جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج2 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


ملاقوه و بشر المؤمنين، و من هذا البيان يظهر: أن آية الحرث لا تصلح لنسخ آية المحيض سواء تقدمت عليها نزولا أو تأخرت.

فمحصل معنى الآية: أن نسبة النساء إلى المجتمع الإنساني نسبة الحرث إلى الإنسان فكما أن الحرث يحتاج إليه لإبقاء البذور و تحصيل ما يتغذى به من الزاد لحفظ الحياة و إبقائها كذلك النساء يحتاج إليهن النوع في بقاء النسل و دوام النوع لأن الله سبحانه جعل تكون الإنسان و تصور مادته بصورته في طباع أرحامهن، ثم جعل طبيعة الرجال و فيهم بعض المادة الأصلية مائلة منعطفة إليهن، و جعل بين الفريقين مودة و رحمة، و إذا كان كذلك كان الغرض التكويني من هذا الجعل هو تقديم الوسيلة لبقاء النوع فلا معنى لتقييد هذا العمل بوقت دون وقت، أو محل دون محل إذا كان مما يؤدي إلى ذلك الغرض و لم يزاحم أمرا آخر واجبا في نفسه لا يجوز إهماله و بما ذكرنا يظهر معنى قوله تعالى و قدموا لأنفسكم.

و من غريب التفسير الاستدلال بقوله تعالى: نساؤكم حرث لكم الآية، على جواز العزل عند الجماع و الآية غير ناظرة إلى هذا النوع من الإطلاق، و نظيره تفسير قوله تعالى و قدموا لأنفسكم، بالتسمية قبل الجماع.

قوله تعالى: و قدموا لأنفسكم و اتقوا الله و اعلموا أنكم ملاقوه و بشر المؤمنين، قد ظهر: أن المراد من قوله: قدموا لأنفسكم و خطاب الرجال أو مجموع الرجال و النساء بذلك الحث على إبقاء النوع بالتناكح و التناسل، و الله سبحانه لا يريد من نوع الإنسان و بقائه إلا حياة دينه و ظهور توحيده و عبادته بتقويهم العام، قال تعالى: "و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون:" الذاريات - 56، فلو أمرهم بشيء مما يرتبط بحياتهم و بقائهم فإنما يريد توصلهم بذلك إلى عبادة ربهم لا إخلادهم إلى الأرض و انهماكهم في شهوات البطن و الفرج، و تيههم في أودية الغي و الغفلة.

فالمراد بقوله: قدموا لأنفسكم و إن كان هو الاستيلاد و تقدمه أفراد جديدي الوجود و التكون إلى المجتمع الإنساني الذي لا يزال يفقد أفرادا بالموت و الفناء، و ينقص عدده بمرور الدهر لكن لا لمطلوبيتهم في نفسه بل للتوصل به إلى إبقاء ذكر الله سبحانه ببقاء النسل و حدوث أفراد صالحين ذوي أعمال صالحة تعود مثوباتها و خيراتها إلى أنفسهم و إلى صالحي آبائهم المتسببين إليهم كما قال تعالى: "و نكتب ما قدموا و آثارهم:" يس - 12.

و بهذا الذي ذكرنا يتأيد: أن المراد بتقديمهم لأنفسهم تقديم العمل الصالح ليوم القيامة كما قال تعالى: "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه:" النبأ - 40، و قال تعالى أيضا: "و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا و أعظم أجرا:" المزمل - 20، فقوله تعالى: "و قدموا لأنفسكم و اتقوا الله و اعلموا أنكم ملاقوه "إلخ"، مماثل السياق لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و لتنظر نفس ما قدمت لغد و اتقوا الله إن الله خبير بما تعملون:" الحشر - 18، فالمراد و الله أعلم بقوله تعالى: و قدموا لأنفسكم تقديم العمل الصالح، و منه تقديم الأولاد برجاء صلاحهم للمجتمع، و بقوله تعالى: و اتقوا الله، التقوى بالأعمال الصالحة في إتيان الحرث و عدم التعدي عن حدود الله و التفريط في جنب الله و انتهاك محارم الله، و بقوله تعالى: و اعلموا أنكم ملاقوه "إلخ"، الأمر بتقوى الله بمعنى الخوف من يوم اللقاء و سوء الحساب كما أن المراد بقوله تعالى في آية الحشر و اتقوا الله إن الله خبير بما تعملون الآية، التقوى بمعنى الخوف، و إطلاق الأمر بالعلم و إرادة لازمه و هو المراقبة و التحفظ و الاتقاء شائع في الكلام، قال تعالى: "و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه:" الأنفال - 24، أي اتقوا حيلولته بينكم و بين قلوبكم و لما كان العمل الصالح و خوف يوم الحساب من اللوازم الخاصة بالإيمان ذيل تعالى كلامه بقوله: و بشر المؤمنين، كما صدر آية الحشر بقوله: يا أيها الذين آمنوا.

