، ثم جعل للباب غلقا، ثم جعل للغلق مفتاحا، فمفتاح المعصية الخمر.

و فيه، أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الخمر رأس كل إثم.

و فيه، عن إسماعيل قال: أقبل أبو جعفر (عليه السلام) في المسجد الحرام فنظر إليه قوم من قريش فقالوا: هذا إله أهل العراق فقال بعضهم: لو بعثتم إليه بعضكم، فأتاه شاب منهم فقال: يا عم ما أكبر الكبائر؟ قال (عليه السلام): شرب الخمر.

و فيه، أيضا عن أبي البلاد عن أحدهما (عليهما السلام) قال: ما عصي الله بشيء أشد من شرب المسكر، إن أحدهم يدع الصلاة الفريضة و يثب على أمه و ابنته، و أخته و هو لا يعقل.

و في الإحتجاج،: سأل زنديق أبا عبد الله (عليه السلام): لم حرم الله الخمر و لا لذة أفضل منها؟ قال: حرمها لأنها أم الخبائث و رأس كل شر، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربه و لا يترك معصية إلا ركبها الحديث.

أقول: و الروايات تفسر بعضها بعضا، و التجارب و الاعتبار يساعدانها.

و في الكافي، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لعن رسول الله في الخمر عشرة: غارسها، و حارسها، و عاصرها و شاربها، و ساقيها، و حاملها، و المحمولة إليه، و بايعها، و مشتريها و آكل ثمنها.

و في الكافي، و المحاسن، عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ملعون ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر.

أقول: و تصديق الروايتين قوله تعالى: "و لا تعاونوا على الإثم و العدوان:" المائدة - 3.

و في الخصال، بإسناده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أربعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: عاق، و منان، و مكذب بالقدر، و مدمن خمر.

و في الأمالي لابن الشيخ، بإسناده عن الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أقسم ربي جل جلاله لا يشرب عبد لي خمرا في الدنيا إلا سقيته يوم القيامة مثل ما شرب منها من الحميم معذبا بعد أو مغفورا له. ثم قال: إن شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسودا وجهه، مزرقة عيناه، مائلا شدقه، سائلا لعابه، والغا لسانه من قفاه.

و في تفسير القمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: حق على الله أن يسقي من يشرب الخمر مما يخرج من فروج المومسات، و المومسات الزواني يخرج من فروجهن صديد، و الصديد قيح و دم غليظ يؤذي أهل النار حره و نتنه.

أقول: ربما تأيدت هذه الروايات بقوله تعالى: "إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم:" الدخان - 49، و في جميع المعاني السابقة روايات كثيرة.

و في الكافي، عن الوشاء عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الميسر هو القمار.

أقول: و الروايات في هذا المعنى كثيرة لا غبار عليها.

و في الدر المنثور،: في قوله تعالى: و يسألونك ما ذا ينفقون الآية: عن ابن عباس: أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي فقالوا: إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا، فما ننفق منها؟ فأنزل الله و يسألونك ما ذا ينفقون قل العفو و كان قبل ذلك ينفق ماله حتى ما يجد ما يتصدق به و لا مالا يأكل حتى يتصدق به و في الدر المنثور، أيضا عن يحيى: أنه بلغه أن معاذ بن جبل و ثعلبة أتيا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالا: يا رسول الله إن لنا أرقاء و أهلين فما ننفق من أموالنا؟ فأنزل الله: و يسألونك ما ذا ينفقون. قل العفو.

و في الكافي، و تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): العفو الوسط.

و في تفسير العياشي، عن الباقر و الصادق (عليهما السلام): الكفاف.

و في رواية أبي بصير: القصد.

و فيه، أيضا عن الصادق (عليه السلام): في الآية: الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا - و كان بين ذلك قواما، قال: هذه بعد هذه، هي الوسط.

و في المجمع، عن الباقر (عليه السلام): العفو ما فضل عن قوت السنة.

أقول: و الروايات متوافقة، و الأخيرة من قبيل بيان المصداق.

و الروايات في فضل الصدقة و كيفيتها و موردها و كميتها فوق حد الإحصاء، سيأتي بعضها في موارد تناسبها إن شاء الله.