بحث روائي

في الدر المنثور،: أخرج أحمد و عبد بن حميد و الدارمي و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و أبو يعلى و ابن المنذر و أبو حاتم و النحاس في ناسخه و أبو حيان و البيهقي في سننه عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت و لم يؤاكلوها و لم يشاربوها و لم يجامعوها في البيوت، فسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك فأنزل الله: و يسألونك عن المحيض قل هو أذى - فاعتزلوا النساء في المحيض الآية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جامعوهن في البيوت و اصنعوا كل شيء إلا النكاح، فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن خضير و عباد بن بشر فقالا: يا رسول الله إن اليهود قالت: كذا و كذا أ فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلهما هدية من لبن إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأرسل في أثرهما فسقاهما فعرفا أنه لم يحد عليهما.

و في الدر المنثور، عن السدي: في قوله: و يسألونك عن المحيض، قال: الذي سأل عن ذلك ثابت بن الدحداح: أقول: و روي مثله عن مقاتل أيضا.

و في التهذيب، عن الصادق (عليه السلام) في حديث: في قوله تعالى: فأتوهن من حيث أمركم الله الآية، قال (عليه السلام): هذا في طلب الولد فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله.

و في الكافي،: سئل عن الصادق (عليه السلام): ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال (عليه السلام): كل شيء ما عدا القبل بعينه.

و فيه، أيضا عنه (عليه السلام): في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها، قال (عليه السلام): إذا أصاب زوجها شبق فليأمر فلتغسل فرجها ثم يمسها إن شاء، قبل أن تغتسل، و في رواية: و الغسل أحب إلي.

أقول: و الروايات في هذه المعاني كثيرة جدا و هي تؤيد قراءة يطهرن بالتخفيف و هو انقطاع الدم كما قيل: إن الفرق بين يطهرن و يتطهرن أن الثاني قبول الطهارة، ففيه معنى الاختيار فيناسب الاغتسال، بخلاف الأول فإنه حصول الطهارة، فليس فيه معنى الاختيار فيناسب الطهارة بانقطاع الدم، و المراد بالتطهر إن كان هو الغسل بفتح الغين أفاد استحباب ذلك، و إن كان هو الغسل بضم الغين أفاد استحباب الإتيان بعد الغسل كما أفاده (عليه السلام) بقوله: و الغسل أحب إلي، لا حرمة الإتيان قبله أعني فيما بين الطهارة و التطهر لمنافاته كون يطهرن غاية مضروبة للنهي، فافهم ذلك.

و في الكافي، أيضا عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين، قال: كان الناس يستنجون بالكرسف و الأحجار ثم أحدث الوضوء و هو خلق كريم فأمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صنعه فأنزل الله في كتابه: إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين.

أقول: و الأخبار في هذا المعنى كثيرة، و في بعضها: أن أول من استنجى بالماء براء بن عازب فنزلت الآية و جرت به السنة.

و فيه، عن سلام بن المستنير، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فدخل عليه حمران بن أعين و سأله عن أشياء، فلما هم حمران بالقيام قال لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرك أطال الله بقاك و أمتعنا بك: إنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى يرق قلوبنا و تسلو أنفسنا عن الدنيا و هون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس و التجار أحببنا الدنيا، قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): إنما هي القلوب، مرة تصعب و مرة تسهل ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) أما إن أصحاب محمد قالوا: يا رسول الله نخاف علينا من النفاق؟ قال: فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): و لم تخافون ذلك؟ قالوا: إذا كنا عندك فذكرتنا و رغبتنا وجلنا و نسينا الدنيا و زهدنا حتى كنا نعاين الآخرة و الجنة و النار و نحن عندك، فإذا خرجنا من عندك و دخلنا هذه البيوت و شممنا الأولاد و رأينا العيال و الأهل يكاد أن نحول عن الحالة التي كنا عليها عندك، و حتى كأنا لم نكن على شيء، أ فتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟ فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كلا إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا، و الله لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة، و مشيتم على الماء، و لو لا أنكم تذنبون فتستغفرون الله تعالى لخلق خلقا حتى يذنبوا فيستغفروا الله تعالى فيغفر لهم، إن المؤمن مفتن تواب أ ما سمعت قول الله عز و جل: إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين، و قال تعالى: استغفروا ربكم ثم توبوا إليه: أقول: و روى مثله العياشي في تفسيره، قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو تدومون على الحالة، إشارة إلى مقام الولاية و هو الانصراف عن الدنيا و الإشراف على ما عند الله سبحانه، و قد مر شطر من الكلام فيها في البحث عن قوله تعالى: "الذين إذا أصابتهم مصيبة": البقرة - 156.

و قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو لا أنكم تذنبون "إلخ"، إشارة إلى سر القدر، و هو انسحاب حكم أسمائه تعالى إلى مرتبة الأفعال و جزئيات الحوادث بحسب ما لمفاهيم الأسماء من الاقتضاءات، و سيجيء الكلام فيه في ذيل قوله تعالى: "و إن من شيء إلا عندنا خزائنه و ما ننزله إلا بقدر معلوم": الحجر - 21، و سائر آيات القدر، و قوله أ ما سمعت قول الله عز و جل: إن الله يحب التوابين "إلخ"، من كلام أبي جعفر (عليه السلام)، و الخطاب لحمران، و فيه تفسير التوبة و التطهر بالرجوع إلى الله تعالى من المعاصي و إزالة قذارات الذنوب عن النفس، و رينها عن القلب، و هذا من استفادة مراتب الحكم من حكم بعض المراتب، نظير ما ورد في قوله تعالى: "لا يمسه إلا المطهرون:" الواقعة - 79، من الاستدلال به على أن علم الكتاب عند المطهرين من أهل البيت، و الاستدلال على حرمة مس كتابة القرآن على غير طهارة.

و كما أن الخلقة تتنزل آخذة من الخزائن التي عند الله تعالى حتى تنتهي إلى آخر عالم المقادير على ما قال تعالى: "و إن من شيء إلا عندنا خزائنه و ما ننزله إلا بقدر معلوم:" الحجر - 21، كذلك أحكام المقادير لا تتنزل إلا بالمرور من منازل الحقائق فافهم ذلك، و سيجيء له زيادة توضيح في البحث عن قوله تعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات الآية:" آل عمران - 7.

و من هنا يستأنس ما مرت إليه الإشارة: أن المراد بالتوبة و التطهر في الآية على ظاهر التنزيل هو الغسل بالماء فهو إرجاع البدن إلى الله سبحانه بإزالة القذر عنه.

و يظهر أيضا: معنى ما تقدم نقله عن تفسير القمي، من قوله (عليه السلام): أنزل الله على إبراهيم (عليه السلام) الحنيفية، و هي الطهارة، و هي عشرة أشياء: خمسة في الرأس و خمسة في البدن، فأما التي في الرأس: فأخذ الشارب، و إعفاء اللحى، و طم الشعر، و السواك، و الخلال، و أما التي في البدن: فأخذ الشعر من البدن، و الختان، و قلم الأظفار، و الغسل من الجنابة و الطهور بالماء، و هي الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ و لا تنسخ إلى يوم القيامة الحديث، و الأخبار في كون هذه الأمور من الطهارة كثيرة، و فيها: أن النورة طهور.

و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم الآية،: عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال: أي شيء تقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟ قلت بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأسا، قال (عليه السلام): إن اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل من خلفها خرج ولده أحول فأنزل الله: نساؤكم حرث لكم - فأتوا حرثكم أنى شئتم، يعني من خلف أو قدام، خلافا لقول اليهود في أدبارهن.

و فيه، عن الصادق (عليه السلام): في الآية فقال (عليه السلام): من قدامها و من خلفها في القبل.

و فيه، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يأتي أهله في دبرها فكره ذلك و قال: و إياكم و محاش النساء، و قال: إنما معنى نساؤكم حرث لكم - فأتوا حرثكم أنى شئتم، أي ساعة شئتم.

و فيه، عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام) في مثله، فورد الجواب سألت عمن أتى جارية في دبرها و المرأة لعبة لا تؤذى و هي حرث كما قال الله.



أقول: و الروايات في هذه المعاني عن أئمة أهل البيت كثيرة، مروية في الكافي، و التهذيب، و تفسيري العياشي، و القمي، و هي تدل جميعا: أن الآية لا تدل على أزيد من الإتيان من قدامهن، و على ذلك يمكن أن يحمل قول الصادق (عليه السلام) في رواية العياشي عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إتيان النساء في أعجازهن قال: لا بأس ثم تلا هذه الآية: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم.

أقول: الظاهر أن المراد بالإتيان في أعجازهن هو الإتيان من الخلف في الفرج، و الاستدلال بالآية على ذلك كما يشهد به خبر معمر بن خلاد المتقدم.