و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: و يسألونك عن اليتامى: عن الصادق (عليه السلام) قال: إنه لما نزلت: إن الذين يأكلون أموال اليتامى - ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا، أخرج كل من كان عنده يتيم، و سألوا رسول الله في إخراجهم فأنزل الله: يسألونك عن اليتامى - قل إصلاح لهم خير و إن تخالطوهم - فإخوانكم في الدين - و الله يعلم المفسد من المصلح.

و في الدر المنثور، عن ابن عباس قال: لما أنزل الله: و لا تقربوا مال اليتيم - إلا بالتي هي أحسن، و إن الذين يأكلون أموال اليتامى الآية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه و شرابه من شرابه فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فيرمي به، فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل الله: و يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير - و إن تخالطوهم فإخوانكم، فخلطوا طعامهم بطعامهم و شرابهم بشرابهم.

أقول: و روي هذا المعنى عن سعيد بن جبير و عطاء و قتادة

2 سورة البقرة - 221

وَ لا تَنكِحُوا الْمُشرِكَتِ حَتى يُؤْمِنّ وَ لأَمَةٌ مّؤْمِنَةٌ خَيرٌ مِّن مّشرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَ لا تُنكِحُوا الْمُشرِكِينَ حَتى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مّؤْمِنٌ خَيرٌ مِّن مّشرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئك يَدْعُونَ إِلى النّارِ وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى الْجَنّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَينُ ءَايَتِهِ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ (221)

بيان

قوله تعالى: و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، قال الراغب في المفردات،: أصل النكاح للعقد ثم استعير للجماع، و محال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد لأن أسماء الجماع، كلها كنايات، لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه، و محال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه، انتهى، و هو جيد غير أنه يجب أن يراد بالعقد علقة الزوجية دون العقد اللفظي المعهود.

و المشركات اسم فاعل من الإشراك بمعنى اتخاذ الشريك لله سبحانه، و من المعلوم أنه ذو مراتب مختلفة بحسب الظهور و الخفاء نظير الكفر و الإيمان، فالقول بتعدد الإله و اتخاذ الأصنام و الشفعاء شرك ظاهر، و أخفى منه ما عليه أهل الكتاب من الكفر بالنبوة - و خاصة - أنهم قالوا: عزير ابن الله أو المسيح ابن الله، و قالوا: نحن أبناء الله و أحباؤه و هو شرك، و أخفى منه القول باستقلال الأسباب و الركون إليها و هو شرك، إلى أن ينتهي إلى ما لا ينجو منه إلا المخلصون و هو الغفلة عن الله و الالتفات إلى غير الله عزت ساحته، فكل ذلك من الشرك، غير أن إطلاق الفعل غير إطلاق الوصف و التسمية به، كما أن من ترك من المؤمنين شيئا من الفرائض فقد كفر به لكنه لا يسمى كافرا، قال تعالى: "و لله على الناس حج البيت إلى أن قال و من كفر فإن الله غني عن العالمين:" آل عمران - 97، و ليس تارك الحج كافرا بل هو فاسق كفر بفريضة واحدة، و لو أطلق عليه الكافر قيل كافر بالحج، و كذا سائر الصفات المستعملة في القرآن كالصالحين و القانتين و الشاكرين و المتطهرين، و كالفاسقين و الظالمين إلى غير ذلك لا تعادل الأفعال المشاركة لها في مادتها، و هو ظاهر فللتوصيف و التسمية حكم، و لإسناد الفعل حكم آخر.

على أن لفظ المشركين في القرآن غير ظاهر الإطلاق على أهل الكتاب بخلاف لفظ الكافرين بل إنما أطلق فيما يعلم مصداقه على غيرهم من الكفار كقوله تعالى: "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و لا المشركين منفكين حتى تأتيهم البينة:" البينة - 1، و قوله تعالى: "إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام:" التوبة - 28، و قوله تعالى: "كيف يكون للمشركين عهد:" التوبة - 7، و قوله تعالى: "و قاتلوا المشركين كافة:" التوبة 36، و قوله تعالى: "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم:" التوبة - 5، إلى غير ذلك من الموارد.

و أما قوله تعالى: "و قالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا و ما كان من المشركين:" البقرة - 135، فليس المراد بالمشركين في الآية اليهود و النصارى ليكون تعريضا لهم بل الظاهر أنهم غيرهم بقرينة قوله تعالى: "ما كان إبراهيم يهوديا و لا نصرانيا و لكن كان حنيفا مسلما و ما كان من المشركين:" آل عمران - 67، ففي إثبات الحنف له (عليه السلام) تعريض لأهل الكتاب، و تبرئة لساحة إبراهيم عن الميل عن حاق الوسط إلى مادية اليهود محضا أو إلى مثنوية النصارى محضا بل هو (عليه السلام) غير يهودي و لا نصراني و مسلم لله غير متبع له يكن المشركين عبدة الأوثان.

و كذا قوله تعالى: "و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون:" يوسف - 106، و قوله تعالى: "و ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة:" فصلت - 7، و قوله تعالى: "إنما سلطانه على الذين يتولونه و الذين هم به مشركون:" النحل - 100، فإن هذه الآيات ليست في مقام التسمية بحيث يعد المورد الذي يصدق وصف الشرك عليه مشركا غير مؤمن، و الشاهد على ذلك صدقه على بعض طبقات المؤمنين، بل على جميعهم غير النادر الشاذ منهم و هم الأولياء المقربون من صالحي عباد الله.

فقد ظهر من هذا البيان على طوله: أن ظاهر الآية أعني قوله تعالى: و لا تنكحوا المشركات، قصر التحريم على المشركات و المشركين من الوثنيين دون أهل الكتاب.

و من هنا يظهر: فساد القول بأن الآية ناسخة لآية المائدة و هي قوله تعالى: "اليوم أحل لكم الطيبات و طعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم و طعامكم حل لهم و المحصنات من المؤمنات و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" الآية: المائدة - 6.

أو أن الآية أعني قوله تعالى: و لا تنكحوا المشركات، و آية الممتحنة أعني قوله تعالى: "و لا تمسكوا بعصم الكوافر:" الممتحنة - 10، ناسختان لآية المائدة، و كذا القول بأن آية المائدة ناسخة لآيتي البقرة و الممتحنة.

وجه الفساد: أن هذه الآية أعني آية البقرة بظاهرها لا تشمل أهل الكتاب و آية المائدة لا تشمل إلا الكتابية فلا نسبة بين الآيتين بالتنافي حتى تكون آية البقرة ناسخة لآية المائدة أو منسوخة بها، و كذا آية الممتحنة و إن أخذ فيها عنوان الكوافر و هو أعم من المشركات و يشمل أهل الكتاب، فإن الظاهر أن إطلاق الكافر يشمل الكتابي بحسب التسمية بحيث يوجب صدقه عليه انتفاء صدق المؤمن عليه كما يشهد به قوله تعالى "من كان عدوا لله و ملائكته و رسله و جبريل و ميكال فإن الله عدو للكافرين:" البقرة - 98 إلا أن ظاهر الآية كما سيأتي إن شاء الله العزيز أن من آمن من الرجال و تحته زوجة كافرة يحرم عليه الإمساك بعصمتها أي إبقاؤها على الزوجية السابقة إلا أن تؤمن فتمسك بعصمتها، فلا دلالة لها على النكاح الابتدائي للكتابية.

و لو سلم دلالة الآيتين أعني: آية البقرة و آية الممتحنة على تحريم نكاح الكتابية ابتداء لم تكونا بحسب السياق ناسختين لآية المائدة، و ذلك لأن آية المائدة واردة مورد الامتنان و التخفيف، على ما يعطيه التدبر في سياقها، فهي آبية عن المنسوخية بل التخفيف المفهوم منها هو الحاكم على التشديد المفهوم من آية البقرة، فلو بني على النسخ كانت آية المائدة هي الناسخة.

على أن سورة البقرة أول سورة نزلت بالمدينة بعد الهجرة، و سورة الممتحنة نزلت بالمدينة قبل فتح مكة و سورة المائدة آخر سورة نزلت على رسول الله ناسخة غير منسوخة و لا معنى لنسخ السابق اللاحق.

قوله تعالى: و لأمة مؤمنة خير من مشركة و لو أعجبتكم، الظاهر أن المراد بالأمة المؤمنة المملوكة التي تقابل الحرة و قد كان الناس يستذلون الإماء و يعيرون من تزوج بهن، فتقييد الأمة بكونها مؤمنة، و إطلاق المشركة مع ما كان عليه الناس من استحقار أمر الإماء و استذلالهن، و التحرز عن التزوج بهن يدل على أن المراد أن المؤمنة و إن كانت أمة خير من المشركة و إن كانت حرة ذات حسب و نسب و مال مما يعجب الإنسان بحسب العادة.