و في الدر المنثور،: أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، قال: كانت الأنصار تأتي نساءها مضاجعة، و كانت قريش تشرح شرحا كثيرا فتزوج رجل من قريش امرأة من الأنصار فأراد أن يأتيها فقالت: لا إلا كما يفعل فأخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل: "فأتوا حرثكم أنى شئتم" أي قائما و قاعدا و مضطجعا بعد أن يكون في صمام واحد.

أقول: و قد روي في هذا المعنى بعدة طرق عن الصحابة في سبب نزول الآية، و قد مرت الرواية فيه عن الرضا (عليه السلام).

و قوله: في صمام واحد أي في مسلك واحد، كناية عن كون الإتيان في الفرج فقط، فإن الروايات متكاثرة من طرقهم في حرمة الإتيان من أدبار النساء، رووها بطرق كثيرة عن عدة من الصحابة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و قول أئمة أهل البيت و إن كان هو الجواز على كراهة شديدة على ما روته أصحابنا بطرقهم الموصولة إليهم (عليهم السلام) إلا أنهم (عليهم السلام) لم يتمسكوا فيه بقوله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم الآية، كما مر بيانه بل استدلوا عليه بقوله تعالى حكاية عن لوط: قال: "إن هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين:" الحجر - 71، حيث عرض " (عليه السلام)" عليهم بناته و هو يعلم أنهم لا يريدون الفروج و لم ينسخ الحكم بشيء من القرآن.

و الحكم مع ذلك غير متفق عليه فيما رووه من الصحابة، فقد روي عن عبد الله بن عمر و مالك بن أنس و أبي سعيد الخدري و غيرهم: أنهم كانوا لا يرون به بأسا و كانوا يستدلون على جوازه بقوله تعالى: نساؤكم حرث لكم الآية حتى إن المنقول عن ابن عمر أن الآية إنما نزلت لبيان جوازه.

ففي الدر المنثور، عن الدارقطني في غرائب مالك مسندا عن نافع قال: قال لي ابن عمر: أمسك على المصحف يا نافع! فقرأ حتى أتى على، نساؤكم حرث لكم - فأتوا حرثكم أنى شئتم، قال لي: تدري يا نافع فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك، فأنزل الله "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" الآية، قلت له: من دبرها في قبلها قال لا إلا في دبرها.

أقول: و روي في هذا المعنى عن ابن عمر بطرق كثيرة، قال: و قال ابن عبد البر: الرواية بهذا المعنى عن ابن عمر صحيحة معروفة عنه مشهورة.

و في الدر المنثور، أيضا: أخرج ابن راهويه و أبو يعلى و ابن جرير و الطحاوي في مشكل الآثار و ابن مردويه بسند حسن عن أبي سعيد الخدري: أن رجلا أصاب امرأته في دبرها، فأنكر الناس عليه ذلك، فأنزلت نساؤكم حرث لكم - فأتوا حرثكم أنى شئتم، الآية.

و فيه، أيضا أخرج الخطيب في رواة مالك عن أبي سليمان الجوزجاني، قال: سألت مالك بن أنس عن وطي الحلائل في الدبر. فقال لي: الساعة غسلت رأسي عنه.

و فيه، أيضا: أخرج الطحاوي من طريق أصبغ بن الفرج عن عبد الله بن القاسم، قال: ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال يعني: وطي المرأة في دبرها ثم قرأ: نساؤكم حرث لكم، ثم قال: فأي شيء أبين من هذا؟ و في سنن أبي داود، عن ابن عباس قال: إن ابن عمر و الله يغفر له أوهم أنما كان هذا الحي من الأنصار و هم أهل وثن مع هذا الحي من يهود و هم أهل كتاب، و كان يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم و كان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف، و ذلك أثر ما تكون المرأة، و كان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، و كان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا، و يتلذذون مقبلات و مدبرات و مستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه فقالت: إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك و إلا فاجتنبني فسرى أمرهما فبلغ ذلك رسول الله، فأنزل الله عز و جل: نساؤكم حرث لكم - فأتوا حرثكم أنى شئتم، أي مقبلات و مدبرات و مستلقيات، يعني بذلك موضع الولد: أقول: و رواه السيوطي في الدر المنثور، بطرق أخرى أيضا عن مجاهد، عن ابن عباس.

و فيه، أيضا: أخرج ابن عبد الحكم: أن الشافعي ناظر محمد بن الحسن في ذلك، فاحتج عليه ابن الحسن بأن الحرث إنما يكون في الفرج فقال له: فيكون ما سوى الفرج محرما فالتزمه فقال: أ رأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها الأعكان جمع. عكنة بضم العين: ما انطوى و ثنى من لحم البطن أ في ذلك حرث: قال: لا، قال، أ فيحرم؟ قال: لا قال: فكيف تحتج بما لا تقولون به؟ و فيه، أيضا: أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال: بينا أنا و مجاهد جالسان عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال: أ لا تشفيني من آية المحيض؟ قال: بلى فاقرأ: و يسألونك عن المحيض إلى قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله فقال: ابن عباس: من حيث جاء الدم من ثم أمرت أن تأتي فقال: كيف بالآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم؟ فقال: أي، ويحك، و في الدبر من حرث؟ لو كان ما تقول حقا كان المحيض منسوخا إذا شغل من هاهنا جئت من هاهنا، و لكن أنى شئتم من الليل و النهار.

أقول: و استدلاله كما ترى مدخول، فإن آية المحيض لا تدل على أزيد من حرمة الإتيان من محل الدم عند المحيض فلو دلت آية الحرث على جواز إتيان الأدبار لم يكن بينها نسبة التنافي أصلا حتى يوجب نسخ حكم آية المحيض؟ على أنك قد عرفت أن آية الحرث أيضا لا تدل على ما راموه من جواز إتيان الأدبار، نعم يوجد في بعض الروايات المروية عن ابن عباس: الاستدلال على حرمة الإتيان من محاشيهن بالأمر الذي في قوله تعالى: فأتوهن من حيث أمركم الله الآية، و قد عرفت فيما مر من البيان أنه من أفسد الاستدلال، و أن الآية تدل على حرمة الإتيان من محل الدم ما لم يطهرن و هي ساكتة عما دونه، و أن آية الحرث أيضا غير دالة إلا على التوسعة من حيث الحرث، و المسألة فقهية إنما اشتغلنا بالبحث عنها بمقدار ما تتعلق بدلالة الآيات.

2 سورة البقرة - 224 - 227

وَ لا تجْعَلُوا اللّهَ عُرْضةً لأَيْمَنِكمْ أَن تَبَرّوا وَ تَتّقُوا وَ تُصلِحُوا بَينَ النّاسِ وَ اللّهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللّغْوِ فى أَيْمَنِكُمْ وَ لَكِن يُؤَاخِذُكُم بمَا كَسبَت قُلُوبُكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) لِّلّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسائهِمْ تَرَبّص أَرْبَعَةِ أَشهُرٍ فَإِن فَاءُو فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ (226) وَ إِنْ عَزَمُوا الطلَقَ فَإِنّ اللّهَ سمِيعٌ عَلِيمٌ (227)

بيان

قوله تعالى: و لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا إلى آخر الآية، العرضة بالضم من العرض و هو كإرائة الشيء للشيء حتى يرى صلوحه لما يريده و يقصده كعرض المال للبيع و عرض المنزل للنزول و عرض الغذاء للأكل، و منه ما يقال للهدف: أنه عرضة للسهام، و للفتاة الصالحة للازدواج أنها عرضة للنكاح، و للدابة المعدة للسفر أنها عرضة للسفر و هذا هو الأصل في معناها، و أما العرضة بمعنى المانع المعرض في الطريق و كذا العرضة بمعنى ما ينصب ليكون معرضا لتوارد الواردات و تواليها في الورود كالهدف للسهام حتى يفيد كثرة العوارض إلى غير ذلك من معانيها فهي مما لحقها من موارد استعمالها غير دخيلة في أصل المعنى.

و الأيمان جمع يمين بمعنى الحلف مأخوذة من اليمين بمعنى الجارحة لكونهم يضربون بها في الحلف و العهد و البيعة و نحو ذلك فاشتق من آلة العمل اسم للعمل، للملازمة بينها كما يشتق من العمل اسم لآلة العمل كالسبابة للإصبع التي يسب بها.

و معنى الآية و الله أعلم: و لا تجعلوا الله عرضة تتعلق بها أيمانكم التي عقدتموها بحلفكم أن لا تبروا و تتقوا و تصلحوا بين الناس فإن الله سبحانه لا يرضى أن يجعل اسمه ذريعة للامتناع عما أمر به من البر و التقوى و الإصلاح بين الناس، و يؤيد هذا المعنى ما ورد من سبب نزول الآية على ما سننقله في البحث الروائي إن شاء الله.