و قيل: إن المراد بالأمة كالعبد في الجملة التالية أمة الله و عبده و هو بعيد.

قوله تعالى: و لا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا و لعبد مؤمن "إلخ"، الكلام فيه كالكلام في الجملة السابقة.

قوله تعالى: أولئك يدعون إلى النار و الله يدعو إلى الجنة و المغفرة بإذنه، إشارة إلى حكمة الحكم بالتحريم، و هو أن المشركين لاعتقادهم بالباطل، و سلوكهم سبيل الضلال رسخت فيهم الملكات الرذيلة المزينة للكفر و الفسوق، و المعمية عن إبصار طريق الحق و الحقيقة فأثبتت في قولهم و في فعلهم الدعوة إلى الشرك، و الدلالة إلى البوار، و السلوك بالآخرة إلى النار فهم يدعون إلى النار، و المؤمنون - بخلافهم - بسلوكهم سبيل الإيمان، و تلبسهم بلباس التقوى يدعون بقولهم و فعلهم إلى الجنة و المغفرة بإذن الله حيث أذن في دعوتهم إلى الإيمان، و اهتدائهم إلى الفوز و الصلاح المؤدي إلى الجنة و المغفرة.

و كان حق الكلام أن يقال: و هؤلاء يدعون إلى الجنة "إلخ"، ففيه استخلاف عن المؤمنين و دلالة على أن المؤمنين في دعوتهم بل في مطلق شئونهم الوجودية إلى ربهم، لا يستقلون في شيء من الأمور دون ربهم تبارك و تعالى و هو وليهم كما قال سبحانه: "و الله ولي المؤمنين:" آل عمران - 68.

و في الآية وجه آخر: و هو أن يكون المراد بالدعوة إلى الجنة و المغفرة هو الحكم المشرع في صدر الآية بقوله تعالى: و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن "إلخ"، فإن جعل الحكم لغرض ردع المؤمنين عن الاختلاط في العشرة مع من لا يزيد القرب منه و الأنس به إلا البعد من الله سبحانه، و حثهم بمخالطة من في مخالطته التقرب من الله سبحانه و ذكر آياته و مراقبة أمره و نهيه دعوة من الله إلى الجنة، و يؤيد هذا الوجه تذييل هذه الجملة بقوله تعالى: و يبين آياته للناس لعلهم يتذكرون، و يمكن أن يراد بالدعوة الأعم من الوجهين، و لا يخلو حينئذ السياق عن لطف فافهم.


بحث روائي

في المجمع،: في الآية: نزلت في مرئد بن أبي مرئد الغنوي بعثه رسول الله إلى مكة ليخرج منها ناسا من المسلمين، و كان قويا شجاعا، فدعه امرأة يقال لها: عناق إلى نفسها فأبى و كانت بينهما خلة في الجاهلية، فقالت: هل لك أن تتزوج بي؟ فقال: حتى استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما رجع استأذن في التزوج بها.

أقول: و روى هذا المعنى السيوطي في الدر المنثور، عن ابن عباس.

و في الدر المنثور:، أخرج الواحدي من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس: في هذه الآية: و لأمة مؤمنة خير من مشركة، قال: نزلت في عبد الله بن رواحة و كانت له أمة سوداء و أنه غضب عليها فلطمها ثم إنه فزع فأتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره خبرها، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما هي يا عبد الله؟ قال: تصوم و تصلي و تحسن الوضوء و تشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسوله فقال يا عبد الله هذه مؤمنة فقال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق لأعتقها و لأتزوجها، ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين و قالوا: نكح أمة و كانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين و ينكحوهم رغبة في أحسابهم فأنزل الله فيهم: و لأمة مؤمنة خير من مشركة.

و فيه، أيضا عن مقاتل: في الآية و لأمة مؤمنة، قال بلغنا أنها كانت أمة لحذيفة فأعتقها و تزوجها حذيفة.

أقول: لا تنافي بين هذه الروايات الواردة في أسباب النزول لجواز وقوع عدة حوادث تنزل بعدها آية تشتمل على حكم جميعها، و هنا روايات متعارضة مروية في كون قوله تعالى: و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، الآية ناسخا لقوله تعالى: و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، أو منسوخا به، ستمر بك في تفسير الآية من سورة المائدة.