و على هذا يصير قوله تعالى: أن تبروا "إلخ"، بتقدير، لا، أي أن لا تبروا، و هو شائع مع أن المصدرية كقوله تعالى "يبين الله لكم أن تضلوا:" النساء - 17، أي أن لا تضلوا أو كراهة أن تضلوا، و يمكن أن لا يكون بتقدير، لا، و قوله تعالى: أن تبروا، متعلقا بما يدل عليه قوله تعالى: و لا تجعلوا، من النهي أي ينهاكم الله عن الحلف الكذائي أو يبين لكم حكمه الكذائي أن تبروا و تتقوا و تصلحوا بين الناس، و يمكن أن يكون العرضة بمعنى ما يكثر عليه العرض فيكون نهيا عن الإكثار من الحلف بالله سبحانه، و المعنى لا تكثروا من الحلف بالله فإنكم إن فعلتم ذلك أداكم إلى أن لا تبروا و لا تتقوا و لا تصلحوا بين الناس، فإن الحلاف المكثر من اليمين لا يستعظم ما حلف به و يصغر أمر ما أقسم به لكثرة تناوله فلا يبالي الكذب فيكثر منه هذا عند نفسه، و كذا يهون خطبه و ينزل قدره عند الناس لاستشعارهم أنه لا يرى لنفسه عند الناس قدم صدق و يعتقد أنهم لا يصدقونه فيما يقول، و لا أنه يوقر نفسه بالاعتماد عليها، فيكون على حد قوله تعالى: "و لا تطع كل حلاف مهين:" القلم - 10، و الأنسب على هذا المعنى أيضا عدم تقدير لا في الكلام بل قوله تعالى: أن تبروا منصوب بنزع الخافض أو مفعول له لما يدل عليه النهي في قوله و لا تجعلوا، كما مر.

و في قوله تعالى: و الله سميع عليم نوع تهديد على جميع المعاني غير أن المعنى الأول أظهرها كما لا يخفى.

قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم إلى آخر الآية، اللغو من الأفعال ما لا يستتبع أثرا، و أثر الشيء يختلف باختلاف جهاته و متعلقاته، فلليمين أثر من حيث إنه لفظ، و أثر من حيث إنه مؤكد للكلام، و أثر من حيث إنه عقد و أثر من حيث حنثه و مخالفة مؤداه، و هكذا إلا أن المقابلة في الآية بين عدم المؤاخذة على لغو اليمين و بين المؤاخذة على ما كسبته القلوب و خاصة من حيث اليمين تدل على أن المراد بلغو اليمين ما لا يؤثر في قصد الحالف، و هو اليمين الذي لا يعقد صاحبه على شيء من قول: لا و الله و بلى و الله.

و الكسب هو اجتلاب المنافع بالعمل بصنعة أو حرفة أو نحوهما و أصله في اقتناء ما يرتفع به حوائج الإنسان المادية ثم استعير لكل ما يجتلبه الإنسان بعمل من أعماله من خير أو شر ككسب المدح و الفخر و حسن الذكر بحسن الخلق و الخدمات النوعية و كسب الخلق الحسن و العلم النافع و الفضيلة بالأعمال المناسبة لها، و كسب اللوم و الذم، و اللعن و الطعن، و الذنوب و الآثام، و نحوها بالأعمال المستتبعة لذلك، فهذا هو معنى الكسب و الاكتساب، و قد قيل في الفرق بينهما إن الاكتساب اجتلاب الإنسان المنفعة لنفسه، و الكسب أعم مما يكون لنفسه أو غيره مثل كسب العبد لسيده و كسب الولي للمولى عليه و نحو ذلك.

و كيف كان فالكاسب و المكتسب هو الإنسان لا غير.

كلام في معنى القلب في القرآن

و هذا من الشواهد على أن المراد بالقلب هو الإنسان بمعنى النفس و الروح، فإن التعقل و التفكر و الحب و البغض و الخوف و أمثال ذلك و إن أمكن أن ينسبه أحد إلى القلب باعتقاد أنه العضو المدرك في البدن على ما ربما يعتقده العامة كما ينسب السمع إلى الأذن و الإبصار إلى العين و الذوق إلى اللسان، لكن الكسب و الاكتساب مما لا ينسب إلا إلى الإنسان البتة.

و نظير هذه الآية قوله تعالى: "فإنه آثم قلبه:" البقرة - 283، و قوله تعالى: "و جاء بقلب منيب:" ق - 33.

و الظاهر: أن الإنسان لما شاهد نفسه و سائر أصناف الحيوان و تأمل فيها و رأى أن الشعور و الإدراك ربما بطل أو غاب عن الحيوان بإغماء أو صرع أو نحوهما، و الحياة المدلول عليها بحركة القلب و نبضانه باقية بخلاف القلب قطع على أن مبدأ الحياة هو القلب، أي أن الروح التي يعتقدها في الحيوان أول تعلقها بالقلب و إن سرت منه إلى جميع أعضاء الحياة، و أن الآثار و الخواص الروحية كالإحساسات الوجدانية مثل الشعور و الإرادة و الحب و البغض و الرجاء و الخوف و أمثال ذلك كلها للقلب بعناية أنه أول متعلق للروح، و هذا لا ينافي كون كل عضو من الأعضاء مبدأ لفعله الذي يختص به كالدماغ للفكر و العين للإبصار و السمع للوعي و الرئة للتنفس و نحو ذلك، فإنها جميعا بمنزلة الآلات التي يفعل بها الأفعال المحتاجة إلى توسيط الآلة.

و ربما يؤيد هذا النظر: ما وجده التجارب العلمي أن الطيور لا تموت بفقد الدماغ إلا أنها تفقد الإدراك و لا تشعر بشيء و تبقى على تلك الحال حتى تموت بفقد المواد الغذائية و وقوف القلب عن ضربانه.

و ربما أيده أيضا: أن الأبحاث العلمية الطبيعية لم توفق حتى اليوم لتشخيص المصدر الذي يصدر عنه الأحكام البدنية أعني عرش الأوامر التي يمتثلها الأعضاء الفعالة في البدن الإنساني، إذ لا ريب أنها في عين التشتت و التفرق من حيث أنفسها و أفعالها مجتمعة تحت لواء واحد منقادة لأمير واحد وحدة حقيقية.

و لا ينبغي أن يتوهم أن ذلك كان ناشئا عن الغفلة عن أمر الدماغ و ما يخصه من الفعل الإدراكي، فإن الإنسان قد تنبه لما عليه الرأس من الأهمية منذ أقدم الأزمنة، و الشاهد عليه ما نرى في جميع الأمم و الملل على اختلاف ألسنتهم من تسمية مبدإ الحكم و الأمر بالرأس، و اشتقاق اللغات المختلفة منه، كالرأس و الرئيس و الرئاسة، و رأس الخيط، و رأس المدة، و رأس المسافة، و رأس الكلام، و رأس الجبل، و الرأس من الدواب و الأنعام، و رئاس السيف.

فهذا - على ما يظهر - هو السبب في إسنادهم الإدراك و الشعور و ما لا يخلو عن شوب إدراك مثل الحب و البغض و الرجاء و الخوف و القصد و الحسد و العفة و الشجاعة و الجرأة و نحو ذلك إلى القلب، و مرادهم به الروح المتعلقة بالبدن أو السارية فيه بواسطته، فينسبونها إليه كما ينسبونها إلى الروح و كما ينسبونها إلى أنفسهم، يقال: أحببته و أحبته روحي و أحبته نفسي و أحبه قلبي ثم استقر التجوز في الاستعمال فأطلق القلب و أريد به النفس مجازا كما ربما تعدوا عنه إلى الصدر فجعلوه لاشتماله على القلب مكانا لأنحاء الإدراك و الأفعال و الصفات الروحية.

و في القرآن شيء كثير من هذا الباب، قال تعالى: "يشرح صدره للإسلام:" الأنعام - 125، و قال تعالى: "إنك يضيق صدرك": الحجر - 97، و قال تعالى: "و بلغت القلوب الحناجر:" الأحزاب - 10، و هو كناية عن ضيق الصدر، و قال تعالى: "إن الله عليم بذات الصدور:" المائدة - 7، و ليس من البعيد أن تكون هذه الإطلاقات في كتابه تعالى إشارة إلى تحقيق هذا النظر و إن لم يتضح كل الاتضاح بعد.

و قد رجح الشيخ أبو علي بن سينا كون الإدراك للقلب بمعنى أن دخالة الدماغ فيه دخالة الآلة فللقلب الإدراك و للدماغ الوساطة.



و لنرجع إلى الآية و لا يخلو قوله تعالى: و لكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم، عن مجاز عقلي فإن ظاهر الإضراب عن المؤاخذة في بعض أقسام اليمين و هو اللغو إلى بعض آخر أن تتعلق بنفسه و لكن عدل عنه إلى تعليقه بأثره و هو الإثم المترتب عليه عند الحنث ففيه مجاز عقلي و إضراب في إضراب للإشارة إلى أن الله سبحانه لا شغل له إلا بالقلب كما قال تعالى: "إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله:" البقرة - 284، و قال تعالى: "و لكن يناله التقوى منكم:" الحج - 37.

و في قوله تعالى: و الله غفور حليم، إشارة إلى كراهة اللغو من اليمين، فإنه مما لا ينبغي صدوره من المؤمن.

و قد قال تعالى: "و قد أفلح المؤمنون إلى أن قال و الذين هم عن اللغو معرضون:" المؤمنون - 3.

قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم "إلخ"، الإيلاء من الألية بمعنى الحلف، و غلب في الشرع في حلف الزوج أن لا يأتي زوجته غضبا و إضرارا، و هو المراد في الآية، و التربص هو الانتظار، و الفيء هو الرجوع.