2 سورة البقرة - 222 - 223

وَ يَسئَلُونَك عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فى الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنّ حَتى يَطهُرْنَ فَإِذَا تَطهّرْنَ فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْث أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ يحِب التّوّبِينَ وَ يحِب الْمُتَطهِّرِينَ (222) نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنى شِئْتُمْ وَ قَدِّمُوا لأَنفُسِكمْ وَ اتّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنّكم مّلَقُوهُ وَ بَشرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)

بيان


قوله تعالى: و يسألونك عن المحيض قل هو أذى "إلخ"، المحيض مصدر كالحيض، يقال: حاضت المرأة تحيض حيضا و محيضا إذا نزفت طبيعتها الدم المعروف ذا الصفات المعهودة المختصة بالنساء، و لذلك يقال هي حائض كما يقال: هي حامل.

و الأذى هو الضرر على ما قيل، لكنه لا يخلو عن نظر، فإنه لو كان هو الضرر بعينه لصح مقابلته مع النفع كما أن الضرر مقابل النفع و ليس بصحيح، يقال: دواء مضر و ضار، و لو قيل دواء موذ أفاد معنى آخر، و أيضا قال تعالى: "لن يضروكم إلا أذى:" آل عمران - 111، و لو قيل لن يضروكم إلا ضررا لفسد الكلام، و أيضا كونه بمعنى الضرر غير ظاهر في أمثال قوله تعالى: "إن الذين يؤذون الله و رسوله:" الأحزاب - 57، و قوله تعالى: "لم تؤذونني و قد تعلمون أني رسول الله إليكم:" الصف - 5، فالظاهر أن الأذى هو الطارىء على الشيء غير الملائم لطبعه فينطبق عليه معنى الضرر بوجه.

و تسمية المحيض أذى على هذا المعنى لكون هذا الدم المستند إلى عادة النساء حاصلا من عمل خاص من طبعها يؤثر به في مزاج الدم الطبيعي الذي يحصله جهاز التغذية فيفسد مقدارا منه عن الحال الطبيعي و ينزله إلى الرحم لتطهيره أو لتغذية الجنين أو لتهيئة اللبن للإرضاع، و أما على قولهم: إن الأذى هو الضرر فقد قيل: إن المراد بالمحيض إتيان النساء في حال الحيض، و المعنى: يسألونك عن إتيانهن في هذه الحال فأجيب بأنه ضرر و هو كذلك فقد ذكر الأطباء أن الطبيعة مشتغلة في حال الطمث بتطهير الرحم و إعداده للحمل، و الوقاع يختل به نظام هذا العمل فيضر بنتائج هذا العمل الطبيعي من الحمل و غيره.

قوله تعالى: فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن، الاعتزال هو أخذ العزلة التجنب عن المخالطة و المعاشرة، يقال: عزلت نصيبه إذا ميزته و وضعته في جانب بالتفريق بينه و بين سائر الأنصباء، و القرب مقابل البعد يتعدى بنفسه و بمن، و المراد بالاعتزال ترك الإتيان من محل الدم على ما سنبين.

و قد كان للناس في أمر المحيض مذاهب شتى: فكانت اليهود تشدد في أمره، و يفارق النساء في المحيض في المأكل و المشرب و المجلس و المضجع، و في التوراة أحكام شديدة في أمرهن في المحيض، و أمر من قرب منهن في المجلس و المضجع و المس و غيره ذلك، و أما النصارى فلم يكن عندهم ما يمنع الاجتماع بهن أو الاقتراب منهن بوجه، و أما المشركون من العرب فلم يكن عندهم شيء من ذلك غير أن العرب القاطنين بالمدينة و حواليها سرى فيهم بعض آداب اليهود في أمر المحيض و التشديد في أمر معاشرتهن في هذا الحال، و غيرهم ربما كانوا يستحبون إتيان النساء في المحيض و يعتقدون أن الولد المرزوق حينئذ يصير سفاحا ولوعا في سفك الدماء و ذلك من الصفات المستحسنة عند العشائر من البدويين.

و كيف كان فقوله تعالى: فاعتزلوا النساء في المحيض، و إن كان ظاهره الأمر بمطلق الاعتزال على ما قالت به اليهود، و يؤكده قوله تعالى ثانيا: و لا تقربوهن، إلا أن قوله تعالى أخيرا فأتوهن من حيث أمركم الله - و من المعلوم أنه محل الدم - قرينة على أن قوله: فاعتزلوا و لا تقربوا، واقعان موقع الكناية لا التصريح.

و المراد به الإتيان من محل الدم فقط لا مطلق المخالطة و المعاشرة و لا مطلق التمتع و الاستلذاذ.

فالإسلام قد أخذ في أمر المحيض طريقا وسطا بين التشديد التام الذي عليه اليهود و الأعمال المطلق الذي عليه النصارى، و هو المنع عن إتيان محل الدم و الإذن فيما دونه و في قوله تعالى في المحيض، وضع الظاهر موضع المضمر و كان الظاهر أن يقال: فاعتزلوا النساء فيه و الوجه فيه أن المحيض الأول أريد به المعنى المصدري و الثاني زمان الحيض فالثاني غير الأول، و لا يفيد معناه تبديله من الضمير الراجع إلى غير معناه.

قوله تعالى: حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله، الطهارة و تقابلها النجاسة - من المعاني الدائرة في ملة الإسلام ذات أحكام و خواص مجعولة فيها تشتمل على شطر عظيم من المسائل الدينية، و قد صار اللفظان بكثرة الاستعمال من الحقائق الشرعية أو المتشرعة على ما اصطلح عليه في فن الأصول.

و أصل الطهارة بحسب المعنى مما يعرفه الناس على اختلاف ألسنتهم و لغاتهم، و من هنا يعلم أنها من المعاني التي يعرفها الإنسان في خلال حياته من غير اختصاص بقوم دون قوم أو عصر دون عصر.

فإن أساس الحياة مبني على التصرف في الماديات و البلوغ بها إلى مقاصد الحياة و الاستفادة منها لمآرب العيش فالإنسان يقصد كل شيء بالطبع لما فيه من الفائدة و الخاصية و الجدوى، و يرغب فيه لذلك، و أوسع هذه الفوائد الفوائد المربوطة بالتغذي و التوليد.

و ربما عرض للشيء عارض يوجب تغيره عما كان عليه من الصفات الموجبة لرغبة الطبع فيه، و عمدة ذلك الطعم و الرائحة و اللون، فأوجب ذلك تنفر الطبع و انسلاب رغبته عنه، و هذا هو المسمى بالنجاسة و بها يستقذر الإنسان الشيء فيجتنبه، و ما يقابله و هو كون الشيء على حاله الأولى من الفائدة و الجدوى الذي به يرغب فيه الطبع هو الطهارة، فالطهارة و النجاسة وصفان وجوديان في الأشياء من حيث وجدانها صفة توجب الرغبة فيها، أو صفة توجب كراهتها و استقذارها.

و قد كان أول ما تنبه الإنسان بهذين المعنيين انتقل بهما في المحسوسات ثم أخذ في تعميمها للأمور المعقولة غير المحسوسة لوجود أصل معنى الرغبة و النفرة فيها كالأنساب و الأفعال و الأخلاق و العقائد و الأقوال.

هذا ملخص القول في معنى الطهارة و النجاسة عند الناس، و أما النظافة و النزاهة و القدس و السبحان فألفاظ قريبة المعنى من الطهارة غير أن النظافة هي الطهارة العائدة إلى الشيء بعد قذارة سابقة و يختص استعمالها بالمحسوسات، و النزاهة أصلها البعد، و أصل إطلاقها على الطهارة من باب الاستعارة، و القدس و السبحان يختصان بالمعقولات و المعنويات، و أما القذارة و الرجس فلفظان قريبا المعنى من النجاسة، لكن الأصل في القذارة معنى البعد، يقال: ناقة قذور تترك ناحية من الإبل و تستبعد و يقال: رجل قاذورة لا يخال الناس لسوء خلقه و لا ينازلهم، و رجل مقذر بالفتح يجتنبه الناس، و يقال: قذرت الشيء بالكسر و تقذرته و استقذرته إذا كرهته، و على هذا يكون أصل استعمال القذارة بمعنى النجاسة من باب الاستعارة لاستلزام نجاسة الشيء تبعد الإنسان عنه، و كذلك الرجس و الرجز بكسر الراء، و كان الأصل في معناه الهول و الوحشة فدلالته على النجاسة استعارية.