و الظاهر أن تعدية الإيلاء بمن لتضمينه معنى الابتعاد و نحوه فيفيد وقوع الحلف على الاجتناب عن المباشرة، و يشعر به تحديد التربص بالأربعة أشهر فإنها الأمد المضروب للمباشرة الواجبة شرعا، و منه يعلم أن المراد بالعزم على الطلاق العزم مع إيقاعه، و يشعر به أيضا تذييله بقوله تعالى: فإن الله سميع عليم، فإن السمع إنما يتعلق بالطلاق الواقع لا بالعزم عليه.

و في قوله تعالى: فإن الله غفور رحيم، دلالة على أن الإيلاء لا عقاب عليه على تقدير الفيء.

و أما الكفارة فهي حكم شرعي لا يقبل المغفرة، قال تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين الآية:" المائدة - 89.

فالمعنى أن من آلى من امرأته يتربص له الحاكم أربعة أشهر فإن رجع إلى حق الزوجية و هو المباشرة و كفر و باشر فلا عقاب عليه و إن عزم الطلاق و أوقعه فهو المخلص الآخر، و الله سميع عليم.

بحث روائي

في تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: و لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم الآية، قال (عليه السلام): هو قول الرجل: لا و الله و بلى و الله و فيه، أيضا عن الباقر و الصادق (عليهما السلام): في الآية يعني الرجل يحلف أن لا يكلم أخاه و ما أشبه ذلك أو لا يكلم أمه.

و في الكافي، عن الصادق (عليه السلام): في الآية، قال: إذا دعيت لتصلح بين اثنين فلا تقل علي يمين أن لا أفعل.

أقول: و الرواية الأولى كما ترى تفسر الآية بأحد المعنيين، و الثانية و الثالثة بالمعنى الآخر، و يقرب منهما ما في تفسير العياشي أيضا عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) قالا: هو الرجل يصلح بين الرجل فيحمل ما بينهما من الإثم الحديث، فكان المراد أنه ينبغي أن لا يحلف بل يصلح و يحمل الإثم و الله يغفر له، فيكون مصداقا للعامل بالآية.

و في الكافي، عن مسعدة عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم الآية، قال: اللغو قول الرجل: لا و الله و بلى و الله و لا يعقد على شيء.

أقول: و هذا المعنى مروي في الكافي، عنه (عليه السلام) من غير الطريق، و في المجمع، عنه و عن الباقر (عليه السلام).

و في الكافي، أيضا عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) أنهما قالا: إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول و لا حق في الأربعة أشهر، و لا إثم عليه في الكف عنها في الأربعة أشهر، فإن مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسها فما سكتت و رضيت فهو في حل و سعة، فإن رفعت أمرها قيل له: إما أن تفيء فتمسها و إما أن تطلق، و عزم الطلاق أن يخلي عنها، فإذا حاضت و طهرت طلقها، و هو أحق برجعتها ما لم يمض ثلاثة قروء، فهذا الإيلاء الذي أنزل الله في كتابه و سنة رسول الله.

و فيه، أيضا عن الصادق (عليه السلام) في حديث: و الإيلاء أن يقول: و الله لا أجامعك كذا و كذا أو يقول: و الله لأغيظنك ثم يغاظها، الحديث.

أقول: و في خصوصيات الإيلاء و بعض ما يتعلق به خلاف بين العامة و الخاصة، و البحث فقهي مذكور في الفقه.

2 سورة البقرة - 228 - 242

وَ الْمُطلّقَت يَترَبّصنَ بِأَنفُسِهِنّ ثَلَثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يحِلّ لَهُنّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فى أَرْحَامِهِنّ إِن كُنّ يُؤْمِنّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ بُعُولَتهُنّ أَحَقّ بِرَدِّهِنّ فى ذَلِك إِنْ أَرَادُوا إِصلَحاً وَ لَهُنّ مِثْلُ الّذِى عَلَيهِنّ بِالمَْعْرُوفِ وَ لِلرِّجَالِ عَلَيهِنّ دَرَجَةٌ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطلَقُ مَرّتَانِ فَإِمْساك بمَعْرُوفٍ أَوْ تَسرِيحُ بِإِحْسنٍ وَ لا يحِلّ لَكمْ أَن تَأْخُذُوا مِمّا ءَاتَيْتُمُوهُنّ شيْئاً إِلا أَن يخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا فِيمَا افْتَدَت بِهِ تِلْك حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَ مَن يَتَعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولَئك هُمُ الظلِمُونَ (229) فَإِن طلّقَهَا فَلا تحِلّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتى تَنكِحَ زَوْجاً غَيرَهُ فَإِن طلّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظنّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَ تِلْك حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنهَا لِقَوْمٍ

<<        الفهرس        >>