و قد اعتبر الإسلام معنى الطهارة و النجاسة، و عممهما في المحسوس و المعقول، و طردهما في المعارف الكلية، و في القوانين الموضوعة، قال تعالى: "و لا تقربوهن حتى يطهرن" الآية، و هو النقاء من الحيض و انقطاع الدم، و قال تعالى: "و ثيابك فطهر:" المدثر - 4، و قال تعالى: "و لكن يريد ليطهركم:" المائدة - 6، و قال تعالى: "أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم:" المائدة - 41، و قال تعالى:، لا يمسه إلا المطهرون:" الواقعة - 79.

و قد عدت الشريعة الإسلامية عدة أشياء نجسة كالدم و البول و الغائط و المني من الإنسان و بعض الحيوان و الميتة و الخنزير أعيانا نجسة، و حكم بوجوب الاجتناب عنها في الصلاة و في الأكل و في الشرب، و قد عد من الطهارة أمورا كالطهارة الخبثية المزيلة للنجاسة الحاصلة بملاقات الأعيان النجسة، و كالطهارة الحدثية المزيلة للحدث الحاصلة بالوضوء و الغسل على الطرق المقررة شرعا المشروحة في كتب الفقه.

و قد مر بيان أن الإسلام دين التوحيد فهو يرجع الفروع إلى أصل واحد هو التوحيد، و ينشر الأصل الواحد في فروعه.

و من هنا يظهر: أن أصل التوحيد هي الطهارة الكبرى عند الله سبحانه، و بعد هذه الطهارة بقية المعارف الكلية طهارات للإنسان، و بعد ذلك أصول الأخلاق الفاضلة، و بعد ذلك الأحكام الموضوعة لصلاح الدنيا و الآخرة، و على هذا الأصل تنطبق الآيات السابقة المذكورة آنفا كقوله تعالى: "يريد ليطهركم:" المائدة - 6، و قوله تعالى: "و يطهركم تطهيرا:" الأحزاب - 33، إلى غير ذلك من الآيات الواردة في معنى الطهارة.



و لنرجع إلى ما كنا فيه فقوله تعالى: حتى يطهرن، أي ينقطع عنهن الدم، و هو الطهر بعد الحيض و قوله تعالى: فإذا تطهرن أي، يغسلن محل الدم أو يغتسلن، قوله تعالى: فأتوهن من حيث أمركم الله، أمر يفيد الجواز لوقوعه بعد الحظر، و هو كناية عن الأمر بالجماع على ما يليق بالقرآن الشريف من الأدب الإلهي البارع، و تقييد الأمر بالإتيان بقوله أمركم الله، لتتميم هذا التأدب فإن الجماع مما يعد بحسب بادي النظر لغوا و لهوا فقيده بكونه مما أمر الله به أمرا تكوينيا للدلالة على أنه مما يتم به نظام النوع الإنساني في حياته و بقائه فلا ينبغي عده من اللغو و اللهو بل هو من أصول النواميس التكوينية.

و هذه الآية أعني قوله تعالى: فأتوهن من حيث أمركم الله، تماثل قوله تعالى: "فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم:" البقرة - 187، و قوله تعالى: "فأتوا حرثكم أنى شئتم و قدموا لأنفسكم:" البقرة - 223، من حيث السياق، فالظاهر أن المراد بالأمر بالإتيان في الآية هو الأمر التكويني المدلول عليه بتجهيز الإنسان بالأعضاء و القوى الهادية إلى التوليد، كما أن المراد بالكتابة في قوله تعالى: و ابتغوا ما كتب الله لكم أيضا ذلك، و هو ظاهر، و يمكن أن يكون المراد بالأمر هو الإيجاب الكفائي المتعلق بالأزواج و التناكح نظير سائر الواجبات الكفائية التي لا تتم حياة النوع إلا به لكنه بعيد.

و قد استدل بعض المفسرين بهذه الآية على حرمة إتيان النساء من أدبارهن، و هو من أوهن الاستدلال و أرداه، فإنه مبني: إما على الاستدلال بمفهوم قوله تعالى: فأتوهن و هو من مفهوم اللقب المقطوع عدم حجيته، و إما على الاستدلال بدلالة الأمر على النهي عن الضد الخاص و هو مقطوع الضعف.

على أن الاستدلال لو كان بالأمر في قوله تعالى: فأتوهن فهو واقع عقيب الحظر لا يدل على الوجوب و لو كان بالأمر في قوله تعالى: من حيث أمركم الله، فهو إن كان أمرا تكوينيا كان خارجا عن الدلالة اللفظية، و إن كان أمرا تشريعيا كان للإيجاب الكفائي، و الدلالة على النهي عن الضد على تقدير التسليم إنما هي للأمر الإيجابي العيني المولوي.

قوله تعالى: إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين، التوبة هي الرجوع إلى الله سبحانه و التطهر هو الأخذ بالطهارة و قبولها فهو انقلاع عن القذارة و رجوع إلى الأصل الذي هو الطهارة فالمعنيان يتصادقان في مورد أوامر الله سبحانه و نواهيه، و خاصة في مورد الطهارة و النجاسة فالايتمار بأمر من أوامره تعالى و الانتهاء عن كل ما نهى عنه تطهر عن قذارة المخالفة و المفسدة، و توبة و رجوع إليه عز شأنه، و لمكان هذه المناسبة علل تعالى ما ذكره من الحكم بقوله: إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين، فإن من اللازم أن ينطبق ما ذكره من العلة على كل ما ذكره من الحكم، أعني قوله تعالى: فاعتزلوا النساء في المحيض، و قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله، و الآية أعني قوله: إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين، مطلقة غير مقيدة فتشمل جميع مراتب التوبة و الطهارة كما مر بيانه، و لا يبعد استفادة المبالغة من قوله تعالى: المتطهرين، كما جيء بصيغة المبالغة في قوله: التوابين، فينتج استفادة الكثرة في التوبة و الطهارة من حيث النوع و من حيث العدد جميعا، أعني: أن الله يحب جميع أنواع التوبة سواء كانت بالاستغفار أو بامتثال كل أمر و نهي من تكاليفه أو باتخاذ كل اعتقاد من الاعتقادات الحقة، و يحب جميع أنواع التطهر سواء كان بالاغتسال و الوضوء و الغسل أو التطهر بالأعمال الصالحة أو العلوم الحقة، و يحب تكرار التوبة و تكرار التطهر.

قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم، الحرث مصدر بمعنى الزراعة و يطلق كالزراعة على الأرض التي يعمل فيها الحرث و الزراعة، و أنى من أسماء الشرط يستعمل في الزمان كمتى، و ربما استعمل في المكان أيضا قال تعالى: "يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله:" آل عمران - 37، فإن كان بمعنى المكان كان المعنى من أي محل شئتم، و إن كان بمعنى الزمان كان المعنى في أي زمان شئتم، و كيف كان يفيد الإطلاق بحسب معناه و خاصة من حيث تقييده بقوله: شئتم، و هذا هو الذي يمنع الأمر أعني قوله تعالى: فأتوا حرثكم، أن يدل على الوجوب إذ لا معنى لإيجاب فعل مع إرجاعه إلى اختيار المكلف و مشيته.

ثم إن تقديم قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم، على هذا الحكم و كذا التعبير عن النساء ثانيا بالحرث لا يخلو عن الدلالة على أن المراد التوسعة في إتيان النساء من حيث المكان أو الزمان الذي يقصدن منه دون المكان الذي يقصد منهن، فإن كان الإطلاق من حيث المكان فلا تعرض للآية للإطلاق الزماني و لا تعارض له مع قوله تعالى في الآية السابقة: فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن الآية، و إن كان من حيث الزمان فهو مقيد بآية المحيض، و الدليل عليه اشتمال آية المحيض على ما يأبى معه أن ينسخه آية الحرث، و هو دلالة آية المحيض على أن المحيض أذى و أنه السبب لتشريع حرمة إتيانهن في المحيض و المحيض أذى دائما، و دلالتها أيضا على أن تحريم الإتيان في المحيض نوع تطهير من القذارة و الله سبحانه يحب التطهر دائما، و يمتن على عباده بتطهيرهم كما قال تعالى: "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج و لكن يريد ليطهركم و يتم نعمته عليكم:" المائدة - 6.

و من المعلوم أن هذا اللسان لا يقبل التقييد بمثل قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم، المشتمل أولا على التوسعة، و هو سبب كان موجودا مع سبب التحريم و عند تشريعه و لم يؤثر شيئا فلا يتصور تأثيره بعد استقرار التشريع و ثانيا على مثل التذييل الذي هو قوله تعالى: و قدموا لأنفسكم و اتقوا الله و اعلموا أنكم

<<        الفهرس        >>